منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   قصة قصيرة : أجنحة الأمل (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=28114)

هشام اجران 02-06-2021 07:28 PM

قصة قصيرة : أجنحة الأمل
 
أجنحة الأمل
- أغلق عينيه في هدوء، وأسند رأسه على الجذع الضخم، ليستثير خياله من جديد، وليعيش حلمه الذي يتكرر كل يوم، تماما كالمشهد أمامه . يرى نفسه محلقا في السماء، وقد تكون لديه جناحان، جناحان أبيضان، لا يعرف لماذا يختار الأبيض، كان بوسعه أن يتخيل ريشا أسود يمنحه الهيبة والقوة، أو ريشا ورديا يضفي عليه الجمال والتألق، ولم لا ريشا أزرق، يتناغم مع لون السماء، فيزيده سحرا وألقا. لكنه لا يريد سوى الأبيض، هل للأمر علاقة بالملائكة؟ ربما، فلطالما تمنى لو حملته الملائكة لعالم أجمل، ولطالما رأى نفسه ملكا يحارب شياطين البشر، أولئك الذين آذوه، والذي عانى من تنمرهم وسخريتهم ونظراتهم المستفزة، وكلماتهم الجارحة.
كرة مطاطية تضرب جزءه السفلي بقوة، لم يشعر بشيء، لأنه افتقد الشعور بذلك الجزء من جسده، كما افتقد القدرة على استعمال يديه منذ ولادته، ومنذ أن خرج إلى الوجود بتشوه واضح مس رجليه ويديه، وحكم عليه بالعيش مقعدا، ومعاقا.
تأمل الكرة المدورة وهي تحط قربه، وتقدم صاحب الكرة بخطوات مترددة ليأخذ كرته، توقف الطفل فجأة، وهو ينظر للجالس بريبة ورهبة، وجمد الآخر وهو يتأمل ملامح الطفل، ويواجه نفس النظرات التي عانى منها طيلة حياته. جسدان في وضعية جمود، لكنه مؤقت بالنسبة للأول، ودائم بالنسبة للثاني.
اقتربت منهما امرأة، وانحنت لتأخذ الكرة وتمررها لابنها الذي فرح بكرته كأنما يتسلمها للمرة الأولى. وبينما انشغل الصغير باللعب، كانت أمه تبتسم في وجه الفتى الجالس، وتبادره بصوت هادئ :
- هل تحب الحمام؟
- نعم. أجاب الفتى بملامح جامدة.
- هل أتيت وحدك؟
- لا، رفقة جدتي. وأشار برأسه ناحية امرأة عجوز جلست قربه وقد شردت ببصرها بعيدا.
- والداك مشغولان، أليس كذلك؟ تساءلت المرأة بملامح ودودة.
- أبي دائما منشغل ولا أراه كثيرا، أما أمي، فقد ماتت.
نطق عبارته الأخيرة بصوت مختنق، وترقرقت عبرات غزيرة من عيون افتقدت بريق الحياة.
لم تتمالك المرأة نفسها، فاقتربت أكثر من الفتى وحضنته بقوة وهي تقول بصوت خنقته العبرات هو أيضا:
- رحمها الله يا بني، لا تحزن، فتلك إرادة الله.
- لا يمكنني أن أكون إلا حزينا يا سيدتي.
انتبهت الجدة للمرأة وهي تحتضن حفيدها، فتحاملت على نفسها في النهوض، ونهرت المرأة بفضاضة:
- من أنت؟ ابتعدي عن الفتى.
ردت المرأة على صراخها بابتسامة هادئة، وقالت بصوت أهدأ وأعمق:
- لا تخافي يا سيدتي، لا أريد سوى الخير لحفيدك. لقد تأثرت بقصته، ويمكنني مساعدته؟
- كيف؟ تساءلت العجوز بعينيها لا بلسانها.
أضافت المرأة بحماس هذه المرة:
- لدي قريب عزيز يدير جمعية محترمة لرعاية الأشخاص المعاقين، سأطلب منه الاهتمام ب..
صمتت وهي تشير للفتى الجالس بينهما، كأنما تستفسر عن اسمه
- أيوب. ردت العجوز، وقد عادت مسحة الشرود لترتسم على وجهها.
- سأطلب منه التكفل بحالة أيوب وسيقبل بكل سرور، فلم يرد لي طلب يوما. هذا رقم هاتفي، اتصلي بي غدا، وستكون الأمور على ما يرام.
شكرت الجدة المرأة، واعتذرت على تصرفها السابق، فلم تألف من الآخرين سوى الإساءة لحفيدها المغلوب على أمره، وأمسكت بمقبضي الكرسي المتحرك لتجره في طريق العودة إلى البيت. وهمست المرأة في أذن طفلها بكلمات، فبدا على وجه الصغير الكثير من الاهتمام، وسرعان ما حمل إناء مملوءا بحبات القمح، وتقدم نحو أيوب، ووضع الإناء قربه على الكرسي المتحرك وهو يبتسم ابتسامة بريئة مغلفة بالكثير من اللطف.
قطع الكرسي المتحرك الساحة في طريقه، فإذا بأعداد كبيرة من الحمام تنقض على إناء الحبوب، وتحط على رأس أيوب وقربه وتلمس وجهه، تحرك أجنحتها بقوة، فيتطاير ريش أبيض غطى الجسد النحيل، لم ينتظر أيوب أكثر، أغلق عينيه وعاد لحلمه الأثير، يحلق الآن في السماء بجناحين من ريش أبيض، ليس وحده هذه المرة، تلك المرأة ترافقه، جدته أيضا، الطفل الصغير، وأسراب من الحمام.


[/size]

عبد الكريم الزين 02-06-2021 09:11 PM

رد: قصة قصيرة : أجنحة الأمل
 
حلقنا مع الفتى بأجنحة خيالنا في سماء تلبدها الاحزان.
قصة جميلة بمعاني نبيلة تنبض بنفحات إنسانية.
تحياتي لقلمك المميز

هشام اجران 02-07-2021 12:36 AM

رد: قصة قصيرة : أجنحة الأمل
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة متابع أول (المشاركة 284430)
حلقنا مع الفتى بأجنحة خيالنا في سماء تلبدها الاحزان.
قصة جميلة بمعاني نبيلة تنبض بنفحات إنسانية.
تحياتي لقلمك المميز

تحياتي الحارة لك أخي العزيز

ياسر علي 02-07-2021 02:31 PM

رد: قصة قصيرة : أجنحة الأمل
 
تحية أخي الفاضل

جميلة الأحلام الجميلة حين تتحقق
ذوو الاحتياجات الخاصة يعانون الإقصاء ويستعطفون عيون الرحمة، وهذا في حد ذاته ألم مضاعف في بلدان لا تقدر الإنسان حق قدره ولا تزال الاسبرطية تسكن أذهانهم.

دمت عزيزا

هشام اجران 02-07-2021 06:32 PM

رد: قصة قصيرة : أجنحة الأمل
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسر علي (المشاركة 284526)
تحية أخي الفاضل

جميلة الأحلام الجميلة حين تتحقق
ذوو الاحتياجات الخاصة يعانون الإقصاء ويستعطفون عيون الرحمة، وهذا في حد ذاته ألم مضاعف في بلدان لا تقدر الإنسان حق قدره ولا تزال الاسبرطية تسكن أذهانهم.

دمت عزيزا

فعلا أخي الكريم، ما زالت تلك العقلية تحكم نظرة الكثيرين لذوي الاحتياجات الخاصة والذين يعانون الكثير.
شكرا على اهتمامك أخي الكريم


الساعة الآن 12:53 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team