منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   الفائز بالمركز الرابع بمسابقة القصة القصيرة2020 (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=27806)

ياسَمِين الْحُمود 01-17-2021 09:27 AM

الفائز بالمركز الرابع بمسابقة القصة القصيرة2020
 
المركز الرابع

للأستاذ القاص محمد بوثران

النقطة التي لم تسقط سهواً

1
رائحة التبغ في أنفاسكَ، دليل آخرُ على خيانتك الدائمة لي.. كنتُ لأُفضّل أن تكون خليلتك المحرمة شيئا آخر أقل هشاشة من ذلك الجسد الملفوف برداء ورقي سريع الإحتراق. لم أسألكَ يومها عن هواياتك المفضلة، كما لم تسألني بدورك.. ذلكَ أنّ المواعدة الأولى، تظل رغم ما نحيطها بهِ من رسمية مزيفة.. أصدق لحظة تعيشها علاقتنا.
كنتَ كصبيّ مشاكس يتسلق بمهارة سلّم الحياة، ليبدو أكبر سنة أو سنتين. فقط لأحبّكَ كأبٍ لا كأخ صغير مدلّلْ.. أنا الأخرى، حاولت أن أبدو أصغر ولو يوما واحدا، لتحملني بين ذراعيكَ كابنتك الصغيرة، ولتشتري لي قطعة 'شوكولاطة' أخبئ علبتها بعد الإنتهاء منها، في درج خزانتي، كأيّ غرض ثمين أقتنصه منك.
قبل أن أحلمَ بكَ.. كنتُ أعتقد أن الحب، ككل شيء استثنائي آخر يأتي مصادفة، لا يعدو أن يكون أكثر من بعض الهدايا الثمينة المغلفة بورق خاص، والتي عادة ما نتبادلها في أعياد الميلاد لنبهر الآخرين.
غير أني حين أفكر فيك الآن، لا أحاول أن أبهر أحدا.. بل أجدُنـي أخفي أغلب الأحيان حقيقة وقوعي في حبك، لأستطيع امتلاكك لنفسي ولو ساعة من الزمن.
أذكرُ أنّك قلت لي يوما:
•لا أريد أن أحبكِ أكثر. . دائما ما أترك مساحة لأطلب المزيد.
كيف لرجل مثلك، أن يتحكم في مقدار الحب الذي يتدفق في عروقه، وهو الذي لا يستطيع أن يتوقف عن التحديق في شفتيّ المطليتين بطبقة خفيفة من أحمر الشفاه البراق.. ليخبرني في نهاية النهار أن الشمس لا تغيبُ إلا لتغير زينتها التي تستقبل بها يوما جديدا، يوما قد لا يختلف عن غيره من الأيام التي سبق وشيعها الغروب.. إلا في أشياء قليلة تتعلّق غالبا بحالة الطقس.

لماذا تراني أبحث بين رسائلكَ القديمة عن أية أدلة تشهدُ ضدّك، وأنا التي علمتكَ كيف تشعل سيجارة الحب دون أن تحرق أصابعك.. أم أن لك أعذارا أخرى تُخرسني بها، كما اعتدت أن تفعل طيلة عشرين سنة من الغياب؟.
ألمْ تُفكّر يوما.. كيف استطاع حبّ امرأة واحدة. أن يختصر عشرين سنة كاملة من حياتك، فعمرك بالنسبة لي سنة واحدة.. لذا سأطفأ شمعة يتيمة في ذكرى حبنا الأولى، لعلها تصبح شمعتين بعد سنة من الآن؟!
ستَعِدُني يومها أن لا تدخن أية سيجارة بعد ذلك، وأن لا تبتعد عني ولو لخمس دقائق تمارس فيها طقوسك السرية وأنت تزفها مع الدخان إلى مثواها الأخير.. إلى رئتيك المسالمتين.

يوم لقائنا الأول، كنتَ غامضا ومدهشا، بتسريحة شعرك العشوائية، وصوتك الهادئ. . وأنت تتجرأ للمرة الأولى على مسك يدي المكابرة التي لم تكن لتسمح لرجل غيرك باجتياز حدودها الجغرافية ليشعل فيها الحرائق منذ أول صدفة أوصلته إليها.
قلتَ:
•لأجلكِ.. ينتحر البنفسج.
قلت وأنا أحدّق في عينيك المكابرتين:
•أنت رجل استثنائي، رجل يشبه في عشوائيته القدر.. لا أريد أن أشفى منك، كما لا أريد أن تصبح مجرد لحظة عابرة أشعلت الحرائق داخلي، وفجرت البراكين فوق أصابعي. أنت كعاشق روما، لا تحرق إلا من أحببت.. ولا تحب إلا من عذّبك.
قلتَ بنوع من الثقة الزائدة:
• رجل يشبه نفسه، حدّ التطابق..
أعدتَ يدي إلى مكانها، وتركت فوق شفتّي لغز اسمك الذي لم أستطع يوما اقتطافه من بين شفتيك..
•رندة.. يا السي..
هكذا وجدتُني أهمس في أذنك، قبل أن أستل نفسي من المقعد الخشبي الذي احتضننا دون أدنى تخطيط مسبق، وكأن ما حدث بيننا تلك الأمسية لا يعدو أن يكون مجرّد احتمال للحب.. وسأكون سعيدة لو تنازلت عن كبريائك لتطلب مني في هذه اللحظة التي أبتعد عنك فيها – رقم هاتفي. لنقوم بالتخطيط معا لمواعدة أخرى، تدوم أطول من عمر سيجارتك التي انتهيت للتو من اجترارها. لكنك تباغتني كما يفعل القدرُ تماما..
•مع السلامة آنسة رندة.. اعتني بنفسك.

عندمــا أفتح الآن رسالتك الأولى، بعد سنة كاملة من كتابتها، أتمنى لو كان من الممكن تدخين سيجارة لا أكون مضطرة بعد دقائق لرميها.. سيجارة لا يزيدها الاحتراق إلا حياة، كما يفعل حبك بي.
لكنها مثلك تماما، تباغتني ككل مرة. وتتركني إلى وحدتي التي تفتح قدّامي شبابيك عديدة لحلم واحد.. لا أحمل تصريحا مسبقا بدخوله. فأكتفي بالتوقع ككل مرة لأسألك نفس السؤال:
•كيف أنت؟!
ويعود إلي جوابكَ الذي أصبح من السهل التنبؤ به:
•ربما بخير.. وربما لا. المهم أنكِ معي، وهذا كاف لأعيش اللحظات القادمة.

ذلك كان وعدك الوحيد الذي لم تستطع الوفاء به، فأنت – كما يخبرني طبيبك- لم تعد قادرا على المقاومة أكثر.. لقد كانت خليلتك المحرّمة التي وعدتني بالإقلاع عنها، دون أن تقدر على ذلك، تقتلك ببطء شديد، وعلى وشك أن تنتشلك من حياتي إلى الأبد.
لم تستطع رئتاك الضعيفتان تحمّل جرعات إضافية من النيكوتين الذي داعبهما أول مرة، قبل عشر سنوات من تعارفنا.. وحاولت أنا في سنة واحدة أن أعالج إدمانك دون أن أستطيع ذلك.

عندمــا أنظر الآن إليكَ، قبل يوم واحد من ذكرى حبنا الأولى، من خلف زجاج غرفة الانعاش الذي يشبه في شفافيته الدخان المتصاعد من سجائرك المشتعلة بين أصابعك، سجائركُ "الع¨ولواز" التي لم أستطع إيقاف نهمك الدائم لها.
أحاول أن أمنع الدموع من التسلل خلسة إلى عينيّ الواسعتين.. وأن أتمسك بخيط الأمل الذي يكاد ينفلت من بين أصابعي. لأراك تنظر إليّ نظرتك القديمة الغامضة التي لا تفسّر شيئا.. وصوتُ سرّي داخلي يخبرني أنك لن تتركني لوحدتي، كما سبق وفعلتْ سجائر 'القولواز' معك.

2
يدخلُ الطبيبُ المناوِبُ، تتبعُه ممرّضة في العشرين من عمرها، تلبس مئزرا أزرقَ، ككل عمال المستشفى، الأزرق لون علبة سجائركَ أيضا، ولون البحرِ الذي كان شاهدا على لقائنا الأول.. تحملُ دفتر ملاحظاتٍ برتقاليّ، والبرتقاليّ عكس الأزرق لا يمثل لك أي شيء، أردتُك فقط حين تستيقظ أن تعرف جميع التفاصيل، الصغيرة والكبيرة، لأنّك تحرص دائما على ذلك.
يقرأُ الطبيب إشارات الأجهزة الموصولة بك، يشيرُ للممرّضة إشارة لا أفهمها، تدوّن ملاحظةً على دفترها، يخرج الطبيب ويتركها معك.
يرنّ هاتفك الذي أضعه في جيب حقيبة يدي الداخلي، الحقيبة التي أهديتنيها في عيد مولدي، أبتعدُ قدر ما أستطيع، أجيب على المكالمة الواردة:

•ألو، واش احوالك؟
•بخير، نحمدو ربي ع العافية.
•ربي يدومها.
•راكي ف سبيطار (المستشفى)، محمد راه لاباس؟
•اليوم خير من البارح.
•ربي يجيب الشفاء، تهلاي ف روحك.
•الله يعيشك.
كان هذا صديقك 'يوسف'، لم يأتِ اليوم لزيارتك، اتصل ليطمئنّ على ما يبدو.. كان يأتي كلّ يوم، لا يتمالكُ نفسه حين يراك ممددا إلى سريرك، فيعود أدراجه، اليوم اختصر المسافة على قلبه، فاكتفى بالاتصال.

•رانية، رانية..
صوتٌ أنثويٌ يناديني، يناديني في هذه اللحظة التي أدوّن لك فيها يومياتك نيابة عنك لتقرأها حين تستيقظ من غفوتك.. إنها الممرضة، أشير لها بيدي وأواصل الكتابة، أنا في آخر الرواق، ما يكفيني لكتابة سطرين آخرين قبل أن تصل.
تبدو سعيدة، تبتسم كلّما اقتربتْ..
تذكّرتُ شيئا، هي لا تعرفُ اسمي.. لا أحد في المستشفى يعرف اسمي.. بقي سطر واحد وتصل.
لا أحد في المستشفى يعرف اسمي، لا أحد إلا

3
النقطة نهاية الجملة السابقة لم تسقطُ سهوا.

ياسَمِين الْحُمود 01-17-2021 09:28 AM

رد: الفائز بالمركز الرابع بمسابقة القصة القصيرة2020
 
تقرير عضو لجنة التحكيم الدكتور إبراهيم الشيخي
تصوّر قصة حب غريبة ليست معتادة وتركز على الجانب الإشفاقي من هذا الحب وتمهد له وتبسطه وتحتج له بطريقة سلسلة غير منفّرة، وربما أكثر ما جذبني هو امتزاج دور الحبيبة هنا بدور الأم أو الأخت الكبيرة، وهذا نادر في قصص الحب، فهي قصة جريئة عالجت كل ما تريد وجسّت كل مواضع البعد القصصي برشاقة، في قالب لغوي بديع بكل ما تعنيه الكلمة.

حسام الدين بهي الدين ريشو 01-17-2021 11:22 AM

رد: الفائز بالمركز الرابع بمسابقة القصة القصيرة2020
 
ألف مبارك
وبورك الجهد الذي خلف المسابقة

ناريمان الشريف 01-17-2021 12:10 PM

رد: الفائز بالمركز الرابع بمسابقة القصة القصيرة2020
 
ألف مبارك الأستاذ محمد بوثران
على فوز قصتك هذه ( النقطة التي لم تسقط سهواً )
سعدت جداً أرجو لك التوفيق وإلى الأمام
أعجبني العنوان والنهاية التي لا تخلو من الغرابة والدهشة لقصة حب غريبة
وهذه السطور
(لا أحد في المستشفى يعرف اسمي، لا أحد إلا
3
النقطة نهاية الجملة السابقة لم تسقطُ سهوا.)
فتلك النقطة التي سقطت عمداً
تعطي إيحاء لأن تكون أكثر من ثلاثة أجزاء .. فيطيب للقارئ أن يستكملها عنك ..
مرة أخرى .. مبارك
لك التحية ... ناريمان

صبا حبوش 01-17-2021 01:35 PM

رد: الفائز بالمركز الرابع بمسابقة القصة القصيرة2020
 
مبارك الفوز جميلة وتستحق

ناريمان الشريف 01-18-2021 12:07 AM

رد: الفائز بالمركز الرابع بمسابقة القصة القصيرة2020
 
https://www.facebook.com/10305202173...11670744205956

هنا . ومن على هذا الرابط اقرأ القصة
ونرجو متابعتكم على الفيس على صفحتنا بالإعجاب وعمل شير للقصة على حسابكم الخاص
مع الشكر والتقدير
فهذا من أجلكم
تحية ... ناريمان

محمد بوثران 01-18-2021 12:16 AM

رد: الفائز بالمركز الرابع بمسابقة القصة القصيرة2020
 
شكرا جزيلا لأسرة منابر ثقافية، سعيد بالتواجد بينكم، هنيئا للفائزين والمشاركين جميعا.. وهي فرصة لنقرأ نصوصا جميلة ونستمتع بها.

بختي ضيف الله 01-18-2021 12:29 AM

رد: الفائز بالمركز الرابع بمسابقة القصة القصيرة2020
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسمين الحمود (المشاركة 280089)
المركز الرابع

للأستاذ القاص محمد بوثران

النقطة التي لم تسقط سهواً

1
رائحة التبغ في أنفاسكَ، دليل آخرُ على خيانتك الدائمة لي.. كنتُ لأُفضّل أن تكون خليلتك المحرمة شيئا آخر أقل هشاشة من ذلك الجسد الملفوف برداء ورقي سريع الإحتراق. لم أسألكَ يومها عن هواياتك المفضلة، كما لم تسألني بدورك.. ذلكَ أنّ المواعدة الأولى، تظل رغم ما نحيطها بهِ من رسمية مزيفة.. أصدق لحظة تعيشها علاقتنا.
كنتَ كصبيّ مشاكس يتسلق بمهارة سلّم الحياة، ليبدو أكبر سنة أو سنتين. فقط لأحبّكَ كأبٍ لا كأخ صغير مدلّلْ.. أنا الأخرى، حاولت أن أبدو أصغر ولو يوما واحدا، لتحملني بين ذراعيكَ كابنتك الصغيرة، ولتشتري لي قطعة 'شوكولاطة' أخبئ علبتها بعد الإنتهاء منها، في درج خزانتي، كأيّ غرض ثمين أقتنصه منك.
قبل أن أحلمَ بكَ.. كنتُ أعتقد أن الحب، ككل شيء استثنائي آخر يأتي مصادفة، لا يعدو أن يكون أكثر من بعض الهدايا الثمينة المغلفة بورق خاص، والتي عادة ما نتبادلها في أعياد الميلاد لنبهر الآخرين.
غير أني حين أفكر فيك الآن، لا أحاول أن أبهر أحدا.. بل أجدُنـي أخفي أغلب الأحيان حقيقة وقوعي في حبك، لأستطيع امتلاكك لنفسي ولو ساعة من الزمن.
أذكرُ أنّك قلت لي يوما:
•لا أريد أن أحبكِ أكثر. . دائما ما أترك مساحة لأطلب المزيد.
كيف لرجل مثلك، أن يتحكم في مقدار الحب الذي يتدفق في عروقه، وهو الذي لا يستطيع أن يتوقف عن التحديق في شفتيّ المطليتين بطبقة خفيفة من أحمر الشفاه البراق.. ليخبرني في نهاية النهار أن الشمس لا تغيبُ إلا لتغير زينتها التي تستقبل بها يوما جديدا، يوما قد لا يختلف عن غيره من الأيام التي سبق وشيعها الغروب.. إلا في أشياء قليلة تتعلّق غالبا بحالة الطقس.

لماذا تراني أبحث بين رسائلكَ القديمة عن أية أدلة تشهدُ ضدّك، وأنا التي علمتكَ كيف تشعل سيجارة الحب دون أن تحرق أصابعك.. أم أن لك أعذارا أخرى تُخرسني بها، كما اعتدت أن تفعل طيلة عشرين سنة من الغياب؟.
ألمْ تُفكّر يوما.. كيف استطاع حبّ امرأة واحدة. أن يختصر عشرين سنة كاملة من حياتك، فعمرك بالنسبة لي سنة واحدة.. لذا سأطفأ شمعة يتيمة في ذكرى حبنا الأولى، لعلها تصبح شمعتين بعد سنة من الآن؟!
ستَعِدُني يومها أن لا تدخن أية سيجارة بعد ذلك، وأن لا تبتعد عني ولو لخمس دقائق تمارس فيها طقوسك السرية وأنت تزفها مع الدخان إلى مثواها الأخير.. إلى رئتيك المسالمتين.

يوم لقائنا الأول، كنتَ غامضا ومدهشا، بتسريحة شعرك العشوائية، وصوتك الهادئ. . وأنت تتجرأ للمرة الأولى على مسك يدي المكابرة التي لم تكن لتسمح لرجل غيرك باجتياز حدودها الجغرافية ليشعل فيها الحرائق منذ أول صدفة أوصلته إليها.
قلتَ:
•لأجلكِ.. ينتحر البنفسج.
قلت وأنا أحدّق في عينيك المكابرتين:
•أنت رجل استثنائي، رجل يشبه في عشوائيته القدر.. لا أريد أن أشفى منك، كما لا أريد أن تصبح مجرد لحظة عابرة أشعلت الحرائق داخلي، وفجرت البراكين فوق أصابعي. أنت كعاشق روما، لا تحرق إلا من أحببت.. ولا تحب إلا من عذّبك.
قلتَ بنوع من الثقة الزائدة:
• رجل يشبه نفسه، حدّ التطابق..
أعدتَ يدي إلى مكانها، وتركت فوق شفتّي لغز اسمك الذي لم أستطع يوما اقتطافه من بين شفتيك..
•رندة.. يا السي..
هكذا وجدتُني أهمس في أذنك، قبل أن أستل نفسي من المقعد الخشبي الذي احتضننا دون أدنى تخطيط مسبق، وكأن ما حدث بيننا تلك الأمسية لا يعدو أن يكون مجرّد احتمال للحب.. وسأكون سعيدة لو تنازلت عن كبريائك لتطلب مني في هذه اللحظة التي أبتعد عنك فيها – رقم هاتفي. لنقوم بالتخطيط معا لمواعدة أخرى، تدوم أطول من عمر سيجارتك التي انتهيت للتو من اجترارها. لكنك تباغتني كما يفعل القدرُ تماما..
•مع السلامة آنسة رندة.. اعتني بنفسك.

عندمــا أفتح الآن رسالتك الأولى، بعد سنة كاملة من كتابتها، أتمنى لو كان من الممكن تدخين سيجارة لا أكون مضطرة بعد دقائق لرميها.. سيجارة لا يزيدها الاحتراق إلا حياة، كما يفعل حبك بي.
لكنها مثلك تماما، تباغتني ككل مرة. وتتركني إلى وحدتي التي تفتح قدّامي شبابيك عديدة لحلم واحد.. لا أحمل تصريحا مسبقا بدخوله. فأكتفي بالتوقع ككل مرة لأسألك نفس السؤال:
•كيف أنت؟!
ويعود إلي جوابكَ الذي أصبح من السهل التنبؤ به:
•ربما بخير.. وربما لا. المهم أنكِ معي، وهذا كاف لأعيش اللحظات القادمة.

ذلك كان وعدك الوحيد الذي لم تستطع الوفاء به، فأنت – كما يخبرني طبيبك- لم تعد قادرا على المقاومة أكثر.. لقد كانت خليلتك المحرّمة التي وعدتني بالإقلاع عنها، دون أن تقدر على ذلك، تقتلك ببطء شديد، وعلى وشك أن تنتشلك من حياتي إلى الأبد.
لم تستطع رئتاك الضعيفتان تحمّل جرعات إضافية من النيكوتين الذي داعبهما أول مرة، قبل عشر سنوات من تعارفنا.. وحاولت أنا في سنة واحدة أن أعالج إدمانك دون أن أستطيع ذلك.

عندمــا أنظر الآن إليكَ، قبل يوم واحد من ذكرى حبنا الأولى، من خلف زجاج غرفة الانعاش الذي يشبه في شفافيته الدخان المتصاعد من سجائرك المشتعلة بين أصابعك، سجائركُ "الع¨ولواز" التي لم أستطع إيقاف نهمك الدائم لها.
أحاول أن أمنع الدموع من التسلل خلسة إلى عينيّ الواسعتين.. وأن أتمسك بخيط الأمل الذي يكاد ينفلت من بين أصابعي. لأراك تنظر إليّ نظرتك القديمة الغامضة التي لا تفسّر شيئا.. وصوتُ سرّي داخلي يخبرني أنك لن تتركني لوحدتي، كما سبق وفعلتْ سجائر 'القولواز' معك.

2
يدخلُ الطبيبُ المناوِبُ، تتبعُه ممرّضة في العشرين من عمرها، تلبس مئزرا أزرقَ، ككل عمال المستشفى، الأزرق لون علبة سجائركَ أيضا، ولون البحرِ الذي كان شاهدا على لقائنا الأول.. تحملُ دفتر ملاحظاتٍ برتقاليّ، والبرتقاليّ عكس الأزرق لا يمثل لك أي شيء، أردتُك فقط حين تستيقظ أن تعرف جميع التفاصيل، الصغيرة والكبيرة، لأنّك تحرص دائما على ذلك.
يقرأُ الطبيب إشارات الأجهزة الموصولة بك، يشيرُ للممرّضة إشارة لا أفهمها، تدوّن ملاحظةً على دفترها، يخرج الطبيب ويتركها معك.
يرنّ هاتفك الذي أضعه في جيب حقيبة يدي الداخلي، الحقيبة التي أهديتنيها في عيد مولدي، أبتعدُ قدر ما أستطيع، أجيب على المكالمة الواردة:

•ألو، واش احوالك؟
•بخير، نحمدو ربي ع العافية.
•ربي يدومها.
•راكي ف سبيطار (المستشفى)، محمد راه لاباس؟
•اليوم خير من البارح.
•ربي يجيب الشفاء، تهلاي ف روحك.
•الله يعيشك.
كان هذا صديقك 'يوسف'، لم يأتِ اليوم لزيارتك، اتصل ليطمئنّ على ما يبدو.. كان يأتي كلّ يوم، لا يتمالكُ نفسه حين يراك ممددا إلى سريرك، فيعود أدراجه، اليوم اختصر المسافة على قلبه، فاكتفى بالاتصال.

•رانية، رانية..
صوتٌ أنثويٌ يناديني، يناديني في هذه اللحظة التي أدوّن لك فيها يومياتك نيابة عنك لتقرأها حين تستيقظ من غفوتك.. إنها الممرضة، أشير لها بيدي وأواصل الكتابة، أنا في آخر الرواق، ما يكفيني لكتابة سطرين آخرين قبل أن تصل.
تبدو سعيدة، تبتسم كلّما اقتربتْ..
تذكّرتُ شيئا، هي لا تعرفُ اسمي.. لا أحد في المستشفى يعرف اسمي.. بقي سطر واحد وتصل.
لا أحد في المستشفى يعرف اسمي، لا أحد إلا

3
النقطة نهاية الجملة السابقة لم تسقطُ سهوا.

من وجهة نظري المتواضعة، هذه القصة القصيرة من أروع ما قرأت...والله أعلم.:45:

محمد عبد الحفيظ القصاب 01-18-2021 04:38 AM

رد: الفائز بالمركز الرابع بمسابقة القصة القصيرة2020
 
مباركٌ الفوز

وإلى مزيد من عطاء

وحظٌّ أوفر لمن لم يفزْ

تحياتي والمحبة

ماجد عبدالله العلي 01-18-2021 07:04 AM

رد: الفائز بالمركز الرابع بمسابقة القصة القصيرة2020
 
يسيطر الكاتب على اللغة سيطرة محكمة تقوده الى نسج قصة بارعة بفكرة مبتكرة. مبروك الفوز وتستاهل ، وتمنياتي بدوام الإبداع.

تحية حارة


الساعة الآن 04:45 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team