منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الآداب العالمية. (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=38)
-   -   الأدب الإيطالــي (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=3819)

رقية صالح 02-24-2011 11:08 PM

الأدب الإيطالــي
 






الأدب الإيطالــي



جذورالأدب العالمي - الأدب الإيطالي


إيطاليا مفجّرة عصر النهضة الأوروبي لعبت دوراً هاماً في تاريخ آداب القارة الأوروبية، كما قامت بعبء تصدير الثقافة النهضوية والفنون الجميلة إلى قمم دول أوروبا، إسبانيا وفرنسا وإنجلترا.




جذور اللغة الإيطالية ولهجاتها:


يمثل الأدب الإيطالي آداب شعب إيطاليا, وهي آداب تجذّرت فيها عدة لهجات دارجة عامية غير مصقولة Vulgar مستقاة من عبارات سوقية في اللغة اللاتينية، لكن سرعان ما عملت اللغة على تنقية تعابيرها مع التطور التاريخي من لهجات البيومونتي، اللومبارد، الفاناتوئي، التوسكان، الروماجنائي، نابولي، صقلية بُنيت اللغة الأدبية في الشعر والقصة والرواية والنثر والدراما على نمط لغة التوسكان في غير مطابقة أو مُعادلة لها, ولا تزال هذه اللهجات حتى اليومDialect وهي لغات محلية متفرعة من لغة أم كالفرنسية والإسبانية والبرتغالية، والمتفرعة بدورها أصلاً من اللغة اللاتينية لا تزال تجري في شرايين اللغة الأدبية الإيطالية كلهجات قروية بسيطة مما أعاق منذ القدم وضع حدود لغوية فاصلة بين المحلية ولغة الأدب، كان من الممكن أن تساهم بها شبه الجزيرة الإيطالية بحكم وضعها الجغرافي في حوض البحرالأبيض المتوسط وقوع أهم مدنها فينيسيا، جنوا، باليرمو على صفحة الماء مباشرة.



اتصل الأدب الإيطالي بالطبقات الإجتماعية مباشرة منذ القديم، كمصدر هام في تكوين وتأسيس فكر المواطنين عن طريق التعليم الجامعي المبكر جداً في عصر القرون الوسطى جامعتي بولونيا، بادوا، المدارس والكنائس قبل المرحلة الجامعية التي ساهمت في تكوين الفهم والعقل الإيطالي ناحية الإزدهار، وفي تشجير وعي الذات عند المواطنين، المرتكز على المعرفة الدينية، منقولاً عبر لغة شعبية دخلت مرحلة الكتابة أيضاً.






رقية صالح 02-24-2011 11:15 PM

آداب الشعر


للشعر الإيطالي شهرة عالمية ومعاصرة حتى اليوم, لعل ذلك يعود إلى تاريخه القديم عُثر في القرن 13 ميلادي على معامل للشعر يجري فيها تدريس أصول الشعر وقواعده بالمنهج المدرسي في مدينتي فيرنزا وصقلية.



ففي عهد فريجش الثاني ومن بلاطه بصقلية خرج الشاعران بيير ديلا فينا 1190 - 1249م ، رينالدو دي أكوينو 1200 - 1280م متمردين على اللهجة ومحافظين في الوقت ذاته على الصورة الشعبية في الشعر P.D.Vigna R.D. Aquino.



كانت صقلية النبع الكهرماني للشعر الإيطالي القديم, وفي فيرنزا امتدت مدرسة الشعر الصقلي على يد جيتوني دي أريزو G.D, Arrezo الذي قاد شعراء صقلية إلى تطوير لغة الشعر العامية اللهجة إلى تقنيات لغوية جديدة، وصور تركيبية مبتكرة تجلى فيهما ثمرات الخيال الجامعFantasy واللاعقلانية Irrationalism كنظام شعري يؤكد على الحدس والغريزة والشعور، ويتعاطف فيه مباشرة مع الدين والأخلاقيات معاً, هكذا اعتبر عصر جيتوني الجسر إلى عصر شاعر إيطاليا العبقري دانتي الليجييريDante Alighieri 1265 - 1321 م المسمى الأسلوب الجديد الحلو Dolce Stil Nuovo تيار شعري بدأه الشاعر البولوني جودو جينيزالي G. Guinizelli يوجد الحبو الجمال، ويحترم طريقة الفرد في اختيار حياته، ويرتفع بسمو الأحاسيس، في نسيج فلسفي مجازي وسّع من انتشار التيار عدد من شعراء فيرنزا انتهجوا الجانب الفلسفي للجماليات Aestheticism.




يبدأ دانتي حياته بقصته الشعرية حياة جديدة Vita Nuovo، ثم ينكب على الإبداع الشعري متنقلاً أيام نفيه بين موضوعات بياتريس Beatrice الشخصية التي تأثر من أجلها وعاشت مع إنتاجه الشعري، وأربعة موضوعات أخرى هي المرح، ضيافة، الفصاحة السوقية، الحد القاتل للغة الشعبية يقصد اللهجات, في قصيدته الرابعة هذه لا يُضمنها علم الشعر وفنه فقط، بل يضع وجهة نظره الثاقبة والفلسفية أيضاً تجاه اللغة الشعبية عندما يذكر السمو والمشاعر النبيلة التي تسمو وتُحلّق بالإنسان بفعل الإتصال اللغوي والإنساني معاً, فلا الميلاد، ولا الثروة منبع الإتصال الإنساني، بل اللغة التي تتفتق عن الذهن البشري هي الأصل في هذا الإتصال.



هذا الإتصال الصحي لغوياً كان يُخفي دانتي وراءه فكرة اتحاد إيطاليا التي كانت تؤيدها الملكية القومية الإيطالية آنذاك.


كل هذه الفكرات الدانتية نسبة إلى دانتي سببت له صدامات وعراكات مع بابوات إيطاليا، كان من نتائجها وصاياهم بحرق إنتاجه الأدبي بعد موته، وكأنَّ نفي دانتي وتشريده في حياته لم يكن غير كافٍ لهم, وكان أعظم أعماله عالمياً W Divina Commedia الكوميديا الإلهية التي تناولت القضية السياسية الإيطالية في عصره، والتي سببت له عداء زملائه من الأدباء، لم تشفع له للاستمرار في إنتاجه الفكري الهام، مع امتلائه بعناصر الإنسانية التي جاء بها عصر النهضة الأوروبي مؤخراً.

رقية صالح 02-24-2011 11:24 PM



بتراركا شاعر عصر النهضة



ج, بتراركا فاتحة شعراء العصرالجديد, لم يتجاوز عمره السابع عشر عندما مات دانتي في 14/9/1321م بمدينة رافينا Ravenna, في بدايات عصر النهضة الإيطالية تأرجح شعره بين حركة الإقطاع الجديدة في المجتمع الإيطالي، وبين ترسيخ الأدب القومي الإيطالي, فإلى جانب كتابه القصائد الشعرية الغنائية يكتب السونيتات السونيتة الواحدة هي قصيدة شعرية تتألف من 14 بيتاً، ويؤلف العديد من القصائد الغنائية السانزون Canzone وكلها تحمل تعابير الأحاسيس المركبة والمعقدة التي ميزت الشعر الإيطالي بالقوة والنضارة.




ويشهد القرن 16 ميلادي ميلاد الشاعر توركواتو تاسوTorquato Tasso في مدينة سورينتو Sorrento في3/11/1544 م مُهاجماً وساخراً من الملاحم الشعرية الكنسية في قوة خيال شعري، ومُعلياً من الأزمات الاجتماعية, وقد أكسبت اتجاهاته الشعرية هذه طول حياة لأشعاره في سيطرة حتى القرن 18 ميلادي، رغم ما أصاب فترات حياته من نفي وجنون حتى وفاته.



في القرن 17 كوّن أربعة عشر أديباً وشاعراً من روما أكاديمية أركاديا للشعر Arcadia كحركة ثقافية تجمع شمل الشعر والأدب الإيطالي المتفرق هنا وهناك على طريق الدولة الإيطالية.



مثل بيترو ميتاستاسيو P. Stasio طليعة شعراء الحركة بدراماته الشعرية الميلودرامية، مُحققاً أهداف الحركة في الأدب والشعر عبر موسيقية لغته الشعرية.








رقية صالح 02-24-2011 11:29 PM



شعر الرومانتيكية الإيطالية


قبل أن يصل شاعر إيطاليا الشهيرألسيندرو مانزوني A. Manzoni 7/3/1785 - 22/5/1873 م إلى مشارف الشعر الرومانتيكي، يمر الشاعر والدرامي أيضاً بعدة مراحل أدبية مختلفة, ففي أربع قصائد شعرية غنائية بعنوان انتصار الحرية IL. Trionfo Della Liberta يتأثر بالثورة الفرنسية, وفي عام 1809 م يُعبّر عمله الفنيUrania مُوزيّة الفلك عند الإغريق عن انتقاله إلى الميثولوجيا وعالم الأساطير الكلاسيكي، الذي مهّد لعودة أشعاره إلى الشعر الديني الذي دمغ إنتاجه ما بين سنوات 1812 - 1827 م، كما يظهر في دراميته اللذين اتبع في خطواتهما قواعد الشعر الشيكسبيري والشعر الرومانتيكي الألماني, وكذا في دراساته الأدبية النظرية وخاصة دراسته المعنونة عن شعر الرومانتيكية، ونفس الحال في قصصه المأساوية، كما تُشير بذلك قصته العالمية أديلتيشي Adelchi التي تدور حول الواقعية التاريخية لعصره، آملاً فيها قوة الشعب الإيطالي وملقياً فيها على أكتافه أمل الوحدة لإيطاليا, مما دفع العديد من كُتاب القصة الإيطاليين إلى الاتجاه نحو قيمة الوحدة في أغلب قصصهم فيما بعد, إن اكتشاف مانزوني العامل وأمل الوحدة أدبياً، كان أحد العوامل الهامة في إبراز الحس السياسي المختفي تحت سطح الحياة الأدبية الإيطالية ليبرز جريئاً ومشجعاً لخدمة الأدب والشعر للمسار المستقبلي الإيطالي، بعد أن حمّل مانزوني هذه الآداب والأشعار إنسانية واعية تُسبب ألماً عميقاً في نفس الشاعر، وتُخرج إلى السطح كل أحاسيس التشاؤم، لا من أجل التعبير الأحادي كما يعتمل في نفس الشاعر من آلام، ولكن من أجل ردم جراح إيطاليا الوطن للجميع, وهي نفس الفكرة الوطنية التي تجاوب معها شعراء آخرون مثل ماسيمو دي آزيجيلو، ايبوليتو نيفو، جوزيبي جاريبالدي، سيلفيو بالليكو.


رقية صالح 02-24-2011 11:42 PM

القرن العشرون


يأتي القرن العشرون بأخيب فتحات الأدب الإيطالي إذ بحلوله تنتهي جميع القيم الأخلاقية وأفكار الإنسانية التي سادت القرن السابق, فامتداد الإستعمار الإيطالي لليبيا في الشمال الأفريقي ودول إفريقية أخرى قد وسّع من أزمات المجتمع الإيطالي يتصدى لهذا الانهيار الأدبي شاعر إيطاليا الشهير جيوفاني باسكولي Gidvanni Pascoli 31/12 1855 - 6/4/1912 م في قصيدته الشعرية بعنوان الأشعار الأولى Primi Poemetti ويحمّلها الموضوعات اليومية للناس وأمل العيش في مجتمع جديد آخر, ويضطر بأشعاره أن يقف في مواجهة إيطاليا التي كانت تتجه بسياستها سريعاً إلى الرأسمالية، لاجئاً في دراساته الأدبية إلى التأكيد على قيم الشعر التاريخي، كما في دراسته المعنونة تاريخ الشعر الغنائي اللاتيني الروماني حتى موت هوراتيوس.



Storia Della Poesia Lirica In Roma Find Alla Morte D. Orazio إلا أن فيليبو توماسو مارينيتي F. T. Marinetti يفجر مذهب المستقبلية Futurism، وهي حركة أدبية وفنية ظهرت في بدايات سنوات القرن العشرين تُمثل فن المواطنين الطبقة الوسطى انطلقت عام 1909 م في مجلة الحلاق Figaro الفرنسية، ممتدة بعد ذلك إلى فرنساعلى يد جيليوم أبولينير G. Apollinaire ، ثم في انجلترا بجهود بيرسي وندهام لويس P.W. Lewis، وفي أمريكا حقق مبادئها عزرا بوند E. Bound، وفي ألمانيا جماعة المستقبليين. Werkleute Auf Hans Nyland بقيادة فرشوفن، فينكلر، كنايبW.Vershofen, J. Winkler, J. Kneip تدخل الحركة إلى روسيا عام 1912 م على يد فلاجيمير ماياكوفسكي V.V. Mayakovski إلا أنها لم تحافظ على وحدة فنية تجمع خيوطها أو عناصرها في البلاد الأوروبية، بل هي سرعان ما تفصح عن تعارض آراء المستقبليين الإيطاليين أنفسهم إضافة إلى طريق غوغائي دهمائي Demagogic سار فيه مارينيتي باعث الحركة ومصدرها حين أعلن عن النعرة القومية وهو ما اعتبر عصبية في فن المستقبلية وتيارها مؤيداً لموسوليني والفاشية، وهو ما سجله كتابه في دراسة بعنوان المستقبلية والفاشية.




يتغير مسار الشعر الإيطالي بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، لشطب النموذج الأصلي للفاشية بجهود شعراء السّحر غير المتأثرين بالنفوذ الخارجي القادم من ألمانيا الهتلرية Hermitism يقف الشاعر جوزيبي أونجاريتيG. Ungaretti على رأس الحركة وهو الدارس على يد الفيلسوف هنري برجسون H. Bergson في جامعة السوربون، وصديق شعراء فرنسا من معاصريه أبولينير، أندريا جيد، بول فاليري، والفنانين التشكيليين بيكاسو وبراك يقف في مواجهة النازية بقصائده الميناء المنهار Il Portd Sepoltol، فرح غرق سفينة L. Allegria DI Naufragi، عِشق الزمن .Sentimento Del Tempo، أرض الوعد Terra Promessa.


أما مجلة سولاريا Solaria التي تصدر في فيرنزا فلم تكتف بهذه المواجهة، فاتخذت طريق الأدب الأمريكي منهجاً لأدبائها نثراً وشعراً بما حقق وجهاً جديداً وعصرياً لصورة الأدب الإيطالي، ومهّد الطريق إلى الواقعية الجديدة Neorealism التي انتشرت بعد الحرب العالمية الثانية في أشعار وقصص ودرامات وأفلام إيطاليا الجديدة, فبعد تحرر إيطاليا انفجرت إبداعات ونشاطات فكرية في كل مجالات الأدب والفن بما مثّل حرية واسعة للفكر الإنساني عامة.



لويجي بيراند يللو Luigi Pirandell 1867 1936 م الحائز على جائزة نوبل Nobel عام 1934 م يكتب القصص والروايات والدرامات والشعر, قصائده الشعرية الحُزن الضاحك Mal Gicondo حياتان لماتيا باسكال IL Fu Mattia Pascal دراسته الفلسفية الفُكاهةUmorismo تبحث في الأحاسيس المتناقضة عند البشرSentimento Del Contrario والتي يصل في نتائجها إلى أن الحقيقة نسبية, إذ من المستحيل على الإنسان مهما بلغت قدرة معرفته ووعيه أن يعرف سر الحياة, فكل ما يصل إليه ما هو إلا تغييرات في الأحاسيس أو تكوينات طارئة لها، بحكم أن الوجود هو في كل ما نفعله ونتصرف به.




وفي الروايات يبدو إنتاجه منها ما بين سنوات 1922 ، 1927 م رائعاً, يتبع فيها مفاهيم الروسي أنطون تشيكوف والفرنسي جي دي موباسان Chekov, Maupassant, فروايته روايات لسنة واحدة Novelle Per Un Anno تدور أحداثها في بلده موطن رأسه صقلية، وسط حياة بسيطة ضامرة، وبين مواطنين جنوبيين تُعساء وفلاحين جَوعى، يخلطون في عبقرية من الكتابة بين الألم والفكاهة, وما كان يعني بيرانديللو بهذا الخليط الإنساني واللا إنساني أيضاً إلا التعبير بالروايات عن حالة السقوط العميق في المجتمع الصقلي الأوروبي في تلك الفترة, قصته شيوخ وشباب I Vecchi E I GIOVANI تعالج مُقدمات ونهايات هبة فلاحي صقلية سنتي 1893، 1894 م من أجل الحصول على لقمة العيش, صقلية هذه الجزيرة التي كان يُنظر إلى مواطنيها على اعتبارهم من جنس البربر، رغم أنهم إيطاليون أوروبيون, إلا أن إنتاجه القصصي في آخر العُمر ينتمي إلى الوجه الأخلاقي والشرف الرجل ذو الألف وجه Und, Nessund, Cento Mila.




ثم القصصي والروائي ألبرتو مورافيا A. Moraviaالمحرر في المجلة المعارضة Gazetta Del Popoloتُصادر قصته الحفلة التنكرية عام 1941م فيُنشئ مجلة النقد الأدبي Nuovi Argomenti عام 1953م وينشر قصص الرغبة الخاطئة، La Ambizioni، العاشق الحزين L, Amante Infelice، الملل Lanoiaia, وكلها قصص نفسية تضع الحقيقة الموضوعية في مواجهة الواقع المؤلم الحي.




ومع ظهور الأدب الواقعي الجديد في ستينيات القرن العشرين، وتكوين جماعة الرُّواد الطليعيين Neoavant Garde مجموعة 63 Gruppo 63 الذين كونوا بإنتاجهم الأدبي موقفاً دفاعياً واقياً لآداب إيطاليا وثقافتها وفنونها، ظهر جلياً في الدرامات وأفلام السينما والدوريات والمجلات الأدبية والثقافية وعدّل من كفّة الميزان مُنحازاً لصالح ثقافة الجماهير المعاصرة، استطاع الأدب الإيطالي العودة مرة ثانية إلى حضن الأدب العالمي.

رقية صالح 02-24-2011 11:52 PM


الإيطالية القديمة - اللغات

تعد اللغات الإيطالية القديمة (الإيطاليقية) Italic languages فرعاً من فروع ما شاعت تسميته أسرة اللغات الهندية الأوربية، ويرجع تاريخ نشوئها إلى نحو القرن الرابع قبل الميلاد. وانتشرت في شبه جزيرة الأبنين (إيطالية اليوم) Apennine Peninsula وفي الجزء الشرقي من وادي البو Po Valley، وكانت تضم ثلاث لغات رئيسة، هي:


الأُمبرية Umbrian، والأسكية Oscan، واللاتينية Latin، ولغتين ثانويتين، هما:

الفالسكية Faliscan، والفنتية Venetic.


ومن المرجح أن تكون هذه اللغات قد خرجت من المنطقة التي انتشرت فيها اللغات الهندية الأوربية، أي من الجزء الشرقي من أوروبا الوسطى، وذلك حين عبر الناطقون بهذه اللغات جبال الألب. ويبدو أن لغات أخرى مختلفة كانت شائعة في إيطالية القديمة قبل وصول تلك الشعوب كالفينيقيين والأتروسكيين واليونان، ويكمن الدليل على ذلك في ما تبقى من أسماء جغرافية قديمة لا ترجع إلى أصل هندي أوربي (ومنها تراتشينا وكابوا وتارنتوم)، ولا تنتشر في أراضي شبه جزيرة الأبنين فحسب، بل تمتد كذلك إلى أراضي اليونان والأناضول.


وتُعزى هذه البقايا اللغوية إلى لغة «متوسطية» يُعتقد أنها كانت منتشرة في أجزاء واسعة من العالم القديم قبل هجرة الشعوب الهندية الأوربية إلى المنطقة. مناطق انتشار هذه اللغات انتشرت اللغات الإيطالية القديمة في الأراضي التي سكنتها الشعوب الناطقة بها، فاللغة الأُمبرية انتشرت في المنطقة الضيقة الواقعة بين جبال الأبنين والضفة اليسرى لنهر التيبر الذي يمر بمدينة رومة. ويكاد يقتصر ما يعرف عن هذه اللغة على ألواح إغوفين السبعة Iguvin Tables، وهي ألواح برونزية اكتُشِفَت عام 1444 في مدينة غوبيو Gubbio، وتحمل كتابات تمثل طقوساً دينية لطائفة من الكهنة، وتعد أقدم ما عثر عليه من هذا النوع، وقد خُطَّ بعضها بالحروف الأمبرية وبعضها الآخر بالحروف اللاتينية. واللغة الأُسكية وهي لغة محكية انتشرت في مناطق سامنيوم Samnium وبروتيوم Bruttium ولوكانية Lucania وكمبانية Campania حتى بداية القرن الأول الميلادي.



أما أهم النقوش والمخطوطات الأُسكية فقد ظهرت في كمبانية حيث كشفت الحفريات الأثرية عن لوح نقش عليه نص معاهدة بين نولا Nola وأبيلا Abella، وآخر مصنوع من البرونز يحمل نصوصاً قانونية جزائية تخص الشؤون الإدارية في مدينة باتينا Batina. أما اللغة اللاتينية فسميت كذلك نسبة إلى المنطقة التي ظهرت فيها وهي منطقة لاتيوم Latium الواقعة في وسط إيطالية، ولم تكن هذه اللغة أصلاً سوى لهجة مدينة روما ثم انتشرت شيئاً فشيئاً في المناطق المجاورة، وطغت على اللهجات المحلية، ثم على اللغتين الأُسكية والأمبرية، و«امتصّت» حتى اللغات غير الإيطالية التي كانت متداولة هناك، وهي الأتروسكية Etruscan والسلتية Celtic في الشمال، والميسابية في الجنوب. وانتشرت اللاتينية انتشاراً واسعاً حتى هيمنت على القسم الأعظم من العالم الغربي، ومنه بلاد الغال وإسبانية وشمالي إفريقية وغيرها بتأثير سيطرة الامبراطورية الرومانية. وبقيت لغة العلم والثقافة في أورُبة بعد انهيار هذه الامبراطورية حتى عصر النهضة؛ لأنها كانت لغة الكنيسة. وتفرع عنها عدد من اللهجات المحلية التي غدت لغات مستقلة كالفرنسية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية والرومانية وغيرها.



أما الفالسكية والفنتية فكان انتشارهما محدوداً، إذ شاعت كتابة الفالسكية في الضواحي القريبة من مدينة فاليريي القديمة التي تقع في وسط إيطالية. في حين كان انتشار اللغة الفنتية أوسع، إذ شمل أرض فنتو الواقعة بين نهر البو وجبال الألب الكارنيكية، التي تفصل بين إيطالية والنمسة، كما شمل مدينة إيسترية القديمة، التي تقع في الجنوب الشرقي من رومانية اليوم.


الخصائص اللغوية العامة:

1ـ الصوتيات phonetics: تستخدم اللغات الإيطالية القديمة الصوت الاحتكاكي المهموس [f] بدلاً من الأصوات الهائية المجهورة الواقعة في بداية الكلمة في اللغة الهندية الأوربية الأم ([bh]، [dh]، [gh]). فمثلاً كلمة bhrátér (وتعني «أخ») الهندية الأوربية أصبحت في اللاتينية وفي الأمبرية frater، وكلمة dhe-k تحولت في اللاتينية إلى facio (أفعل أو أصنع) وفي الأسكية إلى fakiiad (قد يفعل) وفي الفنتية إلى fagsto (فعل).


أما ما وقع منها في وسط الكلمة، فقد تحول أولاً إلى صوت احتكاكي مجهور (كصوت [v] مثلاً) في جميع اللغات الإيطالية القديمة، وتحول بعد ذلك إلى صوت انفجاري مجهور ([b] أو [d] أو [g]) في اللاتينية والفنتية، وإلى صوت احتكاكي مهموس (وهو [f]) في الأُسكية والأُمبرية والفالسكية.


فمثلاً كلمة liberi (أولاد (أحرار)) اللاتينية وكلمة Louderobos الفنتية (أولاد) يقابلهما في الأُسكية loufro (حر) وفي الفالسكية loferta (امرأة حرة).

2ـ الصرف morphology: لا تتقارب اللغات الإيطالية صرفيّاً كما تتقارب صوتيّاً. فالكثير من الظواهر الصرفية التي تتسم بها موجودة كذلك في سائر اللغات الهندية الأورُبية، وهذا يعني أنها ليست من السمات المميزة للغات الإيطالية القديمة، فعلى سبيل المثال، علامة النصب [a] في اللاتينية والأُسكية موجودة كذلك في اللغة السلتية ونهاية المبني للمجهول [-r] التي نجدها في اللاتينية والأُسكية نجدها كذلك في اللغات السلتية والحثية Hittite والطخارية Tocharian.

أما نقاط الاختلاف الصرفية بين اللغات الإيطالية القديمة فهي أكثر من نقاط الالتقاء؛ فمثلاً في اللاتينية والفالسكية علامة الجر بالإضافة للمفرد هي [ï] في الكلمات التي تنتهي بـ [o]، والأمر كذلك في اللغات السلتية، ولكن هذه العلامة تختلف في الأُمبرية والأُسكية إذ هي [-eis]. وعلامة رفع الجمع للفئة نفسها هي [-oi] في اللاتينية القديمة والسلتية واليونانية، ولكنها تصبح [-s] في الأُمبرية والأُسكية كما في الجرمانية والسنسكريتية Sanskrit وغيرهما. فضلاً عن ذلك، تُبنى صيغة الماضي المجهول للأفعال المشتقة من أسماء أو من أفعال أخرى باستخدام [-u] أو [-v] في اللاتينية و [-t(t)] في الأسكية و [-s-] في الفنتية، فمثلاً نجد فعل donavit في اللاتينية (ومعناه أعطي) ويقابله duunated في الأُسكية وdonasto في الفنتية.

3ـ المفردات vocabulary: إن مقارنة المفردات في هذه الفصيلة من اللغات تفضي إلى قدر أكبر من المعطيات التي تساعد على تاريخ اللغات الإيطالية القديمة، ودراسة روابطها بغيرها من اللغات المجاورة، فعلى سبيل المثال، ترتبط كلمة animus (ذهن أو روح) اللاتينية ارتباطاً وثيقاً بكلمة anamum (ذهن) الأُسكية. ولكنَّ هناك فروقاً قديمة في المفردات بين اللاتينية من جهة والأُمبرية والأُسكية من جهة أخرى، فكلمة ignis (نار) اللاتينية ترادفها كلمة agni السنسكريتية، ولكن يقابلها كلمة pir في الأُمبرية وpÿr في اليونانية وfyr في الإنكليزية القديمة. وكلمة aqua (ماء) اللاتينية ترادف كلمة ahwa القوطية Gothic، ولكن يقابلها كلمة مختلفة في الأُمبرية، وهي utur، كما أن كلمتي filius (ابن) وfilia (ابنة) اللاتينيتين يقابلهما في الأُسكية puklo (ابن) وfutir (ابنة).


أما المفردات المتعلقة بالحضارة المتوسطية، فإنها تنتظم في مجموعات متميزة تعكس جوانب من تاريخ اللغات الإيطالية القديمة، إذ يوحي بعضها بأن الناطقين باللغة اللاتينية والناطقين باللغتين الأُسكية والأُمبرية لم يكونوا على اتصال فيما بينهم، حين شرعوا في إنشاء المدن: فكلمة porta (بوابة) اللاتينية تقابل كلمة veru في الأُسكية؛ وكلمة arx (قلعة) اللاتينية تقابلها كلمة ocar الأُمبرية؛ ولفظتا moenia (جدران أو أسوار) وmurus (جدار) اللاتينيتان تقابلهما لفظة feihuss (جدران) في الأُسكية.


أما فيما يخص الأفعال، فإن التقارب بين اللاتينية والأُسكية والأُمبرية شديد: فمثلاً نجد في اللاتينية فعل scribere (كَتَبَ)، وفي الأُسكية لفظة قريبة منه، وهي scriftas (مكتوب)؛ وهناك فعل legere (قرأ) في اللاتينية، ويقابله في إحدى اللهجات الأُسكية (وهي لهجة البايلجنية) فعل Lexe (سوف تقرأ).


وكان لصراع القوى في إيطالية القديمة تأثير بالغ في نشوء المفردات السياسية وتطورها، وخير دليل على ذلك ما حدث بعد انحدار الهيمنة الأتروسكية؛ بسبب نشوء الجمهوريات المحلية في روما وغيرها من مدن إيطالية نحو عام 500 قبل الميلاد، إذ تراجع النفوذ الثقافي الأتروسكي كذلك، وتكونت المفردات الجمهورية الأولى على نحو مستقل في اللاتينية من جهة، وفي الأُسكية من جهة أخرى. ففي اللاتينية مثلاً كلمة consul (قنصل)، أما في الأُسكية فتوجد لفظة meddix، وتعني «رئيس الجمهورية»؛ وكلمتا senatus (عضو في مجلس الشيوخ) وcomitia (مجلس) اللاتينيتان يقابلهما في الأُسكية kumparakineis comono أو kumbennieis.
ولكن الحقبة الأخيرة من تاريخ اللغات الإيطالية القديمة تميزت بسيطرة المفردات اللاتينية. فعلى سبيل المثال، يبدو أن كلمة ceus (مواطن) الأُسكية قد نحتت من كلمة لاتينية قديمة ceuis شاعت نحو عام 200 قبل الميلاد؛ وتوسطت تاريخياً بين كلمتي civis و ceivis. كما أن لوحة بانتيا التي تعد في الوثائق الأُسكية المهمة، تضم مصطلحات قانونية مُقتبسة من المفردات اللاتينية.





رقية صالح 02-24-2011 11:58 PM







الشاعرالإيطالي دانتي والإسلام:


من الواضح جداً أن الكوميديا الإلهية التي كتبها الشاعر الإيطالي دانتي تجد لها جذور راسخة في الأدب العربي، وخاصة في رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، فقد عاش دانتي في القرن الثالث عشر ميلادي، في وقت وصلت فيه الثقافة العربية قمة مجدها، فقد كان أمام الأوروبيين في ذلك الوقت العديد من الإمكانيات والكتب العربية وكان التأثير العربي عبر الأندلس قد اخترق افكار ولغة الأوروبيين شعراً ونثراً وعلماً، ولهذا فإنه ليس غريباً أن يكون دانتي مطلعاً تماماً على الفلسفة العربية، حيث تدل أعماله الأدبية "convivo" والكوميديا الإلهية على ذلك، كما اعترف بأنه مدين في أعماله الأدبية إلى كثير من الفلاسفة العرب أمثال الكندي والفارابي وابن سينا والفرجاني وابن العربي وغيرهم، وبواسطة العرب تعرف على الفلسفة الأفلاطونية الإغريقية، وقد يرى المرء أن كوميدية دانتي هي جواباً على الإسلام، جواباً على الثقافة الإسلامية التي وجدت قيمتها في إسبانيا وجنوب إيطاليا، حيث تشكلت اللغة العربية كلغة قومية من القرآن الكريم، وقد أوضح دانتي في " De vulgari eloquentia" بأنه يرغب بكتابة عمل شعري كبير ليقوي اللغة الإيطالية القومية التي يجب أن تبني الأساس المعرفي والأخلاقي والديني لدولة إيطالية قومية، وكان القرآن النموذج الذي احتدى به، وخاصةً ما جاء فيه حول صعود النبي إلى السماء وبالتالي شابه ذلك الصعود بصعود دانتي المسيحي الحاج إلى الجنة، ولكنه أي دانتي وضع تصوره في أن المسيحية تتفوق في المصطلحات الدينوية على تلك التي كانت مستعملة في الأدب العربي الإسلامي وكان موضوع الكوميديا المركزي هو "الثالوث" المسيحي، أي مفهوم مختلف عن الإسلام.


فالحاج دانتي ومعه القارئ يصعدون بمقاييس الجحيم الأخلاقية والفهمية من النار إلى الجنة ليبرهن الثالوث بواسطة طريقة وصوله للكمال الذاتي عن طريق فهم القوانين الإلهية للعالم خطوة خطوة، وصوله إلى عالم المعرفة، يعني إلى الجنة، الجنة الأرضية التي تختلف عن الجنة في القرآن، فجنة القرآن تظهر حسب فهمه في نهاية مسرحيته الكوميدية فوق النار، كوهم، وكمعارضة جدلية، أما الجنة الحقيقية فتتشكل في كوميدية دانتي كعملية بواستطها يفهم الإنسان القوانين الإلهية كعلم، بواسطة هذه العملية يبرهن الإنسان إلتمام الفكر الإنساني مع ترتيب الخلق الإلهي، فدانتي أراد من قصيدته برهان الثالوث.




كما أراد الرد على أفكار الصوفيين والفلاسفة العرب أمثال ابن حزم وابن العربي، هؤلاء الفلاسفة العرب بحثوا توصلوا إلى الله بواسطة التأمل والتفكير، ودانتي اعتقد بأن الإنسان يتوصل إلى رؤيا النور الإلهي عندما يعيش نفسه المعرفة العلمية (التي قد تكون هذه المعرفة مبنية على خطأ).



في الكوميديا الإلهية، حيث وضع حجر الأساس للنهضة الذهبية الأوروبية أبعد دانتي نبي الإسلام محمد في دائرة الجحيم التاسعة، وذلك ليس لأن الشاعر المسيحي اعتبر النبي مهرطقاً، وخارجاً عن العقيدة الدينية، بل لأنه رأى في الحركة الدينية "المحمدية" بالمنشقة، كما وضع دانتي العالم والفيلسوف المسلم ابن سينا، بجانب افلاطون، وسقراط، وصلاح الدين، القائد المسلم الذي أعاد بيت المقدس عام 1187 في غرفة الإنتظار أمام الجحيم.




منشورة في الشعر الإيطالي






رقية صالح 02-25-2011 12:08 AM






مختارات من الشعر الإيطالي المعاصر

إذا كان الدكتور حسن عثمان النافذة الواسعة التي أطل منها القراء العرب على أدب دانتي، من خلال ترجمته الجيدة للكوميديا الإلهية، فإن الدكتور عيسى الناعوري يعد بحق الكاتب العربي الثاني الذي سلك بعده المنهج نفسه؛ فتخصص في الأدب الإيطالي منذ عام 1960، وزار إيطاليا مراراً متعددة، وكتب في بعض صحفها، وتعرف بعدد كبير من أشهر أدبائها المعاصرين، وألقى محاضرات في بعض جامعاتها، واشترك في مؤتمرات عدة فيها، ونال منها وساماً رفيعاً وجائزة أدبية، وعضوية شرف في المركز الإيطالي العربي في روما، كما ترجم من الأدب الإيطالي كتاب(أطفال وعجائز) وهو مجموعة أقاصيص لعدد من المؤلفين الإيطاليين، ورواية "الفهد" لتومازي ديلامبيدوزا، ورواية (الرجال والرفض) لإيليو فيتوريني، بالإضافة إلى مئات القصائد لشعراء متعددين، وعشرات المحاضرات والمقالات والبحوث والقصص والموضوعات المختلفة في الأدب الإيطالي.



وها هو يتحفنا بباقة جميلة من أروع المختارات الشعرية التي ترجمها خلال سبعة عشر عاماً 1961- 1977 جمعها له الدكتور ألبرتو باديني، أستاذ اللغة الإيطالية في الجامعة الأردنية، والدكتور إنريكو جورداني، أستاذ اللغة الإيطالية في جامعة دمشق، ليعقدا الصلة بين القارئ العربي والشعر الإيطالي المعاصر؛ فقد جعل المترجم النص الإيطالي والنص العربي في صفحتين متقابلتين، ليكون بالإمكان التثبت من صحة الترجمة، وليتاح لمن لم يطلعوا على الأصل الإيطالي من قبل، أن يقرؤوه في مكانه الجديد.


ومن حسن الحظ أن الدكتور الناعوري كان يعرف القسم الأكبر من هؤلاء الشعراء الذين ترجم لهم، وقد ناقش شعرهم وحياتهم معهم مباشرة، وانعقدت بينه وبينهم صلات مودة ومراسلات، بعضهم مات، وبعضهم الآخر ما يزال على قيد الحياة. وبفضل صلته الشخصية بهم، استطاع أن يقتني مؤلفاتهم - وأغلبها هدايا- تلقّاها منهم، أو من ناشري كتبهم.




ومما يفخر به المترجم أن اثنين من هؤلاء الشعراء الذين يعتز بصداقتهم فازا بجائزة نوبل للآداب، وهما «سلفاتوره كوازيمودو» عام 1959، و«إيوجينو مونتالي» عام 1975، وكان العربي الوحيد الذي استطاع في هاتين المناسبتين أن يقدم الشاعرين العظيمين إلى القراء العرب في حياتهما وشعرهما.



على كل حال لم يكن الشعراء أونغاريتي، وأومبرتو سابا، ودييغو فاليري - ممن ترجم لهم في هذه المجموعة- دون زميليهم أهمية في الشعر الإيطالي المعاصر؛ بل لقد كان أونغاريتي في نظرالإيطاليين كلهم الشاعر العظيم والأجدر بالجائزة العالمية، لكنه مات من دون أن يفوز بها، مع أن اسمه ظل مرشحاً لها سنين عدة، ومثله أيضا أومبرتو سابا، ودييغو فاليري بشكل خاص.




كذلك قدم إلى جانب هذه الأسماء الكبيرة مجموعة أخرى من الشعراء الذين شاركوا مشاركة فعالة في الشعر الإيطالي المعاصر؛ فاستطاع بذلك أن يعطي صورة صادقة عن حركة هذا الشعر وأهدافه الإنسانية، وأساليبه الجديدة. ولكي لا يكون هؤلاء الشعراء مجهولين بالنسبة إلى القارئ العربي، فقد وضع مقدمة قصيرة لكل واحد منهم، تحدث فيها عن حياته وأبرز أعماله الشعرية والأدبية، وآراء النقاد فيه، كما زين الكتاب بلوحات عدة فنية رائعة لطائفة من الرسامين الإيطاليين، هي بمثابة استراحة قصيرة يقف عندها القارئ كلما انتهى من شاعر وبدأ بآخر.



يقع الكتاب في 303 صفحات من القطع الوسط، ويضم خمسة وعشرين شاعراً وشاعرة، هم بالإضافة إلى من ذكرت: إيلزا مورانته، سيرجيو سولمي، فيتوريو سيريني، نينو موتشيولي، إيرالدو ميشيا، تشيزاره بافيزه، لينا أنجوليتي، جوزيبي لونغو، إيليو أكروكا، بياجا مارنيتي، ألبينو بيرو، ألبريكو سالا، رفائيلي تشيكوني، ألفيتسيا فاللي، إنتسو فابياني، أنطونيو أوزناتو، رفائيلي كروفي، بيير باولو بازوليني، فنتشنتزو كارداريللي، ليوناردو سنيسغاللي.



وقد تفاوتت قصائد هؤلاء الشعراء في الغموض والوضوح، وترددت بين وصف حياة المدن الصاخبة، وحياة الفلاحين في الريف البسيط المتواضع، فمونتالي مثلاً كثير الغموض، وعبارته الشعرية - كما يقول المترجم- عبارة منوتالية صرف، وهو من أكبر شعراء الرمزية (الهرمتية) المغرقة في الغموض، فبالرغم من أنه يستهل قصيدته (نهر الفرات) استهلالاً عادياً واضحاً، إلا أنه لا يلبث أن يدخل في متاهات الرمزية، ويغوص في دهاليزها المعتمة ومنعطفاتها الوعرة:



رأيت نهرَ الفرات في الحلم

في جريانه البطيء مابين

منخفضاتٍ متآكلةٍ ووقفاتٍ عريضةٍ في فجوات

من الرمل مزدانةٍ بنسيجٍ من عناكبِ الشجر

تُرى ماذا رأيتَ أنتَ خلال ثلاثين سنة أو مئة..


أما شعر كوازيمودو فيعكس ارتباطه الوثيق بمسقط رأسه صقلية، ولا سيما بأبنائها الفقراء المحرومين المعرّضين للملاريا على ضفاف المستنقعات والأنهار:

لقد نسيت البحرَ والأصدافَ

وأغانيَ الرعاةِ الصقليين

وقرقعةَ العرباتِ على الطرق

التي يرتعش فيها الخرّوبُ في دخانِ القش

أواه لقد تعب الجنوبُ من حملِ الموتى


على جوانبِ مستنقعاتِ الملاريا

لقد تعب من الوحدةِ، ومن ثقلِ السلاسل.







رقية صالح 02-25-2011 12:13 AM






أما المرحلة الثانية من شعره فتعكس معاناته الإنسانية أمام الحرب والظلم والديكتاتورية، وأمام مشاهد الجثث المعلقة على أعمدة التلغراف في الشوارع، وآثار التدمير والخراب، وأمام السجون والتعذيب والقتل بالجملة، حيث خرج الشاعر عن محيطه الضيق في صقلية خاصة وإيطاليا عامة، ليرتبط بالإنسان حيثما كان، تُجاه الظلم والحرب والمآسي.


يقول في قصيدته - ميلانو عام 1943:


لقد ماتتِ المدينةُ

وسمع آخرُ دويٍ في قلبِ نهرِ نافيليو

وسقط الحسونُ عن السلكِ الهوائي المرتفعِ فوقَ الديرِ

حيث كان يغرد قبلَ الغروبِ

لا تحفروا آباراً في أفنيةِ البيوتِ

فلم يعدِ الأحياءُ يعطشونْ

ولا تلمسوا الموتى الذين احمرت جسومهم وانتفخت

دعوهم في أرضِ بيوتهم:

فلقد ماتت المدينةُ. ماتت.


ويسخر من إنسان زمانه الذي سخّر علمه للإبادة دون حب، أو دون مسيح، ويشبهه بإنسان الحجر والمقلاع في العصور البدائية الأولى:


ما تزال إنسانَ الحجرِ والمقلاعِ

يا إنسانَ زماني.. لقد كنتَ في الطائرة

ذاتِ الأجنحةِ الشريرةِ، معاول الموت

- لقد رأيتك - داخل العربةِ الناريةِ مع الحرابِ

وعند عجلاتِ التعذيبِ. لقد رأيتك: كنتَ أنتَ

بعلمكَ الدقيقِ المسخرِ للإبادةِ

دون حبٍ، ودون مسيحٍ


ثم يصوّر الخراب والدمار اللذين خلفهما الإنسان المعاصر في المدن التي استحالت أنقاضاً، ولم يعد هناك من يصرخ (يا إلهي لماذا تركتني):


لقد انتهيتم من قرعِ الطبول

للموتِ الذي ينتشر في جميعِ الآفاقِ

خلفَ النعوشِ المتراصةِ تحت الأعلامِ

وفرغتم من نشرِ الجراحِ والدموعِ المتظاهرةِ بالرحمةِ

في المدن التي أصبحت دماراً وخرائبَ

ولم يعدْ ثمة من يصرخ قائلاً: «يا إلهي

لماذا تركتني؟ ولم يعدْ يجري حليبٌ ولا دمٌ

من الصدورِ الطعينة.. والآن

وقد أخفيتم المدافعَ بين أشجار المنوليا

دعونا نعشْ يوماً واحداً دون سلاحٍ، على العشبِ

ونصغي إلى خريرِ الماءِ الجاري...

فلا يتعالى في مطلع الليلِ

نذيرٌ بإطفاءِ الأنوار. أعطونا يوماً واحداً

يوماً واحداً فقط، يا سادةَ الأرضِ

قبل أن يعودَ فيمتزجَ الهواءُ والحديدُ

فتحرق جبيننا إحدى الشظايا الملتهبة




هكذا يدعو كوازيمودو شعوب الأرض إلى السلام، ويظهر نفوره وتبرمه واشمئزازه من إنسان زمانه، الذي داس القيم الرفيعة في الحياة، وتحول إلى محارب عنيد، لا هم له إلا الفتك والتدمير والإبادة.





رقية صالح 02-25-2011 12:19 AM






ونتوقف قليلاً عند الشاعر المناضل سيرجيو سولمي، الذي قطع دراسته أثناء الحرب العالمية الأولى، والتحق بالجيش برتبة ضابط، ثم عاد إلى تورينو بعد الحرب وأسس فيها مجلة أدبية دعاها (الزمن الأول).


كما شارك في المقاومة السرية ضد الفاشية والنازية، واتخذ اسماً أدبياً مستعاراً واعتقل مرتين، فهرب في المرة الأولى من زنزانته، وفي المرة الثانية خرج من السجن وأعيدت إليه حريته.

يقول في قصيدة- وطني:


ما أبرعكَ في إقناعي

كنت مخدراً من سنين، واليوم

يشعل النفسَ عطرُ أعشابك المحروقةِ القوي

ويجرحني بلقاءٍ جديد

وأعود فأستسلم إلى لعبِ غيومك

وصورتي الحائرةُ تعكسها بلطفٍ

مرآةُ سمائك

وعلى مشهدِ الطبيعةِ الصافي

أراني في صفٍ واحدٍ مع أشجارك


وينتهي بنا المطاف عند الشاعر نينو موتشيولي، الشاعر والنائب في البرلمان الصقلي الذي تخصص في التاريخ والفلسفة، ثم عمل بعد تخرجه في حقول الصحافة والنشر والتعليم. يتميز شعره بنكهته الصقلية الخاصة، فهو شاعر الأرض الصقلية بلا منازع، وشاعر الفلاح الصقلي المكافح العنيد، والصابرعلى الخشونة والقسوة.

يقول في قصيدته - أنت لا تعرف صقلية:


أنت لا تعرف صقلية

وأيدي الرجالِ الملأى بالحقدِ

كأشجارِ الزيتونِ العربيةِ المتقوسةِ

بفعلِ العاصفةِ

أنت لا تعرف هذه الجزيرةَ

وعناءَ العيش، وتكاتفَ الخبزِ والألمِ

والبغضَ- الحبَ لمن يعيشون

مع سخريةِ الماعزِ



لقد أوحت طبيعة صقلية الجبلية، وحياة الفلاحين القاسية الصعبة، كثيراً من الصور العابسة المتجهمة لهذا الشاعر، فالأرض القاسية ذات البثور كراحات أيدي الفلاحين، والفلاحون أشبه بالصبّار كلهم أشواك من الخارج، أما قلوبهم فكأنما هبطت من نجوم بعيدة إلى دنيانا، وهم يعتقدون بأن القلب ما يزال يخفق بالحب، وأن الكرامة والشرف ما يزال لهما قيمة، ألا يمكن القول بأن طباعهم متأثرة إلى حد بعيد بطباع العرب وأخلاقهم وعاداتهم، الذين عاشوا معهم قروناً عدة في أثناء الحكم العربي؟

فلنسمعه يقول في قصيدته - الفلاحون:


أنا أعرف صمتَ الفلاحين

العاكفينَ على التعبِ

وهم يموّجون الحبوبَ من الفجرِ حتى الغروبِ

أنا أعرف الأرضَ القاسيةَ

الأرضَ ذاتَ البثورِ

مثلَ راحاتِ أيديهم

أتدري: أنهم أشبهُ بالصبّارِ

كلهم أشواكٌ من الخارج

فإذا بلغت إلى قلوبهم

بَدَوا وكأنما هبطوا من نجومٍ بعيدةٍ

إلى دنيانا

وهم لا يزالون يعتقدون بأن القلبَ

ما يزال يخفق بالحب

ويظنون أن الكرامةَ والشرفَ

ما تزال لهما قيمةٌ.



لا مجال للحديث عن كل شاعر من الشعراء الخمسة والعشرين الذين اختارهم الدكتور الناعوري، وعرّف بهم أحسن تعريف في هذه الدراسة القصيرة، ولذلك لا بد من مطالعة الكتاب الذي جاء ليخدم قضية التبادل الثقافي والفكري في العالم، ولعله من أفضل الروابط بين البلاد العربية وإيطاليا.... فالتفاهم الفكري بين الشعوب كان ولم يزل يسبق التفاهم السياسي، كما هو معروف.



منشورة في الشعر الإيطالي






رقية صالح 02-25-2011 12:29 AM






أنطولوجيا الشعر الإيطالي الحديث باللغة العربية:


كيف يمكننا أن نقدّم للشعر الإيطالي الحديث بكلماتٍ قليلة، وهو الذي يعكس روح شعبٍ عريق متسم بالغنى الفني والأدبي والإنساني، ويحمل نبض بلادٍ ترث تاريخاً طويلاً من العبقريات في الشعر والنثر والرسم والنحت والموسيقى؟


ماذا يمكننا أن نقول عن أبناء دانتي ودانونسيو وليوباردي وغيرهم من كبار الشعراء الذين أحدثوا تحوّلات جذرية، ليس في الشعر الإيطالي فحسب بل في شعر الأمم قاطبة؟


كيف يتسنى لنا بقصائد قليلة أن نختصر شاعراً أو آخر لندلّ على العلامات المضيئة المتجلية في هذه السماء الشعرية الرحبة؟


كيف يسعنا بهذا الاختيار العشوائي والتعسّفي إلا نغمط هذا الشعر الكبير حقّه من الانتشار الواسع، وكيف نستطيع بهذا النذر القليل من القصائد المترجمة أن نلقي الضوء على كل أبعاده، وأن ننشر بعضاً من وهجه، وهو الشعر الذي لا تستطيع الأنطولوجيات الضخمة أن تتسع له؟



في هذه المحاولة التي عدنا فيها إلى ينابيع الشعر الإيطالي الحديث، وإلى لغته الاصلية، سعينا إلى بعض الاختيارات في الاسماء والنصوص، وحاولنا جهدنا أن تكون معبّرة عن بعض السمات والمحطات الأساسية المختلفة في النتاج الشعري الإيطالي المعاصر، على أن نضيف أسماء جديدة تدريجاً، مقدّمين بذلك أنطولوجيا تفاعلية متحرّكة تعكس جوهر الشبكة الأنترنتية المتحرك، وتسعى خصوصاً إلى نقل عدوى حبّنا للشعر، وما هذه "العدوى" إلا دور "جهتنا" الأساسي ورسالتها.


قد لا تكون الاختيارات شاملة ولا كافية، وقد لا تعكس تماماً كل التيارات المتنوعة التي شهدها ويشهدها الشعر الإيطالي في عصرنا هذا، ابتداءً من عشرينات القرن العشرين، وصولاً إلى تسعيناته. إلا أن القصائد التي ترجمناها من لغتها الأصلية تقدّم محض محاولة متواضعة تتيح لنا التعرّف على شعرٍ يحتضن هواجس الإنسان وأسرار الكون، ويقطر شفافية وغموضاً في آن واحد، ويعبّر عن دواخل كبار أدباء العالم الحديث.



إن ترجمة الشعر تشبه الطعنة التي نوجهها ربما إلى الشاعر ولغته. فهي تحمل في ذاتها أحياناً معنى الخيانة والمصادرة، خيانة الشاعر وقصيدته، ومصادرة أسرارهما وجعل هذه الأسرار تبعاً لأهوائنا التي تترجم - إذ تترجم القصيدة - بعضاً من أهوائنا الشعرية الخاصة. فمهما بلغت معرفتنا باللغة التي كتبت فيها القصيدة، ومهما توغلنا داخل عوالم الكاتب وحاولنا اكتشاف معاني كلماته وبواطنها، ستظل الترجمة في بعض لحظات تجلّيها غير "أمينة" في معنى ما للشاعر وقصيدته. وقد حاولنا في هذه الترجمات أن نخفي الكثير من "أنانيات" الترجمة من أجل الاقتراب أكثر فأكثر من روح النصوص الأصلية وجوهرها ودلالاتها. فماذا وجدنا في هذا الشعر الإيطالي الحديث؟



يتمتّع جميع الشعراء الإيطاليين الذين برزوا في هذا القرن، على اختلاف التيارات التي ينتمون إليها، بقاسم مشترك في عودتهم إلى الجذور، في إطار جغرافيا شعرية شاملة ومتنوعة. من مظاهر هذه الشعرية، غنائية حادّة وعميقة تعكس موسيقى أرواحهم وأفئدتهم، وهي موسيقى غير معبّر عنها بايقاعات سطحية أوسماعية مباشرة، بل إنها داخلية، حميمة، طالعة من حفيف أوراق الذاكرة وشفافية الجسد والروح وحياتهما المعاصرة.


يستسلم الشاعر الإيطالي بطواعية مذهلة لغناء القلب، لكنه استسلام لا يتنازل عن إيقاعات العتمة من أجل الإحتفاء السهل بالضوء. بل إن غنائيته هي غنائية ذات عمق فلسفي ودرامي، وهي تطرح أسئلة الوجود الكبرى في تناقضاتها المادية والروحية، حيث تطير الذات في مهب هذه الصراعات وتعود لتستدرج الضوء الخارجي إلى الداخل المعتم، وتصنع هناك نورها الموسيقي الخاص الذي ينساب في جسد الكلمات وفي دلالاتها المعنوية.



إن الغناء في الشعر الإيطالي، مقروناً بأمومة الأرض وبالروح المتوسطية وطبيعتها وبالتجاذب بين ثنائية الوهم والواقع والمادية والروحانية، تشكّل إذاً عناصر انتماء لدى غالبية الشعراء الإيطاليين المعاصرين.


وعندما ظهرت بداية موجة الواقعية الجديدة، هدّدت عناصر الانتماء هذه، إلى جانب الإنغلاقية المطبوعة بنفحة الرمزية التي ظلت مسيطرة على الشعر الإيطالي عموماً. ولكن اكتسبت الرمزية مع الشعراء المعاصرين إيقاعات جديدة، كما على سبيل المثال مع أونغاريتي ومونتالي، وهي إيقاعات وحدّت نوعاً ما جيلاً من الشعراء اتبعوا أنماطاً شعرية مختلفة للغاية.



ومما لا شك فيه أن الشعراء الإيطاليين المولودين في النصف الأول من القرن التاسع عشر قد أدّوا دوراً بارزاً في توجيه مسار شعر القرن العشرين. ولكن رغم المحاولات العديدة الهادفة إلى تقليدهم وإلى تقليد كبار الشعراء الذين أعقبوهم، انبثقت من الجيل الشعري المعاصر لغة جديدة وغنية، يمكن أن نعزوأسباب تجلّيها إلى توسّع الآفاق ومراقبة التحولات الإجتماعية والثورة الصناعية وخوض تجارب لغوية ثورية ومساع داخلية شخصية للتحرر من تأثيرات الأسلاف. هكذا استجاب الشعر الإيطالي المعاصر لنداء التجدّد والتحوّل، واتجّه تدريجياً إلى مزيد من النضج والاستقلال عن نهج شعراء الأمس. واكتسبت معه الرومنطيقية الجديدة حلة حديثة وغدت القصيدة مغامرة نفسية داخلية، تبوح كلماتها بالشيء وتحجبه في آن واحد.



جدير بالذكر أخيراً أن الشعرية الإيطالية تغتسل بماء التواطؤ مع المناخ المتوسطي وعناصر طبيعته، حيث تزدحم القصائد بمعجم غنّي بمفرداته الطبيعية، بما في ذلك مخاطبة ليريكية ترفع المشهد المنظور إلى مستوى الكائن البشري تارةً، في حين أنها تمّحي طوراً في طبيعة النسيج الشعري وتشكّل خلفية، ربما تزيينية، لأفكار الشعر وأسئلته وهواجسه.



وتساهم هذه المتوسطية الطبيعية في إضفاء نوع من الألفة على الشعر الإيطالي. ألفةٌ نشعر لوهلة أنها منسوجة من خيطان ثيابنا الشعرية المتوسطية هنا، أو بالعكس، نكاد أحياناً نظن أننا متأثرون من حيث لا ندري بهذا الشعر، وكأنه شقيق شعرنا وأرضنا وطبيعتنا.



وإذ نقترح هذه المحاولة اليوم، فإنما لنعقد بعض أواصر الصداقة بين شعرنا العربي والشعر الإيطالي المقيم على الضفة الأخرى من" متوسط" روحنا وقيمنا الأدبية والفكرية والمجتمعية.



منشورة فيالشعر الإيطالي





رقية صالح 02-25-2011 09:43 AM







الدراما الإيطالية:

تعريف الدراما(Drama)



1- الكلمة يونانية الأصل dram ومعناه الحرفى "يفعل- أو عمل يقام به" ثم انتقلت الكلمة من اللغة اللاتينية المتأخرةdrama إلى معظم لغات أوروبا الحديثة ولأن الكلمة شائعة فى محيطنا المسرحى فيمكن التعامل معها على أساس التعريب فنقول: عمل درامى ،حركة درامية، كاتب ، ناقد، عرض، معالجة، صراع، فن، مهرجان، تاريخ، أدب، فرقة، أندية..الخ. إذا كان كل ذلك يتعلق بالنص.


2- ولقد عرف أرسطو الدراما بأنها "محاكاة لفعل إنسان" وفى تفسير ذلك ذهب النقاد فى دروب متشعبة. ولعل أقرب تفسير إلى روح العبارة المذكورة ما قيل من أن الدراما تتكون من عناصر جوهرية:



1- الحكاية.

2- تصاغ فى شكل حدثى لا سردى.

3- وفى كلام له خصائص معينة.

4- ويؤديها ممثلون.

5- أمام جمهور.




وعلى أية حال فان لفظة دراما تعنى مدلولين:


2- النص المستهدف عرضه فوق المسرح، أيا كان جنسه أو مدرسته أو نوعية لغته. ويتقلد أدوار شخصياته ممثلون يقومون بتأدية الفعل ونطق الكلام



المسرحية الجادة ذات النهاية السعيدة أو الأسيفة والتي تعالج مشكلة هامة علاجاً مفعماً بالعواطف على ألا يؤدى إلى خلق إحساس فجيعى مأسوي ".





" ولقد اتخذت الدراما أشكالاً مختلفة من عصر إلى عصر، تناسباً مع التطور الطبيعى للمجتمع ومع ماينتج عن هذه الحركات الإجتماعية من فكر وقيم. وليس هذا أمراً غريباً إذا أخذنا في الاعتبار أن فن المسرح ينبع من المجتمع ويرتد مرة أخرى ليصب فيه. والدراما كفن منفنون التعبير ترتبط بقدرة الإنسان منذ بدء الخليقة على التعبير عن نفسه وعن مكنونات بيئته الطبيعية والإجتماعية وقد اتخذ هذا التعبير دائما شكلين: تعبير خارجي وتعبيرداخلي يتفاعلان فى علاقة جدلية فالتعبير الخارجى ما هو إلا شكل تنفيذي للداخلي وهذا التعبير فعل يستفز فيمن يستقبله رد فعل طبقاً للقاعدة العلمية التي تؤكد "أن لكل فعل رد فعل مساوي له فى المقدار ومضاد له في الاتجاه" بل إن المسألة تتجاوز هذا الحد فنرى أن رد الفعل يتحول مرة أخرى إلى فعل ".





ملاحظة:


هناك خلط بين مفهوم الدراما والتراجيديا فهناك الكثير ممن يعتقدوا أن الدراما تعني التراجيديا في حين أن الدراما كما طرحنا سابقاً تختلف عن التراجيديا إذ أن التراجيديا أو المسرحية المأساوية "عبارة عن مجموعة من الأحداث الجادة المترابطة على أساس سببي معقول ومحتمل الوقوع وتدور هذه الأحداث حول شخص مأزوم(البطل) يصارع مصارعة ايجابية ضد قوى إلهية أو اجتماعية أو نفسية ومن خلال تتابع الأحداث يكون الجو السائد حزيناً شجياً ولكن قد تلمع فيه ومضات سريعة جداً من الترويح الملهوي وفي كثير من الأحيان تختتم المسرحية بنهاية كارثية تتمثل في موت البطل أو هزيمته الساحقة ".





كما أن الدراما أشمل من ارتباطها بالمسرح فحسب إذ أن بدايتها التاريخية كانت مع المسرح ولكن يشير أرسطو فى كتابه فن الشعر إلى أن الدراما أشمل من ارتباطها بالمسرح فقط لذا توجد الآن أنواع متعددة من الدراما كالدراما التليفزيونية والإذاعية وغيرها من أنواع الدراما المرئية.






رقية صالح 02-25-2011 09:55 AM

2- ونظراً لمحاولة تلافي الخلط سنقوم من خلال السطور القادمة بتعريف المأساة أو التراجيديا:



المأساة:

عرفها أرسطو: "محاكاة.. فعل تام نبيل لها طول معلوم بلغة مزودة بألوان من التزيين.. تختلف وفقاً لاختلاف الأجزاء وهذه المحاكاة تتم على يد أشخاص يفعلون لا عن طريق الحكاية والقصص وتثير عاطفتي الخوف والشفقة فتؤدي إلى التطهير من هذه الانفعالات وأقصد باللغة المزودة بألوان التزيين تلك التي فيها إيقاع ولحن ونشيد وأقصد بقولي تختلف وفقا لاختلاف الأجزاء أن بعض الأجزاء تؤلف بمجرد استخدام الوزن وبعضها الآخر باستخدام النشيد".



تحليل التعريف

1- المحاكاة Imitation :


عند أفلاطون: الطبيعة والحياة الإنسانية محاكاة للمثل الأعلى وعمل الشاعر هو محاكاة حرفية لهذا المثل وعلى ذلك يصبح عمله محاكاة للمحاكاة.


عند أرسطو: الشاعر يحاكي الطبيعة محاكاة غير حرفية، إذن هي ليست محاكاة للمحاكاة وإنما فيها الكثير من التغيير تحت تأثير مخيلة الشاعر لأن الفن يحاكي الممكن والمحتمل محاكاته أقرب ما تكون إلى الكمال أي للمثال الأصلي، أي صورة منسوخة للطبيعة.


إذن المحاكاة عند أرسطو لا تعني تصوير الواقع أو نقل الطبيعة نقلاً حرفياً، وإنما تعني تمثيل أو محاكاة الحياة أو الحدث الذي يمكن أن يحدث، أي أن الفن هو إعادة إبداع أي أنه إكمال ما لم تكمله الطبيعة وإضافة لإحساس المؤلف ونظرته الفكرية وتصوره الشخصي.


تتم المحاكاة من خلال ثلاث طرق:

1- أن يمثل الأشياء كما هي.

2- أن يصور الأشخاص كما يراهم الناس أو كما يبدون.

3- أن يصور الأشخاص كما يجب أن يكونوا عليه أي يرتفع ويسمو بالواقع.


2- الفعل: إن الفعل صفة إنسانية لذا يستطيع الإنسان التحكم في إراداته الإنسانية أي في فعله ولما كان الفعل من سلوكيات البشر فإنه بالضرورة يتم عن طريق التمثيل أي الفعل المرئي. إذن الفعل حدث والحدث الدرامي هو الحركة الداخلية لما يتابعه المشاهدون من أحداث سواء بعينه أو بأذنيه.


3- نبيل جاد: والنبل في قصد أرسطو أنه فعل محسوب ومهم ومؤثر وله أبعاد بطولية أي أن المأساة تتناول موضوعات جادة وعلى قدر عظيم من الأهمية والخطر وتعالج مشكلة السلوك الإنساني بين الفرد والجماعة في صراعه مع من حوله من كائنات ويتسم الصراع فيها بين القوتين بالشراسة وهي تناقش قدر الإنسان والخير والشر فيه، وعلاقته بالقوى الغيبية ونتائج سلوكه سلباً وإيجاباً وكشف القيم وتعميقها.


4- تام: والحدث التام هو ذلك الحدث الكامل الذي يحتوي على فكرة كاملة تتم عن طبيعته وتوضح أسبابه ودوافعه وما يترتب عليه من آثار.



ويرى أرسطو أن يكون لهذا الحدث:

- بداية (وهي الشئ الذي لا يسبقه شئ آخر ولكن يتبعه شئ آخر) تمهيد للأحداث طبقاً لقانون الضرورة والإحتمال.

-
وسط (وهو الشئ المسبوق بشئ ويتبعه شئ آخر) ويتم فيه عرض لهذه الأحداث وتفاصيل دقائقها.

-
نهاية (وهي الشئ المسبوق بشئ ولكن لا يتبعه شئ آخر) وهي تعني ذروة الأحداث وحلها.


5- لها طول معلوم: أي تكون المأساة ذات طول أو حجم يتناسب مع قدر وحجم الفعل الذي تحاكيه دون تركيز على تفصيلات لا تخدم الفكرة، وحتى لا يمل الجمهور.



6- بلغة منمقة بكل أنواع المحسنات: أي تشتمل اللغة علي الإيقاع واللحن والأناشيد.


7- وحدة الحدث :أهم الوحدات الثلاثة، لكن بداية لا بد من تعريف الحدث الدرامي:


وهو بدء المسرحية عند تفجر الصراع، ويلاحظ أن الحدث في الحياة أو الواقع يحتمل أكثر من نهاية لأن منطق الحياة يحكمه أما الحدث في العمل الفني لا يتحمل إلا نهاية واحدة لأن المنطق الفني هو الذي يحكمه كذلك وجود عنصر السببية.



أشار أرسطو إلى نوعين من الحدث:

- بسيط: وهو الذي يمكن حدوثه متصلاً و واحداً ويقع فيه التغيير دون أن يكون هناك انقلاب أو تحول.

- مركب: وهو الذي يكون فيه التغيير نتيجة مباشرة لإنقلاب أو تعرف أو بهما معاً.

8- وحدة الزمان: قال بها أرسطو في الفصل الخامس من كتابه فن الشعر عندما حدد زمن التراجيديا بدورة شمسية واحدة لا تتجاوز ذلك إلا بقليل.


9- وحدة المكان: لم يقل بها أرسطو ولم ترد في سياق كتابه ولكن استخلصها شراحه من أن معظم عروض الإغريق المسرحية تقع أحداثها في مكان واحد، أو في أماكن مختلفة من مكان واحد.


10- إثارة الرحمة والخوف: من الضروري أن يكون البطل فاضلاً ذا شهرة كبيرة ومن ذوي المكانة العليا ولكنه كبشر لا يخلو تكوينه من نقطة ضعف أو نقيصة أو ثغرة في بناء شخصيته هذه النقيصة تعرف بالهوبريس Hubris مما يؤدي إلى وقوعه في الخطأ التراجيدي Harmartia الهارمارتيا ومما يلقاه البطل من مصيره المحتوم يحدث التطهير الذي يؤدي إلى إثارة عاطفتي الخوف والشفقة Catharsis.

رقية صالح 02-25-2011 10:12 AM


المقالات الأدبية الإيطالية:

فــن المقـالة

تعريف المقالة:

- قطعة نثرية قصيرة أو متوسطة، موحدة الفكرة، تعالج بعض القضايا الخاصة أو العامة، معالجة سريعة تستوفي انطباعاً ذاتياً أو رأياً خاصاً، ويبرز فيها العنصر الذاتي بروزاً غالباً، يحكمها منطق البحث ومنهجه الذي يقوم على بناء الحقائق على مقدماتها، ويخلص إلى نتائجها.


- قطعة مؤلفة، متوسطة الطول، وتكون عادة منثورة في أسلوب يمتاز بالسهولة والاستطراد، وتعالج موضوعاً من الموضوعات على وجه الخصوص.



ويعرفها الكاتب آرثر بنسن بأنها:

- تعبير عن إحساس شخصي، أو أثر في النفس، أحدثه شيء غريب، أو جميل أو مثير للاهتمام، أو شائق أو يبعث الفكاهة والتسلية.



ويصف كاتب المقالة بأنه: شخص يعبر عن الحياة، وينقدها بأسلوبه الخاص.. فهو يراقب ويسجل ويفسر الأشياء كما تحلو له.



تعريف النقاد العرب لفن المقالة:

- يقول الدكتور محمد يوسف نجم: المقالة قطعة نثرية محدودة في الطول والموضوع، تكتب بطريقة عفوية سريعة، خالية من التكلف، وشرطها الأول أن تكون تعبيراً صادقاً عن شخصية الكاتب.


- ويقول الدكتور محمد عوض: إن المقالة الأدبية تشعرك وأنت تطالعها أن الكاتب جالس معك، يتحدث إليك.. وأنه ماثل أمامك في كل فكرة وكل عبارة.




نشأتها:


نشأت المقالة الحديثة في الغرب، على يد - مونتني الفرنسي- في القرن السادس عشر، وكانت تتسم بطابع الذاتية، فقد كان يفيد من تجربته الذاتية في تناول الموضوعات التربوية والخلقية التي انصرف على معالجتها، فلقيت مقالاته رواجاً في أوساط القراء، ثم برز في إنجلترا فرنسيس باكون في القرن السابع عشر فأفاد من تجربة مونتني، وطور تجربته الخاصة في ضوئها، ولكن عنصر الموضوعية كان أشد وضوحاً في مقالاته، مع الميل إلى الموضوعات الخلقية والإجتماعية المركزة، وفي القرن الثامن عشر بدت المقالة نوعاً أدبياً قائماً بذاته، يتناول فيه الكتاب مظاهرالحياة في مجتمعهم بالنقد والتحليل وقد أعان تطور الصحافة على تطوير هذا العنصرالأدبي، وبرز فيه عنصر جديد وهو عنصر السخرية والفكاهة، وإن كانت الرغبة في الإصلاح هي الغاية الأساسية لهذا الفن الجديد، وفي القرن التاسع عشر، اتسع نطاق المقالة لتشمل نواحي الحياة كلها، وازدادت انطلاقاً وتحرراً واتسع حجمها بحكم ظهورالمجلات المتخصصة.



والسؤال الذي يتردد هنا: هل عرف أدبنا العربي القديم فن المقال؟



في أدبنا العربي القديم عُرف فن يسمى بالفصول والرسائل وهو يقترب من الخصائص العامة لفن المقال مثل: رسائل عبد الله بن المقفع وعبد الحميد الكاتب، ورسائل الجاحظ، وأبو حيان التوحيدي في كتابيه (الإمتاع والمؤانسة، وأخلاق الوزيرين)، كما نستطيع أن نجده في تراث الأمم الأخرى منذ الإغريق والرومان، وفي الكتب الدينية والفلسفية وكتب الحكماء.


ولكن المقالة تنفرد بمميزات خاصة عن فن الفصول والرسائل، فقد تأثر كتّاب المقالة الحديثة بالاتجاهات السائدة في الآداب الغربية، مما أثرى المقالة بخصائص فنية تجعلها متفردة عن باقي الأجناس الأدبية الأخرى.




أسباب تطور فن المقال وتخلصه من التكلف اللفظي:



1- التأثر بالغرب وصحافته.

2- ارتقاء الوعي وظهور الأحزاب السياسية والتيارات الفكرية التي أحدثتها أحداث بارزة مثل مجيء: جمال الدين الأفغاني، والثورة العرابية، والاحتلال البريطاني، وحركة تأسيس المدارس والكليات، ونشاط الحركة الاستعمارية في أقطار المغرب العربي.

3- ظهور المدرسة الصحفية الحديثة، وبرزت صحف كثيرة من مثل المؤيد، اللواء، الجريدة، السفور، السياسية، البلاغ.
ظهور المجلات المتخصصة التي أحاطت بمكونات المقالة العربية.


ولهذا أصبحت المقالة أكثر قدرة على مخاطبة الواقع والاهتمام بقضاياه عما كانت في السابق.





المقالة والصحافة:

- يتصل تاريخ المقالة العربية الحديثة اتصالاً وثيقاً بتاريخ الصحافة في الشرق الأوسط، فهو يرجع إلى تاريخ غزو نابليون للشرق ووجود المطابع الحديثة، وقد ظلت الصحافة لفترة طويلة تحتفظ بطريقة المقال الافتتاحي للجريدة والذي كان يدور في الغالب حول الموقف السياسي وما يعرض فيه من الأحوال والتقلبات، وقد ظهر المقال الأدبي إلى جانب المقال الصحفي.



هل هناك اختلاف بين المقال الصحفي والمقال الأدبي؟


- المقال الصحفي يتناول المشكلات القائمة والقضايا العارضة من الناحية السياسية، أما المقال الأدبي فيعرض لمشكلات الأدب والفن والتاريخ والاجتماع.







رقية صالح 02-25-2011 10:17 AM



كُتّاب المقالات:


هناك كتّاب استطاعوا الإجادة في كتابة النوعين من المقالات، المقالة الصحفية والمقالة الأدبية، ومنهم: عباس محمود العقاد، والدكتور حسنين هيكل، والدكتور طه حسين.


وهناك كتّاب اشتهروا بإجادة المقالة الصحفية فقط، منهم: الصحفي عبد القادر حمزة، وأحمد حافظ عوض، والدكتور محمود عزمي.



وهناك كتّاب اشتهروا بكتابة المقالة الأدبية الخالصة، ومنهم: ميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، ومي زيادة، وعبد العزيز البشري.




خصائص المقالة الحديثة: تميزت المقالة الحديثة بمجموعة من الخصائص، وهي:


1- أنها تعبير عن وجهة النظر الشخصية، وهذه الميزة هي التي تميزها عن باقي ضروب الكتابات النثرية.

2- الإيجاز، والبعد عن التفصيلات المملة، مع إنماء الفكرة وتحديد الهدف.

3- حسن الاستهلال وبراعة المقطع.

4- إمتاع القارئ، وإذا ما انحرفت عن هذه الخاصية أصبحت أي لون آخر من ألوان الأدب وليست بفن مقالة.

5- الحرية والانطلاق.

6- الوحدة والتماسك والتدرج في الانتقال من خاطرة إلى خاطرة أخرى من الخواطر التي تتجمع حول موضوع المقال.





رقية صالح 02-25-2011 10:27 AM



الأدب الإيطالي



يشمل الأدب الإيطالي روائع عديدة كُتبت منذ بدايات القرن الثالث عشر الميلادي. كما أنه عزّْز حركات ثقافية مهمة كان لها أثر دائم على آداب قومية أخرى. ولم تصبح اللغة الإيطالية لغة قومية عامة إلاّ بعد عام 1870م. ومع ذلك فإن إحدى خصائص الأدب الإيطالي له لغة موحدة خلال تاريخه الطويل. وقد حدث هذا التوحيد لأن ثلاثة كُتّاب إيطاليين كبارٍ في القرن الرابع عشر الميلادي هم دانتي اليجيري وبترارك وجيوفاني بوكاتشيو كتبوا بلغة مبنيّة على اللهجة التسكانية التي كان يتحدث بها أهل فلورنسا. ولقد قُلِّدت لغتهم وأعمالهم لبضعة قرون في الوقت الذي درج فيه الإيطاليون على استعمال لهجات منطوقة عديدة.



العصورالوسطى


يعتقد بعض العلماء أن الأدب الإيطالي نشأ عام 1225م عندما كتب القديس فرانسيس الأسيسي أنشودة الشمس. وكانت هذه القصيدة أول كتابة أدبية في اللغة الدارجة بدلاً من اللاتينية، وكانت تعبّر عن المشاعر الدينية للجماهير، لهذا تُعدُ أول صوت إيطالي في الأدب.



وفي صقلية تردَّد صوت إيطالي آخر. ففي بلاط الإمبراطور فريدريك الثاني في باليرمو خلال النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي، تجمع الكثير من المفكرين والشعراء. وقد عُرف هؤلاء بإسم المدرسة الصقليّة إذ كتبوا بلهجة صقلية مهذّبة. وقلَّدت قصائدهم قصائد العشق التي تَغَنَّى بها شعراء التروبادور الأوائل. وقد ابتكر هؤلاء الشعراء أشكالاً جديدة من الشعر مثل السوناتة وهي قصائد قصيرة جدًا.



تفرّقت المدرسة الصقلية بوفاة مانْفرِد بن فريدريك الثاني عام 1266م وانحطاط القوة السياسية في صقلية. إلا أن أعمالها أصبحت نموذجاً يحتذيه الشعراء الآخرون وخاصة في تسكانيا. وهناك لاقى غيتون دا أرِزُّو الاستحسان لما كتب من شعر في الحب بلغته الواقعية والغامضة في آن واحد. وقد عارض ريادته الفنية الشاعر غيدو غوِينْيزلّي أوف بولونا. ويعد غوينيزلي مؤسس ما عرف بالإيطالية بالأسلوب السلس الجديد، وهي مدرسة أضافت بعداً فلسفياً لشعر العشق التقليدي. حيث اعتبر شعراء هذه المدرسة النساء مخلوقات ملائكية والحب مصدر الفضيلة. وأثَّر هذا الفهم الجديد للحب، الذي عُبِّر عنه بأسلوب عذب صاف، على بعض شعراء فلورنسا وبشكل خاصغيدو كفالكانتي والشاعر الشاب دانتي أليجيري. وقد ساعدت الكوميديا الإلهية لدانتي 1321 م وهي أحد أروع الإنجازات الشعرية، على تكوين اللغة الإيطالية الأدبية.




النزعة الإنسانية وعصر النهضة


شجَّع بترارك على نشرأفكار ومواقف جديدة في الأدب الإيطالي في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي، وساعد على تأسيس النزعة الإنسانية وهي حركة سعت إلى إحياء الثقافات الكلاسيكيّة وتأكيد أهمية الفرد. انظر: النزعة الإنسانية. كتب بترارك معظم مؤلفاته باللاتينية. إِلا أنه في كانزونير (كتاب الأغاني)، وهو مجموعة من القصائد باللغة الإيطالية، تحدث عن حبه لامرأة تُسمى لورا بلغة جميلة أصبحت نموذجاً يُحتذى لعدّة قرون.



أما صديق بترارك الحميم جيوفاني بوكاتشيو فقد كتب هو الآخر بعض مؤلفاته باللاتينية، إلاّ أنه ألَّف رائعته الديكا ميرون (حوالي 1349-1353م) باللغة الإيطالية.

وتُصوِّرهذه المجموعة المؤلفة من مائة قصة قصيرة شخصيات ومشاهد العصر بكثير من الواقعية والفكاهة.



استمرت سيطرة الأدب الإنساني المكتوب باللاتينية على الأدب الإيطالي حتى النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي. وتركَّز إحياء الأدب باللغات الدارجة في فلورنسا إذ ظهرت مجموعة رائعة من الكُتَّاب في بلاط الشاعر والسياسي لورنزو دي مديتشي.



ومن بين هؤلاء الكُتَّاب برز أنجيلو بوليزيانو الذي مزج التقاليد الكلاسيكية بالدارجة في مؤلفه مقاطع شعرية للمناظرة كما سَخِر لويجي بولتشي من القصائد البطولية في عصره في ملحمته السّاخرة الثانية مور جانت ماجيور-1478- 1483 م.


حدث أيضاً نشاط أدبي مهم في أجزاء أخرى من إيطاليا. إذ نظم ماتيو ماريا بولاردو، الذي كان يعمل في بلاط فرارا الشمالي، قصيدة الفروسية غير التامة بعنوان أورلاندو العاشق (1487م). وفي نابولي كتب جاكوبو سانازارو مؤلفه أركاديا (1501- 1504م). ضم هذا المؤلَّف شعراً رعويّاً ونثريّاً وأثَّر على مؤلفين أوروبيين عديدين. ومع أن النزعة الإنسانية استمرت حتى أوائل القرن السادس عشرالميلادي، إلاّ أن أهمية الأدب المكتوب باللغة الدارجة ازدادت باطراد. واعْتُبِر كتاب نيقولو مكيافيللي الأمير (كُتب عام 1513م طبع عام 1532م) أحد أشهرالمؤلفات العالمية في العلوم السياسية.


وهناك عمل مهم آخر لهذه الفترة هو أورلاندو فيوريوسو للكاتب لودوفيكو أريوستو (1516م)، (روجع عام 1521م وعام 1532م). ولربما كانت هذه القصيدة أعظم ما كُتِبَ من قصائد في الفروسية. وهي في حبكتها استمرار لأورلندو أناموراتو للشاعر بوياردو، إلاّ أنها مليئة بالسّخرية وعلى شكل حوار. يصف بالداساري كاستيليون في مؤلفه كتاب رجل البلاط (1518م، نشر عام 1528م) المثل الأعلى لرجل البلاط المهذّب والجمال الروحي.



وخلال أوائل القرن السادس عشر الميلادي بدأ الكُتَّاب الإيطاليون ينسجون لغتهم على منوال لغة بترارك وبوكاتشيو. وقد حدث هذا التطوُّر بشكل رئيسي بسبب المؤلفات الخلاّقة والنظرية لبيتر وبمبو. وأصبح شعر بترارك النموذج الذى احتذته قصائد عديدة فيالحب الروحي.

وفي حوالي منتصف القرن السادس عشر الميلادي أحدثت حركة تجديدية في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية عُرفت باسم الإصلاح المضاد تغييرات في الفنون. انظر: الإصلاح المضاد، فقد حلّ الاهتمام بالمظاهر الشكلية المبالغ فيها محل الانسجام الذي هو المثل الأعلى للنهضة، ونجم عن ذلك أسلوب عُرف باسم الأسلوب التكلفي وأدّى إحياء كتاب الشعر لأرسطو طاليس، الفيلسوف الإغريقي القديم، إلى فتح نقاش حول طبيعة الأدب. وهذا النقاش أمدّ النقد الأدبي الحديث بقاعدته وبفكرته القائلة إن الفن تقليد للواقع. وقد تطوّرت المسرحية الإيطالية أيضاً خلال القرن السادس عشر وبشكل خاص ما عُرِفَ باسم الكوميديا ديل أرت وهي كوميديا مبنية على الارتجال.







رقية صالح 02-25-2011 10:37 AM



فترة الباروك وعصر العقل


في حوالي القرن السابع عشر الميلادي كانت الأوضاع الدينية والسياسية في إيطاليا عاملاً مساعداً تسبب في انحطاط الأدب فيها، إذ حاولت إسبانيا وفرنسا السيطرة على إيطاليا. وظهرت الأزمة بوضوح في فترة الباروك في القرن السابع عشر الميلادي، وهي الفتره التي خسرت فيها إيطاليا قيادتها الثقافية لأوروبا. ومع ذلك كُتِبتَ بعض الروائع الأدبية مثل قصيدة جيامبا تيستا مارينو الأسطورية الطويلة بعنوان أدونيس (1623م). ومن نتاج فترة الباروك أيضاً النثر الواضح والعلمي الذي كتبه جاليليو، وكتاب مدينة الشمس للكاتب توماسو كمبانيلا (1623م) الذي يصف فيه المؤلف مجتمعاً مثالياً يحكمه كاهن فيلسوف.


حدثت نهضة أدبية خلال فترة معينة في القرن الثامن عشر الميلادي سميّت عصر العقل. ففي الشعر تصارع أسلوب أسهل وأقل تعقيداً يُعرف بأركاديا مع الأسلوب الباروكي الأكثر تعقيداً. فقد كيّف بيترو ميتاستاسيو مواضيع كلاسيكية لتلائم الذوق الدارج وذلك في الكلمات التي كتبها للأوبرا. واستبدل كارلو جولدوني الكوميديا دل آرت بمسرحيات مُؤَلَّفة تماماً. وقد صوّر الطبقات المتوسطة في مؤلفات كثيرة. وأعاد فيتوريو ألفييري المأساة الكلاسيكية في صول (1782 م) وغيرها. وكتب سيزار بكاريا مؤلَّفَه حول الجريمة والعقاب (1764م) وفيه يهاجم بشدة التعذيب وعقوبة الإعدام، وهاجمت قصيدة جوسيب باريني الناقصة بعنوان اليوم (1763-1765م) الطريقة الفارغة التي يمضي بها النبلاء أيامهم.


وفي نهاية القرن الثامن عشر أدّت رغبة خلق التوازُن بين العقل والتقليد إلى تطوّر الكلاسيكية الجديدة (الكلاسيكية المحدثة). وكان كاتبها الرئيسي هو يوجو فوسكولو .



الرومانسية


كانت الرومانسية حركة رفعت العاطفة فوق العقل، والتاريخ القوميّ فوق الأساطير، والفردية فوق العالمية. وقد اعتنق الكتاب الإيطاليون الحركة الرومانسية في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، وتزامنت الحركة مع بعض أفكار الحركة الوطنية التي أدّت إلى توحيد إيطاليا سياسياً والتحرُّر من السيطرة الأجنبية والتي أُطلق عليها بالإيطالية اسم ريزورجيمنتو. وكانت رواية المخطوب (1827- 1840-1842 م) للكاتب أليساندور مانزوني، أكبر كاتب إيطالي رومانسي، أول رواية إيطالية تاريخية تمجّد القيم الدينية كالعدل، والعون الإلهي. وكانت المسرحيات المأساوبة التي كتبها مانزوني مثل كونتكار ماجنوولا (1820 م) وأدلشي (1822 م) أول مسرحيات تتحرر من المبادئ الكلاسيكية.


وقد كتب أحد أكبر شعراء هذه الفترة وهو جياكومو ليوباردي مؤلفًا بعنوان أغان 1836 م وتُعبّر هذه القصائد عن نظرة شديدة التشاؤم نحو الطبيعة الإنسانية.


وقد صحب عملية توحيد إيطاليا عام 1870 م عدم استقرار اجتماعي واضطراب سياسي. وتركّزت الاستجابات الأدبية للوضع إما في الحنين إلى أمجاد إيطاليا الغابرة أو في محاولة جعل إيطاليا الجديدة أمراً مفهوماً. وجاءت أول استجابة من الشاعر جيوسو كاردوشي إذ أبدى احتقاراً للمبالغات العاطفية الرومانسية. وبدلاً من ذلك فضّل تمجيداً كلاسيكياً للقيم الوطنية. وجاءت الاستجابة الثانية على شكل حركة واقعية في الرواية عُرفت في إيطاليا باسم فاريسمو. وقد وُصف أعضاء هذه الحركة، بما أمكن من موضوعية، حياة وعاطفة الفقراء والمهاجرين. وقد صوّر جيوفاني فيرجا، أبرز كُتَّاب هذه الحركة، الفلاحين وصائدي السمك الصقليين في رواية البيت المحاذي لشجرة المَشْمَلَة -1881 م كما سار جابريلي دي أنونيزو على نهج كاردوتشي في تمجيد القيم التاريخية. ونظم جيوفاني ماسكولي شعراً ذا صدىً صوفيّ أثّر في الكثير من الشعر اللاّحق.




القرن العشـرون


تأثّر الأدب الإيطالي في أوائل القرن العشرين بحركة تدعى المستقبلية. وقد كتب فيلبو توماسو مارينتي بيان المستقبلية 1909م. ودعا هذا البيان إلى استعمال اللغة والمجاز المناسب لتمجيد سرعة عصر الآلة وعنفه. وكتب لويجي بيرانديللو روايات ومسرحيات ركّزت على مواضيع مثل الهوية الشخصية وعبث الواقع. وتبرز هذه المواضيع في روايات إيتال سفيفو. وتظهر المواضيع نفسها مقرونة بالتشاؤم الفلسفي في مؤلفات الشعراء يوجينيو مونتال، الشاعر الإيطالي البارز في القرن العشرين الميلادي، وسالفاتوري كواسيمودو وجوسيب أونجاريتي.


ولمدة عشرين سنة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 م حاول الكتاب الإيطاليون إعادة تنظيم أدب البلاد حسب أسلوب واقعي عرف بالواقعية الجديدة. وكان ألبرتو مورافيا رائد مؤلفي فترة ما بعد الحرب، وقد ضمت هذه المجموعة من الكُتَّاب روائيين أمثال سيزار بافيس وفاسكو براتوليني وإليو فيتوريني.



وفي فترة لاحقة أجرى الكُتَّاب الإيطاليون الكثير من التجارب. ومن بين هؤلاء الكُتَّاب الروائي إميليو جادا والشاعر بيير باولو باسوليني. وهناك مؤلفون آخرون مهمّون في أواخر القرن العشرين مثل الروائي إِتالو كالفينو والكاتب المسرحي داريو فو الذي حاز جائزة نوبل في الأدب عام 1997م.




رقية صالح 02-25-2011 10:44 AM



من روائع الأدب الإيطالي




ماتيلدي سيراو والاحتضار بين زهور الفل



تشكل إبداعات (ماتيلدي سيراو)* مساحة مضيئة في الأدب الإيطالي، واعتبرت تلك الكاتبة الموهوبة عبقرية أدبية في تاريخ الأدب الإيطالي، لما امتلكته من موهبة متفردة في التصوير الفني لنصوصها القصصية، وعكسها الفئات المهمشة في المجتمع الإيطالي، عبر فنيات إبداعية، تتشكل في التقاط الحياة في جزيئاتها بصورة مؤثرة مدهشة، وعذوبة مشوقة في السرد، حتى اعتلت عرش الإجادة الفريدة في التقاط النفس الشعبية، ومن جملة العقد الفريد لإبداعاتها، بائعة الزهور(1)، التي تعكس من خلالها لوحة فنية أدبية لمتسولة صغيرة، برعت الكاتبة في التقاط أنفاسها المتحشرجة، وتعابير المعاناة في محياها، ومساحات الخوف التي تترصدها وهي ابنة السابعة، وصور الألم التي تتضور في جسدها عند مصانع البسكويت ورائجة الخبز المنتشرة من المخابز، وملامح اندهاشاتها من العالم الآخر فيما وراء (سانتا باربرا) ورمزت له الكاتبة بتعبيرها من فوق.




فترصد الكاتبة استهلالة قصها بمشي الصغيرة بتمهل على حافة الجدار لسوق التجار الضيقة والمعوجة وعيناها ترمق الأماكن العالية، من البقعة السفلى التي ترزخ تحت نير جوعها وبؤسها، في أزقة مظلمة تدور فيها يمنة وشمالاً مع الفئات المهمشة الفقيرة في المجتمع الإيطالي طلباً لثمن رغيف خبز هي غاية مناها في الحياة.


وتتشكل أيدلوجية الكاتبة بالسخرية من اعتبارات دينية واعتبارات اجتماعية في أنصاف تلك المتسولة الصغيرة؛ التي فقدت أمها ولم تبكِ وتصرخ ومضت في أزقة الظلمات طلباً لرغيف خبر في معترك الحياة وصراع البؤساء في الحياة، إذ تتشكل في النص رؤية الكاتبة لوهمية تلك الرموز الدينية في مساحاتها القصصية، وإنها تبقى تماثيل جامدة لاتملك حياة لتلك البائسة الفقيرة، تطالعها الفتاة الصغيرة، وتمضي إلى طريق فقرها اللامتناهي.




وفي الوقت ذاته تتشكل العذابات من تلك الفئات المترفة في المجتمع، والفئات المتنفذة في المجتمع؛ التي تزيد من بؤس المعاناة وتجريد الفتاة الصغيرة من إنسانيتها؛ من خلال الرؤية الفوقية لآفة التسول وضرورة سجنها دون نظرة حانية رقيقة لاحتضان تلك الفتاة الصغيرة وإنقاذها من ظلمات مدلهمة؛ تتكدس ألماً ومعاناة في حياتها الشقية البائسة، حيث تغفى الضمائر ولا تستيقظ.



وتبرع الكاتبة في رمزية مفردة (من فوق) في لغتها القصصية؛ لتخترق تلك الطبقة الأرستقراطية في ذهنية تلك المتسولة البائسة، حيث تترصد مساحات الخوف والفضول في رحلة مؤلمة؛ تنكشف دقائقها عبر تقنيات القص المبدعة لدى الكاتبة: "كانت تتبع طريقها حتى (سيريليو) وتعود أدراجها دائماً في خطى حذرة كي لا تتعثر على طول الجدران، أو بين أقدام السابلة، تلك الأزقة السوداء، ذلك العار، ذلك البؤس، الدهانات ذات الأطياف، انعدام الشمس، سحنات المرابين، والبائعين ووجوه سماسمرتهم المتشككة، والملامح المتوحشة للمومسات، تلك البضاعة التافهة الزاخرة بالغبار، والفاسدة .. كانت كل عالمها، كانت بالتسكع تشعر أنه في ما وراء سانتا باربرا ... في نهاية شارع الأميرة مارغريدا، كان يوجد عالم آخر، لكنها كانت تخشى أن تواجهه، كان لديها منه خوف وحشي، كانت تطلب صدقة، لكن مراراً كثيرة، ما كانوا يعطونها جميع أولئك الناس المسرعين ليربحوا المعاش القاسي ...."







رقية صالح 02-25-2011 10:50 AM


وتتواكب الإضاءات الخافتة للنص في عكس معاناة تلك الصغيرة البائسة، والتعبير عن انكساراتها اللاشعورية " كانت تطلب بصوت مرتفع (صولدو ... رغيف) وبعدها كان الصوت ينحدر برنته ويعود متوسلاً، ويختنق باكياً، بينما بعض دموع باردة كانت تنحدر على خديها، وبالرغم من كل هذا كانت تتابع الذهاب والمجيء كل ذلك يتم بإلهام، مدندنة بكلمات مبهمة، حتى إذا جف الصوت في حنجرتها المحترقة، عندئذ كانت تطلب صدقة بتنبيه النظر .. وفي نهاية النهار .. تترنح بدوار ثم تجرجر نفسها حتى درجات كنيسة "بورتانوفا" وهناك تظل بلا حراك، منكمشة كثوب مهترئ تخرج منه حشرجة مخنوقة ".




وتتشكل المفاجآت القصصية في إضاءة بنفسجية في النص تتدفق حيوية في النص، في يوماً ما من حياة تلك الصغيرة البائسة، من خلال تجمع جماهيري وهم يتدافعون، وتندفع معهم تلك الصغيرة بين تناثرات الورد وامرأة جميلة بين الحرير والورود، والرعب ينال الصغيرة من هول ومفاجأة المشهد وبمحاذاتها امرأة أنيقة بملابس سوداء تحمل سلة صغيرة من الأزهار، والنقود تتكدس في قعر السلة الصغيرة، فيقع عود وفلة بين يدي الصغيرة، فتتوزع ابتسامتها عليه، وتزرع الفلة بفتحة قميصها، لكن سرعان ما تنهال الصرخات وأصوات الشتم لها في عز أمنياتها بأن تكون مثل هذه البائعة، وامتعاضات من وجودها، إذ يجب أن تسوقها الشرطة على السجن للتخلص من ظاهرة التسول المقيتة في المدينة.


فعند تلك اللحظات المؤلمة وعند إسدال النص نهاياته المؤثرة، في فنياتها التعبيرية العالية، وهي تبيع الزهور بصورة آلية في تنهيدة بطيئة تنهض لها الصدر، كان الفرج بشراء جندي فلة منها، ونيل "صولدوا" لتشتري بها رغيف خبر، ومشهد السيارات التي تسبب الدوار ومشاعر الخوف لديها، وعبورها مضطرة خائفة الشارع إلى الجانب الآخر ليسدل النص على صرخة امرأة في سيارة عابرة نالها الإغماء" وبمحاذاة الرصيف كائن بريء يحتضر وساقه مدعوسة، كانت تحتضر بين زهور الفل التي انتشرت حولها، ضاغطة بيدها على صدرها وقابضة باليد الأخرى على رغيفها الصغير بوجه أبيض وصارم. وكان فمها نصف مطبق، وعيناها الكبيرتان المندهشتان والمتألقتان في السماء ".




وهناك تبرز رؤى الكاتبة المبدعة التي اختارت الفئات المهمشة نبضاً لولادة نصوصها الإبداعية، في التعبير عن معاناتهم وفقرهم، في ظل لوحة اجتماعية منكسرة مؤثرة، ترصد الواقع آنذاك بكل تجلياته، وبكل عفوية ومصداقية مرهفة، وشفافية نازكة ذات نفس طويل في السرد والتصوير، مما مكن الكاتبة من اعتلاء عرش القصة الإيطالية في زمنها العريق، واعتبارها عبقرية قصصية في الأدب الإيطالي.



وعند انحناءات أغصان الفل الناعمة، وتراقصات فلة الإبداع أودعك أيها القارئ العزيز بالحب والسلام، وعليهما ألقاك عبر تفتحات بنفسج الإبداع وألق زنابق القص العالمي.



- - - - - -


*
ماتيلدي سيراو من أفضل كاتبات إيطاليا وأكثرهن آثراً في الحياة الفكرية، ولدت في باتراس باليونان عام 1856، وبدأت منذ نعومة إظفارها المساهمة في صحف نابولي ككاتبة، وكثير من الصحف الإيطالية مدينة بوجودها لماتيلدي سيراو، وافتها المنية عام 1927 تاركة وراءها إرثاً فنياً ضخماً يناهز الأربعين مجلداً منها (القلب القاسي عام 1881) و(خيالات عام 1883 ) و( جيوفانا 1887)و (اللامميز 1894) و(المخادع 1898)


(1) ترجمة: عوض شعبان






ماجد جابر 02-25-2011 06:52 PM

تحيّاتي
أشكرك على هذا الإبداع وحُسن الأختيّار. بوركتِ ،وبورك القلم وما خطّ ،وقد يُجبر الإنسان على تغيير قميصه..... ...وما أجمل...

وعند انحناءات أغصان الفل الناعمة، وتراقصات فلة الإبداع أودعك أيها .. العزيز بالحب والسلام، وعليهما ألقاك عبر تفتحات بنفسج الإبداع وألق زنابق القص العالمي.

رقية صالح 02-25-2011 10:24 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماجد جابر (المشاركة 63124)
تحيّاتي
أشكرك على هذا الإبداع وحُسن الأختيّار. بوركتِ ،وبورك القلم وما خطّ ،وقد يُجبر الإنسان على تغيير قميصه..... ...وما أجمل...

وعند انحناءات أغصان الفل الناعمة، وتراقصات فلة الإبداع أودعك أيها .. العزيز بالحب والسلام، وعليهما ألقاك عبر تفتحات بنفسج الإبداع وألق زنابق القص العالمي.




سلام الله على المربي الفاضل الأديب
أ. عبد المجيد جابر
شكراً لتواصلك الدائم
رغم ما يجبر الإنسان على تغيير قميصه
إلا أن عبق حروفه يبقى توهجها
وألق حضوره ما زال مشعاً نابض
بين حنايا الذاكرة
تحيتي وتقديري
ود لا ينتهي


أحمد فؤاد صوفي 02-26-2011 07:12 PM

أديبتنا رقية . .

تحية لك . .

استطرادك هنا جاء ليملأ فراغاً كان قائماً حول الشعر الإيطالي وتأريخ مراحله . .
لقد وجدنا الاهتمام الأكثر حولنا للأدب الروسي والفرنسي والإنكليزي ثم الأمريكي . .
أما الأدب الإيطالي فأراه قد ظلم بقصد أو بدون قصد . .
شكراً جزيلاً لك . .

تقبلي مني الود والتحية . .
دام يومك بهيجاً . .

** أحمد فؤاد صوفي **

رقية صالح 02-27-2011 11:11 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد فؤاد صوفي (المشاركة 63264)
أديبتنا رقية . .

تحية لك . .

استطرادك هنا جاء ليملأ فراغاً كان قائماً حول الشعر الإيطالي وتأريخ مراحله . .
لقد وجدنا الاهتمام الأكثر حولنا للأدب الروسي والفرنسي والإنكليزي ثم الأمريكي . .
أما الأدب الإيطالي فأراه قد ظلم بقصد أو بدون قصد . .
شكراً جزيلاً لك . .

تقبلي مني الود والتحية . .
دام يومك بهيجاً . .

** أحمد فؤاد صوفي **






أخي وصديقي الأديب الرائع
أ.أحمد صوفي


أهلاً وسهلاً بك في دوحة الآداب
أشكرك لهذا الحس الأدبي الراقي
وتذوق أديب يقرأ بتمعن ودقة للأدب الإيطالي
الذي يشمل روائع عديدة وعزّْز حركات ثقافية مهمة
كان لها أثر دائم على آداب قومية أخرى
وله لغة موحدة خلال تاريخه الطويل
دمت ودام ألق القلم يعتلي الذاكرة
تحيتي وتقديري يطوف البقاع مهللاً لك
وعلى الود نلتقي


الساعة الآن 10:59 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team