منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   لاح فجرٌ جديد ... (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=5637)

نبيل عودة 08-05-2011 07:50 AM

لاح فجرٌ جديد ...
 
لاح فجرٌ جديد ...
قصة قصيرة: نبيل عودة


سادت الفوضى خمَّ الديك، المعروف بأشعر ديوك زمانه، ومؤلِّف العديد من القصائد الديكية الوطنية، ولكن قريحته الشعرية لم تنفعه حين انفجر بركان الظلم.
كان منقاره مرعباً، ولا يتردّد في سحل أي دجاجة في مملكته الخمية، اذا ما رأى في نظراتها عداءً او في تكاسلها استهتاراً بمكانته.. وعرف بين زملائه الديوك بأنه أكثرهم تسلطاً واستمراراً في السيطرة على حياة دجاجات خمه وديوكهم الشابة الجديدة.
كان السبب الظاهر للانفجار أن أحد الديوك الشابة، والدجاجة ذات الرئيس الزاهي، التي كان يستعد الديك الشاعر لإدخالها إلى قرنته الدافئة، قد ألقى القبض عليهما بوضع مشين، مما أثار الغضب من هذا الاستهتار بالقانون الذي يقرّ بحق الديك بالأولوية مع كل دجاجة جديدة لتأهيلها لأعمال البيض والتفريخ. وعليه قرّر الديك الشاعر أن تصرّف الديك الشاب ينافي دستور الخم ونهجه، ويناقض الحقوق الديموقراطية للديك، ويعتبر إخلالاً بأمن الخمّ وقوانين العدالة، فأمر الديك باعتقاله وتعذيبه حتى الموت، وعاقب الدجاجة ذات الريش الزاهي بأن تعتقل في قصره على ذمة التحقيق وإعادة التأهيل والتقويم الخلقي. وأصدر مجلس الديوك العالي استنكاره للأيادي الديكية الغريبة التي استأجرت الديك العميل، وحرضته لمخالفة الدستور في خمّ صاحب الفخامة، الديك الشاعر.
ما جرى أن الدجاج والديوك الشابة، الذين ربط الخوف ألسنتهم خوفاً من عيون الديك المنتشرة داخل الخمّ، وصلن إلى قناعة، إن الحياة لم تعد تسوى وأنهن على أي حال بلا مستقبل والسكين تنتظر أن تقطع رؤوسهن ولا شيء يخسرونه إلا خوفهم وتسلّط الديك الشاعر الهرم والعجوز والذي ما زال يصرّ على أهليته في التصرف بالدجاجات الناشئات، وكثيراً ما اختفت بعض الدجاجات الى غير رجعة دون أن تجرؤ الدجاجات على السؤال عن مصير فلذات أكبادهن.
كان القهر يتراكم في الصدور.. ولكن ما فجّر الهدوء والاستسلام الذي طال وامتدّ في مملكة الديك الشاعر هو قرار تعذيب ديك ناشئ مارس حقه الطبيعي مع دجاجة زاهية الريش طابت نفسها لديك شاب وطابت نفس الديك لها، وهي الطبيعة التي تتحكم بتصرفات الديوك والدجاج ولا يمكن قمعها بقوانين غريبة عن عالم الخممة وأسلوب حياة الطيور منذ أنجز الله خلقها..
ما تعرفه الدجاجات أن للحياة الدجاجية قوانينها. ولكن منذ تسلّط الديك على الخم، بات الوضع شديد البؤس والجو مشحوناً بالتوتر والرعب.. فكثر الانتحار وكثر البكاء، وكثر الصمت وكثر الذل، وطال الأمد وامتد حتى كانت الواقعة الأخيرة، حين انطلق صوت الديك الشاب صارخاً من التعذيب الرهيب.. فوقع المحظور.. فاذا أهل الخمّ بدون سابق تنظيم او إتفاق يملؤون الخمَّ بصرخات الاحتجاج، ويعفّرون الديك الشاعر بالتراب ويلقون بقصائده تحت أقدامهم، والأهم انهم بين ليلة وضحاها اكتشفوا ان ديكهم الشاعر المتسلط مجرد ظاهرة صوتية لا أكثر..!!.
كل صباح حين كان الديك يطلق صياحه الذي لم يعد فيه إلا صوت نشاز، لدرجة يبدو أن الشمس أيضاً لم تعد تستجيب لصوته... فيواصل صراخه المزعج ... ولكن في فجر اليوم الأول لانتفاضة الديوك، استفز الأمر أحد الديوك الشباب فوقف مقابل الديك الشاعر الهرم مطلقاً صوته الجميل... وفوراً استجابت لصوته الشمس وبدأت ترسل خيوطها الذهبية بفرح وسعادة... فعلى تصفيق الدجاجات بأجنحتهن... غير مكترثات بغضب الديك وحراسة، بعد ان اكتشفن انه عالة عليهن، وان تسلطه هو نتيجة الخوف الذي كان يرعبهم أفراداً وجماعات حتى وقع ما كان في ظنهم مستحيلاً، وقام التصادم فانقضّ الديك الشاب على الديك الهرم، المدّعى أنه أعظم شعراء عصره، ناقراً إياه بقرعة رأسه.... وهجمت الدجاجات على حراس الديك، مثيرات غباراً كثيفاً، أشبه بقنابل الغاز المسيل للدموع، فتراجع حراس الديك الهرم... وشكلوا خطاً دفاعياً حول ديكهم الجريح، الذي أثراهم ورفعهم فوق جميع سكان الخم، فحفظوا له عطاياه الكريمة، طمعاً بأن تتواصل أيامه وعطاياه.
انقسم الخمّ الى معسكرين بارزين، معسكر الدجاجات والديوك الشابة، ومعسكر الديك الهرم وحراسة المنتفعين.
ما أقلق الديك الهرم أن يأتي صاحب الخمّ فجأة. فيتخلّص منه قبل أن يصبح لحمه غير صالح حتى طعاماً للكلاب. فأرسل عبر حراسة والمقربين لعرشه، إشارات أنه سيفرج عن الديك المعتقل ويسقط عنه كل التّهم وسيعطي الحق للديوك الشابة ان تختار من تشاء من دجاجات خمّه دون عقاب كجزء من تفهم سعادة الديك الزعيم لمتطلبات التغيير ورفض العنف مع أهل خمّه، ومقرراً عقاب كل من شارك بتعذيب الديك الشاب خلافا لتوجيهاته السامية..
حقا شر البلية ما يضحك. لولا الغضب المدفون من عقود طويلة لانفجر الخمّ بالضحك من قرار رأس البلطجية، ديك الخم الهرم..
الدجاجات رفضن التراجع خوفاً من خدعة أن يعود التسلط رويداً رويداً وعندها "سلام الله على إنجاز انتفاضتهم المباركة" وأعلنت الدجاجة بشكل لا يفسّر على وجهين أن الخممة الأخرى على استعداد لاستقبال ديكهم الهرم بالرحب والسعة. فليرحل ويتركهم يتدبروا أمر الخمّ بدون وصايته.. والبركة في الديوك الشابة التي لا تتعوّق الشمس في إرسال خيوطها الذهبية استجابة لأصواتهم الساحرة.
المعضلة لم تكن الديك الهرم نفسه، إنما كانت في المحيطين به الحالمين بعودة سطوته وعطاياه وتمتعهم بما تشتهي النفس من مآكل وسطوة ودجاجات عذارى.
المشكلة التي أقلقت الديك الهرم وأزلامه الدجاجية، إن إنتاج البيض توقّف وبالتالي حدثت أزمة في كمية الفراخ الجديدة وبدأ يبرز على محيّا صاحب الخمّ الغضب من توقف إنتاج البيض والفراخ، فهل يصرف ميزانية ضخمة على إطعام أفواه لا تقدم ما هو مفروض أنه شغلها الذي خلقت من أجله؟
طال الخلاف وامتدت به الأيام والمعسكران مصران على مواقفهما، حتى جاء صباحٌ ونوّرت الشمس بدون مقاقات الديك الهرم الصباحية المزعجة... ويبدو أن أصدقاء الديك الهرم في الخممة المجاورة تولوا المقاقاة عنه، حتى لا يتواصل الظلام أكثر من الوقت المقدر له. اذ ان ديوك الخمّ الشباب قرروا هم أيضاً الامتناع عن إطلاق أصواتهم الساحرة التي تستجيب لها الشمس، ليبينوا لكل الخممة الدولية، أن مقاقات الزعيم لم تعد تقنع الشمس بالشروق.. ولكن ما العمل مع القلقين على ديكهم الشاعر الهرم من الديوك الهرمة التي حان جزُّ أعناقها لشدة ما استخفت بحياة جماهيرها الخمية؟.
مع إطلالة فجر يوم مشرق، دخل صاحب الخمّ ولم يلتفت يميناً ويساراً متوجهاً فوراً لقرنة الديك الهرم. أمسكه من جناحيه بطريقة مهينة، وخرج به من الخمّ.
انتشرت إشاعات كثيرة حول مصيره... ولكن مصيره لم يكن هو ما يشغلهم، فقد أوكَلت الدجاجات الديكَ الشابّ الذي تحرر من السجن والتعذيب بإدارة شؤون الخم، وما هو إلا يوم أو بعضه وإذا البيض يتدفق في السلال والصيصان تبدأ بنقر بيضاتها من الداخل.
وانتشرت البسمة على وجه صاحب الخم.. الذي بدا شاعراً بقدوم فجر جديد، ولكن المؤسف أن نهمه للبيض ولحم الدجاج لم يتوقف... مما أشغل دجاجات الخم في البحث عن طريقة يوقفوا بها تسلط صاحب الخم، كما أوقفوا تسلط الديك الهرم الذي اختفى الى غير رجعة...



nabiloudeh@gmail.com

ايوب صابر 08-05-2011 04:42 PM

قصة عميقة في معانيها جميلة في سردها وهي مكتوبة باسلوب جورج اورول.

يمكن لقانون القوة ان يتغلب احيانا ويسود، لكن ذلك لا يطول حيث تعود السيادة دائما الى قوة القانون عندها يخسر الخارجون عن القانون وتبزغ شمس فجر جديد، وها هو الربيع العربي يصنع فجرا جديدا...سوف تصل ضياؤه الى كل الامكنة.

ابدعت استاذ نبيل. شكرا لك.


مطر ابراهيم 08-08-2011 03:17 AM

القوّة لا تُجدي نفعاً أمامَ إرادة الحقّ والشعوب، قصّة رائعة بمعانيها وحبكتها وأسلوب السرد فيها.
محبتي
مطر

نبيل عودة 08-08-2011 06:08 PM

نتف الريش
 
في الفكر السياسي تعرف الثورة انها حالة لم يعد فيها النظام قادر على الحكم، ولم يعد الشعب قادر على تحمل نظام الحكم القائم.ومن الواضح ان الديوك العرب، تصرفوا مثل ديوك الدجاج . بوهم انه لا حساب ولا عقاب ، والدجاج لن يقوى على مواجهتهم.والديوك الجديدة تولد مخصية، او يخصيها زبانية النظام وشبيحته.
ولكن حساباتهم أوصلتهم لحالة ينتف فيها الشعب ريشهم ويجعلهم مثل الدجاجات المسلوقة!!


الساعة الآن 11:09 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team