منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   أحلام التفاح (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=14606)

[/tabletext]
ياسر علي 08-30-2014 06:57 PM

أحلام التفاح
 
[tabletext="width:70%;"]

أحلام التفاح

بين أشجار التفاح يمشي مقوس الظهر بخطى مرعوبة متوكئا على عكاز يقيه السقوط ، فمه الأدرد إلا من نابين هرب عنهما لحاء الفك و تركهما عاريين يرتعشان كلما هم بقضم تفاحات في حجم حبات الكرز ، يضغط على الفاكهة فتفر يمينا أو يسارا من ضمة فكيه الواهنة سابحة في لعابه المنهمر ، يبتلع ريقه ولسانه يحول دون عبور التفاحة إلى عنقه مخافة أن تكتم أنفاسه أو توقظ سعالا يعنف كيانه ألما لكأنه يرغب في اقتلاع جذور الحياة من أحشائه ، رائحة قوية شهية عطرة تجذبه فيمد يده المترهل جلدها الطافح ببقع داكنة أتت على بياضه ، غزتها عروق منتفخة يشمئز من زرقتها ، يأخذ التفاحة ذات الحجم الضئيل و الحمرة الناصعة بين أنامله ، يقربها من أنفه منتشيا بأريجها الآسر فتهيج رغبته في ازدرادها ، لكن فمه يخونه ، فيزداد إصراره فيهوي عليها بكل ما أوتي من قوة فتتملص من جديد . هي بضع تفاحات لاغير جادت بها أشجار تنزع عنها رياح الخريف ثوب زينتها لتحنط أجسادها في مضجع الشتاء .
استسلم جالسا مادّا رجليه نافثا دماء ، متحسسا جروحا و انتفاخات تملأ فمه ألما ، تذكر نابيه فلم يجد لهما أثرا ، ملأت الحسرة جوفه و أحس بسكاكين العجز تفتك بهمته ، لأعوام خلت لم ينتبه هذا الكم العظيم من الحزن ، حتى عندما ماتت زوجته ذات السبعين ربيعا لا يزال يمني نفسه بتجديد حياته ، واعتماد سرير وثير يقيه برودة الليالي و طول الأيام ، خادمته رقية هي من تشجعه و ترسخ في عقيدته هذه القدرة على العيش في النعيم : * سيدي تزوج أختي ، فأنا و زوجي سنبقى دائما في خدمتك ، و نحافظ على أملاكك * كلما زارتها أختها أبدعت في تقريبها إلى نفسه العطشى ، فيتراءى له الحلم حقيقة ميسرة ، بل غنيمة بلا جهد . تأسره البنت بحيائها و رقتها ، يغمره حنانها أمنا و تمسح نضارتها عن عينيه غبشا كاد يسقطه في ظلمات اليأس ، أخيرا أصبح فارسا ذات ليلة ربيعية هادئة ، واستعاد عرشه المزين بالبهجة ، طوال الليل يحكي حكايات الشجاعة و يبني حدائق البسمة . في الصباح تسيدت الطفلة المنزل ، و ركبت على ظهر الشيخ تقتلع أسنانه بلجام القسوة ، تحبسه ، تجوعه ، تسوطه و أختها تتقمص دور الناصح و الساعي إلى إصلاح ذات البين ، حتى ريشتا أجنحته ، وقصمتا ظهره .
يقلب كيفيه الخاويتين ، و يمسح على جراحه بلسانه ، يودع تفاحه و أرضه ، يحاول استيعاب التهجير القسري ومسح الذاكرة ، تألم من حياته القاحلة التي لم تمنحه أبناء يحفظون تاريخه ويدافعون عن إرث الأجداد ، تأمل الأرض كيف تغرينا حتى تضمنا إليها ضما فتمتص أجسادنا وكأنها تقول هذا جزاء من أراد بي سوءا ، فكر في النهوض ، في القيام ، هبت ريح شرسة أسقطت عليه بقايا أحلام التفاح ، فانخرط في سعاله يقاوم بشدة رغبة الروح في التحرر .

حسام الدين بهي الدين ريشو 08-30-2014 10:14 PM

تألم من حياته القاحلة التي لم تمنحه أبناء يحفظون تاريخه ويدافعون عن إرث الأجداد
============================================
هى الحياة ياسيدي
لا تعطينا
بقدر ما تأخذ منا
وليس لنا من مفر
حتى ولو جاءت التفاحة أخيرا

استاذي / ياسر على
لك ذائقة خاصة
تتألق طوعها الحروف
لتصيغ لنا
أجمل القصص
تحياتي وتقديري

ابو ساعده الهيومي 08-30-2014 10:18 PM

و تمسح نضارتها عن عينيه غبشا كاد يسقطه في ظلمات اليأس
الاستاذ العزيز ياسر علي
من جمال النص قرائته اكثر من مره وكعادتك مغزى قصصك يختبي خلف الكم الهائل من المفردات التي تمتلكها
فيبدوا المنظر العام كقمر وهو المغزى والمفردات كسحابات متحركه تظهر ضوء القمر كفلاش سريع
لذي الاعتقاد وليس الجزم هو ماراه
و اعتقد ان رسالة القصه هي ان الهوى يعمي صاحبه ويشل عقله
وتقبل فائق تحياتي واحترامي

محمد الشرادي 09-01-2014 12:48 AM

أهلا أخي ياسر
نص مائز استغل بشكل جيد تفاحة الغواية التي كانت عصية على أسنانه كما كانت حواء عصية على أحلامه.
شكرا على الترحيب و أتمنى أن أضيف شيئا للمنابر الثقافية.
تحياتي

ياسر علي 09-04-2014 12:47 AM

الأستاذ حسام الدين بهي الدين ريشو

لكم تحياتي و امتناني على مروركم البهي والعطر دوما يا أستاذي العزيز

ياسر علي 09-04-2014 12:50 AM

الأستاذ ابوساعده الهيومي

مرحبا أخي الكريم أبو ساعده ، نعم الرأي ما رأيتم و قراءتكم دائما سليمة و نيرة .

ياسر علي 09-04-2014 12:57 AM

الأستاذ محمد الشرادي

هي الفتنة تسير بنا إلى العجز ، هي الدنيا تسلبنا أسباب القوة ، من غواية إلى غواية حتى تتحلل أجسادنا . و تعلن خضوعها التام .

المنابر تفخر بانضمامكم إليها و تتمنى لكم مقاما طيبا

[/tabletext]
فاطمة جلال 02-10-2015 09:53 PM

[tabletext="width:70%;"]

هي ليست أحلام التفاح
هي واقع أدركه عندما ترك الروح تنساق للهوى فما كان من الهوى الا أن صرعه
فأخذ يستعيد الزمن الماضي فأحرق نفسه بحطب الذكريات

أديبنا القدير ياسر علي
لك بصمة في عالم القصة ولك نفس طويل تجعل القارئ لا يمل من هذا الحرف

كل التقدير


زياد القنطار 02-13-2015 03:59 PM

تفاح الغواية مازال مزهراً مثمراً في كل الفصول تشتهيه الروح بفكين عاريتين .....
وحرفك لايبرح بساتين الذائقة الغناء .......خالص المودة والتقدير

ياسر علي 01-22-2021 04:14 PM

رد: أحلام التفاح
 
الأستاذة فاطمة جلال شمس المنابر الساطعة أشتقنا حرفك الوهاج

الأستاذ زياد القنطار أين أنتم سيدي


الساعة الآن 03:28 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team