منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821)

ايوب صابر 11-14-2011 11:56 PM

حيدر حيدر

==
أنا غير قابل للتدجين رغم كل ما تعرضت له من منع وقمع ومضايقات أمنية وصرت أسمى ” الكاتب الملعون” وحتى ضمن بيئتي الضيقة أنا محاصر ومتهم بالإلحاد والكفر. لذلك فأنا لا أدجن مثل الذئاب البرية لأنني أعتبر حريتي شيئا مقدسا ولا أتنازل عنها."

حيدر حيدر
لم يقتصر تأثير أدب حيدر حيدر على الساحة الثقافية العربية وحسب بل تجاوزتها إلى فضاءات أخرى, حيث ترجمت بعض قصصه إلى اللغات الأجنبية: الألمانية، الانكليزية، الفرنسية، الايطالية والنرويجية. كما ترجمت روايته "مرايا النار" إلى اللغة الاسبانية. فضلا عن ذلك، فقد أنجزت في كتبه رسائل جامعية عربية للدراسات العليا والماجستير في أكثر من بلد عربي: المغرب، تونس، الأردن، مصر وسوريا.
- ولدالأديب والروائي حيدر حيدر في العام 1936 في قرية سورية صغيرة تقع على هضبة مشرفةعلى البحر تابعة لمحافظة طرطوس اسمها حصين البحر
- الزمن الموحش , رواية الاديب السوري حيدر حيدر الصادرة في أوائل السبعينيات بعيد هزيمة حزيران عام 1967.
- لجأ لاستخدام تيار الوعي وتيارالوعي أسلوب وهو فن في وصف الحياة النفسية الداخلية للشخصيات بطريقة تقلّد حركةالتفكير التلقائية ويستند إلى تداعي الذكريات.
- صدرت رواياته بعد هزيمة حزيرانباستخدام أسلوب تيار الوعي.
- في الزمن الموحش يصف الزمن الذي عاشه بزمن عصيب زمن الفاجعالتي نمت كما الأعشاب الضارة وراحت تمتص جذور الخصب والحب.
- قصصه تمتزج بالأسى... باللوعة... بالحزن.
- عاش في ظل مناخ الخمسينات والذي كان مضطربا،موّارا باتجاهات وأفكار وتنظيمات وانقلابات. اضطراب ما بعد الاستقلال. كما بدتالحياة السياسية آنذاك غارقة فيالفوضى والاضطراب بعد الهزيمةالعسكرية.
- انخرط فيه مقاوماللديكتاتورية، مع بقية رفاقه وزملائه من الطلاب.
- عايش الحرب اللبنانية الدامية والتحق بالمقاومة الفلسطينية في اطار الاعلامالفلسطيني الموحّد واتّحاد الكتّاب الفلسطينيين فيبيروت.
- ذلك الزمن وصفه في مقدّمة كتابه أوراق المنفى وهو شهادات عن أحوال زماننا بأنه: فيفسحة السلام والحرب، فسحة الحياة والموت، كان عليّ أن أواصل سيرة الحياة وسيرةالكتابة. بالكتابة ربّما كنت أتوازن وأنا أترنّح،مولّدامن الكلمات هرموناتمضادّة للموت والجنون وضراوة الحنين إلىالمنفى. لقد أتى زمن النار وزمن القتل: زمن الهول. نسير في الخطر، وننام فيفراش الخطر، ونكتب في جفن الردى والردى حيّ لايموت".
- سافر الى قبرص ثم عاد الى لبنان وبعد ذلك عاد الة سوريا.
- تعرض للقمع والمنع والمضايقات ألامنية وصار أسمه ” الكاتب الملعون.
عاش زمن مليء بالازمات ، وذاق طعم الهزيمة والحرب والموت والتشرد والغربة والقمع والمنع لكننا لا نكاد نعرف عن طفولة شيء.

وسوف نعتبره مأزوم.
-

ايوب صابر 11-16-2011 10:31 AM

8- رامة والتنينادوار الخراط – مصر


رامة والتنين


أول ما يستوقف القارئ في هذه الرواية، اللغة التي تشي بامتلاك الكاتب لها، وبقدرته على تصوير أحاسيس أبطال روايته من خلالها، وفي هذه الرواية تتداخل الأزمنة حيث تتداعى أحداث الماضي في تشابك مع اللحظة الحاضرة التي تشكل إطاراً زمنياً للرواية. وفي كل هذا يطل الإنسان برغباته ونزعاته وشهواته، حيث لا مفر من البحث عن نهاية يقنع عندها بأنه استنفد كل جهده، وطاقاته. "أحسن في نبرة هذ اول ما يستوقف القارئ في هذه الرواية، اللغة التي تشي بامتلاك الكاتب لها، وبقدرته على تصوير أحاسيس أبطال روايته من خلالها، وفي هذه الرواية تتداخل الأزمنة حيث تتداعى أحداث الماضي في تشابك مع اللحظة الحاضرة التي تشكل إطاراً زمنياً للرواية.
وفي كل هذا يطل الإنسان برغباته ونزعاته وشهواته، حيث لا مفر من البحث عن نهاية يقنع عندها بأنه استنفد كل جهده، وطاقاته. "أحسن في نبرة هذه الكلمة ما يوحي بأنك تريدين أن تضعي نهاية. كأن فيها نزوعاً نحو ختام وخطوة نحو شيء قد انطوى".

والرواية بعد ترصد تفاعلات النفوس الإنسانية التي ذاقت مرارة الهزائم والإنكسارات وتفجر مكامن الخوف في الإنسان الذي تتقاذفه أقداره دون طوق للنجاة يصل به إلى بر الأمان "ألا ترين أن العالم كله من حولنا يطفح بالقسوة. بمبرر أو من غير مبرر، سواء. والجدران والناس التي لفحها طيب الشهوات والإخفاق وضربتها الرياح واللامبالاة، جافة محروقة.

==
من رواية رامة والتنين
المصدر: الموسوعة العالمية للشعر
لم يقل لها: علمني حسي بفقدانك أننا نحب وحدنا. ونموت وحدنا. واستشرفت أنّه ليس حتى في الموت برء من الوحدة. بعد حياة الوحشة المحكوم بها علينا, نحن نموت. ولا نجد في الموت نجدة. ولا نلتقي فيه بأحد. الموت يطوي الكتاب و يغلقه ويكرس ختمه.
و الحب؟
الحب كذبة. هو الشهوة العارمة للخلاص من الوحدة, الاندفاعة التي لا توقف نحو الانصهار الكامل والاندماج والاشتعال المزدهر لكنه يدورأيضا في الوحدة. وينتهي بتكريسها, أكثرُ علقماً من الموت. نحن نحب وحدنا، الحب أيضاوحدة لا شفاء منها.
***

عندما يمتزج الحب كعاطفة صادقة بوجع الحياة، تضحيالحياة أجمل حتى بعذاباتها فهي تحمل في ثنايا تواترات ساعاتها وأيامها لحظات ساحرة،وومضات آثرة من ذاك الحنين الذي يترك داخل القلب، واعدا بآمال محققة.
***
قاللها دون أن يتكلم : يا حبيبتي ، نحطم بأيدينا كل بنايات عمرنا ، هذه الجدران التيأقمناها ، كل منا على حده ، طول السنين ، بتضحيات لا أحد يعرف ثمنها ، هذه السجونالتي نرتطم بأبوابها الموصدة كل يوم . حبنا نافذة في الشمس ، قطعة ممزقة من سماءالليل الفسيحة . العلاقات التي تبتر ، نظم الحياة التي تتقوض وتنهار . متاع خفيفوجوهري من الحب والكتب . قطع أخرى أيضاً من القلوب تمزق وتترك وراءنا . موسيقىالتوقع والتشوف .
- قالت: الجزائر تذكرني بالإسكندرية . هل تعرف ، سآخذك معي إلىالإسكندرية ، أليست بلدة حبيبتك ؟ وأغرقك بالبحر ؟
ماذا تقول لحبيبتك التي سوفتغرقك في البحر ؟ تقول : أغرقيني ... بالطبع هذه الأمواج التي نريد جميعاً أن نغرقفيها ، دون أن تغص حلوقنا بالماء المالح ، غرقاً ناعماً هادئ النبرة . أو غرقاًعاصفاً متقلباً يفقد به المرء نفسه وتطيش عيناه . تقول لا لن أغرق أبداً ؟ وأنت منذالآن قد خبطت القاع الرملي بالفعل ، واستقر جدثك واعي العينين تحت ثقل أطباق منالموج لا تطاق .
قالت : أنا كالعنقاء التي يحكون عنها ، تجدد ذاتها في مياةالبحر .
قال لنفسه : في مياة البحر ، في معمودية النار .
قالت : في ملح البحر، وصمته وشمسه المحرقة ، ونعومة قمره .
قال لها : دائمة الشباب ، تخرجين منالمياة المحرقة كل مرة في غضاضة الصبا الجديد .
وقال لنفسه : هذه المرأة باقيةلا تزول ، هي بنفسها تضع أرقام الزمن ، وفق ما تمليه حاجاتها الداخلية ، بِرْكةالحب المشتعلة هي الينبوع
الذي ترى فيه الزهرة وجهها القمحية مترقرقة أبداًقريباً من سطح الماء .وقال في نفسه : هي لا تعود أبدأً لشيء مضى ، ولا تذكر أبداً ،لا تقول إن شيئاً قد حدث وانقضى ، كل شيء عندها الحاضر ، كل لحظة تبدأ عندها منجديد ، كأن الماضي لم يحدث أبداً ، وبالتالي لم ينسى ولم يذكر لأنه لم يكن هناكأصلاً . كل حكاياتها في الحقيقة تجري بالفعل المضارع ، ولا تعرف المستقبل أيضاً ،لا تراه يوجد .
==
رامة والتنين
تأليف إدوارد الخراط
عندما فتح عينيه ، وقد انتفض من النوم فجأة، دون سبب، وجد أنه لم يغادر الحلم الفائق الذي كان قد نام في قبضته، وكأنما هتف باسمها . في شجي ملتاع، كما نام، وهو ينادي به، وكأنما قال لها: رامة، رامة، هل تسمعينني، هل تردين؟ أحبك، وكأنما ضحك من نفسه ، يمزق نفسه. حوائط غرفة نومه، بخشونتها العارية والشروخ الملتوية الدقيقة فيها، تصحو معه، مهددة وتميل عليه. الستارة على نافذة الحجرة لا تحجز عنه ضغط الوحشة التي تدخل عليه، وحدها، لا شيء آخر معها، من قصة السماء بين سطوح البيوت. هل الحب هو هذا الغداء الذي لا رد عليه أبدا؟ ولا ينقطع، لا يملك أن يرده عنه ملحا، يصحبه في صحوته ونومه، منذ أمد يبدو له قديما، قديما، لا بدء له ولا تبدو له نهاية؟ هل الحب هو هذه الوحدة؟ في كل ليلة يموت ميتة صغيرة، ويبعث في الصبح، ميتا. قال لها: ما كنت أظن في نفسي هذا الغدر من المراهقة بعد. وكان قد قال لها، بصوت جهد أن يكون خافتا ومعتدلا، كأن فيه ظل سخرية: كل هذه الخيالات، هذه الآلام، والحديث الذي لا ينقطع، بيني وبينك في حلم يقظة مستمر يوما بعد يوم، وساعة بعد ساعة” عندما يمتزج الحب كعاطفة صادقة بوجع الحياة، تضحي الحياة أجمل حتى بعذاباتها فهي تحمل في ثنايا تواترات ساعاتها وأيامها لحظات ساحرة وومضات آثرة من ذاك الحنين الذي يترك داخل القلب، واعدا بآمال محققة. في ” رامة والتنين” عطاءات روائية لطيفة، وإبداعات أدبية رائعة، تدع للقارئ مجالا واسعا للاسترسال، منطلقا مع الروائي لتلمس مساحات وجدانية تهفو لها النفس، وتأنس بصورها العين، ويتابع الذهن تلون مشاهدها بحس ناعم وشغف كبير.

معلومات عن رامة والتنين تأليف إدوارد الخراط
تأليف: إدوارد الخراطالناشر: دار الآداب
روابط تحميل رامة والتنين تأليف إدوارد الخراط


==
رامة والتنين :
منى العلي
قال لنفسه: أنت عندما تفقد شيئاً تعرف أنه لن يعوض، لا يعوض، وترفض ذلك،ترفض هذا الحس بالفقدان، تتمرد عليه كل جوارحك كما يتمرد شيء حي متوفز بالحياة ضدما يحمل إليه الموت، ترفض، كأنك تحطم السماء بيديك العاريتين، كأنك سقطت على ترابالقبر، تدق أرضه بقبضتك المضمومة، وتقول لا، لا، ومع ذلك تظل حفرة القبر مفتوحة، فيداخلك.

الفقدان هناك، قائم، شيء ما قد نهش مكانه، وانتزع من فلذة النسيج الذييغلف حياتك نفسها، لا أمل أبداً في استرداده، عليك أن تطيقه، أن تحتمل فجوة الضياعالذي لا يحتمل، وأن تعيش معه، لماذا تعيش؟ أنت ترى نفسك ميتاً، وتعيش مع الموت،تعيش الموت.

وتحمله معك، وتصبر عليه، وتعانيه، أنت تحمل ميتاً في داخلك. والميتهو أنت أيضاً، قبر متحرك يواري هذا المدفون من غير غطاء ولا كفن.

ليال غاضبة،حزينة وموحشة. ليال مضطربة عاصفة. طرقات تهد أرض القلب من التمرد والنداء المحبطوالرفض، في داخل الصمت المطبق.

...... الحب عندي هو المعرفة. والصدق شهوةمحرقة. لا أريد أن أقول أنني أقبلك. لماذا أقبل أو لا أقبل؟ أريد أن أقول أننيأحبك، أنت بكل ما هو أنت، دون شرط، دون حيطة.
وعندما أقول هذا أعرف أنني أكسر كلقواعد اللعبة. نعم، هي لعبة، الحياة، والحب أيضاً. كل ما فيها له قواعد وأصول. أناأرفض أصول اللعبة. أغامر. أضع قلبي كله، عارياً، مرتجفاً بنبضه، عنيداً بإيمانه،تحت وطأة الانكشاف، دون حماية.
ما الذي يحدث عندما تنهار الحواجز والسدود وتندفعالأمواج المحبوسة القلقة المحوط عليها، داخل المقاصير المسورة، وتجري متلاطمة تحملمعها أنقاض الأحجار؟ أهذا مخيف؟ نعم، أعرف دفء الظلمة المكنونة، وحماية السر، لكننيأعرف أيضاً مر الوحدة خلف الأسوار. ماذا يحدث عندما تسفر النفس عن اضطرابها الحميم،وأشواقها التي لا تفهم ولا تبرر، واندفاعات هوسها وتطلباتها المخبوءة؟
ولأن حبيهو المعرفة، هو اليقظة الكاملة أمام كل نأمة، كل اختلاجة في الصوت، كل ارتجافةجفن، لهذا أجد نفسي، وأنا أحبك، وحدي، ولست معي

ايوب صابر 11-16-2011 01:43 PM

إدوار الخراط

كاتب مصري ولد بالإسكندرية في 16 مارس عام 1926 في عائلة قبطية أصلها من الصعيد، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية عام 1946م، عمل في مخازن البحرية البريطانية في الكبارى بالإسكندرية، ثم موظفا في البنك الأهلى بالإسكندرية، عمل بعدها موظفا بشركة التأمين الأهلية المصرية عام 1955م، ثم مترجما بالسفارة الرومانية بالقاهرة.
شارك إدوار الخراط في الحركة الوطنية الثورية في الإسكندرية عام 1946 واعتقل في 15 مايو 1948م في معتقلى أبو قير والطور. عمل في منظمة تضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية في منظمة الكتاب الإفريقيين والآسيويين من 1959 إلى 1983م. تفرغ بعد ذلك للكتابة في القصة القصيرة والنقد الأدبي والترجمة، فاز بجائزة الدولة لمجموعة قصصه (ساعات الكبرياء) في 1972م.
يمثل إدوار الخراط تيارًا يرفض الواقعية الاجتماعية كما جسّدها نجيب محفوظ في الخمسينات مثلا ولا يرى من حقيقة إلا حقيقة الذات ويرجّح الرؤية الداخلية، وهو أول من نظّر للـ"حساسية الجديدة" في مصر بعد 1967م.
اعتبرت أول مجموعة قصصية له (الحيطان العالية) 1959 منعطفًا حاسمًا في القصة العربية إذ ابتعد عن الواقعية السائدة آنذاك وركّز اهتمامه على وصف خفايا الأرواح المعرَّضة للخيبة واليأس، ثم أكدت مجموعته الثانية (ساعات الكبرياء) هذه النزعة إلى رسم شخوص تتخبط في عالم كله ظلم واضطهاد وفساد.
أما روايته الأولى (رامة والتِنِّين) 1980 فشكّلت حدثًا أدبيًا من الطراز الأول، تبدو على شكل حوار بين رجل وامرأة تختلط فيها عناصر أسطورية ورمزية فرعونية ويونانية وإسلامية. ثم أعاد الخراط الكرة بـ(الزمان الآخر) 1985 وبعدد من القصص والروايات (وإن صعب تصنيف هذه النصوص) متحررة من اللاعتبارات الإديولوجية التي كانت سائدة من قبل.
مؤلفاته

صدر لإدوار الخراط أكثر من 50 كتابًا قصصيًا أو شعريًا أو نقديًا، ومن مؤلفاته:
  • حيطان عالية
  • ساعات الكهرباء
  • رامة والتنين
  • الزمن الآخر
  • إصلاح الصحراء
كما قام بترجمة أربعة عشر كتاب إلى اللغة العربية، وعدد من المسرحيات والدراسات.
حصل على جائزة الدولة التشجيعية ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1973م.
ملاحظة: هذهبذرة مقالة عن مؤلف أو كاتب تحتاج للنمو والتحسين، فساهم في إثرائها بالمشاركة فيتحريرها

==
قرار لجنة التحكيم :
قررت اللجنة منح الجائزة في هذا الحقل للروائي إدوارد الخراط، لمهارته الروائية وتلاحم عناصر تجربته وتمكنه من التأليف الشعري ما بين هذه العناصر، فالخراط صاحب موهبة
روائية تتجلى في تلك الرؤية الموحدة التي يطل منها حضوره في نصوصه المعروفة، وهو لا يحاكي مذهباً ولا يقلد أحداً، فقد تمرس بفن الرواية مبتكراً للأشكال منوعاً فيها، فجاءت بارعة متداخلة ما بين ظاهرها وباطنهاـ غنية بحياتها، معنية بروح العصر وبمشكلات المثقفين، وبكل ما يتيح للأدب أن يتجاور مع الواقع دون أن يتخلى عن سعيه إلى تجاوز هذا الواقع نحو عالم أكثر بهاء وحرية وإنسانية.

ايوب صابر 11-16-2011 01:45 PM

إدوارد الخراط: العمل الفنى يملى قانونه الخاص

١ آذار (مارس) ٢٠٠٧، أجرى الحوار: أشرف شهاب وصفاء سعيد

إدوارد الخراط روائى وناقد ومفكر من نوع خاص. تجلس فى حضرته فتشعر أنك أمام كائن متفرد من طبيعة خاصة، لديه القدرة على اكتشاف الحقيقة، والتعامل معها بكل أنواع الاحتمالات. وعلى مدار رواياته بداية من "حيطان عالية" مرورا ب "ساعات الكبرياء"، حتى "يا بنات إسكندرية"، و "ترابها زعفران" و "مخلوقات الأشواق الطائرة"، وصولا إلى "أمواج الليالى." تتكشف موهبة المبدع القادر على خلق كائنات حية تتجول داخل النصوص، لتلهمنا تجاربها وتمنحنا المتعة وتستثيرنا لمواجهة الواقع.. فى شقته اللطيفة بحى الزمالك العريق بالقاهرة التقت "ديوان العرب" بإدوارد الخراط ودار معه الحوار التالى:

- بعد أن احتفل أديبنا الكبير إدوارد الخراط بعيد ميلاده الثمانين.. كيف تقضى وقتك، وما الذى تغير؟
لا شيء.. لا روتين فى حياتى اليومية التى أقضيها فى القراءة والكتابة بصحبة أوراقى وأقلامى.. والاسترخاء، والاستماع إلى موسيقى موتسارت وباخ بكثافة.


- هل هذه طقوسك اليومية؟ وهل تستحضر مناخا أو أجواء معينة عندما تتأهب للكتابة؟
نعم.. هكذا أقضى أوقاتى.. ولكنها ليست طقوسا.. فهى حياة عادية وليست غريبة. فأنا أحب الهدوء وأعشق الموسيقى الكلاسيكية الخافتة. فالموسيقى شئ رائع جدا بالنسبة لى.. ومكانى المفضل للكتابة هو مكتبى أو أى مكان أتواجد فيه وتتوافر فيه عناصر الهدوء والموسيقى والورقة والقلم.
أعتقد أن الموسيقى كبقية أنواع الإبداع الأخرى تعبر عن البيئة التى أنتجتها.. لذلك أستغرب إشارتك للموسيقى الكلاسيكية دون الإشارة لموسيقانا الشرقية..
عشقى للموسيقى الكلاسيكية لا يعنى أننى لست عاشقا للموسيقى المصرية والشعبية. الأمران لا يتعارضان. حبى للموسيقى الكلاسيكية لا يعنى رفضى للموسيقى الشعبية بل على العكس من ذلك. أشعر وأنا أستمع للموسيقى الشرقية نوعا من الحنين للبدايات.. لأيام الشباب. لقد تربيت ونشأت مستمعا لأغانى العمالقة كأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وغيرهم كثير. وبالتالى فأنا اقدر هذه الموسيقى ولكننى لا أستمع إليها وأنا فى حالة الكتابة.
يمكننى أن أقول أن الموسيقى تغيرت وأصبحت أقل عمقا عما كانت عليه.. ليس الموسيقى فقط.. بل حتى بقية أشكال الإبداع بما فيها الإبداع الأدبى.. أصبحنا نفتقد الكتابة الجيدة.. ونفتقد الأفكار العميقة..
أظن أن هذا الكلام فيه قدر من التشاؤم.. وهو يعبر عن حالة من الحنين للماضى.. إن مسألة الحنين إلى الماضى والتمجيد له ليست واردة باستمرار.. فلا توجد قاعدة.. هناك أغانى قديمة سيئة وهناك أغانى جديدة جيدة.. الزمن يتغير ويستمر فى التغير.. هناك صعود وهبوط مستمران.
ولكننا نلاحظ تغيرات فى شكل العمل الأدبى، أو تحولات فى تركيبة النص نفسه.. فى القصة مثلا لم تصبح القصة التقليدية المعروفة هى نفس القصة الحالية.. تحولت الأشكال التقليدية مما يستوجب بالتالى ابتكار أشكال جديدة من الرؤية لها والتعامل معها..
أولا.. لا أؤمن بالفكرة التى تقول أن هناك شيئا يجب فعله أو أشياء لا يجب فعلها..فى الفن المعايير مختلفة.. ويجب ترك المسألة لحرية الفنان أو الأديب أو الكاتب.. حتى يستطيع أن يبدع ما يتفق مع ميوله الشخصية ومع احتياجات المجتمع. فالمطلوب من الفنان والمبدع أن يكون سابقا بخطوة على السائد والمألوف أو الموجود. وإلا فلن تكون لإبداعاته أية قيمة. قيمة الفنان تكمن فى أن يكون فى الطليعة باستمرار.. أن يكون مبشرا بشئ أكثر تطورا. وكما قلت كما قلت المسألة لا ترتبط بما يجب فعله أو ما لا يجب فعله، بل هى الحرية الكاملة. أما فكرة العمق فى التناول فأكرر لك أننى لست من أنصار الحنين للماضى.. فالإبداع متجدد، وجدير بالتقدير والنقد والاحترام أيضا. المسألة لا تقتصر على تمجيد ما كان بل تقدير ماهو كائن واستشراف ما سوف يكون.


- هل يعنى ذلك أنه لا توجد بالنسبة لك معايير للكتابة أو معايير لشكل النص الذى تنتجه؟
إذا كانت هناك معايير.. فيجب ألا تكون ثابتة. أعتقد أن الجدل بين الحرية وبين الانضباط، أو بين حرية الإبداع وبين المعيار.. هذا الجدل هو الذى يعطى للعمل الفنى ثراء وقيمة وأهمية. أما الجمود عند شكل معين أو الانفلات من كل ضابط فأمر مرفوض أو غير مرغوب فيه على الأقل.

- هل تؤمن بالقصدية أو العفوية فى الفن.. هل تنسج أعمالك قاصدا رسالة معنية؟
لا أعتقد ذلك.. لا يوجد ما يسمى بالقصدية الكاملة أو العفوية الكاملة فى الفن. الأمر يتعلق بمزاج الكاتب ومزاج الفنان. وما بين الجانبين جانب العمد وجانب الانطلاق أو العفوية يتجول الكاتب معبرا عما يريد. فالمعايير المسبقة المحددة تضر بكل تأكيد بالعمل الفنى. كما أن الانفلات بدون ضوابط أمر غير مرغوب فيه. أعتقد أن الأمر يتعلق ببصيرة الفنان التى تهديه إلى الاختيار فى كل حالة على حدة.


- ألا ترى أنها مسألة محيرة سواء للمبدع أو المتلقى؟
يمكن أن يكون الأمر محيرا ومرهقا بالنسبة للقارئ الذى تعود على نمط معين من الكتابة. وهكذا يمكن أن تحيره التجارب الجديدة. لكن القارئ المتفتح المستعد لتلقى الإبداعات التى لا تتفق مع معايير مسبقة سيكون متشوقا لهذه التجارب. أما بالنسبة للفنان فهى غير محيرة طبعا.


- الأمر يتطلب قارئا من نوع خاص.. ونحن نعرف أنك من الكتاب الذين لا يحبون القارئ الكسول الذى لا يبذل جهدا لفهم النص..
بالطبع.. أنا أطلب من القارئ أن يبذل جهدا لكى يتعامل مع النص. الموضوع لا يتعلق بالقارئ الذى يحب أن يقرأ وهو مسترخ أمام جهاز التليفزيون.. فهناك نوعيات أخرى مختلفة من الكتابة يمكن أن تكون مناسبة قبل النوم أو عند مشاهدة التليفزيون.. أما كتاباتى فهى حهد مشترك أبذل أنا قسما منه عند الكتابة وأتوقع من القارىء أن يبذل نصيبا من الجهد لتكتمل دائرة العمل ويصبح النص عندها مكتملا. أنا أشجع القارىء على التفكير وإعمال العقل دون التمسك بالثوابت.. بل عليه الثورة على الثوابت والتعامل دائما مع المتغيرات فلكل شىء جوانب سلبية وإيجابية والأمر يعتمد على الزاوية التى تنظر أنت منها للعمل. هناك جماليات معينة تحتاج نظرة جديدة وقارئا جديدا.


- الأمر يفرض أيضا صعوبات على الناقد لكى يحدد الزاوية التى يتناول من خلالها العمل المتاح أمامه.. وسؤالى ألا يمكن أن تتسبب هذه الرؤية فى حدوث تعارض بين عملية الإبداع وعملية النقد؟
لا.. فبداخل كل مبدع هناك ناقد كامن. وإلا.. فما الذى يدفع المبدع إلى اختيار كلمة معينة أو صيغة معينه أو جملة معينة ولا يختار صيغة أخرى. إنه نوع من العملية النقدية الكامنة والمتخفية داخل كل مبدع. وهذه العمليات فى مجملها تسفر عن نفسها من خلال التزود بالثقافة والقراءة والمعرفة بأنواع الفنون المختلفة، والمناهج النقدية المختلفة. هذا هو الأفضل من وجهة نظرى. بشرط إلا يضر التأمل بالعقل المشرق المتزود بالعفوية والانطلاق التى تميز العمل الفنى. يجب أن يكون هناك نوع من التوازن الدقيق بين جانبي التأمل العقلى والجانب العفوى.
وبهذه المعايير التى تتحدث عنها.. هل تشعر أنك أخذت حقك من النقد أم أنك تعرضت لظلم فادح من النقاد؟
الحمد الله.. لا أشعر أننى تعرضت للظلم من جانب النقاد.

- ولكن بعض النقاد يعتقدون إن أسلوب إدوارد الخراط متشابه فى كل رواياته؟
هناك عبارة قديمة تقول "الأسلوب هو الرجل و الرجل هو الأسلوب". من الطبيعى جدا أن يظهر بعض التشابه فى كتاباتى لأن الكاتب واحد. ولكن مع قليل من التأمل والوعى سوف تجد الفروق والاختلافات والتنوع واضح بالتأكيد. والتكرار هنا ليس استنساخا بل هو تكرار نابع من وحدة الرؤية، وربما من وحدة الأسلوب. لكن هذه الوحدة لا تعنى نفى التنوع.. بالعكس الوحدة تشمل التغاير والتنوع. وهذا ما يسمى بالمنطق الجدلى.
يعتقد بعض النقاد أيضا أن هناك نموذج واحد نمطى للمرأة فى روايتك؟
ليس صحيحا.. وأعتقد أن من يقولون هذا الكلام لم يقرأوا كتاباتى جيدا. أظن أنه يجب على الناقد أن يكون واعيا وملما بالجوانب المختلفة للعمل الفنى.
قبل كتابتك للنص.. هل تكون ملامح الشخصيات واضحة فى ذهنك؟ أم أنك تستكشف المزيد عن شخصياتك خلال عملية الكتابة؟
لا أتمسك بقوالب معينة.. فخلال عملية الكتابة أترك النص مفتوحا على كل الاحتمالات.. وبالتالى يمكننى أن أستكشف أعماقا جديدة وأبعادا جديدة أضيفها للشخصيات.. أى أن العملية ليست مخططة تخطيطا كاملا منذ البداية. وإلا أصبحت عملية قصدية. وفى رأيى أن جمال الفن وصدقه يكمنان فى اكتشاف الجديد حتى بالنسبة للكاتب أو الفنان. أن يكتشف خلال عمله ما كان خافيا عليه البداية. ما كان يشعر به ويحسه ولكن لا يعرفه بوضوح. أقول إن العمل الفنى يملى قانونه الخاص وليس عليك ككاتب أن تملى قانونك الخاص على العمل الفنى.
برأيك.. كيف يجب أن يرى المبدع الواقع وماهى علاقته به.. هل يمكن أن يتناول الكاتب الواقع بشكل مجرد؟
لا.. لا يوجد أحد يأخذ الواقع بشكل مجرد. أى كاتب أو أى فنان يأخذ الواقع ويراه من منظوره الخاص.. ومن خلال رؤيته المستمدة من ثقافته وقراءاته. ليس هناك واقع نمطى يمكن أن يراه كل الناس بشكل موحد. كل الفنانين لا يمكن أن يروا الواقع بشكل متطابق أو متشابه. بالعكس التنوع هنا هو الضرورة الأساسية التى تكشف عن جوانب مختلفة من الواقع قد لا يراها القارئ العادى أو الناقد العادى. ولكن الفنان يمكنه أن يجد فى هذا الواقع جوانب مختلفة عن الجوانب التى يراها فنان آخر. وهذه هو قيمة الفن. الفن يمكنه أن يستكشف بكارة معينة خفية فى هذا الواقع الذى يبدو نمطيا أو متشابها. وهو طبعا ليس متشابه ولا نمطى بل متنوع ومتعدد الأبعاد والأعماق. وهذا ما يضيف جمالا إلى العمل.
نرى فى شقتك تلالا من الكتب والأوراق.. ولكننا لم نلمح فيها جهاز كومبيوتر.. ألا تحاول الاستفادة من الوسائل العصرية فى عملك؟
نعم.. ليس عند جهاز كومبيوتر ولا إنترنت.. ولكن عندى ورقتى البيضاء وقلمى الرصاص.
لماذا؟ هل تخشى من التكنولوجيا، وما يشاع من أنها يمكن أن تؤثر على الفنون الكتابية؟
هناك أثر ما دائما.. ولكن هذه القضية مستمرة عبر التاريخ. مثلا.. هل أثرت الإذاعة والتليفزيون سلبا على الطباعة؟ هناك تأثير طبعا.. ولكن لب العملية الفنية يتجاوز الوسائل أو الوسائط بل ويمكن أن يتمثلها ويستوعبها ويحقق ما يهدف إليه من خلالها.
هل تميل إلى نوع معين من الأدب العالمى؟
لا.. المسألة مفتوحة بالنسبة لى. فأنا أقرأ فى كل شيء وعن كل شيء، فأنا منفتح ومتقبل لكل الآداب سواء الإنجليزية أو الفرنسية وغيرها.
هذا جيد.. فنحن نفتقد ثقافة الانفتاح على الآخر وتقبله..
نحن؟ من نحن؟ هذا تعميم شديد. والتعميم دائما خاطئ. لا يوجد نحن.. يوجد فئات من نحن.. هناك ناس تتقبل الآخر.. وهناك أناس منغلقون، وأسرى لنظرة محددة ضيقة.. وهكذا هناك تنوع بين كل فئة وأخرى وحتى بين كل فرد وآخر داخل الفئة الواحدة وهذه هى الحياة.
بعد أعوام طويلة من الإبداع والتجارب هل فكرت فى كتابة مذكراتك؟
لا.. أنا أتركها عفوية.. أترك الأمور تجرى كما تهوى.. ولذا لا أميل إلى التسجيل أو التوثيق وأترك هذه الأمور لتأتى فى غمار العمل الفنى أو النقدى كما تتطلبه المواصفات الفنية للعمل نفسه. وفى النهاية لكل شيخ طريقه.
نشكرك أستاذ إدوارد على هذا الحوار.. ونأمل أن نلتقيك دوما على خير.
أشكركم وأتمنى التوفيق دائما لمجلة "ديوان العرب"، التى ما زلت أعتز بمنحها درع تقدير لى فى احتفالها بالقاهرة العام الماضى.

ايوب صابر 11-16-2011 01:48 PM

ادوارد الخراط : أنا مع كتابة الجسد لأنه مقدس وليس مبتذلا لارتباطه بالروح

ياسمين مجدي (القاهرة:) السبت, 26-ديسمبر-2009 09:12 مساءا
أخرجه القدر من براءة شبابه الأول ليلقى به فى بحر متلاطم منالحياة الشاقة التى بقدر ما أهلكته، بقدر ما خلقت بداخله قوة مختزنة، جعلته قادراًعلى مواجهة الحياة وترويضها لصالحه، أنه إدوار الخراط الروائى الكبير الذى أعترفخلال حواره بأن أدبه غارق فى المصرية، وأن الاتهامات التى تنهال عليه تسعده وأنهاأقل من أن تتسبب فى إيلامه ، لأنها تثبت له أنه مازال يعمل، ومازال قادر علىالعطاء. فإلى نص الحوار :
- دعنا نبدأ بأدوار الخراط الشاب هل تحمله للمسئولية بعد وفاة والدهأنضجه مبكراً ؟
لم يكن من الممكن أن أتحمل مثل تلك التجربة بدون أن يكون بداخلىمخزون من الصلابة الطبيعية والإيمان والقراءة مما يكفل لى القدرة على المقاومةالقوية للمشاكل، وبذلك قد تبلور بداخلى عدة مقومات و استعداد مبكر نظراً لكونىالابن الأكبر لأخوة بنات بالإضافة لقراءاتى المتعددة التى ساعدت على اتساع مداركي،فقد كانت مكتبة المدرسة العباسية الثانوية بالأسكندرية عامرة بكتب التراث والفنالحديث والأدب، كما كان هناك مكتبة البلدية الفنية عامرة هى الأخرى بكتب رائعة، ممادفعنى لأقضى فيها فترة الصيف كله عاكفاً على قراءاتها ويخيل لى أننى قرأتها كلهاتقريباً ، كل هذه المقومات كانت هى الخلفية التى ساعدتنى على اجتياز المحنة ورسببداخلى جزء من نضوجى فالحياة هى التى تنضج الإنسان ، وعلى أثر وفاة والدى عملتمحاسباً فى مخازن البحرية البريطانية بالأسكندرية.

-
المسئولية كانت كبيرةفكيف استطعت أن تدرس وتعمل وتدخل عدة حركات ثورية؟
كانت المسألة شاقة، وربماكان يمكن أن تكون أشق من ذلك لو لم يقفوا بجوارى فى مخازن البحرية، فقد كنت آخذسيارة المخزن -التى كان يقودها كونسوتابل مالطي- ليوصلنى إلى كلية الحقوق ويعيدنىلأنقل المحاضرات فى العمل، وهذا يدل على أنهم كانوا مقدرين كفاح هذا الشاب الذىيدرس ويعمل ، وكنت برغم ضغط عملى أنجح فى حضور بعض المحاضرات وليس كلها، ويخيل لىأننى لم أكن أنام سوى بضع ساعات قليلة لأننى كنت أستذكر ليلاً وفى الصباح أستيقظمبكراً لأذهب لعملي.
- هذا يعنى أنك ترفضوجود حيطان عالية ما بينك وبين العمل الفنى فماذا عن "الحيطان العالية" ومنعها منالنزول للسوق؟
نعم لقد أعترضت الرقابة على ثمان فقرات وهذا بعد أن أعترضتتماماً على إصدار الكتاب لوجود عبارات مخلة بالآداب ، وتكررت المسألة فى " مخلوقاتالأشواق الطائرة" التى لم تصادر وإنما حجبت عن التداول لفترة معينة ولكنها عادتللتداول الآن بعد أن تغيرت الأمور وتطورت الرقابة.
- هل ظهور الرواياتالآن يثبت تمردك على حجبها؟
لقد تمردت حقاً على السلطة وأخرجتها للنور، إلاأننى آنذاك كنت مضطراً للقيام بنوع من المصالحة أو الحل الوسط وقمت بالتعبير بفكرةأو جملة أخرى حتى أنتهى كل ذلك وعادت النصوص الأصلية لموقعها سالمة غانمة.

-
هل كلامك يعنى أنه لم تعد هناك قيود أو رقابة على العمل الفني؟
تختلف الرقابة من فترة إلى أخرى حسب الظروف السياسية وكثير من المتغيرات الأخرىفقد كانت الرقابة مشددة على الإصدارات فى الخمسينيات إلا أنه الآن لا تعترض الرقابةإلا على الجنس والدين والسياسة كما تحولت من رقابة مسبقة على العمل إلى رقابة تأتىبعد ذلك، وقد يؤدى الأمر إلى تدخل الفقهاء للحكم إذا ما حدث.
-
-
فكيف تقيمبصورة شاملة الحياة الإبداعية وواقعها المعاصر؟
بالرغم من القيود فى بعض البلادالعربية إلا أن هناك ازدهار وتطور وهناك مغامرات جديرة بالتقدير ولكن الإعلام -وخاصة التليفزيون- لا يولى للثقافة الاهتمام الجدير بها، مما يؤدى إلى انصرافالجمهور عن بعض الأعمال الجادة، ولكن يلاحظ عبر التاريخ أن الأدب الجيد لا يلقىتقديراً جماهيرياً واسعاً وفنياً وإنما يقبلوا عليه بصورة تراكمية فيما بعد ،وبالرغم مما يوجد من تدهور فى الأحوال سواء على الصعيد السياسى أو الاجتماعى إلاأنه سيظل للكتاب سحره ومكانته التى لن يتزحزح عنها حتى مع وجود النت والتليفزيون.

-
وماذا عن أحلامك ؟
أننى بدأت كتابة رواية اسمها "رحمة والثعبان" ولنأقول عنها أى شيء قبل صدورها لأن الكلام عن العمل الفنى قبل إصداره يضره ، وبالنسبةللفن التشكيلى سأقيم معرض عن فن الكولا.. وربما فنون أخرى وسيواكب إقامة هذا المعرضإصدار دراسة فى كتاب اسمه "فى نور آخر.. تأملات ودراسات فى الفن التشكيلي".

ايوب صابر 11-16-2011 01:49 PM

حياة المعتقل وسر الدقائق الخمس
إدوارد الخراط: كان واضح وكنت بألتقي بالعمال في القهاوي المعروفة وكان بتُدبر لي كمائن علشان يقبضوا عليا وبأفلت منها بأعجوبة نتيجة لكده طبعا جاءت 15 مايو 1948 أُعلنت الأحكام العرفية بحجة دخول الجيوش العربية، قوس اقفل القوس، إلى فلسطين للقضاء على العصابات الإسرائيلية الصهيونية بحجة هذا العذر اُعتقل في الإسكندرية..
زوجة الخراط: كثير طبعا؟
إدوار الخراط: مجموعات.
زوجة الخراط: مجموعات كلهم إسكندرانية ما فيش.. ما كانش من مصر؟
إدوارد الخراط: في أبو قير كان كلهم إسكندرانية.
زوجة الخراط: كلهم إسكندرانية.
إدوارد الخراط: مجموعات من اليساريين مجموعات من اليهود الصهاينة مجموعات من الأخوان المسلمين الغريب جدا أيضا مجموعات من اليوغوسلاف الهربانين من تيتو والروس البيض الهربانين من ثورة أكتوبر أي هربانين من الشيوعية فاتمسكوا بحجة باسم الشيوعية أخذونا..
زوجة الخراط: مجموعة كبيرة قوي.
إدوار الخراط: مجموعة كبيرة جدا.
زوجة الخراط: كانوا كم؟ فاكر؟
إدوارد الخراط: لا الأعداد الدقيقة ما أعرفهاش فأخذونا إلى المعتقل اللي هو كان عبارة عن عنبر من عنابر الطيارات أو المطارات الإنجليز، عنبر ضخم جدا.
زوجة الخراط: في أبو قير؟
إدوارد الخراط: واسع جدا في أبو قير وفيه ثكنات للسكان للعساكر أو الجنود أو المشتغلين في القاعدة، فده كانت بداية أو أحد مراحل طريق النسر، بالليل بعد الساعة الثانية عشر هتلاقي.. ده التقليد المتبع بعد الساعة الثانية عشر أو واحدة أو اثنين الصبح طلع في بيتنا بيت بسلالم ضيقة صغيرة ما تكاد تكون كتيبة، ضابط واثنين مخبرين وثلاثة عساكر أسلحة وخبطوا على الباب أنا كنت مستعد تقريبا وقالوا لوالدتي بقى الله يرحمها خمس دقائق بس مش عارف إيه، مفهوم المسألة خمس دقائق، روحنا كان فيه عربية جاهزة ودونا لي قسم كرموز، لاقيت هناك اثنين مستنيين.. عمال من شركة فابريكة كرموز دول بقى كانوا زملائي في كل فترة الاعتقال وكانوا أحسن زملاء ممكن الواحد يتصورهم، فاكر صابر الثاني مش فاكره أنا عطيته اسم في الرواية لكن مش فاكر اسمه إيه بالضبط، صابر والثاني ده نسميه محمود مثلا كانوا من أنظف وأطهر وأخلص الناس، عمال ثقافة محدودة لكن استنارة عقلية وإخلاص نسميه إخلاص وطني ثوري لا نهاية له، إحنا بندور على حاجة كانت موجودة هنا من خمسين سنة.

ايوب صابر 11-16-2011 01:50 PM

مقابلة مع ادوارد الخراط
أحـب أن يــأتــي الـتــاريـخعـلـى ذكــري فــي صــفـحـة لا يـشــاركـني فـيـهـا أحــد

إدوار الـخــراط: أؤرخ لأشـــواق الـروح وأشـــواك الـمـجــتـمـع

تـأثـرتُ بـجـبـران حـتـىالـتـيـه لا بـالمـنـفـلـوطـي والـعـقـاد وطــه حـســيـن

هذاالحوار حصيلة لقاء طويل أجراه "الملحق" مع الروائي ادوار الخراط، في مناسبة مجيئهالى بيروت وإلقائه محاضرة "أيار التذكارية" في الجامعة الأميركية في بيروت ــبرنامج أنيس الخوري المقدسي. وفيه يستعيد محطات من حياته وتجاربه ملقياً الضوء علىجوانب كانت خافتة ومقيمة في الظل. وقد ارتأينا تقديمها كشهادة "محرَّرة" منالأسئلة. شارك في الحوار الياس خوري واسعد خير الله وماهر جرار وعقل العويط وحررهمحمد ابي سمرا.

قالت لي أمي: انتَ رضعتَ لبن الحزن.(وسام موسى)

1
ولدت في 16 آذار 1926 في حي بجنوب الاسكندرية قريب منمنطقة تسمّى بحيرة مريوط. كان معظم المقيمين في ذلك الحي من الفئات الشعبية القادمةمن الصعيد الى الاسكندرية. العمران ونمط الحياة فيه أقرب الى الريف منهما الىالمدينة: شارع واحد رئيسي مفروش بالاسفلت يسير فيه الترام وينتهي الى قسم البوليس. وشوارع أخرى مفروشة بالحجار والرمل الابيض. البيوت كلها من طبقة واحدة او اثنتين،على سطوحها عرائش من العنب. وقد وصفت ذلك الحي في مقاطع من روايتي "ترابها زغفران". على ناصية الشارع الرئيسي كان منزل الخياطة اللبنانية السيدة روز التي تشتغل عندهافتيات في خياطة الثياب.
في الجلسات العائلية على سطح بيتنا تحت عرائشالعنب، كانت جدتي وخالتي ترويان الحكايات عن الجن والعفاريت. ولكثرة ما سمعت هذهالحكايات في طفولتي، كان الطفل الذي كنته يحسب ان جنيات الحكايات وعفاريتها كائناتحية، ومن لحم ودم. كنت في السادسة او السابعة من عمري حين التقيت مرة في الليلامرأة عجوزاً فقيرة في شارع مهجور قريب من بيتنا، فأيقنت انها عفريت من عفاريتالحكايات. لم تتلفظ المرأة - العفريت بكلمة واحدة، لكني لا ادري إن كنت وقفت جامداًقبالتها دقيقة واحدة او 24 ساعة، قبل ان أروح اعدو هارباً بأسرع ما استطعت للوصولالى بيتنا، حاملاً في جوارحي ووعيي ومخيلتي الطفلية التجربة الأولى في الاتصال بقوةعالم الغيب في ما وراء الواقع والمحسوس.

من اليمين: محمد أبي سمرا،عقل العويط، ادوار الخراط، أسعد خير الله والياس خوري.

2
"
روضةالكرمة القبطية" كانت المدرسة الأولى التي تعلمت فيها، وامشي نحو خمس دقائق منبيتنا للوصول اليها، وكان ناظرها منصور افندي شخصية حاسمة في تكويني الأول: رجلشديد الطيبة والحزم في آن واحد، ينظمنا صفوفاً في الصباح - نحن تلامذة المدرسةالأقباط مع قلة من المسلمين - لنروح ننشد ترنيمة "أبانا الذي في السموات"، قبل انيبدأ برواية قصص شهداء القبط، وفي مقدمهم القديس مرقص، مؤسس الكرازة او الكنيسةالقبطية، الذي تصف الحكاية استشهاده دفاعاً عن العقيدة وصفاً درامياً: قام الرومانبربط ذراعيه وساقيه الى عربة يجرها حصان أخذ يجري سريعاً بعد ضربه بالسياط، فتمزقجسم القديس مرقص أشلاء، وتركت هذه الحكاية أثراً لا يمحى في نفسي وقلبي.

اضافة الى "روضة الكرمة القبطية"، هناك مدارس الأحد التي كانت مس كاترينتعلمنا فيها الترانيم الدينية. لا أزال حتى الساعة أذكر مس كاترين الشبيهة صورتهابصورة مريم العذراء، فيما كانت تلقننا الترانيم. وفي واحدة من مدارس الأحد بدأالطفل الذي كنته يقرأ الكتاب المقدس من دون ان يتنصر عبر طقوس العمادة. والىالقراءة والترانيم، كانت توزع علينا نحن التلامذة الأطفال بطاقات مصورة مكتوبةعليها عبارات بالقبطية والعربية. كانت تلك البطاقات تروي بالصور حكايات من التوراةوالانجيل، بدءاً بآدم وحواء وملاك النار الذي يحمل سيفه الناري الاسطوري. لم تكنتلك الصور او اللوحات عادية في عيني ذلك الطفل الذي كنته، اذ خبرت فيها معنىالألوان وتذوق التشكيل الفني المرتبط بالموضوع الديني. لاحقاً قرأت العهدين القديموالجديد، وتعرفت الى قصة صلب السيد المسيح الذي كان مأساة حقيقية حميمة في بيتنا،رغم ان عائلتي لم تكن متدينة الا تديناً تقليدياً، فيؤدي أفرادها فرائض الصوم مندون الصلوات. لكن الكتاب المقدس كان تأثيره كبيراً عليَّ، لأنه كان كتاب الوفياتوالزيجات والولادات العائلية التي كان والدي يحرص على تدوين تواريخها عليه.

3
قدم والدي الى الاسكندرية من أخميم في الصعيد، مخلّفاًوراءه زواجه من امرأتين. تزوج الاولى في أخميم مسقطه، وبعد وفاتها انتقل الىالفيوم، حيث تزوج من امرأة ثانية دفعته وفاتها الى الانتقال الى الاسكندرية، حيثتزوج والدتي التي كانت شديدة الغيرة على زوجها من زوجتيه السابقتين المتوفيتينوأهلهما الذين تشدّدت في قطع علاقة والدي بهم وبماضيه، باعتباره رجلاً مزواجاً.

قبل قدومه الى الاسكندرية كان والدي تاجراً في الفيوم يعمل في تصدير البصلوالبيض، وكانت تجارته مزدهرة هناك قبل تعرضه للافلاس في ازمة ،1936 مما اضطره الىالعمل كاتب حسابات عند اصدقائه التُجار في الاسكندرية حتى وفاته. الذكرى الأقدموالأقوى لديّ عن والدتي هي العبارة التي طالما كانت ترددها على مسمعي في طفولتيقائلة: انت رضعت لبن الحزن.
ذلك لأني ولدت بعد 19 يوماً من وفاة اخي الذي ولد قبليبسنة او سنتين في الاسكندرية، فنذروني كي يجري تنصيري في أخميم التي كان لعلاقتيبها تأثير كبير في حياتي، قبل ان أعرفها وتطأها قدماي.

واذ كنت قد ولدتلأرضع لبن حزن والدتي على وليدها البكر، فإني في العاشرة من عمري، صحوت ذات صباح مننومي في بيتنا على صياح والدي النائح: ولدي... ولدي... ولدي، لحظة وصله خبر مقتلابنه البكر من احدى زوجتيه السابقتين، بعدما دهسه قطار.

كان عمري نحو ستسنوات حين أخذني أهلي الى اخميم لايفاء النذر بتنصيري وتعميدي هناك. أذكر ان الرحلةكانت شاقة في القطار، وعن سلّم بيتنا الذي كان بلا سياج في اخميم سقطت فأصبت بجرحبليغ في ركبتي، لم يندمل أثره حتى اليوم.

4
في أثناء الحربالعالمية الثانية، كانت الاسكندرية تُضرب بالقنابل، عندما قرر والدي أن يرسلنا، أميوأنا واخوتي واخواتي، الى مسقطه في أخميم، ويظل وحده منصرفاً الى عمله فيالاسكندرية. كان ذلك في العام 1940 او العام الذي تلاه، فاستغرقت رحلتنا في القطارنحو 17 ساعة للوصول الى اخميم بين المنيا والأقصر في الصعيد.
في اخميمانصرفت الى قراءة شكسبير وشيلي ويتس في اللغة الانكليزية. وربما في تلك الفترة بدأتبمحاولات الترجمة الاولى لبعض القصائد من الشعر الانكليزي. وقبل ذلك، فيالاسكندرية، كنت قد قرأت مؤلفات جبران خليل جبران الذي تأثرت به حتى التيه والهيام،على عكس المنفلوطي والعقاد وطه حسين الذين قرأت مؤلفاتهم من دون ان يتركوا فيّأثراً يذكر.
طوال أيام الاجازة الصيفية، بدءاً من العام ،1938 انصرفت كلياًالى القراءة والمطالعة اللتين تعبدت لهما منصرفاً عن الذهاب الى البحر ولعب الكرةوغيرها من الألعاب التي كان يمارسها اصدقائي واترابي في المدرسة. أقول قارئاً نهماًواعني اني كنت في الصباحات افتح باب المكتبة البلدية في الاسكندرية مع موظفيها،ومعهم اقفل بابها واغادرها في المساء. وقد جعلتُ لقراءاتي منهجاً صارماً، اذ وضعتقائمة بأسماء الكتّاب نظمتها بحسب التسلسل الأبجدي. كانت القائمة تبدأ باسم ابرهيم،ويليه أحمد، ثم أسعد... الخ. وحين كنت أفرغ من قراءة مؤلفات الاسم الأول، انتقل الىمؤلفات الاسم الثاني فالثالث... حتى نهاية التسلسل الأبجدي.
واذا كان جبرانهو كاتبي المفضل بالعربية آنذاك، فإن التأثير الأول عليّ من كتّاب الخواجات (الأجانب) مارسه الشاعر الانكليزي شيلي. واذا قلت أني قرأت روايات جرجي زيدان فيتلك الفترة، فان أثرها فيّ لم يكن يذكر، قياساً الى كتابات جبران الذي تعبّدت فيمحراب أدبه.
لم تستمر اقامتنا في أخميم أكثر من أشهر معدودة في نهاياتالحرب الثانية، عدنا بعدها الى الاسكندرية، حيث قررت ألا أزور أخميم قبل أن أكتبرحلتي اليها ومشاهداتي فيها. وهذا ما فعلته لاحقاً في كتابي "صخور السماء". لقدحرصت على ألا ازورها كي لا أشوه تلك الصورة الأولى الغريبة التي رأيتها عليها اثناءلقائي الأول بها. ومن زيارتي الأقدم الى أخميم استعدت في "صخور السماء" اطياف طقوستنصري وتعميدي في كنيستها استعادة دقيقة كاملة.



5
درستالحقوق في جامعة الاسكندرية. ذلك ان والدي، صاحب الميول السياسية الوفدية، كانراغباً في أن يراني رجلاً على صورة مكرم عبيد باشا ومثاله، ما دام عبيد هذا نائبسعد زغلول، زعيم حزب الوفد. لكن السياسة كانت حاضرة ايضاً في عائلتنا من جهة عائلةأخوالي الذين كان أحدهما في جماعة "مصر الفتاة"، وكان الآخر من انصار نبيل عباسحلمي. أما اليسار الماركسي او الشيوعي الذي كان حاضراً بقوة في مصر العشرينات فقدغاب تماماً عن مسرح الحياة السياسية في الاربعينات.
في اثناء دراستيالجامعية، وبعد سنتين او ثلاث من تخرجي من الجامعة، كنت عضواً مؤسساً لحلقةتروتسكية ظللت سكرتيرها العام حتى .1948 في تلك المرحلة من حياتي غرقت حتى الثمالةفي الاجتماعات والمناقشات والتظاهرات واصدار البيانات وكتابة المنشورات التروتسكية،فأصدرنا مجلة "الكفاح الثوري" التي كنا ننسخها على الآلة الكاتبة ونوزعها علىالاعضاء والاصدقاء.

حين أنظر اليوم الى الوراء مفكراً في دوافع انتمائي الىتلك الحلقة من يسار اليسار، أجد ان شعوري بالظلم وفقدان العدالة كانا في اساسدوافعي العاطفية والوجدانية البعيدة.
وكان مصدر احساسي بأن العالم من حولي ليسعادلاً، بل ظالم، أمرين اثنين: فقداني خالتي واخويّ وأختيّ الذين خطفهم الموت علىنحو متواتر او متتابع. فالثلاثينات والأربعينات كانت حقبة سيئة وقاسية، عموماً، علىالصعيد الصحي، اذ كانت الامراض والاوبئة، كالتيفوئيد، تفتك بالناس فتكاً متمادياً،لعدم توافر الأدوية، خصوصاً المضادات الحيوية.
الأمر الثاني الذي يلازمالأول ويوازيه في دفعي الى اليسار، كان محنة الظروف المادية وقسوتها. فاليسروالرفاه اللذان عرفهما والدي قبل ازمة 1936 الاقتصادية الخانقة، انقلبا عسراً وضيقاً بعد تلك الأزمة، مما فاقم احساسي بالظلم واللاعدالة.

أما العنصرالذهني او الفكري في يساريتي فيعود الى وقوعي في مكتبة الاسكندرية البلدية علىمؤلفات كاتب في حروف السين، هو سلامة موسى الذي سحرتني كتاباته وانكببت على قراءتهاكلها، في نهم شديد، وعرفت منه ماهية الاشتراكية ومعناها. وفي تلك الفترة وبعدهابقليل قرأت برنارد شو ثم ان صديقي جورج خوري أهداني كتاب "هكذا تكلم زرادشت" لفريديريك نيتشه، في ترجمة خاله فيلكس فارس، فكان تأثري بذلك الكتاب كبيراً.

يعود تعرفي الى الأفكار الشيوعية والانكباب على قراءة المؤلفات الماركسيةالى شاب سوداني اسمه خليل الآسي. لكن شيوعيتي التروتسكية جعلتني معادياً للستالينيةوالديكتاتورية كما لم أكن معادياً لأي شيء في العالم. وكانت الشيوعية التروتسكيةجواباً شافياً عن احساسي بالظلم واللاعدالة، في جمعها بين الحرية والعدالة. ثم عرفتان تروتسكي صديق للسورياليين والسوريالية، فيما كنت منكباً على قراءة الأدبالسوريالي في ترجمة رمسيس يونان.


ايوب صابر 11-16-2011 01:50 PM

تابع ...
6
في العاشرة من عمريبدأت كتابة ما كنت أتصور انه الشعر، ومنذ ذلك الحين لم أتوقف عن الكتابة. وحينسألنا احد المدرسين، نحن تلامذة الصف، عما نحب ان نكون ونشتغل في المستقبل، اجابهأترابي: دكتور، طيار، مدرس، مهندس، فيما أجبته أنا بأني سأكون شاعراً، فأثار الأمراستهجان التلامذة. أما انخراطي في النضال والعمل السياسي، فكان يصدر عن واجبوضرورة، لا عن رغبة. لقد ملكت الكتابة رغبتي، وفيما أنا منخرط في العمل السياسيوالنضال، كنت مدركاً اني أؤجل الكتابة حتى تحقيق العدالة والاستقلال عن الانكليزوزوال الاحتلال واقامة الاشتراكية. لكن هذه الأحلام كلها انجلت عن اعتقالي ضمن حملةاعتقالات واسعة مع إعلان الأحكام العرفية في أيار ،1948 وطاولت جميع الفئاتاليسارية والوفديين. وفي المعتقل تلاشت العداوة بيننا نحن التروتسكيين وبينالشيوعيين، فتآخينا وتعاونّا، حيث التقيت مصادفة هنري كورييل في معتقل هاكس تسام فيالقاهرة. رأيته من بعيد من دون أن أكلمه أو يكلمني. كان نحيلاً رقيقاً يلبس الشورتوينتعل صندلاً ويتحرك طوال الليل كالنحلة.
أمضيت في المعتقل عشرين شهراً،وخرجت منه في العام ،1950 وكان والدي قد توفي. وفي النوادي رحت ألقي محاضرات عنالسوريالية والوجودية فتعرفت الى أنور كامل ورمسيس يونان. لكن كان عليّ أن أبحث عنعمل ما أكسب منه معيشتي، فأهداني اليه صديق تعرفت اليه في المعتقل، وكان العملموظفاً صغيراً في "شركة التأمين الأهلية". ونبهني صديقي ذاك بألا أقول أني أحملاجازة في الحقوق، لأن العمل المطلوب في الشركة لا يتجاوز الإلمام باللغتين الفرنسيةوالعربية والضرب على الآلة الكاتبة. وبعد مقابلتي المسؤول في الشركة، وقع نظري فيأحد مكاتبها على فتاة جميلة رقيقة من موظفاتها، وكانت تلك النظرة العابرة فاتحةوقوعي في صفقة غرامية برفيقة حياتي التي تزوجتها عام .1958

7
في أثناء عملي في الشركة وإلقائي المحاضرات في نوادي الاسكندرية، كنا نلتقيفي المقاهي، حيث تدور بيننا المناقشات حول ثورة الضباط الأحرار الناصرية. وكانالأبرز في تلك المناقشات رأيان اثنان في ثورة .1952 الأول يعتبرها ثورة ديموقراطية. أما أنا فقد ملت الى الرأي الثاني الذي كان يعتبرها انقلاباً عسكرياً على طريقةالانقلابات في بلدان أميركا اللاتينية. ومنذ الأيام الأولى للثورة حتى تأميم قناةالسويس سنة ،1956 لم يتبدل رأيي في تلك الثورة. وقد يكون الخطأ الكبير الذي ارتكبتههو تصالحي مع الناصرية في أعقاب قرار التأميم. لكن برغم تلك المصالحة، ظل موقفيالشخصي من جمال عبد الناصر ملتبساً. إذ ظللت اعتبر الجانب العسكري في الثورةالناصرية سيئاً، لأن ما أتت به من انجازات ظلت فوقية لعدم صدورها عن الناس وهذا ماأكده انهيار تلك الانجازات مع موت الزعيم المصري.

عام 1955 ضربني اليأسوالقنوط من عملي موظفاً صغيراً في شركة التأمين، لأعيل بالراتب الذي أتقاضاه أميوأخواتي الأربع. كنت أشتعل حنيناً الى الكتابة التي منعني عنها الدوامالوظيفيالمرهق، ففكرت في الاستقالة من الشركة، وأقدمت عليه. ومن التعويض المالي الذيتقاضيته رحت أعطي والدتي راتبي الشهري، كما لو أنني لا أزال موظفاً. في تلك الفترةكنت أمضي وقتي مداوماً على المكوث في أتيليه الاسكندرية التي يديرها أحمد مرسي،منصرفاً الى الكتابة والترجمة، فكتبت "حيطان عالية" وترجمت بعضاً من أشعار أيلوارومؤلفات تشيخوف وكامو. وشهراً بعد شهر راح التعويض المالي يتناقص وينفد، فلم يعد فيمستطاعي تقديم راتبي الشهري لوالدتي، فأجبرت على إعلامها بأني تركت وظيفتي فيالشركة.

الضيق المادي الذي عشته آنذاك كان شديداً، فرحت أترجم براءاتالاختراع في الميكانيكا والكيمياء لإحدى الشركات، مما أثرى قاموسي اللغوي. وفيالأثناء بدأت أبعث لأصدقائي رسائل استغاثة لمساعدتي في البحث عن عمل، حتى وصلتنيذات يوم رسالة من صديقي ألفرد فرج يطلب مني فيها الحضور فوراً الى القاهرة للعملمترجماً في السفارة الرومانية، فغادرت الاسكندرية متوجهاً الى القاهرة في العام .1956
أثناء عملي مترجماً في السفارة الرومانية بادرت الى انشاء جمعيةالصداقة المصرية - الرومانية التي رعت انشاءها هيئة من أبرز العاملين في الحقلالثقافي في مصر: يوسف السباعي الذي كان رئيس المجلس الأعلى للفنون والآداب، ومحمدمندور ويحيى حقي وفريد أبو حديد وعلي باكثير. ثم أصدرنا مجلة عن الجمعية التي تركتالعمل فيها عام 1959 لأعمل، بمبادرة يوسف السباعي، في قسم الشؤون الفنية لجمعيةتضامن الشعوب الافريقية - الآسيوية، وكان مدير شؤون هذا القسم رمسيس يونان الذيعملت الى جانبه جامعاً بين فوضوية الفنان وعقلانية الرجل الإداري.

8
في يوم من عام 1968 جاء الى منزلي جمع من الاصدقاء بينهماحمد مرسي وابرهيم منصور، وطلبوا مني العمل في تأسيس "غاليري 68"، على ان ننشىءصالة للعروض الفنية والتشكيلية، ومجلة ثقافية - أدبية يجري تمويلها من عائدات بيعاللوحات التشكيلية في صالة العرض، ومن اشتراكات الاعضاء. وكان الفريق الأساسي الذيعمل في اصدار المجلة، أحمد مرسي وابرهيم منصور وغالب هلسا وسيد حجاب وجميل عطيةابرهيم وأنا. وفي ثلاث سنوات صدر من المجلة ثمانية أعداد من دون انتظام. وقامت "غاليري 68" بنشر نصوص قصصية لمحمد البساطي وجمال الغيطاني وغيرهما من ادباءالستينات الذين كانت المجلة منبراً لكتاباتهم.

والغريب ان جيل الستينات منالروائيين والقصاصين والادباء الذين تحلقوا حول "غاليري 68" كانوا أصغر مني سناًوعايشت انطلاقتهم، من دون ان أكون منتمياً الى جيلهم الادبي، ولا الى غيرهم منالأجيال السابقة. كأنني دائماً كنت مضيّعاً انتمائي الى جيل أدبي وثقافي وكتابي فيعينه. ربما لأنني منذ الأربعينات أكتب من دون أن أنشر ما أكتبه، الا اذا طلب منياحد ما مخطوطة للنشر. وربما لأن تصنيف الكتّاب في أجيال وموجات لا ينطبق عليّ. فحتىفي التصنيف الادبي الأكاديمي والجامعي لم أحسب على جيل الستينات او غيره.
قد أكون من التيار الروائي والقصصي الذي سُمّي تيار ما بعد المحفوظية وجمعمروحة واسعة من الكتاب المصريين مثل صنع الله ابرهيم وجمال الغيطاني وغالب هلساوبهاء طاهر وعبد الحكيم قاسم، والجامع المشترك بين هؤلاء هو التمرد على القواعدالمحفوظية في الكتابة القصصية والروائية وكسرها. أما العنصر الآخر الجامع في هذهالتجارب الكتابية، فقوامه احساس هؤلاء الكتاب بأن هناك خطأ ما في التجربة السياسية - الاجتماعية للناصرية، خصوصاً بعد الكارثة التي تكشفت عنها هزيمة .1967 ورغم اننقد الناصرية لم يصل الى ادانتها ادانة مباشرة وصريحة، فان الحذر والتوجس منشعاراتها كشفا خواءها في مقابل القمع السياسي والثقافي للسلطة السياسية. وهذا ماانعكس في الأعمال الأدبية للكتاب والروائيين.

9
كروائي،اعتبر نفسي مؤرخاً لأشواق الروح وأشواك المجتمع. لكن التأريخ الاجتماعي وغيرالاجتماعي يحضر في وصفه عنصراً داخلياً في السياق الروائي والمشهد الروائي. وأظن انالتأريخ الحقيقي او الفعلي متضمَّن في الأعمال الروائية. أما السيرة الذاتيةفموجودة على نحو ما في كل رواية وقصة وقصيدة ولوحة تشكيلية، وفي كل عمل فني على وجهالعموم. أما كيفية تجلي حضور السيرة الذاتية في الأعمال الفنية، فمسألة غير قابلةللتقنين في قواعد ثابتة ومحددة. والذي يُخرج السيرة الذاتية، او الشرائح والمقتطفاتالمستخدمة منها، عن كونها سيرة ذاتية، اندماجها بالمتخيل الفني في العمل الروائي. فاستلهام وقائع وحوادث معينة، وكذلك استلهام مقتطفات من السيرة الذاتية، أمر طبيعيوعادي في الفن الروائي، شرط ان يجري استدخال هذه الاستلهامات في المتخيل الروائي. وعلاقة الذاكرة بالخيال معقدة. وربما يلازم التخييل عمليات التذكر كلها. وهنالكخيال منفصل او منقطع عن عمليات التذكر.

حين أقول ان السيرة الذاتية تدخل فيالأعمال الروائية لا أقصد ان الرواية سيرة ذاتية مقنّعة، بل ان الفعل الروائييستلزم تحويل مقتطفات من السيرة الذاتية وتحويرها على نحو ملائم للبناء الروائي.

أعلم ان هناك كلاماً عن روائيين يخلقون شخصيات روائية تروح تتفلت منهموتستقل عنهم، فلا يتمكنون من السيطرة عليها. لا أظن ان هذا الكلام حقيقي ودقيق. فالروائي خالق شخصياته، والمسؤول عن نموها وتحولاتها ومصائرها. والمخطط الروائيالذي أضعه قبل البدء بكتابة رواياتي، عام غير تفصيلي لا يتجاوز الصفحة او نصفالصفحة فقط ومعظم رواياتي كتبتها مرة واحدة فقط، لأني حين أشرع في الكتابة تكونالرواية مكتوبة في ذهني او في مخيلتي قبل مباشرة كتابتها. اما ما أقوم به من حذفوتقطيع واضافة وتبديل، فأجريه لاحقاً بعد الكتابة الأولى التي لا أعيدها. هناك بعضالقصص والروايات التي كتبتها في البدايات أعدت كتابتها مرات كثيرة. أما لاحقاً فقدتعودت أن أكتب قصصي ورواياتي مرة واحدة فقط.

10
سوف يبدوكلامي متضمناً شيئاً من الصلف حين اقول أني أحب أن يأتي التاريخ على ذكري وحيداً فيإحدى صفحاته، لا على صفحة يشاركني فيها غيري من الأسماء. هذا في حال كنت في عداد منسيأتي التاريخ على ذكر اسمائهم في صفحاته. فأنا أشعر أني وحيد ولا صلة وثيقة تجمعنيبأحد.

تصعب عليّ الاجابة عن السؤال إن كنت مؤمناً بالله أم لا. ذلك ان أباالعلاء المعري لو قيّض له ان يكتب "رسالة الغفران" مرة أخرى، لن يسألني عن ايمانيبالله، بل عن الحس الديني لديّ. مثل هذا الحس يشغلني لأنه ينطوي على الاسئلة حولالوجود والمصير والموت، أقول هذا وأميز بين الأيمان والدوغما العقائدية والاسطورة،مع العلم ان الموت عندي هو نهاية الحياة.

أما لو سألني أبو العلاء المعريإن كنت يسارياً، فأنني أجيبه بأني يساري في معنى الانحياز الى العدل والحرية. وأعنيالعدل الكوني المستحيل التحقق. واذا اعطيت فرصة ان أعيد كتابة ما كتبته مرة أخرى،فإني أعيد كتابته من دون ان أغيّر فيه شيئاً. أي أتركه على حاله لأن لديّ مشاريعكتابة كثيرة متراكمة عليَّ تنفيذها. وان كانت قد بدأت متأخراً في نشر ما كتبت،ومتأخراً أعلنت نفسي كاتباً، وما زلت أكتب مع تقدمي في السن، فإني على يقين بأن لاعلاقة بين الكتابة والنشر. وانا الذي بدأت الكتابة في سن مبكرة، اعتبر ان لا معنىللنصائح في الفن. أي لا معنى لوصفة نقترحها ناصحين الكتاب بأن يبدأوا الكتابة في سنمبكرة او متأخرة من اعمارهم.

أذكر أني كنت أكتب "رامة والتنين" وكان عليّأن أحصل على اجازة من عملي في جمعية تضامن الشعوب الافريقية - الآسيوية التي كنتأعمل فيها لا كموظف، بل كفدائي لا يتوقف عن العمل طوال الساعات الاربع والعشرين مناليوم. لذا كنت أغادر القاهرة الى الاسكندرية، حيث انقطع تماماً عن الدنيا منصرفاًالى الكتابة. واذكر أني بعد انجاز مسوّدة "رامة والتنين" تركتها سنة او سنتين علىحالها، قبل أن أعود الى العمل عليها حين طلب أحدهم مني أن أعطيه كتاباً للنشر. أرويهذه الوقائع لكي أقول ان الأمر نفسه تكرر في مرات أخرى مع قصص وروايات غير "رامةوالتنين". لكني بعدما تقاعدت من الوظيفة في السابعة والخمسين من عمري، رحت أكتببغزارة كبيرة. فرواية"الزمن الآخر"، مثلاً، كتبتها في مدة لا تتجاوز الشهرين. ذلكان كل ما كتبته موجود بالقوة، قبل كتابته، بحسب العبارة البالزاكية.
وإنسئلت ما هو الكتاب الذي قرأته من الأدب العربي والعالمي، وأحب أن أعيد قراءته بينمدة وأخرى، فإني لن أعثر على كتاب معين او محدد. قد يـشغفني احياناً أن أعيد قراءةبعض المقاطع من كتاب "الأبله" لدوستويفسكي. أما نيتشه فقد تأخذني رغبة في اعادةقراءة مؤلفاته كلها. اما كتاباتي فإني لا أطيق قطعاً إعادة قراءة أي شيء منها.
واذا أعطيت فرصة ان انقذ خمسة كتب من كتبي كلها من طوفان أو حريق، فإني لنأنقذ سوى ثلاثة منها، هي "حيطان عالية" و"رامة والتنين" و"ترابها زعفران".


إدوار قـــلـتـــة فــلـتـــس يـــوســــف الـخــــراط
هو إدوار قلتة فلتس يوسف الخراط.
وُلد في 16 آذار 1926 فيالإسكندرية لأب من أخميم في صعيد مصر، وأمّ من الطرانة غرب دلتا النيل. حصلعلى ليسانس في الحقوق عام 1946 من جامعة الاسكندرية.
عمل أثناء الدراسة عقبوفاة والده منذ عام .1943
شارك في الحركة الوطنية الثورية في الإسكندريةعام .1946
اعتقل في 15 أيار 1948 سنتين في معتقلي أبو قير والطور.
تزوج عام 1957 وله ولدان وأربعة أحفاد.
في عام 1959 عمل في منظمةتضامن الشعوب الأفريقية - الآسيوية ثم في اتحاد الكتّاب الأفريقيين - الآسيويين حتىالعام ،1983 وأشرف على تحرير مطبوعات سياسية وثقافية لهما.
سافر الى معظمبلدان أفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا في رحلات عمل.
شارك في إصدار مجلة "لوتس" للأدب الأفريقي - الآسيوي وفي تحريرها، وفي مجلة "غاليري 68" الطليعية،ومطبوعات لكل من منظمة التضامن الأفريقي - الآسيوي واتحاد الكتّاب الأفريقيين - الآسيويين.

ايوب صابر 11-16-2011 01:55 PM

ابرز أحداث حياة إدوار الخراط :

- كاتب مصري ولد بالإسكندرية في 16 مارس عام 1926 في عائلة قبطية أصلها من الصعيد .
- حصل على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية عام 1946م،
- شارك إدوار الخراط في الحركة الوطنية الثورية في الإسكندرية عام 1946 واعتقل في 15 مايو 1948م في معتقلى أبو قير والطور.
- أخرجه القدر من براءة شبابه الأول ليلقى به فى بحر متلاطم منالحياة الشاقة التى بقدر ما أهلكته، بقدر ما خلقت بداخله قوة مختزنة، جعلته قادراًعلى مواجهة الحياة وترويضها لصالحه.
- تزوج والده قبل قدومه الى الاسكندريه من امرأتين. تزوج الاولى في أخميم مسقطه، وبعد وفاتها انتقل الىالفيوم، حيث تزوج من امرأة ثانية دفعته وفاتها الى الانتقال الى الاسكندرية، حيثتزوج والدتي التي كانت شديدة الغيرة على زوجها من زوجتيه السابقتين المتوفيتينوأهلهما الذين تشدّدت في قطع علاقة والدي بهم وبماضيه، باعتباره رجلاً مزواجاً.
- كان والده تاجراً في الفيوم يعمل في تصدير البصلوالبيض، وكانت تجارته مزدهرة هناك قبل تعرضه للافلاس في ازمة ،1936 ( وعمر الخراط 10 سنوات ) مما اضطره الىالعمل كاتب حسابات عند اصدقائه التُجار في الاسكندرية حتى وفاته.
- الذكرى الأقدموالأقوى لديّ عن والدتي هي العبارة التي طالما كانت ترددها على مسمعي في طفولتيقائلة: انت رضعت لبن الحزن. ذلك لأني ولدت بعد 19 يوماً من وفاة اخي الذي ولد قبليبسنة او سنتين في الاسكندرية، فنذروني كي يجري تنصيري في أخميم التي كان لعلاقتيبها تأثير كبير في حياتي، قبل ان أعرفها وتطأها قدماي.
- في العاشرة من عمره، صحا ذات صباح مننومه في بيته على صياح والده النائح: ولدي... ولدي... ولدي، لحظة وصله خبر مقتلابنه البكر من احدى زوجتيه السابقتين، بعدما دهسه قطار.
- كان عمري نحو ستسنوات حين أخذني أهلي الى اخميم لايفاء النذر بتنصيري وتعميدي هناك. أذكر ان الرحلةكانت شاقة في القطار، وعن سلّم بيتنا الذي كان بلا سياج في اخميم سقطت فأصبت بجرحبليغ في ركبتي، لم يندمل أثره حتى اليوم.
- في أثناء الحربالعالمية الثانية، كانت الاسكندرية تُضرب بالقنابل، عندما قرر والدي أن يرسلنا، أميوأنا واخوتي واخواتي، الى مسقطه في أخميم، ويظل وحده منصرفاً الى عمله فيالاسكندرية. كان ذلك في العام 1940 او العام الذي تلاه، فاستغرقت رحلتنا في القطارنحو 17 ساعة للوصول الى اخميم بين المنيا والأقصر في الصعيد.
- انضم الى الحزب الشيوعي وذلك لشعوره بالظلم الاجتماعي وفقدان العدالة حيث كان يشعر بأن العالم من حوله ليسعادلاً، بل ظالم، بسبب أمرين اثنين:
- الاول: فقداني خالتي واخويّ وأختيّ الذين خطفهم الموت علىنحو متواتر او متتابع.
- الأمر الثاني الذي يلازمالأول ويوازيه في دفعي الى اليسار، كان محنة الظروف المادية وقسوتها. فاليسروالرفاه اللذان عرفهما والدي قبل ازمة 1936 الاقتصادية الخانقة، انقلبا عسراًوضيقاً بعد تلك الأزمة، مما فاقم احساسي بالظلم واللاعدالة.
- سجن بسبب نشاطه السياسي والحزبي مع إعلان الأحكام العرفية في أيار ،1948 وطاولت جميع الفئاتاليسارية والوفديين. وامضى في المعتقل 20 شهرا.
- عانا من الضيق المادي خلال عمله في شركة التأمين وبعد تخليه عن الوظيفه ليعمل كاتبا.
- كان لكارثة هزيمة الـ 1967 اثرها عليه .
- ظل يشعر انه وحيد ولا صلة وثيقة تجمعه بأحد.
- عمل أثناء الدراسة عقبوفاة والده منذ عام .1943 ( ومان عمره عندها 17 سنة ).
- سافر الى معظمبلدان أفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا في رحلات عمل.
رضع لبن الحزن وعانا الكثير من موت أخوه الأكبر منذ ولادته ثم موت أخاه من أباه وهو في سن العاشرة ، وموت أخته كما يقول وهو صغير وموت خالته، ولكن الأهم هو موت والده وهو في سن السابعة عشره والذي كان قد تعرض للإفلاس بينما كان الخراط في العاشرة ليعيش حياة بؤس وفقر شديد.

يتم في سن الـ 17

ايوب صابر 11-17-2011 03:50 PM


9- حدث أبو هريرة قال – محمود المسعدي – تونس
حدث أبو هريرة قال:
هو عمل أدبي للكاتب التونسي محمود المسعدي، بث من خلاله أفكاره الفلسفية الوجودية من خلال البطل أبو هريرة معتمدا على لغة مكثفة وقديمة. اعتبرها الناقد توفيق بكار أهم مغامرة روائية في القرن العشرين واختيرت من أفضل 100 رواية عربية من اتحاد الكتاب العرب. وتحتل حسب هذا الترتيب المرتبة التاسعة.
==

كتابه الأشهر "حدّث أبو هريرة قال"، لا يحيل إلا إلى مرجعة دينية، وعندما كانت رفوف مكتبات الشركة الوطنية للنشر والتوزيع بالجزائر ممتلئة به، وقد نشرته بالاشتراك مع "دار الجنوب" التونسية. فاعتقده البعض كتابا في السنة النبوية على غرار "من كنوز السنة"، لكن الذي اشتراه وقرأه ساهم بقسط كبير في زلزال كيانه وحدث له مثل ما حدث لتلك الشخصية التي تحمل اسم ذلك الصحابي الشهير. لقد كتب المسعدي ذلك الكتاب سنة 1939، الذي يمكن أن يصنف كـ"رواية"، وليست أي رواية، فهي تجريبية بامتياز، واستفاد فيها بذكاء نادر من طريقة الرواة في التراث العربي القديم، وفي الوقت نفسه كانت تنبض حد التشبع بالفلسفة الوجودية التي كانت موضة العصر ساعتها والعالم تمزقه الحروب الكونية الكبرى.
ولم يكن المسعدي مجرد كاتب يرصف الكلمات، فلم يكتب إلا ثلاث أعمال سردية (السد، وحدّث أبو هريرة قال، ومولد النسيان)، بين ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، ولما استقل بلده تونس، خاض نضالا ثقافيا من نوع آخر، ووصل أصبح على رأس وزارة التربة، ثم وزارة الثقافة، وكانت له بصماته الواضحة في المشهد الثقافي والتربوي التونسي رغم مرور السنين. وعندما توارى خلف المشهد السياسي التونسي طمع الكثير من محبيه في ان يعون إلى الكتابة السردية من جديد، لكنه آثر الصمت إلى أن أخذه الموت في آخر شهر من سنة 2004 وهو في الرابعة والتسعين من عمره.

ايوب صابر 11-17-2011 03:50 PM

الأصالة والمعاصرة في رواية " حدّث لأبو هريرة قال"

1) البناء الخارجي بين الأصالة والمعاصرة:

أورد خالد الغريبي في مصنّفه " جدليّة الأصالةوالمعاصرة في أدب المسعدي " ص93 أنّ نصّ "حدّث أبو هريرة قال " ألّف قبلجوان1940، وقد صدر عن الدّار التّونسية للنّشر كاملا(22حديثا) عام 1973 أوّل مرّة وعندار الجنوب للنشر سنة 1979 حلّته مقدّمة الأستاذ توفيق بكّار.


ويتنزّل هذا الأثرضمن محور الرّواية العربية. وتستدعي هذه الإشارة أن ننطلق من تحديد مفهوم الرّوايةباعتبارها جنسا أدبيّا.على أنّ ذلك ليس بالأمر الهيّن، إذ التحديدات متنوّعة لكنّأكثرها وضوحا ما سال من قلم"لوكاتش" الذي يرى الرّواية بحثا مختلاّ يخوضه بطل ممسوسيحمل في ذهنه قيما ورغبات وتصوّرات تتنافر مع السّائد. ومن ثمّ ، فالنّصّ الروائيإخبار عن مسيرة بطل لها أطر تستوعب أحداثها، وفواعل أو شخوص تسهم في مساعدة البطل أوعرقلته .
وفضلا عن هذا وذاك ، فهي حكاية ذات مغزي إليه يرنو المبدع. ولمّا عدّنصّ"حدّث أبوهريرة قال" رواية فهو مستجيب بالضّرورة للأبعاد المتقدّم ذكرها . إنّتلك إشارات يمكن أن تتّّخذ بيّنات على عمق اتصال الأثر بأشكال التعبير الحديثة وذاكجانب المعاصرة في نصّ المسعدي.
لكنّ متصفح" حدّث أبو هريرة قال" يمكنه أن يجدهاسلسلة من الأخبار تناقلها الرّواة بعد أن قضى البطل ، وهي تتضمّن ما صمد من أفعالهوأفلت من دائرة الفناء. ونصّ المسعدي عندئذ له مزية جمع تلك الأخبار ولصاحبه فضلالتدوين.إنّ اتّخاذ الخبر نواة لبناء صرح الرّواية يرتدّ بنا إلى ثقافة ضاربة فيالقدم ،الثقافة العربية عندما كانت قائمة على المشافهة والمعارف تتناقلها الألسن .والخبر بنية سردية تنحدر إلينا من الموروث فهو الشكل الذي وردت عليه أقوال الرّسولصلّى الله عليه وسلّم وسيرته وأيام العرب وهو الوعاء الذي سكب فيه الجاحظ نوادرهوالهمذاني مقاماته، وإجمالا فإنّ بنية نواة الرّواية رباط متين يشدها إلى ذاك الزمنالعبق الغابر.
وإن تخطينا المسح الخطّي لكامل الأثر ونظرنا في بنية الخبرالواحد فإنّ ما يسترعي انتباهنا ظاهرة التصدير، إذ كثيرا ما مهّد المبدع للخبربمقولات بعضها مقدّس كالآيات القرآنيّة وبعضها إبداعي فسمعنا أصوات أبي العتاهيّةوالتّوحيدي والغزالي . تجتمع تلك المقولات على اختلافها في الارتداد بالنصّ إلىفضاء تالد وجذور أصيلة ، وليس النص القرآني ومقولات المفكّرين العرب إلاّ الأسس التينهضت عليها الحضارة العربية في عصرها الذهبي.
على أنّ الأصوات التي علت فيفاتحة الأحاديث لم تكن لتقتصر على الفضاء الثّقافي الموروث بل تخطته لتنبعث من لحظةراهنة وثقافة معاصرة اتسعت لتشمل مقولات "ابسن".. وما ذاك التصدير إلاّ حجّة علىقطب معاصر ينازع قطب الأصالة.إنّ بناء الأثر أو بناء الخبر الواحد ساحة تدافعالحاضر والماضي والموروث والوافد.

2
- البطل بين الأصالةوالمعاصرة:
توفّر شخصية البطل لمستهلك النصّ متعة الارتحال بين زمنيينولذ’ الارتحال بين ثقافتين، فبعض ما في الشخصيّة -اسمها- يحيي أشهر رواة أحاديثالرّسول صلّى الله عليه وسلّم ويستدعي أحد النّحاة ، على أنّ المنصت إلى ما سال علىلسان أبي هريرة من أقوال وما صدر عنه من أفعال يكشف انتماءه إلى لحظة ثقافية راهنةإذ أنّ مسيرته تعكس رؤية للوجود منبعها الفلسفة الوجودية. فبطلنا جذر قدمه الأولىفي الماضي وغرسها في ذاك الموروث الشرقي ووضع قدمه الثّانية في الحاضر لتستوعب ماأنتجه الفكر الإنساني. أبو هريرة بين الدّائرتين متراوح بعضه أصيل منحدر من الماضيوبعضه معاصر انبثق من الحاضر وكان البطل تأليفا بينهما ومستودع أليه انتهى الرافدان .
ولم تفلت مسيرته من فلك تلك الثّنائية فكان بعض منها سيرا على منوال الوجوديينفي سعيهم إلى ملء الذات ونحت الكيان ونعني بذلك تجربة الحسّ والجماعة والرّوح ،وكانالبعض الأخر إتباعا لرؤية المتصّوّفة وإنصاتهم إلى الصمت غاية إدراك معنى الوجودالحقّ وسرّ الحياة الأصيل ليطلّق المحدودية وينفتح على الخلود وينتصر على الموتوذاك ما تحتضنه تجربة الحكمة في نهض جوانبها .ولعلّ حديث البعث الآخر يدعّم ماذهبنا إليه فقد حققّ البطل رغبة أفصح عنها في بداية الرّواية:لقد وقف بطلنا علىقمّة جبل سرعان ما طلّقه وطار ، تلك لحظة الحلول بالمطلق و الفناء فيه وهي مطلب كلّمتصوّف.

3
-الأزمنة والأمكنة بين الأصالة والمعاصرة:
إنّ زمن الأحداث في رواية المسعدي يبعث في ذهن القارئ عصر النّاقةوالقافلة والإغارة والصّعلكة والسّبي ويمتدّ ليشمل فجر الاسلام، وكانت الأمكنة- مكّة بمساجدها وصحرائها ..-فضاءات تومئ إلى شبه الجزيرة العربية في لحظة تاريخيةغابرة . على أنّ ما انتجته شخصية البطل من خطاب يجعل ملامح الماضي مشربة بالحاضروالأصيل بناكب المعاصر. فيجد القارئ نفسه في حيرة منبعها عجز عن تنزيل أزمنة الحدثالرّوائي وأمكنته في حدود واضحة. ويقرّ الغريبي في دراسته بإفلات أطر الرّواية منقبضة الماضي وسلطان الحاضر.فهي مجال أخر من مجالات من تدافع الأصيلوالمعاصر.

4 - تقنيات السرد بين الأصالةوالمعاصرة:
عرض المسعدي أحداث مغامرة بطله على نحو يظهر امتلاكه لتقنياتسرد متنوعة فكان التتابع والتضمين والتقاطع:
-
التّتابع:وهو السرد الخطي ، قوامهعرض الأحداث وفق منطق التعاقب وكان التتابع منطق نظم وقائع حديث "البعث الآخر" فقدتمّ عرضها متدرّجة نامية وتكشف بعض القرائن التعاقب من ذلك" ولمّا كان منالغد...مضت ساعة...ثمّ"
-
التّضمين: وهو إسناد قصّة في قصّة بالاستناد إلىالومضة الورائية أو التذكّر لإدراج حدث ماض له ما يشابهه في الحاضر، فأبو هريرة فيحديث الحقّ والباطل ينسلّ من لحظة راهنة ليسترجع ذكرى موت أخته.
-
التقاطع: وهوضرب من التداخل بين أزمنة النصّ ويتجلّى هذا النوع من القصّ في "حديث القيامة" حيثلعب المبدع بالأزمنة لعبا مغريا. كانت بداية الحديث رغبة أبي هريرة شراء شموع منأبي المدائن لإحياء حفل وتلتقي الجماعة ليلا بضيعة البطل وينطلق الغناء... ثمّ تغيمالسماء وينتشر الفزع فيأخذ أبو هريرة ريحانة خلفه وينطلق بها .. عندها يسرد أبوالمدائن حدثا ماضيا – إحراق البطل منزله وموت زوجته وسرعان ما يتلقّف أبو هريرةالسرد ليغدو منطلقه وأبو المدائن منتهاه.
يبدو التتابع و التضمين من تقنياتالسرد الموروثة ونجد لهما حضورا في أشكال السّرد القديمة "الحكاية المثليّة، رسالةالغفران " في حين نرى التّقاطع أو تداخل الأزمنة من أنواع السرد المعاصر .ومن ثمّفتقنيات السّرد تعمّق مبدأ النزاع بين الأصيل والمعاصر .
إنّ العلاقة بينالأصالة والمعاصر في رواية المسعدي لا تقوم على التجاور أو التعاقب بل هي مشيّدةعلى جدل وتدافع.
يمكن أن نجد مبررات لهذه الثنائية ونستطيع أن نحدّد لها غايات، قد يعود حضور الموروث والمعاصر في الرّواية إلى ثقافة المبدع ذات الرّوافدالمتعددة ،فترجمة المسعدي تظهر انتقاله بين مؤسسات تعليمية تقليدية تنحدر من زمنسحيق – الكتّاب – وأخرى حديثة أنشأها الآخر القويّ. أمّا دلالات الحضور فإنّها لنتخرج عن التأصيل والتجذير للرّواية كجنس وافد والانفتاح على التجربة الإنسانية.

ايوب صابر 11-17-2011 03:53 PM

محمود المسعدي
محمود المسعدي (1911 - 16 ديسمبر 2005) كاتب ومفكر تونسي. ولد في قرية تازركة بولاية نابل بتونس. وبدأ تعليمه في كتّاب القرية حيث أتم حفظ القرآن قبل أن يبدأ مرحلة التعليم الابتدائي في قربة. ثم أتم الدراسة الثانوية في المعهد الصادقي عام 1933. وفي العام نفسه، التحق بكلية الآداب بجامعة السوربون ليدرس اللغة العربية وآدابها. وتخرج منها عام 1936، وشرع في إعداد رسالته الأولى " مدرسة أبي نواس الشعرية "، ورسالته الثانية حول " الإيقاع في السجع العربي "، إلا أن الحرب العالمية الثانية قد حالت دون إتمامهما. ونشرت الثانية، لاحقاً، بالعربية والفرنسية. وقام المسعدي بالتدريس الجامعي في كل من تونس وفرنسا.
وإلى جانب التدريس الجامعي، انخرط المسعدي في السياسة، حيث تولى مسؤولية شؤون التعليم في حركة الاستقلال الوطني التي التحق بها مناضلا ضد الاستعمار الفرنسي، كما لعب دورا قياديا في العمل النقابي للمعلمين.
بعد الاستقلال عام 1956، تولى المسعدي وزارة التربية القومية، وحيث أسس الجامعة التونسية. وقبلها، كان قد تمكن من إقرار مجانية التعليم لكل طفل تونسي. وفي 1976، تولى المسعدي وزارة الشؤون الثقافية. قبل أن ينهي حياته السياسية كرئيس مجلس النواب وبالإضافة إلى تلك المسئوليات، كان للكاتب نشاط وافر في منظمتي اليونسكووالأليكسوومجمع اللغة العربية في الأردن. وكذلك أشرف على مجلة " المباحث " عام 1944، ثم على مجلة "الحياة الثقافية" عام 1975.
كتب المسعدي أعماله الهامة بين العامين 1939و1947. وتكشف هذه الأعمال عن التأثير القرآن على تكوينه الفكري والعقائدي وعلى أسلوبه. كما تنم أعماله عن إحاطته بأعمال المفكرين المسلمين في مختلف العصور، وبالأدب العربي القديم التي بدأ اهتمامه بها منذ مرحلة دراسته الثانوية، بالإضافة إلى اطلاعه الواسع العميق على الآداب الفرنسية خاصة والغربية عامة.
مؤلفات المسعدي
==
محطات في حياة الأديب الكبير محمود المسعدي

تونس – من محمودالحرشاني


غيب الموت فجر يوم الخميس 15 ديسمبر 2004 أديب تونس الكبيرالكاتب محمود المسعدي، عن سن تناهز الثلاثة والتسعين عاما.
ولقد أثر المسعديتأثيرا كبيرا في تكوين الأجيال التونسية، حيث التقت هذه الأجيال لسنوات عديدة معأعماله، ودرسوه وتعمقوا في عوالمه وأجوائه. وترك الكاتب الكبير محمود المسعديمجموعة من الأعمال الخالدة التي ارتقت بمكانته الأدبية، وجعلته بحق أحد المفكرينالكبار في تونس والعالم العربي.
وأهم أعمال الكاتب والأديب محمود المسعدي هيكتابه الشهير " السد" وكذلك كتبه الأخرى " حدث أبو هريرة قال..." ومولد النسيان" وتأصيلا لكيان.. ثم كتابه الأخير " من أيام عمران" وبهذه الكتب، وخصوصا بكتبهالأربعة الأولى تدعمت مكانة محمود المسعدي وتوسعت شهرته الأدبية كرائد من روادالقصة والرواية في تونس والعالم العربي.


وتأسست ملامح مدرسة أدبية كاملة تستوحيعوالمها وأسسها ومرتكزاتها من عوالم محمود المسعدي الأدبية، رغم أن المسعدي بشهادةكبار النقاد والدارسين عصي عن التقليد... ومن أشهر تلاميذ هده المدرسة والذين سارواعلى نهج مؤسسها يأتي فرج الحوار وصلاح الدين بوجاه في المقدمة أما محمود طرشونةالكاتب والأستاذ الجامعي، فقد بلغ به حبه لمحمود المسعدي والتأثر به، إلى حد أنهاستغل على إخراج آخر أعماله وإعداده للنشر وهو كتابه الأخير " من أيام عمران" الذيكتبه المسعدي في جذاذات وأوراق متفرقة لسنوات الشباب.
وقضى طرشونة وقتا طويلا فيجمع هذه الأوراق وتبويب ما جاء فيها وما خطه فيها محمود المسعدي وإخراجها للناس فيكتاب ورغم أن محمود المسعدي كتب كتبه الأربعة الشهيرة في سن الشباب، ولم يكتب بعدهاأي كتاب جديد، فقد علل ذلك في عديد المناسبات أنه كتب كل ما كان يرغب في كتابته. ولكن ذلك لم يقلل من مكانة محمود المسعدي الأدبية ولم ينل من مكانته كرائد من روادالأدب التونسي المعاصر، وأحد أعلام الأدب العربي الكبار.
ولقد نهل المسعدي منمعين المدرسة الغربية وتأثر إلى حد كبير بالفلسفة الوجودية التي من أعلامها جون بولسارتر والباركامي ولكنه تشبع قبل ذلك بثقافة إسلامية عميقة، نجد ملامحها في كتابه " حدث أبو هريرة قال" الذي يعد من أشهر كتبه بعد كتابه الأشهر " السدّّ"
ولقد حملالمسعدي في فكره ووجدانه: طموح جيل كامل من المثقفين البناة الذين كانوا يناضلون منأجل بناء ثقافة تونسية أصيلة مواكبة لروح العصر ومتحررة من الجمود والتكلس.
ويعدكتاب محمود المسعدي " السد" من أشهر الكتب الروائية العربية، وحاز هذا الكتاب شهرةكبيرة في تونس والعالم العربي والتقى به عديد الدارسين الذين وقفوا على ما توفرتلهذا الكتاب من عناصر القوة في البناء والفكرة والموضوع والطرح.
وشهد بقيمتهالفنية والأدبية كبار الأدباء والكتاب العرب وفي مقدمتهم عميد الأدب العربي طه حسينوصاحب جائزة نوبل نجيب محفوظ وغيرها من أعلام الأدب العربي.
ومثلما ارتبط اسممحمود المسعدي بتاريخ الثقافة في تونس، باعتباره أحد روادها الكبار وأحد وزراءالثقافة السابقين، كما كان أول وزير للتربية في تونس المستقلة لمدة عشر سنوات.. فقدارتبط اسم محمود المسعدي بدوره البارز في تطوير مناهج الثقافة وفق أسس الحداثةوالتنوير.
كما ارتبط اسم محمود المسعدي بتأسيسه للعديد من المجلات الرائدة فيتونس، ومن أهمها مجلة " الحياة الثقافية " التي لا تزال تصدر إلى اليوم عن وزارةالثقافة ومجلة الحياة البرلمانية، لما انتخب رئيسا لمجلس النواب التونسي، ولا تزالهذه المجلة تصدر كذلك إلى اليوم.
كما اقترن اسم محمود المسعدي بمجلة المباحثالتي أسسها في الثلاثينات من القرن الماضي الأديب محمد البشروش صديق أبو القاسمالشابي وترأس تحريرها، كما كتب فيها العديد من الأقاصيص والفصول الأدبيةوالفلسفية.
ولقد تركت وفاة المسعدي الأديب الكبير لوعة وحسرة لدى كل المثقفينوالأدباء والكتاب في تونس والعالم العربي. ونقلت الصحف التونسية تصريحات لأدباءتونسيين وعرب عبروا فيها عن مشاعر الحسرة والأسف لغياب الأديب الكبير محمودالمسعدي.


فقد لاحظ الأديب المصري يوسف القعيد، في تصريح لجريدة الصحافة التونسيةأن الأديب محمود المسعدي يعد واحدا من أعمدة النص الروائي العربي ليس في تونس وحدهاولكن في الأدب العربي عموما، مشيرا في ذات التصريح إلى احتفاء عميد الأدب العربي طهحسين بكتابات محمود المسعدي والكتابة عنها في جريدة الجمهورية منذ سنة 1955، كماأنه أحد الروائيين العرب الكبار الذين استوحوا التراث العربي القديم في كتابةروائية حديثة متقدمة تطرح هموم الانسان.

الأديب المصري عبد التواب يوسف وصفمحمود المسعدي بكونه الكاتب الشامخ الذي استطاع من بين جيل الرواد القدامى أن يفرضنفسه على الساحة الأدبية العربية. وقالت الأديبة المصرية هدى جاد أن وفاة المسعديأمر محزن لأنه يذكر بانفراط حبات العقد الفريد.

أما الأدباء التونسيون فقد كانحزنهم كبيرا على رحيل عميد الأدب التونسي والمغاربي محمود المسعدي فقد لاحظ الروائيوالكاتب عبد القادر بلحاج نصر أن المسعدي امتاز عما سبقه وعاصره بأسلوب أدبي ارتفعحتى عائق الكمال وصفا حتى أصبح هو الجودة نفسها، نهل من جمالية القرآن وبديعالقدامى، وأخذ من هموم العصر وقضاياه ومن مشاغل المحيط ومسائله فأخرج إبداعاإنسانيا تجاوزت لشهرته الوطن ليشغل الكثير من أهل الفكر والثقافة في العالم العربي. أما الشاعر والأديب محمد الغزي فقال : أنه إذا كان الشابي يمثل حداثة النص الشعريفإن المسعدي يمثل حداثة النص السردي، ونص المسعدي ينتمي إلى جنس الكتابة، الكتابةعلى وجه الحقيقة والإطلاق حيث تتشابك كل أجناس المعرفة.
وبين الروائي ابراهيمالدرغوتي أن المسعدي يمثل الاستثناء في الأدب التونسي إذ مكن الأدب التونسي منالخروج من المحلية الضيقة إلى رحاب أوسع في بلاد العرب وعالميا أيضا.
وتقديرالمكانة المسعدي الكبيرة، باعتباره أحد رواد الثقافة والفكر وأحد القلائل الذين سماعلى أيديهم الأدب التونسي وخرج من محليته الضيقة باتجاه العالمية، حيث ترجمت أعمالهإلى عديد اللغات.
حصل المسعدي في حياته على العديد من الجوائز، وأهمها جائزةالثقافة المغاربية التي أسندها له الرئيس زين العابدين بن علي كما تولت وزارةالثقافة خلال السنة الماضية إصدار أعماله الكاملة في أربع مجلدات ضخمة بما يليقبمكانته الأدبية، ويحفظ آثاره بين الأجيال. ولقد شاء القدر أن يواري جثمان الأديبالكبير محمود المسعدي الثرى في يوم ممطر، وتولى تأبينه وزير الثقافة والمحافظة علىالتراث الأستاذ محمد العزيز بن عاشور الذي وصف المسعدي بكونه كان طوال مسيرتهالنضالية صوتا صادقا بالوطنية والتجذر والعقل ورائدا من أهم رواد الفكر المعاصر. ولقد نعت عديد التنظيمات الرسمية والشعبية في تونس الكاتب الكبير محمود المسعدي،مبرزة دوره وريادته في الفكر والحضارة ولقد كتبت عن المسعدي وأدبه آلاف الدراساتوالبحوث وعشرات الكتب.

المقال فصل من كتاب سيصدر خلال سنة 2007 للكاتب محمودالحرشاني

ايوب صابر 11-17-2011 03:54 PM

الأعمال الكاملة لمحمود المسعدي في أربعةمجلدات


تونس: حياة الرايس
صدرت منذ ايام في تونس الاعمال الكاملة للكاتب محمود المسعدي، عن دار الجنوب للنشر. وقد تولى القيام بالجمع والتقديم والببلوغرافيا الدكتور الناقد محمود طرشونة الذي عرف باهتمامه الكبير بأعمال محمود المسعدي. وقد رافقه في مختلف مراحل مسيرته الادبية والفكرية.
وتضمن الجزء الاول من هذه الاعمال الآثار المعروفة للمسعدي هي: «كتاب السد» و«حدث أبو هريرة قال...» و«مولد النسيان» وقصتي «المسافر» و«السندباد والطهارة» وكتاب «من ايام عمران» الذي حققه ايضا وجمعه الدكتور طرشونة واظهره للقراء «قبل صدور الاعمال» مع «تأملات» تجاوز عددها المائة وارفقه بملحق «قصة القصّة» وهي حكاية تروي رحلة بحثه وتنقيبه عن هذه الاوراق التي اكتشف البعض منها على شكل خربشات على جذاذات بعض الجرائد القديمة. وقد قدم هذا الكتاب الدكتور الناقد توفيق بكّار.
وآخر ما احتوى الجزء الاول نصا بعنوان «بظاهر القيروان» وهي قطعة تمثيلية ذات فصل واحد ومنظر واحد.
المجلد الثاني ضم الاعمال الثقافية بدءا بـ «تأصيلا لكيان» وهو مجموعة مقالات ومحاضرات في الادب والفلسفة والثقافة وهي: «صحائف كتبت على وجه الدهر مختلفات، تمحيصا للرأي والتعبير، وحفاظا لعهد الفكر جلاله، والقلم حريته والاباء حرمته، والجهاد آدابه، في فترات توالت وتباعدت في الزمن العديد، وتقاطعت متصلة في امتداد سؤال واحد لا يزال حتى اليوم ينشد جوابه ومن اقدم القدم كان السؤال: «لزوم ما لا يلزم» في كيان الانسان»، كما جاء في تقديم محمود المسعدي نفسه لها. كما ضم هذا الجزء نظرية صاحب هذه الاعمال حول: «الايقاع في السجع العربي» وهي رسالة دكتوراه اعدها في جامعة السربون ولم يتفرغ لمناقشتها بسبب انشغاله بمهام ومسؤوليات وزارة التربية القومية آنذاك (1958 ـ 1968) عندما كان وزيرا لها. وقد ورد هذا البحث كاملا بالفرنسية في المجلد الرابع.
المجلد الثالث احتوى على مقالات ومحاضرات ومقدمات وحوارات عديدة كانت مشتتة ومتفرقة بعضها في الصحف والجرائد وفي اشرطة سمعية وبصرية داخل تونس وخارجها وبعضها مدون في رقاع مخطوطة تقتضي التدقيق والتهذيب جمعت الآن في مجلد واحد مما يسهل عملية البحث بالنسبة لأي طالب او باحث او ناقد يريد البحث في فكر الاديب الكبير محمود.
==

ماذا يتبقّى من محمود المسعدي ؟



إنّ الحديث عن محمود المسعدي وقد أصبح من الخالدين قد لا يختلف عن الحديث عنه وهو حيّ لأنّ أعماله الأدبية وسيرته في الحياة تكرّست في الأذهان من زمن وأصبحت جزءا من الثقافة التونسية. ومن ذا الذي مرّ بقسم الباكلوريا آداب ولم يتفحّص "السدّ" أو "حدثّ أبو هريرة قال" إن لم يدفعه الفضول إلى قراءة "مولد النسيان" و "تأصيلا لكيان" و "من أيام عمران"(في في الفترة الأخيرة). إنّ المسعدي ارتبط بذاكرة عدّة أجيال لا لأنّ موقعه السياسي والإداري يسمح له بأن يتربّع على عرش البرامج المدرسية بل لأنّه جدير بذلك بدليل أنّه حافظ على هذه المكانة وهو خارج مواقع النفوذ ولا ننسى أنّ البرامج الجامعية التي لا تخضع إلاّ لاعتبارات علمية أعطت المسعدي حقّه من الدراسة والبحث.
ما الطريف في أدب محمود المسعدي وهو من المقلّين وأغلب أعماله أنجزها في فترة سابقة لتاريخ الاستقلال ؟
إنّ أصالة هذا الأدب ووفاءه لجوهر الإنسان هي التي مكّنته من أن يفتكّ الإعجاب إلى حدّ أنّ المخيال الشعبي نسج حكايات عن " السدّ " وعن العلاقة بين صاحبه وعميد الأدب العربي ونُسبت إلى طه حسين أقوال لم ترد في المراسلات التي نشرت .
أ-) لغة المسعدي
إنّ ما نخرج به من هذه القصّة يتمثل في أنّ المسعدي حريص على أن لا يكرّر نفسه، وقد كان معروفا بصرامته في العمل مع تلامذته ومع الأساتذه أمّا في الكتابة فقد تمثلت الصرامة في علاقته باللغة فهو يقسو عليها ويشذّبها من كلّ الزوائد فلا يسمح لها بالخروج إلى النّاس إلاّ وقد تهذّبت واستقامت وتجلّت فكانت في خير صورة شاءها صاحبها،.
لقد كتب المسعدي نثرا ولكنّه صاغه وهو مدرك لقيمة اللغة وإيقاعاتها، أوَ لم يخصّص بحثه الأكاديمي للنظر في الإيقاع في النثر العربي ؟ إنّه يكتب من ذاكرة مكتضّة تتزاحم فيها نصوص الجاحظ والتوحيدي وأخبار الأصفهاني وإيقاعات المقامات فكانت كتابة منحوتة نحتا من اللغة الصوان. وإن نحن استثنينا فقرات من السدّ، فقد جاء نثر المسعدي كأنه شعر بفعل ما توفّر فيه من جمال الإيقاع وحسن السبك والنظم بعيدا عن حوشي الغريب، يتوفر على جمال الصورة وبلاغة الإيجاز. يغنيك قليله عن كثير من اللغو والثرثرة. وليس غريبا أن يحاول العديد من الأدباء المعاصرين النسج على منواله والانتماء إلى مدرسته في كثير من الفخر والاعتداد ومن أمثلة هؤلاء نذكر صلاح الدين بوجاه ومحمد الدلاّل وفرج الحوار وفرج الغضاب ...
ب-) المسعدي الوجودي
إنّ قارئ مولفات المسعدي يدرك بوضوح اعتناق الرجل للمذهب الوجودي ولعلّه متأثر في ذلك بثقافته وبإقامته في فرنسا زمن ازدهار هذا المذهب. غير أنّ وجودية الرجل تختلف عمّا ألفناه في كتابات سارتر وكامو، لأنّه - ومثلما صرّح بذلك أكثر من مرّة - لم يكتب شيئا يدل على أنّ الحياة عبث.
لا شكّ أنّه يؤمن أنّ الوجود يسبق الماهية وما على الإنسان إلاّ أن ينحت وجوده ويصوغ ذاته ويحقّق ماهيته من خلال ما يعرض له من تجارب. أليست هذه الفلسفة احتفالا بالإرادة في معناها السامي؟ فيها الكثير من النفس الاعتزالي وتؤمن بجدارة الإنسان في أن يتحمّل أمانة هذا الكون، إنّ غيلان هو أبو هريرة وهو أنت وأنا وكلّ إنسان وعى ذاته وعزم على أن يحقق وجوده الفردي والجماعي. هو الإنسان الذي قبِل الأمانة وتحمّل أن يكون خليفة اللّه في الأرض بكلّ ما تعنيه الخلافة من معنى. وهو الإنسان الذي طوّر المعارف والعلوم، وذلّل الطبيعة وقاوم الجوع والمرض وسعى إلى ما فيه خير البلاد والعباد، هو الإنسان الذي بنى الحضارة ونشر قيم الحقّ والعدل والحبّ.
وجودية المسعدي لا تقنع بالموجود بل تطمح دوما إلى المنشود حتّى إن كانت تؤمن أنّها قد لا تدرك مطلق المنشود لأنّه صنو الكمال. غير أنّ هذا العمل لا يعني العبثية وغيلان ليس سيزيفا لأنّه يؤمن أن الفعل البشري لا يكتمل ومتى اكتمل الفعل كانت النهاية لأنك كما يقول المسعدي "إن أنت أتممت الفعل قتلته" وطبيعة الإنسان السائر بصفة حتمية وطبيعية إلى العجز والفناء لا حدود لطموحها، وما قد يبدو اليوم معجزة سيبدو يوما آخر عاديا.
كان لا بدّ لسدّ غيلان أن لا يكتمل بناؤه، لأنّه ليس سدّا من حجارة بل هو الحلم الإنساني الذي لا حدّ له أكثر ممّا هو حلم شخص محدّد في الزمان والمكان. ولو أنّ المسعدي جعل روايته تنتهي نهاية سعيدة باكتمال بناء السدّ لكانت قصّة عادية وأقل من العادية لا تستحقّ أدنى اهتمام لأنها ستتحول إلى حكاية اجتماعية تنتهي بالزواج السعيد في فرح وسرور ولفقدت جلّ معانيها الإنسانية الخالدة.
قد نتّهم المسعدي بالقسوة على أبطاله وحكمه عليهم بالفشل والعبث بهم في نهايات مأسوية. ولكنّ المأساة من طبيعة الوجود البشري. ويكفي أنّ المرء يدرك تمام الإدارك أنّه محكوم عليه بالفناء ليشوب النقصان كلّ عمله .
إنّ شخصيات المسعدي وإن كانت كائنات من ورق على حدّ عبارة النقد الحديث فهي كائنات بشرية وليست أسطورية، وكان لا بدّ لأبي هريرة أن ينسحب من مسرح الأحداث لأنّه أتمّ دوره وعاش ما عاش من تجارب متنوعة، ولم يعد له ما يضيف إلاّ أن يكرّر ذاته. وما انسحابه إلاّ إفساح المجال لغيره ليواصل رسالة الحياة ويحيا بدوره نفس التجارب بنفس مختلف نظرا لاختلاف الظروف زمانا ومكانا.
ولقائل أن يقول ما دام الأمر على هذا الشكل من النقصان والفشل، ألا يُخفي إيمانا بعبثية الحياة ما دام سيزيف يسكن كلّ جهد وعمل؟
إنّ المسعدي وإن آمن بأنّ الوجود سابق للماهية فإنّه كان ينطلق من واقع إسلامي ويختار شخصياته من هذا الفضاء وينزّلهم في مشاغل هذا الواقع وفي فضائه الثقافي والروحي . إنّه يكتب لمجتمع تونسي وعربي إسلامي قبل أن يكتب للإنسان في المطلق. إنّه يحمّل شخصياته طموحات هذا المجتمع في النهوض من التخلّف وبناء حضارة جديدة. إنّ المسعدي لا يستنسخ نماذج محنّطة بل يثور على الواقع الموروث ويسعى إلى جعله يعي ذاته ووجوده حتّى يصبح قادرا على الفعل وتحديد مصيره والسعي إلى تحقيق هذا المصير. إنّ معنى الحياة عند المسعدي يكمن في الحياة ذاتها. فأن تعيش حياتك وتحقق وجودك الفردي والجماعي ذاك هو معنى الوجود السامي . إنّ وجودية المسعدي ملتزمة بالفعل، وما دامت قد تنزّلت في واقع عربي إسلامي تخلّف أشواطا عن ركب الحضارة فلا مجال للعبثية لأنّ للفعل السياسي والاجتماعي أو الثقافي معاني جليلة تنتفي أمامها أحزان العبثيين وهي تحتاج إلى عمل أجيال وأجيال لنفي أسباب التخلف واستعادة الراية من جديد مع المحافظة عليها وهو مشروع يحتاج إلى سدود عظيمة تنشد الفعل وتحتفل بالإضافة حتّى يكتمل الصرح أو يقارب الاكتمال ولو بعد أجيال.
ج-) المسعدي بين الكتابة والالتزام
إنّ من شأن النقد الأدبي أن يحاسب الكاتب على ما كتب لا على ما فعل، ولكنّنا ونحن بصدد الحديث عن المسعدي لا نمنع أنفسنا من أن نتساءل إن كان الرجل قد استطاع أن يحقق شيئا ممّا دعا إليه فيما توفّر له من العمر المديد أو سعى إلى تحقيق ما كتب؟
ليس الأمر محاسبة، وإنّما هي الدراسة والرغبة في معرفة مدى التزام الكتّاب العرب بما يدعون إليه من جميل القول وجليل الفعال.
إنّ البحث في حياة المسعدي يحتاج إلى متسع من القول وليته أضاف إلى ما كتب شيئا من أدب السيرة الذاتية ليفيد في هذا المجال ويكشف عن صفحات مجهولة.
كلّنا نذكر أنّ محمود المسعدي عمل في مجالات ثقافية ونقابية وسياسية. فقد لعب دورا رئيسا في مجلّة "المباحث " التي كانت عنوانا لنهضة ثقافية وأدبية زمن صدورها أيام الاستعمار، من غير أن ننسى أنّه أسس مجلّة الحياة الثقافية التي تصدرها وزارة الثقافة باستمرار إلى اليوم فكان له شرف التأسيس . وكان في الأربعينات من مناضلي الاتحاد العام التونسي للشغل فكان النضال ضدّ رأس المال وضدّ الاستعمار البغيض، ولا عجب أن يكون إهداء "السدّ" إلى روح فرحات حشّاد شهيد النضال، رغبة من المؤلف في أن تستمرّ روح حشّاد في الإشعاع ومواصلة الرسالة على الدوام من خلال نضال رفاقه بعده ومن بينه محمود المسعدي.
وفي المجال السياسي كان المسعدي محضوضا بتقلّد مسؤولية وزارة التربية على امتداد 10 سنوات في فترة دقيقة من تاريخ البلاد فكانت المناسبة سانحة لوضع برامج تعمل على تنشئة أجيال تتسلّح بثقافة حديثة من مقوماتها المعرفة والعلم والإيمان بالإنسان غاية ووسيلة، لذا صار تدريس الفلسفة من ثوابت برامج التعليم وتركّز الأمر على تطوير تدريس العلوم والمعارف. ويمكن للباحثين اليوم أن يقوّموا تجربة الستينات في ميدان التربية والتعليم مع ربطها بظروفها المحلّية والعالمية وما قدّمته من نتائج في العقود الموالية.
إنّ تقويم تجربة المسعدي في الثقافة والتعليم، سواء كان الرجل أستاذا أو وزيرا للثقافة أو للتربية تحتاج إلى عمل جماعي وشهادات ودراسات عديدة يمكن على ضوئها أن ندرك مدى نجاح المؤلف في نقل أفكاره ومواقفه إلى أرض الواقع. لا شكّ أنّه ككل عمل بشري سيكون مشوبا بالنّقصان لأنّ جانبا من الأمر يتجاوزه.
إنّ المرء حديث بعده، ولعلّ الأيام القادمة تمكّننا من نفض الغبار عن الكثير ممّا كان خافيا في مخطوطات المسعدي وحياته، ومهما يكن من أمر، فإنّ الرجل استطاع أن يقدّم إضافة كبيرة إلى الإبداع الأدبي في تونس جعلته يشعّ بكتابته في الزمان والمكان. ومما تجدر الإشارة إليه هو أنّ محمود المسعدي وإن عرفناه متقدّما في السنّ فإنّ أغلب إنتاجه صاغه في سنّ مبكّرة مسكونا بحميّة الشباب مثله في ذلك مثل أبي القاسم الشابي، فهل قدر الريادة الأدبية أن تكون شبابية ؟
لقد بقي محمود المسعدي وفيّا لروح الشباب وحميّة الزمن الأول فهل يقتدي به أبناء هذا الجيل لينسجوا على منواله، سعيا إلى تقديم أعمال إنسانية خالدة لتكون تونس رائدة على الدوام بأحفاد ابن خلدون والشابي والمسعدي.

محمّد البـدوي ـ طبلبة - تونس

ايوب صابر 11-17-2011 03:56 PM


· محمود المسعدي أمام اسئلة الكتابة...والوجود
الاربعاء, 02 نوفمبر 2011
محمد الغزي
شرَعتْ وزارة الثقافة التونسية في تنظيم عديد التظاهرات الأدبية احتفاء بمرور مئة سنة على ميلاد الكاتب الكبير محمود المسعدي، وهذه التظاهرات التي تنعقد ، هذه الأيام ، في مختلف المدن التونسية ستتوّج ، خلال شهر كانون الثاني (يناير)، بندوة دوليّة بعنوان « محمود المسعدي مبدعاً ومفكراً...جمالياّت الكتابة وأسئلة الوجود».
ومحمود المسعدي يُعَدّ ،مع أبي القاسم الشابي، من أهمّ رموز الأدب التونسي الحديث ،وأكثرها استقطاباً لاهتمام النقاد والباحثين .فهذا الكاتب الذي نشر أعماله منجّمة في بعض المجلات التونسية ما بين سنتي 1939 و 1947قد اختط لنفسه طريقة في الكتابة مخصوصة تعمّدت تقويض الحدود القائمة بين الأجناس والجمع بين أزمنة لغويّة كثيرة تنحدر من عصور أدبية شتى .
لا شكّ في أنّ هذه الكتابة تحمل في طياتها ملامح اللحظة التاريخية التي صدرت عنها، وتومئ إلى أهم ّالأسئلة الكيانية التي أرّقت الكاتب لكنها استبطنت ،في الوقت ذاته ،إنجازات التراث العربي الجمالية وتشرّبت أسئلته الوجوديّة.
لدى المسعدي قناعة ما فتئ يدافع عنها ويعدّد الحجج لتوكيدها، وهي أن للأدب «جوهراً» ثابتاً لا يتغير مهما تعددت أشكاله وتباينت مدارسه ...وهذا الجوهر هو الإفصاح عن «مأساة الإنسان» ومحنته أمام «الموت ، أمام الحياة ،أمام الغيب، أمام الآلهة ،أمام نفسه...». لهذا اختار أن يعقد علاقة صداقة مع كبار الأدباء والشعراء في كل العصور...بل حوّل الكتابة إلى ضرب من الحوار معهم ،يُصغي إليهم ،يجادلهم ،يسترفدهم....فهُمْ حوله ،قريبون منه،يلهمونه،يذكّرونه باستمرار بمحنة الإنسان في حفل الوجود...
لكنّ هذا الحوار لا يتجلىّ في طبيعة الأسئلة التي نهض عليها أدب المسعدي فحسب وإنما يتجلى أيضاً في لغته وأساليبه وطرائق أدائه. فالكتابة ،لدى المسعدي ،احتفال كبير باللغة،بإمكاناتها التخييلية ،وطاقاتها الاستعارية...واللغة في مختلف أعماله الأدبية ليست دلالات فحسب وإنما هي أجراس وإيقاعات وأصوات..فالمسعدي لا يفصح عن تجربته بمعاني الكلمات فحسب وإنما بموسيقاها ، بظلالها الإيقاعية . فأعماله وريثة مقابسات التوحيدي وقصائد أبي نواس وطواسين الحلاج وروايات دستيوفسكي وخواطر نيتشة..اللغة فيها منبثقة من الأماكن الأكثر عمقاً في الكائن ... الأكثر ظلمة...الأكثر غموضاً...فهي ليست مجرد أداة للتعبير وإنما هي حضور وحياة وكينونة، تشدّ الانتباه إليها قبل أن تشدّه إلى شيء آخر خارج عنها.
وتتجلىّ هذه الخصائص أقوى ما تتجلىّ في عمليه اللافتين «حدّث أبو هريرة قال» و «السد» ...أمّا عمله الأول فيصوّر مغامرة البطل» أبي هريرة» يخوض جملة من التجارب هي أقرب ما تكون إلى عدد من المقامات الصوفية يُرتقى معارجها تباعاً إلى أن يبلغ أقصاها وهو مقام الاتحاد والحلول..
اختار المسعدي الجزيرة العربية فضاء تتحرك فيه شخصياته....هذه الجزيرة حاضرة في عمله بصحرائها ومدنها ونمط حياتها . لكنّ هذا الفضاء لا يحيل،على رغم ذلك ، على المكان الواقعيّ بقدر ما يحيل على مكان متخيّل ،استمد ّالشاعر عناصره من قصائد الشعراء الجاهليين ومن كتب الأخبار والسير...ولا يختلف الزمان في غموضه عن المكان...فهو أقرب ما يكون إلى الزمان الأسطوري الذي لا يحدّ طرفاه...زمان هو، في الواقع، جماع كل الأزمنة...
الرمزية والوجودية
أمّا الأحداث فهي ذات طبيعة رمزيّة...فهذا العمل يصوّر أبا هريرة وهو ينتقل من حال إلى حال ومن تجربة إلى اخرى.(التجربة الحسية ، التجربة الروحية ،التجربة الجماعية...) لكي يختتم مسيرته الوجودية بالصعود على ظهر جبل والذوبان في المطلق...
هذا النصّ لم يعقد مع المتقبل ميثاقاً سردياً مخصوصاً ، لهذا اختلف النقاد في تحديد طبيعته الأجناسية. فبعضهم عدّه بالأدب القصصي أوثق صلة وإن متح من السرد القديم الكثير من خصائصه، بينما عدّه البعض الآخر أقرب إلى الجنس الروائي وإن جاء في شكل جديد،أما الناقد محمد القاضي فقد ذهب إلى أنّ المسعدي قد اختار أن ينسج على منوال جنس أدبيّ قديم هو الخبر .والخبر وحدة سردية مستقلة.فهذه الأخبار أو الأحاديث التي يضمها كتاب «حدّث ابو هريرة قال...»هي ،في نظر الناقد ،أشبه ما تكون بما نجده في كتاب «الأغاني» حيث يكون أهم ّعناصر التوحيد بين الأخبار اتصالها بشخصيّة واحدة،وإن كنّا نلمح ،بصفة عامة، أنّ الأصفهاني يعمد ،في الكثير من الأحيان إلى مراعاة التطوّر الزمني ما أمكن...
أمّا عمله الثاني «السدّ»، فإنه لا يختلف في مضامينه وأسئلته عن «حدّث أبو هريرة قال...» وإن جاء في شكل حوارية طويلة استعارت من المسرح بعض عناصره وجمالياته.
صوّرت هذه الحواريّة إقدام البطل غيلان على بناء سدّ في أرض قفر ليخزّن ماءها ويروي عطشها ...وما أن ارتفع السدّ وكاد يكتمل حتى انهار، وانهار معه الحلم بالخصوبة والحياة.
هذه النهاية دفعت طه حسين الذي افتتن بلغة الحوارية وأساليبها الرمزية إلى القول إنّ هذه النهاية أحالته على أسطورة سيزيف لألبير كامو مضيفاً : «إن المسعدي آمن بما آمن به الكاتب الفرنسي من أن الحياة ليست لها غاية معروفة يمكن الوصول إليها أو حكمة قريبة يمكن استكشافها...لكنّ المسعدي استدرك على كلام طه حسين قائلاً:هذا العمل إنما هو تجسيد لفهم خاصّ لماهية الإنسان وقدرة الإنسان وشرف الإنسان من حيث هو إنسان.
نهض محمود المسعدي بأدوار سياسية قبل استقلال تونس وبعده. فقد انخرط في صفوف الحزب الدستوري منذ عام 1934 وفي صفوف الاتحاد التونسي للشغل عام 1948 وتولىّ بعد الاستقلال وزارتي التربية والثقافة كما شغل منصب رئيس مجلس النواب.
==
ونس تكرّم الأديب محمود المسعدي باحتفال في ذكرى مئويته
محمد بن رجب
ندوة دولية حول "محمود المسعدي مبدعًا ومفكرًا، جماليات الكتابة وأسئلة الوجود "تنظمها وزارة الثقافة التونسية من 16 إلى 18 ديسمبر 2011 في تونس بالتعاون مع بيت الحكمة واتحاد الكتاب التونسيين في إطار الإحتفال بمئوية المسعدي. هذا الإحتفال سينطلق اليوم الجمعة 7 أكتوبر 2011 في مسقط رأس الأديب المبدع محمود المسعدي في مدينة تازركة من ولاية نابل

ايوب صابر 11-17-2011 03:57 PM

محمد بن رجب من تونس: أدباء ومفكرون عايشوا الأديب التونسي محمود المسعدي سيقدمون شهاداتهم عن المحتفى به، المسعدي الأديب المبدع والمسعدي الإنسان. الإحتفال لن يقتصر على مسقط رأس الأديب محمود المسعدي، بل أعدت وزارة الثقافة برنامجًا دسمًا ينفذ في كل الجهات، ندوات ولقاءات وشهادات ومجالس علمية ومعارض وأشرطة وثائقية للتعريف بأدب المسعدي وإبداعاته ومساهماته وتأثيره في الأدب العربي.
"لا تسلني يا ولدي كيف أكتب نصوصي الأدبية.. إنها عبارة عن ومضات معبرة عن شحنات التفكير في هذه الحياة"... ذاك هو المسعدي الذي أدخلت مؤلفاته الحيرة في العقول، وأثارت أكثر من كاتب وناقد وأديب. المسعدي الذي كان له عميق التأثير على تكوين العديد من الأجيال التونسية، أعمال خالدة تركها الأديب الكبير، جعلت منه أحد أبرز الأدباء العرب، كـ"السدّ 1955"، و"حدث أبو هريرة قال 1973" و"مولد النسيان" و"تأصيلا لكيان" وأخيرا "من أيام عمران" دعمت شهرته، التي جعلت منه رائدًا في كتابة القصة والرواية في العالم العربي.
"من 23 يناير 1911 وحتى 16 ديسمبر 2004" حياة مليئة بالإبداع، قصة ورواية ومسرح، ونضال نقابي وتربوي وثقافي. ذلك هو محمود المسعدي الأديب العربي، الذي تنقل بين جامعة السوربون وجامعة تونس ووزارتي التربية والثقافة والحزب الحر الدستوري التونسي والإتحاد الحاكم التونسي للشغل.
لقد جمع بين الكلّ، وهو ما جعل منه مبدعًا تجاوز حدود الوطن إلى ما هو أرحب حتى أضحى مبدعا عربيا. شهادات المبدعين العرب أجمعت على إبداع محمود المسعدي، فقال طه حسين عن "السد": "لم تخلص للفلسفة وحدها، ولم تخلص للشعر وحده، وانما التقى فيها تفكير العقل وتدبره وتوثّب الخيال وتساميه، فارتفعت بذلك الى مرتبة من العلو قلّ أن يظفر بها شعر شاعر او فلسفة فيلسوف".
وأضاف: "الأستاذ توفيق الحكيم قصصه أيسر وأقرب وأدنى الى السذاجة من قصص الأستاذ المسعدي في عمقه وارتفاعه وسموه". وقال الأديب محمود المسعدي: "الأدب مأساة أو لا يكون، مأساة الانسان يتردد بين الألوهية والحيوانية، تزف به في أودية الوجود عواصف آلام العجز والشعور بالعجز: العجز أمام القضاء، أمام الموت، أمام الحياة، أمام الغيب، أمام الآلهة، أمام نفسه .. ".
أما الأستاذ والأديب الهادي العثماني فيرى أنه "لئن دأبت الأوساط الثقافية على الاحتفال بمئوية بعض الرموز الأدبية والثقافية في بلادنا، كمحطة للتذكر والتذكير بمن ترك بين الناس ما ينفع الناس، فإن أديبنا المسعدي لم ننسه لنتذكره، ولم يغيبه الموت عنا، ونصوصه لا تزال نابضة وهاجة تمنح القراء متعة مضامينها ورونق لغة نحتها المسعدي من معدنها الأصيل، وتتيح للتلاميذ والطلبة فرصة التعامل مع كتابة متفردة، وتغري النقاد بمكابدة شاقة للنبش في مناجم بكر.
ولأن الأديب محمود المسعدي قد آمن بالإنسان كائنا فاعلا، وبالعمل قيمة أساسية وبالحرية قضية وجودية، فقد أخلص في ما كتب وخلص ما أبدعه إلى الرقي بالإنسان في منزلته البشرية إيمانا بقدرته كائنًا يروم الانعتاق متمردا في سعيه إلى تحقيق ما يريد، وأنه لذلك المخلوق الذي منحه الله نعمة العقل وسيلة للتدبر توقًا إلى السمو عن منزلته الدنيا إلى مراقي الفعل الخلاق، وتلك هي أسمى المنازل في هذا العالم الآيل إلى الفناء والاندثار، كل ما فيه إلى زوال، ويبقى ما سطّر الإنسان من صحائف المجد والخلود.
يقول في رواية السد: "أنا الإنسان، ما دام الجد، مادام الجهد، مادام العمل....أنا الإنسان...". "لكن الأستاذ في اللغة والآداب العربية الهاشمي حسين يقدم الأديب محمود المسعدي بالقول: "نحتفل بمئويّة أديب عربيّ عايش آلام العصر الحديث في البلاد العربيّة، وعانق أحلامه بالتّحديث، ولامس آمال الغرب بإعادة بناء الحضارة من فكر إنسان ثاقب. فكان حاملاً همّين ثالثهما حبل خلاص: همّ وطن جريح سلبه الاستعمار الفرنسيّ قدراته، وهمّ بلاد عربيّة أفقدها الغرب الاستعماريّ مكانتها الحضاريّة، ولاحبل نجاة من دون معانقة الحلم الإنسانيّ بكونيّة لن تقف فيها الحدود فاصلة، بل تُبنى السّدود واصلة مؤصّلة، وينطلق خلالها أمثال مدين وأبي هريرة وغيلان-أبطال المسعدي- يجرّبون الوجود رحلة طلب للمعنى.
ذاك هو التّجريب الذّهنيّ لمقولة "الإيمان بالإنسان" يعاضده تجريب فنيّ لأشكال من الكتابة تقيم الكيان الإنسانيّ وتعترف به قيمة ثابتة، وقمّة شامخة، فتغترف من نبع الحداثة جماليات المكتوب والمنظور على الرّكح، ومن روافد التّراث جماليات المشافهة في السّرد القصصيّ والنّفس الشّعريّ".

الأديب الهادي العثماني تحدث عن إبداعات محمود المسعدي وإفاداته ومساهماته في سبيل بناء تونس مؤكدا أنه "رجل المسؤولية والعمل الميداني من خلال المناصب الإدارية والسياسية التي تقلدها، ولعل أبرزها تحمّله مهام وزارة التربية القومية غداة الاستقلال. يحسب له أنه أول من وضع برنامجا للتعليم في تونس إبان خروجها منهوكة من معركة التحرير، فكان أن هيأ لتلك الأجيال أسباب الأخذ بأدوات التعلم والثقافة، ما به نشأت عقول وتخرجت أجيال، لا تزال تفيد الوطن إلى اليوم، وقد اتضحت في ما بعد قيمة ذلك البرنامج مقارنة بما تلته من محاولات هشة للتجديد والعصرنة، أضرّت بواقع التعليم في تونس، وهمّشت الأجيال، وخاصة في السنوات الأخيرة.
ولا أحد ينكر ما آل إليه ميدان التعليم أخيرًا من انهيار مستوى المتعلمين وتفريغهم من كل محتوى حقيقي للثقافة الصحيحة والتعلم المتين، وكان للرجل امتياز جمعه بين الثقافة الشرقية الأصيلة وانفتاحه على ثقافة غربية ذات آفاق أوسع، ما أتاح له أن يكون رائدًا من رواد الحركة التحررية التنويرية في تونس.
كما تقلد مناصب ومسؤوليات عدة منذ سنة 1948 والى فترة قصيرة قبل وفاته. وأضاف العثماني أنه "رجل القلم، حيث انخرط في حركة الإبداع مفكرا وأديبا من خلال مؤلفاته العديدة. لقد تميّز الأديب محمود المسعدي في كتاباته بالتعبير في لغة رائعة تربو باللفظ إلى نبل الكلمة العربية في أصفى منابعها، يقدها من قاموس أصيل، يعود بها إلى أصالة كيانها وفترات عزتها وإلى جوهر صفائها ونقائها مع رموز أوائل كالجاحظ والمعري والتوحيدي، وتستثمر من القرآن تراكيبه وبناه في هيكلة الجملة وتشييدها عبر منافذ القول، ما به تفرّد بخصوصية، وسمت نصوصه بنكهة تمنحك نشوة خاصة، فأنت إزاءها حيال ضرب آخر من الكتابة بين الشعر والنثر، قد فتح له سبيلاً لا يقدر عليه غير من تشبع باللغة وأمسك بأسرارها ومفاتيحها.
أما على مستوى المحتويات والموضوعات التي عالجها المسعدي في كتاباته، فإنها أطروحات فكرية ومواقف جادة من قضية الكائن البشري في الكون، وهو يجاهد لأن يكون بين ما يروم وما يستطيع، بين ما يطمح إليه وما هو كذلك، نضالاً خالصًا بين الممكن والمستحيل، فكانت موضوعات اهتمامه كلها سؤالاً حارقًا يمضي ضد الركون إلى الاطمئنان الغبي، يغريه التحدي، "يريد أن يكون إنسانا"، وهو الذي قال: إن كل كيان لجهد وكسب منحوت"، "وإنما هي آلام الإنسان يترامى صداها من قرن إلى قرن، ومن جيل إلى جيل، كما يتردد صدى الرعد بين الجبال، فلا يكون للرعد حياة أو ترنّ الصخور...".
"بين تحديث القديم وتأصيل الحديث: الأستاذ الهاشمي حسين أشار إلى اختلاف الأجناس في كتابات المسعدي لتلتقي تجربتان "تجربة في الكتابة تحدّث القديم، وتجربة في الفكر تؤصّل الحديث. فما الّذي يميّز التّجربتين في كتابات المسعدي؟، وكيف تكاملتا في وسم خصوصيّة الكتابة بالإبداع والخلق؟، وهل يفيد مشروع قائم على المزاوجة الفنيّة والفكريّة في دعم تيّار التّحديث ضمن الكتابة العربيّة للقرن الواحد والعشرين؟".
فيبرز التّجريب الفنّي في شفاهيّة المكتوب وكتابيّة المشافهة، وقد يكون الاقتصار على أثرين متلازمين في زمن الكتابة لدى المسعدي، مفيدا في بيان هذا النّزوع التّجريبيّ، إذ كتب "السدّ" نصّا مسرحيّا، و"حدّث أبو هريرة قال..." نصّا روائيّا عام 1939 في باريس وهو الطّالب. وليس هناك من رابط فنيّ في الاختيار الجماليّ غير الرّغبة في الإفادة من رافدين متباعدين، مسرح الغرب فنّا منظورا يُكتب ليمثّل، وخبر الشّرق فنّا مسموعا يلقى ليدوّن.
وإذا ما انتبه المسعدي إلى ما في الخبر الشّفويّ من عناصر ركحيّة قادرة على تحقيق فرجة التّمثيل في لحظة التّمثّل لدى القارئ، فصوّر مشاهد أبي هريرة متحرّكا، وأكثر من الحوار نفسًا دراميّا داخليّا، فإنّه خلاف ذلك، قد اكسب نصّ السّدّ روحا سرديّة عطّلت نموّ الحوار وحشر شخصيّة الرّاوي على الرّكح حشرا، حتّى عدّ النّقّاد نصّه جنسا هجينا بين المسرح والرّواية. وتلك هي التّجربة المقصودة من قبل المسعدي أن يقرّب الفرجة الرّكحيّة عبر مداخل سرديّة شفاهيّة من القارئ العربيّ في سرديّة المحكيّ. وأن يكسب سرديّة الخبر ركحيّة ترفع الخبر العربيّ فنًّا قديما عن جمود محسّنات البديع في لغة شكليّة، إلى حيويّة العبارة المجارية في صوفيتها وبلاغتها وشعريتها لإيقاع حديث في الحياة مصدره آلام الإنسان وأحلامه، هواجسه وأوهامه، وإذا نطقت بذلك اللّغة الفصيحة، فقد حيت وأحيت قارئها، وخرجت من جمود الكتب إلى نبض الحياة الحيّة.
هكذا أدرك المسعدي في تجربة إبداعيّة مشتركة أنّ تحديث الأدب العربي ينطلق من تطوير ذوق المتقبّل، القارئ العربيّ، ليصبح متفرّجا يتقن الفرجة عبر آليات سماع قديمة، قبل أن تتبلور لديه آليات الفرجة الحديثة. إنّ أفضل ما يتطوّر به الذّوق أن تستغلّ وسائط التّقبّل الشّفاهيّة في تأسيس ذوق فنيّ مشهديّ، يجعل العين تقرأ قبل الأذن أحيانا، وينقل حضارة العرب من حضارة كلمة إلى حضارة فعل.
حداثة الأصيل وأصالة الحداثة يؤكد الأستاذ الهاشمي حسين على التجريب الذهني مبينًا أنّ "الفعل في الواقع ليس مجرّد خيار ثقافيّ، يوجّه الذّوق الفنيّ عند العرب، كما يأمل المسعدي ذلك، بل هو فلسفة تامّة في الحياة أنطق بها بطل السدّ غيلان الغليان والغلوّ، يردّ على ميمونة داعية الاستسلام والخنوع بقوله "لا يا ميمونة. بل الكفر بالنّواميس والعراقيل وإنكار العجز والإسلام ونفي العدم.. هو الإيمان بالفعل"(السدّ، ص49).
وهذا الإيمان منطلق من الإقرار بقدرة هذا الإنسان على بناء الكون وتنظيمه وإكساب الحياة معناها من الفعل الخلاّق، يقول مختزلا هذا المشروع في السدّ معاتبًا ميمونة: "مالك والسدّ والفعل والخلق" "(السدّ، ص108)... وهذا الإنسان إمكانات لا تفنى، وقدرات لا تنتهي، وفعل يتولّد منه نور المعرفة ونار العزم، وتقوم بإرادته قيامة الكون. لذلك مجّده في لغة غنائيّة على لسان ميارى "وجاءنا الاحتقار والإهمال والزّهد وانتفى الحرص وحلّ بنا الكبر والطّهارة المحض... وطِلقنا وانكسرت عنّا الرّوابط وقامت لنا بدائع الدّنيا". (السدّ، ص131)... وثبّت ذلك في صياغة فخريّة يقول غيلان "في إقامة السدّ وخدمة ما أراد الإنسان من خلق". (السدّ، ص135).
وطبيعيّ أن ينطلق أبو هريرة في تحقيق تلك الإرادة من مسلك آخر غير مسلك الفعل، إنّه مسلك التّجريب الحرّ، معبرًا به ، يدرك ذاته الإنسانيّة ويكتشف أنّ القوّة والضّعف فينا كامنين. ولكنّ الفضل في البعث والانبعاث. كان أبو هريرة في كلّ تجريبه مشروع إنسان ينحت كيانه، يقيمه ويهدمه، يرفعه وينزله، يؤمن به ويكفر حتّى ينتهي إلى الحيرة والتّردّد والجنون. لكنّه في كلّ مرحلة يجد جزءا من كيانه المفقود لأنّ كلّ ثمار تجريبه "إنّما هي آلام الإنسان يترامى صداها من قرن إلى قرن ومن جيل إلى جيل" (حدّث أبو هريرة قال... ص13).
وأبو هريرة مبعوث من ماضي العروبة والإسلام بروحه الشّرقيّ في واقع التّغريب والحداثة بفكرها العلمانيّ. فليس غريبا أن يعيش أزمة وجود خانقة يتردّد فيها بين روح الشّرق وعقل الغرب. فينتهي مجنونا يؤمن بالجسد فيستنزفه، ويؤمن بالرّوح فيدمّرها. ثمّ يطلق حكمته في وجه ظلمة"الآن علمتُ وعلمتِ أنّ اللّذة لاتُغلب" (حدّث أبو هريرة قال... ص181) ويستخلص من ذلك نتيجة تجريبه الوجوديّ "إنّه لا يتناسى الجسدَ إنسان إلاّ أكلته الخيالات" (حدّث أبو هريرة قال... ص182).
هذا الإنسان الّذي لم يعد مجهولا حسب اعتقاد ألكسيس كاريل، ولا هو أشكل على الإنسان بعبارة التّوحيدي، ولا هو من حارت البريّة فيه بحيرة المعرّي. إنّه مشروع كيان، كما أثمرت ذلك كتابة التّجريب في رواية المسعدي ومسرحيته المتلازمتين. مصبّ التّحديث إنسان يريد أن يكون...محمود المسعدي كان حداثيا تنويريا، وهو ما تفطن إليه الأستاذ الهاشمي حسين، فأبرز ذلك قائلا: "ينطلق بطلا المسعدي في هذين النّصين من الفضاء الثّقافيّ نفسه، فكلاهما قد خرج من عالم السّكون ومقبرة الأموات، وكلاهما قد ركب المغامرة، وقرّر الرّحيل بعثا للحياة من رحم الممات "وتوليدا للعشرة من معدن الوحشة" (حدّث أبو هريرة قال... ص11).
ذاك التّوليد الّذي يقتضي أن يستمرّ الفعل مشروعا منفتحا على المستقبل، فلا السّدّ انتهى ولا أبو هريرة توّج مسيرته.. نهايات مفتوحة هي بدايات تنفتح بها آفاق جديدة لوجود أرحب يشهد أنّ "كلّ كيان لجهد وكسب منحوت"(حدّث أبو هريرة قال... ص12). لذلك سيؤمن بطلا المسعدي بالمستقبل ويتعلّقان بالمنشود تعلّقا يجعل الحياة قائمة على الحلم والاستمرار. يقول أبو هريرة لريحانة "آية جمالك ما لم تكوني ولن تكوني". (حدّث أبو هريرة قال... ص13)، وذاك ما جعل توفيق بكّار يفتتح دراسته القيّمة حول شخصيّة أبي هريرة ببعض قوله "أبو هريرة... دائم الحيرة لا يتعب من التّطواح كأنّما يقلقه في كلّ لحظة أن يخطئ الوجود فيفوته. يعيش في دوّامة السّؤال لايدع أمرًا إلاّ استفهم عنه، ولاتجربة إلاّ زجّ نفسه فيها، يشكّ ويفحص ويختبر، متطرّف في كلّ شيء"(حدّث أبو هريرة قال... ص12).
ولأنّه على مثل هذه الأحوال الذّهنيّة فلن يستقرّ له قرار. ولن يقف في طريقه حاجز حتّى يدرك معنى لحياته. وإذا غاب المعنى افتقد الوجود قيمته فسعى بإنسنته العالية إلى إقامة صرح. لكنّ"الآلهة لا تقام إذا هوت" (حدّث أبو هريرة قال... ص12) بعبارة أبي هريرة نفسه. وذاك ما جعل راويا كأبي عبيدة يعلّق على أزمة الوجود عند أبي هريرة بقوله "فكأنّه مات في باطنه بعض ما يكون به الإنسان إنسانا أو عميت بصيرته" (حدّث أبو هريرة قال... ص163).
أفلا يكون امتلاء الكيان مستحيلا وكلّ التّجريب إمكانا لايخرج عن أفق الذّات المبدعة للنّصّ؟". أدب طليعيّ أم سيرة ذاتيّة؟، أستاذ اللغة والآداب العربية الهاشمي حسين تحدث عن سيرة ذاتية، بل قل عن علاقة ذاتية للمسعدي بكتبه، فقال: "لقد صرّح المسعدي منذ أولّ جملة في مقدّمة كتاب "حدّث أبو هريرة قال.." بما يكشف علاقته الذّاتيّة بكتابه في قوله "هذا كتاب كتبته منذ أحقاب، حين كنت أروم أن أفتح لي مسلكا إلى كياني الإنسانيّ.. صدى منّي إليّ.." (حدث أبو هريرة قال .. ص11-12).
وذكر في مقدّمة كتاب السدّ أنّه "كتاب الإيمان بالإنسان، لأنّه كتاب الفناء في الخلق في اللّه". وإذا جمعنا الموقفين وقفنا عند شخصيّة المسعدي مفكّرا ومبدعا يستقي من تكوينه المتأصّل في عروبته، والمنفتح على حضارة الغرب المحقّقة لمعاصرته ما يسبّب أزمة فكريّة لجيل ثان من أجيال التّلاقح مع الغرب، تجاوز صدمة الحداثة إلى مساءلتها، وتجريب نسب التّمازج بين ثمار الاصالة العربيّة وإزهار الحداثة الغربيّة. وهو تجريب ذهنيّ يحرص على تجاوز صدام الحضارات ليبني تواصلها وتحاورها في مجال أوسع.
إنّه الإنسان كما آمن به الفكر الوجوديّ مشروع وجود يعلو على عسف مدنيّة "القاز والفولاذ والضّجر" بعبارة بدر شاكر السيّاب، ويقيم سدّ التّواصل بين الشّعوب. وتلك رسالة ثقافيّة حملها المسعدي في مجمل كتاباته على أنّها مشروع بديل، ينزع فتيل الحروب، ويقيم التّواصل على تفجير طاقات إنسان حرّ مسؤول، ومريد فاعل مبادر. تجريبه كتاب. وكتابته تجربة، أن تكون الحداثة فعلاً واعيا وأن تستمرّ الأصالة فكرا رائدا، يؤسّس لكونيّة أسمى من غول الرّأسماليّة المتوحّشة في العولمة الاقتصاديّة الجائرة".
وأكد الأديب الهادي العثماني إبداع المسعدي، فأبرز متانة اللغة التي تميز بها فقال: "بتلك اللغة المتينة وهذه المضامين القلقة الحائرة اخترقت بها كتابات المسعدي مجالات مستكينة لقارئ مطمئن، فرّجت قناعاته، وزلزلت بعض اعتقاداته، ودعته إلى إعادة النظر في وضعه كإنسان، ودفعته إلى معاودة فهمه لوجوده والتثبت في صحة علاقته بنفسه وبالمجتمع وبالله وبالكون، وهذا هو المطلوب من الأدب أن يصل النص بين القارئ وذاته حتى يؤصّل علاقة منفصمة، ما أحوجه إلى إعادة إيثاقها، خارج سلطة الأخلاق والدين والسياسة والقيود الاجتماعية تستعبد الإنسان، تثبط عزائمه وتقيّد انعتاقه وتملي عليه، وإنما الإنسان كائن نبيل مدعوّ إلى التحرر والحرية والانعتاق.
وهاهو غيلان يسعى إلى العمل متألها أحيانا، عازمًا، صابرًا مكافحًا عنودا متقاطعًا مع سيزيف بطل الميثولوجيا الإغريقية الذي قهر بصبره وعناده الآلهة، فكان أقوى من قدره، وهاهو أبو هريرة يستفز الإنسان، ويدعوه إلى السمو لتحقيق السلام والإخاء والخلق والبناء ويحرضه على الثورة والانعتاق. متانة اللغة وطرافة البناء الأديب الهادي العثماني أبرز في ختام حديثه عن المسعدي في مئويته، فأشار إلى أنّ إبداعات المسعدي تتمثل في "هي نصوص أدبية من طراز عال، جمعت بين متانة اللغة وطرافة البناء في مضامين فكرية تلامس حدود الفلسفة، لتوفر للقارئ متعة معايشتها رغم ما تتصف به من مشقة التعامل مع منعطفاتها الغامضة ودهاليز المتاهات التي تربك الراحل في دروبها.
فليس من السهل على القارئ، أي قارئ، أن يتمكن من التعامل مع نصوص محمود المسعدي، ولكن المقبل عليها لابد له من أن يتسلح بكثير من الدراية باللغة وأصولها، وبالاطلاع الكافي على مختلف المشارب الأدبية، حتى يجد له مدخلا إلى قلاع نص حصينة، وليس مدركا ذلك إلا بشق الأنفس... نصوص تؤسس لقيام مدرسة أدبية فريدة وجديدة في تاريخ أدبنا المعاصر وتكرّس نظرية الإيمان بالإنسان منطلقا وغاية".
من جانبه أكّد الأستاذ الهاشمي حسين التقابل والتكامل في آثار المسعدي، وبيّن أنه "قد لايكتمل الحديث حول تجريب المسعدي من دون الإشارة إلى أنّ نصوصه قد قرِئت غالبًا في مجالات أكاديميّة موجّهة ذات تخصّص ميكروسكوبيّ دقيق. وكان لما كتبه في "تأصيل لكيان" تأثير على فهم فكر المسعدي. لكنّ دراسات مقارنة تنطلق من وجوه التّقابل والتّكامل بين آثاره، ومن خطوط التّقاطع والتّفاعل في ما بينها، لم تظهر إلى الوجود بعد، بكثافة.
وذاك ما ندعو إلى تجريبه في نقد كتابات أديب كلّ آثاره محاولات في التّحديث والتّأصيل لأنّه مؤمن باستمراريّة الفكر والفنّ بين الأجيال والشّعوب وبين الحضارات والأمم". ويضيف الأستاذ والأديب وعضو اتحاد الكتاب التونسيين عمر الكوز مبرزًا آثار المسعدي: "لقد ولج باب التركيبة الذهنية في طرح المفاهيم والاطر من حرية وتحرر وصولاً الى مفاهيم الخيال والرمز وحتى التجريد.. مقدار من الجنون لابد منه من أجل مقدار من الحرية.. هكذا يقول أديب تونس في تصوره الذهني للحرية المفقودة زمن الجنون والتغيرات الاجتماعية الكبرى التى عاصرها.... لقد واكبت كتابات المسعدي حركة التحرر الوطني التونسي، حين يعلن بقوله الصريح: "أعطوني زراعة أضمن لكم حضارة".
لذلك كانت بوابة ذهنية للكاتب نحو ولوج فضاءات انسانية أرحب من دون الوقوع في تهمة الالحاد او المروق... لقد استطاع محمود المسعدي من خلال شخصيات رواية السد أن يغلق كل منافذ التعري او تبني مبدأ عبثية المستقبل حين يقول متحديا:... الأرض طواعية للرجال الذين يملكون الأمل ويقدرون على تحدي المستقبل... لقد كان مدافعًا عن الحرية، حين تناول احدى شخصيات "صهباء" العمل المحاربة لما سمّي لاحقا بالرجعية على اختلاف مستوياتها الاجتماعية وعلاقتها بالواقع المعيش في زمن الحدث القصصي.
فشخصية ميمونة، وان كانت تمثل الشك والحيرة و السؤال الباحث أبدا عن اجابات مفقودة، فانها تلتقي مع منحى ذهني دقيق، سعى اليه المسعدي في جلّ كتاباته. انه الشك والوسوسة، وكل ما يمكن أن يقود الباحث عن الحقيقة الى الطريق السد، والطريق الموصود أمام السؤال الوجودي الذي طالما بحث المسعدي في سبيل طرحه".

ايوب صابر 11-17-2011 03:58 PM

محمود المسعدي

كاتب ساخر وهو يسارى الانتماءفى الشباب تعرض للسجن والنفى بسبب كتاباتة لة العديد من المؤلفات اشهرها الطريق الىزمش وهو يشبة فى كتاباتة الاديب السورىمجمد الماغوت

==
محمود المسعدي (28 جانفي 1911- 16 ديسمبر 2005) مفكّر و كاتب تونسي، علامة بارزة ليس في الحياة الثقافية فقط بل في الحياة السياسية أيضا وفي حركة التحرّر الوطني التي كان أحد رموزها.
عَرف شهرة كبيرة كرائد من روّاد القصّة والرواية في تونس وأحد أعلام الأدب العربي الكبار.


حياته

ولد محمود المسعدي بمدينة "تازركة" بولاية نابل في 28 جانفي 1911، تلقّى تعليمه الأوّل بكتّاب القرية حيث حفظ القرآن في سنّ مبكّرة. ثمّ زاول تعليمه الابتدائي بمدينة "قربة".
أتم المسعدي دراسته الثانوية في المعهد الصادقي عام 1933. والتحق في نفس السّنة بكلية الآداب بجامعة "السربون" العريقة ليدرس اللغة العربية وآدابها. تحصّل على الاجازة في اللغة والآداب العربية 1936 و شرع في إعداد رسالته الأولى " مدرسة أبي نواس الشعرية "، ورسالته الثانية حول " الإيقاع في السجع العربي "، إلا أن الحرب العالمية الثانية قد حالت دون إتمامهما. ونشرت الثانية، لاحقاً، بالعربية والفرنسية.
درّس محمود المسعدي بالجامعة في تونس وباريس.
بعد الاستقلال عام 1956، تولى المسعدي وزارة التربية القومية، يث أسس الجامعة التونسية. وقبلها، كان قد تمكن من إقرار مجانية التعليم لكل طفل تونسي. وفي 1976، تولّى المسعدي وزارة الشؤون الثقافية. قبل أن ينهي حياته السياسيّة كرئيس مجلس النواب.
نشاطه السياسي

إلى جانب اهتمامه الشديد بالأدب و اللغة العربية، كان لمحمود المسعدي نشاط سياسي في صفوف "الحزب الحر الدستوري التونسي" منذ 1933 وفي النقابة.
اذ انتمى المسعدي الى جيل عاش آلام الإستعمار وحلم بإزاحته عن تونس وقد إنخرط مبكّرا في الحركة السياسية والنقابية فتولى مسؤولية شؤون التعليم في حركة الاستقلال الوطني التي التحق بها مناضلا ضد الاستعمار الفرنسي، كما لعب دورا قياديا في العمل النقابي للمعلمين.
لم يكن محمود المسعدي من الكتّاب أو المثقفين الذين يفضّلون الوقوف على الربوة فعرف السجن والإبعاد الى الصحراء وهي العقوبة التي كانت السّلطات الإستعمارية الغاشمة تسلّطها على الوطنيين، ورغم تشبّعه بالثقافة الفرنسية ودراسته في السّربون لم يقف المسعدي الى جانب المستعمر ولا ثقافته بل عمل ما في وسعه على مقاومة الإستعمار.
تقلّد المسعدي مناصب سياسية من أهمّها "رئيس الجامعة القومية لنقابات التعليم" و "أمين عام مساعد للاتحاد التونسي للشغل".
لغة المسعدي

يُعتبر محمود المسعديّ أحد أعمدة التنوير في الثقافة العربيّة عموما وفي الثقافة التونسيّة على وجه التخصيص. فتكرّست أعماله الأدبية وسيرته في الأذهان وأصبحت جزءا من الموروث الثقافي التونسي.ولعلّ أصالة هذا الأدب ووفاءه لجوهر الإنسان هي التي مكّنته من أن يفتكّ الإعجاب و أن يحضى بتلك المكانة في نفس المهتمّين بالأدب و الفكر العربي المعاصر.
و قد تأسست بتونس ملامح مدرسة أدبية كاملة تستوحي عوالمها وأسسها ومرتكزاتها من عوالم محمود المسعدي الأدبية، رغم أن المسعدي بشهادة كبار النقاد والدارسين عصي عن التقليد.
حمل المسعدي في فكره ووجدانه طموح جيل كامل من المثقفين الذين كانوا يناضلون من أجل بناء ثقافة تونسية أصيلة مواكبة لروح العصر ومتحررة من الجمود والتكلس.و لئن تكشف أعمال المسعدي عن تأثير القرآن على تكوينه الفكري والعقائدي وعلى أسلوبه كما تنم عن إحاطته بأعمال المفكرين المسلمين في مختلف العصور وبالأدب العربي القديم التي بدأ اهتمامه بها منذ مرحلة دراسته الثانوية، فإنّها أيضا تبيّن مدى اطلاعه على الآداب الفرنسية خاصة والغربية عامة. فلقد نهل المسعدي من معين المدرسة الغربية وتأثر إلى حد كبير بالفلسفة الوجودية التي من أعلامها "جون بول سارتر Jean-Paul Sartre" و"الباركامي Albert Camus ".ويقول النقاد أن المسعدي كان في سعي دائم نحو التوفيق بين الفلسفة الإسلامية والوجودية في أعماله.
يقول عنه مختار الخلفاوي: "هذا الأديب الكبير، ولا مراء، مكنون غير مبذول، ومحجوب غير ميسور، تماما مثلما هو أدبه مكنون ومحجوب. أدبٌ عَصِيٌّ، الكلماتُ في الأصوات والأصواتُ حُجُبٌ تشِفُّ عن المعاني الغِزار، المباني تنطق عن المعاني والمعاني تُفْصِح عن المغاني. ومجتمعُ ذلك كلّه أدبٌ مسعديٌّ لَوّنَه صاحبُه بلوْنِه الخاصّ وطبعه بطابعه وختمَ عليه: طروسٌ لطبقاتٍ من النصوص في شتّى مناحي الكَلِم ترتدُّ جميعُها إلى نصّ أصليّ، نصٌّ فيه تجتمع الأسطورةُ والرمزُ، وتتضايف العبارة والإشارة، التصريحُ والتلميحُ، الإنشاء والإخبار، الفكرُ واللّغة، المبنى والمعنى والمغنى. نصٌّ جَمْعٌ، ولكنّه، أيضا، كان نصًّا لازمًا.... حداثيّ وكلاسيكيٌّ، عروبيّ وكونيٌّ، متفلسفٌ وسياسيٌّ، شاعرٌ ومنظِّرٌ، وجوديٌّ وإسلاميٌّ، مُلتزمٌ وعبثيٌّ، نقابيٌّ وصوفيٌّ، كارتيزيانيٌّ وإشراقيٌّ، يمينيّ ويساريّ، ليبراليٌّ وراديكاليّ هو محمود المسعديّ."
من أقواله

"إنّه لا يصون الأدبَ من الزيف إلاّ القيّمون على تخليص ذَهَبِ معدنه من بهرج بريقه اللّمّاع بصرامة النقد ولطف الإحساس."
"مقدار من الجنون لابد منه من أجل مقدار من الحرية."
"الأرض طواعية للرجال الذين يملكون الأمل و يقدرون على تحدي المستقبل."
"الحياة كونٌ و استحالة و مأساة، فاذا هي ارتدَّت ظاهرةً و قراراً و رضى، فهي الخسرانُ و لعنةٌ على الزائفين."
"هاته الأرض نحن خلقناها. وهاته السَّماء نحن نصبناَ عمادها فأقمناها. فهل ملكتُم من خيراتها شيئاً؟ ــ لقد قالوا عنكم: ليس لهم الاَّ جَزلةٌ من رغيفٍ ولُعبةٌ تُلهيهم كالصِّبيان. وحجبُوا عنكم الشَّمس وفيها لكم نورٌ به تهتدُون، وأمسكُوا العيون وفيها لكم حياة، وذبحوا عنكُم البقرةَ الصَّفراء. وقالوا: ما يُولدُ منكم اليوم، غداً نأكلُ جهده ونمتصُّ دمَه. وما حرثتم اليوم، الى أفواهنا من الساَّعةِ سنابلُه. وقالوا: نساؤكم لنا اِمَاء وأرواحُكم مَرعى أيُّها الضُّعفاء. ثُمَّ ألقوا لكُم بعظام مُقشَّراتٍ هزال. فجثَوْتُم على الرُّكَبِ تُصلُّون. وقُلتُم: طاعةً و حمداً يا أولي الأمر فيناَ. فحشروكُم فألقوكم في الأصفاد. أفـأنتم راضون؟أما آن أن ترتفعُوا الى الشِدَّة والبَأس؟ ألا توقدونها حمراءَ ليس يردُّها جان و لا انس؟"
"دعـوني. نُصلِّي أو لا نُصلِّي و نسعد أو نشقى هل تروْن فيه من خيرٍ أو شر ؟ شرُّ ما في الدنيا أنَّ الحياةَ عبثٌ. بل لا أدري. لعلَّه خيرُ ما فيها."
أعماله

كتب محمود المسعدي أهم مؤلفاته بين 1939 و1945 ورغم ذلك بقيت أعماله قبلة الباحثين والنقاد الى اليوم .
ولعلّ أشهر ما جاد به قلمه و فكره:
- "السّد" (1940)وطبع العمل كاملا عام 1955، الترجمة الألمانية نشرت في أكتوبر 2007.
و تأتي بعد ذلك كتبه الأخرى:
- "حدث أبو هريرة قال"(1939) وطبع العمل كاملا عام 1973، الترجمة الألمانية ستصدر في نوفمبر 2009.
- " ومولد النسيان" التي نشرت للمرة الأولى عام 1945، وترجمت إلى الفرنسية (1993) والهولندية (1995). الترجمة الألمانية صدرت في مارس 2008.
- "تأصيلا لكيان" الذي جمع فيه شتات كتاباته الأدبية والفكرية طوال حياته.
- "من أيام عمران".
==
هذا الأديب الكبير، ولا مراء، مكنون غير مبذول، ومحجوب غير ميسور، تماما مثلما هو أدبه مكنون ومحجوب. أدبٌ عَصِيٌّ، الكلماتُ في الأصوات والأصواتُ حُجُبٌ تشِفُّ عن المعاني الغِزار، المباني تنطق عن المعاني والمعاني تُفْصِح عن المغاني. ومجتمعُ ذلك كلّه أدبٌ مسعديٌّ لَوّنَه صاحبُه بلوْنِه الخاصّ وطبعه بطابعه وختمَ عليه: طروسٌ لطبقاتٍ من النصوص في شتّى مناحي الكَلِم ترتدُّ جميعُها إلى نصّ أصليّ، نصٌّ فيه تجتمع الأسطورةُ والرمزُ، وتتضايف العبارة والإشارة، التصريحُ والتلميحُ، الإنشاء والإخبار، الفكرُ واللّغة، المبنى والمعنى والمغنى.
نصٌّ جَمْعٌ، ولكنّه، أيضا، كان نصًّا لازمًا.

ايوب صابر 11-19-2011 03:38 PM

ابرز احداث حياة محمود المسعدي :

- ولد محمود المسعدي عام (1911 – وتوفي في 16 ديسمبر 2005) كاتب ومفكر تونسي. ولد في قرية تازركة بولاية نابل بتونس.
- كاتب ساخر وهو يساري الانتماءفي الشباب تعرض للسجن والنفي بسبب كتاباته له العديد من المؤلفات اشهرها الطريق إلىزمش وهو يشبه فى كتاباته الأديب السورى مجمد الماغوت.
-انتمى المسعدي الى جيل عاش آلام الاستعمار وحلم بإزاحته عن تونس وقد أنخرط مبكّرا في الحركة السياسية والنقابية فتولى مسؤولية شؤون التعليم في حركة الاستقلال الوطني التي التحق بها مناضلا ضد الاستعمار الفرنسي، كما لعب دورا قياديا في العمل النقابي للمعلمين.
- تولى مسؤولية شؤون التعليم في حركة الاستقلال الوطني التي التحق بها مناضلا ضد الاستعمار الفرنسي، كما لعب دورا قياديا في العمل النقابي للمعلمين.
- هو من المقلّين وأغلب أعماله أنجزها في فترة سابقة لتاريخ الاستقلال.
- إنّ البحث في حياة المسعدي يحتاج إلى متسع من القول وليته أضاف إلى ما كتب شيئا من أدب السيرة الذاتية ليفيد في هذا المجال ويكشف عن صفحات مجهولة.
-كان في الأربعينات من مناضلي الاتحاد العام التونسي للشغل فكان النضال ضدّ رأس المال وضدّ الاستعمار البغيض، ولا عجب أن يكون إهداء "السدّ" إلى روح فرحات حشّاد شهيد النضال، رغبة من المؤلف في أن تستمرّ روح حشّاد في الإشعاع ومواصلة الرسالة على الدوام من خلال نضال رفاقه بعده ومن بينه محمود المسعدي
- كان لدى المسعدي قناعة ما فتئ يدافع عنها ويعدّد الحجج لتوكيدها، وهي أن للأدب «جوهراً» ثابتاً لا يتغير مهما تعددت أشكاله وتباينت مدارسه ...وهذا الجوهر هو الإفصاح عن «مأساة الإنسان» ومحنته أمام «الموت ، أمام الحياة ،أمام الغيب، أمام الآلهة ،أمام نفسه...» واعتبر ان كل مبدع يعتبر عن هذه المأساة فلذلك اعتبر كل المدعين أصدقاؤه.
- قال الأديب محمود المسعدي: "الأدب مأساة أو لا يكون، مأساة الانسان يتردد بين الألوهية والحيوانية، تزف به في أودية الوجود عواصف آلام العجز والشعور بالعجز: العجز أمام القضاء، أمام الموت، أمام الحياة، أمام الغيب، أمام الآلهة، أمام نفسه .. ".
- عايش آلام العصر الحديث في البلاد العربيّة، وعانق أحلامه بالتّحديث، ولامس آمال الغرب بإعادة بناء الحضارة من فكر إنسان ثاقب. فكان حاملاً همّين ثالثهما حبل خلاص: همّ وطن جريح سلبه الاستعمار الفرنسيّ قدراته، وهمّ بلاد عربيّة أفقدها الغرب الاستعماريّ مكانتها الحضاريّة.
-شخصية ميمونة التي ابدعها المسعدي كانت تمثل الشك والحيرة و السؤال الباحث أبدا عن اجابات مفقودة، فإنها تلتقي مع منحى ذهني دقيق، سعى إليه المسعدي في جلّ كتاباته. انه الشك والوسوسة، وكل ما يمكن أن يقود الباحث عن الحقيقة الى الطريق السد، والطريق الموصود أمام السؤال الوجودي الذي طالما بحث المسعدي في سبيل طرحه".
- من اقواله: "الحياة كونٌ و استحالة و مأساة، فاذا هي ارتدَّت ظاهرةً و قراراً و رضى، فهي الخسرانُ و لعنةٌ على الزائفين.
- من اقواله: "دعـوني. نُصلِّي أو لا نُصلِّي و نسعد أو نشقى هل تروْن فيه من خيرٍ أو شر ؟ شرُّ ما في الدنيا أنَّ الحياةَ عبثٌ. بل لا أدري. لعلَّه خيرُ ما فيها."
- غيب الموت فجر يوم الخميس 15 ديسمبر 2004.

لا شك أن حياة المسعدي كانت مأساة كما كان يراها رغم أننا لا نعرف شيء عن طفولته للأسف وكما هو الحال عن كل الأدباء العرب على ما يبدو لكن ربما أن هناك عاملان رئيسيان لا بد أنهما صنعا عبقرية المسعدي وهو موت أصدقاء له في النضال ضد الاستعمار ومنهم من أهدى له أول كتبه ، وثانيهما النضال ضد الاستعمار فكان الموت ابرز معالم حياته مما جعله يعتقد بعبثية الحياة وينظر إليها على أنها مأساة ليس أكثر وبعث فيه ذلك الخوف الوجودي من الموت. ويبدو أن انتفاء الاستعمار حقق لدى المسعدي نوع من التوازن مما دفعه للسكوت فكل أعماله كانت قبل فترة الاستقلال كما هو واضح وربما أن صمته جاء كنوع من التصوف والأيمان المطلق بعبثية الحياة فليس هناك ما يستطيع أن يقوله الإنسان ليخفف من حجم المأساة التي هي هذه الحياة التي نعيشها خاصة إذا ما كان الموت هو سيدها ونهايتها.

ملاحظة: سننتظر هنا مزيد من المعلومات عن طفولته من إخواننا المهتمين بتاريخ الثقافة والأدب من تونس.

سنعتبره إنسان مأزوم.

ايوب صابر 11-20-2011 03:27 PM

والان مع سر الافضلية في رواية:
10 - كوابيس بيروت – غادة السمان – سوريا
كوابيس بيروت
كوابيس بيروت هو واحد من مجموعة الروايات الطويلة للكاتبة السورية غادة السمان، تم إصدار الطبعة الأولى منه في أكتوبر عام 1976 م. وهذه الرواية هي مجموعة مذكرات للكاتبة أثناء الحرب الأهلية في اللبنان تكتبها مباشرة من قلب الحدث. معلومات عن الكتاب بدأت غادة السمان في كتابة هذه المذكرات ليلة 13 نوفمبر عام 1975 وانتهت من كتابتها في 27 شباط عام 1976 ز نشرت هذه المذكرات لأول مرة في مسلسلة في إحدى المجلات اللبنانية مع أوائل عام 1976، ولكنها توقفت عن نشرها في آب 1976 اعتبارا من كابوس رقم 160. صدرت هذه المذكرات بعد ذلك لأول مرة على شكل رواية عن منشورات غادة السمان في أكتوبر عام 1976 م، ومنذ ذلك الحين صدرت منه عدة طبعات، آخر ما وجدته كان الطبعة السابعة في عام 1994 م. ترجمت هذه الرواية إلى لغات عدة منها البولينية، الروسية، الألمانية، الإيطالية، الفرنسية والإنجليزية.
جولة في الكتاب
التشكيل العام
عرضت غادة السمان هذه المذكرات الدامية في شكل سلسلة من الكوابيس، فمثلا كانت تبدأ كل مقطع بعنوان " كابوس 1 " وهكذا دواليك، وكان آخرها كابوس 197، وآخرها سمي بـ " حلم 1 ".
الإهداء
يلفت النظر في البداية الإهداء الغير اعتيادي لهذه الرواية الغير اعتيادية، حيث اختارت الكاتبة السورية غادة السمان إهداءه إلى عمال المطبعة ،الذين يعملون بالخفاء وتحت القصف، دون أن يعرف عنهم أحد ودون أن تدون أسماءهم في الأعمال الأدبية.
البداية
تبدأ الرواية بالكاتبة وهي تحاول بمساعدة أخيها إخلاء منزلها من النساء والأطفال وأخذهم لمكان " آمن " نسبيا وبعيدا عن القصف، ولكنها ما أن تعود إلى شقتها بعد عملية الإخلاء الناجحة حتى تفاجأ بأن فندق الهوليدي إن، الذي يقف أمام بيتها مباشرة قد تعرض " للاحتال " من قبل المسلحين، وهذا تجد نفسها عالقة في شقتها في قلب الأحداث وفي قلب الطلقات النارية غير مجهزة بالموارد الغذ ائية مع احتمال انقطاع الماء والكهرباء عنها، وتتساءل والحال كذلك عن جدوى الأدب والشعر في هذه الحالة وتتمنى لو أنها تعلمت بعضا من فنون القتال للدفاع عن النفس في مواقف عصيبة كهذه !
الأحداث
تدور الأحداث بعد ذلك عندما تجد الكاتبة نفسها حبيسة في منزلها مهددة بالخطر الكامن على مقربة منها بالإضافة إلى شح الموارد الغذائية وغيرها.. وتحتوي الرواية كذلك على عدد كبير من المشاهد الخيالية، كرحلة " السيد موت "، ومغامرتها في متجر بائع الحيوانات الأليفة، والجولة الليلة لدمى عرض المتاجر في شارع الحمراء بين ضواحي المدينة، وهذه القصص تحمل الكثير من الرموز الشيقة والمعاني العميقة.
النهاية
تنتهي الرواية بمجموعة من " مشاريع الكوابيس " بالإضافة إلى الحلم الوحيد فيها لتكتمل هذه اللوحنة الفنية الرائعة

==
كوابيس بيروت .. غادة السمان
إنها الحرب .... إنها المأساة ... إنها تتاليلمجموعة من الكوابيس ليس إلاباختصار هذا هو كتاب " كوابيس بيروت " للمبدعة السورية " غادة السمان "بيروت تعيش تحت الحصارالداخلي , بيروت تعيش تحت وطأة الكذبة الطائفية الكبرى التي زرعها كذاب كبير و جعلمن أرض هذه المدينة الكبيرة حرباً كبيرةالكاتبة غادة السمان تنقلنا عبر كتابها هذا إلى صميم الوجع البيروتيأيام الحرب الأهلية حيث حياة الرعب واللاتنفس, فالخروج من البيت هو مخاطرة, والوقوف على شرفة أو النظر عبر النافذة هو أمر يجب أن يحسب حسابه ألف مرة .

كتب مليء بالوجع اللبنانيالذي هو في كثير من وجوهه وجع عربي , فغادة السمان عبر الكوابيس التي تعيشها فيبيروت تنقل لنا واقعاً مريراً واقعاً يحمل في طياته مأساة هذه المدينة التي كانقدرها الدمار عبر حرب هي للأسف( حرب أخوة )بيروت التي كان كل ذنبها أنها مدينة الجمال ... مدينة الحياة الجميلة....كل ذنبها أنها كانت مفتاح الشرق, فمدت إليها أكثر من يدهدفها سرقة هذا المفتاح الذهبي و أكثر من سكين هدفها اغتيال الجمال .

الكتاب طويل و لكن يغفرلطول الكتاب هذا الثراء الفاحش المتجلي في كل صفحة لا سيما في الصفحات الخمسوالعشرين الأخيرة حيث قدمت غادة السمان في "مشاريعها الكابوسية" بعض أجمل وأقوى ماكتب في اللغة العربية خلال السنوات الأخيرة.كتاب جميل لمبدعة كبيرة ....أنصحكم بقراءته .

و سأستعرض لكم تباعاًمجموعة من هذه الكوابيس.
أبو ميشال

==
نبذة النيل والفرات:
إلى عمال المطبعة الذين كانوا يصفون حروف هذه الرواية حين كانت سماء بيروت تمطر صواريخ وقنابل، وإلى الكادحين المجهولين الذين يصنعون التاريخ، أهدت غادة السمات روايتها "كوابيس بيروت" التي بدأت في كتابتها في تشرين ثاني 1975، وأئمتها في 27 شباط 1976.

رواية كوابيس بيروت الـ197 ترصد فيها الكاتبة مناخات بيروت عند تفجر أزمة الحرب اللبنانية، كما ترصد أوضاع المثقفين والسياسيين والناس العاديين حيث رائحة البارود والفساد تزكم الأنوف، إذ يمتزج العهر السياسي والمالي والاحتكاري مع العهر الجنسي في بوتقة مناخ فاسد إنسانياً. كما تتغلغل في ثنايا وزوايا الحياة اليومية لأفراد عاديين يعيشون حياتهم في زحمة الأحداث غير مكترثين لمصير وطن كامل.
==
الرواية تؤرخ لمرحلة عصبية كانت الحرب الأهلية فيها تمزق العلاقات البشرية التي لا جذور حقيقية لها. حيث تلتهم الحرائق كل شيء في هذه المدينة التي رقصت يوماً على إيقاع السقوط القذائف والصواريخ.

ايوب صابر 11-20-2011 03:30 PM

غادة أحمد السمان

(مواليد 1942) كاتبة وأديبة سورية. ولدت في دمشق لأسرة شامية عريقة، ولها صلة قربى بالشاعر السوري نزار قباني. والدها الدكتور أحمد السمان حاصل على شهادة الدكتوراه من السوربون في الاقتصاد السياسي وكان رئيسا للجامعة السورية ووزيرا للتعليم في سوريا لفترة من الوقت. تأثرت كثيرا به بسبب وفاة والدتها وهي صغيرة.

كان والدها محبا للعلم والأدب العالمي ومولعا بالتراث العربي في الوقت نفسه، وهذا كله منح شخصية غادة الأدبية والإنسانية أبعادا متعددة ومتنوعة. سرعان ما اصطدمت غادة بقلمها وشخصها بالمجتمع الشامي (الدمشقي) الذي كان "شديد المحافظة" إبان نشوئها فيه.

أصدرت مجموعتها القصصية الأولى "عيناك قدري" في العام 1962 واعتبرت يومها واحدة من الكاتبات النسويات اللواتي ظهرن في تلك الفترة، مثل كوليت خوري وليلى بعلبكي، لكن غادة استمرت واستطاعت ان تقدم أدبا مختلفا ومتميزا خرجت به من الاطار الضيق لمشاكل المرأة والحركات النسوية إلى افاق اجتماعية ونفسية وإنسانية.
الدراسة والاعمال

تخرجت من الجامعة السورية في دمشق عام 1963 حاصلة على شهادة الليسانس في الأدب الإنجليزي، حصلت على شهادة الماجستير في مسرح اللامعقول من الجامعة الأمريكية في بيروت، عملت غادة في الصحافة وبرز اسمها أكثر وصارت واحدة من أهم نجمات الصحافة هناك يوم كانت بيروت مركزا للأشعاع الثقافي. ظهر إثر ذلك في مجموعتها القصصية الثانية " لا بحر في بيروت" عام 1965.
ثم سافرت غادة إلى أوروبا وتنقلت بين معظم العواصم الاوربية وعملت كمراسلة صحفية لكنها عمدت أيضا إلى اكتشاف العالم وصقل شخصيتها الأدبية بالتعرف على مناهل الأدب والثقافة هناك، وظهر أثر ذلك في مجموعتها الثالثة "ليل الغرباء" عام 1966 التي أظهرت نضجا كبيرا في مسيرتها الأدبية وجعلت كبار النقاد آنذاك مثل محمود أمين العالم يعترفون بها وبتميزها. ورغم أن توجها الفكري اقرب إلى اللبرالية الغربية، الا انها ربما كانت حينها تبدي ميلا إلى التوجهات اليسارية السائدة آنذاك في بعض المدن العربية وقد زارت عدن في اليمن الجنوبي في عهدها الماركسي وافردت لعدن شيئا من كتاباتها.

كانت هزيمة حزيران 1967 بمثابة صدمة كبيرة لغادة السمان وجيلها، يومها كتبت مقالها الشهير "أحمل عاري إلى لندن"، كانت من القلائل الذين حذروا من استخدام مصطلح "النكسة" وأثره التخديري على الشعب العربي. لم تصدر غادة بعد الهزيمة شيئا لفترة من الوقت لكن عملها في الصحافة زادها قربا من الواقع الاجتماعي وكتبت في تلك الفترة مقالات صحفية كونت سمادا دسما لمواد أدبية ستكتبها لاحقا.

في عام 1973 أصدرت مجموعتها الرابعة "رحيل المرافئ القديمة" والتي اعتبرها البعض الأهم بين كل مجاميعها حيث قدمت بقالب أدبي بارع المأزق الذي يعيشه المثقف العربي والهوة السحيقة بين فكره وسلوكه. في أواخر عام 1974 أصدرت روايتها "بيروت 75" والتي غاصت فيها بعيدا عن القناع الجميل لسويسرا الشرق إلى حيث القاع المشوه المحتقن، وقالت على لسان عرافة من شخصيات الرواية "أرى الدم.. أرى كثيرا من الدم" وما لبثت أن نشبت الحرب الاهلية بعد بضعة أشهر من صدور الرواية.
مع روايتيها "كوابيس بيروت " 1977 و"ليلة المليار" 1986 تكرست غادة كواحدة من أهم الروائيين والرئيات العرب. ويعتبرها بعض النقاد الكاتبة العربية الأهم حتى من نجيب محفوظ.
مؤلفاتها

[عدل] مجموعة " الأعمال غير الكاملة "

1 - زمن الحب الآخر- 1978- عدد الطبعات 5.
2- الجسد حقيبة سفر- 1979- عدد الطبعات 3.
3- السباحة في بحيرة الشيطان - 1979- عدد الطبعات 5.
4- ختم الذاكرة بالشمع الأحمر- 1979- عدد الطبعات 4.
5- اعتقال لحظة هاربة- 1979- عدد الطبعات 5.
6- مواطنة متلبسة بالقراءة - 1979- عدد الطبعات 3.
7- الرغيف ينبض كالقلب- 1979- عدد الطبعات 3.
8- ع غ تتفرس- 1980- عدد الطبعات3.
9- صفارة إنذار داخل رأسي- 1980- عدد الطبعات 2.
10- كتابات غير ملتزمة- 1980- عدد الطبعات 2.
11- الحب من الوريد إلى الوريد - 1981- عدد الطبعات 4.
12- القبيلة تستجوب القتيلة- 1981- عدد الطبعات 2.
13- البحر يحاكم سمكة - 1986- عدد الطبعات 1
14- تسكع داخل جرح- 1988- عدد الطبعات 1.
15 - محاكمة حب
[عدل] المجموعات القصصية

1- عيناك قدري- 1962- عدد الطبعات 9.
2- لا بحر في بيروت- 1963- عدد الطبعات 8.
3- ليل الغرباء- 1966- عدد الطبعات 8.
4- رحيل المرافئ القديمة- 1973- عدد الطبعات 6.
5 - زمن الحب الآخر
6- القمر المربع
[عدل] الروايات الكاملة

1- بيروت 75-1975- عدد الطبعات 5.
2- كوابيس بيروت - 1976- عدد الطبعات 6.
3- ليلة المليار- 1986- عدد الطبعات 2.
4 - الرواية المستحيلة (فسيفساء دمشقية)
5 - سهرة تنكرية للموتى (موزاييك الجنون البيروتي) - 2003 - عدد الطبعات 2
[عدل] المجموعات الشعرية

1- حب- 1973 - عدد الطبعات9.
2- أعلنت عليك الحب- 1976- عدد الطبعات 9.
3- اشهد عكس الريح- 1987- عدد الطبعات1.
4- عاشقة في محبرة - شعر- 1995.
5- رسائل الحنين إلى الياسمين
6- الأبدية لحظة حب
7- الرقص مع البوم
8- الحبيب الافتراضي و لا شيء يسقط كل شيء !
[عدل] مجموعة أدب الرحلات

1- الجسد حقيبة سفر
2- غربة تحت الصفر
3- شهوة الأجنحة
4- القلب نورس وحيد
5- رعشة الحرية
[عدل] أعمال أخرى

23- الأعماق المحتلة- 1987- عدد الطبعات:1.
26- رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان- 1992.
[عدل] الكتب التي صدرت عن حياة غادة السمان
  1. غادة السمان بلا أجنحة- د. غالي شكري- دار الطليعة 1977.
  2. غادة السمان الحب والحرب- د. الهام غالي- دار الطليعة 1980.
  3. قضايا عربية في أدب غادة السمان- حنان عواد- دار الطليعة 1980.
  4. الفن الروائي عند غادة السمان- عبد العزيز شبيل- دار المعارف - تونس 1987.
  5. تحرر المرأة عبر أعمال غادة وسيمون دي بوفوار- نجلاء الاختيار (بالفرنسية) الترجمة عن دار الطليعة 1990.
  6. التمرد والالتزام عند غادة السمان (بالإيطالية) بأولادي كابوا- الترجمة عن دار الطليعة 1991.
  7. غادة السمان في أعمالها غير الكاملة- دراسة - عبد اللطيف الأرناؤوط- دمشق 1993.

ايوب صابر 11-20-2011 03:31 PM

غادة احمد السمان

غادة احمد السمان هي كاتبة وأديبة سورية ولدت في دمشق عام 1942 لأسرة شامية عريقة و محافظة, و لها صلة قربى بالشاعر السوري نزار قباني. والدها الدكتور احمد السمان حاصل على شهادة الدكتوراه من السوربون في الاقتصاد السياسي و كان رئيسا للجامعة السورية و وزيرا للتعليم لفترة من الوقت.تأثرت كثيرا به بسبب وفاة والدتها و هي صغيرة.كان والدها محبا للعلم و الادب العالمي و مولعا بالتراث العربي في الوقت نفسه ، و هذا كله منح شخصية غادة الادبية و الانسانية ابعادا متعددة و متنوعة. سرعان ما اصطدمت غادة بقلمها و شخصها بالمجتمع الشامي الذي كان شديد المحافظة ابان نشوئها فيه
اصدرت مجموعتها القصصية الاولى "عيناك قدري" في العام 1962 و اعتبرت يومها واحدة من الكاتبات النسويات اللواتي ظهرن في تلك الفترة، مثل كوليت خوري و ليلى بعلبكي، لكن غادة استمرت و استطاعت ان تقدم ادبا مختلفا و متميزا خرجت به من الاطار الضيق لمشاكل المرأة و الحركات النسوية إلى افاق اجتماعية و نفسية و انسانية
تخرجت من الجامعة السورية عام 1963 حاصلة على شهادة الليسانس في الادب الإنجليزي، وما لبثت ان تركت دمشق - التي لم ترجع حتى الان اليها - إلى بيروت حيث حصلت على شهادة الماجستير في مسرح اللامعقول من الجامعة الأمريكية هناك. في بيروت عملت غادة في الصحافة و برز اسمها أكثر و صارت واحدة من أهم نجمات الصحافة هناك يوم كانت بيروت مركزا للأشعاع الثقافي.ظهر اثر ذلك في مجموعتها القصصية الثانية " لا بحر في بيروت" عام 1965.
ثم سافرت غادة إلى أوروبا و تنقلت بين معظم العواصم الاوربيةوعملت كمراسلة صحفية لكنها عمدت ايضا إلى اكتشاف العالم و صقل شخصيتها الادبية بالتعرف على مناهل الادب و الثقافة هناك ، و ظهر اثر ذلك في مجموعتها الثالثة "ليل الغرباء" عام 1966 التي اظهرت نضجا كبيرا في مسيرتها الادبية و جعلت كبار النقاد آنذاك مثل محمود امين العالم يعترفون بها و بتميزها.
كانت هزيمة حزيران 1967 بمثابة صدمة كبيرة لغادة السمان و جيلها ، يومها كتبت مقالها الشهير "احمل عاري إلى لندن" ، كانت من القلائل الذين حذروا من استخدام مصطلح "النكسة" و اثره التخديري على الشعب العربي. لم تصدر غادة بعد الهزيمة شيئا لفترة من الوقت لكن عملها في الصحافة زادها قربا من الواقع الاجتماعي و كتبت في تلك الفترة مقالات صحفية كونت سمادا دسما لمواد ادبية ستكتبها لاحقا.
في عام 1973 اصدرت مجموعتها الرابعة "رحيل المرافئ القديمة" و التي اعتبرها البعض الاهم بين كل مجاميعها حيث قدمت بقالب ادبي بارع المأزق الذي يعيشه المثقف العربي و الهوة السحيقة بين فكره و سلوكه. في اواخر عام 1974 اصدرت روايتها "بيروت 75" و التي غاصت فيها بعيدا عن القناع الجميل لسويسرا الشرق إلى حيث القاع المشوه المحتقن ، و قالت على لسان عرافة من شخصيات الرواية "أرى الدم .. أرى كثيرا من الدم" و ما لبثت ان نشبت الحرب الاهلية بعد بضعة أشهر من صدور الرواية.
مع روايتيها "كوابيس بيروت " 1977 و "ليلة المليار" 1986 تكرست غادة كواحدة من أهم الروائيين العرب بغض النظر عن جنسهم.و يعتبرها بعض النقاد الكاتبة الاهم حتى من نجيب محفوظ.
رغم وجود الجنس في ادب غادة السمان الا انه يشهد لها انه دوما في خدمة السياق الروائي و البعد الدرامي للشخصيات و لم تنزلق ابدا إلى تقديم ادب اباحي كذلك الذي صارت بعض الكاتبات يكتبنه لاحقا من أجل الشهرة و الرواج.مثال على ذلك ، العجز الجنسي الذي يصيب بطل "ليلة المليار" المثقف هو رمز درامي كثيف لعجز المثقفين العرب عموما في مواجهة ازات الانظمة و انهيار الحلم العربي الجميل. تزوجت غادة في اواخر الستينات من الدكتور بشير الداعوق صاحب دار الطليعة و انجبت ابنها الوحيد حازم الذي اسمته تيمنا بأسم أحد ابطالها في مجموعة ليل الغرباء. كان زواجهما آنذاك بمثابة الصدمة او ما سمي بلقاء الثلج و النار ، لما كان يبدو من اختلاف في الطباع الشخصية ، كان بشير الداعوق سليل اسرة الداعوق البيروتية العريقة بعثي الانتماء و لا يخفي ذلك و ظل كذلك إلى وفاته في 2007 - اما انتماء غادة الوحيد فقد كان للحرية كما تقول دوما.لكن زواجهما استمر و قد برهنت غادة على ان المراة الكاتبة المبدعة يمكن ايضا ان تكون زوجة وفية تقف مع زوجها و هو يصارع السرطان حتى اللحظة الاخيرة من حياته .انشئت دار نشرها الخاص بها و اعادت نشر معظم كتبها و جمعت مقالاتها الصحفية في سلسة اطلقت عليها " الاعمال غير الكاملة"- في خمسة عشر كتابا حتى الان- و لديها تسعة كتب في النصوص الشعرية. يضم ارشيف غادة السمان غير المنشور و الذي اودعته في أحد المصارف السويسرية مجاميع كثيرة من الرسائل تعد غادة بنشرها "في الوقت المناسب" و لأن غادة كانت نجمة في سماء بيروت الثقافية في عقدالستينات فانه من المتوقع ان تؤرخ هذه الرسائل لتلك الحقبة..و من المتوقع ايضا ان تكشف عن علاقات عاطفية لم تكترث غادة لأخفائها انذاك..بالذات مع ناصر الدين النشاشيبي الصحفي الفلسطيني الذي كشف عن وجود رسائل عاطفية موجهة له من غادةفي اواسط الستينات.من الاسماء الاخرى المرشحة لنشر رسائلها الشاعر الفسطيني الراحل كمال ناصر.
تجمع غادة في اسلوبها الادبي بين تيار الوعي في الكتابة و مقاطع الفيديو-تيب مع نبض شعري مميز خاص بها. صدرت عنها عدة كتب نقدية و بعدة لغات ، كما ترجمت بعض اعمالها إلى سبعة عشر لغة حية و بعضها انتشر على صعيد تجاري واسع. لا تزال غادة تنتج ، صدرت لها " الرواية المستحيلة: فسيفسا ءدمشقية" بمثابة سيرة ذاتية عام 1997 ، و سهرة تنكرية للموتى عام 2003 و التي عادت فيها للتنبوء بأن الاوضاع في لبنان معرضة للانفجار .
عام 1993 احدثت غادة ضجة كبرى في الاوساط الادبية و السياسية عندما نشرت مجموعة رسائل عاطفية كتبها لها غسان كنفاني في الستينات من القرن العشرين ، حيث جمعتهما علاقة عاطفية لم تكن سرا آنذاك.و اتهمت بسبب ذلك ان نشرها هذا هو جزء من المؤامرة على القضية الفلسطينية التي كانت تواجه مأزق اوسلو وقت النشر. تعيش غادة السمان في باريس منذ اواسط الثمانينات. و لا تزال تكتب اسبوعيا في احدى المجلات العربية الصادرة في لندن.ترفض تماما اجراء اي حوار تلفزيوني بعدان تعهدت لنفسها بذلك في السبعينات عندما اجرت حوارا تلفزيونيا في القاهرة و اكتشفت ان المذيعة المحاورة لم تقرا ايا من اعمالها.ينبغي التفريق بين غادة السمان و بين شاعرة سورية تحمل نفس الاسم و حاولت استغلال ذلك للترويج لنفسها و صار شائعا ان يكتب اسم الثانية "غادا فؤاد السمان" للتمييز.
مؤلفاتها
مجموعة " الأعمال غير الكاملة " :
1 - زمن الحب الآخر- 1978- عدد الطبعات 5.
2- الجسد حقيبة سفر- 1979- عدد الطبعات 3.
3- السباحة في بحيرة الشيطان - 1979- عدد الطبعات 5.
4- ختم الذاكرة بالشمع الأحمر- 1979- عدد الطبعات 4.
5- اعتقال لحظة هاربة- 1979- عدد الطبعات 5.
6- مواطنة متلبسة بالقراءة - 1979- عدد الطبعات 3.
7- الرغيف ينبض كالقلب- 1979- عدد الطبعات 3.
8- ع غ تتفرس- 1980- عدد الطبعات3.
9- صفارة انذار داخل رأسي- 1980- عدد الطبعات 2.
10- كتابات غير ملتزمة- 1980- عدد الطبعات 2.
11- الحب من الوريد إلى الوريد - 1981- عدد الطبعات 4.
12- القبيلة تستجوب القتيلة- 1981- عدد الطبعات 2.
13- البحر يحاكم سمكة - 1986- عدد الطبعات 1
14- تسكع داخل جرح- 1988- عدد الطبعات 1.
15 - محاكمة حب
المجموعات القصصية :
1- عيناك قدري- 1962- عدد الطبعات 9.
2- لا بحر في بيروت- 1963- عدد الطبعات 8.
3- ليل الغرباء- 1966- عدد الطبعات 8.
4- رحيل المرافئ القديمة- 1973- عدد الطبعات 6.
5 - زمن الحب الآخر
6- القمر المربع
الروايات الكاملة :
1- بيروت 75-1975- عدد الطبعات 5.
2- كوابيس بيروت - 1976- عدد الطبعات 6.
3- ليلة المليار- 1986- عدد الطبعات 2.
4 - الرواية المستحيلة ( فسيفساء دمشقية )
5 - سهرة تنكرية للموتى ( مازاييك الجنون البيروتي ) - 2003 - عدد الطبعات 2
المجموعات الشعرية :
1- حب- 1973 - عدد الطبعات9.
2- أعلنت عليك الحب- 1976- عدد الطبعات 9.
3- اشهد عكس الريح- 1987- عدد الطبعات1.
4- عاشقة في محبرة - شعر- 1995.
5- رسائل الحنين إلى الياسمين
6- الأبدية لحظة حب
7- الرقص مع البوم
8- الحبيب الافتراضي
مجموعة أدب الرحلات :
1- الجسد حقيبة سفر
2- غربة تحت الصفر
3- شهوة الأجنحة
4- القلب نورس وحيد
5- رغشة الحرية
أعمال أخرى :
الأعماق المحتلة- 1987- عدد الطبعات 1.
رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان- 1992.
الكتب التي صدرت عن حياة غادة السمان:
1- غادة السمان بلا أجنحة- د. غالي شكري- دار الطليعة 1977.
2- غادة السمان الحب والحرب- د. الهام غالي- دار الطليعة 1980.
3- قضايا عربية في أدب غادة السمان- حنان عواد- دار الطليعة 1980.
4 - الفن الروائي عند غادة السمان- عبد العزيز شبيل- دار المعارف - تونس 1987.
5- تحرر المرأة عبر أعمال غادة وسيمون دي بوفوار- نجلاء الاختيار (بالفرنسية) الترجمة عن دار الطليعة 1990.
6- التمرد والالتزام عند غادة السمان (بالإيطالية) بأولادي كابوا- الترجمة عن دار الطليعة 1991
7- غادة السمان في أعمالها غير الكاملة- دراسة - عبد اللطيف الأرناؤوط- دمشق 1993.


الموقع الفرعي في الحوار المتمدن: http://www.ahewar.org/m.asp?i=2517
==
ولدت في دمشق عام 1942.
تلقت علومها في دمشق، وتخرجت في جامعتها - قسم اللغة الإنكليزية حاملة الإجازة، وفي الجامعة الأمريكية ببيروت حاملة الماجستير.
عملت محاضرة في كلية الآداب بجامعة دمشق، وصحفية، ومعدة برامج في الإذاعة.
عضو جمعية القصة والرواية.

مؤلفاتها وكلها صادرة عن منشورات غادة السمان.
1- عيناك قدري- 1962- عدد الطبعات 9.
2- لا بحر في بيروت- 1963- عدد الطبعات 8.
3- ليل الغرباء- 1966- عدد الطبعات 8.
4- رحيل المرافئ القديمة- 1973- عدد الطبعات 6.
5- حب- 1973 - عدد الطبعات9.
6- بيروت 75-1975- عدد الطبعات 5.
7- أعلنت عليك الحب- 1976- عدد الطبعات 9.
8- كوابيس بيروت - 1976- عدد الطبعات 6.
9- زمن الحب الآخر- 1978- عدد الطبعات 5.
10- الجسد حقيبة سفر- 1979- عدد الطبعات 3.
11- السباحة في بحيرة الشيطان - 1979- عدد الطبعات 5.
12- ختم الذاكرة بالشمع الأحمر- 1979- عدد الطبعات 4.
13- اعتقال لحظة هاربة- 1979- عدد الطبعات 5.
14- مواطنة متلبسة بالقراءة - 1979- عدد الطبعات 3.
15- الرغيف ينبض كالقلب- 1979- عدد الطبعات 3.
16- ع غ تتفرس- 1980- عدد الطبعات3.
17- صفارة إنذار داخل رأسي- 1980- عدد الطبعات 2.
18- كتابات غير ملتزمة- 1980- عدد الطبعات 2.
19- الحب من الوريد إلى الوريد - 1981- عدد الطبعات 4.
20- القبيلة تستجوب القتيلة- 1981- عدد الطبعات 2.
21- ليلة المليار- 1986- عدد الطبعات 2.
22- البحر يحاكم سمكة - 1986- عدد الطبعات 1.
23- الأعماق المحتلة- 1987- عدد الطبعات 1.
24- اشهد عكس الريح- 1987- عدد الطبعات1.
25- تسكع داخل جرح- 1988- عدد الطبعات 1.
26- رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان- 1992.
27- عاشقة في محبرة - شعر- 1995.

الكتب التي صدرت عن غادة السمان:
1- غادة السمان بلا أجنحة- د. غالي شكري- دار الطليعة 1977.
2- غادة السمان الحب والحرب- د. الهام غالي- دار الطليعة 1980.
3- قضايا عربية في أدب غادة السمان- حنان عواد- دار الطليعة 1980.
4- الفن الروائي عند غادة السمان- عبد العزيز شبيل- دار المعارف - تونس 1987.
5- تحرر المرأة عبر أعمال غادة وسيمون دي بوفوار- نجلاء الاختيار (بالفرنسية) الترجمة عن دار الطليعة 1990.
6- التمرد والالتزام عند غادة السمان (بالإيطالية) بأولادي كابوا- الترجمة عن دار الطليعة 1991.
7- غادة السمان في أعمالها غير الكاملة- دراسة - عبد اللطيف الأرناؤوط- دمشق 1993.
مقيمة في لبنان

==
‘‘غادة السمان ظاهرة أدبية فذة، تخطت في شهرتها حدود العالم العربي إلى تخوم العالمية، لأنها في أدبها فضّت حجب "التابو" والمحرمات الموروثة من العصور الظلامية القديمة، والتي شكلت قيداً على حرية الإنسان وشلت حركيته الاجتماعية والفكرية والمسلكية. لقد بنت غادة السمان على أنقاض ما هدمت مفاهيم جديدة، وأرست منهجاً تقدمياً، تحررياً، إنسانياً، حضارياً، يعيد للإنسان إنسانيته المستلبة، ويكسبه حقيقة كينونته‘‘.

ايوب صابر 11-20-2011 03:34 PM

غادة السمان

يتيمة الام وهي صغيرة

ايوب صابر 11-22-2011 04:54 PM

ابرز حدث في حياة كل واحد من الروائيين اصحاب افضل الروايات من 1- 10:

1- نجيب محفوظ................مأزوم.
2- جبرا إبراهيم جبرا...........مأزوم ويتيم الوطن.
3- شرفصنع الله إبراهيم......مأزوم.
4- يوسف القعيد...............مجهول الطفولة.
5- غسان كنفاني...............مأزوم ويتيم الوطن
6- إميل حبيبي.................مأزوم ويتيم الوطن.
7- حيدر حيدر................مأزوم.
8- إدوار الخراط............. يتيم سن الـ 17
9- محمود المسعدي...........مأزوم.
10 - غادة السمان.............يتيمة الام في الصغر.

- عدد 2 ايتام فعليين 20%
- عدد 3 ايتام الوطن 30%.
- عدد 4 مأزوم 40%.
- عدد 1 مجهول الطفولة 10%

أي ان نسبة الايتام الفعليين وايتام الوطن ومن عاش حياة ازمة هي 90%.

ايوب صابر 11-23-2011 04:00 PM

رواية 'المجوس' --------لإبراهيم الكوني:
ملحمة الطوارق الكبرى
مهدي نصير

رواية 'المجوس' لإبراهيم الكوني والتي تقع في (693) صفحة روايةٌ ملحمية تؤرخ للصحراء الكبرى بقبائلها وعاداتها ودياناتها وعشقها وشِعرها ورجالها ونسائها وغنائها وحكمتها ومعاركها وتحدياتها، صاغها إبراهيم الكوني في إطارٍ روائيٍّ عالي المستوى وسطَّر من خلال شخصياتها المحورية تاريخ شخصية الصحراوي وتاريخ الطوارق كشعبٍ أصيل وكأمة ولغة وتاريخ وعراقة من خلال لغةٍ شعرية وصوفية أدخل فيها الكثير من مفردات حياتهم القاسية .
يحتدم الصراع الوجودي الكبير بين الصحراويين وبيئتهم الجافة والقاسية والوحش الكبير الذي انتصب كبطلٍ رئيسيٍّ للرواية 'القِبلي' وهو الريح الرملية العاتية التي تُدمر كلَّ شيءٍ وأوله الماء والآبار التي عليها تقوم حياة الصحراء والصحراويين.
يبرزُ القِبلي كمحرك أساسي للأحداث والتحديات والبطولات التي يحاول أهل الصحراء انجازها لوقف هذا الوحش عن ابتلاعهم وابتلاع مياههم ووجودهم ويقومون باختراع ادوات لمواجهته ووقف محاصرته لهم بأساليب مبتكرة من خلال إخفاء آبارهم وحمايتها ووضع خرائط لها واعتبار أي إهانة لهذه الآبار كفراً بشريعتهم ويعاقب عليها الله والصحراء. وقد قامت معاركهم على الحفاظ على هذا الكنز ومنع الأعداء من السيطرة عليه واسقطوا ذلك في أساطيرهم والعقوبات التي وقعت لمن خالفوا الناموس وأهانوا أو تهاونوا في حماية المياه .
الشخصيات المحورية الأخرى في الرواية هي الشخصيات المحورية في مجتمع الطوارق الصحراويين :
الدرويش: وهو من سلالة المرابطين وله احترام كبير في المجتمع الصحراوي وشكَّل في الرواية الشخصية الرؤيوية الطيبة والتي كانت ترى ما لا يراه الآخرون
وهو الذي يتنبأ بالأحداث وهو الذي ينبه الصحراويين إلى الدراويش الدجالين الباحثين عن الثروة واللصوص والزناديق والقتلة، وهو الذي تأتيه الأسرار وعلى لسانه كانت الرواية تقول لغتها الصوفية العميقة والموحية. شخصية الدرويش شخصية ملتبسة في الرواية فهو يقوم في مشهد من الرواية بإخصاء نفسه وبِمدية العرافة ليتخلص من الأفعى التي أخرجت أجداده من الجنة، من 'واو'، وهو من القلائل الذين نجوا من الشتات بعد دمار القبيلة على يد المجوس وأبناء آوى والجن، ونجا معه زعيم القبيلة الحكيم الذي كان منفياً بعد سيطرة شيخ الطريقة القادرية الدجال على السلطة، ونجت المرأة التي أحبَّها الدرويش 'تفاوت' والعراف المجوسي 'ايدكران'، ربما يشير الى العناصر التي ما زالت فاعلة في المجتمع الصحراوي، ولكن إخصاء الدرويش نفسه وهروبه من 'تفاوت' المرأة الوحيدة الباقية بعد الشتات، لإعادة نسل القبيلة من الانقراض وتكليفه للزعيم بهذه المهمة يضع أمامنا سؤالاً كبيراً حول علاقة العرب المسلمين المستقبلية مع الطوارق والشعوب الأخرى التي انضوت تحت السيطرة العربية الإسلامية في مراحل مختلفة من التاريخ.
العرافون والعرافات: وهي شخصيات فاعلة في مجتمع الطوارق وبعضها كان يقرأ آية الكرسي من القرآن الكريم وبعض التعاويذ المجوسية في المواقف الصعبة وفي الوقت نفسه مما يُدلل على تزامن الإسلام مع الديانات الأخرى وعدم فرضه السيطرة الدينية المطلقة على الصحراء وشعبها. كان هناك تعايشٌ شرس بين الدرويش والمسلمين والعرافين والعرافات مع فترات تصالح وقبول بالآخر من كلا الطرفين .
الزعيم: وهو زعيم القبيلة الحكيم والمحافظ على ناموسها والذي يغرف من كتاب الصحراء المقدس 'آنهي 'وهو ناموس الأجداد والصحراء وحكمتهم المتوارثة والذي ضاع عبر التاريخ في إشارة أخرى الى البحث عن الهوية والشخصية الصحراوية التي ضاعت .
السلطان والنبلاء والذهب والتجار وصراع المدن على الثروة والذهب والأسواق ومراكز التجارة والمؤامرات والقتل واغتصاب السلطة والتعاون مع الأعداء من أجل الذهب وبيع القيم والناموس والتاريخ، ويمثل ذلك بعمق مقطع ليلة الإفراج عن 'أمناي' وهو صنم وإله للزنوج الذين اشترطوا عودة إلههم لمنح تنبكتو الجديدة الذهب والتبر والقوافل. كل هذه شكَّلت شخصيات ومحاور للأحداث في هذه الرواية .
اللثام والودّان والنقوش وآنهي والقِبلي والذهب والبئر والمرأة و' واو' المفقودة والغناء الأسطوري والحكمة المعكوسة في رسائل الأجداد والمبثوثة في الحجارة وأفواه الآبار والأفعوان الذي يبرز في مشاهد مُرعبة كتحدّ ٍ وجودي للصحراويين، هو الوحش الأسطوري الذي بُنيت على تحديه وقتله معظم أساطير حوض المتوسط .
المرأة : كان لها وجود طاغ ٍ في الرواية (المرأة العاشقة، تينيري، تفاوت، والمرأة الأم، أم أوداد وأم الدرويش ومربيته، المرأة الخلاسية الشهوانية، نساء البكاي، وامرأة كبير التجار، والمرأة الشاعرة، تميما .. الخ).
هناك جانب شخصي برز في نظرة الرواية الى المرأة باعتبارها اصل كل الشرور وأنها هي الأفعى التي أخرجت جَدَّ الصحراويين من الفردوس وبصور تدل على موقف دوني من المرأة.
الرواية ذات لغة شعرية عالية وبعض مقاطعها ترتقي الى مستوى الملاحم الكبرى ففي بعض المقاطع ترى الصحراء بصهدها ورملها وعطشها وقسوتها وترى القِبليّ وحشاً يتحرك أمامك بكل تفاصيله .
كذلك عالجت الرواية حياة الطوارق وهويتهم ولغتهم وأساطيرهم المؤسِّسة وقيمهم في محاولة لإعادة الروح إلى شخصيتهم التي اختفت في الظل طوال قرون طويلة، وهنا يبرز سؤالٌ حَضاريٌّ كبير أرادت الرواية طرحه بوضوح وهو هيمنة الحضارة العربية الإسلامية على شعوب كثيرة ومسح شخصيتها وإلقاؤها في الظل والهامش. هل كانت هذه الهيمنة بريئة؟ هل خدمت هذه الهيمنة امتزاج الشعوب الإسلامية في بوتقة واحدة؟ أم أنها غطَّت الجمر بقليلٍ من رمادِ معاركها وبقليلٍ من تنظيرٍ فقهيٍّ جامد؟
لعلَّ هذا السؤال يُعيدنا إلى أسئلةٍ فقهيةٍ جذرية كبيرة في التاريخ الإسلامي لم تتم الإجابة عليها واعتُبرت من التابوهات المحرمة وبقيت آثارها إلى اليوم 'الأمازيغ، الأكراد، الأقليات العرقية في العراق ومصر وسورية والجزائر وتونس والمغرب وليبيا وموريتانيا..الخ' وهو ما فتحَ البابَ واسعاً أمامَ المستشرقين والمستعمرين الغربيين لفتح هذا الملف، هذا الجرح، لتفتيت الأمة العربية وتفتيت هذه الأمم الشقيقة والتي انضوت في لحظةٍ تاريخية تحت لواء العرب الفاتحين .
برزت كذلك في الرواية روح محبة للعرب والثقافة الإسلامية ولما قدموه من إضافات حضارية وفكرية للمجتمع الصحراوي بدا ذلك من خلال التبجيل الذي كان يحظى به الدراويش وشيوخ الطريقة القادرية، والهجوم على المجوسية والوثنية الزنجية القادمة للصحراء من أدغال الجنوب.
في هذه الرواية يُعالج إبراهيم الكوني قضايا فلسفية عميقة للحياة والتاريخ والسلطة والحكم والإنسان والأسطورة وأسرارها، واللغة وتاريخها السريّ الذي يختزن التاريخ العميق والسريّ للجماعات والشعوب، كل ذلك من خلال بناء ملحمي مثير ومشوّق وأصيل .
ومن القضايا الفلسفية التي عالجتها الرواية بطريقة مُدهشة من خلال المصارعة والحرب التي دارت بين الزعيم المنفي من شيخ الطريقة القادرية وبين 'بوبو' أحد أتباع الطريق القادرية، وهو الصراع بين رؤيتين للسلطة والحكم أولاهما والتي مثَّلها الزعيم والتي ترى كلَّ الناس سواسية أمام الله والطبيعة والتاريخ والسلطة ومن حقِّهم أن يكونوا أحراراً في حياتهم وقراراتهم ومستقبلهم وعليهم تَحمُّل نتيجة هذه الحرية والرؤية الثانية التي مثَّلها 'بوبو' ممثل الشرع والطريقة القادرية والذي يرى الناس قطيعاً وغير مؤهلين لتلقي الحقيقة وتحمُّل مسؤولية قراراتهم كيلا يتوهوا فهم بائسون وبحاجة الى راع ٍ يقود خُطاهم بشكل مباشر ويومي .
ينتهي الصراع بانتصار الزعيم وانتحار 'بوبو' وهذا موقف فلسفي يقف فيه إبراهيم الكوني مع الإنسان بما هو إنسان ضد النخبوية والكهنوتية والتسلط الذي وسمَ التاريخ العربي الإسلامي وفقاً للتبرير الفقهي الذي هزمته الرواية .
كذلك من المقاطع العميقة في الرواية 'الرهان 'ورحلة صعود 'أوداد' الذي يُمثِّل الروح الصحراوية بجموحها وأصالتها الى قمة جبل 'ايدينان' للفوز بالأميرة تينيري
والتحديات الكبرى التي واجهها في رحلته فكأنَّ إبراهيم الكوني يستعيد الرحلات الكبرى في التاريخ الإنساني لتجاوز الجدار وتجاوز البيئة وشروطها وقهرها وقسوتها، كانت المقاطع التي تصف رحلته ومشاقـّها في قمة الحرارة والصدق والعمق، والقارىء لهذه المقاطع يعيش مع 'أوداد' تلك اللحظات العنيفة في رحلته ويلتقط أنفاسه معه لحظةً
بلحظة.
برزت في الرواية روح صوفية مولعة بالأسرار ولغة صوفية مُنبثَّة في أنحاءِ الرواية (المحو، الحلول، الوجد، العروج نحو 'واو' الاستشهاد بمقولات الصوفيين الكبار كالنفَّري وفريد الدين العطار وابن عربي ..الخ) .
يصعب في هذه العُجالة الحديث بتفاصيل عمل روائي شائك وثري وعميق ويقع في (693) صفحة، ويمكن القول باختصار شديد أنَّ هذا العمل عملٌ روائي فَذ ويستحق أن يُقرأ ويُسلط عليه الضوء وعلى مواضيعه ورؤاه وطروحاته وفنياته وتقنياته وبشكلٍ واسع .
ملاحظة أخيرة لا بُدَّ منها وهي المتعلقة بعنوان الرواية 'المجوس': هل كانت المجوسية موجودة قبل الإسلام بهذه الكثافة والقوة في الصحراء الكبرى وقبائل وسط افريقيا؟؟ سؤال للمؤرخين والمهتمين بالتاريخ.

ايوب صابر 11-23-2011 04:02 PM

( المجوس ) لإبراهيم الكوني

الثلثاء 17 آذار (مارس) 2009
بقلم: محمد غيث الحاج حسين
.. ( الموت رفيق الصحراويين، سرّ الصحراويّ أنه لا يخاف الموت. يقال إنّه نزل الى الحياة بصحبة الموت، وعندما استنشق الهواء وأخذ أوّل نفس من فتحتي الأنف، توقّف الموت ورفض أن يدخل الى الجوف. قال للإنسان: أنا افضّل أن أمكث هنا وأنتظر. حفر مأوى بين فتحتي الأنف والشفة العليا، في هذا الضريح يرقد الموت ) المجوس ج 2 ص 182.
في هذا الخضمّ من التنافر والتجاذب، بين السماء والارض، الروح والجسد، التبر والطهر، الحياة والموت، تبدو مصائر ذوات الرواية وشخوصها فجائعية، مهولة، تنقذف الى الموت بنفس القسوة والصرخة والألم التي انقذفت بها الى الحياة لحظة ولادتها، لأنها اقترفت ذنبا لا يغتفر، خدشت صمت الصحراء، جرحت سكونها، لم تعرف الإنصات لسكينتها، فقضت لا يداخلها الخوف ولا التردّد ولا الضعف، بل هي في تقدّمها باتجاه الموت كأنّها تتقدّم خطوة ربّما باتجاه حياة اخرى، في عيونها ترتسم أشباح وشياطين وفي قلوبها توق مرير الى ( واو المفقودة ) فردوس الامتلاء في فراغ الصحراء، فردوس الارتواء في صحراء الظمأ. ( الحنين قدر الصحراوي الأول. والانتماء المزدوج هو الذي خلق منه قدرا. فيوم انفصل عن أمّه الارض بقوّة الروح السماوية، الإلهية، التي نفخت من نفسها في كتلة الطين، كان عليه أن يعاني غربة مزدوجة. فهو نُفي من الفردوس السماوي وانفصل عن الله. نزل الى الارض لكنه لم يتّحد بالصحراء، لم يفز بامتدادها وعرائها وحريتها. حلّ في حفنة الطين قبل أن يبلغ الأصل الآخر، الأكبر، الأرحم، والأعظم: الصحراء. فظلّ المخلوق كائنا معلّقا بين السماء والارض. البدن يسعى للعودة الى وطنه الصحراء، والروح تحن عشقا لأن تتحرّر من المحبس الأرضي وتطير الى أصلها السماوي ) المجوس ج 2 ص 62.
ينتهي العبور الصحراوي الى الموت غرقا، ظمأ، ذبحا، خنقا … ولكن الدائرة لا تنقفل به على صعيد استمرار الجماعة وديمومتها فوق الصحراء، إذ تلوح تباشير الحياة فوق ركام الجثث وسواقي الدم المراق والحلوق الظمآنة، تلوح على هيئة الرحيل، رحيل رجل وامرأة بقيا فوق الأشلاء. امرأة حدسها الأنثوي العميق يدفعها لمطالبة الرجل جهارا كي يطأها حتى تستمرّ الذرية، لا ترى في الخراب العميم من حولها إلا طوقا، يكسره نسل مرتجى من صلب رجل حتى تستمر الحياة وتستمرّ الصحراء، المرأة نفسها التي أنزلت الرجل من "فردوس واو المفقودة" ولم تكن لتخشى النزول. أبدا ارتضت الديمومة للحياة والبقاء فهي من جنس الطبيعة تعصى على الفناء. سوف تبقى المرأة الى الأبد في الثقافة الذكورية موسومة بلعنة الخطيئة، مقترنة بها، لا تستطيع منها فكاكا. وستبقى مصدر الغواية، الأفعى تغوي بالحبّ والجسد والغناء، وتفعل ما لا تستطيع فعله إلا الشياطين والجنّ. تملك نداء الميدوزيات يحطّمن سفن البحارة الأشدّاء على صخرة الضياع والتيه. المرأة لن تفلت أبدا من وشم الخطيئة، ولكنها في المقابل امتلكت سلاحا فعالا وناجعا ضدّ التهمة الأزلية، رشف رحيق الغواية واجتراع طيب الخطيئة حتى الثمالة، التحصن المكين ضد التوق الى ( واو المفقودة ) واو المرأة في جسدها، في غنائها، برسم الفرسان والنبلاء يهيمون بها، فتكون هي الشمس وهم الظلال الهاربة، هي الأنثى وهم العابرون. لن تلعن نفسها ولن تشعر بالذنب، وسيبقى حدسها جسر عبور ولغة إشارية تواصلها مع الطبيعة الأمّ. الرجال وحدهم من سيلعنونها وسيلعنون قبلها أنفسهم وهم وحدهم المذنبون. وإن حمّلوها الوزر، لن تطيق أجسادهم الناحلة متعة الخطيئة، ولكنها هي الأنثى تطيقها، لن تطيق أرواحهم الهائمة متعة الاغتراب والضياع في المتاهة، ولكنها الأنثى تجرّيها في دمها، وستبقى أبدا هي، وهم الآفلون.
تحضر الطبيعة ـ عناصرها وأشياؤها ـ كموجودات حيّة تتنفّس وتحيى في علاقة وطيدة مع الإنسان، الذي يمتلك تصوّرا خاصا عن حياة مبثوثة في رمل الصحراء الحارق ورياحها العاصفة وسلاسل جبال آيدينان في جلستها الوقورة الرزينة تراقب باهتمام وهدوء الصحراء ـ المسرح، هدوء القويّ المسيطر على أشيائه، فلا تخذله قوّته ولا يخذله اتباعه وتقديرهم وتبجيلهم لحقيقة السطوة الفعلية لهذه الكائنات الخرافية، المعمّمة بالضباب والغموض والأسرار العصيّة على البشر.
ينفتح منجم الأساطير والحكايات والمرويات، ويختلط وينشبك مع الأحداث والوقائع، ليختلط الأسطوريّ بالواقعيّ، والسرابيّ بالحقيقيّ، وعناصر الطبيعة بشخصيات الرواية، فلا يعود التمييز ممكنا بين الادوار، وما من سرد خاصّ بالبشر، بل هو يسيل على لسان الجماد والحيوان بلغة الرمز والإشارة، ويصبح التخاطب ممكنا بل مفتوحا بين الجماد والإنسان، الحيوان والإنسان، كلٌّ يفهم تماما ما يريده الآخر، وما هي حدود دوره في هذا العبور الصحراوي وإن بدا الخلود والبقاء للطبيعة وأشيائها، فالصحراء نداء، يدوّخ المنادى ويسلبه عقله ( الصحراء مثل الأغاني السماوية، إذا لم ترتو من لحنها قتلك العشق والجنون ) المجوس ج 1 ص 79.
يبدو جهد إبراهيم الكوني تأسيسيا في سياق كتابة رواية عربية صحراوية بامتياز، والمفارقة هي في المخالفة الأصيلة والمبتكرة التي تتمثل في التوظيف المبدع لجنس أدبي غربي قائم على الاجتماع والمدينة أساسا، وتكريسه للكتابة عن الصحراء القائمة على الانفصال والوحدة. الأمر الذي ألمح إليه الروائي المصري يوسف القعيد في إحدى المقابلات التلفزيونية. ويبدو نجاح الكوني معتمدا بالدرجة الاولى على التواصل العميق والقدرة على التخاطب واستنطاق الصحراء ومفرداتها بلغة شعرية حيّة ( لا أرى أنّ باستطاعة أيّ قوّة أن تمزّق الحجاب الذي يلفّ الصحراء غير الشعر ) المجوس ج 2 ص 45.
والأمر الآخر هو تمثُّلُ ثقافة شفوية موغلة في القدم والبكارة، وإعادة إنتاجها كتابيا لتحتل مكانها اللائق في ثقافات العالم وآدابه العظيمة. ( وتقول الأسطورة أنّ الخالق فضأ العالم وجرّده من الحياة كي يتفرّغ لخلق المخلوق فصنع الصحراء الكبرى. خلق المخلوق وراقته سكينة الصحراء فباركها وخلق في قلبها "واحة واو" وتنفّس الصعداء. ولازالت التنهيدة الجليلة تسمع في سكون الصحراء حتى اليوم، والأصوات التي تدمدم في الفراغ كالأنغام هي أنفاسه الجليلة فأصبح الإنصات للصمت عبادة. ولم يكن لغير المعمّرين، الذين ذاقوا طعم السكينة، أن يفهموا سرّ هذه اللغة. فاتّخذوها " واوا " أخرى يقضون في رحابها اللحظات المعدودة من حياتهم الفانية. وكثيرا ما يضرب الحكماء منهم صدورهم النحيلة ليردّدوا: " واو الحقيقية هنا. قفص الصدر أسوارها والسكون لغتها " ) المجوس ج 1 ص 278.
رواية المجوس ـ جزءان ـ
المؤلف : إبراهيم الكوني
الناشر : دار التنوير للطباعة والنشر ـ تاسيلي للنشر والإعلام.

ايوب صابر 11-23-2011 04:03 PM

رواية المجوس تفوز بالجائزة الكبرى في سويسرا !!
٭٭ اسم الكتاب :المجوس
٭٭ اسم المؤلف : إبراهيم الكوني

٭٭ الناشر: دارالتنوير للطباعة والنشر
أعلن يوم ٢٠\٦\٢٠٠١م عن منح الكاتب الليبي إبراهيمالكوني جائزة اللجنة العليا للآداب المنشورة باللغة الألمانية للعام الحالي، وهيجائزة كبرى تقدمها الحكومة الفدرالية السويسرية للكتابة المنشورة باللغة الألمانيةويحلم كل كاتب أن ينالها.
وقد ترجم الرواية من العربية إلى الألمانية هارتموتفيندريخ. وتناولتها الأوساط الأدبية لدى الناطقين باللغة الألمانية باهتمام كبيروإعجاب، فهي نوع من الأدب الرفيع جدا، ومن الفكر الأسطوري الملحمي عن الحياة فيالصحراء العربية، فالكاتب هو من ليبيا وعاش في الصحراء الليبية ويعرف ما هي حياةالصحراء.
فهو عندما يكتب عنها يجعل للصحراء قيمة عالية ويجعلها جنة فكرية تمنحساكنها الحكمة والصبر والحب والإخلاص.
يكتب عن حيوانات الصحراء بتقديس يرفع منقيمة هذه الحيوانات ليجعل القاري يعشقها، لأن الكاتب يجعل منها رفيقا وصديقا ومحباومنافسا.
يكتب عن أجواء الصحراء التي نعرفها نحن العرب سكان الصحراء، ولكنهعندما يكتب عن الصحراء ورمالها وأعاصيرها وأشواكها وشجيراتها وشمسها المحرقة يجعلكتفخر بالانتماء إلى هذه البيئة الفقيرة لأنه جعل من هذه الصحراء بكائناتها الحيةمنها والجماد فيها وأجوائها الصعبة جنة للفكر والفلسفة.
وللكاتب الليبي إبراهيمالكوني تخصص فى كتاباته عن الصحراء وسكانها إنسهم وجنهم ( أهل الخفاء كما يسميهمدائما في رواياته) وحيواناتها وهوائها وترابها وشمسها، فجميع كتبه التي أخرجها لناوهي عديدة (تزيد عن ٣٠ رواية) تتحدث عن الصحراء. وعلى الرغم من أنه حصر فكره فىالثقافة الصحراوية والكتابة عنها، إلا أنه أثبت للقراء أن الفكر والحديث عن الصحراءبحر كبير وواسع بسعة الصحراء، ولن تجد التكرار في أي من كتبه، وجميعها غنية بالفكروالفلسفة والرؤية الصحراوية من أهلها أو من أرضها أو من حيواناتها أو من حشراتها.
ويؤرخ الكاتب بداية الأسطر الأولى من روايته في ٢٠\١٢\١٩٨٩م وانتهى منها في٢٨\١٢\١٩٩٠م وهى رواية طويلة وضعها بجزئين متساويين، كل جزء منها ٣٦٥ صفحة، أي أنهقضى سنة كاملة فى كتابة هذه الرواية الرائعة عن الحياة في الصحراء وأساطيرالصحراء.
يقول الناشر فى تعريف الكتاب في هذا العمل الملحمي ندخل عالما يأسرنامن الوهلة الأولى بغرابته وفرادته وجدته، عالم تتقاطع فيه الأساطير الموروثةوتعاليم الأسلاف بتأملات الحكماء والشيوخ والعرافين وأشواق الباحثين عن اللهوالحرية وصبوات الطامعين بامتلاك الذهب والفضة
تتمحور رواية المجوس حول محاولةاستعادة الجنة المفقودة أو بالأحرى إقامة المدينة الأرضية ( مدينة السعادة) المعادلة للفردوس الضائع، لكن الخطيئة التى أخرجت الجد الأكبر للبشر ( مندام ) منالفردوس إلى عالم الشقاء الأرضي ما تزال تلاحق نسله
وإذ تعيد رواية المجوس طرحالأسئلة الخالدة عن معنى الوجود والمغامرة الإنسانية والمصير والسلطة والحضارة .. مستخدمة عالم الطوارق المعقد والغني رغم بساطة حياتهم بمثابة مادة قصصية تخييلية .. وسيكتشف القارئ أنها تمثل موقع الصدارة في الأدب الروائي العربي المعاصر.
==

السيناريو في أسلوب إبراهيم الكوني رواية المجوس أنموذجاً
مفتتح: حالتان تلتهمان الواقع، الحلم وإبراهيم الكوني

يمكن أن نجد على الخارطة الأدبية المصرية أكثر من نجيب محفوظ، ينقلون إلينا خفايا الحياة في الحواري المصرية بكل تفاصيلها، ويمكن أن يقدمّ لنا المشهد الروائي العالمي أكثر من غابرييل ماركيز ليمتعنا بروائع الرواية، ولكننا لن نجد في طول وعرض هذا العالم سوى " إبراهيم الكوني" واحد وواحد فقط ، فهو الذي أدخلنا إلى مجاهل الصحراء فعرفنا إلى عالمها المليء بالإثارة والتشويق، لدرجة يدفعنا فيها أحياناً إلى التسليم بأن متعة الحياة لا تستقيم سوى في تلك المساحة الهائلة من الياباس.

إبراهيم الكوني هو النافذة الوحيدة التي أتاحت للعالم الإطلال على حياة الطوارق- سكان الصحراء الكبرى- ليكتشف هذا الكيان الغامض بكل أنشطته الاجتماعية والاقتصادية، وليضعنا مباشرةً أمام ميثالوجياه الشعبية، الغنية بالأسطورة المتعة.

الكوني ليس مجرًّد مرآة عاكسة لما شاهده أوسمعه عن الحياة الصحراوية، يسوق مشاهدها بشكل تقريري أو إخباري، أنه يتمتع بحس مرهف للغاية، إذ يُحيل تلك الكتل الرملية الجافة ونتوءات كاف الجنون الصلدة، ورياح القبلي القاسية، وقطعان المهاري المنفلته في مجاهل الصحراء إلى صورة روائية ملفته، حتى مغلفّات الشاي الأخضر المكتوم في خزانة بيتك، تتحول إلى شيء أشبه بالتبر عندما تقرأ للكوني، للرجل مقدرة غريبة لإكسابك عادة من عادات الطوارق بمجرد قراءة عابرة إنه بكلمات بسيطة يحيل الياباس وصهد القبلي المزعج إلى مبهج من مباهج الحياة، حتى الفراغ يحيله إلى صمت فلسفي.

قدرته على صياغة التراكيب اللفظية الأنيقة والممتعة، واقتراب أسلوبه السردي من الصور الشعرية في بعض المواضع- في وقت يستخدم ذات الأدوات " الصحراء- المهري- القبلي- القبيلة ... الخ" في كل رواياته تكسبه المزيد من الأهمية.

السيناريو عند الكوني

ربما يتساءل القارئ العابر لروايات الكوني: لماذا الإصرار على تحديد الزمان والمكان وما يتبعهما من تفصيل أخري؟ كوصف الملابس، ورسم حركة الشخوص، بل وحتى تحديد أهمية المشهد، أو ما يعرف بحجم اللقطة، ويمكن أن نلمس ذلك بشكل واضح في رواية المجوس بجزأيها والتي سنستشهد بها في مواضع قليلة كأنموذج فقط.

المشتغلون بكتابة السيناريو أكثر من يعاني قلق ترجمة النص، فالنص " الخام" سواء كان فكرة أو قصة أو رواية عادة ما يكون مليئاً بالصور اللفظية الجمالية، التي تصف الوجدانيات، والتي يصعب الإيحاء بها لذلك ، فهي فقيرة إلى رسم الحركة، ووصف الزمان والمكان وتحديد لون ونمط "الإكسسوارات" فجملة في أية رواية "تصف فتاة تنظر إلى القمر الشاحب شحوب وجهها" لا يمكن أن تبوح بأكثر من ذلك ولا يمكن ترجمته بسهولة إلى مشهديه.

(في الجانب الآخر من السهل، على طول العراء المجاور لـ دايدينان الجنوبي، تطاول عبيد الأميرة في السماء وبدؤوا في تشييد البنيان أيضاً.. انتشروا على السفوح منذ صباح اليوم التالي للوصول وبدؤوا يصففون الأحجار بجوار المضارب.. احتجبت الأميرة في الخباء وتعاون الزنوج في تثبيت أوتاد الخيمة الجلدية الكبيرة الموسومة بنقوش الزينة ورموز التعاويذ .. في الليل طوّقها الريح بحزام من الرمال فجاء الأتباع في الصباح وأفرغوها في الغرائر ثم عادوا بالجمال وعلقوها في طوق لحماية الخيمة من غزوات الغبار ورجعوا لاستجلاب صخور البناء.
"المجوس ـ الجزء الأولـ ص 46"

في هذا المقطع نلاحظ مقدرة الكوني على إقحام كم كبير من التفاصيل الزمنية والمكانية دون التفطن إلى كونها مقصودة لسلامة السرد.

(وتعاون الزنوج في تثبيت أوتاد الخيمة الجلدية الكبيرة الموسومة بنقوش الزينة ورموز التعاويذ)

لماذا يكرر الكوني وصف " الإكسسوارات" والأثاث ؟ ككاتب سيناريو أمين، ونحن نعلم من رواياته السابقة أن الخيمة في الصحراء لا تكون إلا من الجلد عادة، لماذا يصف لنا كل حركة بدقة متناهية؟

هل تعمُّقه في مجال دراسة السيناريو هو الذي قاده إلى الأسلوب؟ أم أنه درس السيناريو خصيصاً لإحكام القبض على زمام الرواية " الزمانية ـ المكانية" لكونه يستعمل أدوات وخامات كـالصحراء ـ الطوارق) التي لا يمكن أن تكون واضحة عند المتلقي إلا بإمعان الوصف والتصوير.

(في الخيمة خيّم السكون وبدأت شعائر الاجتماع، هدأ القبلي وارتفع اللهب ورائحة الشواء، سعل الزعيم مرتين قبل أن يختتم مراسم الاحتفاء ويمارس صلاحيات الزعامة..أحكم القناع الأزرق حول وجهه وقال:
بلغني أنكم تطلبون الإذن بالجوار والاستقرار، تابع الرسول مثلثات الكليم بسبابتة النحيلة، وأجاب بعد صمت جليل:
- حق
أقبل أحد الأتباع وطاف على الحاضرين يوزًّع الدور الأول من الشاي، رشف الزعيم ووضع الكأس بجوار الركيزة).

المكان/ الخيمة
الزمان/ ليلي

سعل الزعيم مرتين/ أحكم القناع الأزرق حول وجهه/ تابع الرسول مثلثات الكليم بسبابته النحيلة وضع الكأس بجوار الركيزة/
كلها إحداثيات وصفية إما أن تحدد حجم اللقطة أو نوع ولون الإكسسوار، أما التوقيت فقد عرفناه ضمناً من الجملة الثانية "هدأ القبلي وارتفع اللهب ورائحة الشواء".
فمن طبيعة القبلي أن يهدأ ليلاً، وأفضل وقت للشواء هو الليل عند حلقات السمر.

مواءمة بين جمال السرد وأمانة الوصف

كثيراً ما يربك الروائيون المتلقي بتواصل السرد من خلال إغراقه في مشاهد مملة تتراص فيها الجمل والصور بشكل إنشائي لأهدف له سوى الحفاظ على تقاليد الرواية شكلياً، غير أن الكوني تمتع بخاصية تجاوزُ هذه العقبة وأجاد أسلوب القطع في مواضع القطع الصحيحة والتي تشابه أسلوب النقل من مشهد إلى آخر مغاير تماماً في الخيالة .. كما أنه أتقن تبادل الحوار بينه وبين الراوي الذي يستلم منه مهمة السرد في الرواية.

في الجلسة التي جَمَعتْ شيخ القبيلة والرسول وبعض رجال القبيلة تتحول اللقطات إلى دوران متكرر لالتقاط نفس الوجوه، وحتى يكسَّر من حدة تتابع هذه اللقطات فأنة يدخل لقطةً اعتراضية" " "cutawayتتمثل في تركيز اهتمام القارئ على إصبع الرسول وهو تتابع المثلثات البيضاء فوق الكليمة التواتية.

"وعندما أعلن الحاجب عن وصول المهاجر هبَّ واقفاً فنهض الشيوخ تباعاً تقدمهم لاستقباله .. ولكن الرحالة دخل الرواق بخطوات واسعة كأنه مازال يقطع فلوات الصحراء، شيخ نبيل طويل القامة، نحيل صارم، في عينيه تصميم المهاجرين الأبديين وحنانهم أيضاً.. وجنتاه بارزتان خلف لثام رمادي هزيل، بشرته محروقة بالشمس الطاغية ، يطوّق خاصرته بحزام الكتان ويمسك بيده اليمين عكازاً قديماً من السدر، تقدم نحو السلطان وعانقه طويلاً، ثم تراجع خطوتين".

ليس هناك من رسم مشهدي أكثر تفصيلاً من هذا السرد والذي يتعدى التزامات الروائي التقليدي تجاه المتلقي، إذ يمكن أن يؤدي هذا الإفراط الوصفي زماناً ومكاناً وحركة في إرباك النص فيتحول من قطعة لفظية جمالية إلى سيناريو متخن بالتفاصيل عندما يحملها الروائي أكثر مما تحتمل، غير أن الكوني بمواهبه الفطرية وارتكازه على خامات بنيوية غير متاحة لغيره " ميثالوجيا الصحراء" وقدرته على ابتكار الصور البلاغية كالمحسنات البديعية البعيدة عن البهرجة والمعاني المبهمة، واستطاع أن يوائم بين المتعة والوصف التوثيقي، ناهيك عن كون النص قطعة شعرية بامتياز.

لكن السؤال المطروح دائماً من أي للكوني بكل هذه الالتقاطات، وهذه التفاصيل، وهو الذي غادر الصحراء غضاً صغيراً يافع القلب، الإجابة لدي الكوني فقط لو وجد من يتجرأ ويسأله هذا السؤال.
_____
* نشرت بالعدد 11 من صحيفة المشهد الليبية

ايوب صابر 11-23-2011 04:07 PM

المجوس
الجزء الاولى
في هذا العمل الملحمي ندخل عالمًا يأسرنا من الوهلة الأولى بغرابته وفرادته وجدّته, عالمًا تتقاطع فيه الأساطير الموروثة وتعاليم الأسلاف بتأملات الحكماء والشيوخ والعرّافين وأشواق الباحثي عن الله والحرية وصبوات الطامعين بإمتلاك الذهب والسلطة.
لكن عالم الصحراء أوسع من أن يقتصر على الإنسان, فهو يمتد ليشمل عناصر الطبيعة الصحراوية القاسية وكائناتها الخفيّة وحيواناتها ونباتاتها. ففي هذا العالم حيث تطرف الطبيعة وقسوتها تندفع الأشياء والكائنات والأحداث والبشر حتى النهايات القصوى لتكتشف عن مضامينها وابعادها وحدودها, إذا لامجال هنا للتسويات والمساومات والمهادنات. فلا توسط بين الله والذهب, بين تطلب الحقيقة وشهوة السلطة, بين نبالة الروح وهوة التملك طالما أن المجوسي ((ليس من عبد الله في الحر ولكن من أشرك في حبه الذهب).
مامن وجه واحد للمجوسي هنا إذا يتجلى في العديد من الشخصيات اللاهثة خلف الثروة والمال والسلطة والنفوذ, فالمجوسي قد يكون حاكمًا (السلطان أورغ) أو صوفيًا مزيفًا (شيخ الطريقة القادرية) أو تاجرًا (الحاج البكاي) أو عرّافًا (العجوز تيميط) أو باحثًا عن الانتقام (القاضي الشنقيطي) أو ..., بل لعل في كل إنسان يكمن مجوسي يتحين غفلة من العقل والروح ليطل برأسه ويتلبسه.

الجزء الثاني
تتمحور رواية ((المجوس)) حول محاولة استعادة الجنة المفقودة أو بالأحرى إقامة المدينة الأرضية (مدينة السعادة) المعادلة للفردوس الضائع, لكن الخطيئة التي اخرجت الجد الأكبر للبشر (مندام) من الفردوس إلى عالم الشقاء الأرضي ماتزال تلاحق نسله.
فإذا كان خروج مندام وشقاؤه في العالم نتيجة لاستيلاء فتنة وإغواء المرأة على عقله وقلبه وجسده, فإن نسله مسكون بفتنة وإغواء الذهب كما بغواية السلطة وجبروت القوة.
من هنا إخفاق المحاولات المتكررة للإنسان في بناء المدينة الأرضية, ومن هنا المصير الفاجع المأساوي الذي أحاق بمدينة الذهب ((تمكبتو)) ومثيلتها ((واو)) التي حلم السلطان "أناي" بتشييدها في نقطة تقاطع طرق القوافل في الصحراء الكبرى.
وإذ تعيد رواية ((المجوس)) طرح الأسئلة الخالدة عن معنى الوجود والمغامرة الإنسانية والمصير والسلطة والحضارة والجنس والموت مستخدمة عالم الطوارق - المعقد والغني رغم بساطة حياتهم - بمثابة مادة قصصية وتخييلية, فإن لها الحق - وهذا ما سيكتشفه القارئ - في أن تمثل في موقع الصدارة من الأدب الروائي العربي المعاصر

ايوب صابر 11-23-2011 04:21 PM

المجوس
الجزء الاولى
في هذا العمل الملحمي ندخل عالمًا يأسرنا من الوهلة الأولى بغرابته وفرادته وجدّته, عالمًا تتقاطع فيه الأساطير الموروثة وتعاليم الأسلاف بتأملات الحكماء والشيوخ والعرّافين وأشواق الباحثي عن الله والحرية وصبوات الطامعين بإمتلاك الذهب والسلطة.
لكن عالم الصحراء أوسع من أن يقتصر على الإنسان, فهو يمتد ليشمل عناصر الطبيعة الصحراوية القاسية وكائناتها الخفيّة وحيواناتها ونباتاتها. ففي هذا العالم حيث تطرف الطبيعة وقسوتها تندفع الأشياء والكائنات والأحداث والبشر حتى النهايات القصوى لتكتشف عن مضامينها وابعادها وحدودها, إذا لامجال هنا للتسويات والمساومات والمهادنات. فلا توسط بين الله والذهب, بين تطلب الحقيقة وشهوة السلطة, بين نبالة الروح وهوة التملك طالما أن المجوسي ((ليس من عبد الله في الحر ولكن من أشرك في حبه الذهب).
مامن وجه واحد للمجوسي هنا إذا يتجلى في العديد من الشخصيات اللاهثة خلف الثروة والمال والسلطة والنفوذ, فالمجوسي قد يكون حاكمًا (السلطان أورغ) أو صوفيًا مزيفًا (شيخ الطريقة القادرية) أو تاجرًا (الحاج البكاي) أو عرّافًا (العجوز تيميط) أو باحثًا عن الانتقام (القاضي الشنقيطي) أو ..., بل لعل في كل إنسان يكمن مجوسي يتحين غفلة من العقل والروح ليطل برأسه ويتلبسه.

الجزء الثاني
تتمحور رواية ((المجوس)) حول محاولة استعادة الجنة المفقودة أو بالأحرى إقامة المدينة الأرضية (مدينة السعادة) المعادلة للفردوس الضائع, لكن الخطيئة التي اخرجت الجد الأكبر للبشر (مندام) من الفردوس إلى عالم الشقاء الأرضي ماتزال تلاحق نسله.
فإذا كان خروج مندام وشقاؤه في العالم نتيجة لاستيلاء فتنة وإغواء المرأة على عقله وقلبه وجسده, فإن نسله مسكون بفتنة وإغواء الذهب كما بغواية السلطة وجبروت القوة.
من هنا إخفاق المحاولات المتكررة للإنسان في بناء المدينة الأرضية, ومن هنا المصير الفاجع المأساوي الذي أحاق بمدينة الذهب ((تمكبتو)) ومثيلتها ((واو)) التي حلم السلطان "أناي" بتشييدها في نقطة تقاطع طرق القوافل في الصحراء الكبرى.
وإذ تعيد رواية ((المجوس)) طرح الأسئلة الخالدة عن معنى الوجود والمغامرة الإنسانية والمصير والسلطة والحضارة والجنس والموت مستخدمة عالم الطوارق - المعقد والغني رغم بساطة حياتهم - بمثابة مادة قصصية وتخييلية, فإن لها الحق - وهذا ما سيكتشفه القارئ - في أن تمثل في موقع الصدارة من الأدب الروائي العربي المعاصر

ايوب صابر 11-23-2011 04:22 PM

إبراهيم الكوني

(ولد في غدامس في 1948) روائي ليبي نال جائزة الدولة الاستثنائية الكبرى التي تمنحهاالحكومة السويسرية أرفع جوائزها، وذلك عن مجمل أعماله الروائية المترجمة إلى الألمانية. اختارته مجلة «لير» الفرنسية بين خمسين روائياً من العالم اعتبرتهم يمثلون اليوم «أدب القرن الحادي والعشرين»، وسمتهم «خمسون كاتباً للغد». فاز بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الآداب في دورتها الثانية 2007-2008.
نشأته

ولد بغدامس - ليبيا عام 1948.أنهى دراسته الابتدائية بغدامس، والإعدادية بسبها، والثانوية بموسكو، حصل على الليسانس ثم الماجستير قي العلوم الأدبيّة والنقدية من معهد غوركى للأدب بموسكو.1977
يجيد تسع لغات وكتب ستين كتاب حتى الآن، يقوم عمله الادبي الروائي على عدد من العناصر المحدودة، على عالم الصحراء بما فيه من ندرة وامتداد وقسوة وانفتاح على جوهر الكون والوجود. وتدور معظم رواياته على جوهر العلاقة التي تربط الإنسان بالطبيعة الصحراوية وموجوداتها وعالمها المحكوم بالحتمية والقدر الذي لا يُردّ.
نشر إنتاجه الأدبي بجريدة فزان– البلاد – الفجرالجديد – الحرية – الميدان – الحقيقة – الأسبوع لثقافي – طرابلس الغرب – مجلة المرأة – ليبيا الحديثة – الكفاح العربي – الصداقة البولونية. وينتمى إبراهيم الكونى إلى قبيلة الطوارق (الامازيغ) وهى قبيلة تسكن الشمال الافريقى من ليبيا إلى موريتانيا كما تتواجد في النيجر، وهذة القبيلة مشهورة بأن رجالها يتلثمون ونسائها يكشفون وجوههم.
ويمكن القول أن رواياته تنتمى ادبياً إلى مجال الرومانسية الجديدة والتي تتسم بتخييل الواقع أو تغريبة إن جاز استخدام مصطلح الشكليين الروس.
وينتقده البعض انه اسير الرواية الصحراوية بعناصرها المتكررة إلى درجة الملل، وانه انحاز إلى الصحراء واهلها الطوارق إلى درجة النكران، نكران عناصر أخرى هامة في حياته، خاصة وانه عاش بعيدا عن الصحراء أكثر مما عاش فيها.
الجوائز
  • - جائزة الدولة السويسرية، على رواية" نزيف الحجر" 1995م.
  • - جائزة الدولة في ليبيا، على مجمل الأعمال 1996م.
  • - جائزة اللجنة اليابانية للترجمة، على رواية " التبر" 1997م.
  • - جائزة التضامن الفرنسية مع الشعوب الأجنبية، على رواية" واو الصغرى" 2002م.
  • - جائزة الدولة السويسرية الاستثنائية الكبرى، على مجمل الأعمال المترجمة إلى الألمانية، 2005م.
  • - جائزة الرواية العربية(المغرب)، 2005م.
  • - جائزة رواية الصحراء(جامعة سبها – ليبيا) 2005م.
  • - وسام الفروسية الفرنسي للفنون والآداب 2006م.
  • - جائزة(الكلمة الذهبية)من اللجنة الفرنكفونية التابعة لليونسكو
  • - جائزة ملتقى القاهرة الدولي الخامس للإبداع الروائي العربي 2010م
مجالات تأليفه

الرواية، الدراسات الأدبية والنقدية، السياسة، والتاريخ
المناصب التي تقلدها

- عمل بوزارة الشئون الاجتماعية بسبها ثم وزارة الإعلام والثقافة
- مراسل لوكالة الأنباء الليبية بموسكو 1975
- مندوب جمعية الصداقة الليبية البولندية بوارسو 1978.
- مستشار إعلامي بالمكتب الشعبي الليبي (السفارة الليبية) بموسكو 1987.
- مستشار إعلامي بالمكتب الشعبي الليبي(السفارة الليبية) بسويسرا 1982.
إصداراته
  1. - ثورات الصحراء الكبرى 1970.
  2. - نقد ندوة الفكر الثوري 1970.
  3. - الصلاة خارج نطاق الأوقات الخمسة (قصص ليبية) 1974.
  4. - ملاحظات على جبين الغربة (مقالات) 1974.
  5. - جرعة من دم (قصص) 1993.
  6. - شجرة الرتم (قصص) 1986.
  7. - رباعية الخسوف (رواية) 1989:
    1. - الجزء الأول : البئر
    2. - الجزء الثاني : الواحة
    3. - الجزء الثالث : أخبار الطوفان الثاني
    4. - الجزء الرابع : نداء الوقواق
  8. - التبر (رواية) 1990.
  9. - نزيف الحجر (رواية) 1990.
  10. - القفص (قصص) 1990.
  11. - المجوس (رواية) :
    1. - الجزء الأول 1990.
    2. - الجزء الثاني 1991.
  12. - ديوان النثر البري (قصص) 1991.
  13. - وطن الرؤى السماوية (قصص – أساطير) 1991.
  14. - الخروج الأول إلى وطن الرؤى السماوية (مختارات قصصية)1991.
  15. - الوقائع المفقودة من سيرة المجوس (قصص) 1992.
  16. - الربة الحجرية ونصوص أخرى 1992.
  17. - خريف الدرويش (رواية – قصص – أساطير) 1994.
  18. - الفم (رواية) 1994.
  19. - السحرة (رواية):
    1. - الجزء الأول : 1994.
    2. - الجزء الثاني :1995.
  20. - فتنة الزؤوان، الرواية الأولى من ثنائية خضراء الدمن 1995.
  21. - بر الخيتعور (رواية) 1997.
  22. - واو الصغرى (رواية) 1997.
  23. - عشب الليل (رواية)1997.
  24. - الدمية (رواية) 1998.
  25. - صحرائي الكبرى (نصوص) 1998.
31- الفزاعة (رواية) 1998.
32- الناموس – بحثا عن ناموس ل(واو) (نصوص) 1998.
33- في طلب الناموس المفقود (نصوص) 1999.
34- سأسر بأمري لخلاني الفصول (ملحمة روائية) 1999:
34- الجزء الأول : الشرخ
35- الجزء الثاني : البلبال
36- الجزء الثالث :برق الخلب
37- أمثال الزمان (نصوص) 1999.
38- وصايا الزمان (نصوص)1999.
39- نصوص الخلق (نصوص) 1999.
40- ديوان البر والبحر (نصوص) 1999.
41- الدنيا أيام ثلاثة (رواية) 2000.
42- نزيف الروح (نصوص) 2000.
43- أبيات (نصوص) 2000.
44- بيت في الدنيا وبيت في الحنين (رواية) 2000.
45- رسالة الروح (نصوص) 2001.
46- بيان في لغة اللاهوت، لغز الطوارق يكشف لغز الفراعنة وسومر (موسوعة البيان) 2001.
46- الجزء الأول : أوطان الأرباب
47- الجزء الثاني: أرباب الأوطان 1
48- الجزء الثالث: أرباب الأوطان 2
انظر أيضاً

· 1. ^ http://www.elaph.com/ElaphWeb/Culture/2008/2/300906.htm مجلة الحرس الوطني

ايوب صابر 11-24-2011 02:26 PM

إبراهيم الكوني (روائي ليبي)المصدر - برنامج: إضاءات - تاريخ الحلقة : الجمعة 10/7/2009بداية إبراهيم الكوني في سويسر.

اتركي الدخيل: أستاذ إبراهيم سوف نتحدث منذ بداياتك. المعروف أنك هجرت العالم العربي منذ كنت صغيراً. التحقت للدراسة بروسيا في فترة مبكرة. انتقلت درست في معهد غوركي، وانتقلت بعد ذلك في مراحل يعني النضج إلى سويسرا في جبال الألب، وهناك أنتجت معظم أعمالك التي تزيد على 70 عملاً أدبياً، نال الكثير منها.. نلت عليها الكثير من الجوائز العالمية والعربية. البعض يعتبر أن تشكل إبراهيم الكوني في الخارج يعني يمكن أن يعتبر سلبية في حقك، بالنظر إلى عدم اهتمامه بقضايا وطنه العربي في رواياته وأطروحاته؟

إبراهيم الكوني: هذا يعتمد على ماهية هذا الاهتمام بالعالم العربي. أعتقد أن الاهتمام هو معرفي بالدرجة الأولى، يجب أن نضع في أذهاننا أن الإنسان لا يغترب عبثاً. الإنسان يغترب حاملاً بقلبه رسالة ما، وليس من الصدفة أن كلّ أصحاب الأفكار العظيمة، منذ بداية التاريخ حتى الآن هم أناس مغتربون.تركي الدخيل: تعتبر نفسك منهم؟

إبراهيم الكوني: لا.. أعتقد. لا أضع نفسي في هذه المكانة، ولكن لا بد أن نستدل بالرسل، الرسل أيضاً كانوا مغتربين، كلهم كانوا مهاجرين.

تركي الدخيل: إذاً هل اخترت أنت الغربة لهذه الغاية؟ أم أنك استثمرت وجودك بالغربة؟

إبراهيم الكوني: لا. الأقدار هي التي تختار. عندما تختار أنت رسالة ما، لا بد أن تختارك هذه الرسالة أيضاً، وتنفيذ أي رسالة يحتاج إلى تقنيات دنيوية. أحد هذه التقنيات الدنيوية هي طلب المعرفة لإيجاد وسائل أو اللغة بالمعنى المجرد، واللغات بالمعنى الحرفي، لتجسيد هذه الرسالة، أو لتمرير هذه الرسالة، أو للتعبير عن هذه الرسالة.رسالة الصحراء هي رسالة إبراهيم الكوني .

تركي الدخيل: ما هي الرسالة الأساسية لدى إبراهيم الكوني من خلال هذا الإنتاج التي يودّ أن يبلغها أن ينشرها؟

إبراهيم الكوني: تعتقد أن هناك رسالة تعلو على رسالة الصحراء التي بعثت كل رسائل الرسل؟ لا أعتقد أنه ثمة رسالة أعظم من رسالة الصحراء التي بعثت للوجود كل الأفكار، التي ما زلنا نستنير بها إلى اليوم، ليست الديانات فقط، وإنما كل الأفكار التي صنعت الحضارة.إبراهيم الكوني: يقيناً لأنهم راحلون. الإنسان الراحل هذا دينه الحرية. والحرية هي التي تُنتج التأمل، والتأمل هو الذي يُنتج الأفكار التي بدأت بالديانات والمعتقدات وانتهت إلى المصير البائس على أيدي أهل الاستقرار. هناك جدل بين المستقرين وبين الراحلين عبر التاريخ، ولهذا هذا التزوير خلق بينهم عداوة خفية. نحن نعلم جميعاً أن البدو هم أعداء تاريخيين لأهل المدن.

تركي الدخيل: تقول في كتابك الصحف الأولى في صفحة 152: الصحراء بديلة لمبدأ الميتافيزيقيا، أوعالم الغيبيات إن صحت العبارة. من عاش تجربة الصحراء ليس بحاجة أن يعيش تجربة الميتافيزيقيا، ماذا تقصد بهذه العبارة؟ هل تقصد بأن الذي يعيش بالصحراء لا يحتاج إلى الغيبيات؟فلسفة الكوني للحرية

إبراهيم الكوني: لا. هذه العبارة معناها أعتقد واضح، وهو أن الصحراء كنموذج جمالي هي المكان الوحيد الذي نستطيع أن نزور فيه الموت ونعود أحياء من جديد. لأنها هي نموذج للمبدأ الميتافيزيقي الأعلى وهو الحرية. الحرية بمعناها.. ليس بمعناها التقليدي، ولكن بمعناها الكانتي، المفهوم الذي منحه لها كانت دائماً في جميع أعماله وهو نقيض الطبيعة. ولهذا الصحراء طبيعة وليست طبيعة، الصحراء مكان وليست مكاناً، لأنها لا تتوفر على شروط المكان، لأن أول شروط المكان هو إمكانية الاستقرار فيه، وإمكانية الاستقرار في المكان تشترط وجود شيء مادي وهو الماء. ولذا ترفض الإنسان، والإنسان يرفضها أيضاً، لا بد الإنسان أن يرفضه المكان ويبحث في الأفق عن مكان. هذا السباق نستطيع أن نطلق عليه الحرية. الحرية بالفعل في مبدئها الميتافيزيقي لأنها هي برزخ بين الحياة والمطلق.

تركي الدخيل: طيب. هل تعتقد أنه عشر سنوات كانت كافية لمخزون يمكن أن يمدك بكل هذا الخيال عن الصحراء؟

إبراهيم الكوني: ليست هي القصة. هناك قوانين للإبداع، أول هذه القوانين هو أن المبدع لا يكتب عن المكان المجرد أو المكان المرئي. هو يكتب عن ظل مكان، دائماً، هو يكتب عن المكان المتخيل. هو يحمل شعلة المكان في بعده المفقود، أي المكان x الذي يسكنه، الذي يسكنه، ولهذا السبب لا يعني شيئاً عدم حضوري في ذلك المكان، بالعكس ربما الأفضل أن أغترب عن المكان لكي أراه من بعيد. ثم أنني عندما هجرت الصحراء لم أهجرها تماماً لأنها لا تسكنني فقط سكون الطفولة، ولكنها تسكنني كفكرة، تسكنني كرسالة، هذا يعني أنني أقرأ عن الصحراء دائماً، وأتمثل الصحراء دائماً، ويعني قضيتي هي..

ايوب صابر 11-24-2011 03:14 PM

براهيم الكوني : عزلة السرد بكل اللغات


لا يشبع ابن آدم الاّ التراب – رواية نزيف الحجر


انه يحمل في سرده هموم التذكر العميق منذ طفولته و يستعرض الصحراوي وهو( يعيش العمر كله يمشي خلف الدواب) انه يبتكر لنا رؤية لمعاناة نتخيلها ولا نعرفها عن سكان الصحراء والطوارق وصراعهم وسط الرمل ..
أن رواياته تستقصي - حياة الصحراء، واعماق المكان حينما تكون حياة البادية رحيل دائم، فالتجلي هنا آسر، وأبعاده خليقة بالمتابعة حينما ترى قبائل الطوارق وهم اهله وقبيلته المنتشرة .. يقطعون الصحراء بحثاً عن حلم يعيد للحياة بريقها، ذاك الحلم المرتبط بالماء دائماً. اذ لا تخلو روايات الكوني من هذا الهاجس الإنساني في البحث عن الماء ..


أن صدور ملحمته "المجوس" مترجمة الى الفرنسية من قبل أثار ردود فعل واسعة في الصحافة الأدبية .. حيث صوره الملحق الأدبي لليبراسيون انه مثل نبوءة جديد ة يظهر وسط الصحراء في صورة الروائي الذي يحمل ذاكرته المثقلة بالمعرفة والتذكر .

- أن الخلاص سيجيء عندما ينزف الردان المقدس ويسيل الدم من الحجر. حيث تولد المعجزة التي ستغسل اللعنة، وتتطهر الأرض ويغمر الصحراء الطوفان ..


بهذه الطريقة يقفل الكوني احداث روايته نزيف الحجر ويواصل المضي كل يوم وسط الغابة السويسرية نحو جبال مثقلة بالثلج .. وهو يتذكر صحراء عطشى وعيون الطوارق وهي تبحث عن الماء طوال العمر ..

ايوب صابر 11-24-2011 03:17 PM

إبراهيم الكوني.. تكريم الغرب وتجاهل العرب

مقدم الحلقة: سامي كليب

ضيف الحلقة: إبراهيم الكوني/ روائي ليبي
تاريخ الحلقة: 27/6/2009

- سامي كليب: مرحبا بكم أعزائي المشاهدين إلى حلقة جديدة من برنامج زيارة خاصة تنقلنا هذه المرة إلى جبال الألب السويسرية، ليس للحديث عن الجبال والثلوج وإنما عن الصحراء والرمال والرابط بين الاثنين مبدع ليبي وضع حتى الآن أكثر من سبعين كتابا وترجم الكثير من أعماله للغات أجنبية أما في عالمنا العربي فلا يزال شبه مجهول، يسعدني أن أستضيف المبدع الليبي إبراهيم الكوني.

الصحراء الراوي، الصحراء الوجود


إبراهيم الكوني: لم يرو لي أحد شيئا غير الصحراء، الصحراء هي الجدة التي ربتني وهي التي روت لي وهي التي دفنت في قلبي سرها ولهذا عندما أتحدث عن الصحراء أشعر بأن الصحراء مسكونة.. أشعر بأنني مسكون بالصحراء، يعني لست أنا من يسكن الصحراء ولكن الصحراء هي التي تسكنني لأن في الصحراء فقط يتجسد مبدأ وحدة الكائنات، في الصحراء تعلمت أن تكون الشجرة، أصغر شجرة أو أصغر نبتة قرين لي، في الصحراء أيضا تعلمت تحريم أن تنتزع عودا أخضر، في الصحراء تعلمت أن لا أفقس بيضة طير.

سامي كليب: لا شيء في هذه القرية السويسرية الهادئة بناسها والهانئة بطبيعتها والنازعة شيئا فشيئا حلتها البيضاء لترتدي ربيعها الأخضر المنعش لا شيء يوحي بأن فيها مواطنا ليبيا من أبناء قبائل الطوارق يسافر في الأدب يقطع الجبال المواجهة فيجوب صحراءه ويعود إلى الإنسانية بكل تلك الأساطير والرسائل، وحين وصلت إلى هنا وجدته يسير كعادته كل صباح ومساء في كنف الصنوبر والسنديان وبين المروج، جسده متكئ على عصاه هنا وقلبه متكئ على مخزون الصحراء هناك.


إبراهيم الكوني: الغربة عمق، الغربة إعادة تشكيل الروح، وإعادة تشكيل الروح بحيث تعيد اكتشاف نفسك مش خارج نفسك يعني لا تعطيك شيئا من خارج ولكنها تعطيه لك تكشفه لك من الداخل من الباطن يعني تعري لك كنوزك كنوز اللي فيك أنت مش الموهوبة لك.

سامي كليب: والمفارقة الأهم أن هذا الأديب الليبي الطارقي الشهير في الغرب يبدو غريبا عن أمته العربية التي تكاد تجهل عنه كل شيء، ولكي نعرف عنه كل شيء قصدته حاملا كثيرا من الأسئلة وقليلا من الوقت قياسا إلى الزمن الغابر الذي يأخذنا إليه في كل رواية وكتاب فكانت جولة عامة وربما سريعة على إنتاجه المحتاج إلى ساعات طويلة لشرحه. ولكن ماذا عن بدايته؟

ماذا عن العائلة وعن اسم الكوني، أهو حقيقي أم لقب؟
إبراهيم الكوني: الكوني كلمة طارقية "إكنا" كلما "إكنا" يعني يعمل أو يشتغل أو يتقن، منها "تكنة" باللاتينية القديمة منها "تقنية" كلمة "تقنية" الحالية في اللغة اللاتينية..


سامي كليب: وهي عائلة معروفة عند الطوارق، الكوني؟
إبراهيم الكوني: كان أحد زعماء آزير منطقة آزير هذه طوارق الصحراء الكبرى الموجودين في ليبيا والجزائر.


سامي كليب: لفتني الكلام عن الاسم فيما كتبت حضرتك تقول "الاسم ليس لقبا يُتباهى به أمام الأغيار ولكنه في عرفي مجرد علامة، الاسم رسالة وليس نعت أبله كما تظنون" أحد شخصيات الروايات عندك يعني.
إبراهيم الكوني: نعم لأن الاسم يحمل هوية والهوية رسالة، أي اسم يعني هو بمثابة رسالة موجهة إلى الكون موجهة إلى الإنسانية موجهة إلى السماء موجهة إلى الأرض.

سامي كليب: الصحراء، الصحراء، لا شيء غير الصحراء ولا شيء أجمل من الصحراء، عالم قائم بذاته هو ذاك العالم الصحراوي الذي يستنبط منه إبراهيم الكوني شخصياته ورواياته وأفكاره والأساطير، ومن على شرفة ذاك العالم يطل على الكون. ولكن اللافت أن إبراهيم الكوني لم يعش في الصحراء غير عشر سنوات حتى ولو أنه يعود إليها بين حين وآخر، وكأن الموروث في جيناته يجعله يتذكر شيئا خبيئا منذ قرون طويلة فتتكامل في ذاته الصور والذكريات وتتوحد الديانات لتعيد للإنسان أولويته.
إبراهيم الكوني: ما يزرع في الجينات دائما هو الأثرى وهو الأجمل وهو الأنفس، شريطة أن تستنطق الجينات كما يجب أن تستنطق لأننا كما يقول إفلاطون نحن لا نتعلم عندما نتعلم ولكننا نتذكر، نستحضر نستعيد ما عشناه يوما ما. إذاً هو في الواقع استجواب للمنسي.


إبراهيم الكوني: بطبيعة الحال ينطق في واقع الأمر، من أتقن استنطاقه سمعه وأدركه ولهذا السبب يأتي الأنبياء من هناك، لهذا السبب أتى كل الأنبياء من هناك لأنها هي في البعد الآخر في البعد المفقود، هي في واقع الأمر تشرف على الأبدية تشرف على الموت، فيها مظهر الموت ولكن الجانب الثري من الموت.
ما لا تقوله لنا الطبيعة تقوله الصحراء عندما نتعامل معها في هذا البعد ولهذا هي الأثرى على الإطلاق ولهذا كل.. لأنها هي أيضا التي تدفعك إلى حديقة التأمل التي قلنا عنها منذ قليل إنها هي ركن الأركان في التجربة البشرية الروحية.


سامي كليب: إبراهيم الكوني ولد قبل 61 عاما في غدامس بليبيا وبعد دراسة أدبية في بلاده قصد معهد غوركي العريق في روسيا لدراسة عليا في العلوم الأدبية والنقدية، وهو مجيد لعدة لغات وعمل في وظائف صحفية ودبلوماسية عديدة حيث كان مستشارا دبلوماسيا في السفارات الليبية في روسيا وبولندا وسويسرا وتولى رئاسة تحرير مجلة الصداقة الليبية البولندية وكان مراسلا لوكالة الأنباء الليبية في موسكو ومندوبا لجمعية الصداقة الليبية البولندية. أما الكتابة فقد بدأها وهو في الثامنة عشرة من العمر والكتابة عنده رسالة والرسالة بحث عن الحقيقة.


سامي كليب: يعني مثلا لنعط مثالا على ما تكتب عن الطوارق في "ملحمة المفاهيم" في بيان في لغة اللاهوت "وإن هددتهم العزلة وقساوة الطبيعة بالانقراض على مر العصور إلا أن لهذه العزلة بالذات يرجع الفضل في فوزنا اليوم بذلك الكنز النفيس الذي كان هاجس الإنسانية دائما في بحثها الدائم عن سر اللسان المجهول الذي انبثقت منه بقية الألسن الحية منها والميتة على حد سواء" إلى هذه الدرجة مهم تاريخ الطوارق بالنسبة للإنسانية واللغة؟

إبراهيم الكوني: أكيد، مثبوت في هذه الكتب، لا نستطيع أن نؤكد ذلك في عجالة لأن هنا تأكيدات علمية أن في لغات اللاهوت، اللغات التي أسميها لغات الديانات سواء القديمة أو ديانات الوحي، هذه اللغات كلها تحمل مفاهيم منبثقة من لغة الطوارق، لأن ما هي اللغة البدئية؟ يقال إن اللغة البدئية يجب أن تكون ذات حرف ساكن واحد، هذا الحرف يكون كلمة، هذه خاصية موجودة في لغة الطوارق فقط ولذلك تجد كلمة في اللغة اليونانية القديمة مثلا أو اللغة المصرية أو اللغة السومرية أو إحدى اللغات المنبثقة من اللغات اللاتينية كلمة واحدة هي في الواقع جملة في لغة الطوارق هي جملة تفسرها تفسر مضمونها، ولهذا..


سامي كليب (مقاطعا): لنأخذ مثالا لكي لا نعقد الأمر على المشاهدين، مثلا حرف الباء الذي طبعا يترجم كما حضرتك تكتب بالـ (با) باللغات اللاتينية، تقول إنه حرف مصري طارقي بدئي، الباء، "والباء كحرف ساكن مجرد تعني باللسان البدئي روح".

إبراهيم الكوني: تعني الروح وتعني العدم أيضا، لأن الروح هي شيء عدمي في واقع الأمر ولهذا تحمل هذين المعنيين دائما وعندما ترد في لغة من لغات العالم القديم سواء اليونانية القديمة أو اللاتينية أو السومرية أو المصرية فإنما تدل على كلمة كاملة في حين أنها تعامل في داخل هذه اللغات كحرف، هو هذه الأعجوبة، أن هذه اللغات تحمل تراثا مجهولا بالنسبة لها هي أيضا يعني تحمل مدلولا فلسفيا أو دينيا أو وجوديا مغتربا لأنه منسي.

سامي كليب: طيب، اسمح لي سيد إبراهيم الكوني طبعا أنت مبدع وهناك بعض الأسئلة الواقعية التي تزعج عادة المبدعين ولكن مثلا يعني فيما قرأت لك من كتب وهي كثيرة في الواقع بحاجة إلى ربما لكي يتمعن فيها الإنسان إلى أشهر وسنوات، ولكن تبدو أنك تضع نفسك أيضا في مكان يقارب أمكنة المرسلين، أنك تكشف أسرارا أنك تتحدث عن إبراهيم الكوني وكأنه يريد أن يقول للإنسانية جمعاء سرا لم يعرفوه، يريد أن يبشر بشيء جديد.


إبراهيم الكوني: لا أعرف عما إذا كان هذا خطيئة أم أنه قدر؟ هل المعرفة، المعرفة نعرف.. نحن نعرف من الديانات السماوية أن المعرفة عموما خطيئة فأن تعرف دائما أنت متهم وأنت مدان وأنت معرض للقصاص، هذا حدث للرسل أيضا وحدث لكل أصحاب الأفكار العظيمة، سقراط حكم عليه بالإعدام ظلما، وغير سقراط.

سامي كليب: يشعر الروائي والمفكر الليبي إبراهيم الكوني بأنه حامل رسالة، واخبرني أنه يعيش تقشفا يقارب التصوف حتى ولو أنه ينعم برفاه الحياة في هذه الجبال المكللة بالثلوج والهانئة والباعثة على الطمأنينة والفرح والانسجام الداخلي، وفي التقشف والوحدانية والانعتاق والعزلة ثمة أسئلة عن الإنسانية وثمة نقمة على من يخرق قوانين الطبيعة أو نواميسها.


سامي كليب: تتحدث طبعا في هذه الرواية -طالما تحدثت عن ابنة أخيك- كيف ولدت وكيف كرهت أنها ولدت وأجبرت أنها ولدت وكيف شاهدت في بدايتها أول لعبة إلى جانبها وأغرقت اللعبة واكتشفت من خلال إغراق اللعبة شيئا من سر الكون. ولكن الفظيع في الواقع في آخر هذه الرواية تقول "في طريق العودة قرر الكاهن أن يعرج بي على أهل الواحة ليريني المصير الذي آل إليه القوم يوم خافوا الوصية..

ايوب صابر 11-24-2011 03:57 PM

ابرز عوامل صبغة حياة ابراهيم الكوني:

-الموت رفيق الصحراويين، سرّ الصحراويّ أنه لا يخاف الموت. يقال إنّه نزل الى الحياة بصحبة الموت، وعندما استنشق الهواء وأخذ أوّل نفس من فتحتي الأنف، توقّف الموت ورفض أن يدخل الى الجوف. قال للإنسان: أنا افضّل أن أمكث هنا وأنتظر. حفر مأوى بين فتحتي الأنف والشفة العليا، في هذا الضريح يرقد الموت ) المجوس ج 2 ص 182.

- في هذا الخضمّ من التنافر والتجاذب، بين السماء والارض، الروح والجسد، التبر والطهر، الحياة والموت، تبدو مصائر ذوات الرواية وشخوصها فجائعية، مهولة، تنقذف الى الموت بنفس القسوة والصرخة والألم التي انقذفت بها الى الحياة لحظة ولادتها، لأنها اقترفت ذنبا لا يغتفر، خدشت صمت الصحراء، جرحت سكونها، لم تعرف الإنصات لسكينتها، فقضت لا يداخلها الخوف ولا التردّد ولا الضعف، بل هي في تقدّمها باتجاه الموت كأنّها تتقدّم خطوة ربّما باتجاه حياة اخرى، في عيونها ترتسم أشباح وشياطين وفي قلوبها توق مرير الى ( واو المفقودة ) فردوس الامتلاء في فراغ الصحراء، فردوس الارتواء في صحراء الظمأ.

- الحنين قدر الصحراوي الأول. والانتماء المزدوج هو الذي خلق منه قدرا. فيوم انفصل عن أمّه الارض بقوّة الروح السماوية، الإلهية، التي نفخت من نفسها في كتلة الطين، كان عليه أن يعاني غربة مزدوجة. فهو نُفي من الفردوس السماوي وانفصل عن الله. نزل الى الارض لكنه لم يتّحد بالصحراء، لم يفز بامتدادها وعرائها وحريتها. حلّ في حفنة الطين قبل أن يبلغ الأصل الآخر، الأكبر، الأرحم، والأعظم: الصحراء. فظلّ المخلوق كائنا معلّقا بين السماء والارض. البدن يسعى للعودة الى وطنه الصحراء، والروح تحن عشقا لأن تتحرّر من المحبس الأرضي وتطير الى أصلها السماوي ) المجوس ج 2 ص 62.

- ينتهي العبور الصحراوي الى الموت غرقا، ظمأ، ذبحا، خنقا … ولكن الدائرة لا تنقفل به على صعيد استمرار الجماعة وديمومتها فوق الصحراء، إذ تلوح تباشير الحياة فوق ركام الجثث وسواقي الدم المراق والحلوق الظمآنة، تلوح على هيئة الرحيل، رحيل رجل وامرأة بقيا فوق الأشلاء. امرأة حدسها الأنثوي العميق يدفعها لمطالبة الرجل جهارا كي يطأها حتى تستمرّ الذرية، لا ترى في الخراب العميم من حولها إلا طوقا، يكسره نسل مرتجى من صلب رجل حتى تستمر الحياة وتستمرّ الصحراء، المرأة نفسها التي أنزلت الرجل من "فردوس واو المفقودة" ولم تكن لتخشى النزول.

-ولد بغدامس - ليبيا عام 1948.أنهى دراسته الابتدائية بغدامس، والإعدادية بسبها، والثانوية بموسكو،
-حصل على الليسانس ثم الماجستير قي العلوم الأدبيّة والنقدية من معهد غوركى للأدب بموسكو.1977
- يقوم عمله الادبي الروائي على عدد من العناصر المحدودة، على عالم الصحراء بما فيه من ندرة وامتداد وقسوة وانفتاح على جوهر الكون والوجود. وتدور معظم رواياته على جوهر العلاقة التي تربط الإنسان بالطبيعة الصحراوية وموجوداتها وعالمها المحكوم بالحتمية والقدر الذي لا يُردّ.
- وينتمى إبراهيم الكونى إلى قبيلة الطوارق (الامازيغ) وهى قبيلة تسكن الشمال الافريقى من ليبيا إلى موريتانيا كما تتواجد في النيجر، وهذة القبيلة مشهورة بأن رجالها يتلثمون ونسائها يكشفون وجوههم.

-يرى ابراهيم الكوني ان في الترحال حرية. والحرية هي التي تُنتج التأمل، والتأمل هو الذي يُنتج الأفكار التي بدأت بالديانات والمعتقدات وانتهت إلى المصير البائس على أيدي أهل الاستقرار.

- يرى ابراهيم الكوني أن الصحراء هي المكان الوحيد الذي نستطيع أن نزور فيه الموت ونعود أحياء من جديد.

-لا يكتب الا عن الصحراء رغم انه لم يعش فيها سوى 10 سنوات وظل بعدها يعيش في مناطق تملؤها الثلوج.

-كانت الغربة عامل حاسم في ابداع الكوني. حيث يقول ...ربما الأفضل أن أغترب عن المكان لكي أراه من بعيد. ثم أنني عندما هجرت الصحراء لم أهجرها تماماً لأنها لا تسكنني فقط سكون الطفولة، ولكنها تسكنني كفكرة، تسكنني كرسالة، هذا يعني أنني أقرأ عن الصحراء دائماً، وأتمثل الصحراء دائماً، ويعني قضيتي هي..

-أن رواياته تستقصي - حياة الصحراء، وأعماق المكان حينما تكون حياة البادية رحيل دائم، فالتجلي هنا آسر، وأبعاده خليقة بالمتابعة حينما ترى قبائل الطوارق وهم أهله وقبيلته المنتشرة .. يقطعون الصحراء بحثاً عن حلم يعيد للحياة بريقها، ذاك الحلم المرتبط بالماء دائماً. إذ لا تخلو روايات الكوني من هذا الهاجس الإنساني في البحث عن الماء ..
-يرى الكوني ان حياة الصحراء هي حياة بحث عن الماء أي ان الحياة ...وهو حينما يكتب في منفاه الاختياري يتذكر صحراء عطشى وعيون الطوارق وهي تبحث عن الماء طوال العمر ..

-يرى بأن الغربة عمق، الغربة إعادة تشكيل الروح، وإعادة تشكيل الروح بحيث تعيد اكتشاف نفسك مش خارج نفسك يعني لا تعطيك شيئا من خارج ولكنها تعطيه لك تكشفه لك من الداخل من الباطن يعني تعري لك كنوزك كنوز اللي فيك أنت مش الموهوبة لك.

- جاء من قبائل الطوارق الذي يرى بأنهم ظلوا وعبر العصور مهددين بالعزلة وقساوة الطبيعة وبالانقراض لكنه يرى بأن لهذه العزلة بالذات يرجع الفضل في فوز الطوارق اليوم بذلك الكنز النفيس الذي كان هاجس الإنسانية دائما في بحثها الدائم عن سر اللسان المجهول الذي انبثقت منه بقية الألسن الحية منها والميتة على حد سواء.

يقول إبراهيم الكوني في مكان ما بأن الصحراء هي الجدة التي ربته....والصحيح أننا لم نعثر على تفاصيل طفولته والسر الذي دفعه للسفر للدراسة إلى موسكو وهو طفل - عمره عشر سنوات فقط. فان كانت الصحراء التي اختبرها إبراهيم الكوني قاسية وحياة شقاء وعزلة وهي الموت بعينه الذي يظل هاجس الصحراوي في بحثه الدائم عن الماء ، فان الغربة هي صحراء من نوع آخر ، هي صحراء للروح.
سنعتبره يتيم افتراضي كونه غادر وطنه ( الصحراء) إلى ( صحراء الروح ) الغربة وهو طفل صغير -10 سنوات.
يتيم افتراضي.

ايوب صابر 11-25-2011 02:22 PM

وألان مع سر الأفضلية والروعة في رواية:
12- الوشم - عبد الرحمن مجيد الربيعي – العراق
عن الرواية:
تعتبر رواية "الوشم" للكاتب العراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي من الروايات العربية النادرة التيحظيت باستقبال هام نقداً وتحليلاً، إذ تجاوزت البحوث الصادرة في المجلات الأدبيةأربعة وسبعين بحثاً. صدرت الرواية في طبعتها الأولىسنة 1972 في سياق تاريخيّ هام مرّت به الرّواية العربيّة الحديثة من أبرز معالمهتحوّل في فهم الواقعيّة باعتبارها منهجاً في الكتابةالروائية.
تواجه رواية "الوشم" قارئهاطباعياً بازدواجية خطابيّة شكليّة إذ يفصل المؤلف بين مستويين من السّرد عبر تغييرحجم الحروف، يتّصل المستوى الأول وهو مستوى الحروف العاديّة بخطاب السّارد ويتّصلالمستوى الثاني وهو مستوى الحروف الغليظة بخطاب كريم الناصري وهو الشخصية المركزيةفي الرواية. وتتبلور هذه الازدواجية الخطابية أكثر في مستويي استعمال الضمائروالتلقّي. فالسّارد يستعمل ضمير الغائب وهو يروي حكاية كريم الناصري، ويوظّف كريمالنّاصري ضمير المتكلم ويروي حكايته الشّخصيّة. فالسّارد يوجّه خطابه إلى قارئالرّواية في حين يوجّه كريم الناصري خطابه إلى "حسّون السليمان" وهو أحد رفاقالسجن. ويتقاطع الخطابان في شكل مقاطع سرديّة تطول وتقصر عبر كاملالنصّ.

ايوب صابر 11-25-2011 02:24 PM

رواية " الوشم" للربيعي

حين يدخل المثقفون في التجربة (...) السياسية

(1)

هل الاغتراب قدر هذه الرواية ؟
هل كتب عليها أن تطبع وتنشر "بعيدا عن السماء الأولى" مثل كاتبها؟
عن منشورات الزمن بالرباط ، صدرت سنة 2002م الطبعة المغربية – وبثمن مغري – لرواية "الوشم" للكاتب العراقي المقيم في تونس عبد الرحمن مجيد الربيعي .. رواية انكتبت منذ صرختها الأولى نصا حداثويا ، مشاكسا، متمردا على كل شيء مثل بطلها كريم الناصري .

(2)

في البدء لابد من الاعتراف أن هذه الرواية المثيرة لشهية الكتابة الأخرى دفعتني إلى كتابة قصة قصيرة موسومة بـ " الطيور تهاجر لكي لا تموت ..." دون أن أقرأها ... فقط اعتمدت على القراءة الثانية لمحمد شكري لها من خلال برنامجه الإذاعي الخاص: " شكري يتحدث" واليوم أجدني مدفوعا بقوة إلى أن أكتب عن نص شقي من نصوص (أدب السجون) بعد رحيل شكري وبعد موت : الطيور ... على يدي ذات شقاء!

(3)

يعتبر المكان في رواية "الوشم" هو الشخصية المحورية، ولو بالغياب، وهو المعتقل الموحش، الذي كان يوما إصطبلا لخيول الشرطة .. بلياليه السرمدية .. هذا الفضاء الكريه ، الذي يصادر الحرية ويغتال الأحلام ، ويختطف الدفء الإنساني .. ويدجن المغضوب عليهم .. يقهرهم سياسيا ونفسيا ... ويدفعهم إلى الغرق في الوحدة وفي الخطيئة (السقوط) ... ويغدو الزمن النفسي توأم هذا الفضاء المقيت القاتل: "ويدعوه صوت من الأعماق لأن يحمل رفاته ويقـلع لعل رأسه اللائب تحتضنه وسادة أمان" (ص31) ، ويدفـعـه في النهاية إلى الهـرب" إلى اختيار مـنـفـاه : "إنني مسافر غدا إلى الكويت لقد استـقـلت من الجريدة والشركة معا وسأبدأ حياتي هـناك من جــديـد" (ص120) .

للإشارة فقط: الاستشهاد الأول من الصفحة الأولى من الرواية، التي استهلها الربيعي بوصف مشاعر كريم الناصري فور إطلاق سراحه، والاستشهاد الثاني من آخر صفحة من "الوشم" ، وبين البداية والنهاية سلسلة من الخطايا والآلام والتداعيات ...

إذ يتحول كريم الناصري (ذلك الصبي الشجاع الذي لا يخا ف الظلام ولا المجهول) من مثـقـف مناضل حالم إلى إنسان يحمل رفاته، دمرته ليالي المعتقل من الداخل، كل أمانيه في الحياة أن يعيش ليقرأ الكتب ويعاشر البغايا – بعد انقراض الحب الأفلاطوني طبعا – ويهرب من تأنيب الضمير باللجوء إلى السكر وغيبوبة اللحظة والتفاهة ... هذا هو الوجه القبيح للسياسة بكل عهارتها ...

(4)

ما العلاقة بين الوشم والخيانة والعهارة ؟!

عودة إلى قراءة عنوان هذه الخربشات .. : "حين يدخل المثقفون في التجربة (...) السياسية" ندرك أن المعتقل – البطل الرئيس للرواية – مجرد "مبغى عام" !!! ولا مفر من هذه العهارة الموشومة في باطن الروح سوى الهروب / الرحيل إلى المنافي العربية والغربية ... هذا ما نقرأه في ضوء ما نعايشه حـاليا بعد عقد من الزمن، بعد صدور الطبعة الأولى للوشم سنة 1972م بيروت .. فإما أن تتدروش مثل الشيخ حسون وحامد الشعلان أو أن تكون كلبا يضاجع شهرزاد : "لقد تركتنا نحن الثلاثة متعبين لاهثين تتدلى ألسنتنا" (ص76) وهؤلاء الثلاثة هم : كريم الناصري وزميلاه في الجريدة محمود وجابر !!

بيد أنه يرفض معاشرة العاهرة ذات الفخذين الموشومين ، يشمئز منها / يحتقر نفسه .. لأنها تذكره بعهارته السياسية وخيانة الرفاق الجماعية للقضية وللنضال ، وانهزامهم أمام سطوة المعتقل / السلطة ... هذه الخيانة تفضح انتهازيتهم / عهارتهم ... فتبقى وصمة عار في دواخلهم لا تمحى ولا تنسى .. "هل سيأتي يوم أترحم فيه على أيام الاعتــقـال وأعـتبرها أكثر أيامي هدوءًا ؟" (ص70) هكذا يكتب في إحدى رسائله إلى الشيخ حسون – وعلى طريقـة كرسي الاعتراف في الكنيسة – ليفضح عجزهم الراهن ويدين ماضيهم اللامجدي ... إذا ، لماذا ناضلوا؟ لماذا اعتقلوا ؟

وعلى غرار باقي الروايات السياسية، عندما يفشل البطل المناضل / الضحية يحاول أن يعوض عنتريته المنكسرة بممارسة فروسيته على أجساد النساء أو في الحب ...

فقبل الاعتقال كان كريم الناصري مرتبطا بأسيل عمران ، ذات الأصول الفارسية ... لكن الحزب فرق بينهما ، بعدما كان القاسم المشترك بينهما ... بسبب سقوطه السياسي .

لكنه يتناقض مع نفسه – فهذا العاشق الإفلاطوني فيما بعد – يهفو إلى أن يضمهما فراش واحد ... وبعد خروجه من المعتقل يتعرف إلى مريم التي أرادها "مطهرا من رجسه وخطاياه تعرض عليه جسدها" (ص179) .. مريم الـباحثة عـن الحب انتقاما من شيخوخة زوجها / شيخوخة النظام الذي دمر الرفاق نفسيا ...!!

أية علاقة مجنونة هاته التي كـانت تربطه بمريم ، وهو الذي يقـدس عواطفه، ولا يريدها أن تدنس .. وفي الوقت نفسه ترمي بجسدها في حضن قحطان ، ويعلم ذلك ؟!؟!

لم تكن تفكر في الحب إلا بأسفلها ... بيد أنها تعرض عليه أن يتزوجها قبيل سفره ...! ويجسد الربيعي ذروة تناقض المثقف / ازدواجيته وجبنه حين يهرب كريم الناصري من يسرى واصفا إياها بـ "عذراء الروح والجسد والقلب" (ص116) . فلم يعد أمامه من سبيل للهرب من تشرده الروحي والنفسي سوى الرحيل ...!!!

(5)

استطاع الربيعي في هذا النص المتميز أن ينمق جراح كريم الناصري / الضحية السياسية بكل تلويناتها .. ونجح في بنائه الفني ببراعة بدائرية الحكي، وتفتيت السرد وتعدد الضمائر والأصوات وشعرنة بعض المقاطع السردية تخفيفا من حدة قتامة أجواء الرواية .. ولعل هذا ما جعل الرواية تستقبل بكل حفاوة نقدية منذ صدورها ... وهي تكشف الستار عن المسكوت عنه في لعبة السياسة التي ينبهر بها المثقف الطليعي ، واسمحوا لي أن أسجل في نهاية هذه الأوراق أن ما بين أيديكم مجرد قراءة عاشقة من قاص لا ناقة له ولا جمل في سوق النقد ... وما تبقى يؤسسه النقاد !!!

على سبيل الختم :

"هل الحياة في المعتقل تكون أحيانا أفـضل من الحياة خارجه ؟ إن هذه المواقتة بين الجواني والبراني يمزجها الربيعي بتكـنيك واقعي، لا حلم بلا واقع ولا واقع بلا حلم ، أما التقـنية الرائعة فهي ساعة بلا عقارب ، تذكرنا بتكنيك الروائيين الكبار من جويس إلى وليم فولنكر ، لا بد من الإحساس بالزمن ، بعمق، لإدراك هذا التوقيت الموزع"... (محمد شكري)

ايوب صابر 11-25-2011 02:26 PM

الوشم لعبد الرحمن مجيد الربيعي:

رواية قديمة...هل تصلح لأيامنا الجديدة ؟
بقلم نديم الوزه
لم يكن مدخلاً جيداً بالنسبة لي أن أقرأ ما كتبه الروائي المغربي محمد شكري على غلاف رواية" الوشم" للروائي العراقي عبد الرحمان مجيد الربيعي ،و لاسيما أن هذا الذي كتبه قد يخطر لأي قارئ مطلع وقد لا يرى أن رواية الربيعي يمكن أن "تذكرنا بتكنيك الروائيين الكبار من جويس إلى وليم فولكنر" ،ليس لأن الربيعي ليس كاتباً كبيراً، و لا لشيء قد يتعلق بالتقليد و التكرار، و إنما لأنني كنت قد مقت هذا التكنيك من خلال قرائتي لشيء مما كتبه الروائيان المذكوران جويس و فولكنر،على ألا يعني هذا المقت لهما أي حكم قيمة ، وعلى ألا يعني أنهما ليسا كبيرين كما يرى محد شكري .ذلك أنهما ، بما ابتكرا من تكنيك على الأقل، قد فتحا الباب إلى تعددية طرق هذا التكنيك و احتمال جدتها في أي رواية جديدة.
ومع أنني أقرأ رواية"الوشم" في نسحة من طبعتها السادسة 2002 أي بعد ثلاثين عاماً من صدور طبعتها الأولى 1972 إلا أنها، بتجاوزها لتكنيك سرد تيار اللاوعي، و ابتكارها للسرد المبعثر أو المشتت لرصد وعي يماثله،لم تزل تحتفظ برونق سردها و تلقائيته و بما تثيره من أفكار أراها سباقة و ملحّة على المواطن العربي الذي يعيش في"غرفة بملايين الجدران"بعبارة محمد الماغوط،أو في "سجن بلاجدران و لا حراس" بتعبير إحدى قصائدي!.و هي إذا ما كانت تذكرني بكلا التعبيرين فلأنها تتحدث عن شاب مثقف يدعى كريم الناصري لم يزل يعاني من جرائر سجنه سبعة أشهر في أحد سجون العراق طالما أنه لا يعرف كيف يتخلص من خزيه و عاره بعد قبوله بالاعتراف بنشاطه السياسي و تبرؤه منه علناً في إحدى الصحف لكي ينال حريته و يذهب إلى أقرب حانة.
و ربمالأنني لم أنضم إلى أي تنظيم سياسي لأدخل إلى السجن من جراء ذلك ، لا أعتقد أن هذه الرواية تحاول أن تفضح انهزامية هذا الشاب بقدر ما تحاول أن تكشف عن طهرانية المجتمع الذي يعيش فيه ،و عن انقلابية أفكاره و عدم مقدرته على تكوين وعي علائقي حديث و عقلاني حتى بين صفوف الشرائح العلمانية و اليسارية. و ربما هذا ما دفع بالرفاق اليساريين-شخصيات هذه الرواية- إلى التدين و محاولة الخلاص الروحاني طالما أن الواقع لايستجيب لأفكارهم الدنيوية في العدالة و الحرية كما أفترض، أقول أفترض لأن الرواية لاتصرّح بأفكار شخصياتها السياسية أوالعامة ،و إنما تكتفي بفضح أحادية السلطة أو المعارضة في ثنائية تصادمية لا مكان للحراك الثقافي أو الاجتماعي أو الإنساني بينهما . يؤكد ذلك اضطراب عقل كريم الناصري و نفسيته حين لا يستطيع الاستمرار في حياة متوازنة داخل العراق على الرغم من توفر العمل و المرأة بل و الحب ، و ذلك بسبب من شعوره بالتلوث و الإثم لتخليه عن أفكاره السياسية السابقة و تنازله للسلطة ، الشيء الذي يعتبره خيانة لا تغتفر و لا يمكن الخلاص من خطاياها إلا بالانتحار المكاني أي الهروب خارج العراق إلى الكويت أولاَ و من ثمّ إلى بلدان أخرى للابتعاد أكثر فأكثر عن مسرح الجريمة.
بهكذا وقائع لا يبدو كريم الناصري أنانياً بالمطلق أو انتهازياً كما راق لبعض قراء الرواية أن يصفه. فعلى ما يبدو من هذه الوقائع أن أكثر ما أراده هذا الشاب لا يتعدى حياة متحررة يمكن للمرء فيها أن يكون ذا فاعلية إنسانية تمكنه من أن يفكر و يبدع و يحب و يطالب بظروب معيشية أفضل . لكن ما كان يفتقده كريم لتحقيق ذلك ليست القوة التي زجت به في السجن و ليست القوة المضادة التي زجت به في عداد المتخازلين و الخونة، و إنما كان يحتاج إلى وعي كاف للتوازن بعد كل ما حصل له ، توازن يجعله قادراً مجدداً على التفكير بقوته الفاعلة ، قوة الفكر، و الإبداع ، و المحاججة ليس مع السلطة بالضرورة بل مع الناس المفترض منهم أن يمتلكوا وعياً يجعلهم تلقائياً يرفضون أي استبداد لاعقلاني قد يتحكم بهم وبمصائرهم . لكن و لأن كريم الناصري لم يستطع أن يعي ذلك تشابكت الأشياء و الأفكار في رأسه كما يقول و لم يعد يرى خلاصاً إلا بالهروب و الالتجاء...
و كيلا أستطرد في أمور أخرى تثيرها الرواية و لا تفترضها وقائعها تماماً ، أعود إلى بنية سردها المتشابكة التي اقترحتها ذهنية كريم الناصري الذي تولى رواية معظم الأحداث على شكل استذكارات و رسائل متداخلة في أمكنتها و أزمنتها و لكن لكي تعاود التشكل في ذهن القارئ لحظة انتهائه من قرائتها بما يتيح له التفكر و التأمل في مقولاتها و وقائعها حتى لتبدو أنها رواية يومية لحياتنا التي نعيشها الآن في بيوتنا و شوارعنا و عملنا و كأن السجون أصبحت إحدى مورثاتنا الطبيعية أو هي آفة عصرية نتفسها مع الهواء و نشربها مع المياه و نأكلها مع الطعام ، واعتبارها كذلك هو بحد ذاته كاف ليجعلها إحدى الروايات الرائدة في تفكيك الوعي العربي و إحالته إلى مشرحة العقل النيّر من غير ادعاء أوفذلكة شكلية قد لا تفضي بنا إلا إلى مزيد من الجهل أو في أحسن الأحوال إلى مزيد من الانكفاء و التجاهل لما يمكن أن يودي بنا جميعاً إلى التحلل و التلاشي!

ايوب صابر 11-25-2011 02:31 PM

بدايات عبد الرحمن مجيد الربيعي .. رواية لم تُكتب بعد وهذه إحداها !!بقلم: زيد الحلي

على نحو ساعة كاملة ، شدني المحاور مجيد السامرائي الى شاشة قناة الشرقية لمتابعة حواره الذكي والممتع في برنامج ( أطراف الحديث ) مع الروائي والكاتب المبدع عبد الرحمن مجيد الربيعي ... وحاول الربيعي ان يكون حديثه من إطراف تجربته ومسيرته إلا ان السامرائي ماسك مقّود الحوار من خلال محاورته المشبعة بمعرفة ضيفه ، حالت دون ذلك ، فانساب الحوار بعمق وسهوله ليشكل عند متابع البرنامج خارطة معرفية بالروائي الربيعي ..
ورغم ان معرفتي بالربيعي تمتد الى العام 1966 او ربما قبل ذلك ، إلا إنني في ألاثنتي عشرة سنة الأخيرة لم ألتقية سوى مرتين ..الأولى في حفل للسفارة العراقية بتونس في تموز عام 1999 وكان ثالثنا صديقنا المشترك الدكتور محسن الموسوي ، والثانية قبل نحو عامين في مقهى ( الكمال ) في دمشق .. وكان لقاءا انداح فيه سيل من الذكرى والتذكر ..
وبعيداً عن الربيعي القاص والكاتب ، فان الربيعي الصحفي لعب دوراً رائداً في التعريف بأسماء كانت تغذ السير بخجل وتؤدة في حديقة الإبداع العراقي من خلال أشرافه على الصفحة الأدبية لصحيفة ( الإنباء الجديدة ) لصاحبها السيد زكي السعدون وهي صحيفة أسبوعية متواضعة صدرت في حزيران 1964 والغي امتيازها في مطلع 1967 وهي فترة قصيرة في العمر الصحفي لكنها تميزت بصفحتها الثقافية التي اشرف عليها الربيعي وخرج من جلبابها العديد من الشعراء والقصاصين أصبحوا في ما بعد من نجوم الثقافة العراقية وقد أشرت الى بعض ذلك في موضوع نشرته على صفحات " الف ياء " بجريدة الزمان في طبعتها الدولية في عددها 3427 في 21 / 22 تشرين الاول 2009 وأعيد نشره لاحقاً في طبعة بغداد والعديد من المواقع الالكترونية تحت عنوان ( عبد الستار ناصر بالأسود والأبيض).
الصحافة هاجسه الأول
ويبدو ان طموح الربيعي ، كان باتجاه الصحافة الثقافية قبل أي طموح آخر رغم عدم تصريحه بذلك ، فلم يرد في كل ما كتب وما أستذكر ، ما يدلل على ما ذكرت لكن ذاكرتي وأرشيفي يؤكدان ما أشرت اليه ... ففي عام 1966 راسل الربيعي ، الكاتب الكبير الدكتور رشاد رشدي رئيس تحرير مجلة " المسرح " المصرية الشهيرة ، مبدياً رغبته في ان يكون مراسلاً للمجلة في بغداد ، وكان الربيعي في حينها احد طلبة أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد ، غير ان المجلة المذكورة اعتذرت عن تلبية رغبة الربيعي ، ومن غريب الصدف ان العدد الرقم ( 26) من تلك المجلة الصادر في شهرشباط 1966 حمل ثلاثة ردود على رسائل متابعي مجلة " المسرح " احدها على الربيعي والثاني على الفنان المصري ( وحيد سيف ) والثالث على العبد لله كاتب هذه السطور ، حيث كنتُ بعثت للمجلة رسالة تهنئة لجهودها في بث الوعي المسرحي والثقافي بصفتي المسؤول الإعلامي لفرقة بغداد للفن الشعبي !
ورغبته الثانية كانت الرسم ... انه رسام متمكن من أدواته وقد نظرت يوماً الى إحدى لوحاته في زيارة له في بيته ( العزّابي ) في حي المنصور ببغداد حسبما أتذكر ، صحبة الزميل لطفي الخياط ، فاندهشت لفكرتها وأسلوب تنفيذها ، حيث طبعها بطابعه الشخصي وبخصوصيته المتفردة في الرؤية من منطلقات التجربة الإنسانية.. واللوحة عنده تكون حية وتستطيع التغيير إذا كان من ورائها هدف وقضية , وتموت عندما تستقر على الحائط وتمتلك قوة التغيير إذا انتشرت بفعل الحركة والتداول بين الناس .. لقد خسره الفن التشكيلي وخسرته الصحافة الثقافية ، لكن الفن الروائي ربحه .. !
وفي فترات من بداياتنا الحياتية ، جمعنا العمل في أعداد برنامج يومي شهير لإذاعة بغداد في أواخر ستينيات القرن المنصرم باسم ( صباح الخير ) ككتّاب خارجيين ، وكان الأستاذ " بهنام ميخائيل " المدرس الكفء في أكاديمية الفنون الجميلة ، مشرفاً على البرنامج الذي كان يساهم في أعداده أيضا مجموعة طيبة من المثقفين وكان زهده واضحاً في فسح المجال لزملائه في تقديم حلقات أكثر عددا في الوقت الذي كان فيه هو المفضل عند المشرف على البرنامج في كتابة ذلك البرنامج الصباحي الفيروزي في كل شيء، كلمات وغناء وألقاء وموسيقى حيث كانت لغة الربيعي هي ألأحلى من بيننا ... كان شاعراً متمكناً ونحن صحفيين نعمل في صحف يومية ..
لم يعرف عن الصديق الربيعي إلا الدماثة والخلق .. هو محب للناس ، معارفه كثيرون لكن أصدقائه قليلون وآمل ان الأمر تغيّر في غربته الطويلة .. و أظن انه من المؤمنين بان المرء قد يحتاج لساعـة كي يفضِّلَ أحد الأصدقاء ويومـاً ليُحبَّ أحدهم ولكنه قد يحتاج إلى العمر كلـه كي ينسى أحدهم ، وما الصديق المشترك الأستاذ عزيز السيد جاسم ولطفي الخياط واحمد فياض المفرجي وخالد حبيب الراوي وسركون بولص و غازي العبادي و.. و.. إلا مثالاً .. اليس كذلك أبا حيدر ؟ أنه لم يصرف أيامه بلا حب .. لأن ذلك يعني له العيش في حياة بلا رونق وهرق العمر بلا مسرة .. اعتداده بنفسه واضح عند محبيه ، لكنه لم يصل إلى حد الغرور.. والرواية عنده ليس سلعة تباع ولا سوقاً للحظوة ، بل هي قبل كل شيء عاطفة تلبس الحروف وشعور يروي حديث الهاجس البعيد.. والصديق عبد الرحمن الربيعي (طفل كبير) ينطبق عليه ما قاله " هنري ماتيس " وهو في الثمانين من عمره ، عندما وجده بعض معارفه يلعب مع الأطفال والحمام أمام كنيسة " مونمارتر" في باريس وقالوا له : كيف تلعب مع الأطفال وتقف بينهم ترسم الحمام والأطفال يلعبون بها ، فقال هنري ماتيس : أتمنى أن أعيش بقلب طفل وعقل رجل.
بعد سنوات طويلة على معرفتي به ، لم أحسه يوماً إلا وطني المنبت ، قومي الجذور ، إنساني العاطفة .. له حضوره الوطني والقومي والعالمي .. عاش غربته الطويلة في تونس وهو يغني لوطنه .. ان همّ الربيعي ان يعبر عن الحدث الذي يخرج من ذاته ، لا الحدث الموجود خارجه ، وانتمائه لوطنه العراق ، أجمل ما فيه ويبدو ذلك جلياً من خلال أعماله التي تنطلق من المحلية الى محيطها القومي ثم الى فضائها العالمي .. وهو مؤمن بأن من لا يدرك ما حوله لن يدرك ما بعده !
أهداني روايته " الوشم " في عام 1972 بعبارة ظلت محفورة في ذهني .. وكنتُ أسعد عند إطلاع أصدقائي وأبنائي عليها .. وكانت تحدوني الرغبة لإيرادها مع هذا الاستذكار لكن الخشية من تفسير لا أود سماعه .. منعني !
شخوص الماضي في ذاكرة الربيعي
قرأت معظم ما كتبه ، عدا ما لم أستطع الحصول عليه لا سيما التي تتحدث عن فترات العمل في ستينيات القرن المنصرم واستذكاره لأصدقاء مشتركين ، فلاحظت مدى تكامل تلك الكتابات مع المضمون .. فلكل عنصر فيها مدلول أنساني .. ورواياته غنية المعاني وعميقة الدلالات ، شيقة الأحداث ... هي تجارب وسجل ذاكرة ... وهو لم يتدثر بعباءة غيره ، وهنا لا أريد ان أكون ناقداً لإبداع الربيعي ، فهذا الرجل المتميز في عطائه وغزارة إنتاجه ، ظلت تجربته موّارة بالحياة ، رافلة بالبساطة والعفوية والعمق ، أنها من النوع السهل الممتنع ، مما أغرى العديد من كتًاب الرواية العرب على تقليدها ، لكنها ظلت عصية على التقليد ..كونها وثيقة الصلة بجذور الحياة المتجددة أبداً وبصولات الفكر الإنساني الذي لا يهدأ..
قرأت للربيعي تصريحاً ، اثر صدور كتابه ( أية حياة هي ؟ ) قال فيه انه كان حكّاء وأنه لم يرو سيرة آخرين بل سيرته هو ، وليقبل عتبي على شكل تساؤل بريء دون ان يغفل ان العتب دليل محبة : اين خالد الحلي وعبد الرحيم العزاوي وطارق الصيدلي و عبد الرحمن طهمازي وسجاد الغازي إبراهيم الزبيدي وبهنام ميخائيل وحميد المطبعي ومجلته " الكلمة" ومحمد هاشم ابو جعفر، الذي لوحده يصلح لمشروع كتابة عمل روائي ..و..و من ذاكرتك وسيرتك صديقي العزيز ؟ سيما انك خلقت من نكران ذات ومن تراب المحبة الطهور وجبلت بماء الورد... ارجو ان يكون لما ذكرت مثابة لعملك اللاحق رغم ان الصديق عبد الستار ناصر قال في مقال له نشرته " الزمان " ( لم يبق من شيء من عالم الربيعي المتشعب إلا وكتبه ومن صندوقه المحشو بالأسرار إلا وفتحه، وما من زقاق أو شارع أو محلة أو مقهي أو حانة أو مطعم الا دخل اليه وجاء علي ذكره في بغداد كان ذلك أو في بيروت، ودائماً مع هذا الصديق أو ذلك المحب) وأضيف لما أشار اليه ناصر، بالقول ان الذاكرة هي الجسر الممدود عبر الزمن ، تنهل من ماضينا لكي نثري حاضرنا ، فلا ينبغي علينا السماح لها بالدوران حول ما تشتهي وتبتعد عن غير ذلك
والحق أقول ، ان جميع أعمال الربيعي التي اطلعت عليها ، رواية وشعراً ودراسة ، تتمتع بقدرة مدهشة على إثارة الأسئلة وإبقائها معلقة في الهواء ، تبحث دون جدوى عن مفاتيحها وإجاباتها ، وتلك ميزة لم يحصل عليها إلا قلة قليلة ، فكتاباته لؤلؤاً لا يخالطه الحصى !
والربيعي الذي أراه ألان بعين الستينيات، كان يتصرف بنفس الطريقة التي يفكر بها بمعنى أنه لم يتناقض ابداً .. وأظنه يتذكر كيف تحول الاهتمام عن صفحته الثقافية في " الأنباء الجديدة " الى صفحات جريدة " أبناء النور" الأسبوعية ، مما دعاه لنشر نتاجات شعراء وأدباء لم يكونوا على المستوى المطلوب ، لكن مكانة صفحته عادت الى الصدارة والاهتمام من جديد ، بجده ومثابرته ولديّ أعداد من هذه الصحيفة وتلك ، تبين ما ذهبت اليه .. وفي هذه الجزئية ، أتذكر تكليفي من قبل الرائد الصحفي شاكر علي التكريتي وهو مدير تحرير صحيفة " العرب" اليومية التي كنت أعمل فيها لدعوة الربيعي للأشراف على الصفحة الثقافية في الصحيفة ، غير إنني لم أقم بالمهمة كون الصفحة المذكورة كان أستلمها للتو الصديق عمران القيسي ( الناقد التشكيلي المعروف المقيم حالياً في بيروت ) بعد ان تركها الصديق (ابو لقاء) إبراهيم الزبيدي وما كنت أظن ان أخي عبد الرحمن سيعتذر من هذا التكليف لو عرف به لا سيما ان له مساهمات في الصفحة أيام صديق الزمن الجميل الزبيدي . ومجلدات هذه الصحيفة ، المدرسة ،موجودة بالكامل لديّ ، ناهيك ان العمل في صحيفة يومية لها ثقلها في صحافة الستينيات خير من العمل في صحيفة أسبوعية !
وما أود الإشارة إليه هنا ...أن صديقي الربيعي ربما يعتقد ان تلك المرحلة من سلم بداياته لا تستحق الذكر ، لكني أقول ان السطح لا يمكن بلوغه لولا مساطر السلالم الأولى .. أليس كذلك ؟ فلم يكن الواحد منا ، كما هو الآن ، ولم يهبط احدنا من كوكب " الشهرة " في مظلة من صنع القدر ... فالبداية هي مهماز كل شيء ولا من عيب أن ذكرالبدايات مهما كانت صغيرة طالما أصبح المرء شأناً عاماً ، وأرى ان الشجاعة ليست مجرد ميزة إنسانية بل حاجة ضرورية .
ورحم الله الشاعر العالمي الكبير رسول حمزا توف الذي قال كلمته الشهيرة ( إذا أطلقت رصاص مسدسك على الماضي ، أطلق المستقبل عليك مدافعه ) وحفظ الله الربيعي من مدافع الغد !
ان " إطراف حديث " الصديق مجيد السامرائي .. تصلح مادة ثرية لكتاب آمل من زملائنا في " الشرقية " السعي لإصداره .. فالسامرائي يبدأ حواراته بهدوء وعندما تمضي الدقائق يتحول الى حوار عاصف فيحلوا عندئذ السماع والمشاهدة ... وهذا سر نجاح البرنامج ، حيث يعتمد على الغمزة المحببة واللمحة الخاطفة والمغزى الجميل .. ينتقل بمشاهده الى غصن بعد ان يودع شجرة ويذهب الى ينبوع بعد ان يشرب من ماء النهر ... انه برنامج شبيه بالحب والعطر لا يمكنه ...الاختباء ..!
أخي عبد الرحمن ... سعيد بك وبتواصل أبداعك .. وآمل ان يمد بنا العمر لنقرأ كتابك الرقم ( 50 ) بأذنه تعالى ولا تنسى شهود البداية .. لا تنس!

ايوب صابر 11-26-2011 11:49 AM

من ورشة عمل في مجال القصة اقيمت في المغرب عام 2009 :

من هو عبد الرحمن مجيد الربيعي؟
إنه كاتب عراقي وفنان تشكيلي. ولد سنة1942 بالناصرية جنوبالعراق. بدأ الكتابة فيالعشرينات من عمره، وذلك سنة1962 بقصة"الخدر"، ومجموعة قصصيةبعنوان"السيف والسفينة" سنة1966، تلتها رواية"الوشم" ثم"وجوهمرت" مجموعة بورتريهاتعراقية.
كانت أول زيارة لهبالمغرب سنة 1976، حيث تمكن من ربطعلاقات مع أدباء مغاربة من خلال قراءته لهم، فقد كان يجمعهم قاسم مشترك وهموم واحدةتتجلى في التوحد واقتراب القصاصين والروائيين من بعضهم البعض، وسحق حدود التقوقعوالقطرية، من أجل الانفتاح على الآخر، خدمة لتطوير الجنس القصصيالمحبوب. لم يكن جيل الستيناتقطريا، وإنما يكاد يكون عربيا، فكل الذين كتبوا في تلك الفترة كانوا متقاربين فيأعمارهم وهمومهم، ومعاناتهم من أجل طرح تجاربهم، التي كانت تئن تحت ثقل الرقابةالاجتماعية من جهة، ورقابة النقد الماركسي من جهة ثانية.
ماهي الروافد التي استقى منها الربيعي تجربته، وما هيالمؤثرات التي طبعت كتابته؟
حدثنا الربيعي قال:"الكتابات الأولىكانت كتابات تجريبية، لأننا أردنا أن نصل بها إلى نتائج معينة.. كانت أشبه ما يكونبمن يدخل إلى مختبر ويبدأ بالتركيب ليصل إلى نتائج متوخاة، ربما يكون النص الذينكتبه لا يحقق ما نريد، لكن إنصافا لهذا النص أنه حرك الماء الراكد، وعمد إلى تكسيرالوجود وتعرية واقع ليس واضحا تماما.
ويبدو لي أن كل كاتب انتمى إلى التجريب، أنه كان متأثرابمنطلقات جاء منها للكتابة، هناك من أتى من الرياضيات أو العلوم أو السينما أوالمسرح، أما أنا فقد جئت إلى الكتابة من الفنون التشكيلية، وكنت منبهرا بالسرياليةالتي كانت طاغية على الرسم العالمي، وبدأت أتساءل عن وعي كيف يمكن أن أكتب بطريقةسريالية من وحي ما أراه من لوحات تشكيلية؟ أعجبت أيضا بالكولاج، اللصق أيضا كانحاضرا في الفن التشكيلي العراقي، فحملت بعض قصصي هذه الخاصية بينثناياها . وأعترف أن لي قصصالم تخضع لتأثيرات خارجية.."
يقول إن أغلب مجايليه تأثروا بالروايات والقصص الروسية،التي كانت تصدر عن دار اليقظة بدمشق وتوزع عبر العالم العربي، فتشيخوف مثلا أثر فيكتابات كثير من الكتاب العرب
. إلا أن مجيد الربيعيتساءل مبكرا حول الذات والهوية، ولم يكن يريد أن يلحق اسمه بالآخر على حدتعبيره: لماذا لا نحاول أننكتب قصصنا؟ لأننا نريد أن نمنح للقصة هوية عربية، سماها في أحدالشهادات: بحثا عن قصةأخرى...

ما هي الأسس التي تقوم عليها نظرية الربيعي فيالقصة؟
من خلال ما سبق، إن الربيعي كان يحمل هم التأسيس لقصةمغايرة، قصة ذات سمات وملامح وهوية عربية. كان يحاول وجيلالستينات تكسير الحدود الجغرافية، والتقوقعات القطرية، لخلق خطاب بجغرافية اللغةالعربية. فكبر الطموح عندماكثرت المجلات التي تصدر في البلدان الأخرى(مصر)، وبدأوا يبحثون عنمنافذ أخرى، حتى لا تبقى النصوص رهينة الوسط والضغط القبلي للكتابة، كماأسماه. كان يريد للنص أنيفرض حضوره، رغما عن مسطرة النقد الماركسي التي كانت تخضع العمل الإبداعي للنظريةأكثر مما تخضعه للقيمة الإبداعية التي يحملها، في حين كان الربيعي يريد لنصوصه أنتكون ابنة الواقع شاهدة عليه، رافضا شحنها بالشعارات..
هذه الرقابة جعلت بعض الكتاب والشعراء يكتبون خارج البلد،بحثا عن هواء نقي للأدب.
في الذات الكاتبة، الكاتب القاص رقيب على الكاتبالروائي
رغم أن الربيعي تحدث عن انهيار الحدود الفاصلة بين الأجناسالأدبية، التي بدأت تشهد تداخلا مهما، ولم يعد هناك جنس مستقل عن الآخر، فإنه مازال يتشبث بالقصة القصيرة بوصفها جنسا مميزا، بحيث يجعل منها أصل الكتابة السردية،فليست القصة القصيرة جدا في الأصل سوى قصة قصيرة لكنها أكثر تكثيفا واختزالاواقتصادا في اللغة، وإن أصل الرواية أيضا قصة قصيرة لكنها أكثر فضفضة، وثرثرة لغويةبحيث أنها تستطيع أن تستوعب المسرح والقصيدة والمقالة، وتتوسع في الشخصيات والأحداثوما إلى ذلك.. ورغم ذلك، فالقصة لاتعتبر عتبة للرواية، وهو ليس مع الرأي القائل إن القصة القصيرة قنطرة للمرور إلىالرواية. وكاتب القصة يكونأكثر توترا وخشية وانفعالا، أما الروائي فيكتب باسترخاء..
وبما أن القاص فيه يراقب الروائي، فإنه، حينما كتب رواية"الوشم"، تدخل الكاتبالقاص، فحذف ما يقارب ثلثيها، تحت تأثير الإحساس الفني الذي يمتلكه القاص، لأنهيعيش هاجس الكاتب القاص وليس كاتب الرواية.

ايوب صابر 11-26-2011 12:16 PM

عبد الرحمن مجيد الربيعي: لا نجد اليومغير ركام من القول المعاد!
الروائي العراقي: مهرجانات العراق زمن العهد السابق كانت مساحة لقاء بين أدباء العربية.. ولم تكن سلبية مائة في المائة

تونس: حسونة المصباحي
يقيم الروائي العراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي في تونس منذ سنوات طويلة. فقد اتخذها مقرا له بعد رحلة في العمل الابداعي والاداري الحكومي بين بغداد وبيروت. وللربيعي، مواقف كثيرة في الشأن العراقي، ماضيا وراهنا، فضلا عن آرائه في رموز الحركة الثقافية العراقية.

في هذا الحوار معه تحدث الربيعي عن موقعه في الرواية العراقية والعربية، وعن سيرته الثقافية والادارية، وعن الحياة الثقافية في تونس وفي المغرب العربي بصفة عامة.

* عملت فترة مع النظام العراقي السابق، ثم استقلت من عملك بناء على رغبتك ـ كما علمنا ـ ومن ثم غادرت العراق لتقيم في تونس منذ عام 1989 وتكوّن لك اسرة فيها. فلماذا غادرت؟

ـ في اوائل السبعينات كان الوضع السياسي في العراق مختلفا عما هو عليه في العقدين الاخيرين من القرن الماضي، خاصة العقد الاخير. كان هناك توجه مخلص من قبل بعض قادة حزب البعث الذين يثق بهم الناس بما في ذلك خصومهم التقليديون (الشيوعيون) مثل الراحل عبد الخالق السامرائي وصلاح عمر العلي وغيرهما، كما ان من تولوا مسؤولية وكيل وزارة الثقافة والاعلام كلهم من الشعراء مثل الراحل شاذل طاقة والدكتور زكي الجابر الذي غادر الى المغرب ومن ثم الى اميركا، ولا انسى هنا بعض الشعراء الذين شغلوا منصب مدير عام في الوزارة مثل الشاعر علي الحلي. كنت اعرف هؤلاء بأشخاصهم، وارتبطت مع بعضهم بصداقات، خاصة في فترة 1964 ـ 1968 يوم كان حزب البعث خارج الحكم وكان اعضاؤه مطاردين ومطلوبين، كما ان الحزب نفسه كان منشقا الى جناحين اليساري وقيادته في سورية واليميني التابع لقيادة ميشيل عفلق او جماعة القيادة القومية ـ كما يسمّون.
عرفت ببغداد عددا كبيرا منهم وعن طريق بعض اقرب اصدقائي الذين كانت لهم علاقة بحزب البعث مثل لطفي الخياط، جليل العطية، طه ياسين العلي، عبد اللطيف السعدون، ابراهيم الزبيدي وغيرهم. ويوم تسلم البعثيون الحكم للمرة الثانية في 30/17 يوليو (تموز) 1968 كان عددهم قليلا جدا بحيث لا يستطيعون ادارة اجهزة دولة. وعلى حد علمي كان معظم الادباء البعثيين شأنهم شأن معظم الشيوعيين قد قدموا براءات ونشروها في الصحف وربما كان الشاعر حميد سعيد الوحيد الذي له صلة حزبية قبيل انقلاب تموز 1968 وقد ابعد سياسيا الى مدينة السليمانية. وكان الابعاد معمولا به وقتذاك. كنت قد عينت مدرسا للرسم في اعدادية الاعظمية ببغداد عند تخرجي في كلية الفنون الجميلة 1968 ـ 1969 ووقتها كنت على صلة (ليست تنظيمية) بزملاء لي عملوا مع القيادة المركزية المنشقة عن الحزب الشيوعي. اذكر منهم صبري طعمة وابراهيم زاير وآخرين. وكنت اتابع كل منشورات الحزب واتابع حركته في اهوار الجنوب المسلحة (وردت الاحداث في روايتي «الأنهار»)، لكن علاقتي كانت قوية ايضا ببعض زملائي البعثيين، خاصة في الكلية. وكنت احاول حل الكثير من الاشكالات التي تحصل في الكلية لا سيما ان البعثيين قد تسلموا الحكم.
كان الدكتور زكي الجابر وكيلا لوزارة الثقافة وكانت الوزارة بحاجة الى كوادر من الادباء، ولم اجد صعوبة في الانتقال اليها لا سيما ان الوزير كان صلاح عمر العلي الذي ابعد من تكريت الى الناصرية في الستينات وترك وراءه علاقات طيبة في المدينة.
ولقد جئنا مدفوعين بالامل لأن ننجز ما حلمنا به. ولم يمض وقت حتى تسلمت مسؤولية مجلة (الأقلام)، وكما تعلم ويعلم اهل الادب انني بذلت جهودا مضاعفة من اجل ان تكون هذه المجلة قبلة للادباء الشباب وفتحناها ـ وبالمكاتبة المباشرة ـ لأسماء ادبية عربية. كان العراق يعيش وقتها فترة وئام وانضمت بعض الاحزاب للحكومة، ولكن هذا الامر لم يبق على ما هو عليه. وانفرط عقد الائتلاف الحكومي، وبدأت هجرة الشيوعيين ومناصريهم شبه الجماعية الى البلدان الاشتراكية واليمن الجنوبية (قبل ان تعود وتتوحد مع اليمن الشمالي)، وانعكس هذا حتى على وضع الثقافة، خاصة عندما جيء بقاص متواضع الموهبة هو المرحوم موفق خضر الذي لم يكن يحلم ان يكون مديرا فصار مديرا عاما بوساطة من زوج اخته هاني وهيب السكرتير الصحافي للرئيس السابق (وقتها كان نائبا للرئيس). وتصرف من موقعه بطريقة هي اشبه بتصفية الحسابات. وكان ذلك اول اصطدام شخصي مع المؤسسة الثقافية الرسمية، حيث حملت اوراقي وقصدت بيتي وقررت ان لا اعود للعمل، ودام هذا عدة ايام، وكان الشاعر سامي مهدي المكلف بمهمة حل الاشكال الذي انا فيه (وقد فكرت جديا بالمغادرة)، وأكدت للشاعر سامي مهدي انني لن اعود ابدا للعمل مع موفق خضر، ثم فصلت وزارة الثقافة والاعلام الى وزارتين، وتدخل الشاعر علي الحلي لنقلي لوزارة الاعلام، كما كان الحلي وراء تعييني في بيروت وما دمت لست عضوا في الحزب الحاكم فإن منصبي الرسمي سيكون مسبوقا بكلمة (م) اي (معاون). وهكذا صرت معاون مدير مركز. اما المدير فهو المستشار الصحافي الصديق سيف الدوري الذي سينضم مع شقيقه الكبير للمعارضة.
كانوا بحاجة الى كوادر، ليس لديهم الا مجموعة قليلة من الذين يصلحون لمهمة ثقافية وفي لبنان بالذات الذي كان وقتها ساحة حرب، ولم يفكر احد اطلاقا بالعمل فيه.
ومع هذا قبلت، قالي لي د. خالد حبيب الراوي: «انك تنتحر بالذهاب الى بيروت في هذا الوقت»، فكان جوابي له: وبقائي هنا أليس انتحارا؟ كانت فترة لبنان رغم كل ما فيها مهمة بالنسبة لي، فأنا في بلد احبه، ولي فيه صداقات، وسبق ان نشرت عددا من كتبي فيه.واصبح المركز قبلة المثقفين، وجئنا بعدد كبير من الادباء والفنانين واستضفناهم مثل الشاعر الرائد عبد الوهاب البياتي والروائي المعروف جبرا ابراهيم جبرا، والتشكيلي المتميز شاكر حسن آل سعيد اضافة الى الفنانين المعروفين في مجال الموسيقى مثل سلمان شكر ومنير بشير وسالم حسين. كما نقلنا معرض البوستر (الملصقات) العالمي وعرضناه في المركز، ومن المفارقات ان الصفحات السياسية في بعض الجرائد ـ خاصة بعد قيام الثورة الايرانية وكنت في بيروت وقتها ـ كانت تهاجم العراق ونظامه بينما كان المديح يتوالى للمركز الثقافي والدور الذي يقوم به في الصفحات الثقافية.
اما ذهابي من بيروت الى تونس فله حكاية، اذ انني كنت في زيارة لبغداد ونبهني احد الموظفين المخضرمين بأنني عملت في منطقة خطرة ووفقا للقانون بامكانك ان تطلب النقل الى بلد آمن لا مشاكل فيه.

وقدحت الفكرة في رأسي، ودخلت على المدير العام وكان وقتها حسن طوالبة (وهو اردني الجنسية)، فأكد لي ما سمعته، ولكنه اقترح عليّ ان افاتح الوزير بالامر، ولم تكن اماكن شاغرة الا في ثلاثة بلدان هي تونس وروما وانقرة، واجبت على الفور: تونس. اذ انني اعرف تونس ولي فيها صداقات، واحب اهلها ومناخها، وهذا ما كان لي، ذهبت الى بيروت لأحمل حقائبي متوجها عن طريق قبرص الى تونس. كان هذا عام 1980. وكانت اقامتي اكثر من رائعة، لكن ما لم يكن يعرفه الاصدقاء التونسيون انني كنت اتعرض لمضايقات من قبل السفارة، وبعض موظفيها كانوا يدبجون التقارير الكاذبة عن حياتي الشخصية، كما ان المستشار الصحافي وقتذاك هو شاعر واعني به محمد راضي جعفر كنت له اشبه بالكابوس، وذات يوم جاء امر نقلي لبغداد، وعندما كلمت الوزارة قالوا لي امامك خيار آخر ان ترجع لبيروت لأن مكانك شاغر فيها ولم يقبل احد بالذهاب خوفا من الاحتراب، ومن جديد فضلت بيروت على العودة الى بغداد التي كانت غاطسة في الحرب الدامية مع ايران، ولم يكن هناك من فكاك في ان تتهرب من الجيش الشعبي الذي شمل كل اصدقائي الذين بقوا هناك، وكنت شخصيا لا أؤمن بالحرب واستطيع القول انني من القلة الذين لم يكتبوا سطرا من اجلها، حتى ان الشاعر سامي مهدي قد اخبرني ذات يوم: ان هناك ملاحظة مسجلة عليك هي انك لم تكتب عن الحرب بينما اصدقاؤك كلهم كتبوا وعايشوا الجنود في جبهات القتال. ثم عدت لبغداد، ورغم انني لم يسىء اليّ احد الا ان المرء يعيش خائفا وهو لا يدري لماذا.
اسمع عن اناس غيبوا لمجرد نطقهم بكلمة، اكتشفت كأنني امام عراق آخر، حتى الناس تغيروا، كما ان كتبة التقارير كانوا يعيشون مرحلة الازدهار، ويتصيدون الكلام من الافواه، وربما كانت اكبر مفاجأة لوزير الثقافة والاعلام عندما طلبت منه احالتي على التقاعد المبكر، ولم يصدق، وترك لي فرصة ثلاثة ايام للتفكير، ولكنني كنت مصرا، قراري لا رجعة فيه، كان هذا عام 1987 وعشت عاما وبضعة اشهر في حالة متردية على كل المستويات لولا وقوف بعض الاصدقاء معي، سواء من اللبنانيين المقيمين في العراق او من العراقيين.

وعندما سنحت لي فرصة للسفر اتخذت قراري بأن لا ارجع ثانية حتى يتغير الوضع الى ما هو احسن وكنت استبعد هذا. ومرت السنوات وقد تردى الوضع وجاء زمن الاحتلال بكل مساوئه وجرائمه وما يشكل من اهانة لشعب عريق، معتمدا على نفر من ابنائه مع الأسف المر.

* ما هو الدور الذي على المثقفين ان يلعبوه في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق؟
ـ عليهم ان ينسوا الخطاب القديم، الديكتاتورية والمقابر الجماعية وما شابه، فذاك عهد مضى واذا ما اقيمت محاكم وطنية مستقلة ونزيهة ستبت في كل شيء، لأن الوضع العراقي ما زال فيه غموض كثير، وكل يوم تتكشف فيه وقائع لا يكاد المرء يصدقها، سواء في فترة الحكم السابق او بالنسبة لمن عيّنهم الاحتلال! لا بد من ان تتضح الامور. اما المطلوب من المثقفين العرب فهو ان يعملوا على ان يحافظ العراقيون على وحدتهم الترابية وان لا يسمحوا لمنطق العرقية والطائفية بأن يسود، كما عليهم ان يجعلوا همهم الاول ازاحة الاحتلال الكريه الذي يشكل وجوده بهذه الكثافة اهانة لكل العرب، وعليهم ان لا يسمحوا بتكرار السيناريو العراقي الاجتياحي في اي بلد.

ايوب صابر 11-26-2011 12:17 PM

عبد الرحمن مجيد الربيعي


محمد نوري قادر
الحوار المتمدن - العدد: 3526 - 2011 / 10 / 25 - 16:58
المحور: الادب والفن
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع

زنبقة أزهرت بجوار الزقورة تحمل أريج كلكامش مزهوّة بأناشيد المعبد وشاهدة على المرارة الحية تغازل أحشائنا وتقول ما نريد قوله , تصفعنا بالبهاء ونستلقي في رحابها , نستفيء ظلها في كل المواسم وهي ترتل ما تشاهده في قصص رائعة ملك العبير جوفها فنثرته كما تحب وكما هو في أجمل صورة , ذلك هو الروائي والقاص عبد الرحمن مجيد الربيعي فمه الفرات وأنفاسه دجلة تتعانق في أكثر المنحدرات خصوبة , فملأ اسمه الأصقاع أحب الفن منذ صباه فتغلغل في أعماقه وأصبح مبتغاه درّس الفن التشكيلي في مسقط رأسه عاشقا له وان تركه لكنه بقي في أحشائه يحترق قصائد وقصص مستغرقا بالتفاصيل وما يخط قلمه ليصبح وهجا آخر ينتشر بمساحة اكبر, يرى الأشياء كما هي بلا زيف أو تطفل أو غاية , يفيض موّدة وعشقا أزلي للوطن كما هو السومري الأصيل الذي يتربع عرشه مزهوا بإرث ملأ شذاه الكون محلقا في فضائه الواسعة , ويبحر في زورق جميل إذا تعبت جناحيه عن التحليق ,إكليله الصدق يتأمل عمق التاريخ الراهن في الواقع وفي عمق الأسطورة بعيدا عن الهذيان المسترسل الذي لا يطابق أفكاره وحمله الذي يراوده في سلوك رضعه من ترابه فأصبح مادته المطابقة لأفكاره , محلقا عاليا فوق المدن التي خفق جناحه فيها والتي يراها كأنها امرأة فاتنة , رافضا ما يغريه كما هو شأنه دائما وما أوقع الكثيرين غيره فيها , وممتعضا بنفس الوقت من أسماء لا علاقة لها بالإبداع ممن يمتهنون حرفة الكتابة
يرى المدن كأنها النساء ويعشقها كأنها هي وما يجعلها تعيش معه وذلك ما جعله مغتربا ويعود إليها عاشقا وكما رسمه قدره , فهو كالنورس لا يحب إلا شواطئه ولم يفكر في الذهاب بعيدا كما يحلم الآخرين لا خوفا من الضياع وإنما حبا أن تقرأ أعماله بلغة ترابه وما يصدح فيها مزماره
يؤلمه حد الوجع ما يراه قد طفح من البثور التي تحمل القيح وتثير الريبة في نفوس المعنيين في الأدب ممن يراه قد فقد بعض عطره عند المتطفلين عليه يشاركه آرائه كثير من الأدباء والنقاد كما يختلف معه الكثير , متواضعا كبيئته التي نشأ فيها وترعرع , صادقا وجريئا وهو ما أحب إلى نفسي وما يحبه المرء في كل مكان يجد نفسه فيه
هو من جيل الستينات عاصر الكثير من الأدباء أمثال السياب ونازك الملائكة وسعدي يوسف وعبد الوهاب البياتي وغيرهم , خط لنفسه طريقا وحرفا يمتاز به ليكون هو غير مقلد لأحد رغم ما عاشه الإنسان أو بالأحرى جيله من تداعيات مستعينا بفنه مجسدا روح المخاطرة فيه رافضا أن يكون تقليديا كما أراده الزمن الذي يعيش فيه فحمل الفن مركبه وسار كما أراد بخطى ثابتة يجوب هذا البحر الشاسع والأمواج التي تلاطمه ينشد ما تعزف أنامله ,حيث بدأ مساره الفني والفعلي بالقصة القصيرة رغم انه نشر في مجلة أشعار قصائده الأولى عام 1962 مثابرا على تأكيد وترسيخ ما يقدم من أعماله القصصية وهو يجسد ما هو شخصي وما هو عام وما هو حاضرا وما هو دائم متنقلا في خط رائع من الجزئي إلى الشمولي ومما يدعوا النظر بعين ثاقبة وما يتلمسه من واقع يعيشه , ينقل أفكاره بوضوح كما هي حياته اليومية وعليه يمكن القول إن شخصيات الربيعي واضحة جدا وتعيش حاضرها كما هو ومنغمسة فيه ومستقبلها جزء لا يتجزأ من الحاضر لأنها تعيش فيه دمث الخلق منتميا إلى وطنه بكل جوانحه , حاضرا دائما , محب للناس ومحب لمدينته فهو دائم العطاء رغم الغربة حيث أهدى أكثر من ألف كتاب إلى مكتبتها المركزية حسب شهادة العاملين فيها , له حضوره الوطني والقومي والعالمي ومؤمنا بما يعبر عنه وما يخرج من ذاته , ملتصقا بما يدور حوله , كل كتاباته لها مضمون متكامل وكل عنصر فيها له فعله الإنساني , كل قصصه شيقة الحدث وهي سجل زاخر بالأحداث والذكريات والمعاني سببها الرئيسي الصلة الوثيقة مع الجذور الراسخة والمتوهجة حبا, كما يتمتع بقدرة هائلة على إثارة الأسئلة تبحث بلا كلل عن أجوبة وهي ميزة لا يشاركه فيها احد فيما يبوح من أصالة ونقاء متميزا في عطائه بسيطا في عفويته وعميق المعنى ومتجددا ولم يتبع بخطواته احد , ينفث ما يغازل روحة في قصصه ورواياته شعرا من خلال الصور التي تتوهج في مشاعره ومشاعر الإنسان فتخلق تواصلا حميميا بينهم , فهو بحق رائد من رواد القصة في العراق , كتاباته الزاخرة مبنية على أسس وقواعد فنية تعالج الواقع وتتفاعل معه وتسبر غوره , مسكون في وميض الحرف اللامحدود ممتزجا بالنغم والإيقاع الذي يصاحبه وما يرقص ذاته وما يحيط حوله مع الآخرين وقد قال عنه صديقه عبد الستار ناصر في مقال نشرته الزمان ( لم يبق من شيء من عالم الربيعي المتشعب إلا وكتبه ومن صندوقه المحشو بالأسرار إلا وفتحه، وما من زقاق أو شارع أو محلة أو مقهي أو حانة أو مطعم الا دخل اليه وجاء على ذكره في بغداد كان ذلك أو في بيروت، ودائماً مع هذا الصديق أو ذلك المحب)
كما توجد أيضا شهادات عديدة هامة بحقه بصمها أدباء مثل نجيب محفوظ وآخرين من مختلف الدول العربية كما هي الشهادات بحقه في وطنه الام العراق وهي تتحدث عن إبداعه وتفوقه.
يقول عن نفسه
*عندما أكتب لا أضع أي محذور أمامي

* أنا من الكتاب الخارجين على التبويب تحت عناوين معينة والمنتمين إلى أنفسهم وإلى همومهم.

* هناك دائما ما هو صعب وعصي في شخصي، وهذا لم يعرفه إلا أولئك الذين عايشوني عن قرب
ذلك هو ما تعطرت به من أريج هذا الشامخ الذي عاش هنا ولم يزل بيننا


ايوب صابر 11-26-2011 12:17 PM

عبد الرحمن مجيد الرُّبيعي
1939م-

ولد الروائي والقصصي عبد الرحمن الربيعي في الناصرة بالعراق. تعلم في مدرسة الملك فيصل بالناصرية فالمتوسطة بالناصرية أيضاً. دخل معهد الفنون الجميلة ببغداد، فأكاديمية الفنون الجميلة وحمل إجازة جامعية في الفنون التشكيلية.

مارس التدريس والصحافة والعمل الدبلوماسي في لبنان وتونس. فكان المستشار الصحفي العراقي في بيروت بين 1983 و1985. عضو في اتحاد الكتاب العراقيين ونقابة الصحفيين في العراق وجمعية الفنانين التشكيليين بالعراق. درّس الفن في مدارس الناصرية.

ينحدر الربيعي من عائلة، أو كما يحلو له أن يقول قبيلة فلاحية شأنها شأن العديد من عائلات الجنوب العراقي. فعائلته سكنت وما زالت تسكن في قرية أبو هاون وهي من بين القرى المتوزعة في الجنوب على امتداد نهر الغراف المتفرع من دجلة عند مدينة الكوت.

اتجه الربيعي نحو العمل الصحفي والتأليف أكثر مما اهتم بالرسم والفن التشكيلي الذي ظل على ما يبدو هواية عنده أكثر من احتراف. كتب قصصا وروايات تقارب العشرين وألف شعراً وأصدر دراسات.

من مؤلفاته القصصية: السيف والسفينة 1966، الظل في الرأس 1968، وجوه من رحلة التعب 1974، ذاكرة المدينة 1975، الأفواه 1979، نار لشتاء قلب 1986. وله في الرواية: الوشم 1972، الأنهار 1974، القمر والأسوار 1976، الوكر 1980، خطوط الطول وخطوط العرض 1983. وفي الدراسات: الشاطئ الجديد: قراءة في كتابة القصة، أصوات وخطوات 1984. وفي الشعر: للحب والمستحيل 1983، شهريار يبحر 1985، امرأة لكل الأعوام 1985، علامات على خارطة القلب 1987.


الساعة الآن 08:10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team