منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   قصة قصيرة/ وفاء الروح (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=27820)

بختي ضيف الله 01-17-2021 02:48 PM

قصة قصيرة/ وفاء الروح
 
في كل صباح، تحمل حقيبتها الرمادية، متجهة إلى محطة القطار القديمة، تجلس على كرسي خشبي متهالك، تقابل شجيرة أزهار بيضاء، جميلة، تتأمل فيها؛ تطرح على نفسها أسئلة عنيفة عن سر الموت الذي يسكن ذلك البياض وهي تبدي زينتها للعابرين. تغرق عيناها في دموعها حين تتذكر قسوة السنين التي مرت عليها؛ فتعيد سؤالها من جديد:
- متى تعود أيها الحبيب؟
قبل أن يراها ابنها الذي استطاع هذه المرة أن يجلس على كرسيه المتحرك لوحده، مسحت دموعها واصطنعت ابتسامة كابتسامات تماثيل المحطة في وجوه المسافرين.
- أهلا بني، كيف علمت بمكان وجودي؟ اقترب مني.
اقترب منها دون أن يكلمها، إلا أنه رماها بنظرات من الشك وهو يحاصر دمعه، وصدره في صعود ونزول يبحث عن هواء نقي؛ ماذا تنتظر أمه في المحطة البعيدة؟ هل أن تنتظر اللحظة المناسبة لتقطع تذكرة سفر إلى أبعد نقطة ممكنة حتى لا يراها الأقربون؟ أم أنها تنتظر حبيبا قادما من بعيد؟ هكذا ملأ أصدقاؤه في المدرسة والشارع صدره الصغير بالأسئلة الخانقة، حتى ظنّ أنه لم يولد من زواج.
لم يتمالك نفسه طويلا؛ سرعان ما انفجر باكيا، وأطلق للسانه العنان، وهي تراقب كيف تخرج الكلمات من فيه:
- ألست أنا ابن مقاتل شجاع؟ لماذا تذهبين إلى هناك؟ لماذا تمنحينهم فرصة حتى يرموك بفعل الفاحشة؟
لم تجبه عن أسئلته التي توالت كرصاصات قاتلة؛ زادت من ألمها وحزنها؛ لم يقنعه وجهها السمح في لحظات وجودها معه وعاطفتها المتدفقة بين يديه. تمنت لو رماها بالجنون، تتبع خيوط التيه، ولم يرمها بالفحشاء؛ كيف لسيدة محترمة تجلس كل يوم ساعات طويلة، تتحمل برد الشتاء وحر الصيف؟ يظن بعض الناس بأنها مسافرة سفرا لن تعود بعده أبدا. ليتهم يفقهون بأن روحها المتوقدة بالاشتياق ترحل كل يوم إلى كل مكان؛ فثمة أشياء لا يعرفها إلا أصحابها في لحظة صفائهم.
ساءت حالها، لم تعد قادرة على الحركة كثيرا؛ فلا يمكنها الذهاب بعيدا. سر من أحبوها بذلك؛ بقي كرسيها شاغرا لم يجلس عليه أحد لما يحمله من شبهات، ولكن بقي قلبها عامرا بالذكريات والأمنيات. أشفق عليها ابنها وأصبح يعاملها بوجه آخر؛ فهي أمه التي سهرت على تربيته والاعتناء به في مرضه الذي يلازمه منذ ولادته، ولكنه لم يستطع هو أن يعتني بها؛ فطرق أبواب المحسنين، لعل يدا رحيمة ترحمه هو وأمه، تطرق بابهما الذي لم يقترب منه غيرهما من زمن طويل.
في ليلة ماطرة، طرق بابهما طارق، ولكن لم يفتحا له؛ لأنّ الوقت كان متأخرا؛ فرمى رسالة من تحت الباب ثم غادر المكان. أسرع ابنها إليها وفتحها، فإذا بها رسالة من سطرين: "زوجتي العزيزة. أنا في طريقي إليك عبر القطار. أنا لم أمت في الحرب، بل صديقي هو من مات. سنلتقي صباحا في المحطة القديمة ".
صاح ابنها:
- يا أمي..إن أبي لم يمت..اِستيقظي..اِستيقظي..اِفتحي عينيك..اِفتحي..
لم تسمعه؛ رحلت روحها إلى بارئها.
:45:
adiibbdm@gmail.com

خديجة قاسـم 01-17-2021 03:14 PM

رد: قصة قصيرة/ وفاء الروح
 
ذهبت حاملة معها أشواق الفرح الذي طال انتظاره وما جاء في موعده
قصة جميلة رغم الوجع الكامن فيها
بوركت أ.بختي ودام العطاء
تقديري

بختي ضيف الله 01-17-2021 07:19 PM

رد: قصة قصيرة/ وفاء الروح
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خديجة قاسـم (المشاركة 280177)
ذهبت حاملة معها أشواق الفرح الذي طال انتظاره وما جاء في موعده
قصة جميلة رغم الوجع الكامن فيها
بوركت أ.بختي ودام العطاء
تقديري

سعيد جدا بقراءتها، اشكركم:45:

ناريمان الشريف 01-17-2021 08:43 PM

رد: قصة قصيرة/ وفاء الروح
 
ما أصعب انتظار المجهول
وما أجمل أن يأتي من حسبناه في عداد الموتى
حوادث نادرة من هذا النوع تحدث في الدنيا
نهاية اختلط فيها فرح ممزوج بحزن
قصة جميلة .. أشهد
تحية ... ناريمان

بختي ضيف الله 01-17-2021 09:19 PM

رد: قصة قصيرة/ وفاء الروح
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناريمان الشريف (المشاركة 280215)
ما أصعب انتظار المجهول
وما أجمل أن يأتي من حسبناه في عداد الموتى
حوادث نادرة من هذا النوع تحدث في الدنيا
نهاية اختلط فيها فرح ممزوج بحزن
قصة جميلة .. أشهد
تحية ... ناريمان

رأيكم وسام ..أعتزبه:45:


الساعة الآن 03:08 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team