ذكْرياتُ أكادُ منها أّذوبُ=وهي في القَلبِ غِبْطةُ ونُدوبُ! كيف لي بانتزاعها من حَنايايَ=وفيها حَدائقٌ وسُهوبُ؟! منذ أَنْ كنْتُ يافِعاً .. وأنا=الصَّبُّ.. شُروقٌ في المُشْتهى. وغُروبُ! ما أرى في الحياةِ طَعْماً إذا لم=يَكُ فيها مَفاتِنٌ وطُيوبُ! كلُّ حَسْنَاءَ تَسْتَثيرُ وتُشْجي.ز=فَتْرَةً .. ثم أَجْتَوِي وأتُوبُ! ثم أَصْبُو إلى سواها. فَما انفْكَّ=فؤادي تَجْني عَلَيْه الثُّقوب! ورأني الحِسانُ أَصْبُو وأَسلُو=فَتَاَلَّبْنَ. وابتلتْني الخُطوبُ! فَنَزَتْ مِنَّيَ الجِراحُ فَزَغْ=رَدْنَ فهذا المُتَيَّمُ المنْخوب! وتَجَلَّدْتُ فارْعَوَيْنَ .. فقد كانت=لُحوني تَهْتَزُّ مِنْها القُلوبُ! وتُذِيعُ الجمالَ حِيناً.. وتَطْوِيِهِ=فَتُشْقِيه صُفَرَةٌ وشٌحوبُ! ولقد تُصْبِحُ العُيوبُ خِلالاً=من قَوافِيه.. والخِلالُ عُيُوبُ! رُبَّما راقني وراع الذي كانَ=فإِنَّي أنا الجَرِيحُ الطَّروبُ! ولقد أَسْتَوي بِلَيْلٍ بَهيمٍ..=فيه لي راحةٌ .. وفيه لُغُوبُ! بَيْنَ وَصْلٍ يَسْخُو به عَلَيَّ غَزالٌ=وصُدُودٍ يَقْسو به يَعْسُوبُ! وتحَولَّتْ من شَبابي إلى الشَّيْبِ=وفي القَلْبِ جَنَّةٌ وسَعِيرُ! قُلْتُ عَلَّ المشِيبَ يُطفِىءُ مِنَّي=لَهَباً .. فهو راشِدٌ وقَرِيرُ! فلقد كنْتُ في الشَّبابِ. وحَوْلي=كُلُّها طَلِيقٌ.. أَسِيرُ! راكِضٌ للْهوى .. سَريعٌ إلى اللَّهْوِ=خَبِيرٌ به .. عَلَيه قَديرُ! ومَضى الدَّهْرُ راكِضاً .. فإذا=الشَّيْبُ عَلَيهم بما أساؤوا.. نَذيرُ ولقد يُصْبحُ النَّذِيرُ بَشِيراً إنْ=أفاؤوا .. واهْتَزَّ منهم ضَمِيرُ! أَو هُو الَخَسْفُ والعذابُ..=فلن يَحْنُو عليهم . ولن يَجُودَ مَصِيرُ! وتَلَفَّتُّ لِلرِّفاقِ.. فما بانَ=صغيرٌ بِجانِبي .. أَوْ كَبيرُ..! أَيْنَهُم .. أَيْنَهًم.. ؟!فلم يَبقَ في=الدَّرْبِ سوائِي. والطَّرْفُ مِني حَسِيرُ! فَارَقُوني . والدَّرْبِ مِنَّي ظلامٌ=وجَفَوْنِي. والدَّرْبُ منهم مُنِيرُ صاحَ فِيهِم من الرَّشادِ نَفيرٌ=فاستجابُوا له . فَنِعْمَ النَّفِيرُ يا رفاقي .. ألَيْسَ فيكم حَفيٌّ.ز=بالمُعَنَّى ..أَلَيْس مِنكم مُجِيرُ؟ إنَّ طَوْق النَّجاةِ فيكم فَهاتُوهُ=فإني هنا القَعِيدُ.. الضَّرِيرُ واذْكروا الأَمسَ حينَ كُنَّا سَويّاً=في غُرُور. وفي ضَلالٍ مُبينِ! فَسَعِدْتُم.. وما أَزالُ شَقِيّاً=أشْتهِي مِثْلكُمْ وُرُودَ المَعِينِ! إنَّنا إخْوَةٌ.. فإنْ أَظْلَمَ الأَمْسُ=وأَضْنى بِمثَلِ قطْع الوَتِينِ! فَتَحَرَّرْتُ من قُيُودي .. ومن سِجْني=وما عُدْتُ بالرَّسيفِ السَّجِينِ! وكأَنَّي خَرَجْتُ من رحِمِ الغيْبِ=إلى النَّاسِ طاهِرا كالجَنِينِ! وتَخَيَّلْتُ أَنَّني في عَماءٍ..=حالِكٍ .. حالِكٍ بِغَيَّ سِنيني! فَذَرَفتُ الدَّمع السَّجِينَ=فناجاني هَتُوفٌ أَصْغى لِطُولِ أنِيني! قال . لا تَبْتِئِسْ .فقد يَرْحَمُ=الله غَريقاَ فَيَهْتَدي للِسَّفِيِنِ! كم تبعت الشَّيطانَ حتى تَمَزَّقْتَ=وما كان لِلورى من خَدِين! ولقد كِدْتَ أَنْ تكونَ جُذَاذاً=من شَباهُ. فيا له مِن لَعِين! فَحماك الرَّبُّ الكريمُ فحاذِرْ=بَعْدَها أنْ تكُونَ بالمُسْتَهِينِ! سرْ مَعَ الرَّكبِ.. إنَّهم في اشْتِياقٍ=لك . ما أَنْتَ بَعْدها بالغَبِينِ! فَقَد أعييْتُ .. ثم أَهَوَيْتُ لِلأرْضِ=سُجُوداً يَشْدو بِرَبّي المُعِين..! رُبَّما كانَت الضَّلاَلَةُ لِلمَرْءِ=صِراطاً إلى الهُدى مُسْتقِيما! والشَّقاءُ المَرِيرُ يَغَدو على الـ=مَرْءِ اغْتِباطاً. وجَنَّةً ونَعيما |
لا تَلومي على هوايَ. فقد كنتُ=طَهُوراً. وأنْتِ مِثْلي طَهورُ ولقد لُمْتُهُ فَعاصى ولم يُضْعِ=إلى اللَّوم .وازْدهاهُ الغُرورُ! فَدعِيه يَحُمْ حَواليْكِ يا بَدْرُ=وهيهَاتَ أَن تنُيلَ البُدورُ! قُلتُ يا قَلْب ما أراكَ بصاحٍ=فاسْتَفِقْ فاللَّسانُ عنها حَصُورٌ! فهي حُورِيةٌ إذا ملا تَبَدَّتْ=بانَ منها نُورٌ وفاحتَ عُطورٌ! أَتُرَاها من عالَمِ الخُلْدِ جاءَتْنا=فَتَشْفِي قُلوَبنا .. وتَحُورُ؟! كلُّ ما نَجْتِلَيهِ منها من الحُسْنِ=أساطِيرُ تَسْتَبى وتُثِيرُ! فتْنَةٌ صاغها الله لِلْعَيْنِ.=ولِلْقَلْبِ. أَيْنَ مِنها النَّظِيرُ! ظَلَّ منها فِكْري الشَّغوفُ=يُناجِيها بإلهامِها. وظَلَّ الشُّعُورُ! يالَ هذا الإِلْهام ظَلَّ فُتُوحاَ=لِلْقوافي كأنَّهُنَّ طُيورُ! سابِحاتٍ في الجَوَّ تَشْدو بألْحانٍ=عذاب تَذُوبُ منها الصُّدورُ! فهي حِيناً بَلابِلٌ شَجْوٍ=عَبْقَرِيَّ الصَّدى . وحِيناً صُقُورُ! هذِهِ. هذِهِ التي تَصْقُلُ الرُّوحَ=فَيَعْلو مُحَلّقاً لا يَغُورُ! نَفَثَتْ فِيَّ ما أَصُوغُ من الشَّعرِ=لُباباً.. تَنُوحُ منه القُشُورُ! فَسُطورٌ منه تُعادِلُ أسفاراً=ثِقالاً.. وتَقْتفَيها سُطُورُ! وإذا الحُسْنِ كانَ فِينا كهذا=كان شِمْساً تُنِيلُنا وتُنِيرُ! راعَني ما أَراه منها وأَعلانِي=مَقاماً. فكِدت منه أَطِيرُ! يا جَمالاً لدى الغَواني رَخيصاً=غاصَ في الدَّرْكِ فهو عانٍ حَسِيرُ! فالغَواني يَنْفُرْنَ حِيناً. وإنْ=كانَ كِذاباً صُدودُهُن الغَرُورُ! إنَّما يَصْدُقُ النُّفُورُ مِن الحُسْنِ=أَبِيّا .. يَزْدانُ مِنه النُّفُورُ! والعَفَافُ، العَفافُ يُغْلِيكَ لو=كنْتَ حَصِيفاَ لا يَزْدهِيكَ السُّفُوْرُ! والفَتُنُ المُثِير لَيْس ثُغُوراً=حالياتِ تَهوِىْ عليها الثُّغورُ! أوْ قُدُوداً كُلَّ هذا. فما أَجْدَرَ=هذا أَنْ تَحْتَويِه الخدُورُ! ما عدا أنْ يَكُن بَرْزاً إذا كانَ=طَهُوراً يزْدانُ منه الحُضُورُ! مِثْلَ ما كُنَّ سيَّداتٌ جَليلاتٌ=بِماضِ تَعْتَزُّ منه الذُّكورُ! كُنَّ نوراً يهدي. وعلماً يجلي=في ذُرَىً لم يَصِلْ مَداها النُّسورُ! لم يَزَلْ ذِكْرُهُّنَّ فَخراً.. وما=أَخْلَدَ ذِكْراً يطيب منه الفَخُورُ! يا فَتاتي .. يا رَبَّةَ الحُسْنِ والطُّهْرِ=عَداكِ الجَوى. عَداكٍ الثَّبُورُ! أنا في الرَّوضِ . والغَيارى من=الرَّوضِ كِثارٌ .. جَنادِلٌ وصُخُورُ! وبِعالي الصُّروح تَشْمَخُ بالعِزَّ=وتؤْوى المُشَعْوذينَ الجُحُورُ! ما اعْتراني الفُتُورُ يَوماً عن=الشَّعرِ بِوَحْى ما يَعْتَرِيهِ الفُتُورُ! كيف أَجزِيك؟! كيف أَطرِيِكِ يا=هذي.. عَساهُ يُطيعُني المَقدُورُ! ما أَراني بالخُلْدِ هذا جَدِيراً=إنْ عَصاني فَنال مِنَّي القُصُورُ! ليس إلاَّ الكَفُورُ من يَجْحَدُ=الفَضْلَ لِراعِيهِ. لَيْسَ إلاَّ الكَفُورُ! إنَّني الضَّارعُ الحَفِيُّ. ومَغْناكِ=وما فيه .. نِعْمَتي والحُبُورُ! طابَ يَوْمي وطاب أَمْسي بما نِلْتُ=وطابَتْ مَعابِري والجُسُورُ! فاذْكُريني فإنَّ ذِكْراكِ قُوتٌ=يَتَغَذَّى مِنْه الحِجا والضَّميرُ |
وأَصْغَيْتُ لِلَّريح المَدَ مْدِم في الدُّجى=وقد نامَت الدَّنيا سوى مَعْشَرٍ مِثْلي فأسْمَعَني هَمْساً يكادُ رَسِيسُهُ=يَكُونُ سكُوناً لا يُبِينُ ولا يُمْلى! ولكنَّه يَخْتارُ من صَفْوَةِ الوَرى=قليلاً .. قليلاً من أُولي الحَمْدِ والفَضْلِ! ويُفْضي بِسرِّ من أُلُوفٍ تَحَجَّبَتْ=عن الخَلْق ما بَيْن الغياهِبِ تَسْتَعْلي! وقد رِاعَني السَّرُّ الذي خِلْتُ أَنَّني=تكشَّفْتهُ بالرَّغْم من شِدَّةِ الجَهْلِ! وأَنْذَرني أَنْ لا أَبُوحَ بِبَعْضِهِ=وإلاَّ دَهاني بالعمى . ودَها أَهْلي! فما يَصْطَفي الغَيْبُ المُنِيفُ لِسرِّه=سوى كلَّ ذي قَلْبٍ سليم. وذي عَقْلِ! وهل أنا هذا؟! إنَّني كنْتُ حائِراً=أَأَنَّي على طَوْدٍ.. أَو أنِّي على سهلِ؟! أَأَنَّي طَوْدٌ شامِخٌ في فَدافِدٍ=وإلاَّ حَضِيضُ يَسْتَقرُّ به رَحْلي؟! فأيْقَنْتُ أنَّ سادِرٌ في عمايَةٍ..=وأنِّي من الأّهْواءِ أَرْسُفُ في غُلَّ؟! وأَّنيَ لو طَهَّرْتُ رُوحي مِن القذى=لأخْرَجْتُها للْجِدَّ من جَنَفِ الهزْلِ! فحاوَلْتُ ما أَدْري أَأَسْتَنْفِرُ الهُدى=فأَفْلِحُ؟! أم أهْوِي إلى دَرَكِ الوَحْلِ!؟ وأصْغَيْتُ لِلصَّوْتِ المُدَمْدِم ثانِياً=لَعَلَّي أرى المُشْتارَ من عَسَلِ النَّحْلِ! فأَلْفَيْتُ أَّني تارةً فَوقَ قِمَّةٍ=وأخْرى بوادٍ مُجْدِبٍ. مُخْصِبِ الرَّمْلَ! وأَوْمضَ نُورٌ من دُجُنَّةِ مُقْلَي=إلى الطُّهِرِ يَدْعُو هامِساً . وإلى الغُسْلْ! فما يرْتَضي للنَّجْم قَلْبٌ مُدَنَّسٌ=وفِكْرٌ قَميءٌ يَخْلِطُ العِلْمَ بالجَهْلِ! تَراوحَ قَلْبي بَيْن خَوْفٍ وغِبْطَةٍ=وفاءَ إلى النُّورِ المُرَفْرِفِ من حَوْلي! عسانِي أرى فِكْري وحِسَّي كِلْيهما=قَريَبيْنِ من فَرْضٍ وضِيءٍ ومن نَفْلِ! فقد عِشْتُ في الحَضِيضِ مُضَلَّلاً=فَخِفْتُ العَمى يُشْقِي وَيُنْقِضُ من غَزْلي! وقد كنْتُ أعدو راكضاً ثم راعني=من الشيب ضَعْفٌ سِرتُ فيه على مَهْلِ! ونادَيْتُ رَبَّي في الدُّجى يُوسِعُ الخُطا=إلَيَّ. فمالي من أَبي العُذْرَ أَوْ نَجْلي! كَلا اثْنَيْهِما يُؤْذِيه دَركي فَيَنْثَنِي=عَليَّ بِحُبٍّ ضارعٍ شِيبَ بالعَذْلِ! يقولان لي أخطأت. ياليت أنَّني=سَمٍعْتُ لما قالاهُ فانعَطَفَتْ رِجْلي! تمَنَّيْتُ أَنَّي ما خُلِقْتُ فَرَدَّني=إلى أَمَلي في الله .. ما رَدَّ مَن قَبْلي..! نَدائي له سُبْحانَه رَغْم شِقْوتي=حَماني من السَّجن الرَّهِيبِ. ومِن غُلَّي! وها أنا لا أَرْجُو بدُنْيايَ غَيْرَ ما=يُكَرِّمني من قَوْلِ خَيْرٍ. ومن فِعْلِ! إذا سِرْتُ في أَرْضِ القداساتِ طَهَّرَتْ=يدِي جَسَدي حتى تُطَهَّرَ من نَعْلي! زَهِدْتُ فما أَبْغِي الحُطامَ ولا العُلا=ولا المَنْصِبَ السامي يقود إلى العَزلِ! وسِرْتُ بِدَرْبٍ لا حِب ما يُخِيفُني=به أَسَدٌ ضارٍ يَتُوقُ إلى القَتْلِ! ولا الدَّجْنُ أخْشى أَنْ أَضِلَّ بِليْلِهِ=سبيلي . وأخشى أن يجِفَّ به نَخْلي! تَمَجَّدْتَ رَبَّي كم أَنَلْتَ من النَّدى=بسُؤْلٍ مُلِحَّ ضارع . أَوْ بِلا سُؤْلِ! فأنْتِ هو السٍّرَّاءُ والجُودُ والغِنى=لمنا . رَغْم أنَّا دارِجون على البُخْلِ! فما البَذْلُ إلاّ مِنْكَ يَشْفي جِراحَنا=وإلاَّ فما يَشْفي سِواهُ من البَذلِ! أنِلْني الرِّضا. إنَّي إليه لَتائِقُ=وقد عشت أَشقى بالفِعالِ وبالقَوْلِ! سألْقاكِ في الأُخْرى فَأَسْجُدُ ضارعاً=إلَيْكَ . فَهِبْنِيهِ لأَنْجُو مِن العَدْلِ |
كم تعذَّبْتُ في الحياةِ .. وكم=صِرْتُ رسيفاً ما بين شتَّى القُيودِ وتعَذَّبْتُ بالرَّفاء. وبالشَّدَةِ=فالوصْلُ كان مِثْلَ الصُّدودِ! يالَ هذي النَّفْسِ العجيبةِ=مما كانتْ سوى شَوْكةٍ بِدُنيا الوُرُودِ! يَجْتَوِيها المُرفَّهون بلا ذَنْبٍ=كَخَصْمٍ من الأُباة لدُودِ الورى كلُّهمْ سوى النَّزْرِ لاقوا=مثلها في قيودهم والسُّدودِ رَبَطَتْنيِ بهم أواصِرُ شَتَّى=من شقاء مُسَلَّطِ.. وكُنُودِ عَرَفوا أنَّهم. وإنْ بَذلوا الجُهْدَ=وما بعد جُهْدِهم من جُهودِ! فَسَيَلْقَوْنَ من نَكيرٍ . ومن=سُخْطٍ عليهم مُدَلَّلٍ الجُحودِ! فاستكانوا كما اسْتكنْتُ إلى=العُزْلةِ . خوفاً من اعْتِسافِ الحَقُودِ! وتطلَّعتُ للسَّماء. وقد ضاقت=بيَ الأرض مثل ضيق اللَّحودِ! واسْتضاقَ المدىَ الرَّحِيبُ=فأَحْسَسْتُ كأّني مُسَمَّرٌ الحُدُودِ! في الدُّجى الحالِكِ الرَّهيبِ=تَنَوَّرْتُ شُعاعاً لِطَرْفِيَ المكْدُودِ! فرأَيْتُ الُّعُودَ بعد نُحوسٍ=عايَشَتْني دَهراَ وأَصْلَتْ جُلُودي! صِحْتُ في نشوة تباركت ربي=حين أكرمتني بهذا الصُّعودِ! حين أكْرَمَتْني وقد عِشْتُ أَهْوِي=لِحضيضٍ داج بهذا السُّعودِ! وتَبَدَّي رهْط قَليلٌ من الخَلْقِ=وما كان بَيْنَهم من حَسُودِ! فَكأَنَّي بهم شُهُودٌ.. وما=أَسْعَدَ نَفْسي بهؤُلاءِ الشُهود! شِمْتُ منهم نَدى الوِدادِ فأشجاني=فما شِمْتُ قَبْلَهم من وَدُودٍ! ما أحَيْلى الوُجُودَ في هذه الدُّنْيا=إذا كان مِثْلَ هذا الوُجودِ! وكأَنَّي وُلِدتُ أُخرى بُدُنْيا=غَيْر تشلكَ الدنيا. وذاكَ الكُنُودِ! صِرْتُ في الذُّرْوَةِ العَليَّةِ=من بَعْد مُقامي بِظُلْمَةِ الأُخدُودِ! يا رِفاقي . ما أَكْرَمَ العَيْشَ=إنْ كان طَمُوحاً يَرْنُو لِمَجْدِ الخُلُودِ! والكِفاحُ المَرِيرُ أَجْدَرُ بالمَرءِ=وأَولى من الوَنى والرُّقُودِ! واللُّغوبُ المُضني أجَلُّ من الراحةِ=عُقْبى تَحُطُّ فوق النُّجودِ ردَّني الغابرُ السَّحيقُ إلى الرُّشْدِ=فَلَم أَخْشىَ من دَوَّي الرُّعُودِ! فَسَلَكْتُ المُخِيفِ منها. وما خَفْتُ=فَلَيْس المَسِيرُ مَثلَ القُعُودِ! ولقد تُثْقِلُ الحُظُوظُ الموازينَ=فَيَغْدُو المُحِسُّ كالجُلْمودِ! كم قرودٍ ساءَتْ أُسُوداَ فعَزَّتْ=وغَدَتْ سادَةً لِشُمَّ الأُسودِ! إيهِ يا فِتْنَتي . ويا رَبَّةَ الطُّهرِ=أَطِلَّي بكل مَعْنًى شَرُودِ! أَلْهِميني بما يَرُوعُ من الشَّعْرِ=لأِشْدُو بِفاتِناتِ القُدُودِ! بِعُيُونٍ تذيبنا .. وثُغُورٍ=وخُصُورٍ ضَوامِرِ ونُهُودِ..! أنا أَهْوى الأُمْلُودَ منها. فمَرْحى=بِعُيونٍ تهِيمُ بالأُمْلُودِ! ولأَنْتِ السَّنامُ منها.. وما=تَمَّ سنامٌ سِواكِ بالمَشْهُودِ! إِكْتَسي بالُبرُودِ. أو فاخْلَعيها=باحْتِشامٍ. فَأنْتِ مَجْدُ البُرُودِ! أًَنْتِ . يا أًَنْتِ من أَجِلُّ وأَهْوى=وسواءٌ أَنْ تَبْخَلي أَو تَجُودي |
ماذا حلا لكِ بَعدي=بعد القِلا والتَّصدِّي؟! أمَّا أنا فِحَلاِ لي=أَنِّي حَظِيتُ بِجُنْدِ! من المِلاحِ شَذِيٌّ=أَعِيشُ منه بِرَغْدِ! وحيدةٌ أنْتِ.. شِلْوٌ=من بعد عِزَّ ومَجْدِ! لا يَشْتَهِيها فَيَصْبو=إلى القَذى غَيْرُ وَغْدِ قد كنْتِ نَجْماً وَضِيئاً=لِكُلِّ غَوْرٍ ونَجْدِ! حَسَدْنَكِ الغِيدُ وَجْداً=كَمِثْلِ حَدَِّ الفِرِنْدِ! وقُلْنَ لْيسَتْ بِنِدَّ=فأنْت أعْظَمُ ندِّ! ونحن نَجْزِيكَ وُدّاً=إذا أَرَدْت بِوُِدِّ ! بل سوف نَجْزِيكَ وَصْلاً=وقد جُزِيتَ بِصَدِّ! نَحْن الحِسانُ اللَّواتي=في الرَّوْضِ أَنْضَرُ وَرْدِ! وقد شُغِفْنا بِشِعْرٍ=يشفي الصُّدورَ ويُسدي! كأَنَّه شَدْوُ طَيْرٍ=كأنَّه طَعْم شَهْدِ! وقد يكونُ نَذِيراً=كَمِثْلِ بَرْقٍ ورَعْدِ! خُذْ قِمَّةَ الحُسْنِ واتْرُكِ=ما كانَ منه كلَحْدِ! المُلْهِماتُ كَسَوْنَ=القَريضَ أَجْمَل بُرْدِ! وقد كَساهُنَّ بُرْداً=فَرُحْنَ منه بِخُلْدِ! فاصْدَحْ بِشِعْرِكَ فينا=يا شاعراً مِن مَعَدِّ..! فإنه لِسُمُوَّ=يَقُودُ .. لا لِتَردِّي! والشاعِرُ الحُرُّ يأْبَى=إلاَّ قَبُولَ التَّحَدِّي! وقد تَحَدَّتْكَ يوماً=فَجاوزَتْ كُلِّ قَصْدِ! فأَلْقِها في حفير=فإِنَّه خَيْرُ حَدِّ...! ما مَنْ يَتِيهُ بِمَجْدٍ=كمن يَتِيه بِنَهْدِ! وقد سَمِعْنا حَدِيثاً=يُشْقي النُّفُوسَ ويُرْدى! يَقُولُ كانت غزالاً=فأَصْبَحَتْ مِثْلَ قِرْدِ! فلا اسْتَقامَتْ بِهَزْلٍ=ولا استقامَتْ بِجِدِّ! فَصَدَّ عنها هُواةً..=من كُلِّ حُرِّ وَعَبْدِ! قالت لهم ما اعْتَراكُمْ=مِن بَعْد حُبِّ وَوَجْدِ! كُنْتُمْ لدَيَّ جُنوداً=يَخْشَوْنَ صَدِّى وبُعْدي! صَرْعى هَوايَ جُثِيّاً=ما تَسْتَطيلون عِنْدي! تَرَكْتُموني ورُحْتُمْ=عَنِّي. فأصْبَحْتُ وَحْدي! كُنْتُمْ خِرافاَ ضِعافاً=فكيف عُدْتُمْ كأُسْدِ؟! قالوا لها. قد وُقِينا=من شَرِّ ذاك التَّعَدِّي! من شَرِّ حُسْنِ هَصُورٍ=ما إنْ له مِن مَرَدِّ! عِشْنا نُفَدِّيه دَهْراً=وما نَراهُ يُفَدَِّي! وقد بُلِنا بِنَحْسِ=وما بُلِينا بِسَعْدِ..! قالت خَسِئْتُمْ فأنْتُمْ=بُغاةُ مَكْرٍ وكَيْدِ! وسال دَمْعٌ غَزيرٌ=منها على كُلِّ خَدِّ! قالَتْ تَمَنَّيْتُ أنِّي=قد لُذْتُ يَوْماً برُشْدي! فلم أَرُعْهُ بِصَدٍّ=ولم أرُعْه بِحَصْدِ! قد كان سَدّاً مَنِيعاً=وقد عَبَثْتُ بِسَدِّي! وكان وعْداً جَميلاً=فما وَفَيْتُ لِوَعْدي! هذي حكايةُ سَيْفِ=لم يَسْتَقِرَّ بِغِمْدِ! فَغِمْدُه كان هَشّماً=ولم يكُنْ بالأَشَدِّ! والسَّيْفُ كانَ رَهِيفاً=يَسْطُو بكفِّ وزِنْدِ! وما يَقُومُ وِفاقٌ=ما بَيْن ضَعْفٍ وأَيْدِ! ولم أكُنْ بِغَوَيِّ=أوْ كُنْتُ أَزْهو بِجدِّي! بل كنْتُ أزْهو بِرُشْدي=وشيمتي. وبرفْدي! ولم أُضِلِّ فأُشْقِي=لكِن أُعِينُ وأَهدي! يا غادتي. لن تُراعِي=مِنِّي بِكَيْدٍ وحِقْدِ! لن تَسْمَعي غَيْرَ شُكْرٍ=على الصُّدودِ وحَمْدِ! فَلِي لِسانٌ عَفِيفٌ=فيما يُعِيدُ ويُبْدي! ولي يَراعٌ طَهْورٌ..=سَما بِجَزْرٍ ومَدِّ! لم يَسْط يَوماً بِسَهْوٍ=أَوْ يَسْطُ يَوْماً بِعَمْدِ! فَعُنْصُري مِن عَبِيرٍ=زاكٍ بِعُودٍ ونَدِّ..! قد كانَ وِرْدي فُراتاً=عَذْباً.فَطِبْتُ بِوِرْدي! |
أَجَلْ. أنا لَيْلايَ من عاشَرَ البَلوى=سِنيناً. ولم يُبْدِ الدُّموعَ ولا الشَّكْوى! أَجَلْ أنا هذا المُسْتَوي بِضَمِيِرِهِ...=بِذَرْوةِ صَبْرٍ لا يَضِيقُ بها المَثْوى! أَجَلْ أنا هذا فاذْكري ذلكَ الذي=رآك فلم يَمِلِكْ هُداهُ ولا التَّقْوى! وكْنْتِ له نَبْضَ الحياة ورَاحَها=ورَيْحانِها . والمَجْدُ والشِّعْرُ والنَّجْوى! وكانت زِياراتُ. وكانتْ مَواثِقٌ=تَعَهَّدْتِ فيها أَنَّكِ السَّعْدُ والرَّضوى! وضَحَّيْتِ من أَجْلى بِشَتَّى أًَواصرٍ=وآثَرْتِ عَنْها كلَّها ذلكَ المأْوى! نعِمْنا به حِيناً من الدَّهْر حالياً=نَعِيشُ به كالطَّيْرِ يَسْتَعْذِبُ الجَوَّا! يداعِبُنا شَجْوٌ فَيَطوٍي جَوانِحاً=عليه. ونَأْبى أَنْ تُخامِرَه السَّلوى! وما كانَ أَحْلاهُ هَوًى وطَراوَةً=فَكُنَّا به النَّشْوانَ يَثْمَلُ والنَّشوى! تقَمَّصَ رُوحَيْنا فكُنَّا كَتوْأَمٍ=يَراه الورى فَرْداً .. فما أكْرَمَ الشّجوا! فكيف هَوى النَّجْمُ الوَضيءُ إلى الثَّرى؟!=وكيف غَدا العِملاقُ يا حُلْوتي شِلْوا؟! قدِرْتِ على هذا المُحال فَرُعْتِني=بِهَوْلِ فِراقٍ كان أَنْكى من البّلْوى! فجِعْتُ به كالرُّزْءِ يَحْطِمُ.. كالرَّدى=يُمِيتُ. فلم أَمْلِكْ سُلُوّاً. ولم أَقْوى! فللَّه أَمْسٌ كانَ حُبّاً مُدَلَّلاً=يُناغِي . فَيُغْرِيني بأنْ آكُلَ الحَلْوى! ولله يَوْمٌ دامسٌ مُفْزعٌ الحَشا=رُؤاهُ .. غدا اللَّيْثٌ الهَصُورُ به نِضْوا! وكانَ له الصِّنْوَ الحَبِيبَ فخانَهُ=وعَذَّبَهُ.. ما كانَ أَشْأَمَهُ صِنْوا! وأوْرَدَهُ المِلْحً الأُجاج تَجَنِّياً=وقد كانَ يَسْقِيه النَّمِيرَ الذي أَرْوى! تمَنَّيْتُ أَنَّ الحُبَّ لم يَكُ جَذْوةً=بِصَدْري. فقد أَوْدى بِصَبْري . وقد أَلْوى ! وأنِّي رأّيتُ النَّخْلَ تُغْرِي ثِمارُهُ=بِقَطْفٍ . فَلَمْ أَقْطِفْ به أبَداً قِنوا! لقد كادَني حتى كَرِهتُ رِحابَهُ=ولُمْتُ بِما قد ذُقْتُهُ كُلَّ مَن يَهْوى ! فَمَن كان مَزْهُوّاً بِحُبِّ فَقُلْ له=تَمَهَّلْ. فما أحْراكَ أَنْ تَتَركَ الزَّهْوا! فقد سَوْفَ تَلْقى في غِدٍ منه شِقْوَةً=فَتَعْرِفَهُ جِدّاً . وتَعْرِفَهُ لَغْوا! لقد كنت أمشي في مغانيه ناعماً=إلى أن غَدا مَشْيي البَطِيءُ بع عَدْوا! نَجَوْتُ بِجِلْدي مِن مآسِيهِ زاهداً=بِنُعْمى غَدورٍ لا أرى بَعْدها الصَّفْوا! ولم أَجِدِ الحُسْنى به غَيْرَ فَتْرةٍ=تَولَّتْ. فما أوْهى جَداهُ. وما أغْوى! فلا تَلْتَمِسْ جَدْواهُ إنَّي اخْتَبَرتُهُ=طَويلاً. فلم أَلْقَ السَّلامَ ولا الجَدوى! ففي القَلَمِ الشَّادي . وفي الكُتْبِ مُتْعَةٌ=تمُنَّ ولا تُشْقِي لمن يَطْلُبُ اللَّذْوى! رَضِيتُ بها عن عالَمِ الحُسْنِ والهوى=فألْهَمْنَني فَوْزي . واكْسَبْنَنِي الدَّعْوى! وأغْنَيْنَني عن حُبِّ هِنْدٍ وزَيْنَبٍ=وعن حُبِّ لَيْلى المُسْتَطيلَةِ أوْ فَدْوى! فما عُدْوتُ أَحْبُو كَي أَفُوزَ بِصَبْوَتي=لدى الغِيدِ. إنَّ الحُرَّ يَسْتَنْكِفُ الحَبْوا! أسالِكَةً قَصْدَ السَّبِيل بِناشِدٍ=هُداهُ.. لقد عَلَّمْتِني اللَّحْنَ والشَّدْوا! وعَلَّمْتني أَنْ أَتْرُكَ الهَجْرَ كُلَّما..=دُعِيتُ إلى قَوْلٍ. وأَنْ أتْركَ اللَّغوا! فَلِلْمَجْدِ دُنْياه وقُصْواهُ. والمُنَى=أَقَلَّ بِدُنْياهُ.. وأَكْثَرُ بالقُصْوى! وما أَجْدَبَ الفَتْوى على كُلِّ قاِعِدٍ=وأمَّا على السَّارِي. فما أَخْصَبَ الفَتْوى! تبارَكَ من سَوَّى. تَبارَكَ من رَعى=فَأَغْنى الذي ما كانَ يَمْتِلِكُ الشَّرْوى! لقد كانَ بَحْري هائِجاً فَركِبْتُهُ=بِعَزْمٍ. فأمْسى البَحرُ مِن بَعْدِهِ رَهْوا! فما عُدْتُ أَطغى إنْ قَدِرْتُ وسَّولتْ=لِيَ النَّفْسُ طُغْياناً. فما أشَأَمَ الطَّغْوى! فقد يُوُبِقُ السَّطْوُ الظَّلومُ على امْرِىء=ضَعِيفٍ فَيُرْدِيهِ إن اسْتَمْرأَ السَّطْوا! بَرِئْتُ فما أُعْدِي امْرَءاً مُتَخوَّفاً=ولا أنا ذو قَلْبٍ خَؤُوفٍ من العَدْوى! فَما كانَ من فَضْلٍ فَلِلَّه وحْدَه=تَمَجَّدَ واسْتَعْلى .. والتمس العفوا |
أشْتَهي .. أشْتَهي ولستُ بِقادِرْ=ما الذي تَبْتَغِيه ِّمنِّي المقادرْ؟! ما الذي تَبْتَغِيه مِن نازفِ الرّوحِ=طَريحٍ بين الظُّبا والكواسرْ؟! ما أُبالي بما يكونُ وما كانَ=وأَسرِي ولا أُبالي المعابِرْ..! والمُنى تَسْتَوي أَمامي فتغريني=فأنْأى عنها وأَجفوا الذَّخائرْ! ليس في خاطِري يَدورُ سوى الرُّعْب=من الرَّاقِصين فوق المقابِرْ! فإذا بي أَرى المنائِرَ تَنْهارُ=وتَهْوِي إلى سحيقِ الحفائِرْ! وإذا بي أرى الحفائرَ تَعْلو=ساخراتٍ بِكلِّ آي المنابِرْ! وإذا بي أرى المرابِحَ تَشْكو=بانْدِحارٍ من قَهْقهاتِ الخَسائِرْ! يا لَها من نَقائض تَتَحدَّى=بمقاييسها النُّهى والمشاعِرْ! وتُغُولُ الأًحْرارَ إن أَعْلَنوا الحرْب=عليها .. كما تَغُولُ الحرائِرْ! ولقد ساءَني حقيرٌ تعالى=مُسْتًهِيناً على الرِّجالِ الأكابِرْ! كان يطوي أّيَّامه ولَيالِيهِ=بِكُوخ. كأنَّه عُشُّ طائِرْ! جائِعاً ..ظامِئاً .. يُقيِضُ بِشَكْواهْ=فَيَحْنو عليه بَعْضُ الضمائرْ!! ساخِياتٍ بمأكَلٍ وشاربٍ=ولباسٍ يُرْخِي عليه السَّتائِرْ! وهو يَطْوي على الجُحُودِ.. على النَّقْمةِ=صَدْراً.. على السَّخاءِ المُبادِرْ! أَمْهَلَتْهُ الأيَّام حِيناً من الدَّهْر=فما كانَ بالكريم المُؤازرُ! فَجَنى جَهْلَه عليه فأَرْداهُ=بما سَرَّ رَبْعهُ والعَشائِرْ! عادَ لِلْبُؤْرَةِ التي أَفْسَدتْه=والتي زَيَّنَتْ لهْ ركوبَ الكبائِرْ! غدا اليوم والحناجِرُ تُدْميهِ=بِقَوْلٍ يَشُقُّ منه المَرائِرْ! إنَّ في صَدْرِه الخناجِرُ تَقْريهِ=وينْوي غَدْراً بهذي الخَناجِرْ! فَتَجَلى لِلنَّاسِ استِتَارٍ=عاتِياً .. عابِثاً . بِكُلِّ المآثِرْ! يَتَمنَّى.. وما أَعَقَّ أمانِيهِ=اللَّواتي يُدْمي قذاها المحاجِرْ! كانَ يَنْوي شَرّاً جزاءً على=الخَيْر فَدارتْ عليه سُوءُ الدَّوائِرْ! فَتَلَوَّى غَمّاً وقال ألا لَيْتَ=مَصيري ما كانَ أَشْقى المصائِرْ! أنا سَطَّرْتُه فما يَنْفَعُ الدَّمْعُ=وسِفْرِي مُجَلَّلٌ بالدَّياجِرْ! ولقد فَاخَرَ الكثيرون بالفَضْل=وفاخَرْتُ .. وَيَلَتا- بالمَناكِرْ! جاهَرَتْني بالبغْضِ مِن بَعدما=طِحْتُ جريحاً .. عَمائِمٌ وأَساورْ! فَتَجلْبَبْتُ بالمآزِرِ تخفيني=فما أَخْفَيتِ العُيوبُ المآزِرْ! فَنَرى في أرانِبٍ وثَعالٍ=ما نَرى من ضَراوةٍ في غَضافِرْ! فإذا بِهِمْ مِن بَعْدِ حِين=خَفافِيشُ دَياجٍ تَخافُ نُورَ البواكِرْ! أُذْكُريني يا رَبّة الحُسْنِ قَلْباً=عَبْقَرِيّاً يَصُوغُ أَغلى الجواهِرْ! واذْكُريني فكْراً وضيئاً أطا=عَته قَوافٍ مُسْتَعْصِياتٌ نوافِرْ! فسأغْدو بِكِ السَّعيدَ .. بِذِكْراكِ=وأَعْلُو فَوْقَ النُّجوم الزَّواهِرْ! إنَّ مَجْدي هذا .. إذا اخْتَال=بالمَجْدِ كذُوباً.. شُوَيْعِرٌ مُتَشاعِرْ |
يا مُقْبِلَ الشِّعْرِ.. ما أحْلاكَ مِن وَتَرٍ=غَنَّى. فَلِلسَّمْع تطريب. ولِلْبَصَرِ! كيف الهٌروبُ؟! وهذا الروض يَفْتِنُنا=نَضْراً بما فيهِ من زَهْرِ ومِن ثَمَرِ! لأَنْتِ لِلشِّعْرِ رَمْزٌ طالَما طَمَحَتْ=إليه شَتَّى من الأَرْواحِ والفِكَرِ! دَعِ الهُروبَ. وأسْعِدنا بِرائعةٍ=مِن بَعد أُخْرى بما تَحْوي من الدُّرَرِ |
يَحْيى لقد أَتْحَفْتَني بِهَدِيَّةٍ..=غرَّاءَ كنْتُ لها المَشُوقَ المُغْرما! كالرَّوْضِ يَزْهُو بالعَبِيرِ وبالجَنَى=ونرى به حسناً يروق.. ومَغْنَما! سِرْ في طرِيقِكَ. إنَّه مُستَعْذَبٌ=ولو أنَّه أَصْلى الحَسُودَ جَهنَّما! يالَ المشاعِرِ فيه تُطْرِبُ والحِجى=يزهو. فَزدْها غِبْطَةً وتَرَنَّما |
أَتَظُنِّين أنني سوف أَسْلو=بعد طُول النَّوى وطول التَّجنِّي؟! كيف هذا الظَّنُّ المُريبُ ومالي=من حياةٍ إذا تَباعَدْتِ عنِّي؟! أَفما تعرفين أنَّكِ يا أَنْتِ=هوايَ الذي يُؤَرِّقُ عَيْني؟! وهوائي الذي أَشُمُّ فأحيا=إن تَنَشَّقْتُه. وِريِّي ودَنِّي؟! فَدَعيني يا ربَّةَ الحُسْنِ والدَّلِّ=دَعيني من بعد حُزْني أُغَنِّي! أنا في غَمْرةٍ من اليأْسِ تُذْوِي=من حَياتي جَوىٌ. وتَهْدِم رُكْني! غير أنِّي جَلدٌ. ولا أقبل الذلَّ=ولو كانَ في مباهِجِ عَدْنِ! أنا كالمُزنِ في الصَّفاءِ وفي=البذْلِ وفي الرَّوْعِ كالحُسامِ المُرنِ؟! لا تَظُنِّي الهوى هَواكِ وإن=كانَ عَصُوفاً يَطْوي الكرامةَ مِنِّي! لا. فإنِّي أطيق من صَبْوَتي=الدَّلَّ يُناغِي. ولا أطيقُ التَّجنِّي! أنا لا أُنْكِرُ الصَّبابَةَ تَطْويني=وتُغْري بِيَ الجوى والسُّهادا! فإذا بي الكئيبُ بين الأناسِيِّّ=نَشاوى.. الشَّجِيُّ يَشكو البِعادا! هم يُناجُونَ زيْنَبا تَتَجلَّى=فِتْنَةً تَسْلِبُ العُقولَ الرَّشادا! فَتُناجي.. ولا تَغُولُ الأحاسيسَ=وتُبْدي.. ولا تَمُنُّ.. الودادا! ولقد تَعْجَبُ الرَّبابَ وهِنْداً=يَتَأَلَّقْنَ بالنَّدى.. وسُعادا! إنَّهُنَّ الظِّباءُ لا ساخِراتٍ=بالهوى العَفِّ يَسْتَمِيلُ الفُؤادا! ويُضِيءُ النُّهى فَتَشْدوا بما راعَ=وما يَسْتَرقُّ حتى الجَمادا! باحْتِشامٍ يَطِيبُ للشَّاعِرِ=الشَّادي بهذا الهوى. فلا يَتمادى! لَتمَنَّيْتُ أَنْ تسيري على النَّهْجِ=قَويماً.. فَتَمْلِكينَ القِيادا..! قادِرٌ أَنْ أُجَمِّدَ الدَّمْعَ في=العَيْن. وأّطْوِي عَنِ الأَنامِ بُكائي! وإذا عَزَّني الوُصًولَ فإنِّي=أَكْتَفي بالعَزاءِ دَونَ الشِّفاء! إنَّ في هذه الرُّبوعِ كثيراتٍ=يُرَجيِّن صَبْوتي وإبائي! ولقد تّنْدَمِينَ أّنَّكِ بالَغْتِ=فأدْمَيْتِ بالنَّوى كِبْرِيائي! فَتَنَاءَيْتُ باعْتِزازٍ عن الحُبِّ=وما أكْرَمَ الهوى بالتَّنائي! هل تَطِيقينَهُ؟! وقد آثَرَ=النَّأيَ حَبيبُ السَّرَّاءِ والضَّراءِ؟! واسْتَوى عِنْدَكِ المُراؤونَ في=الحُبِّ. وما أَتْعَسَ الهوى بالرِّياءِ! بَعْد حِين سَيَصْدِفُونَ إلى=الحُبِّ الذي لا يَلِيقُ بالشُّرَفاء! لِلْغواني الأُلى يتاجِرْنَ بالحُبِّ=وما يَبْتَغِينَ غَيْرَ الثَّراءِ! ولقد تَعْصفُ النَّدامةُ بالحُسْنِ=ويَلهُو بلاؤُها بالرُّواءِ! فاذْكُري الماضِيَ الوَضِيءَ تَوَلَّى=عن حَضيضٍ. وراكِضاً للسَّماءِ! واذْكُري الحاضِرَ الدَّجِيِّ وما=فيه سوى كلِّ حِطَّةٍ واجْتِواءِ! النَّسيمُ العليلُ راحَ وخلاَّكِ=لِقَفْرٍ تجِيشُ بالرَّمضاءِ..! فأنا منه في انْتِشاءٍ وأَمَّا=أَنْتِ فلْتَنْعمي بِنُعْمى الجَفاءِ! لَسْتُ بالشَّامِتِ الجَرِيحِ من=الدَّرْكِ. فإنِّي كالقِمَّةِ الشمَّاءِ! قد تَركْتُ الهوى الظَّلومَ=وأَفْضَيْتُ بِقَلْبي إلى الهوى الوضَّاءِ! تَتَسامى به النُّهى ويَسْتَشْرِفُ=الحِسُّ بأشواقِه إلى العَلْياءِ! رُبَّ طُهْرٍ يَرْنُو لِحواءَ حُبّاً=ثم يَرْنُو سُخطاً إلى حوَّاءِ |
الساعة الآن 01:43 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.