منتديات منابر ثقافية - مواهب أبي العلا

رؤية الخبز المشروح(خبز الطابون) وهو يخرج من الفرن برائحته الزكية والبخار الذي يتصاعد منه شجعني وفتح نفسي على الطعام .فعزمت على إعداد وجبة شهية أعتدت أن أعدها عندما أكون في مزاج جيد . ما أن تناولت الأرغفة من الفران حتى سارعت نحو الشقة بكل عزم ولهفة على البدء في عملية الطبخ ... على سلم العمارة لمحت أبا العلا مقبلا نحوي يحمل آلة العود الموسيقية .. منظر أرهبني وسد شهيتي . رجوت الله ان يكون في طريقه لمكان معين بعيدا عني . ولكن رجائي خاب وأملي تبدد عندما قال :
يا سلام على رائحة الخبز ..هل تعرف يا أبا موسى بأن سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام كان ينتظر قدوم الضيف ليأكل معه ...
آه !! كيف يمكنني التخلص منه ؟ هل من طريقة ؟ سأقدم له لبنا وبيضا وسأفتح علبة سردين عله يرى هذا الخليط فيحجم عن الطعام .
أما أنا فسآكل من البيض فقط .. المهم .. تبعني إلى الشقة ولما سألته عن سبب حمله لآلة العود قال :
أنت لا تعرفني جيدا يا أبا موسى والمثل يقول (اللي ما بعرف الصقر بشويه ) . وضعت الأطباق الثلاثة فمسحها مسحا ونسف ما بقي من الخبز قبل انهي ربع الرغيف الذي أمنته بين ذراعي اللتين فشلتا في الحفاظ عليه أمام شراهة أبي العلا , وبدون أن يبدي تحفظا على نوعية الأطباق المقدمة . الآن بعد أن ملأت بطنك من غذاء الجسد دعني أشبعك من غذاء الروح : قال وهو يتأبط عوده وصدق من قال (تأبط شرا) .
أبو العلا : اسمع يا أبا موسى .. الفن بدا بشكل خاطئ ولذلك انتهى بنفس الشكل .. نعم ..نعم ..المطربون الأوائل فشلوا في إرساء قواعد الفن لذلك انتهى الأمر بالفن إلى نهايته الهابطة التي تراها ..مثلا اسمع السيدة أم كلثوم في أحدى أغنياتها التي تفتقر إلى أقل عناصر الفن ...
( الهوى الظمآن ..ظمآن ..ظمآن.. ) قالها بصوت أجش وهو يعبث بأوتار العود .
مهلا يا أبا العلا هي (الهوى العطشان ..) قاطعته ليتوقف قليلا عن إصدار الضجيج ..
رد على بتوتر : يا أبا موسى دعك من القشور وتمسك بالألباب ..نحن لسنا في درس لغة عربية ومعاني مفردات .. هذا فن يا أخي .. هذا فن .. في محاولة للوصول إلى نهاية للموقف قلت له ..طيب يا سيدي أسمعني ما جادت به قريحتك الفنية مما فشل الأوائل والأواخر من المطربين في إبداعه ..
تأبط شره مرة أخرى وبدأ ينعق :
يم المر يول النيلي .. خليتي ليلي نيلي
يم المر يول الكحلي خليتي نهاري كحلي
يم القمطة الحمرة حطيتي في قلبي جمرة
آه ..(هذا كثير ) قلت في عقلي (والله لئن تركته يكمل ما بدأ ليقضين علي الليلة ولينتهين بي الأمر إما في مستشفى المجانين أوفي قسم مرضى القلب والجلطات ..
قرع باب المنزل بشدة فذهبت على عجل لكي افتح الباب و إذا به صديقنا جار القمر ..
خيرا ..خيرا من توفى؟ لماذا هذا النواح وهذا اللطم ..قال جار القمر .
أنجدني يا جار القمر هذا صاحبنا أبي العلا خلصني منه أجارك الله .
جلس جار القمر مشدوها بآخر صيحات أبي العلا ثم قال يا سلام ..يا سلام لا..لا .. ! .. أنت فعلا محترف ومثلك يجب أن يصل صوته للناس ..
أبا العلا ... هذا ليس مكانك .. صدقني أنك لا تنتمي لهذا العالم الهابط ... مكانك في العلا ألم تسمع القول (لكل من اسمه نصيب).؟
يا سلام عليك يا جار القمر .... أنت من يفهمني وينك يا أبا محمد تسمع الناس الذين يعرفون معنى الفن . قال أبو العلا بحرقة .
ماذا يدور في خلد جار القمر ؟ ...قلت في نفسي
اسمع يا أبا العلا غدا سيقام فرح جماعي وستكون لمه كبيرة .. فرصتك يا أبا العلا أقحم نفسك بعد أول أو ثاني وصلة للفرقة الموسيقية أو قم بالخفاء بالاتفاق مع صاحب الفرقة ليعطيك فرصة عرض موهبتك ..عفوا اقصد احترافك ...حتى لو اضطررت لدفع مبلغ من المال له .. فهذه فرصتك ليسمعك الجمهور .. ألا توافقني الرأي يا أبا موسى ؟؟ قال جار القمر ...
ماذا ؟؟ من ؟؟؟ كيف ..قلت وأنا اصب الشاي ..متلعثما ومصدوما من كلام جار القمر ...
استطرد جار القمر : اذهب الآن يا رجل لا تضيع الوقت ..إلى البيت مباشرة واطلب من أم العيال آن تعمل لك بضعة كؤوس من الزنجبيل وألف الألحان والكلمات استعدادا للغد فأمامك عمل شاق وطويل أسرع قال جار القمر وهو يشد أبا العلا من يده ساحبا إياه خارج الشقة ..
إنطلق أبو العلا على عجل ودون تفكير ...
يا رجل ماذا فعلت ؟؟ سألت جار القمر مستهجنا ...
أسمع يا أبا موسى هذا الرجل كان سينغص علينا وعلى أهل البناية جميعا ليلتنا بسفاهته و حمقه .. ولولا أنني اعرفه جيدا للمتك في استقباله في بيتك ولكنني اعرف هذا الطفيلي جيدا واعرف نفسك الطيبة التي تدفع الآخرين إلى استغلالك .. وأنصحك بتغيير معاملتك للناس وأنت في النهاية سيد نفسك وما علينا إلا النصح ....الم تسمعه يقول (وينك يا أبا محمد ) لا بد أن هذا الأخير كسر العود على رأسه وطرده شر طردة فلم يجد غيرك يرمي عليه سفاهته وحمقه .
ولكن ماذا سيحدث لأبي العلا ؟؟ سألت بإشفاق ..
لا عليك سيلهيه هذا عنا لأسبوعين أو أكثر اذا كانت علقته من العيار الوسط وإن شاء الله تكون من العيار الثقيل فتطول المدة ..
غادرني وهو يضحك ويقول
( لا تنس أن تحسب حسابه بهدية تعوده بها في المستشفى هههه)