النصوص الإبداعية والمأخذ الأخلاقي
كل كاتب مهما بلغ مبلغه من التحرر يمارس قسطا معينا من الرقابة الذاتية على أفكاره و تحليلاته ، ويضع خطوطا حمراء لشخوص نصوصه لا يستطيعون تجاوزها ، كل كاتب يكتب قصة أو قصيدة يغير من الأساليب في نصوصه الكثير و يحذف أحيانا جوهرة من جواهر النص فقط كي لا يشار إليه بالأشهاد و تجنبا لحروب هامشية هو في غنى عنها ، كل كاتب ما هو إلا فرد من مجتمع ينقل ما فهمه من التفاعلات الاجتماعية بعين ناقدة يضفي عليها بعضا من الجمالية ، بعد هذه المقدمة البسيطة أود أن أوضح المأخذ الأخلاقي .
المأخذ الأخلاقي هو التشهير والتجريح و خدش الحياء و الزج بمصطلحات قدحية و الترويج للفساد الأخلاقي ، هنا مربط الفرس في هذا الموضوع . التشهير والتجريح و الوشاية الكاذبة كانت دائما مطية سهلة للزج بالأقلام الصحفية خاصة في ظلمات السجون ، فموضة مقاضاة الصحافة منتشرة بشكل غريب و الكل يعلم أنها مجرد وصفة لإسكات الأقلام التي تنحو نحو الخط الصحفي المستقل والمسؤول . النص الأدبي لا يسلم من تلك التهم وإن كانت بنسب متفاوتة ، فمثلا لو جئت بنص يحكي حياة رجل غني يتعامل باحتكارية و يمارس بعضا من الألاعيب للتهرب الضريبي وأسهبت وتماديت في الوصف في فقرات و ألصقت به القمار والربا و السرقة لن تجد هذا النص تثار عليه ضجة تنعته بإفساد الأخلاق . و لو جئت بنص يحتل الكذوب فيه موقع البطولة بتلاوين الكلام ورششته ببعض فكاهة ، فلن تجد النص يحتسب ضمن النصوص التي تشوه الأخلاقيات ، ولو كتبت قصة فيها انفعال وكثرة حركية وقتل ودماء وانتقام رغم أن علوم الإجرام تشير إلى أن هذا النوع من النصوص يزرع العنف في النفوس ، لن تجد شخصا يتهم نصك بالخروج عن الأخلاق ، فأين المشكلة إذن ؟ طبعا يبقى الثالوث المحرم حاضرا في العقل العربي ، جملة سياسية مناهضة لمشروع معين ، جملة جنسية ، جملة تحمل رؤية دينية متجددة أو مجرد تهمس إلى ضرورة التجديد ، هنا تقام القيامة ، يؤتى بكل ألوان التبريرات وبكل أنواع الأعذار لمحاكمة النص وصاحبه . فأين الإشكال ؟ هل نحن مصابون بعقدة الجنس والسياسة والدين ، أم أن هذه الحقول لا يجب أن لا يتناولها الإبداع ، أو أن هناك حراس لهذه الحقول من أجل مآرب أخرى ، لنترك المؤسسة بعيدا سواء السياسية والدينية وننظر إلى الناس البسطاء أمثالنا ، هل تعلمنا أن نقرأ النص بعين بريئة ، أم نأتي متسلحين بتصيد زلات النص ومطباته وهنا ، فاعلم أن أي نص إبداعي لا يخلو من انزلاقات ، وإن لم تظهر لك فلقصور مداركك لا لكمالية النص . ـ هل انحراف شخصية من شخصيات النص يعتبر انحرافا للنص و صاحبه ؟ ـ هل أنت مع المأخذ الأخلاقي ؟ ـ هل أنت مع الخطوط الحمراء ؟ ـ ما هي المؤسسة المؤهلة لممارسة الرقابة ؟ ـ متى يمكن تصنيف نص بأنه مرفوض أخلاقيا ؟
|
الساعة الآن 07:28 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.