منتديات منابر ثقافية - هكذا يموت الموت ........

منذ فترة توفيت طفلة قريبة لي

و أردت أن أصف لكم الحالة مع أبيها المفجوع

توقعت أن أراه منهاراً
مرمياً على ضفاف اليأس و الكآبة
و الدموع تملأ عينيه و المكان
أحبها كأحلام الزهور
و رسم لها ملامح النور
كانت وردته التي يسقيها حنانه كل دقة قلب
و يتأملها و هي تنمو و تتفتح كالياسمين
يرى فيها أملاً متوهجا
و بسمة انتظار
هي جوهرته و لؤلؤته
واحة سكينته
بحيرة طمأنينته
برد صيفه
و دفء شتائه
و ربيع خريفه
حكاية الصباح و المساء
أنشودة الفرح الشجية
و ترنيمة السماء

غاب وجه القمر في الليلة الرابعة عشرة
و ذبلت الزهرة و طواها الردى
تكسر العطر و اسودت المصابيح
و ذابت آخر شمعة للعيد
و تجمدت نسائم الفجر الوليد
و تقطرت دمعات الوريد
صرخت الرياح
و اغتال الألم شعاع الصباح
و عزف الحب لحن الوداع
ليستبيح البعد براءة الطهر
و يقتل الليل نشوة الفجر
كيف لإنسان أن يصير جبلاً
كيف يسير على جمر الضياع و يرتوي من كؤوس الموت
متى يموت الموت ؟
متى يفنى الفراق ؟

لم أستطع للحظة أن أتخيل ماذا كنت سأفعل لو كنت مكانه
دخلت بتلك الأفكار المتبعثرة و لملمت أوراقي
و استجمعت آخر قطرة صمت في سراديب روحي الباكية
عندما دخلت رأيت نسراً
متماسكا كالصخر في وجه السيول
استقبلني بابتسامة أبت البكاء
بشحوب واثق
و شموخ كبرياء
تجمدت في مكاني
اختنقت في صدري الكلمات و انتحبت
نظرت في عينيه فوجدت سيلاً من الدموع محتجزاً خلف جدران الصبر
شعرت بأنه يغرق طافياً
كان يتنفس من عينيه
يقاوم الغوص في ظلمات الأسى
كان الكل حوله يبكون بحرقة تدمي القلوب
لكنه بقي ثابتاً كي لا تنهار أمها
فقدره أن يكون جسراً يعبر عليه الجميع نحو بر الأمان

كي تستمر الحياة
كي لا تذبل كل الورود
قدره أن يبقى صلباً هكذا
كالصخر ... كالجلمود
كسنديانة تأبى السقوط
أوراقها لا تعرف إلا لونها الأخضر
ك
أحسست بأنه ينتظر فرصة يكون فيها وحيداً
كي يقذف ما في القلب من أوجاع
فسد الدموع على وشك الانهيار
و منسوب المياه يرتفع
و السيل قادم لا محالة
بعد أن يدفن الفرح
تاركاً في القلب غصة و جرحاً لن يندمل
و بقايا ذكريات
و طيف أمنيات
صورة هنا و ثوب أبيض هناك
و آثار خطوات
و أصوات ضحكات بريئة
و بكاء أطفال
و أمل باللقاء
في عالم آخر بلا أحزان
هكذا يموت الموت
و تستمر الحياة
و تستمر .... و تستمر .... و تستمر