منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   أسنان عائشة (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=25928)

ابتسام شاكوش 12-07-2019 01:19 PM

أسنان عائشة
 
أسنان عائشة

في الخيمة, وللخيمة بابان, أحدهما ينفتح باتجاه الطريق العريض, المؤدي الى الحمامات والمغاسل, والآخر ينفتح على الطريق الأضيق, مقابل خيام الجيران, في الخيمة, كانت الأم تجلس القرفصاء في زاوية وضعت فيها سخانة كهربائية, تعد الطعام لأسرتها, وفي الباب المطل على الشارع جلست ابنتها عائشة, تراقب بصمت متوتر حينا, غاضب أحيانا, ما يجري أمامها من أحداث.
- أمي فمي يؤلمني...أسناني تهتز في أماكنها
- اصبري يا ابنتي....وجع الأسنان بسيط..وأنت كبيرة وشجاعة.
الجد أبو عبد الله يمسك خرطوم الماء, يسقي به مسكبة البقدونس والنعناع المزروعة أمام خيمته, ويدور ليسقي شتلات الكوسا واليقطين, تبتسم له عائشة فيرشقها برشة ماء, تضحك بكركرة طفولية عذبة ويضحك الجد, يلوح لها بيده مسلما, ويرمي لها حبة بندورة قطفها من مزرعته, تأخذها بفرح, وتقضمها متلذذة.
- حين أشفى سأسقي مسكبة البقدونس وأزرع لك الورد والياسمين يا أمي
مرت مجموعة من البنات الصغيرات تحمل جرادل الماء, تنقلها من المغاسل الى داخل الخيام, لتستعملها الأمهات في غسيل الثياب والمواعين, كانت البنات تضع أحمالها على الأرض لتنقل الحمل من يد الى أخرى, تقطع لهاثها المتعب لتتبادل بعض العبارات والضحكات, لوحت لهن عائشة بيدها فما التفتن إليها, بل تابعن السير الى أهدافهن مسرعات.
- أمي حين أشفى سأرافق هؤلاء البنات وأنقل لك الماء الى داخل الخيمة, لن تنقليها بعد ذلك وحدك.
انتهت العجوز الساكنة في الخيمة المقابلة من كنس خيمتها وكنس مساحة إضافية أمام الخيمة, رشت الأرض بالماء منعا للغبار, مدت بطانية على الأرض النظيفة وجلست مع زوجها يتبادلان الحديث بصوت منخفض, ويحصيان بأصابعهما عدد الشهداء من أسرتهما, ويحصيان عدد الأموات والمحاصرين والمهجرين, ويحلمان معا, بالعودة الى القرية, والحصول على قبر في ترابها, بينما كفت عائشة عن حركاتها وراحت تتأمل نقوش الوشم على ذقن الجارة وجبينها, وعلى ظاهر كفيها, وكفي زوجها.
- أمي....لماذا لا تغسل جارتنا هذا الحبر عن وجهها ويديها؟ أما عندها صابون؟ أما أخذت حصتها من معونات الهلال الأحمر؟
الأم مشغولة بإعداد الطعام, السخانة الكهربائية تنطفئ تارة ويتوهج سلكها الحراري تارة, ثم ينقع, فتفصل التيار عن السخانة لتصل السلك وتعود لإتمام عملها, لم ترد على سؤال واحد من أسئلة ابنتها الجالسة كجلستها كل يوم في المكان ذاته, طارحة الأسئلة ذاتها والملاحظات ذاتها.
مرت إسراء ابنة الجيران تحمل دميتها, مسرعة إلى خيمة صديقتها آية, لتكمل معها خياطة ثوب جديد للدمية.
- أمي, أريد دمية شقراء مثل دمية إسراء
مجموعة أخرى من البنات الصغيرات عبرت تتواثب بحركات مدرسية, تطير شعورهن المربوطة على أكتافهن, يرددن أغنيات حفظنها من التلفاز, غنت عائشة معهن وتمايلت بجذعها فتناثر شعرها على كتفيها, تجاوزت البنيات مرمى بصر عائشة فصمتت وعادت للعبث بأسنانها.
مرت لطفية على الدرب ذاتها, تمسك بيدها خيطا طويلا ربطت في نهايته كيسا بلاستيكيا فارغا, تركض بعكس اتجاه الريح, وتتلفت الى الخلف بفرح ظاهر, غافلة عن كل ما يحيط بها, تنظر بسعادة ظاهرة الى الكيس الذي امتلأ بالهواء وطار على ارتفاع قامة فوق قامتها, قررت عائشة في نفسها, سأخبئ كيسا فارغا لألعب به مثلها حين أشفى, أنا أستطيع الركض أفضل منها, سأسابقها وأسبقها.
- أمي..انظري...خلعت سني..ولم أشعر بالألم
- لا تحزني يا صغيرتي...بعد أيام سينبت في مكانه سن أجمل منه وأقوى, يدوم معك طويلا..
- أمي...متى ستنبت لي رجلان جديدتان في مكان رجليّ المقطوعتين؟.

ناريمان الشريف 12-07-2019 01:42 PM

رد: أسنان عائشة
 
متى ستنبت لي رجلان جديدتان في مكان رجليّ المقطوعتين؟.
اقشعرّ بدني وسقطت دمعة على خدي .. مسحتها ولم يُمسح الوشم المنقوش والمحفور على خدي من كثرة البكاء ..
أتركيني الآن يا عائشة .. سأبكي واردّد معك وأتساءل لعل هذه التساؤلات تخفف عنا :
متى ستعود أرجل رامي الصغير التي تمزقت بالرصاص المطاطي المتفجر
متى ستعود عيون أحمد التي فقأها المحتل ولم يعد يرى بها وجه أمه
متى ستزول آثار الحروق على وجه اسراء الأسيرة التي فجر جندي حاقد سيارتها وأشعل بها النار بحجة أنها تحمل سكين تريد أن تطعنه
متى
ومتى
ومتى
ومتى
كم وكم ( متى ) في حياة المشردين
سامحك الله يا ابتسام ...
كلما أقرأ لك حكاية تخلقين غضباً ما في رحمي يفرّخ جرحاً فوق الجروح
حقاً
إن لم تكن الكتابة تحيي المشاعر الانسانية في نفس كل إنسان فلا حاجة لنا بها
وكل ما سواها عبث أقلام
طاب قلمك وسلم ...
تحية ... ناريمان

ابتسام شاكوش 12-07-2019 02:34 PM

رد: أسنان عائشة
 
شكرا لمرورك أختي الكريمة
من أجل هؤلاء أنا رفضت إغراءات الراحة في أوربا... وسكنت معهم في المخيم... أحاول أن أعطيهم الأمل...

محمد أبو الفضل سحبان 12-08-2019 04:45 PM

رد: أسنان عائشة
 
يحيا قلمكم أختي الكريمة .... لكل شمعة دموع ...و دموع عائشة المسكينة لم تر بعد النور.....
راقني أسلوبك في سرد الحكاية. وأسرني الحرف الأول من البداية إلى النهاية....
بورك اليراع ودمتم بالف خير

ابتسام شاكوش 12-08-2019 10:11 PM

رد: أسنان عائشة
 
شكرا لك أخي الكريم... من قلب الألم نكتب

العنود العلي 12-13-2019 03:14 AM

رد: أسنان عائشة
 
يا الهي ... حتى الصمت صاخب يصرخ في عيني
التي تسمرت على السطر الأخير من القصة
كل مكروب يظن أن همه هو الأعظم في الدنيا
والصبر .. فاقة أخرى قد يظن أنه لا يقدر عليها
إذن : ما بال عائشة ومن هن على شاكلتها ؟
اللهم الطف بهم يا الله .. فأن أرحم بهم منا
تحية لكِ أستاذة ابتسام .. وفائق التقدير

ابتسام شاكوش 12-13-2019 09:58 AM

رد: أسنان عائشة
 
بارك الله قلوبكم الطيبة

عماد السلمي 12-13-2019 07:21 PM

رد: أسنان عائشة
 
ويل للعرب من شر قد اقترب / والله إنه لحزن يسكن الأرواح قبل القلوب يا أختي الكريمة .. أسأل الله أن يعين الأخيار على الخروج من عنق الزجاجة .. تحيتي واحترامي

حنين الخالدي 12-14-2019 09:16 PM

رد: أسنان عائشة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابتسام شاكوش (المشاركة 247864)
شكرا لمرورك أختي الكريمة
من أجل هؤلاء أنا رفضت إغراءات الراحة في أوربا... وسكنت معهم في المخيم... أحاول أن أعطيهم الأمل...

جزاكِ الله خيرا أستاذتي إبتسام شاكوش

ما
أعذبَ حرفك حينما تكتبين عن معاناة الإنسانية بكلمات الصفاء


الساعة الآن 05:02 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team