منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   (كتابة) قصة قصيرة. بقلم محمد فتحي المقداد (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=30877)

محمد فتحي المقداد 07-18-2023 12:03 PM

(كتابة) قصة قصيرة. بقلم محمد فتحي المقداد
 
كتابة
قصة قصيرة
بقلم. محمد فتحي المقداد

جاءت نهاية الفصل ما قبل الخاتمة من روايته بعد عناءٍ شاقٍّ، وختم بعبارة فضفاضة وردت توًّا من لَاوَعْيه: "البطلة كانت عصبيّة المِزاج خلال تلك اللّحظة، حينما رشقَتْ ماء الكأس بعد أن رطّبتْ شفتيْها"، وقبل أن يُغلق الروائيّ دفتره شهَقَ بعُمقٍ، ويُظنُّ بابتلاعه كميّة من الهواء المليء بالميكروبات الدّقيقة يصاحبها الغُبار النّاعم، وراح يمسحُ وجهه كالمُعتاد، وحاول تجفيف قميصه المُبلّل بجزء كبير من صدره. وقف طويلًا أمام النّافذة قُبالة قُرص الشّمس عند الغُروب.
اِرْتسمَ وجه أمّه على قُرص الشَّمس بأكمله. رغبةٌ مُلحّةٌ بتقبيلها، هاجَت بداخله ثرثرة، كان بنفسه لو واتته فُرصةً، أو أحدٌ يسمعه؛ ليبثّها، ويُفرِغ صدره من ضيق يُعانيه باستمرار:
-"لقد كبُرتُ يا أمّي..، وتعبتُ". صوت صرير الباب المُتقطّع ببطء كلحنٍ جنائزيٍّ يُشيّع الشّمس إلى مأواها الأخير؛ قطع عليه مُناجاة أمّه، حرارة جسمه تدفّقت بفَجاجَة غير مُبرّرة، ولم يعُد يشعر برطوبة القميص.
في الدّقائق الحَرِجة تأتي المفاجآت، ربّما تنقلبُ الأمور رأسًا على عقب.
-"شيءٌ ما.. اِنْكسرَ هناكَ في المطبخ؛ أتوقّع أنّه لا يتعدّى فنجان قهوة، أو صحن الموالح، ليس غيرها.. تلك القطّة اللّعينة التي تعبث بالأغراض".
كان راغبًا بالتّحديق بوجه أمّه، المُطوّق بالهالة الذهبيّة المُشربّة بحُمرة الأصيل؛ لتُضيء عتمة دواخله المُنهكة، ولم يكُن راغبًا بترْك موقعه أمام النّافذة إلى حين تباشير قدوم النّجوم. راوده أملٌ بظهور القمر.
-"ليته يأتي بدرًا، ومعه وجه أمّي" قال لنفسه.
أرهقه التفكير بطريقة التعامل مع الزُّجاج المُكسَّر، التقط المكنسة بحذر شديد. عيناه تدوران بحركة لولبيّة مُتسارعة وعشوائيّة؛ لتحديد نقطة البدء؛ لجمع بقايا الكأس المُحطّمة الذي رَمَته البطلة. تساءلَ بدهشةٍ:
-"للآن لم أُدرِك سببَ قذفها للكأس؟. أوه.. يا إلهي!! وجدُّتُها.. سأختِمُ بها".
بعد أن سحب نفسًا عميقًا، انفرجت أساريره مُستبشرًا، أغلق دفتره، ورجع للنّافذة راجيًا تحقيق أمنيته. شكل غريب اِسْتوطن جانبًا من وجه القمر ذي ملامح بشريّة، بعد تأمُّلٍ لدقائق، ثبت لديْه: على أنّه شكل رجل ذي عمامة. خَطَرت له صورة الرجل "السّيخيّ" ولحيته الكثيفة، سائق حافلة الشّركة التي كان يعمل بها في الخليج قبل ربع قرن بعمامته البُرتقاليّة المُنضدّة بإتقانٍ عجيبٍ؛ ثمّ استحضرته خاطرة عادت بها ذاكرة (الفيس بوك) قبل يوميْن:
"إبليسُ دخَلَ عِمامَةً، من فوره خرَجَ مذعورًا، ذُهولٌ ظاهر على ملامحه.
- سُئل: «ولماذا لم تستقرّ فيها؟».
- : «لم أحتمل ما يجري بداخلها».
إبليس والمساء يتصارعان، كلاهما ينتظر الظّلام، للاستيلاء على ذهن الكاتب وسحبه إلى ساحته، قبل عودته لدفتره لتدوين ما استجدّ له، وأغلق النّافذة مُسدلًا السّتارة، لرغبته بالعودة للاستلقاء على سريره بملابس العمل. أعضاء جسمه المُنهكة أفسدت حاجته الضروريّة؛ لتناول وجبة المساء المُعتادة، وتأجيلها لوقتٍ آخر.

عمّان. الأردن
ــا17/ 7/ 2023

أحمد فؤاد صوفي 07-20-2023 02:31 PM

رد: (كتابة) قصة قصيرة. بقلم محمد فتحي المقداد
 

قصة قصيرة جميلة بحق ..
السرد موفق جداً .. الأحداث تتوالى .. والمشهد واضح للقارىء ..
أعجبتني وقفتان:
الأولى .. عودة الكاتب إلى وجه أمه كلما هاج الحنين والفقد لشيء ما.
والأخرى .. كيف أن الشيطان لم يحتمل بقاءه في العمامة .. فهي صورة جديدة ومؤثرة.

بورك المداد ..
تحياتي.

ملاحظة: وددت شيئين : *أن يكون العنوان أقوى و*أن تكون القفلة أكثر لصوقاً بالعنوان.

محمد فتحي المقداد 07-21-2023 03:41 PM

رد: (كتابة) قصة قصيرة. بقلم محمد فتحي المقداد
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد فؤاد صوفي (المشاركة 356647)

قصة قصيرة جميلة بحق ..
السرد موفق جداً .. الأحداث تتوالى .. والمشهد واضح للقارىء ..
أعجبتني وقفتان:
الأولى .. عودة الكاتب إلى وجه أمه كلما هاج الحنين والفقد لشيء ما.
والأخرى .. كيف أن الشيطان لم يحتمل بقاءه في العمامة .. فهي صورة جديدة ومؤثرة.

بورك المداد ..
تحياتي.

ملاحظة: وددت شيئين : *أن يكون العنوان أقوى و*أن تكون القفلة أكثر لصوقاً بالعنوان.


اسعد الله أوقاتك بكل خير استاذ احمد
كل الشكر والتقدير لك.. وملاحظتك محط اهتمامي
سأحاول العمل بها.. دمت متألقا دائما وابدا


الساعة الآن 12:05 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team