منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الشعر العمودي (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   تساؤل (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=26567)

طاهر عبد المجيد 05-16-2020 11:41 PM

تساؤل
 
قبل خمس سنوات تقريباً قَدِمت إلى السويد هرباً من جحيم الحرب في بلدي وبعد شهرين من قدومي دخلت المدرسة لتعلم اللغة السويدية في المدينة التي أقيم فيها وكنت أضطر حينها إلى الخروج من بيتي صباحاً قبل شروق الشمس وأعود في عتمة المساء، ولا أتمكن من أداء الصلوات في المدرسة، وهذا ما كان يشعرني بالضيق وتأنيب الضمير، فكتبت هذه القصيدة من وحي هذا الموقف. علماً بأنني تمكنت بعد فترة من أن أصلي في الصف.

تساؤل
د. طاهر عبد المجيد


أترى نجوتُ من الجحيمِ بذاتي
ونجحتُ في إنقاذِ نصف حياتي؟

أم أن هذا ليس إلا رغبةً
ستضاف للمكبوت من رغباتي؟

أنا ههنا في غربتي لا أدَّعي
أنِّي بلغتُ من المنى غاياتي

مازالت الذكرى تُهيِّجُ أدمعي
وتثيرُ عاصفةً من الآهاتِ

مازال يغزوني الحنينُ فأكتفي
في صدِّه بالنوم كالأمواتِ

ما زلتُ أحلمُ بالكثير وإن أكنْ
أشبعتُ ما يكفي من الحاجاتِ

يكفي هنا أنِّي أنامُ مبكِّراً
من غير تفكيرٍ بيومي الآتي

أمشي يرافقني الأمانُ كحارسٍ
وكأنَّه ظلِّي على الطرقاتِ

وأُحسُّ عطفَ الناسِ نحوي بادياً
كمهاجرٍ في رقَّةِ النَّظراتِ

هم يبدؤونكَ بالتحيَّة كلَّما
صادفتهم في أغلبِ المرَّاتِ

ويصافحونكَ بابتسام وجوههم
والوجه للأرواح كالمرآةِ

حق الكلام لمن يريد مقدَّسٌ
هنا في السويد كواجب الإنصاتِ

أنا لا أَخافُ هنا على حرِّيتي
من حاكمٍ يسطو على الحُرُماتِ

وأخاف منها في زحام لذائذٍ
توحي لها بسهولة الإفلاتِ

لكنَّني ما زلت أشعر بينهم
أنِّي غريب الرُّوح والقسماتِ

أشكو فتغلبني الدُّموع أمامهم
وتجفُّ لا أحدٌ يرى عَبَراتي

وإذا مرضت فلست أطمع أن أرى
أحداً يجيء على صدى أنَّاتي

ليقولَ لي بيدٍ تكفكفُ أدمعي
عافاكَ ربُّ النَّاس والآفاتِ

نفسي فداؤك وهي رهنُ إشارةٍ
تأتيكَ حين تريدُ في لحظاتِ

ولعلَّ أسوأ ما وجدتُ بغربتي
أنِّي نسيت الله في صلواتي

فبدأت أجمعها بوقتٍ واحدٍ
ليلاً وأقرأ أقصر الآياتِ

فإذا انتهيت دعوت ربِّي قائلاً:
ربَّاهُ ذابتْ في فمي كلماتي

ماذا أقول وأنت تعلم بالذي
سأقوله يا جابر العثراتِ

زلَّت خطاي على الطريق وخانني
حظِّي الذي لحقت به خطواتي

لا يستحقُّ العفو منكَ ولا الرِّضا
أحدٌ عصاكَ بأبسط الهفواتِ

لكنَّك الرَّحمن تكره أن ترى
دمع الَّذي يدعوك في الظُّلماتِ

لو كنتُ أعلمُ أن حقَّك ههنا
ستضيق عن إيفائه أوقاتي

لبقيت في بلدي أعيش مهدَّداً
بالموت مجَّاناً على دَفْعاتِ

الآن يمكن أن أقول بحرقةٍ
ممزوجةٍ باللَّوم والحَسَراتِ

كمْ ذا خسرت بهجرتي وكأنَّني
بحساب ربِّي ما نجوت بذاتي


عبد السلام بركات زريق 05-18-2020 12:15 AM

رد: تساؤل
 
أسأل الله لك النجاة في الدارين صديقي
النبلاء فقط يستشعرون التقصير
أحييك
من نصف وطن ونصف حياة
والكثير من الموت

هيثم المري 05-19-2020 01:36 AM

رد: تساؤل
 
ربما سيدي نستشعر الأمان في الغربة عندما تصبح أوطاننا قطعة من الجحيم
وقد يكون ما ظفرنا به من غربة وعذابات بما كسبت قلوبنا وأيدينا
ما زالت تسكننا البراءة والخير ولكن القلوب حولنا سوداء
تشرفت بالمرور على قصيدتك واحساسك أيها الشاعر الرائع
تحيتي لك سيدي واحتراماتي

طاهر عبد المجيد 05-20-2020 01:57 AM

رد: تساؤل
 
أخي الشاعر العزيز عبد السلام بركات زريق:
من نصف وطن ونصف حياة والكثير من الموت. لقد أحسنت التعبير ولخصت بكلمات معدودات مأساة شعبنا في وطننا الحبيب سوريا. نرجو من الله العزيز القدير أن يعيد لنا تلك الأنصاف المفقودة وأن يعم السلام في بلدنا وفي كل البلاد العربية. تحياتي.

طاهر عبد المجيد 05-20-2020 02:06 AM

رد: تساؤل
 
أخي الكاتب العزيز هيثم المري:
نعم صدقت في إشارتك إلى مسؤوليتنا جميعاً عن الجحيم الذي آلت إليه الحياة في وطننا الحبيب إما بإساءة البعض وإما بتقصير البعض الآخر والله يقول في كتابه العزيز: «ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس...».
أشكرك على هذا المرور الجميل بالقصيدة التي تشرفت هي الأُخرى بمرورك واهتمامك بها. تحياتي.

محمد الصالح الجزائري 05-20-2020 04:19 AM

رد: تساؤل
 
ومن شُرفتك ، سيدي ، أطلّ على كلّ مآسينا..الله عزّ وجلّ عليم بحالك إن أبديت أو أسررت أو أخفيت..فثق بالله كما أنت..ويعلم الله أنك في نعمة محروم منها الكثير وهم في أوطانهم ! وأسألك : أترى الشعر نعمة أم نقمة؟ فلولا هذه الزفرات التي حملتها هذه الخريدة لما وصلنا منكم خبر (ابتسامة)..شكرا لك على متعة الحرف أخي الغالي الأستاذ طاهر..

طاهر عبد المجيد 05-20-2020 11:58 PM

رد: تساؤل
 
نعم أخي العزيز محمد أنا هنا في السويد أعيش في نعمة محروم منها الكثير في وطننا العربي الكبير ومحروم منها من شردوا وعاشوا في الخيام في بعض البلدان العربية وداخل سورية. على كل حال الحمد لله دائماً وأبداً فالنعمة أيضاً كالمحنة اختبار وابتلاء والله سبحانه وتعالى يقول: «وقليل من عباده الشكور».
أما عن سؤالك: هل الشعر نعمة أم نقمة فإني أراه نعمة لأن المواهب هبات من الله سبحانه وتعالى. هو نعمة لأن الشعر لغة فريدة قادرة على التعبير عن كثير مما يجول في النفس ولا يستطيع الكثيرون ممن لا يتقنون هذه اللغة التعبير عنها. وأنا أعتبر القصيدة كحبة الأسبرين أو خافض الضغط الذي يحمي الشاعر من انفجار شريان الحياة إذا لم يجد ما يخفض ضغطه الحياتي. وما أكثر ما يرفع الضغط في عالمنا العربي.
أشكرك أخي الشاعر القدير محمد على مرورك الجميل دائما بالقصيدة وأعتذر على الإطالة في الرد رغم أن عندي الكثير مما أقوله. تحياتي.


الساعة الآن 02:55 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team