منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   جدران الخوف (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=12439)

خا لد عبد اللطيف 11-17-2013 10:47 PM

جدران الخوف
 
" جـــدران الخـــوف"

نظر إلى ساعته، بدت له الدقائق والثواني أبطأ من سلحفاة ثخيثة، أو حمار أعرج واهن. تأمل الغرفة التي ضمته جدرانها الصدئة في غيظ وحنق. تزحزح من مكانه بحثا عن نسمة هواء منعشة. لكن دخان السجائر وزوابع الشيرا، ورياح القنب الهندي كانت أسرع إلى رئتيه. تحسس ملكيته الأضيق من كفي دعاء، فوجدها مليئة بعرق نتن، وسائل لزج لم يتبين ما هو. أشبه بالمخاط أو حبيبات اللصاق. حرك يديه المتشنجتين، لكن أياد آثمة كانت أسرع إلى جسده ،وانهالت عليه بالضرب أينما اتفق. حاول حماية وجهه، حتى لا تبصر زائرة عزيزة عليه ندوبا، أو زرقة على خارطة وجهه. تركههم يتلذذون بتنشيط قبضاتهم الحديدية على ظهره، حتى أصبح ألين من قطعة عهن أو اسفنجة مبللة. نظر إلى ساعته ممددا. ولعن هذا الزمن الأكلب الذي أثقل زمنه الخاص بفرامل كابحة. ارتعشت أوصاله أكثر من أي وقت مضى. بصق على"كرونوس" الذي سيحرمه من هذه الزيارة، ان هو تمادى في تنويم اللحظات والدقائق والثواني. حاول التغلب على قلقه. والتشبت ببصيص أمل. رفع رأسه للأعلى رآى وزغة وبقربها بيت عنكبوت. لعن في سره كل الكائنات البطيئة . جرب تحريك رجليه ورأسه، ليتأكد أنه مازال حيا. كان جسمه أثقل من جبل، ودبيبا يسري في عروقه. تذكر سليمان والنمل، واعتقاد بلقيس أن ماتراه لجة بل هو صرح ممرد من قوارير.استشعر بحسه العلمي أن مادة الأدريالين والكورتزول قد ارتفعت نسبتها في دمه. وأنه لاخلاص له من هاتين المادتين إلا بأخذ نفس عميق، وإغماض العينين، ومحو هذا المكان الآسن من ذاكرته ولو مؤقتا. حاول تجريب رياضة الليوغا، والقيام بعملية استرخاء، لكن الزبانية ما يزالون يرقبون حركاته خوفا من مقاومة غير منتظرة . نظر حواليه في يأس وقال لهم"اتركوني إني سقيم"تمنى في هذه اللحظات العصيبة ، ان يتوقف الزمن ولو قليلا حتى يتمكن من ترويض جسده، عساه يسترجع طاقة مؤقتة استنزفتها معاول الهدم، وأسياخ الشر. تمتم بكلمات غير مفهومة ،فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في مربعه بين مطرقة الإنتظار، وسندان الزمن. أحس بأن خلايا دماغه تتآكل بسرعة غريبة كفعل السرطان. حاول تمالك نفسه حتى لايدخل في غيبوبة. قاوم بكل ماتبقى له من آليات دفاعية للبقاء، تذكر يونس وهو في بطن الحوت، ولولا تسبيحه لبقي في بطنه إلى يوم يبعثون.بسمل وحوقل واستعاذ بالله، هو ليس نبيا كيوسف أو سليمان ويونس. مملكته الضيقة لاتسمح له بالصلاة .الزبانية عند رأسه وأخمصي رجليه. الذباب يلسعه والصراصير ترقص فوق فراشه المتعفن. شحذ ذاكرته لاسترجاع كل آيات الخلاص وسور النجاة. في عز يأسه رآى في كوة صغيرة غرابا. لم تعد له قدرة على التفكيروقال في نفسه:" أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب". شرع في البكاء. تذكر ناقة صالح التي عقرها قدار ظلما.هو ليس بقدار ولافرعون. ماله وماناقة صالح ماالذي أقحمها في مربعه القذر. أحس بأن داخل رأسه تقرع عشرات الطبول، وملايين محركات السيارات بهديرها النافر. وسط هذا الضجيج القاتل سمع صوتا جهوريا يعرفه الجميع، صوت المنادي للزيارة، لمعت عيناه ببريق نصر ونشوة وأمل. خفق قلبه وهو يسمع اسمه. قال في نفسه" لاوقت للألم والبكاء والشكوى في فرصة سريعة الفوت بطيئة العودة.استجمع قواه. وانطلق كثور هائج نحو مكان الزيارة. نسي العذاب والجلد والأسياخ الحامية. هرول بسرعة ونظرات حاقدة مفعمة بالكراهية تشيعه حتى اختفى عن الأنظار. في غرفة الزيارة قبل زوجته بعنف أمام أنظار الحراس. لثم يديها وصدرها وجيدها ورأسها. خرجت الكلمات من فيه كالحمم.سألها عن الصحة والأولاد والأبوين.سألها عن الأصدقاء والأقارب العمات والخالات. سألها عن أشجار البرتقال والقطة سوسو والكلب" صام" حاول أن يبقي يده في يدها، وأن يفرغ ما في صدره دفعة واحدة. لكنه سمع الحارس ينطق بأسوأ عبارة يكرهها السجناء" انتهت الزيارة"

خالد عبداللطيف/ روائي مغربي.
صدرت لي رواية" أسوار الظلام" منشورات وزارة الثقافة.2012.

ياسر علي 11-17-2013 11:21 PM



سلام الله عليكم أستاذي الفاضل

نص يعبق بالألم ، بلغة متينة .
تعذيب وإهانة و احتقار و فسحة محاطة بجدران الخوف تنتهي بفراق ، ليعود البطل إلى واقعه المرير لتستمر المعاناة .

نص سبق نشره في هذا المنبر لكن كما يقال ، في الإعادة إفادة .

تقديري و احترامي .




محمد غالمي 11-18-2013 01:19 AM

الصديق العزيز عبد اللطيف تحية أخوية..
كذلك بدا انتهاء الزيارة خنجرا يطعن أسباب الوصال مع أعز الناس.. وليس الوصال سوى متنفس يفرغ فيه المهموم الثاوي أوصابه بين جدران سجن لا مثيل له إلا ما كان من سجون تازممارت وأبو غريب وأبو سليم..
معاناة فاضت كفيض الكيل وراوحت بين النفسي (استفزاز عتاة النزلاء المجرمين.. استحضار حميمية العائلة ورفقة الصحاب..) والمادي حيث الاعتداء الجسدي و تغذية قد تكون منذورة للكلاب فحسب، فضلا عن الزمن النفسي الذي يدب دبيب أفعى جرحها النمل وأتى عليها بالتقسيط.. اعلم أخي عبد اللطيف أن الشهامة والأنفة والشموخ جميعها كفيلة بتضميد هاتيك الجراح النفسية.. وقد استحضرت بالمناسبة رائعة أبي فراس الحمداني يكابد في صمت داخل غيهب أسره، وهو من أنشد:
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر // أما للهوى نهي عليك ولا أمر
بلى أنا مشتاق وعندي لوعـــــــ // ولكن مثلي لا يداع له ســــــــر
إلى أن يقول:
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى // وأدللت دمعا من خلائقه الكبــــر

نص سردي متماسك الأحداث محكم الحبكة، وزانته لغة أدبية راقية استجابت للمقام..
كل الشكر لهذا العطاء الباذخ الكاشف عن مكامن الضر والبلوى..
محمد غالمي

خا لد عبد اللطيف 11-23-2013 06:32 PM

الاستاد الفاضل ياسر علي: شكرا على التواصل ...لك كامل الحب والمودة.

خا لد عبد اللطيف 11-23-2013 06:34 PM

استادنا الكبير محمد غالمي...مساء الخير...مساء الابداع والخلق..لك تحياتي على الكلمات الراقية المليئة بالحكمة والنقد البناء...سلام على عهودنا الماضية والحاضرة والمقبلة...لك مني جميل الحب وقوة الامتنان.

اخوك عبداللطيف.

فاطمة جلال 11-23-2013 07:09 PM

ألقاص والروائي المعربي خالد عبد الطيف
كنت هنا اليوم في محراب حرفك أقرأ بصمت ما يدور
وشعور ما لازمني وانا أجد الجمال في الحرف في الوصف
في السرد وفي كل ما يقنف من باب القصة
لقد كنت مذهلا
تقبل مروري المتواضع
وفي انتظار جديدك دائما


الساعة الآن 03:12 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team