اسْأَلِيني ما الذي يَجْعَلُني=شَبَحاً حتى أرى الخَلْقَ هَباءَ؟! واسْأَلِيني عن دَواعِي عُزْلَتي=أَفكانَتْ جَفْوَةً أم خُيَلاءَ؟! وإذا أثَرْتِ أنْ لا تَسْأَلي=فَدَعيني أُوثِرُ الدَّاءَ العَياءَ! أنا وَحْدي في اعْتِزالي ذائِقٌ=لَذَّةَ الروح ابْتِعاداً واجْتِواءَ! واسأليني ما الذي يُسْعِدُني=وأنا أُبْصِرُ حَوْلي السُّعداءَ؟! إنَّني أُبْصِرُهم في نَشْوَةٍ=فَأَرى فيهم أمانِيَّ الوِضاءَ! تلك كانتْ في شَبابي وانْمَحَتْ=وتَبَدَّلْتُ الأسى والبُرَحاءَ! ثم عادتْ وَمْضَةً باسِمَةً=في مُحَيَّاهُم.. فَكانَتْ لي عَزاءَ! تُسْعِدُ القَلْبَ الشَّجِيَّ المُسْتَوى=في دَياجِيهِ. نُجُومٌ مُشْرِقاتْ! رُبَّما لا يُبْصِرُ الدَّرْبَ بها=فهو أَدْجى. أَوْ هو الحَظُّ المَواتْ؟! هو في دُنْياهُ ما يَرْجُو سِوى=أَنْ يَرى العالَمَ مَوْفُورَ الهِباتْ! ولقد يَرْضى لهم مائِدَةً..=مُشْتَهاةً. وهو يَرْضى بالفُتاتْ! هكذا عِشْتُ غَنِيّاً بالرُّؤى=بالشَّذا تَشْفِي. وتروي بالفُراتْ! وفَقيراً ما يُبالي باللُّهى=فهي قد تَسْلِبُهُ حُلْوَ السُّباتْ! ولقد أَشْعُرُ أنِّي طَرِبٌ=في دُرُوبٍ مُدْلَهِمَّاتِ السِّماتْ! ولقد أشْدو بِصَمْتٍ مُطْبِقٍ=تَتَمنَّاهُ.. فما تَحْظى –اللُّغاتْ! واسْأَلِيني ما الذي يُكْرِبُني؟!=ما الذي يَدْفَعُني لِلإِنْزِواءْ؟! رَغْمَ أَنِّي بانزوائي قِلِقٌ=دَنِفٌ يهفو لإِخْوانِ الصَّفاءْ! أَيْنَهُم؟! إنِّي إِلَيْهِمْ تائِقٌ=أَيْنَهم؟! هل هُمْ كَمِثْلي غُرَباءْ؟! لا تَلاقي بَيْنَنا إنَّ الوَرى=فَرَّقُوا ما بَيْنَنا خَوْفَ اللِّقاءْ! والورى فيه صَباً.. فيه دَبُورْ=فيه عَقْلٌ مُبْصِرٌ. فيه عَماءْ! فيه رَوْضٌ يانِعٌ. فيه يَبِيسْ=بَلْقَعٌ لَيْسَ به نَبْتٌ وماءْ! طالَما أظْمَأَني.. لكِنَّنِي..=سِرْتُ فيه بين أشْتاتِ الظِّماءْ! لم أَجِدْ فيه سِوى ما راعَني=مِثْلَ ما راع رَعيلَ الحُكماءْ! واسأَلِيني ما الذي يَبْهَرُني؟!=ما الذي يَمْنَحُني حُلْوَ المتَاعْ؟! ما الذي يُؤنِسُني في وَحْشةٍ=لَم تَجِدْ في لَيْلِها الدَّاجي شُعاعْ؟! وأعْجَبي مِنِّي.. فما يؤنِسُني=غَيْرُ أَنْ تَحْلُوَ في الخَلْقِ الطِّباعْ؟! فلقد أَلْقى رِعاعاً في سَراةٍ=ولقد أَلْقى سَراةً في رِعاعْ! واسْأَليني. ما الذي يُرْهِقُني=فإِذا مُثْخَناً دُونَ صِراعْ؟! وإذا بي الشِّلْوَ يَدْمي حَمَلاً=خائفا ما بَيْنَ أنْيابِ السِّباعْ! وأنا الأَعْزَلُ لا سَيْفَ له=يَدْفَعُ الظُّلْمَ.. ولا رأْي مطاع! لَتَمَنَّيْتُ. وما تُجْدِي المُنى=أَنَّني كُنْتُ طَعاماً لِلْجِياعْ! واسألِيني. ما الذي يُلْهِمُني=ما الذي يُلْهِبُ فِكْري وشُعوري؟! ما الذي يَمْلَؤُنِي مِن غِبْطَةٍ=وأنا المَحْزونُ يَطْويني ثُبُوري؟! وأنا الآمِلُ في اللُّبِّ وقد=تَغْلِبُ اللُّبَّ وتَطْوِيهِ قُشُوري! وأنا المُلْتاعُ في أَمْسائِهِ=حالكاتٍ تَشْتَهي نُورَ البُدورِ! ما الذي يُلْهِمُني يا ماضِياً=حافِلاً بالحُسْنِ يُشْقي.. والغُرورِ؟! ما الذي يُلْهِمُني يا حاضِراً=لم يَعُدْ عِنْدي سوى ذِكْرى حَرُورِ! إنَّه ذِكْراكِ.. ذِكْرى أَلَمٍ=حارِقٍ كالجَمْر ما بَيْنَ الصُّدُورِ! إنَّه أَنْتِ. وقد عادَ غَدي=مُلْهَماً يَبْكي على أَمْسي الحَصُورِ! فاسْأَلِيني.. لا فما أُصْغِي إلى=فِتْنَةٍ عادت رفاتا في القُبُورِ |
نظَرْتُ إليها وهي تَرْنُو بِطَرْفِها=إليَّ كَلَيْثٍ في عَرِينٍ مُمَنَّعِ! فَأطْرَقْتُ إجْلالا لها ومَهابةً=وخِفْتُ فقد تَلْهو وأَشْقى بِمَصْرَعي! وقلت لها رِفْقاً فإنِّي مُفَزَّعٌ=من الحُسْنِ هذا وهو غَيْرُ مُفَزَّعِ! ألا رُبَّ قَلْبٍ من جَمالٍ مُبَرْقَعٍ=يُطِيحُ بِقَلْبٍ من كَمِيًّ مُدَرَّعِ! تَبارَكْتَ رَبِّي كيف يُشْقي قُلوبَنا=ويُسعِدُها حُسْنٌ شدِيدُ التَّرَفُّعِ؟! ولو أَنَّني خُيِّرْتُ ما اخْتَرْتُ مَوْقِفاً=لَدى بابِهِ أُبْدِي إليه تَضَرُّعي! فَلِلْحُرِّ نَفْسٌ لا تَطيقُ تَضَرُّعاً..=ولا تنثني عن مَجْدِها المَتَضَوِّعِ! ولكِنَّها تهفو إلى الحُبِّ مُلْهِماً..=بِكُلِّ نَضِيرٍ في الحياةِ ومُمْرِعِ! بِيَنْبُوعها الحالي.. بِشَدْوِ طُيُورِها=بِآلائِها من كُلِّ غالٍ ومُمْتِعِ! فكيف أَطِيقُ الصَّبْرَ عنه وصَبْوَتي=إليه كجَمْرٍ حارِقٍ بَيْن أَضْلُعي؟! فيا لَيْتَه لم يَطْغَ.. يا لَيْتَ قَلْبَهُ=شَجِيٌّ فما يَطْغى كَقَلْبي المُوَلَّع! ولكِنَّ بَعْضَ الحُسْنِ يَدْفَعُ ربَّه=إلى جَنَفٍ يَقْسو على المُتَوَجِّعِ! فَيَضْطَرُّه إِمَّا إلى النَّأْي كارِهاً=وإمَّا إلى جَدْي يَسيرُ بأَرْبَعِ! ولَيْسَ كَمِثْلِ الهَجْرِ لِلْحُرِّ قاتِلٌ=ولَيْس كمِثْلِ النَّأْي لِلْمُتَفَجِّع..! ولو كان رَبُّ الحُسْنِ يُدْرِكُ أَنَّه=غَداً سَوْفَ يَمْضي الحُسْنُ غَيْرَ مُوَدِّعِ! لَمَا كانَ مَفْتُوناً.. وما كانَ قاسِياً=على عاشِقٍ ذِي خافِقٍ مُتَقَطِّعِ! فيا رُبَّما يَغْدو العَتِيُّ وحُسْنُهُ=تَوَلَّى فَيُشْقِيه ازْدِراء التَّقطُّعِ! وقال أُصَيْحابي. وقد شابَ مَفْرِقي=وبانتْ غُضُونٌ في المُحَيَّا المُضَلَّعِ! متى أَنْتَ يا هذا المُدَلَّهُ تَرْعَوِي=وتُقْصِرُ عن هذا الهوى المُتَطَلِّعِ؟! لقد عُدْتَ شَيْخاً راعِشاً مُتَخلِّعاً=وما زِلْتَ عن بَلْواكَ لَسْتَ بِمُقْلِعَ؟! يُشِيحُ الهوى والحُسْنُ عنكَ. أَما تَرى=وتسمع ما قالاه فيك؟! ألا تَعِي؟! وقُلْتُ لأَصْحابي. لقد كُنُتُ طامِعاً=وقد كانَ ما حاوَلْتُهُ شَرَّ مَطْمَعِ! وقد كنْتُ ضِلِّيلاً حَسَبْتُ كهُولَتِي=كمِثْلِ شبابٍ ساءَ فيه تَمَتُّعي! مِن الرُّشْدِ لِلْفانِي الذي عاشَ ماجناً=وصَدَّعَهُ الشَّيْطانُ أُنَكى تَصَدُّعِ! تَراجُعُهُ عن غَيّهِ واجْتِنابُهُ=مآثِمَهُ قَبْلَ الرَّدى المُتَوَقِّعِ! ولم أَتَراجَعْ بَعْدُ يا لَيْتَ أَنَّني=سَلَكْتُ سَبِيلي حِكْمةٍ وتَهَجُّعَ! فَشَتَّانَ ما بَينيْ تَفَجّعِ يافعٍ=وشَيْخٍ على العِلاَّتِ لم يَتَوَجَّعِ! تَبارَكْتَ رَبِّي هل سَتَسْخو لآِبِقٍ=بِتَوْبَتِه حتى يَرى خَيْرَ مَهْجَعِ! فَيَمْشي به مِن بَعْدِ طُولِ غِوايةٍ..=ويَسْرِي على نورٍ هناك مُشَعْشَعِ! بَلى إِنَّني أَرْجو فما لي وسِيلَةٌ=سوى عَفْوِهِ المأْمُولِ يَوْمَ التَّجَمُّعِ! تَجَرَّعْتُ حُلْوَ الإِثْمِ يَوْمَ شَبِيبَتي=وها أنا أَشْكو من قرِيرِ التَّجَرُّعِ! لقد جَعَلَتْ مِنِّي الغِوايَةُ طِفْلَها=وأدْنَتْ فَمي الظَّمآن مِن ثَدْي مُرْضِعِ! وأهْفُو بِيَوْمي لِلتُّقى وجَلالِهِ=ونِيَّةِ قِدِّيسٍ. وعَزْم سَمَيْدَعِ! كأَنِّي بِنَفْسي. وهي في حَمْأَةِ القَذى=تَنِقُّ. فما كانت سوى نَفْسِ ضُفْدُعِ! أَهِيْمُ بِمَجْدِ الخالِدين وأَجْتَلي=محاسِنَهُم.. أَهْلي وصَحْبي ومَرْبَعي |
ليلايَ كيف أَطَعْتِ ثُعبانَ السُّلُوِّ=فَسَمَّم القَلْبَ الشَّغوفْ؟! أقْسَمْتِ أنَّكِ لَسْتِ ساليةً=ولو لاقَيْتِ في الحُبِّ الحُتوفْ! وأنا الغَبِيُّ المُسْتهامُ..=أُصَدِّقُ الكذبَ العَصوف! ما كانَ أَجْدَرَني بِهَجْرِكِ=حين كنْتُ أنا العَطُوفْ! لا تَحْسَبي أنِّي الخَروفْ=فإِنَّني الأَسَدُ العَيُوفْ! ولسوف يُدْمِيكِ الأَسى=ولَسَوْفَ تَحْصُدُكِ الصُّروفْ! فَتَوقَّعي إلاَّ الرُّجُوعَ=إليكِ ما أحْلى العُزُوفْ! ما عُدْتُ أَحْلَمُ بالّلآلِىءِ=أَوْ أَتُوقُ إلى الشُّغُوفْ! بل عُدْتُ أَحْلَمُ بالبَتُولِ=يَزينُها القَلْبُ الرَّؤوفْ |
طرِبْتُ من العَرْفَجِ المُسْتَنيرِ=بِشِعْرٍ بدا كشُعاعِ القَمَرْ! كَصَفْوِ الغَدِيرِ.. كشَدْوِ الكَنارِ=.. كحُلْوِ الثِّمارِ.. كنَفْحِ الزَّهَرْ! فقُلْتُ له.. ما أَجَلَّ القريضَ=إذا ما سَبانا بهذي الغُرَرْ! بدا لي كَمِثْلِ السَّحابِ النَّدِيِّ=يَجُودُ علينا بِحُلْوِ المَطَرْ..! لقد أَدَني حَمْلُهُ في الحياةِ=ولكِنَّه كانَ حُلْوَ الثَّمَرْ..! وأَسْتَنْبىءُ النَّجْمَ عَمْا اسْتَبانَ=-وكانَ الخَفِيَّ- وعما اسْتَسَرْ! فُيُنْبِئُني يالَ هذا الحَصادُ=ويالَ بَدِيعُ الرُّؤى والسُّوَرْ! تَبارَك مانِحُ هذا الشُّعورِ=يَصُوغُ لنا غَالياتِ الدُّرَرْ! ويسقي النمير.. ويروي الظماء=فَنِعْمَ النَّمِيرُ.. ونِعْمَ النَّهَرْ! وما نالَه غَيْرُ بَعْضِ الأَنامِ=وكانوا العَمالِيق بَيْن البَشَرْ! وكانُوا السَّراةَ. وكانُوا الهُداةَ=وكانُوا الشُّداةَ به في السَّحَرْ! أَراني الحَفِيَّ به المُسْتَعِزَّ=بِحالَةِ صَحْوِي به والحَذَرْ! فيا ربَّةَ الشعر إنِّي الشغوف=وإنِّي الكَنارِيَّ ما بَيْن الشَّجَرْ أَهِيمُ بجناتك الحاليات=هُيامي بِحَرِّ اللَّظى مِن سَقَرْ |
رأيْتُ لعبد الله مَجْداً مُؤَثَّلاً=تحدَّر من آبائِهِ الصِّيدِ واسْتَعْلى! فمن جَدّه عبد العزيز.. وفَيْصلٍ=أبيه تَبَدَّى المجد مُمْتَنِعاً فَخَلا! ولله في عبد العزيز مآثِرٌ=رأَيْنا بها الوَبْلَ المُبَشِّرَ والطَّلاّ! وكانتْ بِلادُ العُرْبِ شَمْلاً مُمَزَّقاً=وخَوْفاً.. فلا وَعْراً أَميناً. ولا سَهْلا! فلا الحجُّ مأمُونٌ ولا المسجد الذي=تَمَيَّز بالمُخُتارِ.. وانْتَزَعَ الجهلا! فكم مِن حَجِيجٍ راح يَقُصُدُ طَيْبَةٌ=تَفَزَّعَ نَهْباً. أو تَرَدَّى بِها قَتْلا! طرائِقُ شَتَّى أفْزَعَتْ كُلَّ طارِقٍ=وإنْ بَذَلوا من الله ما جَلَّ واسْتَحْلى! تَصَدَّى لها عبد العزيز فَصانَها=من العَبَثِ المُزْري. وكانَ له أَهْلا! فما هي إِلاَّ جولة بعَدَ جوْلَةٍ=فَراحَ بها الباغُونَ صَرْعى بِما أَصْلى! فمنهم أَطاعَ السَّيْفَ يَشْدخُ هامَهُ=ومنهم رأى أَنَّ الرُّضوخ به أوْلى! فَلِله ما أَجْدى علينا جِهادُهُ=فقد صَحَّ منه ما تَهافَتَ واعْتَلاَّ! يُشِيدُ به الشَّادُونَ في كُلِّ بُقْعَةٍ=فكم مِنَّةٍ تُرْوى. وكم آيةٍ تُتْلى! وهذا هو الخُلْدُ الذي ظَلَّ شامِخاً=مُشِعّاً على الدُّنْيا بآلائِهِ المُثْلى! ومِن بَعْدِه جاءَ الغَطارِيفُ.. كُلُّهُمْ=شَغُوفٌ بِمَجْدٍ لا يَخيسُ ولا يَبْلى! بدا فَيْصَلٌ لِلنَّاسِ مَجْداً مُلألِئاً=يُضِيءُ.. فلا حِسّاً يَضِلُّ. ولا عَقْلا! تأَلَّقَ في عَيْنَيْ أَبيهِ فَسَرَّهُ..=وكيف؟! وقد كانَ السَّبوق الذي جَلىَّ؟! فقال له كُنْ نائبِي.. وأَحَلَّهُ=مَحلاًّ رَفِيعاً.. ما أَعَزَّ وما أَغْلى! فقد كانَ فيه المُصْطَفى سَيِّدُ الورى=فكانَ به طِفْلاً.. وشَبَّ به كَهْلا! فَراسةُ مَوْهُوبٍ عَظِيمٍ مُسَوَّدٍ=وفِطْنَةُ مَوْهُوبٍ. وكان له نَجْلا! ولَسْتُ بِمُسْطِيعٍ. ولا الشّعْرُ قادِرٌ=على صَوْغِ ما كانا بِه. وله أَهْلا! فَفي البَحْرِ أَسْرارٌ. وفي الطَّوْدِ رِفْعةٌ=تُحَيِّرُ قَوْلا.. أَنْ يُحاوِلَ.. أْو فِعْلا! وشاءَ يَراعي مَرَّةً فأَرابَني=فَقُلْتُ له – لما رَثَيْتُ له – مَثلا! وقُلْتُ له أَبْصِرْ.. فَحَوْلَكَ ثُلَّةٌ=كَوَاكِبُ.. كانُوا لِلَّذي سادَنا نَسْلا! أَشاوِسُ. لَو فَوْق النُّجُومَ مَنَابعٌ=لَتاقُوا إليْها. واسْتَطابُوا بها النَّهْلا! ولم يَثْنِهمْ عَن قَصْدِهم غَيْرُ نيْلِهِ=وكيْفَ.. وقد أَدُّوا له الفَرْصَ والنَّفْلا! وقد ناضَلُوا حتى اسْتَوَوْا فَوقَ هامِهِ=فساروا وقد مَدّ الطُّمُوحُ لهم حَبْلا! تَذكَّرْ سعوداً وهو أوَّلُ عاهلٍ=تَسَنَّم عَرْشاً يَنْشُدُ الحقَّ والعدْلا! تَسَنَّمه والنَّاسُ تحمد ما بَنى=أبُوهُ.. ويَلْقى حَوْلَه الحَوْلَ والطَّوْلا! وحَسْبُكَ مِن هذه السُّلالِة خالِدٌ=وفَهْدٌ. وقد كانَ السُّمُوُّ لهم شُغْلا! فَأَوْرَثَهم مَجْداً طَريفاً وتالِداً=وأَوْرَثَنا نَحْن الكرمةَ والفَضْلا! لَك الله يا فَهْدُ الحَبِيبُ وخالدٌ=فإنَّكُما الجُودُ الذي اسْتَأْصَلَ البخلا! وإنَّكُما الفَخْرُ الذي يَستَفِزُّنا=إلى المَدْحِ.. لولا أنَّه لم يكُنْ جَزْلا! ويا شِعْرُ هل لي أَنْ أَبُوحَ بِمُضْمَرٍ=من الحُبِّ أَصْلاني الذي لم أَكُنْ أصْلى! لَئن عَزَّني فيه الثّناءُ فَإِنَّني=أراني بِحُبِّي أعْشّق الصَّدَّ والوَصْلا! وأعْذُرُ شِعْري إنْ تَقَاصَر واسْتَوى=على العَجْزِ واسْتَخْذى بِقافيةٍ عَجْلى! فما هو إلاَّ الشِّعْرُ يَسْتَقْطِبَ النُّهى=فَيَشْدو كما تَشْدُو مَشاعِرُهُ الجَذْلى! وما هو إلاَّ المَجْدُ.. إلاَّ رُسُوخُهُ=وما هو إلاَّ أَنْ غَدَوْتَ له ظِلاَّ! عَشِقْتُ العُلا مَنْذُ الصِّبا فَوَجَدْتُها=لَدَيْهِ. فَنَادَتْني أَلا كُنْ له خِلاَّ |
أشعريني بأنَّ يوْمَكِ كالأمْسِ=حناناً ورِقَّةً وفُتونا! إنَّني لا أطيقُ مِنْكِ ازْوِراراً=إنَّه يُورِثُ الضَّنى والجُنونا! ما أُحَيْلى الأيَّامَ تلك وأَشْجاها=فقد شَيَّدَتْ لحُبِّي حُصُونا! ما أُبالي لا بالحُطامِ ولا المَجْدِ=وأَرْضى قَيدي وأَرْضى الشُّجُونا! إن حُرِّيتي لَتَشْرُفُ بالرِّقِّ=يَراعاً ومَمْطَراً مَكْنُونا..! هو يُفْضي إليَّ جَهْراً وهَمْساً=بالذي يُذْهِلُ العُقُولَ ويَشْفِي! بالَّذي يَرْفَعُ الضَّميرَ إلى الأَوْج=ويبدي لها الذي كان يخفي..! ما يَرى منه كُلُّ قَلْبٍ حَفِيٍّ=أَوْ مِن جَلالِه كُلُّ طَرْفِ! ما تَخيّرْتُ دُونَ القِمَمَ الشُّمَّ=وأَخْتارُهُ بِدَيْجور كَهْفِ! إنَّ بَعْضَ الدَّيْجُورِ نُورٌ يُغَشِّيكَ=بِمَرْأىّ يَجِلُّ عن كَلِّ وَصْفِ! ولقد بانَ ساطِعاً فَتَخَشَّعتْ=فَسَفْحي غَدا رفيِعاً كسقفِ! يا سمائي التي أَنَرْتِ سِبيلي=إجْعَلي النور صاحبي ودليلي! واجْعَليه إذا سَرَيْتَ نَجِيِّيَ=واجْعَليه إذا لَغِبْتُ خليلي! هو نُورٌ كأنَّه المُزْنُ يَرْوي=ظَمَأِي في السُّرى ويَشْفي غَليلي! وهو الرَّوْض بالثِّمارِ وبالزَّهْرِ=غِذاءٌ ونَشْوَةٌ لِلْعَليلِ..! وهو سِفْرٌ مُجَلَّلٌ بالتَّرانِيمِ=أَراهُ في بُكْرَتي وأَصِيلي! يا فَتاتي لقد جَنَحْتُ إلى الحُسْـ=نِ وَضيئاً يَنْأى عن الأَوْهاقِ! كنْتُ فيه أَسْعى إلى الجَسَدِ=البالي. وأَصْبُو لِضَمَّةٍ وعناقِ! كان فيه الفِراقُ يَدْعو إلى الذُّلِّ=مَهِيضاً.. مُتَيَّماً بالتَّلاقي! لَيْس إلاَّ العُتُوٌّ فيه ذلك الحُسْنِ=فَمرْحىً لِعِزَّتي وانْعِتاقي! ولَشَتَّانَ بَيْن حُسْنٍ يُواليكَ=طَهُوراً. وبَيْن حُسنٍ عَصُوفِ! ذاك يَحْنو عليك غَيْرَ مُدِلٍّ=و يُفَدِّيكَ بالرَّؤى والطُّيُوفِ! مُلْهِمٌ. فاليراعُ منه نَدِيٌّ..=بِمعانٍ تَزَيَّنَتْ بالحُروفِ! وعذارى من الطَّرائِفِ تَشْفِي=عاشِقَ الفَنِّ مِن بلاءِ الصُّرٌوفِ! هي مَجْدٌ مَؤَثَلٌ لِمُعَنَّى..=بِهَواها – مُغامِرٍ مَشْغُوفِ! ما يُبالي إذا احْتَوتْهُ وناجَتْهُ=بآياتِها بِوَشْكِ الحُتُوفِ! والمُدِلُّ القصُوفُ تَسْطَعُ حيناً=ثم يَخْفو ويَنْتَهي بالمِحاقِ! كم تَعالى به الفُتُونُ فأشْجى=ثم أَهْوى به إلى الأَنْفاقِ! فإذا بالنَّميرِ منْه سَرابٌ=عادَ لغَيِّ لعْنَةَ الأَحداقِ! ظَنَّ أَنْ يَخْلُدَ الفُتُون. فأَشقاهُ=غُروبٌ أَطاحَ بالإِشْراقِ! يال هذا العرس الشهي ازدهته=فرحة. ثم أفزعت بالطلاقِ! يا حَياةً يُغْرِي اللِّقاءَ بها النَّاسَ=وتَطْوِي إغْراءهَا بالفِراقِ |
ذكرياتي تُمزِّقُ مِن قَلْبي=وتُشْجي حِسيِّ الرَّهيفَ ولُبِّي! أيَّها اسْتَعْرضَ الضَّمِيرُ تبدىَّ=شَرِساً.. حانِياً.. مُشِيحاً.. مُلبِّي! ربما صِرْتُ من رُؤاها كطَيْرِ=وادِع.. أو مواثِبا مِثْلَ ذِئْبِ! قد يكونُ الحبيبُ منها كَرَوْضٍ=ويكونُ الرَّهِيبُ منها كجُبِّ! أسلمتْني حِيناً إلى الفَرَحِ الحاني=وحينا إلى اكْتِئابٍ وكرْبِ! يالَ حِسِّي الذي يُؤَجِّجُ ناراً=في حَناياي.. من بِعادٍ وقُرْبِ! لتَمنَّيْتُ أن أكونَ كصَخْرٍ=ما تَلَظَّى ولا أنْتَشى بالتَّصبِّي! لَيْتَني مِثْلَهم. فما كنْتُ أَشْقى=كَشَقائِي هذا يَشُقُّ كَعَضْبِ! إنَّ بعض الغَباءِ بَعْضٌ من=النِّعْمةِ يا لَيْتَني أعِيشُ كَسِرْبي! فَهُما يَسْبِقان طَرْفي إلى الخَيْرِ=بإيثار عاطِفَيْن.. وحُبِّ! فإذا ما اشْتَكَيْتُ مَسّاً من الضُّرِّ=شَكَوْا مِثْلَهُ.. وضاقُو بِرَحْبِ! وهَمَتْ مِنْهُما الدُّموعُ فَوَيْلي=بالذي يّذْرِفان منه.. وحسبي! وتّذّكَّرْتُ إخْوَتي.. وكُنَّ . وكانُوا=كنَميرٍ بَرْوِي الظَّمأ ويُسْبي! ما أُحَيْلى أَصْواتَهُمُ. وهي تَشْدُو=بافْتِخارٍ إذا نَعِمْتُ. وعُجْبِ! وتَذكَّرْتُ ثُلَّةً مِن رِفاقٍ=كلُّهمْ نِعْمَةٌ من الله رَبِّي! كالرِّياضِ التي تَضُوعُ بِنَفْحٍ=مِن زُهُورٍ تَظَلُّ تَخْتالُ جَنْبي! وثِمارٍ تُغْنِيكَ عن كُلِّ رَطْبٍ مِن=شَهِيِّ الطَّعام. أَوْ عَذْبِ شُرْبِ! عِشْتُ ما بَيْنَهُم سعِيداً.. وعاشُوا=سُعداءً بِصَفْوِ وُدِّ وعَتْبِ! خَلَّفوني من بَعْدِهمْ في اشْتِياقٍ=فَفُؤادي بِهِ حَزِينٌ. وهُدْبي! ذِكْرَياتي أَنْتُنَّ فِرْدَوْس نَفْسي=حِين أَلْقى بِكُنَّ حُبِّي المُوّلِّي! وجَحِيمي إذا بِكُنَّ تَذكَّرْتُ=بَلاءً أَزْرى بِحِسِّي وعَقْلي! غير أنّي أهْفو إلَيْكُنَّ باللَّيْلِ=ففيه الشُّجونُ بالصَّدْر تَغْلي! إنَّ عِلْمي بالناس أصبح يغتال=ضَميِري. فأشْتَهي اليوْمَ جَهْلي! رُبَّ ماضٍ ذَكرْتُهُ فتذكَّرْ=تُ رِجالَ العُلا. ووَقْتَ التَّجلِّي! شَدَّ ما أَشْتَهي الرَّحيل فَبَعْدي=لم يَعُدُ يَرْفَعُ اللِّواءَ كقَبْلي! ليس كُلُّ النَعْماءِ تُرْضي حًَنايايَ=فَبَعْضُ النَّعماءِ حَظُّ العُتُلّ! وأَنا لَسْتُ بالعُتُلِّ وما أَرْضى=بِعَيْشٍ يَطْوي المُضيءَ سِجِلِّي! إنَّني أَبْتَغِيهِ عَيْشاً كريماً=ولَئِنْ كانَ في افْتِقارٍ ومَحْلِ! يا فتاتي التي تُضيءُ طَرِيِقي=أَرْقِبيني فقد توسَّدتُ رَحْلي! مَجِّدِ اللهَ يا ضَميري. فقد=عِشْتُ بِقَوْلي مُحَرَّراً. وبِفِعْلي |
يا هِنْدُ عِشْتُ مُضَرَّجاً=بِدَمٍ يكادُ يَصِيح ظُلْما! يا هِنْدُ عِشْتُ مُتَيَّماً=ومُهَذَّباً رُوحاً وجِسْما! قد كنتُ أَحْسَبُكِ الوفيَّةَ=في الهوى. وَصْلاٌ وغُنْما! عادَ اليَقينُ لَدَيَّ فيكِ=وقد غَدْرْتِ اليَوْمَ وَهْما! ما كنْتُ أَحْسَبُ أنَّني=سأعُودُ بعد التٍّبْرِ فَحْما! نأنا لَسْتُ صِفْراً إنْ أَرَدْتِ=وإنْ أَرَدْتِ أكُونُ رَقْما! كلاَّ فإنِّي بعد غَدْرِكِ=قد غَدَوْتُ أَشَدَّ عَزْما! يا هِنْدُ هل راجَعْتِ قَلْبَكِ=قَبْل أَنْ تَعِمي السَّجايا؟! فارْتَحْتِ لِلْظُّلْمِ الرَّهِيبِ=ولم تُرَوِّعْكِ الضَّحايا! ورأَيتِ أشْلاءً تَنِزُّ=ولم تُخَوِّفْكِ المنايا؟ كنْتِ السَّبِيَّةَ بَيْنَهمُ=وهُمُ العِطاشُ إلى السَّبايا! يا لَلْهَوانِ.. لقد تَرَكْتُ=لكِ المباذِلَ والدَّنايا! يا هِنْدُ. والأَمسُ الوَفِيُّ=يُطلُّ لِلأمْسِ الغَدُورْ! فَيَرى به القَسَماتِ شاهَتْ=- وَيْلُ يَوْمِكِ- بالبُثُورْ! شَتَّانَ ما بَيْنَ الأَثِيْمِ=هَوى وما بَيْنَ الطَّهُورْ! ويَرى ندَاماكِ الهياكِل=كالأرانِبِ في الجُحُورْ! ويَراكِ في الأَمْسِ الوَضِيء=وأّْنتِ لِلظُّلُماتِ نُورْ! زِنْتِ الِحجابَ مِن العَفافِ=وفُقْتِ رَبَّاتِ السُّفورْ! أَفلا تَرَيْنَ الفَرْقَ بَيْن=الأَمسِ واليَوْمِ الكَفُورْ؟! أَفَلا نَدِمْتِ على الكريم=يرُوحُ عَنْكِ بلا ارْتِدادْ؟! قد كانَ في يَدِهِ القِياد=وقَد عَدَوْتِ على القيادْ! وأَرَدتِ أَنْ يَبْقى الرَّهِينَ=لَدَيْكِ مَسْلوُبَ الرَّشَادْ يَشْقى به العَقْلُ الرَّجِيحُ=ويَسْتَطَيِرُ به الفؤادْ! كلاَّ. فَقَدْ عافَ اقْتِرابَكِ=واسْتَراحَ إلى البِعادْ! وَلَّى هَناؤُكِ فالْبَسي=يا هِنْدُ أثْوابَ الحِدادْ..! إنَّي لأَشْتَفُّ النَّدامةَ=في مَلاِمِحِكِ الجَمِيلةْ! وأرى بها الأَلمَ المُبَرحَّ=يَسْتَبِدُّ على الكَلِيلَهْ! تَرْجو الرُّجُوعَ إلى المُهاجِرِ=دُونَ أن تَجِدَ الوَسِيلَهْ! هَيْهاتَ أَنْ تَجِدي السَّبِيلَ=وقد قَطَعْتِ له سبِيلَه! خَلَّي الظُّنُونَ الآمِلاتِ=وَوَدَّعي نَفْحَ الخَمِيِلهْ! بَعْد الجَهامِ سقى رِياضي=وَابِلُ السُّحُبِ الثَّقِيلَهْ! ما كانَ أنداها عَلَيَّ=فلم تكن أَبَداً بَخِيلَهْ! إنَّي أقُولُ.. ولسْتُ=أَشْمَتُ.. يا فَتاتي المُسْتَطِيلَهْ! لم يَبْقَ لِلْحُسْنِ المُدَلَّلِ=غَيْرُ أيَّامٍ قَلِيلهْ! هلاَّ ارْتَقَبْتِ من الفُتُونِ=وقد قَسَوْتِ به. رَحيلَهْ؟! هلاَّ رَعَيْتِ الطَّيْرَ .. ما=أَحْلاهُ.. ما أَحْلى هَدِيلَهْ! والرَّوْضَ ما أَحْلى الزُّهُورَ=به. وما أّحْلى نَخِيلَهْ! لو قد رَعَيْت لكُنْتِ خالِدةً=بما يشْفِي غَلِيلَهْ! أنا شاعرُ الخُلْدِ الطَّمُوحُ=ولن ترَيْ أَبَداً مَثِيلهْ |
عدْني بِوصْلٍ منكَ يا فاتِني=فأنْتَ لي مَصْدَرُ إلْهامي! وأنت لي دُونَ الورى مُتْعَةٌ=تُشُعِلُ أَطْراسي وأَقْلامي! جاشَتْ بصَدْري ذِكْرياتٌ لها=عِطْرٌ بأيَّامي وأَحلامي! أيَّامَ كنْتَ الفاتِنَ المُسْتوِي=بِمُهْجتي. والمُغدِقَ إلهامِي! إنَّي أُكَنَّي عَنكَ مِن بَعْدِما=لاقَيْتُ مِن هَجْرِكَ مَا أَسْقَما! شَقِيتُ منه. يا لَهذا الهوى=شّرِبْتُ منه سَلْسَلاً .. عَلْقما! كانَ اللَّظى يَسْلِبُ ِّمنِّي الكرى=حِيناً.. وحِيناً كانَ لي بَلْسَما! وكانَ لي في شَفَتَيْهِ اللَّمى=يُسكَرني .. يَجْعَلُني المُلْهَما! وكنتُ لا أُبْصِرُ إلاَّ المُنَى=مُشْرقةً.. تُورِدُني جَنَّتي! إلاَّ الطُّيورَ الشَّادِياتِ التي=تُطْرِبُني.. تُشْعِلُ لي صَبْوَتي! لا فِكرتي تِشْغَلُني بالذي=يُكْرِبُ كالأَمْسِ. ولا مُهْجَتي! أَوّاهِ كانَت سوى فَترةٍ=حالِمةٍ .. ثم انْتَهَتْ فَتَرَتي! ودَهَمَتْني يَقْظَةٌ كالرَّدى=قاسيةٌ.. جَفَّ بها جَدْوَلي! أَذهَلني منها عُزُوفُ الهوى=عنِّي. كَسَهْمٍ حَطَّ في مَقْتَلي! ما كانَ أَقساهُ. فكيف ارْتَضى=سفكَ دَمي؟! كيف لَوى مِفْصَلي؟! ما كنْتُ هائِماَ يَكْتويِ=فَيَرْتَضِي باللَّهب المُشْعَلِ! وكانَ لِي النَّجْمَ الذي أَهتدي=بِنُورِه في الحالِكِ المُظْلِمِ..! يَسْخو بْه من غَير ما مِنَّةٍ=سخاءَ مَنْ يَحْنُو على المُلْهَمِ..! كانَ هو المُلْهْمُ هذي الرُّؤى=كأَنَّما يَغْرِفُ مِن مِنْجمِ..! يَحُوطُني بالحُبَّ يَروِي به=صَدايَ رِيَّ المانِحِ المُنْعِمِ..! وقال لي يَوْماً .. أَلا تَشْتَهي=جَنايَ؟! إنَّي لا أُبِيحُ الجَنى! إلاَّ لمن كانَ شَدِيدَ الجوَى=مُسْتَعْذِباً فيه الضَّنى والوَنى! فإِنَّه يَحْظى به ناعِماَ=من شِقْوَةٍ يَشْتارُ مِنْها المُنى وأَنْتَ حتى الفَقْر تَرْضى به=منه.. فَبَعْضُ الفَقْرِ بَعْضُ الغِنى! قد كُنْتَ هذا.. واصِلاً.. حانِياً=فكيف ضَرَّجْت الهوى بالصُّدُودْ؟! كيف تَحَوَّلْتَ إلى عاصِفٍ=أَهْوِي به للسَّفْح بعد النَّجُودْ؟! ما كُنْتُ أسَتَأْهِلُ هذا الأسى=ما كُنْتُ أسْتَأهِلُ هذا الجُحُود! خَسِرْتَني .. قد كنْتَ تَعْلو الذُّرى=مِنَّي. وقد كنْتَ تُلاقي الخُلُودْ! راوَدَني الغِيدُ .. فلم أَنْجَذِبْ=لَهُنَّ.. لم أَحفَلْ بحور الجنانْ! كُنَّ على ما يَشْتِهيه الهوى=حُسْناً ودَلاَّ من حَصانٍ رَزَانْ! يَشْغَفْنَ بالشَّعْرِ. وبالمُعْتَلي=به إلى النَّجْمِ.. وَضِيءِ البَيانْ! وقُلْنَ لي .. دَعْ عَنْكَ تِلكَ الَّتي=تُشْقِي .. وأَنْتَ الحُرّ تأْبى الهَوانْ! لسَوْف تَطْوِينَ الحَشا دامياً=منِ بَعْد أَنْ بارَحْتُ ذاك الحِمى! فإِنَّني اليَومَ على صَبْوةٍ=تَحْمي. ولا تَسْفِكُ ِّمنِّي الدَّما..! حَوْلي من الخُرَّدِ ما أَزْدَهي..=به. وما يَرْوِي شدِيد الظَّما..! وهُنَّ يَطْوِين نَقِيَّ الهوى=فلا فؤاداً جائراً .. أَو فَما! الحُسْنُ لَوْلا الشَّهْرُ ما يَسْتَوي=إلاَّ قَليلاً من حَنايا الوَرى! الطُّهْرُ يُعْلِيهِ .. ويَهْوي الخَنى=به إلى الدَّرْكِ.. ويُغْوِي السُّرى! والخُلْدُ لِلشّعْر إذا ما سَما=وعافَ بالعِزَّ خَسِيسَ القِرى! عَلَيْهِ. أَنْ لا يَنْحَني صاغِرا=فالشاَّعِرُ. الشَّاعِرُ لن يَصْغَرا |
ليس لي أنْ أقولَ شعراً وهذي=نَفَثاتٌ تَفُوقُ.. شعراً ونثرا! ومن العَدْلِ أَنْ أُمَتَّعَ سمعْي=بالذي شاقَني فَجَلىَّ وأَغْرى! فأَمامَ المُبرِّزينَ أراني=عاجزاَ أَنْ أقولَ شَهراَ أَغَرَّا! ولقد حاول اليراعُ فأَعْياه=البليغُ الذي إذا قالَ سَرّاً..! ولقد حاول البيانُ فلاقى=بَعْد يُسْرٍ من المَلاحِمِ عُسْرا! يا حُماةَ البَيان.. ما أَكرَم المرْءَ=إذا ما أقامَ لِلْحقَّ جِسْرا! ولأَنْتُمْ بُناته فَذَروهُ=يَرْفَعُ الرَّأْسَ بالمآثِرِ تَتْرى! إنَّ مِنَّا الكثيرَ صَرْعى الأباطِيل=ومِنَّا الكثيرَ في القَيْدِ أَسْرى! فَعسانا بِما نَطِيِقُ من القَوْل=رشيداً نَشُدُّ للحَقَّ أَزرا! إنَّه الرِّبْحُ للحياة وإلاَّ=كان حَظُّ الحياةِ ذُلاً وخُسْرا! ما أراني بَيْن العَماليقِ إلاَّ..=قَزَماً .. ما يَطِيقُ نَفْعاً وضَرّاً! ولَوْ أنِّي اسْتطَعْتُ كنْتُ المُجَلي=في سباقي . والفارِسَ المُسْبَطرَّا! غَيْرَ أَّني كنْت المُصَليَ في السبق=وكان الرِّفاقُ بالسَّبْقِ أَحْرى! وحياةُ الورى حُظُوظٌ.. وحَسْبي=مِن حَياتي .. ما حَوَّلَ الشَّرَ خَيْرا! ما حياةُ الأَنام إلاَّ هباءٌ=إنْ تَكُنْ لا تُتِيحُ مَجْداً وفَخْرا! إنَّما تَشْرُفُ الشُّعُوبُ بما بانَ=مِن الذَّكْرِ حالِياً واسْتَسَرَّا! حدَّثَنْني نَفْسي بأنِّي غَرِيبٌ=ما ترى لي بَيْن الوَرى مُسْتَقَرَّا! قُلْتُ يا نفس. أَنْتِ تَدْرينَ=بالسَّرِّ.. وإنْ كنتِ لا تُقِيمين عُذْرا ! أَنْت من قَادني إلى العُزْلَة=المُرَّة.. حتى سَلكْتُ دَرْباً أَمَرَّا! لمْ تَقُودي سُراتي في لاحِبِ=الدَّرْب.. وما كُنْتِ في الدُّجُنَّةِ بَدْرا! لا تَلُومي مُرَزَّاً أَنتِ أَولى=مِنْه باللَّوْمِ. أَنتِ أَعظَمُ وِزْرا! ضِقْتُ ذَرْعاً بِما أُلاقِى. فَكُوني=من فَتاكِ الحَسِيرِ أَوْسَعَ صَدْرا! وذَرَفْنا دَمْعاَ سَخِيّاً.. فقد=كُنَّا سواءً بما اقْتَرَفْناهُ نُكْرا..! أَمْ تُرانا مَعاً نَعيشُ مع الغُرْبةِ=نَطْوِي الفَلا . ونَسْكُنُ قَفْرا؟! ارْتَضَيْنا به .. ويا رُبَّ راضٍ=عادَ بعد الرِّقَّ المُسَخَّر حُرَّا..! كم رُفاتٍ يَغْدو بهِ القَبْرُ صَرْحاً=وحياةٍ يَغْدو بها الصَّرحُ قَبْرا! فاعْذُرُوني إذا اقْتَضَبْتُ. فما=أَقْوى على أَن أكُون في الجَوَّ صَقْرا! كم تَمَنَّيْتُ أّنْ أكُونَ فَأَعْيَتْ=أُمْنياتِي . وكنْتُ في السَّفْرِ سَطْرا! قُلْتُ حَسْبِي أنِّي غَدَوْتُ من الطيْرِ=وأَنَّي وَجَدْتُ في الرَّوْض وَكْرا! فَجَناحي المَهِيضُ أضْعَفُ من أَنْ=.. يَسْتَوِي مِثْلَهُنَّ في الجَوَّ نَسْرا! عَرَفَتْ قيمتي حَناياي سِرّاً=ثُمَّ قالَتْ .. قُلها لِرَبْعِكَ جَهْرا |
الساعة الآن 02:59 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.