منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   يوم أكلتنا الحية (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=28297)

عمرو مصطفى 03-08-2021 01:44 AM

يوم أكلتنا الحية
 
كنت قد سئمت من كل شيء، وسئمني الناس..
أنت لا تتكلم إلا عن الحية، وموعد اقترابها من قريتنا، وما ستفعله بنا.
قررت في لحظة أن أكف عن الكلام .. أدخل بيتي وأغلقه علي..
لا أريد أن أرى أي وجه من تلك الوجوه البليدة التي لا تفكر إلا في أمعائها..
حتى جاء اليوم الذي سمعتهم فيه يقرعون بابي بجنون..
ـ افتح يا عبد البصير.. لقد صدقت.. لقد جاءت الحية.
قلت لهم من وراء الباب:
ـ الآن وقد عصيتم من قبل؟
ـ افتح فلن ينجينا منها إلا أنت..
حتى تصورهم هذا لم يكن ليدل إلا على بلادة عقولهم.. يظنون أن كوني أعلمهم بالحية يعني أنني وحدي القادر على مواجهتها ودحرها.. وهيهات..
فتحت لهم فأحاطوا بي حتى كدت أختنق..
ـ أين هي؟
صاحوا:
ـ عند أول البلد.. إنها تأكل كل شيء في طريقها.
قلت لهم في غيظ:
ـ وهل تظنون أنني قاتلها بمفردي؟
قال شيخ البلد:
ـ لن نتركك.. سر ونحن من ورائك .
تحركت وهم خلفي بالمشاعل والنبابيت، والخفر بالبنادق العتيقة.. وسرنا في خط طويل بجوار الترعة..
وعند أول البلد أدركنا الهول.. صحيح ليس الخبر كالمعاينة.
حتى أنا الذي صدعت رؤوس الجميع بالحديث عن تلك الحية أصابني الرعب حينما لمحتها هناك قائمة على ذيلها بارتفاع الجبل.. جبل حي يوشك أن ينقض على بلدتنا الفقيرة العاجزة.. بلدتنا التي لم تأخذ كلامي بعين الاعتبار وتعمل لهذا اليوم حسابه.. بل لم تكلف نفسها حتى عناء التفكير.
توقفت وتوقف الجميع تبعاً لي.. استدرت إليهم وركبي تخبط بعضها بعضاً..
ـ لا أظن أننا سنفلح لو واجهناها بهذه الطريقة.. ستبتلعنا جميعاً في غمضة عين.
سمعت صوت العمدة من بعيد يهتف :
ـ اقترح علينا ونحن معك.
ابتلعت ريقي ودعوت الله ألأ تكون عدوى الغباوة قد أصابتني في مقترحي.. قلت لهم بصوت حاولت أن أستجلب به شيئاً من القوة:
ـ سنقضي عليها من داخلها.. لذا سوف أتسلل حتى أصل لذيلها.. وأقوم باختراقه ومنه أخلص إلى أحشائها.
هلل الحاضرون لهذا الاقتراح الذي سيجعل منهم مجرد متفرجين.. لكنني قررت وأد فرحتهم ..
ـ عليكم أن تشاغلوها حتى لا تنتبه إلي.. وحتى لا تواصل التهام البلد.
صاح حمدان أحد الفلاحين:
ـ وكيف سنشاغلها؟
ـ افعلوا أي شيء.. يمكنكم أن ترقصوا لها وأنتم تغنون عن أمجادكم الغابرة، من يدري ربما تنجحون في قتلها من الملل..
ثم إنني تناولت سكيناً من عبده جاري وتشهدت..
ثم انطلقت على بركة الله..





الذيل





قلت لنفسي وأنا أقترب منها بحذرـ كأني احدثهاـ : إن شاء الله لن تشعري بشيء.. إنها مجرد شكة إبرة.. وأنا معروف في البلدة بأن يدي خفيفة في إعطاء الحقن.. اعتبريها حقنة خفيفة وأخيرة يا سيدة حية..
رباه.. ما أشنع صوت الفحيح.. كأنه هزيم الرعد.. وما أبشع لسانها المشقوق كأنه لسان برق يضرب قريتنا..
جذبت نفس عميق، وانتظرت اللحظة المناسبة، ثم وثبت على الذيل وسددت طعنتي ..
ويلاه.. إنني أطير.. صوت الفحيح هذه المرة ليس ككل مرة..
تشبثت بكل قوتي بالسكين المغروس في الذيل.. نظرت بغباء البشر المعهود لأسفل فرأيت بلدتنا قد صارت رقعة صغيرة خضراء في الظلمة.. أهل البلد من بعيد كالنمل المذعور.. لم أنتظر أكثر.. ممسكاً بالسكين بكلتا يدي ومعتمداً على ثقلي أستطعت إحداث الشق الذي يناسبني.. وبسرعة وقبل أن يهوي بي الذيل فتتهشم أوصالي قمت
بتوسيع الشق في جلد الحية الغليظ حتى تمكنت من إدخال رأسي وكتفي.. ولم أعد أسمع الفحيح ولا صريخ أهل البلد..
فقط كان هناك صوت كهدير ألة عملاقة وسخونة..
واصلت الدفع بجسدي حتى غبت تماماً داخل الذيل. وحينما استطعت لملمة أطرافي والوقوف على قدمي، أصابني الذهول ..
أدركت أنني أقف فيما يشبه الممر الاسطواني الطويل وداخل هذا الممر كان هناك عالم من البشر يحتشدون.. لم أكن أنا أول المتسللين إذن!.. يبدو أن هناك حمقى غيرى قد سبقوني.. وها قد صاروا إلى اليأس والذل والخضوع..
لكن مهلاً.. هؤلاء الناس ليسوا غرباء عني.. أنا أعرفهم..
أليس هذا عبده جاري.. وهذا حمدان وتلك باتعة.. ماذا جرى؟ هل جننت وصرت أهلوس.. هؤلاء هم عامة أهل البلد في ذيل الحية.. فمن هؤلاء الذين استغاثوا بي بالخارج.. رباه.. هل سبقتني الحية وأكلتهم
جميعاً؟
لا.. فلو أكلتهم لكنت قابلتهم في البطن لا في الذيل.. وتلك الرائحة القذرة.. لو صدق حدسي فهؤلاء قد هضمتهم الحية وصاروا جزء من فضلاتها .. أظن أن فتحة الشرج قريبة من الذيل.. للأسف أنا درست سلوك الأفاعي لكنني لم أدرس صفاتها التشريحية..
صحت فيهم ملوحاً بالسكين:
ـ ما خطبكم؟
لم يبد على أحدهم أي تأثر بكلامي.. وكأني غير موجود.. سبحان الله نفس البلادة والغباء على الوجوه بالإضافة للصمم والخرس..
في لحظة تصورت أنهم هكذا أفضل على كل حال.. الغبي الأصم الأبكم خير من الغبي الثرثار.. على الأقل سيريحك من ارتفاع ضغط الدم.. لقد صار عامة أهل القرية كتماثيل متحف الشمع.. مصير غريب.
دفعتم بعيداً عن طريقي فلم يقاوم منهم أحد.. كنت أريد أن أواصل الطريق حتى أخلص إلى البطن..





البطن




لم يكن الوضع في بطن الحية بأفضل من ذيلها، كما لكم أن تتوقعوا.. يمكنك بسهولة أن ترى وتشم رائحة الفرائس المهضومة أو تلك التي لم تهضم بعد..
تقلصت معدتي، فقاومت الغثيان ما استطعت.. فكرت عابثاً في أنني سأكون أول كائن حي يفرغ معدته في معدة كائن حي أخر!!..
مشيت مترنحاً وصوت هدير المحركات ـ الذي لم يكن سوى أجهزة الجسد العملاقة تؤدي وظيفتهاـ يصم أذناي. قدمي تغوص في سوائل كريهة الملمس والرائحة.. لكنني أواصل.. لقد كنت أحمقاً حينما ظننت أنني بقادر على إتلاف هذا الجسد الهائل من الداخل بمفردي.. مرة أخرى نبرهن على غباءنا في التعامل مع الحيات.. لقد قلت لهم: لا يعني كوني اعرفكم بالحية أنني قادر على قتلها بمفردي.. أو بمجرد الكلام.. لكنهم دفعوني فاندفعت.. ربما أصابني الغرور كذلك..
لا أدري حقاً..
هنا رأيت تلك الأجساد الطافية فوق بحيرة السوائل المقززة.. الفرائس هذه المرة بشرية.. وجودهم في البطن أكبر دليل.. ليسوا غريبي الأطوار كعوام البلد القابعين في الذيل (خيل إلى أن موقع عوام البلد بالذيل ربما أفضل من ههنا).
لكن مهلاً.. هذه الاجساد الطافية ليست فرائس.. إنهم أحياء يعتدلون من نومتهم ويشيرون لي باسمين.. إنني أعرفهم كذلك..
هؤلاء ببساطة هم: العمدة، وشيخ البلد، وشيخ الخفر..
هذه المرة كنت أتأرجح على حافة الجنون..
ـ أنتم هنا والحية تأكلكم بالخارج!!
بدا لي أنهم مستمتعون جداً بالسباحة في السوائل القذرة التي ببطن الحية.. كأن شيئاً لا يعنيهم البتة.. لا تضايقهم الرائحة التي تخنقني.. لا يشعرون بالتقزز.. هؤلاء ليسوا بشراً.. هؤلاء مجرد خيالات تراودني، لا يمكن أن يكونوا حقيقة..
سددت ضربات عشوائية بالسكين لما حولي.. قطعت بعض الأنسجة. ركلت جدار البطن.. تمرغت وسط الطعام المهضوم..
لقد ازداد أمري سوءا.
أخيراً توقفت وصدري يعلو ويهبط من التعب والانفعال.. كان العمدة وشيخ البلد وشيخ الخفر ينظران لي كأنهما يشاهدان فقرة في سيرك..
لا فائدة.. لن أصل لشيء بمثل هذا العبث..
نهضت ببطء ومسحت عن وجهي السائل اللزج بإيباء . لقد اتخذت قراري.. أعرف أنه قد يكون الأخير.. لكن لا يهم.. لو نجحت فقد نجت البلد ولإن هلكت فلن تشهد عيني هلاكها..
سأواصل رحلتي إلى رأس الحية..





الرأس




كنا نود أن نعرف ماذا وجد الأخ عبد البصير في رأس الحية وهل استطاع القضاء عليها وإنقاذ بلدته أم لا..
لكن للأسف لم يصلنا من ذلك شيء.. ولنحمد الله على ذلك.. فهناك أمور الجهل بها نعمة.. وأشياء أن بدت لنا تسؤنا.. أليس كذلك؟
***
تمت
23 رجب 1442 هـ
7 مارس 2021 م

ابتسام السيد 03-08-2021 08:35 AM

رد: يوم أكلتنا الحية
 
إنما هي الحياة الدنيا حين تأخذنا إليها
ولكل مقام فيها مقال
منهم من تمسك بقذوراتها أكرمكم الله
ومنهم من تمسك بمقدراتها
منهم من تربع على كل علّاتها
أن تصل إلى ما دون الرأس فهو ميسر
ما كان على عبد البصير ببصيرته أن يرتقي فيها

في جملت القصة قرأت الجهاد ضدها
هذا ما قرأته وهو يحتمل الخطا والصواب
مع خالص التقدير

ياسَمِين الْحُمود 03-08-2021 08:49 AM

رد: يوم أكلتنا الحية
 
بين ثنايا الحياة
نعيش تناقضات كثيرة
تبعثرنا تارة، وننسجم معها تارة
:31:

محمد أبو الفضل سحبان 03-08-2021 11:26 PM

رد: يوم أكلتنا الحية
 
.الحية سم وجب قتله ..اذ لا ينفع قطع ذيلها ولا شق بطنها ...
نص ساخر وممتع فيه سحر وفيه جمال مع ملاحظة بسيطة :هناك فائض من الكلمات من وجهة نظري ,لو حذفت لكان التكثيف الذي هو ميزة هذا النوع الأدبي أكثر إثارة ..
تحية لقلمك.

ناريمان الشريف 03-09-2021 12:27 AM

رد: يوم أكلتنا الحية
 
الحية هنا كناية عن العدو الذي يتربص بنا ..
وفي محاولتك لقتلها جزءاً جزءاً هو التكتيك الذي ينبغي أن نستخدمه في القضاء على عدونا

بوركت ..
أعجبتني القصة
تحية ... ناريمان

عمرو مصطفى 03-10-2021 05:59 PM

رد: يوم أكلتنا الحية
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابتسام السيد (المشاركة 288791)
إنما هي الحياة الدنيا حين تأخذنا إليها
ولكل مقام فيها مقال
منهم من تمسك بقذوراتها أكرمكم الله
ومنهم من تمسك بمقدراتها
منهم من تربع على كل علّاتها
أن تصل إلى ما دون الرأس فهو ميسر
ما كان على عبد البصير ببصيرته أن يرتقي فيها

في جملت القصة قرأت الجهاد ضدها
هذا ما قرأته وهو يحتمل الخطا والصواب
مع خالص التقدير

تقديري البالغ لاجتهاد حضرتك..

عمرو مصطفى 03-10-2021 06:05 PM

رد: يوم أكلتنا الحية
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسمين الحمود (المشاركة 288799)
بين ثنايا الحياة
نعيش تناقضات كثيرة
تبعثرنا تارة، وننسجم معها تارة
:31:

كم أكره التناقض، وأجعله معياري لمعرفة الحق من الباطل.. الصواب والخطأ..
الحق لا يتناقض أبداً.. أما الباطل فحدث ولا حرج..
نسأل الله أن يجنبنا التناقض وأهله..
تقديري لتشريفكم الكريم..
بوركتم..

عمرو مصطفى 03-13-2021 07:22 PM

رد: يوم أكلتنا الحية
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد أبو الفضل سحبان (المشاركة 288936)
.الحية سم وجب قتله ..اذ لا ينفع قطع ذيلها ولا شق بطنها ...
نص ساخر وممتع فيه سحر وفيه جمال مع ملاحظة بسيطة :هناك فائض من الكلمات من وجهة نظري ,لو حذفت لكان التكثيف الذي هو ميزة هذا النوع الأدبي أكثر إثارة ..
تحية لقلمك.

أكرمك الله أستاذ محمد.. وجزاك الله خيراً علىى ملاحظتك..

عمرو مصطفى 03-13-2021 07:28 PM

رد: يوم أكلتنا الحية
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناريمان الشريف (المشاركة 288965)
الحية هنا كناية عن العدو الذي يتربص بنا ..
وفي محاولتك لقتلها جزءاً جزءاً هو التكتيك الذي ينبغي أن نستخدمه في القضاء على عدونا

بوركت ..
أعجبتني القصة
تحية ... ناريمان

أحسنت أستاذة ناريمان.. الحية هي العدو.. ونحن كأمة أعدائنا كثر عبر التاريخ .. وإن كانت كثرتهم وتنوعهم هذه الأيام متعمدة لشغلنا عن عدونا الأكبر، الحية..


الساعة الآن 06:16 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team