منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   امرأة في الخمسين (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=24988)

أنين أحمد 04-09-2019 08:48 PM

امرأة في الخمسين
 
وقفتْ أمامَ المرآة ، تنظرُ إلى انعكاسِ صورتِها البائسة في ألم .
اقتربت منَ المرآةِ أكثر !.. و رفعت يَدَها إلى وجهها ؛ تتحسّسُ بأناملها التجاعيد التي أذبلتْ من جمالِها .

حدَّقت في أجفانها ، وجنتيها ، و كُلّ تفاصيلِ وجهها ، كانت تنظرُ بلؤمٍ لهذهِ الخطوط الّتي تأصَّلَت في بشرتِها الرقيقة .. هذهِ الخطوط الّتي تُذكِّرها أنَّها ما عادت شابة ، و الّتي تجعلُ النساء الأخرياتِ يُشِرْنَ إليها بالعجوز .

وَقفت طويلاً أمامَ المرآة ؛ و كأنها تقفُ لأولِ مرةٍتتمعنُ في صورتها ، و كأنها تنتبِهُ للمرةِ الأولى أنَّها إمرأة في عمرِ الخمسين .

دخلَ إلى غرفتها زوجها ، وقفَ مِن خلفها و هو يبتسم ، و سألها :

- عزيزتي ؟.. ما بكِ تقفينَ جامدةً هكذا أمامَ المرآة ؟!

صمتت و لم تجبه ، فقال :

- جئتُ بطعامِ العشاء .. هيا لنتناول الطعام قبلَ أنْ يبرُد .

و انصرَف ، و هيَ تتبَعُهُ بعينيها الواجمتين ؛ تفكِّرُ في زوجها الشّاب ، الأنيق و الوسيم ، زوجها الذي لَمْ يتجاوز منَ العمرِ الخامسةَ و الثلاثين .

عادتْ بعينيها إليها !.. في انعكاسِ المرآة ، تتأملُ صورتها الذابلة و جمالها الذي بهُت .. و عادت تسترجعُ حديثَ النساءِ إليها هذا اليوم .. كانت قد ذهبت لتلبيةِ دعوةٍ لإحدى الصديقات ، و قد التَقَت ببعضِ صديقاتها اللآتي أخذنَ بالسخريةِ منها و التهكمِ من زواجها .. دارَ بينهنّ الحديث :

- سَمِعتُ أنّكِ تزوجتي !

قالت إحداهُن ، و تكلمت الأخرى متعجبة :

- هل ذلكَ صحيح ؟!.. في هذا العمر ؟!

قالت الأولى :

- المصيبةُ أنّهُ يصغرها بكثير !

و نظرت إليها و هي تضيف :

- إنه بمقامِ الإبن بالنسبةِ لكِ أليسَ كذلك ؟!

قالت الأخرى :

- كيفَ قبلتِ به ؟!

نظرت إليهما بوجهٍ مُحمرٍ من الخجل ، و قالت بتردّد :

- لقد عَرضَ عليّ الزواج ، و قبِلت !.. تعرِفنَ أنِّي وحيدة ، و لم يسبق لي الزواج .. كنتُ بحاجةٍ لمن يبدد عني وحدتي و يجعلني أشعرُ بالحياة !

قالت الأولى ساخرة :

- و هل تعتقدينَ أنَّه في قرارةِ نفسهِ مُقتنعٌ بكِ ؟!

قالت الأخرى بعتب :

- ستندمين حينَ يتزوج من فتاةٍ تصغرُه و يرميكِ بعيداً ، زواجهُ منكِ محضُ مصلحةٍ بكل تأكيد !

قالت الأولى :

- إنهُ يطمعُ في أنْ يريثكِ !.. تمتلكينَ منزلاً كبيراً و مالاً وفير ، سينتظرُ أنْ تُدفَني ليظفرَ بمالكِ و منزلك .

أجابت بهدوء :

- هل يمنعُ ذلكَ في أنْ أعيشَ قريرةَ العينِ في آخرِ العمر ؟ مالي و المال ، إن كنتُ لن أحمله معي في قبري ؟ أريدُ أنْ أهنأ ، أريدُ أنْ أعيش !

قالت الأولى بتهكم :

- لقد فاتكِ القطار يا عزيزتي ، فكيفَ تهنئين ؟!.. هل أنتِ قادرةٌ على أن تنجبِ له طفلاً ؟!

ضحكت الأخرى و قالت :

- هاتهِ لأزوّجهُ ابنتي ، فهي تناسبه أكثر .

و شاركتها الأولى الضحك ، و تعالت أصوات ضحكاتهما .. تضخمت ، و تضخمت في رأسها حتى ظنت أنها تعاني كابوساً !

علقت في رأسها ضحكاتهما حتى هذهِ اللحظة !
لحظةِ وقوفها أمامَ المرآة ، رفعت يدها المجعدة نحو المرآة ؛ تلامس صورتها المنهارة .
أغمضت عينيها ، و ذرفت دموعها بحرقةٍ و ألم .. لقد سَخِرتا منها صديقتيها بكل جرأة ، و كأنهما غفلتا عن كونها إمرأة .. إمرأة مهما بلغت من العمر فهي تحملُ عاطفة ، تحتاجُ للاهتمام ، تحتاجُ إلى حب ، إلى حياة ، إلى أمان !

نظرت من حولها ، تدير بصرها أرجاء غرفتها .. و تساءلت في داخلها :

" ما العيب في أنْ أهبَهُ المال و المنزل إنْ كان يهبُنِي الحياة و الإطمئنان ؟!.. ما العيب في أنْ تتزوجَ أمرأةٌ مثلي في هذا العمر ؟.. ألستُ روحاً ؟.. روحاً تحتاجُ إلى روح ؟! "

تراجعت للوراء .. و عيناها عالقتان على صورتها .. ما حدث قد جعلها ترى انعكاسها مختلفاً ؟!.. أو أنها لم تكن تبصر جيداً من قبل ؟.. أم أن شيئاً ما داخلها قد كسر ؟!..

قطعَ حبل أفكارها صوت زوجها القادم من خارج الغرفة :

- هيا يا عزيزتي ، أينَ أنتِ ؟

نفضت رأسها لتطردَ أفكارها ، و قالت و هي تصلح من منظرها :

- قادمة .

و استدارت لتذهبَ إليه .

العنود العلي 06-28-2019 09:01 PM

رد: امرأة في الخمسين
 

نعيش في مجتمع يجعل أبسط حقوق الحياة جريمة

يحرمون ما لم يحرمه الله ويضعون القيود

الإجتماعية من منظور العادات والتقاليد

قصة مؤثرة أستاذتي المبدعة أنين أحمد

تقبلي مروري مع فائق المودة

حسام الدين بهي الدين ريشو 06-29-2019 01:46 PM

رد: امرأة في الخمسين
 
قصة
ذات سرد رقيق وهادئ
لصورة تتكرر كثيرا
في مجتمعاتنا العربية
أبدعت أستاذة

عبدالحكيم ياسين 07-06-2019 05:09 PM

رد: امرأة في الخمسين
 
قصة جميلة ومتقنة من حيث البناء اللغوي..وفيها نقد غير مباشر لطريقة تفكير بعض النساء..ممن يعتقدن أنهن قادرات على فهم الحياة وخصوصا العلاقة الزوجية..وبطلة القصة تدافع عن نفسها بطريقتها..وباختصار..هو مشهد من مشاهد الحياة..ليس فيه أبطال خارقون..المرأة قلقة ..بسبب فارق السن..ولاتوجد مؤشرات أخرى غير تغيرات طفيفة على الشكل..كل هذا ليس جوهريا..لو التفتنا للتاريخ فإن خير قدوة للناس تزوج زواجا مماثلا..هذا الأمر قد يستحضره ذهن القاريء..وسيعتبر المرأة رغم شجاعتها تحتاج لشيء اسمه الالتفات للجانب الروحي بقوة أكبر..لتطرد القلق..ويبقى العامل الذاتي مهما جدا هنا..فالحالة لاتمثل الوضع الطبيعي ..وإنما هي غير مألوفة فيما أراه حولي..أحببت القصة..فيها جرأة..ولو كنت مكان الكاتبة..لعززت موقف المرأة..بطريقة ما..مع كل التقدير

أنين أحمد 07-07-2019 03:04 PM

رد: امرأة في الخمسين
 
شكراً للجميع اطالعكم
ممتنة جداً
تقبلوا فائق التقدير و الاحترام

دمتم بخير

ريم بدر الدين 07-20-2019 07:53 PM

رد: امرأة في الخمسين
 
جميل أن نرى تحولا في مسار التفكير الأنثوي لكاتباتنا العربيات فبعد أن كانت الكتابات تكريسا لواقع المجتمع أصبحنا نسمع أصواتا تقر بما هو حق و تدافع عنه
في مجمل الأحوال علينا أن نضع في اعتبارنا أن أعدى أعداء المرأة هي امرأة أيضا تنكرت لأنوثتها و احتقرتها
أحييك أنين أحمد لهذا الموضوع الجريء و أتمنى عليك الانتباه للأخطاء اللغوية ليكون نصك مكتملاً
تحيتي لك من القلب

ياسر حباب 07-21-2019 12:52 AM

رد: امرأة في الخمسين
 
في هذا العمر تعطي المرأة كل مالديها
فتصبح اكثر حب و حنان و جمال
المرأة عطاء لا ينضب

ايوب صابر 08-02-2019 09:48 PM

رد: امرأة في الخمسين
 
سرد جميل والقصة مستوفية لعناصر السرد وزاده الحوار واقعية وحياة . كان يمكن زيادة حدة الدراما والتشويق خاصة ان في الحبكة مرآة وهذه تعطي مجال لزيادة تأثير المشهد. الزوج دوره ثانوي والمرأة كشخصية نعرفها فيبديارة النص بصورة المرأة الضعيفة المحتارة وتظل في نهاية النص على تلك الصورة . كان يمكن ان تجعل القاصة المرأة تتحول وتتطور برفض موقف النساء التي تهكمن عليها مثلا . لكن دائماً استمتع بقراءة قصص أنين . *


الساعة الآن 03:05 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team