منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   الذكرى التي أبكته مفرحة جدا (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=26678)

عبد الله بوامهيم 06-20-2020 07:28 PM

الذكرى التي أبكته مفرحة جدا
 
الذكرى التي أبكته مفرحة جدا
في قرية من قرى الأطلس النائية، يعيش طفل يدعى أحمد، صحبة أسرته المعوزة تحت سقف بيت تكاد جدرانه تتساقط، إلا أنها لا تزال صامدة في وجه الزمن. كان للبيت بابان؛ باب يفتح على نور النهار، ويغلق في وجه سواد الليل كلما أتاه طارقا. وباب من الجهة المعاكسة يفتح كلما بسطت الطبيعة حقائبها الخضراء معلنة بداية فصل الربيع، ويسد في وجه لهب الصيف كلما أتاه متغزلا. في البيت كانت شجرة الليمون قد ورثها الأب عن الجد في صحن البيت الفسيح بعد أن قضى نحبه، وقد تناثرت أوراقها في كل أركانه، فرائحة عطرها الزكية تغازل الزوار على مسافة بعيدة.
في ذلك الرواق بالضبط كانت الجدة فاطمة كثيرة الجلوس على كرسيها الأبيض بجوار الباب تحصي الأيادي الطارقة، وعلى مقربة منها كان الجد يستقبل أشعة الشمس كل صباح بوجه بشوش وثغر مبتسم.
في سن الخامسة التحق أحمد بالمدرسة لسنتين تعلم خلالهما القراءة والكتابة، كان تلميذا طموحا مجدا مجتهدا شغوفا، لا يعرف للمخاطر عنوانا. كان يتسلق الجبال، ويعبر الوديان، أحيانا يذهب إلى المدرسة قبل انفلاق الصبح، وأخرى لا يعود إلا وقد أسدل الظلام ستائره على الأرض.
وبأمره من والده، انقطع أحمد عن الدراسة لسنتين كاملتين، لأسباب تعد أبرزها قساوة المناخ ووعورة التضاريس، حتى كاد صوت الفشل يتسلل إلى داخله، ظنا منه أن شمسه ستغرب عما قريب، فمستقبله في هذا البلد يعتمد على التعليم ، وسبيل النجاة من داء الجهل القاتل يوجد بين أروقة المدرسة، هكذا كان يتصور أحمد حياته.
في سن العاشرة من عمره لم يقف مكتوف الأيدي، فقطار الدراسة قد زادت سرعته، وأخذ يبتعد عن عينيه. لكن القدرة الإلهية أبت إلا أن تنقذه من وحل الجهل والأمية، فشاءت الأقدار أن ترمي به بعيدا إلى مدينة لم تخطر له على بال، فأبدله الله بيتا خيرا من بيته، وظروفا خيرا من ظروفه، لكن ربما لم يجد أهلا خيرا من أهله، وهذا طبيعي جدا. ولأن نكران الجميل من سمات الخائنين فإن أحمد يعترف بفضل خاله الذي استقبله في بيته وبين أولاده، ولا يمكن أن ينس كذلك فضل ابنة عمه زوجة خاله التي كانت بمنزلة أمه الثانية. هناك بدأ أحمد مشوراه الدراسي من الصفر. يقول في نفسه حتى وإن لم أنجح فيكفيني شرف المحاولة، لكن ما فعله أحمد كان أمرا عجيبا فقد أعاد البناء من الأساس فأرسى قواعده وتفنن في بناء جدرانه.
يتذكر أحمد أول يوم له يستعد فيه للعودة للمدرسة والدموع تفر من عينيه، يتذكر ذلك الصباح الباكر الذي استفاق فيه واتجه إلى النافذة ينظر إلى الخارج في لهفة وشوق؛ أرض منبسطة ما حلم بالسير عليها من قبل إلى المدرسة، حدائق غناء، وجو بهيج يحمل بين أحضانه نسمات حياة جديدة. هناك بدأ الغيب ينسج قصيدة عنوانها مجهول، ويتغنى بألحان جميلة لكنها تبعث في النفس مفاهيم الغربة، والحنين إلى حضن الأم الذي لا يعوض، رغم ذلك أحس يومها بالنشوة تغمر جسده، وبالفرحة تعانق روحه الطيبة. أحس وكأنه يولد من جديد، ولادة روحية طبعا. فيما يخلد الذكرى العاشرة من عمره في حقيقة الأمر، معادلة صعبة لا يجد لها حلا، وهل الجسد يولد قبل الروح أم أن روحه هي التي ولدت من جديد بعد أن أعدمها التهميش وخنقتها الطبيعة؟
الفتى أحمد في هذه اللحظة سعيد بحظه لكن أنغام الغربة وألحان الشوق تطارده، وتتجسس عليه، كلما جلس يناجي ذاته، ويحاور نفسه، تتزاحم المشاعر والعواطف والهواجس في رأسه فيقف مصدوما من غرابة الموقف، ويسائل نفسه أأبكي من فراق الحبيبة وقد جاز لي ذلك أم أسعد بعودتي للدراسة وهي المعشوقة التي لا توصف؟
لكن سرعان ما انسجم في حياته الجديدة وكما يقول هو: إن هوى الثانية خفف عنه مرارة فراق الأولى حتى كتب الله له أمرا كان مفعولا. أحمد الآن من المتفوقين دراسيا يحلم بمستقبل زاهر يضمد به جراحات الماضي وينسيه تعب السنين.

رشيد عانين 06-20-2020 10:50 PM

رد: الذكرى التي أبكته مفرحة جدا
 
أبارك لك أستاذ عبد الله بوامهيم مولودك الثاني الذي لا يختلف كثيرا عن الأول في لغته الشعرية الجميلة لك تحياتي ومودتي

محمد أبو الفضل سحبان 06-21-2020 01:34 AM

رد: الذكرى التي أبكته مفرحة جدا
 
الاستاذ القاص عبد الله بوامهيم
لا يمكن تخيل حياة بدون احلام رغم الصعاب والاكراهات .... الحلم يبعث الأمل...والتحدي يصنع المعجزات...لكن النجاح لا يأتي إلا بعد اجتياز الامتحان ....قصة جميلة لغتها عذبة .بطلها طفل صغير كان ما يزال بحاجة لحنان ورفقة امه ...لكن حلمه كان كبيرا . إصراره جعله يتحمل عناء السفر ومشقة الطريق ليصل بسرعة الى قلوبنا وبكبر في اعيننا نحن القراء المتواضعون لهذا الرجل المنتظر ..
شكرا اخي على هذا النص الذي كتب بحروف الفال والأمل....
...
بانتظار جديدك
تقبل حروف الود

عبد الله بوامهيم 06-21-2020 02:48 AM

رد: الذكرى التي أبكته مفرحة جدا
 
شكر موصول للأستاذ الكريم محمد أبو الفضل سحبان على التفاتتك الجميلة. لك مني أجمل التحية وأزكى السلام

خالد الزهراني 06-21-2020 03:08 AM

رد: الذكرى التي أبكته مفرحة جدا
 
الأخ الفاضل والأستاذ عبد الله بوامهيم أهلا وسهلا بك وبحرفك الجميل
قصة جميلة يقرأها أحدنا فكأنها تحكي حكايته وتذكره بسنوات دراسته
والنهاية جميلة وكان يمكن الاستمرار في القصة بعدها حتى نهاية أخرى
تقبل الاحترام والعرفان
خالد الزهراني

عبد الله بوامهيم 06-21-2020 01:46 PM

رد: الذكرى التي أبكته مفرحة جدا
 
أود ان أشكر الأستاذ والمشرف خالد الزهراني على مروره الطيب.نعم هي سنوات الدراسة التي تعود بنا إلى الطفولة وتحيي في نفوسنا الأمل لمواصلة المسير نحو الأفضل.
لك مني أجمل التحية وأزكى السلام

رشيد عانين 06-24-2020 05:30 PM

رد: الذكرى التي أبكته مفرحة جدا
 
عودة مرة أخرى إلى قصتك الجميلة أستاذ عبد الله بوامهيم أستشف منها معاني المكابدة والمجاهدة لبناء مستقبل الإنسان كيفما كان مجال الاشتغال
فالحياة لا تحب الدعة والكسل والخمول وأن تقعد وتتمنى على الله الأماني
فالسعي سنة كونية لا تحابي أحدا
أهنئك أستاذ عبد الله بوامهيم على هذا الإنتاج المحفز الذي يبعث فينا روح الجد والاجتهاد في سبيل إثبات وجودنا إلى آخر رمق

ياسين شريفي 06-25-2020 01:57 PM

رد: الذكرى التي أبكته مفرحة جدا
 
أستاذ عبد الله.أهنئك على محاولة أولى كانت ناجحة إلى حد كبير.كلمات مرهفة تتناغم و أحداث القصة في قالب شعري أخاذ لتنثر سحرها على كل من قرأها فيجد نفسه متعاطفا مع ذلك الطفل الصغير ثم ينقلب التعاطف فخرا في النهاية.تحياتي و مودتي

رشيد عانين 08-07-2020 01:15 AM

رد: الذكرى التي أبكته مفرحة جدا
 
قصتك أستاذ عبد الله رسالة تحفيزية لكل الخاملين القاعدين المتكاسلين المتخلفين عن درب الجد والاجتهاد
ننتظر إبداعك لك مودتي


الساعة الآن 06:58 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team