منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   ماذا حدث في القطار ؟ (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=12868)

ياسر علي 01-22-2014 08:05 PM

ماذا حدث في القطار ؟
 
رفعت الطبيبة عينيها متأملة زائرها ، شاب مليح في السابعة عشر من عمره ، تذكرت زوجها الذي فارق الحياة إثر حادثة سير ، كادت الدموع تسبق سؤالها للفتى الذي تمتم تحية على خجل ، فهمت من سؤاله أن أباه يعاني مرضا غريبا لم تنفع معه تلك العلاجات والأدوية التي يتعاطاها منذ سنة تقريبا ، لم تفوت الطبيبة الفرصة لافتعال تأثر مزيف ، وهي تعزي نفسها على فقدها لحبيبها . صورة الفتى سافرت بذاكرتها إلى ماض تعطر بهجة ، و توهج ألقا . قدم لها العنوان و هي تتصفح مذكرة مواعيدها . تسلم منها تاريخ الزيارة وابتسم في وجهها ابتسامة تكلف رسمها على ملامحه ، ابتسامة نقرت في قلب الطبيبة أوتار الذكريات .
كان المريض وحيدا في غرفته و الشعر الأشيب يغطي وجهه الشاحب ، يحدق في وجه زائرته بنظرات جريئة قاسية ، يقطب جبينه و يحملق مفترسا بعينيه الطبيبة و هي تلقي عليه التحية ، في محاولة للتخفيف من شدة هلعه . أمرت الطبيبة الخادمة بالانصراف و اتخذت لنفسها مقعدا بجوار السرير . ثم بدأت في محاولات تلطيف الأجواء و التقليص من غربة المريض ، لعله يستأنس بها و تنحل عقدة لسانه الممسك عن الكلام . كان يصيح في وجه معارفه كلما هم واحد منهم بزيارته ، يعامل الخادمة بلطف ، لا يحب ضجيج السيارات ، لا يستحمل طنين الذباب ، و يبكيه الظلام .
عندما وجهت له الطبيبة أول سؤال ، استوى في جلسته مخاطبا الطبيبة بسؤال مباشر : " من أحضرك إلى هنا ؟" حركت رأسها مخفية توجسها من حدة نبرته و سرعة استوائه : " لا يهم أنا هنا للمساعدة لا غير!" تفهم استغرابها فطمأنها : " أي نعم ، أنت هنا للمساعدة ، من قال أنني في حاجة للمساعدة ؟ أنا لست مجنونا و لا مريضا . لا تحاولي مراوغتي من أحضرك ؟ " قامت من مقعدها وهي تقول : " ابنك فهد لعله يتمنى أن يراك في حال جيدة ، و تشاركه أفراحه و أحزانه ، إنه لا يزال شابا و هو في حاجة إليك ." غضب غضبا شديدا و ضرب راحة يده بلكمة عنيفة و نطق : "إنه أصل البلاء كله ، ذلك الفتى ملعون ، إنه شيطان ، ليس ابني ولست أباه ، اسألي أمه ماذا حدث في القطار ؟ " . كان لذكر القطار وقع هائل على الطبيبة انخرطت في صمت عميق و هي تسترجع أياما خلت : " كان زوجها يطوف حول مشارعه المتناثرة على المدائن بالقطارات " تناست مريضها و تاه ذهنها في دوامة خطيرة " أيكون زوجها صاحب هذه الفعلة الشنيعة ، أيكون حبها أعماها عن تأخراته و تبريراته لغياباته المتكررة ، أيكون زوجها خسيسا إلى هذا الحد . " و لما زاد صمتها عن اللزوم و تغيرت ملامحها قال المريض : " أرأيت حجم الكارثة التي أعانيها ، كان ذلك في إجازة صيف قضيناها في مرح و سرور أنا و زوجتي ، كان طلبها أن نركب القطار ، و لأنني لا أستطيع أن أستغني عن السيارة ، فقد اقتنيت لهم التذاكر . عند وصولي إلى المحطة وجدت رجلا معهم ، كان أبنائي يتحدثون عن لطفه طوال العطلة ، نزغت الليلة التي قضاها مع زوجتي بذرة شك في كياني ، ما إن ولد الطفل بعد تسعة أشهر حتى تعاظمت شكوكي ، وعندما كبر الولد وظهرت فيه صفات أبيه ، كان الأمر قد افتضح و ما استطعت الصمود في وجه هذه المصيبة " امتصت شفتيها وهي تتألم ألما عميقا فقالت : "هل حدثت أحدا بهذا الأمر؟" : رد عليها بالنفي وعيناه تحملان الدموع فأردفت بصوت كله ثقة : " حسنا لي عندك طلب صغير ، هذه معركتي ، و لا تسألني بعدها عن شيء ، فقط أريدك أن تقص شعرك و تهتم بصحتك ، فقد عانيت بما يكفي ." رد عليها : " تعلمين أني لا أثق بأحد ، إن تأخر ما تنوين فعله أكثر ، فأنا سأرتكب جريمة شنيعة ." ابتسمت رغما على ما تحمله من غضب و هي تقول : " لا تفعل حتى أقر لك بعجزي . "
أخذت عينات من دم الفتى متذرعة بأنها ستجري بعض الاختبارات لصالح المريض ، وتحدثت مع الأسرة بأن يبتعدوا عن أبيهم قدر الإمكان حتى يتجاوز أزمته ، و أوصت الخادمة بأن يواظب على تناول الدواء كما وعدها . وشدت الرحال إلى بلد آخر في يدها عينات للمريض و الشاب و ملابس داخلية لزوجها المتوفي .
بعد عشرة أيام عادت مبتسمة البشرى في وجه مريضها : " أرأيت أن ما تعيشه مجرد أوهام ، فهذه نتائج الحمض النووي ، وهي تؤكد أن فهدا من صلبك ، كدت تصيبني بما أصابك فالرجل زوجي رحمة الله عليه . " اعتلته حمرة الخجل قائلا : " لم يحدث شيء في القطار إذن ؟" ضحكت الطبيبة قائلة ربما أن زوجتك أصابها الوحم في تلك الليلة ، و لا تنس فالمتشابهون كثيرون .

حسام الدين بهي الدين ريشو 01-22-2014 10:21 PM

قصتان في قصة
تمازج بين الاحداث
ينطلق من مقدرة خلاقة
تحياتي
اخي الفاضل / ياسر علي
وكن بألف خير

ياسر علي 01-27-2014 05:33 PM

الأستاذ حسام الدين بهي الدين ريشو

شكرا على هذا الحضور الكريم .

تقديري أيها المبدع .

ياسر علي 01-27-2014 05:33 PM

الأستاذ حسام الدين بهي الدين ريشو

شكرا على هذا الحضور الكريم .

تقديري أيها المبدع .


الساعة الآن 11:08 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team