منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=9)
-   -   مذكرات. . . ماذا حدث اليوم؟ د. زياد الحكيم (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=11998)

د. زياد الحكيم 09-26-2013 06:14 PM

مذكرات. . . ماذا حدث اليوم؟ د. زياد الحكيم
 
هذه صور صغيرة من الحياة تدعو الى التأمل. . .

اليوم عندما اشتريت قالبا من الحلوى للاحتفال بعيد ميلادي الخامس والثمانين ادركت مرة اخرى كم افتقد زوجي.

اليوم توفي صديقي الجراح الذي اجرى لي عملية لاستئصال ورم من بطني قبل عشرة اعوام، وكانت عملية ناجحة، توفي بعد صراع دام ثلاثة اعوام مع النوع نفسه من السرطان.

اليوم لاتزال جدتني تلبس على معصمها السوارة من الخرز التي صنعها لها جدي عندما كانا في المدرسة الثانوية.

اليوم احتفلت جدتي التي تدخن بشراهة بعيد ميلادها التسعين. وكانت قد فقدت في حياتها زوجين توفيا بسرطان الرئة ولم يكونا مدخنين.

اليوم قال لي ابني وهو في الحادية عشرة من عمره: يا ابي اعرف انك حزين لانك خسرت عملك القديم وبدأت عملا جديدا لست فيه موظفا كبيرا. ولكني الان اراك اكثر في البيت، وهذا يشعرني بكثير من السعادة حقا.

اليوم دخلت الى دكاني امرأة متسولة اعرفها تتسكع في الشارع وطلبت مني ان ازين لها قالبا من الحلوى بكلمات: اتمنى لك عيد ميلاد سعيد يا صديقي، وقلت لها اني لا اريد منها ثمنا، فاصرت ان تعطيني خمسة وعشرين قرشا فأخذتها. تناولت قالب الحلوى وخرجت من الدكان، ورأيتها تقدمه الى متسول كان جالسا على قارعة الطريق. ورأيتهما يضحكان كثيرا ثم تعانقا.

اليوم ركبت السيارة برفقة جدي متوجهين الى مدينة اخرى. بعد عشر دقائق اوقف السيارة وقال: نسيت شيئا مهما. لم اشتر لجدتك ازهارا اليوم. قلت: هل اليوم يوم خاص؟ قال: كل يوم هو يوم خاص. وجدتك تحب الازهار. والازهار تضع ابتسامة حلوة على وجهها. ثم عدنا الى بيت جدتي.

اليوم قرأت الرسالة الاخيرة التي كتبتها امي لابي قبل ان ترحل عن هذه الدنيا، وقد كتبت رسائل لكل منا بعد ان تعذر عليها ان تتكلم بسبب اصابتها بمرض السرطان. قالت في رسالتها لابي: احبك اكثر مما تعرف. وقد ظننت انه سيكون لي مزيد من الوقت لاعبر لك عن حبي.

اليوم احتفل ابي وامي، وقد طلق احدهما الاخر مرتين، بالذكرى الخامسة والثلاثين لزواجهما.

اليوم لم اودع امي بقبلة كعادتي كل صباح طيلة حياتي. وقد فعلت ذلك عامدة لانها ازعجتني قبل خروجي. وقد فكرت: لا يبدو ان هذه ستكون آخر فرصة اقبلها فيها . . . توفيت بعد ظهر اليوم بنوبة قلبية.

اليوم تبرع ابي بكل ما وفره في حياته لجمعية ابحاث السرطان حيث اتلقى العلاج آملا ان تتمكن الجمعية بهذا المبلغ ان تعطيني املا جديدا بان اعيش اكثر من اثني عشر شهرا، وهي المدة التي قال الاطباء اني سأموت بعدها.

اليوم اجل اقرب اصدقائي عرسه بموافقة خطيبته ليتبرع بشكل طارىء بخزعة من نخاع العظم لانقاذ ابني الذي يصارع سرطان الدم في مراحله الاخيرة.

اليوم بلغ ابي الخمسين من عمره، ولكنه لم يكن تلميذا مجتهدا في المدرسة. انتسب الى الجيش. وبعد ذلك عمل في بيع السيارات لسنوات كثيرة. اليوم تخرج من جامعة هارفرد بعد نيله شهادة الاجازة في الهندسة. ابي رجل مثابر وقوي الارادة.

اليوم عثرت على امي التي بحثت عنها طيلة حياتي بعد ان قال الاطباء انها لن تعيش اكثر من ثلاثة اشهر اخرى.

اليوم سألت امي: متى اقلعت عن التدخين؟ فقالت: منذ اليوم الذي احتضنتك فيه لاول مرة. في تلك اللحظة قلت في نفسي اني اريد ان اكون معك اطول مدة ممكنة.

اليوم اطلعني زوجي على رسالة كتبتها له عندما كنا في الصف الخامس.

اليوم اتصلت بي امي هاتفيا وكانت قاطعتني قبل عشر سنوات لانها لم توافق على طريقتي في الحياة. كانت على فراش الموت على بعد عدة ولايات مني. تحدثنا اكثر من ساعة على الهاتف قبل اقل من عشر ساعات من وفاتها.

اليوم كانت كلماتها الاخيرة: ارجوك ان تهتم باولادنا الثلاثة.

اليوم بعد اربعة اشهر من تحذير الاطباء لزوجتي بان حملها مجازفة كبيرة على صحتها وحياتها، واصلت حملها وولدت ابننا الاول. والام والولد بخير.

اليوم اكتشفت ان الورم الكبير في بطني ليس ورما خبيثا ويمكن التخلص منه بجراحة بسيطة.

اليوم سألت طلابي في الصف الخامس: ماذا تريدون ان تكونوا عندما تكبرون؟ اجاب ثلاثة منهم بصوت واحد تقريبا: اريد ان اكون معلما ماهرا مثلك.

اليوم اجري لامي التي التقيتها مرة واحدة فقط في حياتي عملية جراحية للتبرع باحدى كليتيها لانقاذ حياتي.

اليوم وبعد ستة اشهر من فقداني لحنجرتي بسبب السرطان سجلت في دورة لتعلم لغة الاشارة. وسجلت اسرتي كلها ورفاقي القدامى في الدورة نفسها. وقالوا: اننا جميعا مشاركون في هذا. وسوف نتعلم لغة الاشارة لنواصل احاديثنا كما كنا في الماضي.

اليوم في الذكرى الخمسين لزواجهما قال ابي (87 سنة) لامي (84 سنة): علاقتي بك هي اسعد انجاز في حياتي.


هذه المذكرات اختارها ونقلها الى العربية د. زياد الحكيم.

zedhakim@yahoo.co.uk

ريم بدر الدين 09-27-2013 01:15 PM

كم هي رائعة يا دكتور .. كل منها قصة طويلة بكل تفاصيلها
جميعها تعتصر لب الحياة في قطرات
أشكرك من القلب لهذه الروعة
تحيتي دوما

د. زياد الحكيم 09-30-2013 08:15 PM

الاستاذة ريم بدر الدين - شكرا للمتابعة والاهتمام.
كتابة المذكرات في الغرب - كما تعلمين -
ارتفعت الى مستوى الفنون الادبية الراقية.
وكاتب المذكرات يعبر عن عواطفه وخلجات نفسه
ويضيف بذلك الى سجل الخبرات الانسانية التي تراكمت عبر السنين
ملقيا الضوء على تلك الزوايا المعتمة في القلب الانساني
بشجاعة فذة.
وتحتاج كتابة المذكرات الى ثقافة منفتحة على الافكار والاراء والمشاعر
وقدرة على استيعاب المزيد
مما يستطيع الانسان ان يشعر به ويعبر عنه.
وتحتاج كتابة المذكرات
قبل كل شيء الى القدرة على
التعبير دون خوف.
ولهذا سبقنا الكثيرون من اصحاب الثقافات الاخرى في هذا المجال.

[/tabletext]
فاطمة جلال 09-30-2013 08:38 PM

[tabletext="width:70%;"]


ما قرأته د. زياد هنا
من الجمال ومن الفكر جعلني أكتب شيئ ما سوف أنشره قريبا ان شاء الله
فكر وعقل يحمل المزيد من الجمال

لي عودة

وتقديري

راما فهد 09-30-2013 10:14 PM

لو فكرت في يوم من الأيام كتابة مذكراتي
ماذا ســ أجد في جعبتي لأكتبه
لن أجد إلآ حرف واحد فرح
والباقي أحزان

لهذا لن أكتب حتى لا أزيد هموم البشر همّ

تحياتي لك د. زياد وكل الإحترام

همسة:
اليوم لم اودع امي بقبلة كما افعل كل صباح طيلة حياتي. : لا يبدو ان هذه ستكون آخر فرصة اقبلها فيها . . . توفيت بعد ظهر اليوم بنوبة قلبية.

اصابتني في مقتل رحمك الله وغفر لك يا امي

د. زياد الحكيم 10-12-2013 10:54 PM

الاستاذة فاطمة جلال - شكرا للتعليق.
مازلنا ننتظر ما ستنشريه قريبا.
اتمنى لك كل التوفيق.

د. زياد الحكيم 10-12-2013 11:00 PM

لو فكرت في يوم من الأيام كتابة مذكراتي
ماذا ســ أجد في جعبتي لأكتبه
لن أجد إلآ حرف واحد فرح
والباقي أحزان

لهذا لن أكتب حتى لا أزيد هموم البشر همّ


الاستاذة راما فهد -
انظري الى ما كتبه كتاب هذه المذكرات.
انها لا تزيد من هموم البشر بالرغم مما فيها من احزان.
ولكنها تفتح ابوابا من الامل في حياة افضل.
اكتبي.

عبدالحكيم مصلح 10-27-2013 10:13 AM

عزيزي الدكتور زياد حفظه الله

رفيف هذا النقل العذب ،

غالباً ما تكون الذكريات جميلة بحلوها ومرها يبوح منها عبق الماضي وأسراره ،

تحيتي وأحترامي لشخصكم الكريم ،

هند طاهر 10-27-2013 12:32 PM

من الذكريات ما يقودنا الى الاستمرار لحياة ربما تكون الافضل ومنها ما لو كان بيدنا لمحوناه من الذاكره

كل التحيه لفيض قلمك

د. زياد الحكيم 10-27-2013 07:02 PM

الاستاذ عبد الحكيم مصلح والاستاذة هند طاهر -
كل ما مر بنا من خبرات هو جزء
من سجلنا الفكري والنفسي وفيه - كما ذكرتما - الحلو والمر.
ولو كان بامكاني ان الغي جزءا من هذا السجل لما الغيت شيئا.
فلولا المر لما استطعنا ان نعرف الحلو.
اتمنى لكما السعادة.


الساعة الآن 01:12 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team