منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات التربوية (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=21)
-   -   المُهَذَّبُ في الآدابِ الإسلاميَّةِ (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=7299)

منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:06 PM

المُهَذَّبُ في الآدابِ الإسلاميَّةِ
 
المُهَذَّبُ
في الآدابِ الإسلاميَّةِ


جمعه وأعده
الباحث في القرآن والسنَّةِ
علي بن نايف الشحود




الطبعة الأولى
1430 هـ - 2009 م
ماليزيا
(( بهانج -دار المعمور ))



(( حقوق الطبع لكل مسلم ))
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين،وعلى آله وصحبه أجمعين،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن الإسلام دين يهتم بشؤون الإنسان الخاصة،كما يهتم بشؤونه العامة. ويتتبع الإرشاد والتقويم تفاصيل حياته الصغيرة،كما يوجهه في كبيرها. ويتدخل في دقائق أموره الشخصية تهذيبا وتجميلا،كما يهتم بأمور الإنسانية عموما وشمولا.. سواء بسواء.. ويقينه في ذلك أن المجتمع الفاضل أساسه الفرد الفاضل. والأمة الراقية أفرادها ـ لا شك ـ هم الذين أقاموها على الرقي والحضارة والازدهار.
وقد اشتمل هذا الدين على العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق والآداب .
وباب الآداب يشمل جميع جزئيات الدين،وهي إما أوامر أو نواهي،وقد وردت في القرآن الكريم في أمكنة كثيرة،وكذلك في السنة النبوية المطهرة،وقد أولاها العلماء قديما وحديثا بالبحث والتفصيل،ففي جل كتب الحديث المرتبة على الأبواب نجد باباً أو كتاباً للأدب،بل أفرده بعض العلماء بكتب مستقلة أشهرها كتاب الأدب المفرد للإمام البخاري رحمه الله،وكذلك الآداب للإمام البيهقي رحمه الله.
ومن الكتب المعاصرة التي اهتمت بهذا الجانب كتاب (( الآداب الإسلامية للناشئة )) تأليف الشيخ محمد خير فاطمة،وهو مطبوع ومتداول وموجود على النت
وهذا الكتاب شامل ونافع،فقد حوى خمسة وثلاثين أدباً من أهم آداب الإسلام،ولكن النسخة التي على النت كثيرة الأخطاء المطبعية،كما أن المؤلف – عفا الله عنه- لم يقم بتخريج حديث واحد من مصدره الأساسي،فكثرت فيها الأخطاء والأوهام،ولم يذكر الحكم على الأحاديث التي ليست بالصحيحين،ولذا فقد اشتمل كتابه على الصحيح والحسن والضعيف والواهي،بل والموضوع أحياناً،وذكر كثيراً من الحكايات والقصص ولم يذكر مصدرها،ولم يقم بشرح غريب الآيات ولا الأحاديث أيضاً،كما أنه لم يذكر جميع الآداب ففاتته آداب أخرى،ومع هذا فكتابه قيم في بابه،وقد أفدت منه كثيراً .
وذكر بعضها الشيخ أبو بكر الجزائري – حفظه الله- في كتابه القيم (( منهاج المسلم )) . والتي ذكرها منها شرحها بشكل جيد مع أدلتها .
وكذلك ذكر بعضها الشيخ محمد إبراهيم التويجري عفا الله عنه في كتابيه القيِّمين مختصر الفقه الإسلامي وموسوعة الفقه الإسلامي وفي الثاني أوسع بكثير .. لكنه لم يذكرها جميعا،وأحاديثه جلها مدققة وصحيحة ومعزوة لمصادرها .. ولكنه لم يقم بالشرح فاقتصر على العناوين والنصوص فقط.
وقد ذكرت معظمها في كتابي (( موسوعة الأسرة المسلمة )) في باب خاص بها،ولكنها غير محررة
ونجدها منثورة في مواقع كثيرة على النت ..
وقد رأيت أن أجمع وأدقق جل ما ورد في هذه الآداب، التي بلغت خمسا وخمسين أدبا رئيساً وفيها فروع.
وفي كل أدب ذكرت الآيات القرآنية التي تدل عليه مع القيام بشرها في الأغلب بشكل مختصر،وذكرت الأحاديث النبوية المفصلة لها،من مصادرها الأساسية،وقمت بتخريجها والحكم عليها بما يناسبها،ومعظمها تدور بين الصحيح والحسن بشقيه،وذكرت غريبها،وشرحت بعضها،ونقلت كثيرا من أقوال العلماء المتعلقة بذلك ومن مصادرها الرئيسة.وقد فصلت القول ببعض المسائل التي تحتاج لذلك حسب مقتضى الحال .
وجاء كتابي هذا على الشكل التالي:
مقدمة عن الأدب وأهميته في الإسلام
-1- آداب النية
-2- الأدب مع الله سبحانه وتعالى
-3- الأدب مع رسول الله – r-
-4- الأدب مع النفس
-5-آدابُ الاستيقاظ
-6-آدابُ قضاء الحاجة
-7-آداب الوضوء
-8-آداب الصلاة
-8-آداب الصلاة
-9-آداب الطعام
-10-آداب الشرب
-11-آداب اللباس
-12-آداب الكلام
-13-آداب بيتية
-14- آداب الابن مع الوالدين
-15- آداب الأخ مع إخوته
-16- الأدب مع الأولاد
- 17-آداب الطريق
-18-آداب الدراسة والمدرسة
-19-آداب شخصية
-20-آداب النوم
-21-آداب الغسل ودخول الحمام
-22-آداب المسجد
-23-آداب صلاة الجماعة
-24-آداب العالِم
-25-آداب المتعلم
-26-آداب تلاوة القرآن الكريم
-27-آداب ذكر الله تعالى
-28-آداب الدعاء
-29-آداب الجمعة
-30-آداب العيدين
-31-آداب الصيام
-32-آداب الزكاة والصدقات
-33-آداب الحج والزيارة
-34-آداب العمل والمعاش والبيع والشعار
-35-آداب الصلة
ا-آداب صلة الرحم
ب -آداب الجار
جـ -آداب عيادة المريض
د-آداب الصلة بالميت "التعزية"
هـ- الأدب مع الكافر
-36-آداب الصحبة
-37-آداب السلام
-38-آداب الاستئذان
-39-آداب المجلس
-40-آداب النزهات
-41- آداب اللقاء
-42- آداب الزيارة
-43- آداب الضيافة
-44- آداب المعاشرات
-45- آداب الرؤيا
-46- آداب عشرة النساء
-47- آداب الكلام
-48- آداب الدعاء
-49- آداب الشورى
-50- آداب النصيحة
-51- آداب الدعوة
-52- آداب العمل
-53- آداب الحزن في الإسلام
-54- آداب معاملة الحيوان
-55- أدب الحوار
ويمكن أن يضاف لها بعض الآداب الأخرى،فالباب مفتوح لمن شاء.
هذا وأسال الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم،وأن ينفع به جامعه وقارئه وناشره والدال عليه في الدارين .
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) سورة الحجرات.
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 17 شعبان 1430 هـ الموافق ل 8/8/2009 م

!!!!!!!!!!!!!


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:08 PM

مقدمة عن الأدب وأهميته في الإسلام

إنّ من نعمة الله علينا أن أكمل لنا الدين وأتم لنا النعمة،وأرسل إلينا رسولاً رحيماً بأمّته،فما من خير إلا ودلنا عليه،وما من شرٍ إلا وحذرنا منه r،ولقد كان من جملة الخير الذي دلنا عليه آداب شملت كثيراً من أمور الدين والدنيا،فالعبادات لها آداب ومخالطة الناس لها آداب والتعامل مع النفس له آداب،والأدب هو الدِّينُ كله .
*والآداب منها ما هو مستحب أو مكروه،ومنها ما هو واجبٌ أو محرَّم،ومنها ما هو مُباح.ولذلك اعتنى الإسلام بهذا الجانب وصنّف أهل العلم كثيراً من الكتب والمصنفات،وفي كتب السنة والحديث كتب وأبواب للأدب بل وقد أفرد البخاري رحمه الله كتاباً في الأدب سماه ( الأدب المفرد ) جمع فيه الأحاديث والآثار المتعلقة بالأدب .
*ولا شك أن الأدب في الإسلام مهم جداً وينبغي للمسلم أن يعتني بالآداب الشرعية في جميع الأمور.ونظراً لجهل كثير من المسلمين منزلة الأدب ومراتبه وأنواعه وطرق اكتسابه وغير ذلك من الأمور،ولأن الآداب الشرعية تشمل العالم والمتعلم والرجل والمرأة والكبير والصغير والغني والفقير وغيرهم،وحثاً وترغيباً لنا في اتباع هدي وآداب النبي rفي أقواله وأفعاله وصفاته وأخلاقه،نتكلم عن هذا الموضوع المهم.
*فما هو تعريف الأدب؟
وما هي منزلته وفضله ؟
وما هي حاجتنا إلى الأدب ؟
وما هي مراتبه وأنواعه ؟
وكيف نكتسب الأدب الشرعي؟وفي هذا البحث الموجز نُجيب على هذه الأسئلة وغيرها إن شاء الله تعالى
1- تعريف الأدب :
الأَدَبُ مُحَرَّكَةً:الذي يَتَأَدَّبُ به الأَديبُ من الناس سُمّيَ به لأَنه يَأْدِبُ الناسَ إلى المَحَامدِ وَيَنْهَاهُم عن المَقَابِحِ. وقال ابن القيم في مدارج السالكين ( الأدب:اجتماع خصال الخير في العبد ومنه المأدبة وهي الطعام الذي يجتمع عليه الناس ) وقال أيضاً: ( وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ) ثم قال ( قال بعض العلماء:الأدب هو استعمال ما يجمل من الأقوال والأعمال والأحوال ) وقال بعضهم ( الأدب هو أن تكون على تعاليم الكتاب والسنة ظاهراً وباطناً ) وقال ابن القيم رحمه الله ( الأدب هو الدين كله فإنّ سِتر العورة من الأدب،والوضوء وغسل الجنابةِ من الأدب،والتطهر من الخبث من الأدب … ).
*والخلاصة أن الأدب هو اجتماع خِصال الخير في العبد وفق الكتاب والسنة ظاهراً وباطناً .فإذا أراد المسلم أن يكون مؤدباً فعليه أن يلتزم بالكتاب والسنة في عقيدته ومنهجه وعبادته وأخلاقه وأفعاله وأقواله وصفاته ظاهراً وباطناً .
2- منزلة الأدب وفضله :
قال ابن القيم رحمه الله: ( الأدب هو الدين كله ) فمنزلة الأدب هي منزلة الدين عند العبد،وقال رحمه الله: ( أدب المرء عنوان سعادته وفلاحه،وقلة أدبه عنوان شقاوته وبواره،فما استُجلب خيرُ الدنيا والآخرة بمثل الأدب،ولا استجلب حرمانها بمثل قلة الأدب،فتأمل أحوال كل شقيٍّ ومُدبِرٍ كيف تجد قلة الأدب هي التي ساقته إلى الحرمان ).
*فمنزلة الأدب عظيمة،فعن الْحَسَنَ بْنِ عَرَفَةَ،قال:سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ،يَقُولُ:" مَنْ تَهَاوَنَ بالْأَدَبِ عُوقِبَ بِحِرْمانِ السُّنَنِ،وَمَنْ تَهَاوَنَ بِالسُّنَنِ عُوقِبَ بِحِرْمانِ الْفَرَائِضِ،وَمَنْ تَهَاوَنَ بِالْفَرَائِضِ عُوقِبَ بِحِرْمانِ الْمَعْرِفَةِ " .
3- حاجتنا إلى الأدب:
المجتمع المسلم بحاجة ماسةٍ إلى سلوك الأدب وتحقيقه بين الأفراد للأسباب التالية :
أ – إذا اتصف الناس بمراعاة الأدب بينهم،حصل الاطمئنان والأمن بينهم .فحقوقهم مكفولة وسمعتهم محترمة ومكانتهم محفوظة،فيطمئنون على أنفسهم .
ب – الأدب ينزع الأحقاد من صدور الناس:فإذا التزم الناس بالآداب الشرعية صَفت النفوس فسادت الأخوّة والمحبة والألفة المجتمع .
ج- الأدب طريقُ العلم النافع:فطالب العلم لن ينال العلم وبركته بدون أدب .وقد حذّر السلف كثيراً من طلب العلم بدون أدب.قَالَ أَبُو النَّضْرِ الفَقِيْهُ: سَمِعْتُ البُوْشَنْجِيّ يَقُوْلُ: مَنْ أَرَادَ العِلْم وَالفِقْه بِغَيْر أَدبٍ،فَقَدْ اقتحمَ أَن يكذب عَلَى اللهِ وَرَسُوْله..
قال بكر أبو زيد رحمه الله :( لقد تواردت موجبات الشرع على أن التحلّي بمحاسن الأدب ومكارم الأخلاق سِمةُ أهل الإسلام وأن العلم لا يصل إليه إلا المُتحلي بآدابه المتخلي عن آفاته )
* فالأدب مهم جداً للفرد وللمجتمع وخاصةً طالب العلم .
4- مراتب الأدب :
تتفاوت مراتب الأدب بحسب المتأدَّب معه،فليس الأدب مع الله كالأدب مع أنبيائه،وليس الأدب مع رسول الله r كالأدب مع سائر الناس،وليس للتعامل مع الناس أدب واحد بل للوالدين أدب خاص وللعلماء والكبار أدبٌ خاص،وهكذا. وكذلك للتعامل مع النفس أداب،فمراتب الأدب أربعة هي :
أ) الأدب مع الله
ب) الأدب مع رسول الله r
ج) الأدب مع الناس
د) الأدب مع النفس
×أ) الأدب مع الله عز وجل :
فهو رأس الأمر وعموده وأهم ما يقدمه العبد في دنياه.قال ابن القيم رحمه الله ( الأدب مع الله ثلاثة أنواع:أحدها صيانةُ معاملته أن يشوبها بنقيصةٍ،الثاني:صيانة قلبه أن يلتفت إلى غيره،الثالث:صيانة إرادته أن تتعلق بما يمقتك عليه ) ثم قال ( ومن الأدب مع الله عدم رفع البصر إلى السماء في الصلاة للنهي عن ذلك،ومن الأدب مع الله:أن لا يستقبل بيته ولا يستدبره عند قضاء الحاجة في الفضاء والبنيان،ومن الأدب مع الله:السكون في الصلاة وعدم الالتفات فيها والاستماع للقراءة في الصلاة،والمقصود أن الأدب مع الله تبارك وتعالى هو القيام بدينه والتأدب بآدابه ظاهراً وباطناً،ولا يستقيم لأحدٍ قط الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء:معرفته بأسمائه وصفاته،ومعرفته بدينه وشرعه وما يُحب وما يكره،ونفسٌ مستعدة قابلة متهيئة لقبول الحق علماً وعملاً ).
قلت:ما الذي يُرجى في الآخرة من رجلٍ أساء أدبه مع الله تبارك وتعالى وهل يُرجى من مسيء الأدب مع الله أن يُحسن أدبه مع خلقه؟
×ب) الأدب مع رسول الله r:
قال ابن القيم رحمه الله :( وأما الأدب مع الرسول rفالقرآن مملوء به،فرأس الأدب معه كمال التسليم له،والانقياد لأمره،وتلقي خبرَه بالقبول والتصديق دون معارضته بالعقل أو الشك أو يقدم عليه آراء الرجال،فيوحده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان كما وحَّد اللهَ تعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل،ومن الأدب مع الرسول rأن لا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي ولا إذن ولا تصرف،حتى يأمر هو،وينهى ويأذن كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) سورة الحجرات ( ومن الأدب معه أن لا تُرفع الأصوات فوق صوته فما الظن برفع الآراء على سُنَّته !! ومن الأدب أن لا يُعارض نصه بقياس،ولا يُحرف كلامه عن حقيقته،ولا يوقَفُ قَبول ما جاء به على موافقة أحد ،فكل هذا من قلة الأدب معه rوهو عين الجرأة … )
×ج) الأدب مع الخلق :
فلابد من أن يعامل كل واحد بما يليق به،ومن خلقِ الله الملائكةُ،وعلى المسلم أن يتأدب معهم،ومن الأدب مع الملائكة محبتهم وموالاتهم،ومن الأدب مع الملائكة:البعد عن الذنوب والمعاصي والروائح الكريهة لأنها تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم،ومن الأدب معهم الامتناع عن كل ما يمنع قرب الملائكة أو دخولهم بيوتنا أو حضورهم مجالسنا مثل الصورة والتمثال والكلب والجرس وكذلك لا تقرب الملائكة سكرانا أو جنبا إلا أن يتوضأ،ومتشبها بالنساء وغيرهم.
* كذلك لابد أن يعامَل الناس كل واحد بما يليق به،فهناك آداب التعامل مع الوالدين وآداب مع الأرحام وآداب مع الجار المسلم وآداب مع العلماء وآداب مع ولاة الأمر وآداب مع الضيف وآداب مع الأولاد وآداب بين الزوجين وآداب مع عامة المسلمين وآداب مع المخالفين من أهل البدع والفاسقين وكذلك وآداب مع غير المسلمين.قال ابن القيِّم رحمه الله ( أما الأدب مع الخلق فهو معاملتهم بما يليق بهم على اختلاف مراتبهم،فلكل مرتبة أدب،والمراتب فيها آداب خاصة،فمع الوالدين أدب خاص،وللأب منهما أدب هو أخص به،ومع العالم أدب آخر ومع السلطان أدب يليق به ومع الضيف أدب غير أدبه مع أهله،ولكل حالٍ أدب:فللأكل آداب .. .. ) ثم قال ( وأدب المرء عنوان سعادته وفلاحه،وقلة أدبه عنوان شقاوته وبَواره … ) ثم قال ( ومن حقوق الخلق أن لا يفرِّط في القيام بحقوقهم،ولا يستغرق فيها بحيث يشتغل بها عن حقوق الله أو عن تكميلها،أو عن مصلحة دينه وقلبه … ) .
×د) الأدب مع النفس :
وأدب الإنسان مع نفسه متنوع متفاوت كذلك،فمن الأدب مع النفس السعي إلى تزكيتها وإصلاحها ومحاسبتها وتدريبها على الطاعات والأخلاق،ومن الأدب مع النفس حثها على التوبة والإنابة والخشية وغيرها،وكذلك من الأدب مع النفس تدريبها وإلزامها على الآداب الشرعية.قال ابن القيم رحمه الله: ( فللأكل آداب وللشرب آداب وللركوب آداب والدخول والسفر والإقامة والنوم آداب ولقضاء الحاجة آداب وللسكوت والاستماع آداب … )
والخلاصة أن الأدب مع النفس إلزامها والسير بها على هدي النبي rفي جميع سيرته وأقواله وأفعاله وهديه ظاهرا وباطنا .
*إذا عُلم هذا فينبغي للمسلم أن يضع هذه المراتب والأنواع الأربعة للأدب نَصب عينه دوما:الأدب مع الله عز وجل،والأدب مع رسول الله r،والأدب مع الخلق والناس،والأدب مع النفس،ومن ثم يحرص على بلوغ الدرجة العليا في كل هذه المراتب ليسعد في الدنيا والآخرة

منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:09 PM

5- طريق اكتساب الأدب :
بعد أن علمنا حاجتنا إلى الأدب وأهميته وفضله وأنواعه،فكيف السبيل إلى اكتسابه والتخلق به في مجتمعات المسلمين وفي أفرادهم ؟
1- تربية الأولاد على الأدب منذ الصغر :
وهذا واجب الوالدين والأساتذة في البيت والمدرسة،وقال عبد الملك بن مروان لمؤدب ولده - وكان رجلاً من بني زهرة -:علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن،واحملهم على الأخلاق الجميلة،وروِّهم الشعر يشجعوا وينجدوا،وجالس بهم أشراف الناس وأهل العلم منهم،فإنهم أحسن الناس رعةً وأحسنهم أدباً،وجنبهم السَّفلة والخدم،فإنهم أسوأ الناس رعة وأسوؤهم أدباً ومرهم فليستاكوا عرضاً،وليمصوا الماء مصًّا ولا يعبوه عبّا،ووقرهم في العلانية،وذللهم في السر،واضربهم على الكذب،إن الكذب يدعو الى الفجور،والفجور يدعو الى النار،وجنبهم شتم أعراض الرجال،فان الحر لا يجد من عرضه عوضاً،وإذا ولوا أمراً فامنعهم من ضرب الأبشار فإنه عار باقٍ ووتر مطلوب،واحملهم على صلة الأرحام،واعلم أن الأدب أولى بالغلام من النسب.
قد ينفعُ الأدبُ الأحداثَ في صغرٍ وليس ينفع عند الشيبةِ الأدبُ
إن الغصونَ إذا قومتها اعتدلـت ولا يلين إذا قومته الخشـب
قال مالك رحمه الله ( كانت أمي تعّممني وتقول لي:اذهب إلى ربيعة فتعلم منه آدابه قبل علمه ). قال أبو حامد الغزالي رحمه الله:( الصبي أمانة عند والديه،فإن عُوِّد بالخير وعُلمه نشأ عليه وسَعِد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب،فعلى الأب أن يصون ولده بأن يؤدبه ويعلمه محاسن الأخلاق،ويحفظه من قرناء السوء ولا يعوده على التنعم والزينة والرفاهية فيضيع عمره في طلبها،ثم ذكر طرقا في تأديب الصبيان ينبغي لكل والد ومرب الرجوع إليها)
2- ومن طرق اكتساب الأدب،النظر في قصص القرآن وكتب الحديث والسيرة لمعرفة هدي وآداب رسول الله صلى اله عليه وسلم،والالتزام بمجالس ودروس أهل الحديث لأنهم أعلم الناس بآداب رسول الله r،كذلك النظر في ميراث أسلافنا من الصحابة والتابعين والأئمة المشهورين بالأدب والورع والدين ومن أهم الكتب في سيرهم كتاب ( سير أعلام النبلاء ) للإمام الذهبي رحمه الله (25 مجلدا ).
3- تعليم الناس وتذكيرهم دوما بأهمية الأدب في حياتهم وخطورة تركه وإهماله :-ويتحقق ذلك بإقامة الدروس والمحاضرات والخطب في ذكر الآداب الشرعية بالأدلة الصحيحة .
4- قراءة الكتب والمصفات التي أفردت لأبواب الأدب لمعرفة الآداب الإسلامية والعمل بها ونشرها بين الناس،ولاسيما كتابنا هذا .
5- مصاحبة المربِّين والعلماء وطلبة العلم الملتزمين بالأدب .
6- ومن طرق اكتساب الأدب:توقي الآداب المرذولة في الأفراد والمجتمعات .
7- مجاهدة النفس وتربيتها على الآداب الشرعية:فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:"إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ،وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ،مَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ يُعْطَهُ،وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ " قال أبو حامد الغزالي رحمه الله:( فمن أراد مثلا أن يُحصِّل لنفسه خُلُق الجود فطريقه أن يتكلف تعاطي فعل الجود وهو بذل المال،فلا يزال يطالب نفسه به،ويواظب عليه تكلفا مجاهدا نفسه حتى يصير ذلك طبعا ويتيسر عليه فيصير به جوادا .. وجميع الأخلاق المحمودة شرعا تحصل بهذا الطريق )
فإذا سلك المؤمن طرق اكتساب الأدب مع الإخلاص وفقه الله تعالى .
6- الكتب والمصنفات في الأدب الشرعي :
- أما الكتب التي ذكرت الآداب فهي على أنواع منها ما صُنف كاملا في الأدب مثل :
لباب الآداب لأسامة بن منقذ رحمه الله توفي سنة (584)
الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي توفي سنة (763 هـ) في ثلاثة مجلدات .
الأدب المفرد للإمام البخاري رحمه الله.
الآداب للإمام البيهقي وهو من أوفاها .
غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب للسفاريني توفي (1188هـ) في مجلدين .
أخلاق النبي rوآدابه للحافظ بن حيان الأصبهاني( توفي 369هـ) محقق في أربعة مجلدات
زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم (توفي 751هـ) في خمسة مجلدات .
ومن الكتب ما أفرد أبوابا وكتبا ضمن الكتاب مثل كتب الأدب في كتب الحديث المشهورة.ومن المصنفات في آدابٍ معينة مثل آداب طلب العلم وهي كثيرة.

_______________


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:10 PM

-1- آداب النية

المسلم يؤمن بخطر شأن النية،وأهميتها لسائر أعماله الدينية والدنيوية،إذ جميع الأعمال تتكيف بها،وتكون بحسبها فتقوى وتضعف،وتصح وتفسد تبعاً لها،وإيمان المسلم هذا بضرورة النية لكل الأعمال ووجوب إصلاحها،مستمدّ أولاً من قول الله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) سورة البينة.
وَقَدْ تَفَرَّقَ هَؤُلاَءِ وَاخْتَلَفُوا بَغْياً وَعُدْوَاناً،وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالتَّفَرُقِ وَالاخْتِلاَفِ،وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِمَا يُصْلِحُ دِينَهُمْ وَدُنْيَاهُمْ،وَبِمَا يُحَقِّقُ لَهُمُ السَّعَادَةَ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ:مِنْ إِخْلاَصٍ للهِ فِي السِّرِّ وَالعَلَنِ،وَتَطْهِيرِ أَعْمَالِهِمْ مِنَ الشِّرْكِ بِهِ،وَاتِّبَاعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ الحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَاءِ المُنْحَرِفَةِ عَنِ الشَّرْكِ،وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ وَأَدَائِهَا حَقَّ الأَدَاءِ،وَدَفْعِ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ...وَهَذَا هُوَ الدِّينُ الحَقُّ الذِي جَاءَ فِي الكُتُبِ القَيِّمَةِ المُسْتَقِيمَةِ التِي لا عِوَجَ فِيهَا .
وقوله سبحانه:{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} (11) سورة الزمر.
وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قَوْمِكَ:إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي بِأَنْ أَعْبُدَهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَأَنْ أُخْلِصَ لَهُ العِبَادَةَ .
وقال تعالى :{ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)} [الزمر:2،3]
إِنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الذِي أَنْزَلَ إِلَيْكَ القُرْآنَ ( الكِتَابَ ) آمِراً بِالحَقِّ وَالعَدْلِ الوَاجِبِ اتِّبَاعُهُمَا،والعَمَلُ بِهِمَا،فَاعْبُدْهُ يَا مُحَمَّدُ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ والعِبَادَةَ،وَادْعُ الخَلْقَ إِلَى ذَلِكَ.أَلاَ للهِ وَحْدَهُ العِبَادَةُ والطَّاعَةُ،وَلاَ شَرِكَةَ لأَحَدٍ مَعَهُ فِيهِمَا،لأَنَّ كُلَّ مَا دُونَهُ هُوَ مُلْكٌ لَهُ،وَعَلَى المَمْلُوكِ طَاعَةُ مَالِكِهِ،وَعَلَى العَبْدِ أَنْ يُخْلِصَ العِبَادَةَ للهِ،والذِينَ يَعْبُدُونَ الأَصْنَامَ مِنَ المُشرِكِينَ يَقُولُونَ إِنَّ الذِي يَحْمِلُهُمْ عَلَى عِبَادَتِهَا هُوَ أَنَّهُمْ مَثَّلُوا بِهَذِهِ الأَصْنَامِ المَلاَئِكَةَ،فَعَبَدُوا تِلْكَ الصُّورَ تُنْزِيلاً لَهَا مَنْزِلَةَ المَلاَئِكَةِ،لِيَشْفُعُوا لَهُمْ عِنْدَ اللهِ فِي حَاجَاتِهِمْ .وَكَانَ المُشْرِكُونَ يُبَرِّرُونَ عِبَادَتَهُمْ لِمَنْ هُمْ دُونَ اللهِ بِأَنَّ الإِلَهَ الأَعْظَمَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَعْبُدَهُ البَشَرُ مُبَاشَرَةً،فَهُمْ يَعْبُدُونَ هَذِهِ الآلِهَةَ،وَهِيَ تَعْبُدُ الإِلَهَ الأَعْظَمَ.واللهُ تَعَالَى يَحْكُمُ يَوْمَ القِيَامَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خُصُومِهِمْ،مُتَّبِعِي الحَقِّ وَسُبُلِ الهُدَى،فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالشِّرْكِ،وَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ بِعَمَلِهِ .وَاللهُ تَعَالَى لاَ يُرْشِدُ إِلَى الحَقِّ مَنْ هُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ عَلَيْهِ،فَيْزْعُمُ أَنَّ لَهُ وَلَداً أَوْ صَاحِبَةً.تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً .
وثانياً من قول المصطفى -r- " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى،فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ،وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا،أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا،فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ " .
ولحديث أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ،وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ. .
فالنظر إلى القلوب نظر إلى النيات،إذ النية هي الباعث على العمل والدافع إليه،فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ r،عَنِ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ،قَالَ:مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا،كَتَبْتُ لَهُ حَسَنَةً،فَإِنْ عَمِلَهَا،كَتَبْتُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةٍ وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا،لَمْ أَكْتُبْ عَلَيْهِ،فَإِنْ عَمِلَهَا،كَتَبْتُهَا عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً..
وعَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ الأَسَدِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: النَّاسُ أَرْبَعَةٌ،وَالأَعْمَالُ سِتَّةٌ:مُوجِبَتَانِ وَمِثْلٌ بِمِثْلٍ،وَحَسَنَةٌ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا،وَحَسَنَةٌ بِسَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ،وَالنَّاسُ مُوَسَّعٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ،وَمُوَسَّعٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا،مَقْتُورٌ عَلَيْهِ فِي الآخِرَةِ،وَمَقْتُورٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مُوَسَّعٌ عَلَيْهِ فِي الآخِرَةِ،وَمَقْتُورٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ،وَشَقِيٌّ فِي الدُّنْيَا،وَشَقِيٌّ فِي الآخِرَةِ،وَالْمُوجِبَتَانِ مَنْ قَالَ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،أَوْ قَالَ:مُؤْمِنًا بِاللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ،وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ دَخَلَ النَّارَ،وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشَرَةُ أَمْثَالِهَا،وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ،وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ،وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ سَيِّئَةٌ وَاحِدَةٌ غَيْرُ مُضَعَّفَةٍ،وَمَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فَاضِلَةً فِي سَبِيلِ اللهِ فَبِسَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ.
فبمجرد الهم الصالح كان العمل صالحاً يثبت به الأجر وتحصل به المثوبة وذلك لفضيلة النية الصالحة،وعَنْ أَبِي كَبْشَةَ الأَنْمَارِيِّ،قَالَ:ضَرَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r مَثَلُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَمَالا،فَهُوَ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي مَالِهِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالا،فَيَقُولُ: لَوْ آتَانِي اللَّهُ مِثْلَ مَا آتَى هَذَا لَعَمِلْتُ فِيهِ كَمَا يَعْمَلُ فَهُمَا فِي الأَجْرِ سَوَاءٌ،وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي غَيْرِ الْحَقِّ لا يَتَّقِي فِيهِ رَبًّا وَلا يَصِلُ فِيهِ رَحِمًا،وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ آتَانِي اللَّهُ مِثْلَ مَا آتَى هَذَا لَعَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ ".
فأثيب ذو النية الصالحة بثواب العمل الصالح،ووزر صاحب النية الفاسدة بوزر صاحب العمل الفاسد،وكان مردّ هذا إلى النية وحدها .
وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ rمِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ،وَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ،قَالَ:إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ،وَلاَ قَطَعْتُمْ مِنْ وَادٍ،إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ فِيهِ،قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ،وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ؟ قَالَ:نَعَمْ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ."
فحسن النية إذا هو الذي جعل غير الغازي في الأجر كالغازي،وجعل غير المجاهد يحصل على أجر كأجر المجاهد .
وعَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ ذَهَبْتُ لأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ،فَلَقِيَنِى أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قُلْتُ أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ.قَالَ ارْجِعْ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - r- يَقُولُ « إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِى النَّارِ ».فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ « إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ » .
فسوَّت النية الفاسدة والإرادة السيئة بين قاتل مستحق للنار وبين مقتول لولا نيته الفاسدة لكان من أهل الجنة .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى صَدَاقٍ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لا يُؤَدِّيَهُ إِلَيْهَا فَهُوَ زَانٍ،وَمَنِ ادَّانَ دَيْنًا وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لا يُؤَدِّيَهُ إِلَى صَاحِبِهِ،أَحْسِبُهُ قَالَ:فَهُوَ سَارِقٌ " .
فبالنية السيئة انقلب المباح حراماً،والجائز ممنوعاً،وما كان خالياً من الحرج أصبح ذا حرج .
كل هذا يؤكد ما يعتقده المسلم في خطر النية،وعظم شأنها،وكبير أهميتها فلذا هو يبني سائر أعماله على صالح النيات،كما يبذل جهده في أن لا يعمل عملاً بدون نية،أو نية غير صالحة،إذ النية روح العمل وقوامه،صحته من صحتها وفساده من فسادها،والعمل بدون نية صاحبه مراء متكلف ممقوت
وكما يعتقد المسلم أن النية ركن الأعمال وشرطها،فإنه يرى أن النية ليست مجرد لفظ باللسان (اللهم نويت كذا ) ولا هي حديث نفس فحسب،بل هي انبعاث القلب نحو العمل الموافق لغرض صحيح من جلب نفع،أو دفع ضر حالا،أو مآلا،كما هي الإرادة المتوجهة تجاه الفعل لابتغاء رضا الله،أو امتثال أمره .
والمسلم إذ يعتقد أن العمل المباح ينقلب بحسن النية طاعة ذات أجر ومثوبة وأن الطاعة إذا خلت من نية صالحة تنقلب معصية ذات وزر وعقوبة،لا يرى أن المعاصي تؤثر فيها النية الحسنة فتنقلب طاعة،فالذي يغتاب شخصاً لتطييب خاطر شخص آخر هو عاص لله تعالى آثم لا تنفعه نيته الحسنة في نظره،والذي يبني مسجداً بمال حرام لا يثاب عليه،والذي يحضر حفلات الرقص والمجون،أو يشتري أوراق اليانصيب بنية تشجيع المشاريع الخيرية،أو لفائدة جهاد ونحوه،هو عاص لله تعالى آثم مأزور غير مأجور،والذي يبني القباب على قبور الصالحين،بنية محبة الصالحين هو عاص لله تعالى آثم على عمله،ولو كانت نيته صالحة كما يراها،إذ لا ينقلب بالنية الصالحة طاعة إلاّ ما كان مباحاً مأذوناً في فعله فقط،أما المحرم فلا ينقلب طاعة بحال من الأحوال .

______________


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:11 PM

-2- الأدب مع الله سبحانه وتعالى

المسلم إذا نظر إلى ما لله تعالى عليه من منن لا تحصى ونعم لا تعد اكتنفته من ساعة علوقه نطفة في رحم أمه وتسايره إلى أن يلقى ربه سبحانه وتعالى فيشكر الله تعالى عليها بلسانه بالثناء عليه بما هو أهله وبجوارحه بتسخيرها في طاعته فيكون هذا أدبا منه مع الله سبحانه وتعالى،إذ ليس من الأدب في شيء كفران النعم وجحود فضل المعم والتنكر له ولإحسانه وإنعامه والله سبحانه يقول: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} (53) سورة النحل،ويقول سبحانه {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (18) سورة النحل،ويقول الحق سبحانه {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} (152) سورة البقرة.
وينظر المسلم إلى علمه تعالى به واطلاعه على جميع إحواله فيمتلئ قلبه منه مهابة ونفسه له وقارا وتعظيما فيخجلُ من معصيته ويستحيى من مخالفته والخروج عن طاعته فيكون هذا أدبا مع الله سبحانه وتعالى،إذ ليس من الأدب فى شيء أن يجاهر العبد سيده بالمعاصي أو يقابله بالقبائح والرذائل وهو يشهده وينظر إليه قال تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)} [نوح:13،14]،وقال تعالى:{وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} (19) سورة النحل
وقال تعالى:{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (61) سورة يونس.
يُخْبِرُ اللهَ تَعَالَى بِأَنَّهُ عَالِمٌ بَجِمِيعِ أَحْوَالِ رَسُولِهِ وَأُمُورِهِ،سَوَاءٌ مِنْهَا مَا هُوَ خَاصٌ بِهِ،أَوْ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِشُؤُونِ الدَّعْوَةِ،وَأَنَّهُ لاَ يَتْلُو مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مِنْ قُرْآنٍ أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ اللهُ تَعَبُّداً وَتَهَجُّداً بِهِ،أَوْ تَبْلِيغاً لَهُ لِلنَّاسِ،وَلاَ يَقُومُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ،مِنَ المُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِمْ،بِعَمَلٍ صَالِحٍ أَوْ غَيْرِ صَالِحٍ،كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ،إِلاَّ كَانَ اللهُ تَعَالَى رَقِيباً عَلَيْهِمْ فَيَحْفَظُهُ لَهُمْ،وَيَجْزِيهِمْ بِهِ،وَأَنَّهُ تَعَالَىلاَ يَغِيبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيءٌ صَغُرَ أَوْ كَبُرَ حَتَّى وَلَوْ كَانَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ،أَوْ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ،فَكُلُّ شَيءٍ مُحْصًى عِنْدَهُ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ .
وينظر المسلم إليه تعالى وقد قدر عليه وأخذ بناصيته وأنه لا مفرَّ له ولا مهرب ولا منجا ولا ملجأ منه إلا إليه فيفر إليه تعالى ويطرح بين يديه ويفوض أمره إليه ويتوكل عليه فيكون هذا أدباً منه مع ربه وخالقه إذ ليس من الأدب في شسء الفرار مما لا مفر منه ولا مهرب ولا الاعتماد على مَن لا قدره له ولا الاتكال على مَن لا حول ولا قوة له،قال تعالى: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } (56) سورة هود
إِنِّي وَكَّلْتُ أُمُورِي إلى اللهِ،وَهُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمُ الحَقُّ،خَلَقَ المَخْلُوقَاتِ كُلَّها،وَجَعَلَهَا تَحْتَ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ،وَهُوَ الحَاكِمُ العَادِلُ الذِي لاَ يَجُوزُ فِي حُكْمِهِ.وَأَفْعَالُهُ تَعَالى،تَجْرِي عَلَى طَريقِ الحَقِّ وَالعَدْلِ فِي مُلْكِهِ .
أَمَّا الأَصْنَامُ وَالأَوْثَانُ فَهِيَ حِجَارَةٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ وَلاَ تَمْلِكُ لِنَفْسِهَا ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً .
وقال: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} (50) سورة الذاريات
فَالجَؤوا إلى اللهِ يَا أَيُّها النَّاسُ،وَأسْرِعُوا إلى طَاعَتِهِ،وَاعتَمِدُوا عَلَيه في جَميعِ أُمُورِكُمْ،فَإني لَكُم مِنْهُ نَذيرٌ،أنذِرُكُم عِقَابَه،وَأخَوِّفُكُمْ مِنْ عَذابِه الذِي أنزَلَهُ بالأمَمِ الخَاليةِ التي كَذَّبَتْ رُسُلَها،وَكَفَرتْ بِرَبِّها،وَإِني مُبَيِّنٌ لَكُم مَا يَجِبُ عَلَيكُمْ أنْ تَحْذُروه .
وقال تعالى:{قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (23) سورة المائدة.
وينظر المسلم إلى الطاف الله تعالى به في جميع الأمور وإلى رحمته له ولسائر خلقه فيطمع في المزيد من ذلك فيتضرع له بخالص الضراعة والدعاء ويتوسل إليه بطيب القول وصالح العمل فيكون هذا أدبا مع الله مولاه،إذ ليس من الأدب في شيء اليأس من رحمة التي وسعت كل شيء ولا القنوط من إحسانه الذي قد عم البرايا .
قال تعالى: { وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} (156) سورة الأعراف .
وَأَثْبِتْ لَنَا،بِرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ { واكتب لَنَا } حَيَاةً طَيِّبَةً فِي هذِهِ الدُّنيا،مِنْ عَافِيةٍ وَبَسْطَةٍ في الرِّزْقِ،وَتَوْفِيقٍ لِطَاعَةِ،وَمَثُوبَةٍ حَسَنَةٍ فِي الآخِرَةِ بِدُخُولِ الجَنَّةِ،وَنَيْلِ رِضْوَانِكَ،إِنَّنَا تُبْنَا إِلَيْكَ { هُدْنَآ إِلَيْكَ } مِمَّا فَرَطَ مِنْ سُفَهَائِنَا مِنْ عِبَادَةِ العِجْلِ،وَمِنْ تَقْصِيرِ العُقَلاءِ مِنّا فِي نَهْيِهِمْ وَالإِنْكَارِ عَلَيهِمْ.وَرَدَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى دُعَاءِ مُوسَى قَائِلاً:لَقَدْ أَوْجَبْتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابِي خَاصّاً أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ مِنَ الكُفَّارِ وَالعُصَاةِ،الذِينَ لَمْ يَتُوبُوا،أَمَّا رَحْمَتِي فَقَدْ وَسِعْتَ كُلَّ شَيءٍ،وَسَأُثْبِتُ رَحْمَتِي بِمَشِيئَتِي لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الكُفْرَ وَالمَعَاصِيَ،وَيُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ،وَيُؤْتُونَ الصَّدَقَاتِ التِي تَتَزَكَّى بِهَا نُفُوسُهُمْ،وَلِلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَيُصَدِّقُونَ بِجَمِيعِ آيَاتِي الدَّالَّةِ عَلَى الوحْدَانِيَّةِ،وَيُصَدِّقُونَ رُسُلِي،وَمَا جَاؤُوهُمْ بِهِ .
وقال تعالى:{اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ } (19) سورة الشورى.
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ لُطْفِهِ بِعِبَادِهِ سَوَاءٌ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ البَرُّ والفَاجِرُ،فَهُوَ يُوسِّعُ الرِّزْقَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ،وَيَدْفَعُ عَمَّنْ يُرِيدُ البَلاَءَ،وَهُوَ القَوِيُّ الذِي لاَ يُغَالَب،العَزِيزُ الذِي لاَ يُقْهَرُ .
وقال تعالى على لسان النبي يعقوب عليه السلام:{يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } (87) سورة يوسف.
وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر
قل -أيها الرسول- لعبادي الذين تمادَوا في المعاصي،وأسرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه نفوسهم من الذنوب: لا تَيْئسوا من رحمة الله؛ لكثرة ذنوبكم،إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت،إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده،الرحيم بهم.
وينظر المسلم إلى شدة بطش ربه وإلى قوة انتقامه وإلى سرعة حسابه فيتقيه بطاعته ويتوقاه بعدم معصيته فيكون هذا أدبا منه مع الله تعالى.إذ ليس من الأدب عند ذوي الألباب أن يتعرض بالمعصية والظلم العبدُ الضعيفُ العاجز للرب العزيز القادر والقوي القاهر وهو يقول:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} (11) سورة الرعد .
لله تعالى ملائكة يتعاقبون على الإنسان من بين يديه ومن خلفه،يحفظونه بأمر الله ويحصون ما يصدر عنه من خير أو شر. إن الله سبحانه وتعالى لا يغيِّر نعمة أنعمها على قوم إلا إذا غيَّروا ما أمرهم به فعصوه. وإذا أراد الله بجماعةٍ بلاءً فلا مفرَّ منه،وليس لهم مِن دون الله مِن وال يتولى أمورهم،فيجلب لهم المحبوب،ويدفع عنهم المكروه.
ويقول:{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} (12) سورة البروج،ويقول: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} (4) سورة آل عمران.
وينظر المسلم إلى الله تعالى عند معصيته والخروج عن طاعته وكأن وعيده قد تناوله وعذابه قد نزل به وعقابه قد حلَّ بساحته كما ينظر إليه تعالى عند طاعته واتباع شرعه وكأن وعده قد صدقه له وكأن حلة رضاه قد خلعها عليه فيكون هذا من المسلم حسن الظن بالله،إذ ليس من الأدب أن يسيء المرء الظن بالله فيعصيه ويخرج عن طاعته ويظن أنه غير مطلع عليه ولامؤاخذه على ذنبه وهو يقول:{ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24) } [فصلت:22 - 24]
كما أنه ليس من الأدب مع الله أن يتقيه المرء ويطيعه ويظن أنه غير مجازيه بحسن عمله ولا هو قابل منه عبادته وطاعته وهو الحق يقول: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } (52) سورة النــور،ويقول تعالى: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} (160) سورة الأنعام،ويقول سبحانه:{مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (84) سورة القصص،ويقول سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (97) سورة النحل.
وخلاصة القول إنَّ شكر المسلم ربه على نعمه وحياءه منه تعالى عن الميل إلى معصيته وصدق الأنابة اليه والتوكل عليه ورجاء رحمته والخوف من نقمته وحسن الظن به في إنجاز وعده وإنفاذ وعيده فيمن شاء من عباده هو أدبه مع الله وبقدر تمسكه به ومحافظته عليه تعلو درجته ويرتفع مقامه وتسمو مكانته وتعظم كرامته فيصبح من أهل ولاية الله تعالى ورعايته ومحط رحمته ومنزل نعمته،وهذا أقصى ما يطلبه المسلم ويتمناه طوال حياته.
فالأدب مع الله هو سلوك الأنبياء والصالحين وإذا كان التأدب مع أصحاب الفضل واجباً فإن من أوجب الواجبات التأدب مع الله سبحانه وتعالى ومن صور التأدب مع الله ما يلي :
الإخلاص :
الإخلاص له سبحانه في العمل قال الله تعالى:{ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (110) سورة الكهف
عَنِ الْحَسَنِ،قَالَ:لاَ يَزَالُ الْعَبْدُ بِخَيْرٍ إذَا قَالَ لِلَّهِ وَإِذَا عَمِلَ لِلَّهِ.
وقال أَبُو الأَشْهَبِ:سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ:يَا ابْنَ آدَمَ،إنَّ لَك سِرًّا،وَإِنَّ لَك عَلاَنِيَةً،فَسِرُّك أَمْلَكُ بِكَ مِنْ عَلاَنِيَتِكَ،وَإِنَّ لَك عَمَلاً وَإِنَّ لَكَ قَوْلاً فَعَمَلُك أَمْلَكُ بِكَ مِنْ قَوْلِك. "
الشرك :
الحذر من الوقوع في الشرك صغيرة وكبيره فهذا مما لا يحبه الله ولا يرضاه قال الله تعالى: ( وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) الأنعام 88
الشكر:
شكر نعمته عليك والاعتراف بها قال الله تعالى:( وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ) النحل 88
وقوله تعالى :( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) إبراهيم 7
التعظيم :
تعظيمه وتوقيره وتعظيم شعائره قال الله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) الزمر 67،وقال تعالى: ( مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً ) نوح 103،وقال أيضاً :( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحج 32
التقوُّل على الله:
عدم القول على الله بغير علم لقوله تعالى: ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ) النحل116
المراقبة :
استشعار مراقبة الله لك في السر والعلانية وأنه مطلع عليك وأنت في ملكه وقبضته قال تعالى:( وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) التغابن 4
الخشية والإنابة :
الخشية والخوف منه ورجاؤه قال الله تعالى :( فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ) البقرة 105،وقال سبحانه وتعالى :( فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) آل عمران 175،وقال :( وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ) الإسراء 75
الـتـوبة :
التوبة والإنابة إليه وطلب المغفرة منه قال الله تعالى: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ) النساء 64
الدعـاء:
دعاؤه والتضرع إليه والانكسار بين يديه قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة 186.
وقوله عز وجل: ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّع َ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ) النمل 62

______________


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:12 PM

-3- الأدب مع رسول الله – r–

إنَّ المسلمَ يشعر في قرارةِ نفسه بوجوبِ الأدب الكامل مع رسول الله- r- الذي أكرمنا الله ببعثته وجعلنا من أتباعه لعدةِ أسباب منها:
1- أن الله تعالى قد أوجب له الأدب عليه الصلاة والسلام على كل مؤمن ومؤمنة؛ وذلك بصريح كلامه عز وجل إذ قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (الحجرات: 1).
وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ (الحجرات: 2)
وقال: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (الحجرات: 3).
وقال: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن ورَاءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ولَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا﴾ (الحجرات: 4-5).
وقال: ﴿لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا﴾ (النور:63)
وقال:﴿إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وإذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ (النور: 62).
2- أن الله تعالى قد فرض على المؤمنين طاعته وأوجب محبته فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ (محمد: 33).
وقال: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النور: 63).
وقال: ﴿ومَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ومَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ (الحشر: 7)
وقال: ﴿قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ (آل عمران:31 )
فمَن وجبت طاعته وحرمت مخالفته لزم التأدب معه في جميع الأحوال.
3- أن الله عز وجل قد حكَّمه فجعله إمامًا وحاكمًا قال تعالى: ﴿إنَّا أنزَلْنَا إلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾ (الأنبياء: 105).
وقال: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (48) سورة المائدة
وقال: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء
أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة أن هؤلاء لا يؤمنون حقيقة حتى يجعلوك حكمًا فيما وقع بينهم من نزاع في حياتك،ويتحاكموا إلى سنتك بعد مماتك،ثم لا يجدوا في أنفسهم ضيقًا مما انتهى إليه حكمك،وينقادوا مع ذلك انقيادًا تاماً،فالحكم بما جاء به رسول الله rمن الكتاب والسنة في كل شأن من شؤون الحياة من صميم الإيمان مع الرضا والتسليم.
وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21) سورة الأحزاب
4 – أن الله تعالى قد فرض محبته على لسانه فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r- قَالَ « فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ ».ومن وجبت محبته وجب الأدب إزاءه ولزم التأدب معه .
5 – ما اخنصه به ربه تعالى من جمال الخلق والخلُق وما حباه به من كمال النفس والذات فهو أجمل مخلوق وأكمله على الاطلاق ومَن كان هذا حاله كيف لا يجب التأدب معه .
6- كذلك فإنه بعد الآية الكريمة الأولى التي تحدّثت عن الأصل العام الذي يضبط حياة المسلم (في التلقي عن الله عز وجل ورسوله r).. جاءت الآيات الكريمة التالية تتحدّث عن: الآداب الواجبة على الأمة تجاه نبيّها r،الذي يتلّقون منه منهجهم ودينهم:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (الحجرات 2).. أي:- يا أيها الذين آمنوا:إذا كلّمتم رسول الله rفالتزموا الأدب الكامل،واخفضوا أصواتكم ولا ترفعوها فوق صوته،وحين مخاطبته لا تجهروا بالقول كما يجهر بعضكم لبعض،ولا تخاطبوه باسمه وكنيته،بل خاطبوه بما هو أهل له،وبما يميّز مقامه عن مقامكم.. لأنكم إن فعلتم،أي إن خاطبتموه باسمه وكنيته ورفعتم أصواتكم فوق صوته.. فقد يسوقكم ذلك إلى الاستخفاف بمن يبلّغكم رسالة الله عز وجل،وبالتالي إلى الاستخفاف بالرسالة ذاتها،وهذا قد يؤدي إلى بطلان ثواب أعمالكم وضياعها دون أن تدروا أو تشعروا بهذا المنزلق الخطير،الذي قد يوصلكم إلى الكفر المحبِط للعمل.. إنه تحذيرٌ وتخويفٌ للمؤمنين من اتباع ذلك السلوك.
(إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (الحجرات 3).
- أما الذين يغضّون أصواتهم ويخفضونها في حضرة رسول الله r،فقد هيأ الله قلوبهم لتلقي الهبة العظيمة والجائزة الكبيرة منه عز وجل،وهي هبة التقوى،التي ستؤدي في النتيجة إلى الخوف منه سبحانه،وإلى الإنابة إليه،ثم إلى استحقاق مغفرته جل وعلا واستحقاق أجره العظيم الذي يؤدي إلى الجنة.. إنه ترغيبٌ عميقٌ بعد تحذيرٌ مخيف!..
(إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الحجرات 3).
- ثم أشارت الآيات الكريمة إلى حادثٍ وقع مع وفد بني تميم (في عام الوفود)،حين قدموا على رسول الله r،وكانوا أعراباً جُفاةً،فنادوا من وراء حجرات النبيّ عليه الصلاة والسلام،المطلّة على المسجد النبويّ الشريف: يا محمد!.. اخرج إلينا!.. فكره رسول الله rهذه الجفوة وهذا الإزعاج: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ).. لأنهم لم يبلغوا في صفاتهم العقلية ما يدلّهم على كيفية التعامل مع الذي يبلّغ رسالة الله عز وجل،ولم يتّبعوا أدب العاقلين الناضجين في التعامل مع الناس.
لقد كان الأجدر بهم أن ينتظروا ويصبروا حتى تخرجَ إليهم،فذلك أفضل لهم عند الله وعند الناس،لما فيه من مراعاةٍ للأدب في مقام النبوّة.. ولكن الله عز وجل يقول بعد ذلك: (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)،وهو ترغيب بالتوبة والإنابة (الرجوع) إليه،والعودة إلى الأصول في التعامل مع رسول الله r،ثم الترغيب في الرحمة والمغفرة،إذ اقتصر قول الله عز وجل على تحذيرهم وتقريعهم،ولم ينزل العقاب عليهم.. مراعاةً لطبيعتهم القاسية التي تتمتع بالجفاء.
كيف امتثل المؤمنون من صحابة رسول الله rبهذه الآيات؟!..
- منهم مَن أقسم ألا يكلّمه إلا سرّاً (أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه).. ومنهم من حرص على خفض صوته حتى يستفهمه رسول الله r.. ومنهم مَن بقي خائفاً وَجِلاً من أن يَحبَطَ عملُهُ لأن صوته جهورياً حاداً (ثابت بن قيس).. ومنهم.. ومنهم.
- في صلح الحديبية،يقول مفاوض قريش (عروة بن مسعود الثقفي): (والله ما تنخّم رسول الله نخامةً إلا وقعت في كفِّ رجلٍ منهم (يقصد الصحابة).. ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه.. وإذا أمرهم ابتدروا أمره،وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه (أي الماء الناتج عن الوضوء).. وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده..).. (والله لقد وفدتُ على قيصر في مُلكه.. وعلى كسرى في مُلكه.. وعلى النجاشيّ في مُلكه.. والله ما رأيت مَلِكاً قطّ،يُعظّمه أصحابه مثل ما يعظِّم أصحابُ محمدٍ محمداً)!..
فلنتأمّل،ولنتدبّر،وليكن الصحابة رضوان الله عليهم قدوتنا!..
لنتدبّر في الدروس والعظات المستوحاة من الآيات الكريمة
1- وجوب الأدب مع رسول الله r،في حياته وحضرته.. وبعد مماته،وذلك مع سنّته وأحاديثه وسيرته.
2- الصغائر قد تجرّ إلى الكبائر،والإساءة إلى رسول الله rمن الكبائر التي قد تؤدي إلى الكفر المحبِط للعمل.
3- إنّ مما يُرتَكَب من الذنوب.. ما يذهب بثواب الأعمال،من غير أن يدري المخطئ أحياناً أبعاد عمله المسيء الذي يرتكبه!..
لذلك علينا مراقبة أعمالنا وأقوالنا جيداً،كي لا نقع بالخطأ والذنب الذي يودي بصالحات أعمالنا (وتحسبونَه هيّناً وهو عندَ اللهِ عظيم)!..
4- إنّ الأدب يدلُّ على التمتع بالعقل،فمن كان مؤدّباً فهو عاقل،ومن جُرِحَ أدبه فهو ناقص العقل.
5- الأدب والتأدّب مع رسول الله r.. يقتضي التأدّب مع العلماء المؤمنين المخلصين،الذين يعملون لإقامة شرع الله،وللدفاع عن حُرُماتِه.. فإنهم ورثة الأنبياء.. وكذلك التأدّب مع كل ذي شأنٍ من أصحاب العلم والفكر،الذين يرومون رفعة هذه الأمة الإسلامية،ويعملون على الدفاع عنها وعن دينهم،ويجتهدون في دفع الخبث والشبهات عنها،وفي تعرية أعدائها والدخلاء عليها وعلى منهجها الإسلاميّ القويم.
هذه هى بعض موجبات الأدب معه – r– وغيرها كثير ولكن كيف يكون الأدب ؟ وبماذا يكون ؟ وهذا ما ينبغي أن يعلم !
يكون الأدب معه – r- :
1 – بطاعته واقتفاء أثره وترسم خطاه فى جميع مسالك الدنيا والدين .قال تعالى:{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (80) سورة النساء
2 – ان لا يقدم على حبه وتوقيره وتعظيمه حب مخلوق او توقيره او تعظيمه كائنا من كان.عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ r،قَالَ:ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ:أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا،وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ،وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُوقَدَ لَهُ نَارٌ فَيُقْذَفَ فِيهَا.
3 – موالاة من كان يوالى ومعاداة من كان يعادى والرضا بما كان يرضى به والغضب لما كان يغضب اليه.قال تعالى:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (55) سورة المائدة
4- إجلال اسمه وتوقيره عند ذكره والصلاة والسلام عليه واستعظامه وتقدير شمائله وفضائله.قال تعالى :{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) }[الفتح:8،9]
5 – تصديقه في كل ما أخبر به من أمر الدنيا والدِّين وشأن الغيب في الحياة الدنيا وفي الآخره.قال تعالى:{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7) سورة الحشر
6 – إحياء سنته وإظهار شريعته وإبلاغ دعوته وإنفاذ وصاياه.عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً،وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ،وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ.
7 – خفض الصوت عند قبره وفي مسجده لمن أكرمه الله بزيارته وشرفه بالوقوف على قبره r،قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} (3) سورة الحجرات
8 – حب الصالحين وموالاتهم بحبه وبغض الفاسقين ومعاداتهم ببغضه .
هذه هى مظاهر الآداب معه – r– عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:إِنَّ رَسُولَ اللهِ rخَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ،فَقَالَ:السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ،وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ،وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا،قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ،أَلَسْنَا إِخْوَانَكَ،قَالَ:بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي،وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ،وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ،قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ،كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنْ أُمَّتِكَ ؟ قَالَ:أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ فِي خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلاَ يَعْرِفُ خَيْلَهُ ؟ قَالُوا:بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ،قَالَ:فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ،وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ،فَلَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ،أُنَادِيهِمْ أَلاَ هَلُمَّ أَلاَ هَلُمَّ،فَيُقَالُ:إِنَّهُمْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ،فَأَقُولُ:فَسُحْقًا فَسُحْقًا فَسُحْقًا.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي،قَالَ:فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ r: أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ ؟ قَالَ:أَنْتُمْ أَصْحَابِي،وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي."
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ:فَقَدَ النَّبِيَّ rلَيْلَةً أَصْحَابُهُ،وَكَانُوا إِذَا نَزَلُوا أَنْزَلُوهُ وَسَطَهُمْ فَفَزِعُوا،وَظَنُّوا أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ لَهُ أَصْحَابًا غَيْرَهُمْ،فَإِذَا هُمْ بِخَيَالِ النَّبِيِّ r،فَكَبَّرُوا حِينَ رَأَوْهُ وَقَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ أَشْفَقْنَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ اخْتَارَ لَكَ أَصْحَابًا غَيْرَنَا.فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: لاَ بَلْ.أَنْتُمْ أَصْحَابِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِنَّ اللَّهَ أَيْقَظَنِي فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيًّا وَلاَ رَسُولاً إِلاَّ وَقَدْ سَأَلَنِي مَسْأَلَةً أَعْطَيْتُهَا إِيَّاهُ،فَسَلْ:يَا مُحَمَّدُ تُعْطَ.فَقُلْتُ:مَسْأَلَتِي شَفَاعَةٌ لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:يَا رَسُولَ اللهِ،وَمَا الشَّفَاعَةُ ؟ قَالَ:أَقُولُ يَا رَبِّ شَفَاعَتِي الَّتِي اخْتَبَأْتُ عِنْدَكَ،فَيَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:نَعَمْ.فَيُخْرِجُ رَبِّي بَقِيَّةَ أُمَّتِي مِنَ النَّارِ فَيَنْبِذُهُمْ فِي الْجَنَّةِ."
فالمسلمُ يجتهد دائما في أدائها كاملة والمحافظة عليها تامة،إذ كماله موقوف عليها وسعادته منوطة بها والمسؤول الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للتأدب مع نبينا r وأن يجعلنا من أتباعه وأنصاره وشيعته وأن يرزقنا طاعته وأن لا يحرمنا شفاعته .. اللهم آمين ...!

______________


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:13 PM

-4- الأدب مع النفس

الأدب مع النفس وهو عبارة عن التوبة والمراقبة والمجاهدة والمحاسبة
نعلم جيدا أن المسلم يؤمن بأن سعادته في كلتا حياتيه الأولى والثانية موقوفة على مدى تأديب نفسه وتطييبها وتزكيتها وتطهيرها كما أن شقاؤها منوط بفسادها وتدسيتها وخبثها وذلك للأدلة الآتية:قوله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) } [الشمس:9 - 10]
وقوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)} [الأعراف:40 - 42]
وقوله جل وعلا :{ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} العصر
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r- قَالَ « كُلُّ أُمَّتِى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ،إِلاَّ مَنْ أَبَى ».قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ « مَنْ أَطَاعَنِى دَخَلَ الْجَنَّةَ،وَمَنْ عَصَانِى فَقَدْ أَبَى » .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،لَتَدْخُلُنَّ الْجَنَّةَ كُلُّكُمْ إِلاَّ مَنْ أَبَى وَشَرَدَ عَلَى اللهِ كَشِرَادِ الْبَعِيرِ،قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ،وَمَنْ يَأْبَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ:مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ،وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى.
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ،أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ حَدَّثَهُ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ r،قَالَ:إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ شَطْرُ الإِيمَانِ،وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ،وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ،وَالصَّلاَةُ نُورٌ،وَالزَّكَاةُ بُرْهَانٌ،وَالصَّدَقَةُ ضِيَاءٌ،وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ،كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو،فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا،أَوْ مُوبِقُهَا.
كما يؤمن المسلم بأن ما تطهر عليه النفس وتزكو هو حسنة الإيمان والعمل الصالح وأن ما تتدسى به وتخبث وتفسد هو سيئة الكفر والمعاصى .
قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } (114) سورة هود
وقال تعالى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (14) سورة المطففين
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rقَالَ: " إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ،فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صَقُلَ مِنْهَا قَلْبُهُ،وَإِنَّ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يُغَلَّفَ بِهَا قَلْبُهُ،فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [المطففين: 14] "
وعَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ،قَالَ: لَمَّا بَعَثَ رَسُولُ اللهِ rمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ،قَالَ مُعَاذٌ: فَإِذَا رَكْبُ ابْنِ صَفْوَانَ نَحْوَ النَّبِيِّ r،فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ،مَا أَرَى هَؤُلَاءِ إِلَّا سَائِلُوكَ عَنِّي،فَأَوْصِنِي وَاجْمَعْ،فَقَالَ: " اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ،وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا،وَخَالَطِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ "
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَوْصِنِي.قَالَ:اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ،وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا،وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ.
من أجل هذا يعيش المسلم عاملاً على تأديب نفسه وتزكيتها وتطهيرها إذ هي أولى مَن يؤدب فيأخذها بالآداب المزكية لها والمطهرة لأدرانها كما يجنبها كل ما يدسيها ويفسدها من سيء المعتقدات وفاسد الأقوال والأفعال يجاهدها ليل نهار،ويحاسبها في كل ساعة ويحملها على فعل الخيرات ويدفعها إلى الطاعة دفعا كما يصرفها عن الشر والفساد صرفا،ويردها عنهما ردا ويتبع في إصلاحها وتأديبها لتطهر وتزكو الخطوات التالية :
1 - التوبة :
والمراد منها التخلي عن سائر الذنوب والمعاصى والندم على كل ذنب سالف والعزم على عدم العود على الذنب في مقبل العمر وذلك لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (8) سورة التحريم
وقوله تعالى:{.. وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النــور
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛أَنّ رَسُولَ اللهِ rجَمَعَ النَّاسَ،فَقَالَ:يَا أَيُّهَا النَّاسُ،تُوبُوا إِلَى اللهِ،فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ فِي الْيَوْمِ مِئَةَ مَرَّةٍ.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ.
وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " إِنَّ اللهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ،وَبِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ،حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ
وعَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ أَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَحَدَّثَنَا بِحَدِيثَيْنِ حَدِيثًا عَنْ نَفْسِهِ وَحَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -r- قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ « لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ فِى أَرْضٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ ثُمَّ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِى الَّذِى كُنْتُ فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ. فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ ».
2 – المراقبة :
وهي أن يأخذ المسلم نفسه بمراقبة الله تبارك وتعالى ويلزمها إياها في كل لحظة من لحظات الحياة حتى يتم لها اليقين بأن الله مطلع عليها عالمٌ بأسرارها رقيب على أعمالها قائمٌ عليها وعلى كل نفس بما كسبت،وبذلك تصبح مستغرقة بجمال الله وكماله شاعرة بالاأنس في ذكره واجدة الراحة في طاعته راغبة في جواره مقبلة عليه معرضة عما سواه .
وهذا معنى إسلام الوجه في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (125) سورة النساء
وَمَنْ أَحْسَنَ دِيناً مِمَّنْ جَعَلَ قَلْبَهُ خَالِصاً للهِ وَحْدَهُ،وَأَخْلَصَ العَمَلَ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ،فَعَمِلَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً،وَكَانَ فِي عَمَلِهِ مُحْسِناً،وَمُتَّبِعاً مَا شَرَعَهُ اللهُ لَهُ،وَمَا أَرْسَلَ بِهِ رَسُولَهُ مِنَ الهُدَى وَدِينِ الحَقِّ.وَهَذَانِ شَرْطَانِ لاَ يَصِحُّ بِدُونِهِمَا عَمَلٌ صَالِحٌ:
- أنْ يَكُونَ العَمَلُ خَالِصاً للهِ .
- أنْ يَكُونَ صَوَاباً مُوافِقاً لِلْشَرْعِ الذِي شَرَعَهُ اللهُ .
وَعَلى العَامِلِ المُخْلِصِ فِي عَمَلِهِ للهِ أنْ يَكُونَ قَدِ اتَّبَعَ،مَعَ مُحَمَّدٍ وَالمُسْلِمِينَ،مِلَّةَ إِبْراهِيمَ مُخْلِصاً،مُنْحَرِفاً عَنِ الشِّرْكِ ( حَنِيفاً )،وَتَارِكاً لِلْشِّرْكِ عَنْ بَصيرةِ،وَمقْبِلاً عَلَى الحَقِّ وَالهُدَى بِكُلِّيَّتِهِ.ثُمَّ أَرَادَ اللهُ تَعَالَى تَرْغِيبِ المُؤْمِنِينَ بِاتِّبَاعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ،الذِي بَلَغَ غَايَةَ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ العِبَادُ إلى اللهِ،فَقَالَ تَعَالَى:إنَّ إِبْرَاهِيمَ انْتَهَى إلى مَنْزِلَةِ الخَلِيلِ لَدَى خَالِقِهِ،وَهِيَ أَرْفَعُ مَقَامَاتِ المَحَبَّةِ،وَمَنْ كَانَتْ لَهُ هَذِهِ المَنْزِلَةُ كَانَ جَدِيراً بِأَنْ يُتَّبَعَ فِي مِلَّتِهِ .
وقوله سبحانه:{وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (22) سورة لقمان
وَمَنْ يُخلْصِ العَمَلَ للهِ،وَيَخْضَعْ لأَمْرِهِ،وَيَتّبِعْ شَرْعَهُ،وَهُوَ مُحْسِنٌ في عَمَلِهِ باتِّبَاعِ مَا أَمَرَ اللهُ بهِ،وَتَرْكِ مَا نَهَى عَنْهُ،فَقَدْ تَعَلَّقَ بأَوْثَقِ الأَسْبَابِ التي تُوصِلُ إٍِلى رِضْوَانِ اللهِ،وَحُسْن جَزَائِهِ،والنَّاسُ راجِعُونَ جَميعاً إٍِلى اللهِ،وأَعْمَالُهُم وأُمُورُهُمْ صَائِرَةٌ إليهِ فيُجَازِي كُلَّ وَاحٍدٍ بِعَمَلِهِ .
وهو عين ما دعا إليه الله تعالى في قوله:{وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (235) سورة البقرة
وَلا جُنَاحَ عَلَيكُمْ أيُّها الرِّجَالُ وَلا حَرَجَ وَلا إثْمَ فِي أنْ تُعَرِّضُوا بِخِطْبَةِ النِّسَاءِ وَهُنَّ في العِدَّةِ،مِنْ غَيرِ تَصْرِيحٍ،كَأنْ يَقُولَ أحَدُكُمْ أريدُ الزَّوَاجَ...وَلا جُنَاحَ عَليكُمْ فِيما أضْمَرْتُمُوهُ فِي أنفُسِكُمْ مِنْ خِطْبَتِهِنَّ.وَاللهُ يَعْلَمُ أنَّكُمْ سَتَذْكُرونَهُنَّ في أنْفُسِكُمْ سِرّاً،فَرَفَعَ عَنْكُمْ هذا الحَرَجَ،وَلَكِنْ لا تُعْطُوهُنَّ وَعْداً بالزَّواجِ،إلا أنْ يَكُونَ ذَلِكَ إشَارَةً لا نُكْرَ فيها وَلا فُحْشَ وَلاَ تَقُولُوا لَهُنَّ إنَّكُمْ عَاشِقون مَثَلاً،وَلا تَطْلُبُوا مِنْهُنَّ الوَعْدَ بِعَدَمِ الزَّوَاجِ مِنْ غَيْرِكُمْ.. إلخ فَذلِكَ مِمَّا نَهَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُ
وَلاَ تَعْقدُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى تَنْقَضِيَ العِدَّةَ ( يَبْلُغَ الكِتَابُ أجَلَهُ ) وَإذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ مِن امْرأَةٍ وَهِيَ في العِدَّةِ،فَقَدْ أجْمَعَ الفُقَهَاءُ عَلَى أنَّ هذا الزَّوَاجَ بَاطِلٌ.وَلكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا حَوْلَ حُرْمَةِ المَرْأةِ عَلَى الرَّجُلِ أبَداً.فَقَالَ بَعْضُ الفُقَهَاءِ:إنَّها تَحْرُمُ عَلَيهِ أبَداً،وَقَالَ آخُرونَ إنَّها لاَ تَحْرُمُ عَلَيهِ أبَدَاً،وَلَهُ أنْ يَتَقَدَّمَ إلى خِطْبَتِها إذا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا،وَيَعْقِدَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ .
ويُذَكِّر اللهُ المُؤْمِنينَ بِأنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي نُفُوسِهِمْ،وَلِذَلِكَ فَإنَّهُ يُرِيدُهُمْ ألاَّ يُضْمِرُوا فِي أنْفُسِهِمْ إلاَّ الخَيْرَ.وَالذي تَخْطُرُ عَلَى بَالِهِ خَوَاطِرُ شِرِّيرَةٌ جَعَلَ اللهُ لَهُ بَاباً لِلتَّوبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ مِمَّا خَطَرَ لَهُ،فَاللهُ كَثيرُ الحِلْمِ لاَ يُعَجِّلُ بِالعُقُوبَةِ لِمَنْ قَارَفَ المُحَرَّمَاتِ،لَعَلَّهُ يَتُوبُ وَيَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ وَيَرْجِعُ إليهِ .
وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1) سورة النساء .
وقوله سبحانه:{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (61) سورة يونس
يُخْبِرُ اللهَ تَعَالَى بِأَنَّهُ عَالِمٌ بَجِمِيعِ أَحْوَالِ رَسُولِهِ وَأُمُورِهِ،سَوَاءٌ مِنْهَا مَا هُوَ خَاصٌ بِهِ،أَوْ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِشُؤُونِ الدَّعْوَةِ،وَأَنَّهُ لاَ يَتْلُو مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مِنْ قُرْآنٍ أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ اللهُ تَعَبُّداً وَتَهَجُّداً بِهِ،أَوْ تَبْلِيغاً لَهُ لِلنَّاسِ،وَلاَ يَقُومُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ،مِنَ المُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِمْ،بِعَمَلٍ صَالِحٍ أَوْ غَيْرِ صَالِحٍ،كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ،إِلاَّ كَانَ اللهُ تَعَالَى رَقِيباً عَلَيْهِمْ فَيَحْفَظُهُ لَهُمْ،وَيَجْزِيهِمْ بِهِ،وَأَنَّهُ تَعَالَىلاَ يَغِيبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيءٌ صَغُرَ أَوْ كَبُرَ حَتَّى وَلَوْ كَانَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ،أَوْ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ،فَكُلُّ شَيءٍ مُحْصًى عِنْدَهُ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ rيَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ،إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ يَمْشِي،فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ،مَا الإِيمَانُ ؟ قَالَ:أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ،وَمَلاَئِكَتِهِ،وَرُسُلِهِ،وَلِقَائِهِ،و َتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الآخِرِ،قَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،فَمَا الإِسْلاَمُ ؟ قَالَ:لاَ تُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا،وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ،وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ،وَتَصُومُ رَمَضَانَ،قَالَ:يَا مُحَمَّدُ،مَا الإِحْسَانُ ؟ قَالَ:أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ،فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ .."
وهو نفس ما درج عليه السابقون الأولون من سلف هذه الأمة الصالح إذ أخذوا به أنفسهم حتى تم لهم اليقين وبلغوا درجة المقربين وها هي ذى آثارهم تشهد لهم :
1 - وقَالَ الْجُنَيْدَُ:سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثَ بْنَ أَسَدٍ،يَقُولُ وَسُئِلَ عَنِ الْمُرَاقَبَةِ لِلَّهِ وَعَنِ الْمُرَاقِبِ،لِرَبِّهِ فَقَالَ:" إِنَّ الْمُرَاقَبَةَ تَكُونُ عَلَى ثَلَاثِ خِلَالٍ عَلَى قَدْرِ عَقْلِ الْعَاقِلِينَ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِرَبِّهِمْ يَفْتَرِقُونَ فِي ذَلِكَ فَإِحْدَى الثَّلَاثِ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ،وَالْخَلَّةُ الثَّانِيَةُ الْحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ وَالْخَلَّةُ الثَّالِثَةُ الْحُبُّ لِلَّهِ فَأَمَّا الْخَائِفُ فَمُرَاقِبٌ بِشِدَّةِ حَذَرٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَغَلَبَةِ فَزَعٍ،وَأَمَّا الْمُسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ فَمُرَاقِبٌ بِشِدَّةِ انِكْسَارٍ وَغَلَبَةِ إِخْبَاتٍ،وَأَمَّا الْمُحِبُّ فَمُرَاقِبٌ بِشِدَّةِ سُرُورٍ وَغَلَبَةِ نَشَاطٍ وَسَخَاءِ نَفْسٍ مَعَ إِشْفَاقٍ لَا يُفَارِقُهُ وَلَنْ تَكَادَ أَنْ تَخْلُوَ قُلُوبُ الْمُرَاقِبِينَ مِنْ ذِكْرِ اطِّلَاعِ الرَّقِيبِ بِشِدَّةِ حَذَرٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ أَنْ يَرَاهُمْ غَافِلِينَ عَنْ مُرَاقَبَتِهِ،وَالْمُرَاقَبَةُ ثَلَاثُ خِلَالٍ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ أَوَّلُهَا التَّثْبِيتُ بِالْحَذَرِقَبْلَ الْعَمَلِ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ،وَالتَّرْكُ لِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مَخَافَةَ الْخَطَأِ فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابُ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى الْعَمَلِ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ وَالتَّرْكِ لِمَا نَهَى اللَّهُ مَخَافَةَ التَّفْرِيطِ فَإِذَا دَخَلَ فِي الْعَمَلِ فَالتَّكْمِيلُ لِلْعَمَلِ مَخَافَةَ التَّقْصِيرِ فَمَنْ لَمْ يَثْبُتْ قَبْلَ الْعَمَلِ مَخَافَةَ الْخَطَأِ فَغَيْرُ مُرَاقِبٍ لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ إِذْ كَانَ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى غَيْرِ مَا أَحَبَّ وَأَمَرَ بِهِ،وَمَنْ لَمْ يبَادَرْ وَيُسَارِعْ إِلَى عَمَلِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابُ فَمَا رَاقَبَ إِذَا بَطَّأَ عَنِ الْعَمَلِ،لِمَحَبَّةِ مَنْ يُرَاقِبُهُ إِذْ يَرَاهُ مُتَثَبِّطًا عَنِ الْقِيَامِ بِمَا أَمَرَ بِهِ،وَمَنْ لَمْ يَجْتَهِدْ فِي تَكْمِيلِ عَمَلِهِ فَضَعِيفٌ مُقَصِّرٌ فِي مُرَاقَبَةِ مَنْ يُرَاقِبُهُ إِذَا قَصَّرَ عَنْ إِحْكَامِ الْعَمَلِ لِمَنْ يَعْمَلُ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يُحِبُّ تَكْمِيلَهُ وَإِحْكَامَهُ،وَقَالَ:سَبْعُ خِلَالٍ يَكْمُلُ لَهَا عَمَلُ الْمُرِيدِ وَحِكْمَتُهُ:حُضُورُ الْعَقْلِ وَنَفَاذُ الْفِطْنَةِ وَسَعَةُ الْعَمَلِ بِغَيْرِ غَلَطٍ وَقَهْرُ الْعَقْلِ لِلْهَوَى وَعِظَمُ الْهَمِّ كَيْفَ يُرْضِي الرَّبَّ تَعَالَى وَالتَّثَبُّتُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ،وَشِدَّةُ الْحَذَرِ لِلْآفَاتِ الَّتِي تَشُوبُ الطَّاعَاتِ،وَأَقَلُّ الْمُرِيدِينَ غَفْلَةً أَدْوَمُهُمْ مُرَاقَبَةً مَعَ تَعْظِيمِ الرَّقِيبِ،وَالدَّلِيلُ عَلَى صِدْقِ الْمُرَاقَبَةِ بِإِجْلَالِ الرَّقِيبِ شِدَّةُ الْعِنَايَةِ بِالْفِطْنَةِ لِدَوَاعِي الْعَقْلِ مِنْ دَوَاعِي الْهَوَى وَالتَّثْبِيتُ بِالنَّظَرِ بِنُورِ الْعِلْمِ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الطَّاعَةِ وَمَا شَابَهَهَا مِنَ الْآفَاتِ وَقُوَّةِ الْعَزْمِ عَلَى تَكْمِيلِ الْمُرَاقَبَةِ فِي الْحُظْوَةِ فِي عَيْنِ الْمَلِيكِ الْمُطَّلِعِ،وَشِدَّةُ الْفَزَعِ مِمَّا يَكْرَهُ خَوْفَ الْمَقْتِ،وَالدَّلِيلُ عَلَى قُوَّةِ الْخَوْفِ شِدَّةُ الْإِشْفَاقِ مِمَّا مَضَى مِنَ السَّيِّئَاتِ أَنْ لَا تُغْفَرَ وَمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِحْسَانِ أَنْ لَا يُقْبَلَ،وَدَوَامُ الْحَذَرِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ أَنْ لَا يَسْلَمَ،وَعِظَمُ الْهَمِّ مِنْ عَظِيمِ الرَّغْبَةِ،وَعَظِيمُ الرَّغْبَةِ مِنْ كِبَرِ الْمَعْرِفَةِ بِعَظِيمِ قَدْرِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَإِلَيْهِ،وَسُمَوُّ الْهِمَّةِ يُخَفِّفُ التَّعَبَ وَالنَّصَبَ وَيُهَوِّنُ الشَّدَائِدَ فِي طَلَبِ الرِّضْوَانِ،وَيُسْتَقَلُّ مَعَهُ بَذْلُ الْمَجْهُودِ بِعَظِيمِ مَا ارْتَفَعَ إِلَيْهِ الْهَمُّ،وَالنَّشَاطُ بِالدُّءُوبِ دَائِمٌ،وَالسُّرُورُ بِالْمُنَاجَاةِ هَائِجٌ،وَالصَّبْرُ زِمَامُ النَّفْسِ عَنِ الْمَهَالِكِ وَإِمْسَاكٌ،لَهَا عَلَى النَّجَاةِ فَالْيَقِينُ رَاحَةٌ لِلْقُلُوبِ مِنْ هُمُومِ الدُّنْيَا وَكَاسِبٌ لِمَنَافِعِ الدِّينِ كُلِّهَا وَحُسْنُ الْأَدَبِ زَيْنٌ لِلْعَالِمِ وَسَتْرٌ لِلْجَاهِلِ،مَنْ قَصُرَ أَمَلُهُ حَذَرَ الْمَوْتَ وَمَنْ حَذَرَ الْمَوْتَ خَافَ الْفَوْتَ وَمَنْ خَافَ الْفَوْتَ قَطَعَ الشَّوْقَ وَمَنْ قَطَعَ الشَّوْقَ بَادَرَ قَبْلَ زَوَالِ إِمْكَانِ الظَّفَرِ فَاجْعَلِ التَّيَقُّظَ وَاعِظَكَ وَالتَّثَبُّتَ وَكِيلَكَ وَالْحَذَرَ مُنَبِّهَكَ وَالْمَعْرِفَةَ دَلِيلَكَ وَالْعِلْمَ قَائِدَكَ وَالصَّبْرَ زِمَامَكَ وَالْفَزَعَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَوْنَكَ وَمَنْ لَمْ تُوسَعْهُ الدُّنْيَا غِنًى وَلَا رِفْعَةَ أَهْلِهَا شَرَفًا وَلَا الْفَقْرُ فِيهَا صِفَةً فَقَدِ ارْتَفَعَتْ هِمَّتُهُ وَعَزَفَتْ عَنِ الدُّنْيَا نَفْسُهُ،مَنْ كَانَتْ نِعْمَتُهُ السَّلَامَةَ مِنَ الْآثَامِ وَرَغِبَ إِلَى اللَّهِ فِي حَوَادِثِ فَوَائِدَ لَمُرِيدٌ نُقِلَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ،وَمَنِ اشْتَدَّ تَفَقُّدُهُ مَا يَضُرَّهُ فِي دِينِهِ وَيَنْفَعُهُ فِي آخِرَتِهِ وَذَكَرَ اطِّلَاعَ اللَّهِ إِلَيْهِ،وَمَثُلَ عَظِيمَ هَوْلِ الْمَطْلَعِ وَأَشْفَقَ مِمَّا يَأْتِي بِهِ الْخَيْرُ فَقَدْ صَدَقَ اللَّهَ فِي مُعَامَلَتِهِ وَحَقَّقَ اسْتِعْمَالَ مَا عَرَّفَهُ رَبُّهُ،وَمَنْ قَدَّمَ الْعَزْمَ لِلَّهِ عَلَى الْعَمَلِ بِمَحَبَّتِهِ وَوَفَّى لِلَّهِ بَعَزْمِهِ وَجَانَبَ مَا يَعْتَرِضُ بِقَلْبِهِ مِنْ خَطَرَاتِ السُّوءِ وَنَوَازِعِ الْفِتَنِ فَقَدْ حَقَّقَ مَا عَلِمَ وَرَاقَبَ اللَّهَ فِي أَحْوَالِهِ،كَهْفُ الْمُرِيدِ وَحِرْزُهُ التَّقْوَى وَالِاسْتِعْدَادُ عَوْنُهُ وَجَنَّتُهُ الَّتِي يَدْفَعَ بِهَا آفَاتِ الْعَوَارِضِ وَصُوَرِ النَّوَازِلِ،وَالْحَذَرُ يوَرِّثُهُ النَّجَاةَ وَالسَّلَامَةَ،وَالصَّبْرُ يوَرِّثُهُ الرَّغْبَةَ وَالرَّهْبَةَ،وَذِكْرُ كَثْرَةِ سَوَالِفِ الذُّنُوبِ يوَرِّثُهُ شِدَّةَ الْغَمِّ وَطُولَ الْحُزْنِ،وَعِظَمُ مَعْرِفَتِهِ بِكَثْرَةِ آفَاتِ الْعَوَارِضِ فِي الطَّاعَاتِ تُوَرِّثُهُ شِدَّةَ الْإِشْفَاقِ مِنْ رَدِّ الْإِحْسَانِ "
2 - وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ،قَالَ:كَانَ رَجُلٌ كَثِيرَ الْبُكَاءِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ:أَبْكَانِي تَذَكُّرِي مَا جَنَيْتُ عَلَى نَفْسِي حِينَ لَمْ أَسْتَحيِ مِمَّنْ شَاهَدَنِي وَهُوَ يَمْلِكُ عُقُوبَتِي،فَأَخَّرَنِي إِلَى يَوْمِ الْعُقُوبَةِ الدَّائِمَةِ،وَأَجَّلَنِي إِلَى يَوْمِ الْحَسْرَةِ الْبَاقِيَةِ،وَاللَّهِ لَوْ خُيِّرْتُ أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تُحَاسَبَ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِكَ إِلَى الْجَنَّةِ أَوْ يُقَالُ لَكَ كُنْ تُرَابًا،لَاخْتَرْتُ أَنْ أَكُونَ تُرَابًا " .
3 - عن أَبي عُثْمَانَ الْحناطِ قال:سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ:" ثَلَاثَةٌ مِنْ أَعْمَالِ الْمُرَاقَبَةِ:إِيثَارُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ،وَتَعْظِيمُ مَا عَظَّمَ اللَّهُ،وَتَصْغِيرُ مَا صَغَّرَ اللَّهُ ".قَالَ:" وَثَلَاثَةٌ مِنْ أَعْلَامِ الِاعْتِزَازِ بِاللَّهِ:التَّكَاثُرُ بِالْحِكْمَةِ وَلَيْسَ بِالْعَشِيرَةِ،وَالِاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ وَلَيْسَ بِالْمَخْلُوقِينَ،وَالتَّذَلُّلِ لِأَهْلِ الدِّينِ فِي اللَّهِ وَلَيْسَ لِأَبْنَاءِ الدُّنْيَا " .
4 - وعَنْ نَافِعٍ،قَالَ: خَرَجَ ابْنُ عُمَرَ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَصْحَابُ لَهُ،وَوَضَعُوا سَفْرَةً لَهُ،فَمَرَّ بِهِمْ رَاعِي غَنَمٍ،قَالَ: فَسَلَّمَ،فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: " هَلُمَّ يَا رَاعِي،هَلُمَّ "،فَأَصِبْ مِنْ هَذِهِ السُّفْرَةِ،فَقَالَ لَهُ: إِنِّي صَائِمٌ،فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: " أَتَصُومُ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الْحَارِّ شَدِيدٍ سُمُومُهُ وَأَنْتَ فِي هَذِهِ الْجِبَالِ تَرْعَى هَذَا الْغَنَمَ ؟ " فَقَالَ لَهُ: أَيْ وَاللهِ أُبَادِرُ أَيَّامِي الْخَالِيَةَ،فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ يُرِيدُ يَخْتَبِرُ وَرَعَهُ:" فَهَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنَا شَاةً مِنْ غَنَمِكَ هَذِهِ فَنُعْطِيكَ ثَمَنَهَا وَنُعْطِيكَ مِنْ لَحْمِهَا فَتُفْطِرَ عَلَيْهِ ؟ " فَقَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي بِغَنَمٍ،إِنَّهَا غَنَمُ سَيِّدِي،فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: " فَمَا عَسَى سَيِّدُكَ فَاعِلًا إِذَا فَقْدَهَا،فَقُلْتَ: أَكْلَهَا الذِّئْبُ " فَوَلَّى الرَّاعِي عَنْهُ وَهُوَ رَافِعٌ أُصْبُعَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ يَقُولُ: أَيْنَ اللهُ،قَالَ: فَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ يُرَدِّدُ قَوْلَ الرَّاعِي وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ الرَّاعِي: فَأَيْنَ اللهُ ؟ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعَثَ إِلَى مَوْلَاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ الْغَنَمَ وَالرَّاعِي فَأَعْتَقَ الرَّاعِيَ،وَوَهَبَ لَهُ الْغَنَمَ "
وعن زَيْدَ بْنِ أَسْلَمَ،قَالَ: مَرَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بِرَاعٍ،فَقَالَ: " يَا رَاعِيَ الْغَنَمِ،هَلْ مِنْ جِوَرَّةٍ ؟ " قَالَ الرَّاعِي: لَيْسَ ههُنَا رَبُّهَا،فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: " تَقُولُ لَهُ: إِنَّهُ أَكْلَهَا الذِّئْبُ "،قَالَ فَرَفَعَ الرَّاعِي رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ،ثُمَّ قَالَ: فَأَيْنَ اللهُ ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " فَأَنَا وَاللهِ أَحَقُّ أَنْ أَقُولَ: أَيْنَ اللهُ،فَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ الرَّاعِي،وَاشْتَرَى الْغَنَمَ فَأَعْتَقَهُ وَأَعْطَاهُ الْغَنَمَ "
5 - قال بعض السلف: مررت برجل منفرد فقلت له أنت وحدك فقال: معي ربي وملكاي فقلت: أين الطريق؟ فأشار نحو السماء،ثم مضى وهو يقول: أكثر خلقك شاغل عنك .
6 - قال الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ،رَحِمَهُ اللهُ يُنْشِدُ:"
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا ... فَلَا تَقُلْ خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعَةً ........ وَلَا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ
غَفَلْنَا الْعُمُرَ وَاللهِ حَتَّى تَدَارَكَتْ ..... عَلَيْنَا ذُنُوبٌ بَعْدَهُنَّ ذُنُوبُ
فَيَا لَيْتَ أَنَّ اللهَ يَغْفِرُ مَا مَضَى ......... وَيَأْذَنُ فِي تَوْبَاتِنَا فَنَتُوبُ


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:14 PM

3 - المحاسبة :
وهي أنه لما كان المسلم عاملا في هذه الحياة ليل نهار على ما يسعده في الدار الآخرة،ويؤهله لكرامتها،ورضوان الله فيها وكانت الدنيا هي موسم عمله كان عليه اأن ينظر إلى الفرائض الواجبة عليه كنظر التاجر إلى رأس ماله،وينظر إلى النوافل نظر التاجر إلى الأرباح الزائدة على رأس المال وينظر إلى المعاصي والذنوب كالخسارة في التجارة،ثم يخلو بنفسه ساعة من آخر كل يوم يحاسب نفسه فيها على عمل يومه،فإن رأى نقصا في الفرائض لامها ووبخها وقام إلى جبره في الحال،فإن كان مما يقضى قضاه وإن كان مما لا يقضى جبره بالإكثار من النوافل،وإن رأى نقصا في النوافل عوض الناقص وجبره وإن رأى خسارة بارتكاب المنهي استغفر وندم وأناب وعمل من الخير ما يراه مصلحا لما أفسد .
هذا هو المراد بالمحاسبة للنفس وهي إحدى طرق إصلاحها وتأديبها وتزكيتها وتطهيرها وأدلتها ما يأتى :
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (18) سورة الحشر
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِتَقْوَاهُ،وَذَلِكَ بِأَنْ يَفْعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ،وَأَنْ يَتْرُكُوا مَا نَهَاهُم عَنْهُ،وَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحدٍ مِنْهُمْ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَل صَالِحٍ يَنْفَعُهُ فِي آخِرَتِهِ يَوْمَ الحِسَابِ،ثُمَّ يُؤْكِّدُ تَعَالى الأَمْرَ بِتَقْوَاهُ،مُبَيِّناً أَنَّهُ عَلِيمٌ بِأْحْوالِ العِبَادِ،جَمِيعِهَا،وَسَيُحَاسِبُهُمْ عَلَيْهَا .
فقوله تعالى (( ولتنظر نفس )) هو أمر بالمحاسبة للنفس على ما قدمت لغدها المنتظر .
وقال تعالى: {.. وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النــور
وعَنْ أَبِى بُرْدَةَ قَالَ سَمِعْتُ الأَغَرَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -r- يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّى أَتُوبُ فِى الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ».
وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ،عَنْ رَجُلٍ،مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ،فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ،وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ فَقُلْتُ لَهُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ،اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ:اثْنَتَانِ أَمْ وَاحِدَةٌ ؟ فَقَالَ:هُوَ ذَاكَ،أَوْ نَحْوَ هَذَا.
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ:حاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْل أَنْ تُوزَنُوا،وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ،يَوْمَ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ."
وكان أبو بكر رجلاً أسيفاً،إذا صلى بالناس لا تُكاد تسمع قراءته من كثرة بكائه وخوفه من ربه جل وعلا.
وكان في وجه عمر خطان أسودان من كثرة البكاء،وكان يُسمع بكاؤه من آخر الصفوف،وسمع قارئاً يقرأ قوله تعالى: إن عذاب ربك لواقع [الطور:7]. فسقط مغشياً عليه،وبقي أياماً مريضاً يزوره الناس،وكان إذا أظلم عليه الليل يضرب قدميه بالدرة،ويقول لنفسه: ماذا عملت اليوم يا عمر؟ وكان ينعس وهو قاعد،فقيل له: ألا تنام يا أمير المؤمنين؟ قال: ((إذا نمت الليل ضيعت حظي من الله،وإذا نمت النهار ضيعت رعيتي)) وحين حضرته الوفاة يقول لابنه: ((ضع خدي على التراب عل الله أن يرى حالي فيرحمني)).
بكى عمر الفاروق خوفاً وخشية……وقد كان في الأرض الإمام المثاليا
وقال بصوت الحزن يا ليت أنني……نجوت كفافاً لا عليّ ولا ليا
وكان عثمان بن عفان - رضي الله عنه أرضاه - يصوم النهار ويقوم الليل، وكَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ فَقِيلَ لَهُ تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَا تَبْكِي وَتَبْكِي مِنْ هَذَا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا الْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ " وقد روي عنه أنه ما اغتسل مرة واحدة واقفاً بل كان يغتسل جالساً حياء من الله جل وعلا،وقد روي عنه أنه كان يختم القرآن في ركعة ثم يوتر بها.
أما علي بن أبي طالب فقد كان صواماً قوماً فارساً بالنهار،راهباً بالليل. صلى صلاة الفجر في يوم من الأيام فجلس حزيناً مطرقا،فلما طلعت الشمس قبض على لحيته،وبدأ يبكي ويبكي ثم قال: لقد رأيت أصحاب النبي فما رأيت شيئاً يشبههم،كانوا يصبحون شعثاً غبراً سفراً بين أعينهم كأمثال ركب المعزى من كثرة السجود،قد باتوا لله سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وأقدامهم،فإذا طلع الفجر ذكروا الله فمادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهطلت أعينهم بالدموع والله لكأنّ القوم باتوا غافلين.
وكان يستأنس بالليل وظلمته،فإذا أرخى الليل سدوله،وغارت نجومه،يميل في محرابه قابضاً على لحيته،ويتململ تململ الملدوغ،ويبكي بكاء الحزين،وينادي: يا ربنا.. يا ربنا.. يا ربنا.
وعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ : " إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادًا كَمَنْ رَأَى أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ مُخَلَّدِينَ وَكَمَنْ رَأَى أَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ مُخَلَّدِينَ قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ وَشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ حَوَائِجُهُمْ خَفِيفَةٌ وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ صَبَرُوا أَيَّامًا قِصَارًا تُعْقَبَ رَاحَةً طَوِيلَةً، أَمَّا اللَّيْلُ فَمُصَافَّةٌ أَقْدَامُهُمْ تَسِيلُ دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ يَجْأَرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ رَبَّنَا رَبَّنَا، وَأَمَّا النَّهَارُ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ بَرَرَةٌ أَتْقِيَاءُ كَأَنَّهُمُ الْقِدَاحُ، يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَحْسِبُهُمْ مَرْضَى وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرِضٍ، أَوْ خُولِطُوا وَلَقَدْ خَالَطَ الْقَوْمَ مِنْ ذِكْرِ الْآخِرَةِ أَمَرٌ عَظِيمٌ "
أما عبد الرحمن بن عوف فقد كان صائماً ثم أتي بطعام فقال: قتل مصعب بن عمير،وهو خير مني،فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة إن غطي بها رأسه بدت رجلاه،وإن غطي بها رجلاه بدا رأسه،ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط. قد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.
وأُتي له بعشائه في يوم من الأيام،وكان صائماً،فقرأ قول الله تعالى: إن لدينا أنكالاً وجحيماً وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليماً [المزمل:13]. فلم يزل يبكي حتى رفع طعامه وما تعشى.
ولما حضرت أبا هريرة الوفاة بكى،فقيل له: ما يبكيك،فقال: والله ما أبكي على دنياكم،ولكن أبكي لبعد المفازة،وقلة الزاد،وعقبة كؤود،وأنني أصبحت في صعود, المهبط منه إما إلى جنة وإما إلى نار.
وهكذا الصالحون من هذه الأمة يحاسبون أنفسهم عن تقريطها،ويلومونها على تقصيرها،ويلزمونها التقوى،ونهونها عن الهوى عملاً بقول الله تعالى:{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)} [النازعات:40 - 41]
وَأَمَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَقُومُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ،وَأَنَّهُ سَيُسْأَلُ عَنْ أَعْمَالِهِ،فَحَاذَرَ ذَلِكَ اليَوْمَ،وَحَسَبَ حِسَابَهُ،وَجَنَّبَ نَفْسَهُ الوُقُوعَ فِي المَحَارِمِ،وَالانْسِيَاقِ وَرَاءَ الهَوَى وَالشَّهَوَاتِ،فَتَكُونُ الجَنَّةُ جَزَاءَهُ،وَفِيهَا مَأْوَاهُ وَمَصِيرُهُ .
4- المجاهدة :
لا بد أن يعلم المسلم أن أعدى أعدائه إليه هو نفسه التي بين جنبيه،وأنها بطبعها ميالة إلى الشر،فَرَّارَة من الخير،أمَّارة بالسوء:قال تعالى:( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) سورة يوسف. تحب الدعة،والخلود إلى الراحة،وترغب في البطالة،وتنجرف مع الهوى،تستهويها الشهوات العاجلة وإن كان فيها حتفها وشقاءها .
فإذا عرف المسلم هذا عبأ نفسه لمجاهدة نفسه،فأعلن عليها الحرب،وشهر ضدها السلاح،وصمم على مكافحة رعوناتها،ومناجزة شهواتها،فإذا أحبت الراحة أتعبها،وإذا رغبت في الشهوة حرمها،وإذا قصرت في طاعة أو خير عاقبها ولامها،ثم ألزمها بفعل ما قصرت فيه،وبقضاء ما فوتته أو تركته .
يأخذها بهذا التأديب حتى تطمئن،وتطهر،وتطيب،وتلك غاية المجاهدة للنفس.قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (69) سورة العنكبوت
والمؤمنون الذين جاهدوا أعداء الله،والنفس،والشيطان،وصبروا على الفتن والأذى في سبيل الله،سيهديهم الله سبل الخير،ويثبتهم على الصراط المستقيم،ومَن هذه صفته فهو محسن إلى نفسه وإلى غيره. وإن الله سبحانه وتعالى لمع مَن أحسن مِن خَلْقِه بالنصرة والتأييد والحفظ والهداية.
والمسلم إذ يجاهد نفسه في ذات الله لتطيب،وتطهر،وتزكو،وتطمئن،وتصبح أهلاً لكرامة الله تعالى ورضاه يعلم أن هذا هو درب الصالحين،وسبيل المؤمنين الصادقين،فيسلكه مقتدياً بهم،ويسير معه مقتفياً آثارهم .
فعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ - r- كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ « أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا ».فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ،فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ . .
أي مجاهدة أكبر من هذه المجاهدة وايم الله ؟!! .
وعَنْ عَلِيٍّ قَالَ:" لَيْسَ الْخَيْرُ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ وَوَلَدُكَ وَلَكِنَّ الْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ وَأَنْ يَعْظُمَ حِلْمُكَ وَأَنْ تُبَاهِيَ النَّاسَ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ،فَإِنْ أَحْسَنْتَ حَمِدْتَ اللَّهَ وَإِنْ أَسَأْتَ اسْتَغْفَرْتَ اللَّهَ وَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ:رَجُلٌ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَهُوَ يُدَارِكُ ذَلِكَ الذَّنْبَ بِتَوْبَةٍ أَوْ رَجُلٌ يَسَارِعُ فِي الْخَيْرَاتِ،وَلَا يَقِلُّ عَمَلٌ فِي تَقْوًى وَكَيْفَ يَقِلُّ عَمَلٌ يُتَقَبَّلُ ؟ كَانُوا بِالصَّحَابَةِ مُقْتَدِينَ وَلِسَبِيلِهِمْ مُتَّبِعِينَ يُصْبِحُونَ شُعْثًا غُبْرًا صُفْرًا بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ مِثْلُ رَكْبِ الْمَعِزَى بَاتُوا يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ يَمِيدُونَ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ كَمَا تَمِيدُ الشَّجَرَةُ فِي يَوْمِ رِيحٍ كَانُوا مَصَابِيحَ الْهُدَى،لَمْ يَكُونُوا بِالْجُفَاةِ الْمُرَائِينَ خَلَقُ الثِّيَابِ جُدُدُ الْقُلُوبِ،فِي الدُّنْيَا زَاهِدِينَ وَفِي الْآخِرَةِ رَاغِبِينَ،وَعَنِ اللَّهِ،فَهِمِينَ وَفِي قِرَاءَةِ كَلَامِهِ مُتَدَبِّرِينَ وَبِمَوَاعِظِهِ مُتَّعِظِينَ وَبِصَنَائِعِهِ مُعْتَبِرِينَ،اتَّخَذُوا الْأَرْضَ بِسَاطًا وَرِمَالَهَا فِرَاشًا وَالْقُرْآنَ وَالدُّعَاءَ دِثَارًا وَشِعَارًا عَبْدُوهُ فِي بُيوتٍ بِالْقُلُوبِ الطَّاهِرَةِ وَالْأَبْصَارِ الِخَاشِعَةِ،هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ فَقَامُوا لِلَّهِ بِحُجَّتِهِ وَتِبْيَانِهِ فَاسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ،صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى،فَهَذِهِ نُعُوتُ الْأَصْفِيَاءِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَالنُّجَبَاءِ مِنَ الْأَتْقِيَاءِ،مَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ مُقْتَدِيًا بِأَفْعَالِهِمْ مُرَاعِيًا لِأَحْوَالِهِمُ الْمُنْتَفِعُ بِرؤْيَتِهِ وَالْمَغْبُوطُ بِمَحَبَّتِهِ وَصُحْبَتِهِ "
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ،قَالَ:قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:لَيْسَ الْخَيْرُ أَنْ يَكثر مَالُك وَوَلَدُك،وَلَكِنَّ الْخَيْرَ أَنْ يَعْظُمَ حِلْمُك،وَأَنْ يَكْثُرَ عَمَلُك،وَأَنْ تُبَارِيَ النَّاسَ فِي عِبَادَةِ اللهِ،فَإِنْ أَحْسَنْت حَمِدْت اللَّهَ،وَإِنْ أَسَأْت اسْتَغْفَرْت اللَّهَ.
وعَنْ سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ،أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ:" لَوْلَا ثَلَاثٌ مَا أَحْبَبْتُ أَنْ أَعِيشَ يَوْمًا وَاحِدًا:الظَّمَأُ لِلهِ بِالْهَوَاجِرِ،وَالسُّجُودُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ،وَمُجَالَسَةُ قَوْمٍ يَنْتَقُونَ مِنْ خِيَارِ الْكَلَامِ،كَمَا يُنْتَقَى أَطَائِبُ التَّمْرِ "


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:15 PM

وعَنْ مِعْضَدٍ قَالَ:" لَوْلَا ظَمَأُ الْهَوَاجِرِ،وَطُولُ لَيْلِ الشِّتَاءِ،وَلَذَاذَةُ التَّهَجُّدِ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،مَا بَالَيْتُ أَنْ أَكُونَ يَعْسُوبَا "
وعَنْ أَبِي رَافِعٍ،قَالَ:وَجَّهَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَيْشًا إِلَى الرُّومِ،وَفِيهِمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r،فَأَسَرَهُ الرُّومُ فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى مَلِكِهِمْ،فَقَالُوا:إِنَّ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ،فَقَالَ لَهُ الطَّاغِيَةُ:هَلْ لَكَ أَنْ تَتَنَصَّرَ وَأُشِرِكُكَ فِي مُلْكِي وَسُلْطَانِي ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ:" لَوْ أَعْطَيْتَنِي جَمِيعَ مَا تَمْلِكُ،وَجَمِيعَ مَا مَلَكَتْهُ الْعَرَبُ - وَفِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ:وَجَمِيعَ مَمْلَكَةِ الْعَرَبِ - عَلَى أَنْ أرْجِعَ عَنْ دِينِ مُحَمَّدٍ rطَرْفَةَ عَيْنٍ،مَا فَعَلْتُ "،قَالَ:إِذًا أَقَتُلُكَ،قَالَ:" أَنْتَ وَذَاكَ "،قَالَ:فَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ،وَقَالَ لِلرُّمَاةِ:ارْمُوهُ قَرِيبًا مِنْ يَدَيْهِ قَرِيبًا مِنْ رِجْلَيْهِ وَهُوَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ،وَهُوَ يَأْبَى،ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُنْزِلَ،ثُمَّ دَعَا بِقِدْرٍ وَصَبَّ فِيهَا مَاءً حَتَّى احْتَرَقَتْ،ثُمَّ دَعَا بِأَسِيرَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ،فَأَمَرَ بِأَحَدِهِمَا فَأُلْقِيَ فِيهَا وَهُوَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيَّةَ وَهُوَ يَأْبَى،ثُمَّ أَمَرَ بِهِ أَنْ يُلْقَى فِيهَا،فَلَمَّا ذُهِبَ بِهِ بَكَى،فَقِيلَ لَهُ:إِنَّهُ بَكَى فَظَنَّ أَنَّهُ رَجَعَ،فَقَالَ:رُدُّوهُ فَعَرَضَ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيَّةَ فَأَبَى،قَالَ:فَمَا أَبْكَاكَ ؟ قَالَ:" أَبْكَانِي أَنِّي قُلْتُ هي نَفْسٌ وَاحِدَةٌ تُلْقَى هَذِهِ السَّاعَةَ فِي هَذَا الْقِدْرِ فَتَذْهَبُ،فَكُنْتُ أشْتَهِي أَنْ يَكُونَ بِعَدَدِ كُلِّ شَعَرَةٍ فِي جَسَدِي نَفْسٌ تَلْقَى هَذَا فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "،قَالَ لَهُ الطَّاغِيَةُ:هَلْ لَكَ أَنْ تُقَبِّلَ رَأْسِي وَأُخَلِّيَ عَنْكَ ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:" وَعَنْ جَمِيعِ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ ؟ " قَالَ:وَعَنْ جَمِيعِ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ،قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:" فَقُلْتُ فِي نَفْسِي عَدُوٌّ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ أُقَبِّلُ رَأْسَهُ ويُخَلِّي عَنِّي وَعَنْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ لَا أُبَالِي قال فَدَنَا مِنْهُ وَقَبَّلَ رَأْسَهُ "،فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْأُسَارَى،فَقَدِمَ بِهِمْ عَلَى عُمَرَ فَأُخْبِرَ عُمَرُ بِخَبَرِهِ،فَقَالَ:حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُقَبِّلَ رَأْسَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ،وَأَنَا أَبْدَأُ فَقَامَ عُمَرُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ "
وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " رَحِمَ اللَّهُ قَوْمًا يَحْسَبُهُمُ النَّاسُ مَرْضَى،وَمَا هُمْ بِمَرْضَى ".قَالَ الْحَسَنُ:" جَهَدَتْهُمُ الْعِبَادَةُ "
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيَّانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ rيَسْأَلَانِهِ،فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اللهِ،أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ ؟ قَالَ: " مَنْ طَالَ عُمْرُهُ،وَحَسُنَ عَمَلُهُ ".وَقَالَ الْآخَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ،فَمُرْنِي بِأَمْرٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ قَالَ: " لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "
وعَنْ أَصْبَغَ بْنِ زَيْدٍ،قَالَ:" كَانَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ إِذَا أَمْسَى يَقُولُ:هَذِهِ لَيْلَةُ الرُّكُوعِ فَيَرْكَعُ حَتَّى يُصْبِحَ،وَكَانَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَى:هَذِهِ لَيْلَةُ السُّجُودِ فَيَسْجُدُ حَتَّى يُصْبِحَ،وَكَانَ إِذَا أَمْسَى تَصَدَّقَ بِمَا فِي بَيْتِهِ مِنَ الْفَضْلِ مِنَ الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ ثُمَّ يَقُولُ:اللَّهُمَّ مَنْ مَاتَ جُوعًا فَلَا تُؤَاخِذْنِي بِهِ وَمَنْ مَاتَ عُرْيَانًا فَلَا تُؤَاخِذْنِي بِهِ "
وعَنْ قَمِيرٍ،امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ،قَالَتْ:" مَا كَانَ مَسْرُوقٌ يُوجَدُ إِلَّا وَسَاقَاهُ قَدِ انْتَفَخَتَا مِنْ طُولِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ،قَالَتْ:وَاللَّهِ،إِنْ كُنْتُ لِأَجْلِسُ خَلْفَهُ،فَأَبْكِي رَحْمَةً لَهُ "
وعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ،قَالَ:انْتَهَى الزُّهْدُ إِلَى ثَمَانِيَةِ مِنَ التَّابِعِينَ،مِنْهُمْ:عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،وَأُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ،وَهَرِمُ بْنُ حَيَّانَ،وَالرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ،وَأَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ،وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ،وَمَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ،وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ،رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.فَأَمَّا عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،إِنْ كَانَ لِيُصَلِّي،فَيَتَمَثَّلُ لَهُ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ الْحَيَّةِ،فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَمِيصِهِ حَتَّى يَخْرُجُ مِنْ جَيْبِهِ فَمَا يَمَسُّهُ،فَقُلْتُ لَهُ:أَلَا تُنَحِّي الْحَيَّةَ عَنْكَ ؟ قَالَ:أَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ أَخَافَ سِوَاهُ،فَقِيلَ لَهُ:إِنَّ الْجَنَّةَ تُدْرَكُ بِدُونِ مَا تَصْنَعُ،وَتُتَّقَى النَّارُ بِدُونِ مَا تَصْنَعُ،فَقَالَ:وَاللَّهِ لَأَجْهَدَنَّ،فَإِنْ نَجَوْتُ فَبِرَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَإِنْ دَخَلْتُ النَّارَ فَلِبُعْدِ جُهْدِي،فَلَمَّا احْتُضِرَ بَكَى،فَقِيلَ لَهُ:أَتَجْزَعُ مِنَ الْمَوْتِ،وَتَبْكِي،قَالَ:مَالِي لَا أَبْكِي،وَمَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي،وَاللَّهِ مَا أَبْكِي جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ وَلَا حِرْصًا عَلَى دُنْيَاكُمْ رَغْبَةً فِيهَا،وَلَكِنِّي أَبْكِى عَلَى ظَمَأِ الْهَوَاجِرِ وَقِيَامِ لَيْلِ الشِّتَاءِ،وَكَانَ يَقُولُ:ألهى فِي الدُّنْيَا الْهُمُومُ وَالْأَحْزَانُ،وَفِي الْآخِرَةِ الْحِسَابُ وَالْعَذَابُ،فَأَيْنَ الرَّوْحُ وَالْفَرَجُ.وَأَمَّا الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ،فَقِيلَ لَهُ حِينَ أَصَابَهُ الْفَالِجُ:لَوْ تَدَاوَيْتَ،قَالَ:قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الدَّوَاءَ حَقٌّ،وَلَكِنِّي ذَكَرْتُ:وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا،وَكَانَتْ فِيهِمُ الْأَوْجَاعُ وَكَانَتْ فِيهِمُ الْأَطِبَّاءُ،فَمَا بَقِيَ الْمُدَاوِي وَالْمُدَاوَى،وَقَالَ غَيْرُهُ:لَا النَّاعِتُ وَلَا الْمَنْعُوتُ لَهُ،وَقِيلَ لَهُ:أَلَا تُذَكِّرُ النَّاسَ،قَالَ:مَا أَنَا عَنْ نَفْسِي بِرَاضٍ،فَأَتَفَرَّغَ مِنْ ذَمِّهَا إِلَى ذَمِّ النَّاسِ،إِنَّ النَّاسَ خَافُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ،فِي ذُنُوبِ النَّاسِ وَأَصَرُّوا عَلَى ذُنُوبِهِمْ،قَالَ:فَقِيلَ لَهُ:كَيْفَ أَصْبَحْتَ ؟ قَالَ:أَصْبَحْنَا ضُعَفَاءَ مُذْنِبِينَ،نَأْكُلُ أَرْزَاقَنَا وَنَنْتَظِرُ آجَالَنَا قَالَ:وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا رَآهُ قَالَ:وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ.أَمَا لَوْ رَآكَ مُحَمَّدٌ rلَأَحَبَّكَ،وَكَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ يَقُولُ:أَمَّا بَعْدُ:فَأَعِدَّ زَادَكَ،وَخُذْ فِي جِهَازِكَ،وَكُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ.وَأَمَّا أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ،فَلَمْ يُجَالِسْ أَحَدًا قَطُّ فَتَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا،إِلَّا تَحَوَّلَ عَنْهُ،فَدَخَلَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ،فَنَظَرَ إِلَى قَوْمٍ قَدِ اجْتَمَعُوا،فَرْجَى أَنْ يَكُونُوا عَلَى ذِكْرٍ وَخَيْرٍ،فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ،فَإِذَا بَعْضُهُمْ يَقُولُ:قَدِمَ غُلَامٌ لِي فَأَصَابَ كَذَا وَكَذَا،وَقَالَ الْآخَرُ:جَهَّزْتُ غُلَامِي،فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ:سُبْحَانَ اللَّهِ أَتَدْرُونَ مَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ،كَرَجُلٍ أَصَابَهُ مَطَرٌ غَزِيرٌ وَابِلٌ،فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِمِصْرَاعَيْنِ عَظِيمَيْنِ فَقَالَ:لَوْ دَخَلْتُ هَذَا حَتَّى يَذْهَبَ عَنِّي هَذَا الْمَطَرُ،فَدَخَلَ فَإِذَا الْبَيْتُ لَا سَقْفَ لَهُ،جَلَسْتُ إِلَيْكُمْ وَأَنَا أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا عَلَى خَيْرٍ،فَإِذَا أَنْتُمْ أَصْحَابُ دُنْيَا.قَالَ لَهُ قَائِلٌ حِينَ كَبُرَ وَرَقَّ:لَوْ قَصَرْتَ عَنْ بَعْضِ مَا تَصْنَعُ،فَقَالَ:أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَرْسَلْتُمُ الْخَيْلَ فِي الْحَلْبَةِ،أَلَسْتُمْ تَقُولُونَ لِفَارِسِهَا:وَدِّعْهَا وَأَرْفَقْ بِهَا حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ الْ غَايَةَ،فَلَا تَسْتَبْقِ مِنْهُ شَيْئًا،قَالُوا:بَلَى،قَالَ:فَإِنِّي قَدْ أَبْصَرْتُ الْغَايَةَ،وَإِنَّ لِكُلِّ سَاعٍ غَايَةً،وَغَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ الْمَوْتُ،فَسَابِقٌ وَمَسْبُوقٌ.وَأَمَّا الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ،فَكَانَ مُجَاهِدًا فِي الْعِبَادَةِ،وَيَصُومُ حَتَّى يَصْفَرَّ جَسَدُهُ،وَيَخْضَرَّ،فَكَانَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ يَقُولُ لَهُ:لِمَ تُعَذِّبُ هَذَا الْجَسَدَ هَذَا الْعَذَابَ،فَيَقُولُ:إِنَّ الْأَمْرَ جِدٌّ،كَرَامَةُ هَذَا الْجَسَدِ أُرِيدُ،فَلَمَّا احْتُضِرَ،بَكَى،فَقِيلَ لَهُ:مَا هَذَا الْجَزَعُ قَالَ:مَالِي لَا أَجْزَعَ،وَمَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي،وَاللَّهِ لَوْ أَتَيْتُ بِالْمَغْفِرَةِ مِنَ اللَّهِ،لَهَمَّنِي الْحَيَاءُ مِنْهُ مِمَّا صَنَعْتُ،إِنَّ الرَّجُلَ لِيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجُلِ الذَّنْبُ الصَّغِيرُ،فَيَعْفُو عَنْهُ فَلَا يَزَالُ مُسْتَحِيًا مِنْهُ حَتَّى يَمُوتَ،وَلَقَدْ حَجَّ ثَمَانِينَ حَجَّةً.وَأَمَّا مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ،فَإِنَّ امْرَأَتَهُ قَالَتْ:مَا كَانَ يُوجَدُ إِلَّا وَسَاقَيْهِ قَدِ انْتَفَخَتَا مِنْ طُولِ الصَّلَاةِ،قَالَتْ:وَإِنْ كُنْتُ وَاللَّهِ لِأَجْلِسَ خَلْفَهُ فَأَبْكِي رَحْمَةً لَهُ،فَلَمَّا احْتُضِرَ بَكَى،فَقِيلَ لَهُ:مَا هَذَا الْجَزَعُ ؟ فَقَالَ:وَمَالِي لَا أَجْزَعَ وَإِنَّمَا هِيَ سَاعَةٌ،ثُمَّ لَا أَدْرِي أَيْنَ يُسْلَكُ بِي.وَأَمَّا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ،فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ كَانَ أَطْوَلَ حُزْنًا مِنْهُ،مَا كُنَّا نَرَى إِلَّا أَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِمُصِيبَةٍ،ثُمَّ قَالَ:نَضْحَكُ وَلَا نَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى اطَّلَعَ عَلَى بَعْضِ أَعْمَالِنَا فَقَالَ:لَا أَقْبَلُ مِنْكُمْ شَيْئًا،وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ،هَلْ لَكَ بِمُحَارَبِةِ اللَّهِ مِنْ طَاقَةٍ،إِنَّهُ مَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى،فَقَدْ حَارَبَهُ،وَاللَّهِ لَقَدْ أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ بَدْرِيًّا أَكْثَرُ لِبَاسِهِمُ الصُّوفُ،وَلَوْ رَأَيْتُمُوهُمْ،لَقُلْتُمْ:مَجَانِينُ،وَلَوْ رَأَوْا خِيَارَكُمْ،لَقَالُوا:مَا لِهَؤُلَاءِ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ خَلَاقٍ،وَلَوْ رَأَوْا شِرَارَكُمْ لَقَالُوا:مَا يُؤْمِنُ هَؤُلَاءِ بِيَوْمِ الْحِسَابِ،وَلَقَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانًا كَانَتِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَى أَحَدِهِمْ مِنَ التُّرَابِ تَحْتَ قَدَمِهِ،وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَقْوَامًا عَسَى أَنْ لَا يَجِدَ أَحَدُهُمْ عِشَاءً وَلَا قُوتًا،فَيَقُولُ:وَاللَّهِ،لَا أَجْعَلُ هَذَا كُلَّهُ فِي بَطْنِي،لَأَجْعَلَنَّ بَعْضَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،فَيُتَصَدَّقُ بِبَعْضِهِ،وَإِنْ كَانَ هُوَ أَحْوَجَ مِمَّنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ.قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ:فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْعِرَاقَ،أَرْسَلَ إِلَى الْحَسَنِ وَإِلَى الشَّعْبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،فَأَمَرَ لَهُمَا بِبَيْتٍ كَانَا فِيهِ شَهْرًا،أَوْ نَحْوَهُ،ثُمَّ إِنَّ الْخَصِيَّ غَدَا عَلَيْهِمَا فَقَالَ:إِنَّ الْأَمِيرَ دَاخِلٌ عَلَيْكُمَا،فَجَاءَ عُمَرُ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا لَهُ،فَسَلَّمَ،ثُمَّ جَلَسَ تَعْظِيمًا لَهُمَا فَقَالَ:إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ،يَكْتُبُ إِلَى كُتُبًا،أَعْرِفُ أَنَّ فِيَ إِنْفَاذِهَا الْهَلَكَةَ،فَإِنْ أَطَعْتُهُ عَصَيْتُ اللَّهَ،وَإِنَّ عَصَيْتُهُ أَطَعْتُ اللَّهَ تَعَالَى،فَهَلْ تَرَيَانِ لِي فِي مُتَابَعَتِي إِيَّاهُ فَرَجًا ؟ فَقَالَ الْحَسَنُ:يَا أَبَا عَمْرٍو،أَجِبِ الْأَمِيرَ،فَتَكَلَّمَ الشَّعْبِيُّ،فَانْحَطَّ فِي شَأْنِ ابْنِ هُبَيْرَةَ فَقَالَ:مَا تَقُولُ أَنْتَ يَا أَبَا سَعِيدٍ ؟ قَالَ:فَقَالَ:أَيُّهَا الْأَمِيرُ،قَدْ قَالَ الشَّعْبِيُّ مَا قَدْ سَمِعْتَ،قَالَ:مَا تَقُولُ أَنْتَ ؟ قَالَ:أَقُولُ:يَا عُمَرُ بْنَ هُبَيْرَةَ،يُوشِكُ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ مَلَكٌ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،فَظًا غَلِيظًا لَا يَعْصِي اللَّهَ مَا أَمَرَهُ،فَيُخْرِجُكَ مِنْ سَعَةِ قَصْرِكَ،فَصِرْتَ فِي ضِيقِ قَبْرِكَ،يَا عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ،إِنْ تَتَّقِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَعْصِمُكَ مِنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ،وَلَنْ يَعْصِمَكَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنَ اللَّهِ،يَا عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ،لَا تَأْمَنْ أَنْ يَنْظُرَ اللَّهُ إِلَى قُبْحِ مَا تَعْمَلُ فِي طَاعَةِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ،نَظْرَةَ مَقْتٍ،فَيُغْلِقَ بِهَا بَابَ الْمَغْفِرَةِ دُونَكَ،يَا عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ،لَقَدْ أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَانُوا - وَاللَّهِ - عَلَى الدُّنْيَا وَهِيَ مُقْبِلَةٌ أَشَدَّ إِدْبَارًا مِنْ إِقْبَالِكُمْ عَلَيْهَا وَهِيَ مُدْبِرَةٌ،يَا عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ،إِنِّي أُخَوِّفُكَ مَقَامًا خَوَّفَكَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقَالَ:ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ،يَا عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ،إِنَّ تَكُ مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى طَاعَتِهِ،كَفَاكَ اللَّهُ - وَاللَّهِ - يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ،وَإِنَّ تَكُ مَعَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى مَعَاصِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ،وَكَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ،فَبَكَى عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ،وَقَامَ بِعَبْرَتِهِ،فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَرْسَلَ إِلَيْهِمَا بِإِذْنِهِمَا،وَجَوَائِزِهِمَا،فَكَثَّرَ فِيهَا لِلْحَسَنِ،وَكَانَ فِي جَائِزَةِ الشَّعْبِيِّ بَعْضُ الْإِقْتَارِ،فَخَرَجَ الشَّعْبِيُّ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ:يَا مَعْشَرَ النَّاسِ مِنَ اسْتَطَاعَ أَنْ يُؤْثِرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خَلْقِهِ فَلْيَفْعَلْ،فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،مَا عَلِمَ الْحَسَنُ مِنْهُ شَيْئًا فَجَهِلْتُهُ،وَلَكِنِّي أَرَدْتُ وَجْهَ ابْنَ هُبَيْرَةَ،فَأَقْصَانِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ،وَكَانَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،مَعَ اللَّهِ فِي طَاعَتِهِ،فَحَيَّاهُ وَأَدْنَاهُ.قَالَ:فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ مُخَادِشٍ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى الْحَسَنِ فَقَالَ:كَيْفَ نَصْنَعُ بِمُجَالَسَةِ قَوْمٍ يُخَوِّفُونَا حَتَّى تَكَادَ قُلُوبُنَا تَطِيرُ ؟،فَقَالَ الْحَسَنُ:وَاللَّهِ لِأَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُخَوِّفُونَكَ،حَتَّى تُدْرِكَ أَمَّنَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُؤَمِّنُونَكَ حَتَّى تَلْحَقَكَ الْمَخَاوِفَ،فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ:أَخْبِرْنَا بِصِفَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r،فَبَكَى،ثُمَّ قَالَ:ظَهَرَتْ مِنْهُمْ عَلَامَاتُ الْخَيْرِ فِي السِّرِّ وَالسَّمْتِ وَالصِّدْقِ،وَحَسُنَتْ عَلَانِيَتُهُمْ بِالِاقْتِصَادِ،وَمَمْشَاهُمْ بِالتَّوَاضُعِ وَمَطْلَعُهُمْ بِالْفَصْلِ،وَطِيبُ مَطْعَمِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ بِالطَّيِّبِ مِنَ الرِّزْقِ،وَبَصَرُهَمْ بِالطَّاعَةِ،وَاسْتِعْدَادُهُمْ لِلْحَقِّ فِيمَا أَحَبُّوا وَكَرِهُوا،وَإِعْطَاؤُهُمُ الْحَقَّ مِنْ أَنْفُسِهِمْ لِلْعَدُوِّ وَالصَّدِيقِ،وَبِحِفْظِهِمْ فِي الْمِنْطَقِ مَخَافَةَ الْوِزْرِ،وَمُسَارَعَتِهِمْ فِي الْخَيْرِ رَجَاءَ الْأَجْرِ،وَالِاجْتِهَادِ لِلَّهِ تَعَالَى،وَمُزَاحَاتِهِمْ،وَكَانُوا أَوْصِيَاءَ أَنْفُسِهِمْ،ظَمِئَتْ هَوَاجِرُهُمْ،وَكَلَّتْ أَجْسَامُهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَاسْتَحَبُّوا سَخَطَ الْمَخْلُوقِينَ بِرِضَا خَالِقِهِمْ،لَمْ يُفَرِّطُوا فِي غَضِبٍ وَلَمْ يَخُوضُوا فِي جَوْرٍ،وَلَمْ يُجَاوِزُوا حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ،فَشَغَلُوا الْأَلْسُنَ بِالذِّكْرِ،بَذَلُوا لِلَّهِ تَعَالَى دِمَاءَهُمْ حِينَ اشْتَرَاهُمْ،وَبَذَلُوا لِلَّهِ أَمْوَالَهُمْ حِينَ اسْتَقْرَضَهُمْ،لَمْ يَكُنْ خَوْفُهُمْ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ،حَسُنَتْ أَخْلَاقُهُمْ وَهَانَتْ مَؤُنَتُهُمْ،كَفَاهُمُ الْيَسِيرُ مِنْ دُنْيَاهُمْ إِلَى آخِرَتِهِمْ.وَأَمَّا أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ،وَهَرِمُ بْنُ حَيَّانَ،فَإِنَّ أَهْلَهُ ظَنُّوا أَنَّهُ مَجْنُونٌ،فَبَنَوْا لَهُ بَيْتًا عِنْدَ بَابَ دَارِهِمْ،فَكَانَتْ تَأْتِي عَلَيْهِ السَّنَةُ وَالْسَنَتَانِ لَا يَرَوْنَ لَهُ وَجْهًا،فَكَانَ طَعَامُهُ مَا يَلْتَقِطُ مِنَ النَّوَى،فَإِذَا أَمْسَى بَاعَهُ لِإِفْطَارِهِ،وَإِذَا أَصَابَ حَشَفَةً حَبَسَهَا لِإِفْطَارِهِ،فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:أَيُّهَا النَّاسُ،قُومُوا بِالْمَوْسِمِ،فَقَامُوا فَقَالَ:أَلَا اجْلِسُوا إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ،فَجَلَسُوا فَقَالَ:أَلَا اجْلِسُوا إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ،فَجَلَسُوا فَقَالَ:أَلَا اجْلِسُوا إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ مُرَادٍ،فَجَلَسُوا فَقَالَ:أَلَا اجْلِسُوا إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ قَرَنٍ،فَجَلَسُوا إِلَّا رَجُلٌ،وَكَانَ ابْنُ عَمِّ أُوَيْسِ بْنِ أَنَسٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:أَقَرَنِيٌّ أَنْتَ ؟ قَالَ:نَعَمْ،فَقَالَ:تَعْرِفُ أُوَيْسًا ؟ فَقَالَ:وَمَا تَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ،يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،فَوَاللَّهِ،مَا فِينَا أَحْمَقُ مِنْهُ،وَلَا أَجَنُّ مِنْهُ،وَلَا أَحْوَجُ مِنْهُ،فَبَكَى عُمَرُ،ثُمَّ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلُ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ ".قَالَ هَرِمُ بْنُ حَيَّانَ:فَلَمَّا بَلَغَنِي ذَلِكَ قَدِمْتُ الْكُوفَةَ،فَلَمْ يَكُنْ لِي هَمٌّ إِلَّا طَلَبَهُ،حَتَّى سَقَطْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ نِصْفَ النَّهَارِ يَتَوَضَّأُ،فَعَرَفْتُهُ بِالنَّعْتِ الَّذِي نُعِتَ لِي،فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ لَحِيمٌ آدَمُ شَدِيدُ الْأَدَمَةِ أَشْعُرُ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ،مَهِيبٌ الْمَنْظَرِ،وَزَادَ غَيْرُهُ قَالَ:كَانَ رَجُلًا أَشْهَلَ أَصْهَبَ عَرِيضَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ وَفِي عُنُقِهِ الْيُسْرَى وَضَحٌ،وَضَارِبٌ بِلِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ،نَاصِبٌ بَصَرَهُ،فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ،فَرَدَّ عَلَيَّ،فَنَظَرَ إِلَيَّ وَمَدَدْتُ يَدِي لِأُصَافِحَهُ فَأَبَى أَنْ يُصَافِحَنِي،فَقُلْتُ:يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا أُوَيْسُ وَغَفَرَ لَكَ،رَحِمَكَ اللَّهُ،كَيْفَ أَنْتَ،رَحِمَكَ اللَّهُ،ثُمَّ خَنَقَتْنِي الْعَبْرَةُ مِنْ حُبِّي إِيَّاهُ،وَرِقَّتِي عَلَيْهِ،لِمَا رَأَيْتُ مِنَ حَالَتِهِ،حَتَّى بَكَيْتُ وَبَكَى قَالَ:وَأَنْتَ حَيَّاكَ اللَّهُ يَا هَرِمُ بْنُ حَيَّانَ،كَيْفَ أَنْتَ يَا أَخِي مَنْ دَلَّكَ عَلَيَّ ؟ فَقُلْتُ:اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ،فَقَالَ:لَا إِلَهُ إِلَّا اللَّهُ،سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا،فَقُلْتُ لَهُ:مِنْ أَيْنَ عَرَفْتَ اسْمِي وَاسْمَ أَبِي،وَمَا رَأَيْتُكَ قَبْلَ الْيَوْمِ قَالَ:أَنْبَأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ،عَرَفَتْ رُوحِي رُوحَكَ حِينَ كَلَّمَتْ نَفْسِي نَفْسَكَ،إِنَّ الْأَرْوَاحَ لَهَا أَنْفَاسٌ كَأَنْفَاسِ الْأَجْسَادِ،وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا،وَيَتَحَابُونَ بِرُوحِ اللَّهِ تَعَالَى،وَلَوْ لَمْ يَلْتَقُوا وَيَتَعَارَفُوا،وَإِنْ نَأَتْ بِهِمُ الدَّارُ،وَتَفَرَّقَتْ بِهِمُ الْمَنَازِلُ،فَقُلْتُ:حَدَّثَنِي،يَرْحَمُكُ اللَّهُ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ rفَقَالَ:إِنِّي لَمْ أَرْ رَسُولَ اللَّهِ،وَلَمْ يَكُنْ لِي مَعَهُ صُحْبَةٌ،بِأَبِي وَأُمِّي رَسُولُ اللَّهِ r،وَلَكِنْ قَدْ رَأَيْتُ رِجَالًا قَدْ أَدْرَكُوهُ،وَلَسْتُ أُحِبُّ أَنْ أَفْتَحَ هَذَا الْبَابَ عَلَى نَفْسِي أَنْ أَكُونَ مُحَدِّثًا،أَوْ قَاصًّا،أَوْ مُفْتِيًا،فِي نَفْسِي شُغْلٌ عَنِ النَّاسِ،فَقُلْتُ:أَيْ أَخِي،اقْرَأْ عَلَيَّ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،أَسْمَعْهَا مِنْكَ،أَوْ أَوْصِنِي بِوَصِيَّةٍ أَحْفَظْهَا عَنْكَ،فَإِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،قَالَ:فَأَخَذَ بِيَدِي،ثُمَّ قَالَ:أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَالَ رَبِّي وَأَحَقُّ الْقَوْلِ،قَوْلُ رَبِّي،وَأَصْدَقُ الْحَدِيثِ حَدِيثُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ،ثُمَّ قَرَأَ:وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ،مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ إِلَى قَوْلِهِ:الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ،فَشَهِقَ شَهْقَةً،فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَأَنَا أَحْسَبُهُ قَدْ غُشِيَ عَلَيْهِ قَالَ:يَا ابْنَ حَيَّانَ،مَاتَ أَبُوكَ،يَا ابْنَ حَيَّانَ،وَيُوشِكُ أَنْ تَمُوتَ فَإِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ،وَإِمَّا إِلَى النَّارِ،وَمَاتَ أَبُوكَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ،وَمَاتَتْ أُمُّكَ حَوَّاءُ،يَا ابْنَ حَيَّانَ،وَمَاتَ نُوحُ نَبِيُّ اللَّهِ r،وَمَاتَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ،مَاتَ مُوسَى نَجِيُّ الرَّحْمَنِ،وَمَاتَ دَاوُدُ خَلِيفَةُ الرَّحْمَنِ،وَمَاتَ مُحَمَّدٌ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ،وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ r،وَمَاتَ أَخِي وَصَدِيقِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،فَقُلْتُ:يَرْحَمُكَ اللَّهُ،إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَمُتْ،قَالَ:بَلَى،قَدْ نَعَاهُ رَبِّي إِلَى نَفْسِي،وَأَنَا وَأَنْتَ فِي الْمَوْتَى،ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَدَعَا بِدَعَوَاتٍ خِفَافٍ،ثُمَّ قَالَ:هَذِهِ وَصِيَّتِي إِيَّاكَ،كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَنَعْي الْمُرْسَلِينَ،وَنَعْي صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ،فَعَلَيْكَ بِذِكْرِ الْمَوْتِ،فَلَا يُفَارِقُ قَلْبَكَ طَرَفَةَ عَيْنٍ مَا بَقِيتَ،وَأَنْذِرْ قَوْمَكَ إِذَا رَجَعْتَ إِلَيْهِمْ،وَانْصَحَ الْأُمَّةَ جَمِيعًا،وَإِيَّاكَ أَنْ تُفَارِقَ الْجَمَاعَةَ،فَتُفَارِقَ دِينَكَ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ،فَتَدْخُلَ النَّارَ،وَادْعُ لِي فِي نَفْسِكِ،ثُمَّ قَالَ:اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي فِيكَ،وَزَارَنِي فِيكَ،فَعَرِّفْنِي وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ،وَأَدْخِلْهُ عَلَيَّ فِي دَارِكَ،دَارِ السَّلَامِ،وَاحْفَظْهُ مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا حَيًّا،وَأَرْضِهِ مِنَ الدُّنْيَا بِالْيَسِيرِ،وَاجْعَلْهُ لِمَا أَعْطَيْتَهُ مِنْ نِعَمِكَ مِنَ الشَّاكِرِينَ،وَاجْزِهِ عَنِّي خَيْرًا،ثُمَّ قَالَ:السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ،لَا أَرَاكُ بَعْدَ الْيَوْمِ،رَحِمَكَ اللَّهُ،فَإِنِّي أَكْرَهُ الشُّهْرَةَ،وَالْوِحْدَةُ أَعْجَبُ إِلَيَّ لِأَنِّي كَثِيرُ الْغَمِّ مَا دُمْتُ مَعَ هَؤُلَاءِ النَّاسِ حَيًّا،فَلَا تَطْلُبْنِي،وَلَا تَسْأَلْ عَنِّي،وَاعْلَمْ أَنَّكَ مِنِّي عَلَى بَالٍ،وَإِنْ لَمْ أَرَكَ وَتَرَانِي،فَاذْكُرْنِي وَادْعُو لِي،فَإِنِّي سَأَدْعُو لَكَ،وَأَذْكُرُكَ،إِنْ شَاءَ اللَّهُ،انْطَلِقْ أَنْتَ هَاهُنَا حَتَّى آخُذَ أَنَا هَاهُنَا،فَحَرَجْتُ عَلَيْهِ أَنْ أَمْشِيَ مَعَهُ سَاعَةً،فَأَبَى عَلَيَّ،فَفَارَقْتُهُ أَبْكِي وَيَبْكِي،فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي قَفَاهُ حَتَّى دَخَلَ فِي بَعْضِ السِّكَكِ،ثُمَّ سَأَلْتُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ،وَطَلَبْتُهُ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ،رَحْمَهُ اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُ،وَمَا أَتَتْ عَلَيَّ جُمُعَةٌ إِلَّا وَأَنَا أَرَاهُ فِي مَنَامِي مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ "



منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:17 PM

-5-آدابُ الاستيقاظ

الاستيقاظ بعد النوم آية من آيات الله الباهرة الدالة على قدرة الله تعالى،وهي تشبه آيات البعث بعد الموت،وقد سمى الله تعالى النوم وفاة والاستيقاظ من بعده بعثا ونشورا قال تعالى:{ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)} الزمر.
وقال سبحانه:{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً (47)} الفرقان.
والاستيقاظ بعد النوم استئناف للحياة بعد تعطيلها. وفتح صفحة بيضاء جديدة يسطرها المرء خلال نهاره،يبدؤها باستيقاظه ويختمها بمنامه،ويودعها كتاب أعماله لتعرض عليه يوم الحساب قال تعالى:{ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (60)} الأنعام.
وهو سبحانه الذي يقبض أرواحكم بالليل بما يشبه قبضها عند الموت،ويعلم ما اكتسبتم في النهار من الأعمال،ثم يعيد أرواحكم إلى أجسامكم باليقظة من النوم نهارًا بما يشبه الأحياء بعد الموت; لتُقضى آجالكم المحددة في الدنيا،ثم إلى الله تعالى معادكم بعد بعثكم من قبوركم أحياءً،ثم يخبركم بما كنتم تعملون في حياتكم الدنيا،ثم يجازيكم بذلك.
وعَنْ قَتَادَةَ،قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: " ابْنَ آدَمَ طَأِ الْأَرْضَ بِقَدَمِكَ،فَإِنَّهَا عَنْ قَلِيلٍ تَكُونُ قَبْرَكَ،ابْنَ آدَمَ إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ فَكُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ،ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ فِي هَرَمِ عُمُرِكَ مُنْذُ يَوْمَ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ "
وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ:" ابْنَ آدَمَ إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ وَكُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ "
وعن الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ،قَالَ:سَمِعْتُ الْحَسَنَ،يَقُولُ:" ابْنَ آدَمَ طأِ الْأَرْضَ بِقَدَمِكَ فَإِنَّهَا عَنْ قَلِيلٍ،قَبْرُكَ،إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ فِي هَدْمِ عُمُرِكَ مُنْذُ سَقَطْتَ مِنْ بَطْنِ أُمِّكَ "
وإذا كان الاستيقاظ ابتداء للحياة اليومية الرتيبة فينبغي على المسلم أن يجعل افتتاح يومه،وابتداء عمله،صلة بخالقه،وذكرا لرازقه،وشكرا لولي نعمته الذي تولى حفظه ورعايته خلال نومه،قال تعالى:{قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ} (42) سورة الأنبياء.
وخلال هذه الساعات الأولى من نهاره،والتي يكون فيها ذهنه صافيا،وعقله متوقدا وجسمه نشيطا،يخطط لنهاره وما ينبغي أن يعمله من عمل صالح يرضي الله تعالى،ويعود بالخير والصلاح عليه،وعلى الناس أجمعين.
وهذه جملة من الآداب الإسلامية المتعلقة بهذا الموضوع:
الاجتهاد في أن يكون الاستيقاظ باكرا قبل طلوع الفجر،وذلك لتحصيل الفوائد الروحية،واكتساب العادات الصحية،واعتنام أوقات الصفاء والنقاء للعبادة أو الدراسة.
قال الله تعالى في وصف عباده المتقين:{ كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} الذاريات.
عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: بَاكِرُوا طَلَبَ الرِّزْقِ،فَإِنَّ الْغُدُوَّ بَرَكَةٌ وَنَجَاحٌ. ". رواه الطبراني.
أن يكون أول ما يجري على القلب والفكر واللسان ذكر الله تعالى وتوحيده،والدعاء بما ورد عن النبي r.قال تعالى:{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25)} الإنسان.
وعَنْ عَائِشَةَ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،عَنِ النَّبِيِّ rقَالَ:" مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ حِينَ رَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ رُوحَهُ:لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ". رواه ابن السني.
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا،أَنَّ النَّبِيَّ r: " كَانَ إِذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ،وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ،وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ،وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " .
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- كَانَ إِذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ قَالَ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كَافِىَ لَهُ وَلاَ مُئْوِىَ ».
وعَنِ الْبَرَاءِ،أَنَّ النَّبِيَّ rكَانَ إِذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ وَقَالَ:اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ،أَوْ تَجْمَعُ عِبَادَكَ.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ،أَنَّ النَّبِيَّ rكَانَ إِذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ،وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ،وَقَالَ:اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:أَنَّ رَسُولَ اللهِ rكَانَ إِذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ قَالَ:اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبَّ الأَرَضِينَ،وَرَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ،فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى،مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ،أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ،أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ،وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ،وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ،وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ،اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنَ الْفَقْرِ.
وعَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ r: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ rكَانَ إِذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ اضْطَجَعَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى،ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،وَكَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِأَكْلِهِ،وَشُرْبِهِ،وَوُضُوئِهِ،وَثِيَابِهِ،وَيَ جْعَلُ شِمَالَهُ لِسِوَى ذَلِكَ،وَكَانَ يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ،الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ،وَالِاثْنَيْنِ مِنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى "
وعَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rكَانَ إِذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ،قَالَ: " اللهُمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصرِي وَعَقْلِي وَاجْعَلْهَا الْوَارِثَ مِنِّي،وَانْصرْنِي عَلَى عَدُوِّي،وَأَرِنِي مِنْهُ ثَأْرِي.اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ،وَمَنَ الْجُوعِ،فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ ".قَالَت: ثُمَّ يَضْطَجِعُ."
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - r- إِذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ قَالَ « بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا ».وَإِذَا قَامَ قَالَ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ».رواه البخاري.
المبادرة بعد الاستيقاظ إلى الطهارة والوضوء والصلاة،وجعل هذه الأعمال فاتحة النهار بعد الذكر والدعاء،وتجنّب الانشغال عنها بأي عمل آخر.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r- قَالَ « يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ،يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ،فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ،فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ،فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ،وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ ».متفق عليه.
تجنّب المكوث في الفراش والتقلب فيه بعد الاستيقاظ،استجلابا للأفكار والأحلام،واستغراقا في الخيال والأوهام.
تجنب التكاسل عن القيام إلى الصلاة لبرد أو تعب أو نعاس،لأن ذلك كله شعور كاذب تسوِّله النفس الأمارة بالسوء،ويزول بمخالفتها.
تجنب العودة إلى النوم بعد طلوع الفجر،أو التسويف في أداء الصلاة لوجود متسع من الوقت،لأن ذلك من وحي الشيطان ليضيع على المسلم صلاة الفجر.
قال تعالى في وصف عباده المؤمنين:{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16)} السجدة.
غسل الفم وتنظيف الأسنان بالطريقة الصحيحة المفيدة بعد الاستيقاظ من النوم،وتكون إما بالسواك وهو الأفضل،أو بالفرشاة والمعجون،وهي عادة تطيب الفم،وتحافظ على الأسنان.
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - r- إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ.متفق عليه.
التزام الهدوء والسكينة أثناء الحركة بعد القيام،وتجنب إزعاج أحد من الأهل أو الجيران.
الحذر من الخروج المفاجئ من المكان الدافئ إلى المكان البارد،وخاصة بعد الاستيقاظ مباشرة،إلا بعد الاحتياط في اللباس.
التزام الرقة واللطف وخفض الصوت أثناء إيقاظ الآخرين،وذلك بالتذكير بتوحيد الله وأن الصلاة خير من النوم،فإن أبى أحد القيام تركه وأعاد عليه بعد قليل.
فتح الأبواب والنوافذ المغلقة في غرفة النوم بعد الاستيقاظ،لتجديد الهواء وجريانه فيه.
إعادة ترتيب السرير،وطيّ الفراش بعد تهويته وذكر اسم الله عليه،وتجنب ترك السرير ولوازم النوم مبعثرة بشكل غير لائق،إذ ليس من الأدب والمروءة اعتماد المسلم على غيره وخاصة في إنجاز أعماله اليومية،وأموره الشخصية.

____________



منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:19 PM

-6-آدابُ قضاء الحاجة

التخلِّي هو طرد فضلات الجسم الضارة المؤذية عن طريق التبول أو التبرز وهو نعمة من الله تعالى ليبقى الجسم خاليا من الأمراض والأسقام،ولذلك كان حريّا بالمرء أن يشكر الله على هذه النعمة كما ورد عن النبي rفعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها،حَدَّثَتْهَا،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ: " إِنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَقُمْ عَنْ خَلَاءٍ قَطُّ إِلَّا،قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ،وَأَبْقَى مْنَفَعَتَهُ فِي جَسَدِي،وَأَخْرَجَ عَنِّي أَذَاهُ ".
الاستغفار بعد الخروج اعتراف بالقصور عن بلوغ حق شكر نعمة الطعام والاستفادة من منافع الغذاء وتسهيل خروج الأذى لسلامة البدن من الآلام..
وفي كل شيء للمسلم عبرة وذكرى تورثه خشية من الله وحياء منه،ومحبه له وشكرا..
عن عمرو أن أبا بكر قال:« استحيوا من الله ؛ فإني لأدخل الكنف فأغطي رأسي حياء من الله ».
وبذلك يكون دخول المسلم لقضاء حاجته تفكرا وعبرة،وإماطة الأذى عنه فضلا ورحمة..
هذا ولدخول الخلاء آداب كثيرة فصلتها كتب الفقه،وهي تقسم إلى قسمين: قسم فيما لو كان في البنيان وقسم فيما لو كان في الصحراء.
ونكتفي أن نتناول بعض ما أتى من الآداب الخاصة بالتخلي في البنيان:
الاستئذان قبل الدخول إلى بيت الخلاء،وعدم الدخول إلا بعد التأكد من خلوه،وذلك بقرع الباب والانتظار لبعض الوقت،وخاصة في دورات المياه العامة.
تقديم الرجل اليسرى في الدخول،وتقديم اليمنى في الخروج،والدعاء بما ورد عن النبي r.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - r- إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ قَالَ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ »متفق عليه.
وقال يُوسُفُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ:سَمِعْتُ أبِي يَقُولُ:دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها،فَسَمِعْتُهَا تَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللهِ rإذَا خَرَجَ مِنَ الْغَائِطِ قَالَ:غُفْرَانَك.
وعَنْ أَبِي عَلِيٍّ ؛ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَقُولُ إذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ:الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الأَذَى،وَعَافَانِي.
وعَنْ طَاوُوسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إذَا خَرَجَ أَحَدُكُمْ مِنَ الْخَلاَءِ فَلْيَقُلِ:الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي مَا يُؤْذِينِي،وَأَمْسَكَ عَلَيَّ مَا يَنْفَعُنِي.
وعَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ قَالَ:الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاطَ عَنِّي الأَذَى،وَعَافَنِي.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ -r- إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ قَالَ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنِّى الأَذَى وَعَافَانِى ». رواه ابن ماجه.
التخفف من الثياب قبل الدخول إلى الخلاء،والانتباه إلى طهارة ما يلبسه أثناء التخلي والتحرز من إصابتها بالنجاسة.
تجنّب استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة تعظيما لها.
فعَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r- « إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلاَ يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلاَ يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ،شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا » البخاري.
تجنّب استصحاب شيء عليه اسم الله تعالى أو القرآن الكريم أو آيات منه.
التأكد من إغلاق باب بيت الخلاء،وعدم تركه مفتوحا،والإشارة لمن أراد الدخول بقرع الباب من الداخل لينتظر.
تجنّب كشف الثياب قبل الانتهاء إلى موضع قضاء الحاجة وإغلاق الباب.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ:أَنَّ النَّبِىَّ -r- كَانَ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً لاَ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الأَرْضِ. ". رواه أبو داود.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -r- قَالَ :« مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتْرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ يَجْمَعُهُ ثُمَّ يَسْتَدْبِرُهُ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ يَلْعَبُونَ بِمَقَاعِدِ بَنِى آدَمَ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ ».
وعَنْ أَبِي سَعْدِ الْخَيْرِ،وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عُمَرَ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنِ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ،وَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ،وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ،وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ،وَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ،وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ،وَمَنْ أَكَلَ فَمَا تَخَلَّلَ فَلْيَلْفِظْ،وَمَنْ لاَكَ بِلِسَانِهِ فَلْيَبْتَلِعْ،مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ،وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ،وَمَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ،فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا فَلْيَسْتَدْبِرْهُ،فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ،مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ،وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ.
غض البصر وتجنب النظر إلى العورة،فإن الله تعالى أحق أن يستحيا منه.
تجنب الكلام أثناء التخلي أو السلام أو رده أو الذكر الجهري.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى النَّبِىِّ -r- وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ..
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلا مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ rوَهُوَ يَبُولُ أَوْ يَتَوَضَّأُ،فَسَلَّمَ عَلَيْهِ،فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى فَرَغَ.
وعَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ،أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ rوَهُوَ يَبُولُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى فَرَغَ.
وعَنْ هِلاَلِ بْنِ عِيَاضٍ،قَالَ:حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rقَالَ:لاَ يَخْرُجِ الرَّجُلاَنِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَانِ عَوْرَتَهُمَا يَتَحَدَّثَانِ،فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ. رواه أحمد.
تجنب البول لئلا يصيبه رشاش البول.
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- بَالَ قَائِمًا فَلاَ تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إِلاَّ جَالِسًا..
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ rبَالَ قَائِمًا بَعْدَ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْفُرْقَانُ فَلاَ تُصَدِّقْهُ،مَا بَالَ قَائِمًا مُنْذُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْفُرْقَانُ.
وهناك رخصة في البول قائما لضرورة أو عذر أو مرض.
فعَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ،أَنَّ جَرِيرًا،بَالَ قَائِمًا،ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ،وَصَلَّى،فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ،فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ rأَنَّهُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ.
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ رَأَيْتُنِى أَنَا وَالنَّبِىُّ - r- نَتَمَاشَى،فَأَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ،فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ،فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ،فَأَشَارَ إلى فَجِئْتُهُ،فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ ..
وعَنْ أَبِي وَائِلٍ،قَالَ:كَانَ أَبُو مُوسَى يُشَدِّدُ فِي الْبَوْلِ،وَيَقُولُ:إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا أَصَابَ جِلْدَ أَحَدِهِمْ بَوْلٌ قَرَضَهُ بِالْمِقْرَاضِ،فَقَالَ حُذَيْفَةُ:لَوَدِدْتُ أَنَّ صَاحِبَكُمْ لاَ يُشَدِّدُ هَذَا التَّشْدِيدَ،لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنَا وَرَسُولُ اللهِ rنَتَمَاشَى،فَأَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ،فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ،فَبَالَ،قَالَ:فَاسْتَتَرْتُ مِنْهُ،فَأَشَارَ إِلَيَّ،فَجِئْتُ،فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ.
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: " رَأَيْتُ النَّبِيَّ rبَالَ وَهُوَ قَائِمٌ،عَلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ،ثُمَّ أُتِيَ بِوَضُوءٍ،فَتَوَضَّأَ،وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ "
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ الْبَوْلِ قَائِمًا،وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلَهُ عَنْ عَائِشَةَ ; لِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ إِنَّمَا فِيهِ مَنْ حَدَّثَكَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ،بَالَ قَائِمًا بَعْدَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ،فَلَا تُصَدِّقْهُ.أَيْ: أَنَّ الْقُرْآنَ،لَمَّا نُزِلَ عَلَيْهِ أُمِرَ فِيهِ بِالطَّهَارَةِ،وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ،وَالتَّحَرُّزِ مِنْهَا.فَلَمَّا رَأَتْ عَائِشَةُ ذَلِكَ،وَعَلِمَتْ تَعْظِيمَ رَسُولِ اللهِ r; لِأَمْرِ اللهِ،وَكَانَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهَا،أَنَّ مَنْ بَالَ قَائِمًا،لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْ إِصَابَةِ الْبَوْلِ ثِيَابَهُ وَبَدَنَهُ،قَالَتْ ذَلِكَ،وَلَيْسَ فِيهِ حِكَايَةٌ مِنْهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ rيُوَافِقُ ذَلِكَ.ثُمَّ جَاءَ حُذَيْفَةُ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ rبِالْمَدِينَةِ،بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ،يَبُولُ قَائِمًا.فَثَبَتَ بِذَلِكَ إِبَاحَةُ الْبَوْلِ قَائِمًا،إِذَا كَانَ الْبَائِلُ فِي ذَلِكَ يَأْمَنُ مِنَ النَّجَاسَةِ عَلَى بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ .
غسل اليد قبل البدء بالاستنجاء بها لئلا يتشرب مسام الجلد الماء النجس.
القيام بالاستنجاء والطهارة باستعمال اليد اليسرى.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « لاَ يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ وَلاَ يَتَمَسَّحْ مِنَ الْخَلاَءِ بِيَمِينِهِ وَلاَ يَتَنَفَّسْ فِى الإِنَاءِ ».
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ،أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ أَخْبَرَهُ،عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ:إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِِنَاءِ،وَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلاَءَ فَلاَ يَسْتَنْجِيَنَّ بِيَمِينِهِ وقَالَ أَبُو عَامِرٍ:وَلاَ يَمَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ.
الاطمئنان إلى زوال النجاسة،واستكمال الطهارة الشرعية.قال تعالى:{ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} البقرة.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ ».
تنظيف مكان الخلاء بعد قضاء الحاجة حتى لا يبقى أثر ولا رائحة.
غسل اليدين بالماء والصابون بعد الخروج مباشرة.
_____________


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:20 PM

-7-آداب الوضوء

الوضوء شرط لصحة الصلاة قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (6) سورة المائدة.
وهو تطهير للأعضاء الظاهرة بالماء تمهيدا للدخول في الصلاة،واستعدادا لمناجاة الله تعالى،وعلامة على تطهير الجوارح من الخطايا والذنوب،وتنظيف القلب مما يشغل عن الله تعالى من الغفلات والمحرمات،ويحجب عن تلقفي أنواره وفيوضاته وعلومه اللدنية وحكمته الالهية..
قال أحد العلماء: اعلم أنك إذا توضأت فإنك ستزور ربك عز وجل فعليك أن تتوب إليه،لأنه جعل الغسل بالماء مقدمة للغسل من الذنوب. فإذا تمضمضت فطهر لسانك من الكذب والغيبة والنميمة،فإنما خلق لسانك لذكر الله تعالى وتلاوة القرآن،ولترشد به خلقه وتظهر به ما في نفسك من حاجات دينك ودنياك،فإذا استعملته في غير ما خلق له فقد كفرتَ نعمة الله فيه،فإن جوارحك نعمة،والاستعانة بالنعم على المعاصي غاية الكفران،فإذا استنشقت فطهر أنفك من أن تشم محرما،فإذا ظهرت وجهك فطهر نظرك من ثلاث: أن تنظر إلى محرم،أو إلى مسلم بعين الاحتقار،أو إلى عيب أحد فإنما خُلقت العينان لتهتدي بهما في الظلمات،وتستعين بهما في الحاجات،وتنظر بهما إلى عجائب ملكوت الأرض والسموات،فتعتبر بهما بما تراه من الآيات..
وإذا طهرت يديك بالماء فطهرهما من أن تؤذي بهما مسلما،أو تتناول مالا محرما،أو تكتب بهما ما لا يجوز النطق به،فإن القلم أحد اللسانين فاحفظه عما يجب حفظ اللسان عنه،وإذا مسحت رأسك فاعلم أن مسحه امتثال لأمر الله،والخضوع لجلاله،والتذلل بين يديه،وإظهار الافتقار إليه،وإذا طهرت بين رجليك فطهرهما من المشي إلى حرام،فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " مَا مِنْ عَبْدٍ يَخْطُو خُطْوَةً إِلَّا سُئِلَ عَنْهَا مَا لَذَاذَتُهَا ". رواه أبو نعيم في الحلية.
هذا هو الوضوء الصالح،فعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ ». رواه مسلم
وهذه طائفة من الآداب الإسلامية في الوضوء.
ابتداء الوضوء بتسمية الله تعالى .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ وَلاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تعالى عَلَيْهِ ». رواه أبو داود.
الهدوء وحضور القلب أثناء الوضوء،لأن السكينة والخشوع في الوضوء مقدمة للخشوع في الصلاة.
استعمال السواك عند كل وضوء،لأنه مطهرة للفم،مرضاة للرب.
عَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ r،قَالَ:لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ مَعَ الْوُضُوءِ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ:لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ الْوُضُوءِ،وَلَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إلى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ شَطْرِ اللَّيْلِ.
تجنب الكلام والضحك واللعب بالماء أثناء الوضوء.
تجنب لطم الوجه والرأس بالماء لطما.
تجنب نفض اليدين بعد الوضوء ورش الماء.
الحرص على إسباغ الوضوء زيادة على الفرائض،إلى العضدين وأنصاف السوق،وخاصة في أوقات البرد،لأنه نور المؤمن وحليته يوم القيامة.
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إلى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ». رواه مسلم.
وعَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ قَالَ رَقِيتُ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ،فَتَوَضَّأَ فَقَالَ إِنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ - r- يَقُولُ « إِنَّ أُمَّتِى يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ،فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ » .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: تَرِدُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ سِيمَا أُمَّتِي لَيْسَ لأَحَدٍ غَيْرِهَا.
وعَنْ أَبِى حَازِمٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ أَبِى هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ فَكَانَ يَمُدُّ يَدَهُ حَتَّى تَبْلُغَ إِبْطَهُ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا هَذَا الْوُضُوءُ فَقَالَ يَا بَنِى فَرُّوخَ أَنْتُمْ هَا هُنَا لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ هَا هُنَا مَا تَوَضَّأْتُ هَذَا الْوُضُوءَ سَمِعْتُ خَلِيلِى -r- يَقُولُ « تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ ». رواه مسلم.
الانتباه إلى تبليغ الوضوء،وإيصال الماء إلى ثنايا الجلد والأعقاب وبين الأصابع.
فعَنْ جَابِرٍ أَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلاً تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ فَأَبْصَرَهُ النَّبِىُّ -r- فَقَالَ « ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ ». فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى.
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ قَتَادَةَ بْنَ دِعَامَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إلى النَّبِىِّ -r- وَقَدْ تَوَضَّأَ وَتَرَكَ عَلَى قَدَمَيْهِ مِثْلَ مَوْضِعِ الظُّفْرِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -r- « ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ ». رواه أبو داود
قال الإمام النووي رحمه الله : " وأما الدعاء على أعضاء الوضوء،فلم يجئ فيه شئ عن النبي rوقد قال الفقهاء:يستحب فيه دعوات جاءت عن السلف،وزادوا ونقصوا فيها..
الدعاء بما ورد عن النبي r:
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ،قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ rخُدَّامَ أَنْفُسِنَا نَتَنَاوَبُ الرِّعْيَةَ رِعْيَةَ إِبِلِنَا فَكُنْتُ عَلَى رِعْيَةِ الإِبِلِ،فَرُحْتُهَا بِعَشِيٍّ،فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ rيَخْطُبُ النَّاسَ،فَسَمِعْتُهُ،يَقُولُ:مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ،ثُمَّ يَقُومُ فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ،يُقْبِلُ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ،فَقَدْ أَوْجَبَ ,قَالَ:فَقُلْتُ:مَا أَجْوَدَ هَذِهِ،فَقَالَ رَجُلٌ:الَّذِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ،فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،قُلْتُ:مَا هُوَ يَا أَبَا حَفْصٍ ؟ قَالَ:إِنَّهُ،قَالَ آنِفًا،قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ:مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ وَضُوئِهِ:أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،إِلاَّ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ لَهُ،يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ " .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ:مَنْ تَوَضَّأَ فَقَالَ:أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ،فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ.
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِى مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِى مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ ». رواه الترمذي.
وعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ،قَالَ:كَانَ عَلِيٌّ إذَا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ،قَالَ:أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،رَبِّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ،وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ.
يستحب صلاة ركعتين بعد كل وضوء إن لم يكن وقت صلاة راتبة.
فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ». رواه أبو داود.
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rقَالَ:مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ،ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ،مُقْبِلٌ بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ.(قَالَ:فَقُلْتُ:مَاَ أَجْوَدُ هَذِهِ)،فَقَالَ عُمَرُ:مَا قَبْلَهَا أَكْثَرُ مِنْهَا،كَأَنَّك جِئْتَ آنِفًا ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ تَوَضَّأَ فَقَالَ:أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ،يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ.
الاعتدال في استخدام الماء،وتجنب صب الماء من غير حاجة،أو الزيادة في الغسل على ثلاث مرات. فهو إشراف.عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي،أَنَّ النَّبِيَّ rمَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ،فَقَالَ:مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ ؟ قَالَ:أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ ؟ قَالَ:نَعَمْ،وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ.
المحافظة على الوضوء بعد كل حدث،لأن الوضوء هو السلاح الروحي للمؤمن،فهو يستديم عليه ليدفع عن نفسه الشرور والغفلات،والآثام والمحرمات،وليكون مستعدا للصلاة وتلاوة القرآن.
عن كَثِيرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَبي هَاشِمٍ النَاجِيِّ،قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا،يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ r: " يَا بُنَيَّ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ أَبَدًا عَلَى وُضُوءٍ فَافْعَلْ،فَإِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ إِذَا قَبَضَ رُوحَ الْعَبْدِ وَهُوَ عَلَى وَضُوءٍ كَتَبَ لَهُ شَهَادَةً " ،وعَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الْبَجَلِىِّ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْوُضُوءِ فَقَالَ كَانَ النَّبِىُّ -r- يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ وَكُنَّا نُصَلِّى الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ.

_____________


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:21 PM

-8-آداب الصلاة

الصلاة عماد الدين،من أقامها فقد أقام الدين،ومن تركها فقد هدم الدين،وهي العبادة اليومية لكل مسلم يدخل بها على ربه كل يوم خمس مرات في صلة وثيقة،وارتباط عميق،وولاء كامل،مناجيا خالقه مقبلا عليه إقبال العبد الفقير على سيده الغني الكبير،مستمدا منه المعون والرحمة والهداية والعطاء،قائما وراكعا وساجدا بين يديه في لحن سماوي خالد. تتجاوب مع أصدائه جنبات الكون كله ليصبح للمسلم معبدا ومصلى يرجّع معه ذكر الله عز وجل {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (44) سورة الإسراء. {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} (41) سورة النــور 41.
هذه هي الصلاة التي أرادها الله عز وجل ووصفها رسول الله r،فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعالى:إِنَّمَا تُقْبَلُ الصَّلاةُ مِمَّنْ تَوَاضَعَ بِهَا لِعَظَمَتِي،وَلَمْ يَسْتَطِلْ عَلَى خَلْقِي،وَلَمْ يَبِتْ مُصِرًّا عَلَى مَعْصِيَتِي،وَقَطَعَ نَهَارَهُ فِي ذِكْرِي،وَرَحِمَ الْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالأَرْمَلَةَ،وَرَحِمَ الْمُصَابَ،ذَاكَ نُورُهُ كَنُورِ الشَّمْسِ،أَكْلؤُهُ بِعِزَّتِي،وَأَسْتَحْفِظُهُ مَلائِكَتِي،أَجْعَلُ لَهُ فِي الظُّلْمَةِ نُورًا،وَفِي الْجَهَالَةِ حِلْمًا،وَمَثَلُهُ فِي خَلْقِي كَمَثَلِ الْفِرْدَوْسِ فِي الْجَنَّةِ ". رواه البزار.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r-:" الصَّلَاةُ ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ:الطَّهُورُ ثُلُثٌ،وَالرُّكُوعُ ثُلُثٌ،وَالسُّجُودُ ثُلُثٌ،فَمَنْ أَدَّاهَا بِحَقِّهَا قُبِلَتْ مِنْهُ وَقُبِلَ مِنْهُ سَائِرُ عَمَلِهِ وَمَنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ رُدَّ عَلَيْهَا سَائِرُ عَمَلِهِ ".رَوَاهُ الْبَزَّارُ
وهي أول ما يحاسب عليه العبد فقد قال r:
فعَنْ حُرَيْثِ بْنِ قَبِيصَةَ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِى جَلِيسًا صَالِحًا. قَالَ فَجَلَسْتُ إلى أَبِى هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ إِنِّى سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِى جَلِيسًا صَالِحًا فَحَدِّثْنِى بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -r- لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِى بِهِ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ « إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَىْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِى مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ ».
وَعَنْ أَنَسٍ،عَنِ النَّبِيِّ - r- قَالَ:" أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ،فَإِنْ صَلَحَتْ صَلَحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ،وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ r،قَالَ:أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُحَاسَبُ بِصَلاَتِهِ،فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ،وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ.
وهي آخر وصية وصّى بها رسول الله rأمته وهو يفارق هذه الدنيا لاحقا بالرفيق الأعلى،فعَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ rحِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ:الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.حَتَّى جَعَلَ رَسُولُ اللهِ rيُغَرْغِرُ بِهَا صَدْرُهُ،وَمَا يَكَادُ يُفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ.
وهي أول صفات المتقين:{ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} البقرة 2-3.
وهي الحد الفاصل بين الإيمان والكفر،فعَنْ أَبِى سُفْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -r- يَقُولُ « إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاَةِ ».رواه مسلم.
وعن جَابِرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: " بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ " .
لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ جُحُودًا وَاسْتِخْفَافًا كَافِرٌ مُرْتَدٌّ،يُحْبَسُ لِلاِسْتِتَابَةِ وَإِلاَّ يُقْتَل.وَقَدْ ذَكَرُوا:أَنَّ تَرْكَ الصَّلاَةِ يَحْصُل بِتَرْكِ صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ يَخْرُجُ وَقْتُهَا دُونَ أَدَائِهَا مَعَ الإِْصْرَارِ عَلَى ذَلِكَ
وَمَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ كَسَلاً وَتَهَاوُنًا مَعَ اعْتِقَادِ وُجُوبِهَا يُدْعَى إِلَيْهَا،فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى تَرْكِهَا فَفِي عُقُوبَتِهِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ :
الْقَوْل الأَْوَّل:يُحْبَسُ تَارِكُ الصَّلاَةِ كَسَلاً ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لِلاِسْتِتَابَةِ وَإِلاَّ قُتِل حَدًّا لاَ كُفْرًا،وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَوَكِيعٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ .
الْقَوْل الثَّانِي:يُحْبَسُ تَارِكُ الصَّلاَةِ كَسَلاً ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لِلاِسْتِتَابَةِ وَإِلاَّ قُتِل كُفْرًا وَرِدَّةً،حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ مَنْ جَحَدَهَا وَأَنْكَرَهَا لِعُمُومِ حَدِيثِ:بَيْنَ الرَّجُل وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ وَهَذَا قَوْل عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ .
الْقَوْل الثَّالِثُ:يُحْبَسُ تَارِكُ الصَّلاَةِ كَسَلاً وَلاَ يُقْتَل بَل يُضْرَبُ فِي حَبْسِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ،وَهُوَ الْمَنْقُول عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وهي دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء} (40) سورة إبراهيم 40.
ووصية الأنبياء والمرسلين: {.. وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} (31) سورة مريم.
وعَنْ وَهْبٍ ؛ قَالَ:أَوْحَى اللهُ تَبَارَكَ وَتعالى إلى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ:هَبْ لِي مِنْ قَلْبِكَ الْخُشُوعَ،وَمِنْ بَدَنِكَ الْخُضُوعَ،وَمِنْ عَيْنَيْكَ الدُّمُوعَ،وَادْعُنِي ؛ فَإِنِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ "
هذا وللصلاة آداب نجمل بعضها فيما يلي:
الإقبال على الصلاة برغبة ومحبة،وبهمة ونشاط،وبشوق لمناجاة الله عز وجل. قال تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} (152) سورة البقرة
تحسين الهيئة قبل الدخول في الصلاة،باختيار الملابس النظيفة والتعطر والتسوك.
قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف.
قضاء الحوائج الهامة والأعمال الضرورية قبل الصلاة،لتفريغ القلب مما سوى الله عز وجل.
عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ،وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ،حَدَّثَاهُ،أَنَّ عَائِشَةَ،حَدَّثَتْهُمَا قَالَتْ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ:لاَ يَقُومُ أَحَدُكُمْ إلى الصَّلاَةِ وَهُوَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلاَ هُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ الْغَائِطُ وَالْبَوْلُ.
وعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ،قَالَ:كَانَ بَيْنَ عَائِشَةَ وَبَيْنَ بَعْضِ بَنِي أَخِيهَا شَيْءٌ،فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَلَمَّا جَلَسَ جِيءَ بِالطَّعَامِ،فَقَامَ إلى الْمَسْجِدِ فَقَالَتْ لَهُ:اجْلِسْ غُدَرُ،فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ:لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ،وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ.
وعَنِ ابْنِ أَبِى عَتِيقٍ قَالَ تَحَدَّثْتُ أَنَا وَالْقَاسِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - حَدِيثًا وَكَانَ الْقَاسِمُ رَجُلاً لَحَّانَةً وَكَانَ لأُمِّ وَلَدٍ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ مَا لَكَ لاَ تَحَدَّثُ كَمَا يَتَحَدَّثُ ابْنُ أَخِى هَذَا أَمَا إِنِّى قَدْ عَلِمْتُ مِنْ أَيْنَ أُتِيتَ. هَذَا أَدَّبَتْهُ أُمُّهُ وَأَنْتَ أَدَّبَتْكَ أُمُّكَ - قَالَ - فَغَضِبَ الْقَاسِمُ وَأَضَبَّ عَلَيْهَا فَلَمَّا رَأَى مَائِدَةَ عَائِشَةَ قَدْ أُتِىَ بِهَا قَامَ. قَالَتْ أَيْنَ قَالَ أُصَلِّى. قَالَتِ اجْلِسْ. قَالَ إِنِّى أُصَلِّى. قَالَتِ اجْلِسْ غُدَرُ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ « لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ ». رواه مسلم.
لزوم السكينة والوقار،والهدوء والأناة عند الاقبال لأداء الصلاة.فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « إِذَا ثُوِّبَ لِلصَّلاَةِ فَلاَ تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إلى الصَّلاَةِ فَهُوَ فِى صَلاَةٍ »..
وعن أبي هُرَيْرَةَ،قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ،فَلاَ تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَائْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ،فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا،فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَ يَعْمِدُ إلى الصَّلاَةِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللهِ} [الجمعة] وَقَالَ r: فَلاَ تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ فَالسَّعْيُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ بِهِ هُوَ الْمَشْيُ إلى الصَّلاَةِ عَلَى هَيْنَةِ الإِنْسَانِ،وَالسَّعْيُ الَّذِي نَهَى رَسُولُ اللهِ rعَنْهُ هُوَ الاِسْتِعْجَالُ فِي الْمَشْيِ ؛ لأَنَّ الْمَرْءَ تُكْتَبُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إلى الصَّلاَةِ حَسَنَةٌ فَذَلِكَ مَا وَصَفْتُ،يَعْنِي فِي تَرْجَمَةِ نَوْعِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ تُوقِعَ فِي لُغَتِهَا الاِسْمَ الْوَاحِدَ عَلَى الشَّيْئَيْنِ الْمُخْتَلِفِي الْمَعْنَى فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا مَأْمُورًا بِهِ وَالآخَرُ مَزْجُورًا عَنْهُ .
الدخول في الصلاة بتوجه القلب إلى الله عز وجل،وسكون الأطراف والجوارح،ولزوم التواضع والخشوع بين يدي الله تعالى،والتذلل والهيبة والخضوع لعظمة الله عز وجل،قال تعالى:{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} المؤمنون.
تجنّب الالتفات والشرود،والضحك والعبث بالثوب أو باليدين أثناء الصلاة.
عَنْ عَطَاءٍ قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:" إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَا يَلْتَفِتْ،إِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ،إِنَّ رَبَّهُ أَمَامَهُ،وَإِنَّهُ يُنَاجِيهِ " قَالَ:" وَبَلَغَنَا أَنَّ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتعالى يَقُولُ:يَا ابْنَ آدَمَ،إلى مَنْ تَلْتَفِتُ ؟ أَنَا خَيْرٌ لَكَ مِمَّنْ تَلْتَفِتُ إِلَيْهِ "
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:سُئِلَ رَسُولُ اللهِ rعَنِ الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ،فَقَالَ:إِنَّمَا هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ الْعَبْدِ. رواه البخاري.
النظر إلى موضع السجود مطرقا مفكرا،وتجنب رفع البصر إلى السماء.
عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ النَّبِيَّ r،قَالَ:مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلى السَّمَاءِ فِي صَلاَتِهِمْ،فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ:لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ،أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ. رواه البخاري.
التعقل والتفكر والتدبر لمعاني الآيات والأذكار،وتجنب الغفلة والسهو في الصلاة.
قال تعالى:{ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} الماعون.
فَالوَيْلُ والعَذَابُ لِمَنْ يُؤَخِّرُونَ أَدَاءَ الصَّلاَةِ عَنْ وَقْتِهَا،وَالوَيْلُ لِلَّذِينَ يُؤَدُّونَ الصَّلاَةَ بأَجْسَامِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ،وَقُلُوبُهُمْ غَائِبَةٌ بَعِيدَةٌ عَنِ الخُشُوعِ،وَعَنْ تَدَبُّرِ مَعَانِي مَا يَقْرَؤُونَ.فَيُؤَخِّرُونَ أَدَاءَ الصَّلاَةِ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ يُصَلُّونَ وَقُلُوبُهُم بَعِيدَةٌ عَنِ الخُشُوعِ فَلاَ يَكُونَ لِلصَّلاَةِ أَثَرٌ فِي نُفُوسِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ .
عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلاَّ عُشْرُ صَلاَتِهِ تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا ». رواه أبو داود.
الإطمئنان في أداء الصلاة،وتجنب العجلة في أركانها وحركاتها.
عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ فَدَعَا بِطَهُورٍ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ « مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاَةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ ». رواه مسلم.
مدافعة السعال والتثاؤب والعطاس والجشاء،أثناء الصلاة ما استطاع وخفض الصوت بها إن صدرت.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:سَمِعْتُ النَّبِيَّ rيَقُولُ:إِنَّ التَّثَاؤُبَ فِي الصَّلاَةِ مِنَ الشَّيْطَانِ،فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَكْظِمْ..
الإسراع في أداء الصلاة أول الوقت،وعدم تأخيرها إلى آخر الوقت تكاسلا بلا عذر.
قال تعالى في وصف المنافقين: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَإلى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} (54) سورة التوبة
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ - r- أَىُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ « الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا،وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ،ثُمَّ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » ..
الجلوس في المصلى عقب كل صلاة للاستغفار والذكر والدعاء.
عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ قَالَ « جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرُ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ ». رواه الترمذي.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -r- « مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِى دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ». رواه مسلم.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،أَنَّ النَّبِيَّ rأَخَذَ بِيَدِهِ يَوْمًا،ثُمَّ قَالَ:يَا مُعَاذُ إِنِّي لأُحِبُّكَ.فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ:بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ وَأَنَا أُحِبُّكَ.قَالَ:أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ أَنْ تَقُولَ:اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ..
يستحب انتظار الصلاة بعد الصلاة،كانتظار صلاة العشاء بعد أداء صلاة المغرب واعتنام هذا الوقت بالذكر أو قراءة القرآن وحفظه أو طلب العلم وحضور مجالسه.
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r- قَالَ « الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّى عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِى مُصَلاَّهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ،اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ.لاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِى صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ،لاَ يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إلى أَهْلِهِ إِلاَّ الصَّلاَةُ » متفق عليه.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « لاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِى صَلاَةٍ مَا دَامَ يَنْتَظِرُهَا وَلاَ تَزَالُ الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّى عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِى الْمَسْجِدِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَمَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ.
المحافظة على أداء السنن التابعة للفرائض،وعدم التهاون بها والترخيص في تركها،لأنها زيادة في التقرب إلى الله تعالى،وجبران لما نقص من الفرائض.
وعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -r- أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ « مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّى لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلاَّ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ أَوْ إِلاَّ بُنِىَ لَهُ بَيْتٌ فِى الْجَنَّةِ ». قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ فَمَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ. وَقَالَ عَمْرٌو مَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ. وَقَالَ النُّعْمَانُ مِثْلَ ذَلِكَ. رواه مسلم.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ عَبْدُ اللهِ:قَالَ أَبِي وَلَمْ يَرْفَعْهُ:قَالَ:مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي فِي يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا،إِلاَّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ.
المحافظة على أداء الصلوات مع الجماعة وفي أقرب مسجد.
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا ». .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً ».
تحصيل ثمرات الصلاة من ذكر الله على الدوام،ومراقبته وخشيته في جميع الأحوال،والانتهاء عن الفحش في القول،والمنكر في العمل،قال تعالى:{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (14) سورة طـه.
إِنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ لِلْمُكَلَّفِ هُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللهَ تعالى وَاحِدٌ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ،لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَهُوَ رَبُّ المَخْلُوقَاتِ وَخَالِقُهَا،وَالمُتَصَرِّفُ فِيهَا،فَقُمْ يَا مُوسَى بِعِبَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ شَرِيكٍ،وَأَدِّ الصَّلاَةَ عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ الَّذِي أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ،بِكَامِلِ شُرُوطِهَا لِتَذْكُرَ بِهَا رَبَّكَ.وَتَدْعُوهُ دُعاءً خَالِصاً لاَ يَشُوبُهُ إِشْرَاكٌ .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ نَبِىُّ اللَّهِ -r- « مَنْ نَسِىَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا ».
وعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - r- قَالَ « مَنْ نَسِىَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا،لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلاَّ ذَلِكَ ».( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِى ) قَالَ مُوسَى قَالَ هَمَّامٌ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِى )
وقال عز وجل: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (45) سورة العنكبوت.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن يَزِيدَ،قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:"مَنْ لَمْ تَأْمُرْهُ صَلاتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلا بُعْدًا". رواه الطبراني.

_____________


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:22 PM

-9-آداب الطعام

الطعام نعمة إلهية كبرى. لفت الله سبحانه نظر الإنسان إليها في كثير من الآيات القرآنية لينظر فيها ويعتبر،ويعرف قدرها ويشكر الرازق الكريم:{ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إلى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29) وَحَدَائِقَ غُلْباً (30) وَفَاكِهَةً وَأَبّاً (31) مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)} عبس.
فليتدبر الإنسان: كيف خلق الله طعامه الذي هو قوام حياته؟ أنَّا صببنا الماء على الأرض صَبًّا،ثم شققناها بما أخرجنا منها من نبات شتى،فأنبتنا فيها حبًا،وعنبًا وعلفًا للدواب،وزيتونًا ونخلا وحدائق عظيمة الأشجار،وثمارًا وكلأ تَنْعَمون بها أنتم وأنعامكم.
وقال تعالى :{وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)} يس.
وَمِنَ الدَّلاَئِل عَلَى وُجُودِ اللهِ تعالى،وَقُدْرَتِهِ التَّامَّةِ عَلَى إِحْيَاءِ المَوْتَى،أَنَّ الأَرْضَ تَكُونَ مَيْتَةً هَامِدَةً لاَ نَبَاتَ فِيهَا وَلاَ حَيَاةَ،فَيُنْزِلُ اللهُ المَطَرَ عَلَيْهَا فَتَرْتَوي،وَتَهْتَزُّ تُرْبَتُهَا،وَتَعْلُو بِمَا يَتَحَرَّكُ فِي بَاطِنِها مِنْ بُذُورِ النَّبَاتَاتِ الآخِذَةِ فِي النَّبتِ والنُّمُوِّ،ثُمَّ يُخْرِجُ اللهُ مِنْ هَذَا النَّبَاتِ حَبّاً يَأْكُلُهُ النَّاسُ والأَنْعَامُ .
وَأَنْشَأَ اللهُ فِي هَذِهِ الأَرْضِ التي أَحْيَاهَا بِالمَطَرِ بَسَاتِينَ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ،وَفَجَّرَ العُيُونَ فِيهَا فَأَخَذَتِ المِيَاهُ تَنْسَابُ فِي جَنَبَاتِهَا .لِيَأْكُلُوا مِنْ ثِمَارِ هَذِهِ البَسَاتِينِ،وَلاَ فَضْلَ لَهُمْ فِي إِنْبَاتِهَا وَإِخْرَاجِهَا مِنَ الأَرْضِ،أَفَلاَ يَشْكُرُونَ خَالِقَ هَذِهِ النِّعَمِ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ؟
هذا وإن الكافر يعيش ليأكل ويعب من اللذائذ والشهوات ويحصل على المتع الجسدية الفانية،أما المؤمن فإنه يأكل ليعيش،وليتقوى على طاعة الله،ويعيش ليعبد ربه ويعمل الصالحات،ولذلك فقد أمر الله رسله فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (51) سورة المؤمنون 51.
وأمر عباده المؤمنين بمثل ذلك فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (172) سورة البقرة.
هذا وللطعام آداب كثيرة نذكر منها ما يلي:
غسل اليدين قبل الطعام وبعده:
فعَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ: إِنَّ بَرَكَةَ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ،فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ rفَقَالَ: " إِنَّ بَرَكَةَ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ " قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَيْسَ هَذَا بِالْقَوِيِّ،وَكَانَ سُفْيَانُ يَكْرَهُ الْوُضُوءَ قَبْلَ الطَّعَامِ ..
التسمية في أول الطعام ثم استحضار النية من الأكل،والدعاء بالمأثور،فعنِ ابْنِ أَعْبُدَ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " يَا ابْنَ أَعْبُدَ مَا حَقُّ الطَّعَامِ ؟ " قُلْتُ: مَا هُوَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ ؟ قَالَ: " حَقُّ الطَّعَامِ إِذَا وُضِعَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ أَنْ تَقْنَعَ "،وَتَقُولَ: " بِسْمِ اللهِ اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقْتَنَا "
وعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تعالى فَإِنْ نَسِىَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تعالى فِى أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ».. رواه أبو داود.
وعَنْ هِشَامٍ،قَالَ:كَانَ أَبِي لاَ يُؤْتَى بِطَعَامٍ وَلاَ شَرَابٍ،حَتَّى الشَّرْبَةَ مِنَ الدَّوَاءِ،فَيَطْعَمُهُ،أَوْ يَشْرَبُهُ حَتَّى يَقُولَ:الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا،وَأَطْعَمَنَا،وَسَقَانَا وَنَعَّمَنَا،اللَّهُ أَكْبَرُ،اللَّهُمَّ أَلْفَتْنَا نِعْمَتُكَ بِكُلِّ شَرٍّ،وَأَصْبَحْنَا وَأَمْسَيْنَا مِنْهَا بِكُلِّ خَيْرٍ،نَسْأَلُك تَمَامَهَا وَشُكْرَهَا،لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُك،وَلاَ إِلَهَ غَيْرُك،إِلَهَ الصَّالِحِينَ،وَرَبَّ الْعَالَمِينَ،الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ،لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،مَا شَاءَ اللَّهُ،لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ،اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقْتنَا،وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ؛ أَنَّهُ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ،قَالَ:اللَّهُمَّ أَشْبَعْتَ وَأَرْوَيْتَ فَهَنِّئْنَا،وَرَزَقْتَنَا فَأَكْثَرْتَ وَأَطْيَبْتَ فَزِدْنَا.
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ؛ أَنَّهُ قَالَ:إِذَا وُضِعَ الطَّعَامُ فَسَمَّيْتَ فَكُلِّ مَا جِيءَ بِهِ،فَإِنَّهُ يُجْزِئُك التَّسْمِيَةُ الأُولَى.
الأكل من الطعام الحلال الطيب،والحذر من الطعام الحرام كالمسروق والمشبوه والمأخوذ حياء.
قال تعالى:{ فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)} النحل.
فعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ: " كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ "
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ،فَأَتَاهُ غُلَامٌ لَهُ بِطَعَامٍ،فَأَهْوَى إلى لُقْمَةٍ فَأَكَلَهَا،ثُمَّ سَأَلَهُ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ قَالَ: كُنْتُ قِسًّا لِلْقَوْمِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،فَأَوْعَدُونِي،فَأَطْعَمُونِي هَذَا،يَعْنِي الْيَوْمَ،فَقَالَ: لَا أَرَاكَ إِلَّا أَطْعَمَتْنِي مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ،ثُمَّ أَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ فَتَقَيَّأَ،ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ: " أَيُّمَا لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ،فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ "
وعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ r: " يَا كَعْبُ كَيْفَ بِكَ إِذَا كَانَ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ ؟ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَا أَنَا مِنْهُ،وَلَا يَرِدُ عَلَيَّ حَوْضِي،يَا كَعْبُ،إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ،وَلَا دَمٌ نَبَتَا مِنْ سُحْتٍ كُلُّ لَحْمٍ وَدَمٍ نَبَتَا مِنْ سُحْتٍ،فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ،يَا كَعْبُ،النَّاسُ رَجُلَانِ غَادِيَانِ،وَرَائِحَانِ غَادٍ فِي فَكَاكِ رَقَبَتِهِ فَمُعْتِقُهَا،وَغَادٍ فَمُوبِقُهَا،يَا كَعْبُ،الصَّلَاةُ بُرْهَانٌ،وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ،وَالصَّدَقَةُ تُذْهِبُ الْخَطِيئَةَ،كَمَا تَذْهَبُ الْجَامِدَةُ عَلَى الصَّفَا "
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ r: -:يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ،إِنَّ اللَّهَ أَبَى عَلَيَّ أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ لَحْمًا نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ،فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ"
وعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ كَانَ لأَبِى بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ،وَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ،فَجَاءَ يَوْمًا بِشَىْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلاَمُ تَدْرِى مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ قَالَ كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ فِى الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ،إِلاَّ أَنِّى خَدَعْتُهُ،فَلَقِيَنِى فَأَعْطَانِى بِذَلِكَ،فَهَذَا الَّذِى أَكَلْتَ مِنْهُ.فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَىْءٍ فِى بَطْنِهِ .
وعَنِ الْقَاسِمِ قَالَ:كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يَأْتِيهُ بِكِسْرَتِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ فَيَسْأَلُهُ عَنْهَا:مِنْ أَيْنَ أَصَبْتَهُ ؟ قَالَ:أَصَبْتُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا،فَأَتَى لَيْلَةً بِكَسْبِهِ وَأَبُو بَكْرٍ قَدْ طَالَ صِيَامُهُ فَنَسِيَ أَنْ يَسْأَلَهُ،فَوَضَعَ يَدَهُ فَأَكَلَ،فَقَالَ الْغُلَامُ لِأَبِي بَكْرٍ:كُنْتَ تَسْأَلُنِي كُلَّ لَيْلَةٍ عَنْ كَسْبِي إِذَا جِئْتُكَ،فَلَمْ أَرَ سَأَلْتَنِي عَنْ كَسْبِي اللَّيْلَةَ،قَالَ:فَأَخْبِرْنِي مِنْ أَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ:كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِقَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،فَلَمْ يُعْطُونِي أَجْرَ كَهَانَتِي،حَتَّى كَانَ الْيَوْمُ فَلَقِيتُهُمُ الْيَوْمَ فَأَعْطَوْنِي،وَإِنَّمَا كَانَ كَذْبَةً،قَالَ:فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ أُصْبُعَهُ فِي حَلْقِهِ فَجَعَلَ يَتَقَيَّأُ،قَالَ:فَذَهَبَ الْغُلَامُ إلى النَّبِيِّ rفَأَخْبَرَهُ،فَقَالَ النَّبِيُّ r: " هِيهِ،أَكْذَبْتَ أَبَا بَكْرٍ "،قَالَ:فَضَحِكَ،أَحْسَبُهُ قَالَ:ضَحِكًا شَدِيدًا،وَقَالَ:" وَيْحَكَ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ يَكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَهُ إِلَّا طَيِّبٌ " .
الأكل من الطعام الجيد النظيف،والحذر من تناول الطعام الملوث أو المكشوف،أو تناول الخضار والفواكه إلا بعد غسلها بشكل جيد،فعَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانَ،قَالَ:سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ،يَقُولُ:إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطِّيبَ،نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ،كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرْمَ،جَوَّادٌ يُحِبُّ الْجُودَ،فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَسَاحَاتِكُمْ وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ،يَجْمَعُونَ الأَكْبَاءَ فِي دُورِهِمْ "
الأكل باليد اليمنى،وبثلاث أصابع منها يلعقها قبل مسحها أو غسلها.
فعنْ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- كَانَ يَأْكُلُ بِثَلاَثِ أَصَابِعَ فَإِذَا فَرَغَ لَعِقَهَا."
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ rكَانَ إِذَا أَكَلَ لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلاَثَ.
وعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ،قَالَ:قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ r: اجْلِسْ يَا بُنَيَّ وَسَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ قَالَ:فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ أَكْلَتِي بَعْدُ.
الأكل مما يلي من الطعام،دون مد اليد إلى ما كان في جوار الآخرين،أو إلى وسط الإناء.
فعن وَهْبَ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِى سَلَمَةَ يَقُولُ كُنْتُ غُلاَمًا فِى حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ - r- وَكَانَتْ يَدِى تَطِيشُ فِى الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - r- « يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ،وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ».فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِى بَعْدُ "متفق عليه.
تصغير اللقمة،وإجادة المضغ،وعدم تناول لقمة أخرى قبل الفراغ من تناول اللقمة السابقة وابتلاعها.
تجنب النفخ في الطعام الحار،وعدم تناول الأطعمة شديدة الحرارة وشديدة البرودة،وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -r- يَنْفُخُ فِى طَعَامٍ وَلاَ شَرَابٍ وَلاَ يَتَنَفَّسُ فِى الإِنَاءِ ».
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rنَهَى عَنِ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ،أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا ثَرَدَتْ غَطَّتْهُ شَيْئًا،حَتَّى يَذْهَبَ فَوْرُهُ،ثُمَّ تَقُولُ: إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - r- يَقُولُ: إِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ.
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ:أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا أُتِيَتْ بِثَرِيدٍ أَمَرَتْ بِهِ فَغُطِّىَ حَتَّى يَذْهَبَ فَوْرَةُ دُخَانِهِ وَتَقُولُ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ :« هُوَ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ ».
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:"أَبْرِدُوا بِالطَّعَامِ،فَإِنَّ الطَّعَامَ الْحَارَّ غَيْرُ ذِي بَرَكَةٍ".
تجنب الاقتراب بالفم فوق الإناء،لئلا يسقط فيه من الفم شيء.
الجلوس إلى الطعام باعتدال،وتجنب الأكل متكئا أو مائلا أو واقفا أو مضطجعا أو ماشيا.
فعَنْ عَلِىِّ بْنِ الأَقْمَرِ سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r- « لاَ آكُلُ مُتَّكِئًا » رواه البخاري.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ:أُهْدِىَ إلى رَسُولِ اللَّهِ -r- شَاةٌ وَالطَّعَامُ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ فَقَالَ لأَهْلِهِ :« أَصْلِحُوا هَذِهِ الشَّاةَ وَانْظُرُوا إلى هَذَا الْخُبْزِ فَاثْرُدُوا وَاغْرِفُوا عَلَيْهِ ». وَكَانَتْ لِلنَّبِىِّ -r- قَصْعَةٌ يُقَالُ لَهَا الْغَرَّاءُ يَحْمِلُهَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ فَلَمَّا أَضْحَوْا وَسَجَدُوا الضُّحَى أُتِىَ بِتِلْكَ الْقَصْعَةِ فَالْتَفُّوا عَلَيْهَا فَلَمَّا كَثُرُوا جَثَا رَسُولُ اللَّهِ -r- فَقَالَ أَعْرَابِىٌّ:مَا هَذِهِ يَعْنِى الْجِلْسَةَ؟ قَالَ :« إِنَّ اللَّهَ جَعَلَنِى عَبْدًا كَرِيمًا وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا عَصِيًّا كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا وَدَعُوا ذِرْوَتَهَا يُبَارَكْ فِيهَا ». ثُمَّ قَالَ :« خُذُوا كُلُوا فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيُفْتَحَنَّ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ حَتَّى يَكْثُرَ الطَّعَامُ فَلاَ يُذْكَرَ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ ».
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِىُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:الْمُتَّكِئُ هَا هُنَا هُوَ الْمُعْتَمِدُ عَلَى الْوِطَاءِ الَّذِى تَحْتَهُ وَهُوَ الَّذِى أَوْكَأَ مِقْعَدَتَهُ وَشَدَّهَا بِالْقُعُودِ عَلَى الْوِطَاءِ الَّذِى تَحْتَهُ يَعْنِى أَنِّى إِذَا أَكَلْتُ لَمْ أَقْعُدْ مُتَّكِئًا عَلَى الأَوْطِئَةِ وَالْوَسَائِدِ فِعْلَ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَكْثِرَ وَلَكِنِّى آكُلُ عُلْقَةً فَيَكُونُ قُعُودِى مُسْتَوْفِزًا لَهُ.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ النَّبِيَّ rقَالَ:إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ rعَابَ طَعَامًا قَطُّ،كَانَ إِذَا اشْتَهَى أَكَلَهُ،وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِ سَكَتَ "
تجنب ذم شيء من الأطعمة،فهي من نعم الله تعالى .
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ مَا عَابَ النَّبِىُّ - r- طَعَامًا قَطُّ،إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ،وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ .. متفق عليه.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:مَا عَابَ رَسُولُ اللهِ rطَعَامًا قَطُّ،إِذَا اشْتَهَى أَكَلَ،وَإِلاَّ تَرَكَ.
تجنب الاستهتار بالنعمة مهما قلت،والمحافظة عليها مهما دقّت،والحذر من إلقاء ما بقي منها بعد الطعام في سلة المهملات.
فعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِىَّ -r- أَمَرَ بِلَعْقِ الأَصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ وَقَالَ « إِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ فِى أَيِّهِ الْبَرَكَةُ ». رواه مسلم.
وعَنْ جَابِرٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ طَعَامِهِ،فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ،فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي فِي أَيَّ طَعَامِهِ يُبَارَكُ لَهُ.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ؛ أَنَّهُ كَانَ يَلْعَقُ أَصَابِعَهُ الثَّلاَثَ إِذَا أَكَلَ،وَقَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّهُ لاَ يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ.
تجنّب الإكثارمن الطعام والإسراف في تناوله إلى حد التخمة،لأن البطنة تذهب الفطنة وتورث الأمراض،قال الله تعالى:{ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} الأعراف.
وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ،عَنِ النَّبِيِّ rقَالَ: " مَا مَلَأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ،حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أَكَلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ،فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ طَعَامُهُ،وَثُلُثٌ شَرَابُهُ،وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ "
وِعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ: " مَا مَلَأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ،حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ،يُقِمْنَ صُلْبَهُ،فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ،فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ،وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ،وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ "
تجنب التفاخر في أنواع الأطعمة،والتباهي في أطايبها،لأن في ذلك كسر لقلب الفقير،وتشبه بالكفار الذين لا يعرفون من الدنيا إلا اللذائذ والشهوات،قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} (12) سورة محمد.
وَفي يَوْمِ القِيَامةِ يُدخِلُ اللهُ تعالى الذِينَ آمَنُوا بهِ،وَبِكُتَبِهِ،وَرُسُلِهِ،وَعَمِلُوا الأعْمَالَ الصَّالِحَاتِ،جَنَّاتٍ تَجرِي في أرْضِها الأنهَارُ جَزاءً لَهُم عَلَى إيمَانِهِمْ.أمَّا الكَافِرُونَ الذِين كَفَرُوا باللهِ وبِكُتُبهِ،وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ،فَإِنَّهُم يَتَمَتَّعُونَ بما في هذهِ الدُّنيا مِنْ مَتَاعٍ زَائِلٍ،وَيَأكُلُونَ فِيها كَالأنعَامِ،غَيرَ مُفَكِّرِينَ في عَواقِب أمُورِهِمْ،وَلا مُعْتَبِرِينَ بِما أقَامَهُ اللهُ لِلْعِبَادِ منَ الأدِلَّةِ على وُجُودِهِ ووَحْدَانِيَّتِهِ تعالى،وَسَيَصِيرُونَ في الآخِرَةِ إلى جَهَنَّمَ فَتَكُونُ مَسْكَنَهُمْ وَمَأوَاهُمْ .
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،أَنّ رَسُولَ اللَّهِ r،قَالَ:كُلُوا،وَاشْرَبُوا،وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلا مَخِيلَةٍ،إِنَّ اللَّهَ تعالى يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ "
وعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ rرَجُلًا رَثَّ الْهَيْئَةِ وَقَالَ مَرَّةً: رَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ أَطْمَارٌ لَهُ يَعْنِي خَلِقَ الثِّيَابِ قَالَ: فَدَعَاهُ النَّبِيُّ rفَقَالَ: " هَلْ لَكَ شَيْءٌ ؟ " قَالَ: قَالَ: نَعَمْ،قَالَ: " فَكُلْ وَاشْرَبْ وَالْبَسْ وَتَصَدَّقْ فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ،فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ "
التحدث على الطعام بما يفيد من حكايات الصالحين،والأمر بالمعروف والخير،فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِىَّ -r- سَأَلَ أَهْلَهُ الأُدُمَ فَقَالُوا مَا عِنْدَنَا إِلاَّ خَلٌّ. فَدَعَا بِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ وَيَقُولُ « نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ ».
وعَنْ جَابِرٍ:أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ تَمْرًا عَلَى تُرْسٍ،فَمَرَّ بِنَا النَّبِيُّ r،فَقُلْنَا:هَلُمَّ،فَتَقَدَّمَ فَأَكَلَ مَعَنَا مِنَ التَّمْرِ،وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً.
تجنب الضحك والقهقهة أثناء الطعام،أو الاستهزاء بأحد أو استغابته،أو النظر في وجوه الحاضرين.
تجنب إدخال الطعام مهما كان كان قليلا،لضرره الصحي البالغ.
تجنب النوم بعد الأكل مباشرة،أو الاستحمام أو القيام بأعمال جسدية أو فكرية مجهدة إلا بعد نيل قسط من الراحة.
فعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " أَذِيبُوا طَعَامَكُمْ بِذِكْرِ اللهِ وَالصَّلَاةِ وَلَا تَنَامُوا عَلَيْهِ فَتَقْسُوَ لَهُ قُلُوبُكُمْ " .
تجنب استخدام أواني الذهب والفضة وصحونها وملاعقها لحرمة استخدامها. فعَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَائِنِ فَاسْتَسْقَى فَأَتَاهُ دِهْقَانُ بِقَدَحٍ مِنْ فِضَّةٍ،فَرَمَاهُ بِهِ وَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَرْمِهِ بِهِ إِلَّا أَنِّي قَدْ نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ،إِنَّ رَسُولَ اللهِ rنَهَانَا عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ،وَالدِّيبَاجِ وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ،وَقَالَ: " هِيَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ "
وعَنِ الْحَكَمِ،قَالَ:سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى يُحَدِّثُ،أَنَّ حُذَيْفَةَ اسْتَسْقَى،فَأَتَاهُ إِنْسَانٌ بِإِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ فَرَمَاهُ بِهِ،وَقَالَ:إِنِّي كُنْتُ قَدْ نَهَيْتُهُ فَأَبَى أَنْ يَنْتَهِيَ،إِنَّ رَسُولَ اللهِ rنَهَانَا أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ،وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ،وَقَالَ:هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ.
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ:كُنْتُ مَعَ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ بِالْمَدَائِنِ،فَاسْتَسْقَى فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ بِإِنَاءٍ فَرَمَاهُ بِهِ مَا يَأْلُو أَنْ يُصِيبَ بِهِ وَجْهَهُ،ثُمَّ قَالَ:لَوْلاَ أَنِّي تَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ مَرَّةً،أَوْ مَرَّتَيْنِ،لَمْ أَفْعَلْ بِهِ هَذَا،إِنَّ رَسُولَ اللهِ rنَهَانَا أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ،وَأَنْ نَلْبَسَ الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ،قَالَ:هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا،وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ.
تجنب الابتداء بالطعام وفي المجلس من هو أكبر سنا أو أفضل علما وقدرا.فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِىِّ -r- طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللَّهِ -r- فَيَضَعَ يَدَهُ وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَامًا فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِى الطَّعَامِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -r- بِيَدِهَا ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لاَ يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا فَجَاءَ بِهَذَا الأَعْرَابِىِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّ يَدَهُ فِى يَدِى مَعَ يَدِهَا ». رواه مسلم.
تجنب الانفراد بالطعام إذا كان هناك إمكان للاجتماع عليه،فهو أكثر بركة ومحبة وجمعا للقلوب. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r- « طَعَامُ الاِثْنَيْنِ كَافِى الثَّلاَثَةِ،وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كَافِى الأَرْبَعَةِ » .
وعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،قَالَ:أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ،قَالَ:سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ،يَقُولُ:سَمِعْتُ النَّبِيَّ rيَقُولُ:طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاِثْنَيْنِ،وَطَعَامُ الاِثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ،وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ."
وعَنْ عُمَرَ،قَالَ:غَلا السِّعْرُ بِالْمَدِينَةِ وَاشْتَدَّ الْجَهْدُ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: اصْبِرُوا وَأَبْشِرُوا فَإِنِّي قَدْ بَارَكْتُ عَلَى صَاعِكُمْ وَمُدِّكُمْ،فَكُلُوا وَلا تَفَرَّقُوا،فَإِنَّ طَعَامَ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ،وَطَعَامُ الاثَّنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ،وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الْخَمْسَةَ وَالسِّتَّةَ،وَإِنَّ الْبَرَكَة فِي الْجَمَاعَةِ،فَمَنْ صَبَرَ عَلَى لأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ،وَمَنْ خَرَجَ عَنْهَا رَغْبَةً عَمَّا فِيهَا،أَبْدَلَ اللَّهُ بِهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فِيهَا،وَمَنْ أَرَادَهَا بِسُوءٍ،أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ."
وعَنْ سَمُرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rقَالَ:طَعَامُ الْوَاحِدِ،يَكْفِي الاثْنَيْنِ،وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ،يَكْفِي الأَرْبَعَةَ،وَيَدُ اللَّهِ تعالى عَلَى الْجَمَاعَةِ."
وعَنْ وَحْشِىُّ بْنُ حَرْبٍ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِىِّ -r- قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَأْكُلُ وَلاَ نَشْبَعُ. قَالَ « فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ ». قَالُوا نَعَمْ. قَالَ « فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ إِذَا كُنْتَ فِى وَلِيمَةٍ فَوُضِعَ الْعَشَاءُ فَلاَ تَأْكُلْ حَتَّى يَأْذَنَ لَكَ صَاحِبُ الدَّارِ. رواه أبو داود
الحمد لله تعالى وشكره والثناء عليه في نهاية الطعام.
فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ -r- كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ ». رواه أبو داود .



منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:23 PM

-10-آداب الشرب

الشراب مثل الطعام. بل هو أكثر منه ضرورة،وأشد خطرا،فقد يصبر المرء على الجوع ولكنه لا يصبر على الظمأ قال تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)} الأنبياء.
ولقد منّ الله على عباده في كثير من آياته بعملية إنزال الماء من السماء وما تتطلبه من ظواهره معجزة.
قال تعالى:{ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69)} الواقعة.
وقال:{ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)} الحجر22.
والمؤمن يأكلُ ويشرب من رزق الله وفي كل ذلك يشعر أنه عل مائدة الله،محتاج إلى فضله،وعاجز عن أداء شكره،وذاكر لجوده وكرمه على الدوام:
قال تعالى على لسان النبي إبراهيم عليه السلام :{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)} الشعراء.
وهذه بعض آداب الشراب.
التسمية في أوله،والحمد في آخره،كأن يقول:
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ،قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ rإِذَا شَرِبَ الْمَاءَ،قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَهُ عَذْبًا فُرَاتًا بِرَحْمَتِهِ،وَلَمْ يَجْعَلُهُ مَالِحًا لجَاجًا بِذُنُوبِنَا " .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شُبْرُمَةَ،أَنَّ الْحَسَنَ،كَانَ،يَقُولُ: ذَلِكَ إِذَا شَرِبَ الْمَاءَ"
وقَالَ: قَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ حَنْبَلٍ: كَانَ أَبِي - رَحِمَهُ اللهُ - لَا يَدَعُ أَحَدًا يَسْتَقِي لَهُ الْمَاءَ لِلْوُضُوءِ إِلَّا هُوَ،وكَانَ إِذَا خَرَجَ الدَّلْو مَلَأَ،قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ ".قُلْتُ: يَا أَبِهِ أَيُّ شَيْءٍ الْفَائِدَةُ ؟،قَالَ: يَا بُنَيَّ أمَا سَمِعْتَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ،يَقُولُ: { أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيَكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ } [الملك: 30] "
يستحب الشرب في حالة القعود،فهو أفضل صحيا،وأكمل أدبا.
عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ -r- أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِمًا. قَالَ قَتَادَةُ فَقُلْنَا فَالأَكْلُ فَقَالَ ذَاكَ أَشَرُّ أَوْ أَخْبَثُ. رواه مسلم.
ويجوز الشرب قائما لحاجة،فعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ rنَأْكُلُ وَنَحْنُ نَمْشِي،وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ.
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ،عَنْ جَدَّةٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا كَبْشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ rدَخَلَ عَلَيْهَا،فَشَرِبَ مِنْ فَمِ قِرْبَةٍ وَهُوَ قَائِمٌ،فَقَامَتْ إِلَيْهِ فَقَطَعَتْهُ فَأَمْسَكَتْهُ.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ rشَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَهُوَ قَائِمٌ.
وعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ،قَالَ:حَدَّثَنِي النَّزَّالُ بْنُ سَبْرَةَ،قَالَ:صَلَّيْنَا مَعَ عَلِيٍّ الظُّهْرَ،ثُمَّ خَرَجْنَا إلى الرَّحْبَةِ،قَالَ:فَدَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ،فَأَخَذَهُ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَرَأْسَهُ وَقَدَمَيْهِ،ثُمَّ شَرِبَ فَضْلَهُ وَهُوَ قَائِمٌ،ثُمَّ قَالَ:إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ أَنْ يَشْرَبُوا وَهُمْ قِيَامٌ،إِنَّ رَسُولَ اللهِ rصَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ،وَقَالَ:هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ.
تناول الكأس باليد اليمنى والشرب بها.
عن حفصة رضي الله عنها أن رسول الله rكان يجعل يمينه لطعامه وشرابه،ويجعل يساره لما سوى ذلك. رواه أبو داود والترمذي.
مص الماء مصا،وعدم عبه أو صبه في الحلق صبا،لأن المصّ أثناء الشرب أهنأ وأمرأ.
فعَنِ ابْنِ أَبِى حُسَيْنٍ أَن النَّبِىَّ -r- قَالَ :« إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمُصَّ مَصًّا وَلاَ يَعُبَّ عَبًّا فَإِنَّ الْكُبَادَ مِنَ الْعَبِّ »..
وقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ لِمُؤَدِّبِ وَلَدِهِ:عَلِّمْهُمُ الصِّدْقَ كَمَا تُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ،وَجَنِّبْهُمُ السفلة ؛ فإنهم أسوأ النَّاسِ دِعَةً وَأَقَلُّهُمْ أَدَبًا،وَجَنِّبْهُمُ الْحَشَمَ ؛ فَإِنَّهُمْ لَهُمْ مَفْسَدَةٌ،وَأَخْفِ شُعُورَهُمْ تَغْلُظْ رِقَابُهُمْ،وَأَطْعِمْهُمُ اللَّحْمَ يَقْوَوْا،وَعَلِّمْهُمُ الشِّعْرَ يُمَجَّدُوا وَيَنْجِدُوا،وَمُرْهُمْ أَنْ يَسْتَاكُوا عَرْضًا،وَيَمُصُّوا الْمَاءَ مَصًّا،وَلا يَعُبُّوا عَبًّا،وَإِذَا احْتَجْتَ أَنْ تَتَنَاوَلَهُمْ بِأَدَبٍ،فَلْيَكُنْ ذَلِكَ فِي سِرٍّ لا يَعْلَمُ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْغَاشِيَةِ فَيَهُونُوا عَلَيْهِمْ ."
الشرب على ثلاث دفعات،يبدأ كلا منها بالتسمية،ويختم بالحمد.
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:لا تَشْرَبُوا كَشُرْبِ الْبَعِيرِ،وَاشْرَبُوا اثْنَيْنِ وَثَلاثًا،وَسَمُّوا اللَّهَ إِذَا شَرِبْتُمْ،وَاحْمَدُوا اللَّهَ إِذَا رَفَعْتُمْ.
وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « لاَ تَشْرَبُوا وَاحِدًا كَشُرْبِ الْبَعِيرِ وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلاَثَ وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ »رواه الترمذي.
تجنّب النفخ في الإناء أو التنفس فيه.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -r- أَنْ يُتَنَفَّسَ فِى الإِنَاءِ أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ. رواه أبو داود.
قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَهَذَا لِأَنَّ الْبُخَارَ الَّذِي يَرْتَفِعُ مِنَ الْمَعِدَةِ أَوْ يَنْزِلُ مِنَ الرَّأْسِ وَكَذَلِكَ رَائِحَةُ الْجَوْفِ قَدْ يَكُونَانِ كَرِيهَيْنِ فَإِمَّا إِنْ يُعَلَّقَا بِالْمَاءِ فَيَضُرَّا وَإِمَّا أَنْ يُفْسِدَا السُّؤْرَ عَلَى غَيْرِ الشَّارِبِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَقَذَّرُ إِذَا عَلِمَ بِهِ فَلَا يَشْرَبُ وَذَكَرَ كُلَيْبٌ الْجَرْمِيُّ أَنَّهُ شَهِدَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نَهَى الْقَصَّابِينَ عَنِ النَّفْخِ فِي اللَّحْمِ وَهُوَ نَظِيرُ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الَّذِي جَاءَ النَّهْيُ عَنْهُ،لِأَنَّ النَّكْهَةَ رُبَّمَا كَانَتْ كَرِيهَةً فَكَرَّهَتِ اللَّحْمَ وَغَيَّرَتْ رِيحَهُ وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ بِالتَّجَارُبِ
تجنب الشرب من فم الإبريق أو السقاء،ولكن يصب منها في كأسه ويشرب.
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - نَهَى النَّبِىُّ - r- أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِى السِّقَاءِ.رواه البخاري.
وعن عِكْرِمَةَ قَالَ:أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَشْيَاءَ قِصَارٍ سَمِعْنَاهَا مِنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -r- أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِى السِّقَاءِ.
تجنب الإسراف في شرب الماء،وخاصة أثناء الطعام لأنه يعيق عملية الهضم،ويكون الشرب قبل الطعام بنصف ساعة أو بعده بساعة على الأقل.
تجنب الشرب في أواني الذهب والفضة لحرمة استعمالها.
فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - r- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r- قَالَ « الَّذِى يَشْرَبُ فِى إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِى بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ »..
يمسك الساقي الإناء أثناء توزيع الشراب باليد اليسرى،ويعطي الكوب باليد اليمنى،ويبدأ أولا بسيّد القوم أو أفضلهم علما وقدرا،ثم يعطي الأيمن فالأيمن.
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ؛أَنَّ رَسُولَ اللهِ rأُتِيَ بِلَبَنٍ،قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ مِنَ الْبِئْرِ،وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ،وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ،فَشَرِبَ،ثُمَّ أَعْطَى الأَعْرَابِيَّ،وَقَالَ:الأَيْمَنَُ فَالأَيْمَنَُ.. متفق عليه.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rأُتِيَ بِلَبَنٍ وَقَدْ شِيبَ بِمَاءٍ،وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ،فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الأَعْرَابِيَّ،وَقَالَ:الأَيْمَنُ فَالأَيْمَنُ.
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِىُّ -r- الْمَدِينَةَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ وَمَاتَ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ وَكُنَّ أُمَّهَاتِى يَحْثُثْنَنِى عَلَى خِدْمَتِهِ فَدَخَلَ عَلَيْنَا دَارَنَا فَحَلَبْنَا لَهُ مِنْ شَاةٍ دَاجِنٍ وَشِيبَ لَهُ مِنْ بِئْرٍ فِى الدَّارِ فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ -r- فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ شِمَالِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ. فَأَعْطَاهُ أَعْرَابِيًّا عَنْ يَمِينِهِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ ».
وقَالَ أَبُو طَوَالَةَ - اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضى الله عنه - يَقُولُ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - r- فِى دَارِنَا هَذِهِ،فَاسْتَسْقَى،فَحَلَبْنَا لَهُ شَاةً لَنَا،ثُمَّ شُبْتُهُ مِنْ مَاءِ بِئْرِنَا هَذِهِ،فَأَعْطَيْتُهُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَسَارِهِ،وَعُمَرُ تُجَاهَهُ وَأَعْرَابِىٌّ عَنْ يَمِينِهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ عُمَرُ هَذَا أَبُو بَكْرٍ.فَأَعْطَى الأَعْرَابِىَّ،ثُمَّ قَالَ « الأَيْمَنُونَ،الأَيْمَنُونَ،أَلاَ فَيَمِّنُوا ».قَالَ أَنَسٌ فَهْىَ سُنَّةٌ فَهْىَ سُنَّةٌ.ثَلاَثَ مَرَّاتٍ .
يكون ساقي القوم آخرهم شربا.
فعَنْ أَبِى قَتَادَةَ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -r- فَقَالَ « إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيْلَتَكُمْ وَتَأْتُونَ الْمَاءَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا ». فَانْطَلَقَ النَّاسُ لاَ يَلْوِى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ - قَالَ أَبُو قَتَادَةَ - فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -r- يَسِيرُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ وَأَنَا إلى جَنْبِهِ - قَالَ - فَنَعَسَ رَسُولُ اللَّهِ -r- فَمَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ - قَالَ - ثُمَّ سَارَ حَتَّى تَهَوَّرَ اللَّيْلُ مَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ - قَالَ - فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ - قَالَ - ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ مَالَ مَيْلَةً هِىَ أَشَدُّ مِنَ الْمَيْلَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ حَتَّى كَادَ يَنْجَفِلُ فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ « مَنْ هَذَا ». قُلْتُ أَبُو قَتَادَةَ. قَالَ « مَتَى كَانَ هَذَا مَسِيرَكَ مِنِّى ».
قُلْتُ مَا زَالَ هَذَا مَسِيرِى مُنْذُ اللَّيْلَةِ. قَالَ « حَفِظَكَ اللَّهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ ». ثُمَّ قَالَ « هَلْ تَرَانَا نَخْفَى عَلَى النَّاسِ ». ثُمَّ قَالَ « هَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ ». قُلْتُ هَذَا رَاكِبٌ. ثُمَّ قُلْتُ هَذَا رَاكِبٌ آخَرُ. حَتَّى اجْتَمَعْنَا فَكُنَّا سَبْعَةَ رَكْبٍ - قَالَ - فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- عَنِ الطَّرِيقِ فَوَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ « احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلاَتَنَا ». فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ -r- وَالشَّمْسُ فِى ظَهْرِهِ - قَالَ - فَقُمْنَا فَزِعِينَ ثُمَّ قَالَ « ارْكَبُوا ». فَرَكِبْنَا فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ نَزَلَ ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِى فِيهَا شَىْءٌ مِنْ مَاءٍ - قَالَ - فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ - قَالَ - وَبَقِىَ فِيهَا شَىْءٌ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ قَالَ لأَبِى قَتَادَةَ « احْفَظْ عَلَيْنَا مِيضَأَتَكَ فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ ». ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ بِالصَّلاَةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -r- رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ - قَالَ - وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -r- وَرَكِبْنَا مَعَهُ - قَالَ - فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إلى بَعْضٍ مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِى صَلاَتِنَا ثُمَّ قَالَ « أَمَا لَكُمْ فِىَّ أُسْوَةٌ ». ثُمَّ قَالَ « أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِى النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلاَةَ حَتَّى يَجِىءَ وَقْتُ الصَّلاَةِ الأُخْرَى فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا ». ثُمَّ قَالَ « مَا تَرَوْنَ النَّاسَ صَنَعُوا ». قَالَ ثُمَّ قَالَ « أَصْبَحَ النَّاسُ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَسُولُ اللَّهِ -r- بَعْدَكُمْ لَمْ يَكُنْ لِيُخَلِّفَكُمْ. وَقَالَ النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَإِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا ». قَالَ فَانْتَهَيْنَا إلى النَّاسِ حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ وَحَمِىَ كُلُّ شَىْءٍ وَهُمْ يَقُولُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْنَا عَطِشْنَا. فَقَالَ « لاَ هُلْكَ عَلَيْكُمْ ». ثُمَّ قَالَ « أَطْلِقُوا لِى غُمَرِى ». قَالَ وَدَعَا بِالْمِيضَأَةِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -r- يَصُبُّ وَأَبُو قَتَادَةَ يَسْقِيهِمْ فَلَمْ يَعْدُ أَنْ رَأَى النَّاسُ مَاءً فِى الْمِيضَأَةِ تَكَابُّوا عَلَيْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « أَحْسِنُوا الْمَلأَ كُلُّكُمْ سَيَرْوَى ». قَالَ فَفَعَلُوا فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -r- يَصُبُّ وَأَسْقِيهِمْ حَتَّى مَا بَقِىَ غَيْرِى وَغَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ -r- - قَالَ - ثُمَّ صَبَّ رَسُولُ اللَّهِ -r- فَقَالَ لِى « اشْرَبْ ». فَقُلْتُ لاَ أَشْرَبُ حَتَّى تَشْرَبَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « إِنَّ سَاقِىَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا ». قَالَ فَشَرِبْتُ وَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ -r- - قَالَ - فَأَتَى النَّاسُ الْمَاءَ جَامِّينَ رِوَاءً. قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ إِنِّى لأُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ فِى مَسْجِدِ الْجَامِعِ إِذْ قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ انْظُرْ أَيُّهَا الْفَتَى كَيْفَ تُحَدِّثُ فَإِنِّى أَحَدُ الرَّكْبِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. قَالَ قُلْتُ فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ. فَقَالَ مِمَّنْ أَنْتَ قُلْتُ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ حَدِّثْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِحَدِيثِكُمْ. قَالَ فَحَدَّثْتُ الْقَوْمَ فَقَالَ عِمْرَانُ لَقَدْ شَهِدْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَمَا شَعَرْتُ أَنَّ أَحَدًا حَفِظَهُ كَمَا حَفِظْتُهُ.
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ.
وعَنْ أَبِي الْمُخْتَارِ،مَنْ بَنِي أَسَدٍ،قَالَ:سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى قَالَ:كُنَّا فِي سَفَرٍ فَلَمْ نَجِدِ الْمَاءَ،قَالَ:ثُمَّ هَجَمْنَا عَلَى الْمَاءِ بَعْدُ،قَالَ:فَجَعَلُوا يَسْقُونَ رَسُولَ اللهِ r،فَكُلَّمَا أَتَوْهُ بِالشَّرَابِ،قَالَ رَسُولُ اللهِ r: سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ،ثَلاَثَ مَرَّاتٍ،حَتَّى شَرِبُوا كُلُّهُمْ.
وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ:أَصَابَ رَسُولَ اللهِ rوَأَصْحَابَهُ عَطَشٌ،قَالَ:فَنَزَلَ مَنْزِلاً،فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ،فَجَعَلَ يَسْقِي أَصْحَابَهُ،وَجَعَلُوا يَقُولُونَ:اشْرَبْ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ حَتَّى سَقَاهُمْ كُلَّهُمْ.

___________


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:25 PM

-11-آداب اللباس

اللباس من نعم الله تعالى التي خصّ بها الإنسان من بين المخلوقات ليتقي بها العوامل الطبيعية من حر وبرد وشمس ومطر.. وليستر بها عورته ويواري سوأته،ويحفظ كرامته،ويتجمل بها في حياته.. قال تعالى:{وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} (81) سورة النحل.
والله جعل لكم ما تستظلُّون به من الأشجار وغيرها،وجعل لكم في الجبال من المغارات والكهوف أماكن تلجؤون إليها عند الحاجة،وجعل لكم ثيابًا من القطن والصوف وغيرهما،تحفظكم من الحر والبرد،وجعل لكم من الحديد ما يردُّ عنكم الطعن والأذى في حروبكم،كما أنعم الله عليكم بهذه النعم يتمُّ نعمته عليكم ببيان الدين الحق; لتستسلموا لأمر الله وحده،ولا تشركوا به شيئًا في عبادته.
وقد علم الله تعالى الإنسان صناعة الثياب بمختلف أشكالها وأمره أن يستتر بها ويتقي ما يواجهه خلال حياته قال تعالى عن سيدنا داود: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ} (80) سورة الأنبياء
واختصَّ الله داود عليه السلام بأن علَّمه صناعة الدروع يعملها حِلَقًا متشابكة،تسهِّل حركة الجسم; لتحمي المحاربين مِن وَقْع السلاح فيهم،فهل أنتم شاكرون نعمة الله عليكم حيث أجراها على يد عبده داود؟
ولقد أتانا فيما أتانا من ضلالات الغرب وصرعات الجاهلية الحديثة دعوة جديدة إلى التعري وإظهار العورات مسخا للإنسان،وانتكاسه إلى الحيوانية العجماء..
كما تصدّر لنا بيوت الأزياء اليهودية كل عام تصاميم لملابس لا همّ لها سوى إظهار المفاتن وعرض المغريات وفتن عقول الشباب والشابات،واستباحة الأهواء والشهوات.. فهي ملابس إلى العري أقرب منها إلى الستر..
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ r،قَالَ:صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَمْ أَرَهُمَا:قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاَتٌ مُمِيلاَتٌ رُؤُوسُهُنَّ مِثْلُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ،وَلاَ يَجِدُونَ رِيحَهَا،وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا..
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ».
وهذه باقة من الآداب الإسلامية في اللباس:
الابتداء بتسمية الله تعالى،كما تستحب التسمية في جميع الأعمال.
جعل النية من اللباس أمر الله تعالى في ستر العورة،لا التباهي بزينة اللباس،ومراءاة الناس بها.
قال تعالى:{ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} الأعراف.
يا بني آدم قد جعلنا لكم لباسًا يستر عوراتكم،وهو لباس الضرورة،ولباسًا للزينة والتجمل،وهو من الكمال والتنعم. ولباسُ تقوى الله تعالى بفعل الأوامر واجتناب النواهي هو خير لباس للمؤمن. ذلك الذي مَنَّ الله به عليكم من الدلائل على ربوبية الله تعالى ووحدانيته وفضله ورحمته بعباده; لكي تتذكروا هذه النعم،فتشكروا لله عليها. وفي ذلك امتنان من الله تعالى على خَلْقه بهذه النعم.
الدعاء بما ورد عن النبي r:
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ rإِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ وَقَالَ:" اللَّهُمَّ أَنْتَ كَسَوْتَنِي هَذَا الثَّوْبَ فَلَكَ الْحَمْدُ،اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ ".
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،أَنَّ النَّبِيَّ rكَانَ إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ،فَقَالَ:اللَّهُمَّ أَنْتَ كَسَوْتَنِي هَذَا فَلَكَ الْحَمْدُ،أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ.،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ،وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ " قَالَ أَبُو نَضْرَةَ:" فَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ rإِذَا لَبِسَ أَحَدُهُمْ ثَوْبًا جَدِيدًا قِيلَ لَهُ:تُبْلَى وَيُخْلِفُ اللَّهُ تعالى "
الدعاء بما ورد عن النبي rعند لبس ثوب جديد.
فعَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ لَبِسَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضى الله عنه ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَسَانِى مَا أُوَارِى بِهِ عَوْرَتِى وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِى حَيَاتِى. ثُمَّ عَمَدَ إلى الثَّوْبِ الَّذِى أَخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ « مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَسَانِى مَا أُوَارِى بِهِ عَوْرَتِى وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِى حَيَاتِى ثُمَّ عَمَدَ إلى الثَّوْبِ الَّذِى أَخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ كَانَ فِى كَنَفِ اللَّهِ وَفِى حِفْظِ اللَّهِ وَفِى سَتْرِ اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتًا ». رواه الترمذي.
وعَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ rرَأَى عَلَى عُمَرَ ثَوْبًا غَسِيلاً،فَقَالَ:أَجَدِيدٌ ثَوْبُك هَذَا ؟ قَالَ:غَسِيلٌ يَا رَسُولَ اللهِ،قَالَ:فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ r: اِلْبَسْ جَدِيدًا،وَعِشْ حَمِيدًا،وَتَوَفَّ شَهِيدًا،يُعْطِكَ اللَّهُ قُرَّةَ عَيْنٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
اختيار أوساط الثياب،والمعتدلة منها،دون مبالغة ومغالاة،ودون تبذل وإهمال.
التأكد من نظافة الثوب وطهارته،لتصح العبادة به،ولأن المؤمن نظيف البدن والثوب طاهرهما.
قال تعالى:{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} المدثر 4.
أَيْ طَهِّرْ نَفْسَكَ مِنَ الذُّنُوبِ،وَأَصْلِحْ عَمَلَكَ،وَطَهِّرْ ثِيَابَكَ بِالمَاءِ مِمَّا لَحِقَ بِهَا مِنَ النَّجَاسَةِ .فإن طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن.
اجتناب التفاخر بالثياب أو إطالتها حتى تمسّ الأرض تكبرا واستعلاء،بل ينبغي رفعها عن الأرض لأنه أتقى وأنقى وأبقى.
فعَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ عَنِ الإِزَارِ فَقَالَ عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « إِزْرَةُ الْمُسْلِمِ إلى نِصْفِ السَّاقِ وَلاَ حَرَجَ - أَوْ لاَ جُنَاحَ - فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِى النَّارِ مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ ».
وعَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:ذُكِرَ الإِزَارُ،فَأَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ،فَقُلْتُ:أَخْبِرْنِي عَنِ الإِزَارِ،فَقَالَ:أَجَلْ بِعِلْمٍ،سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ:إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إلى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ،لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ،وَمَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ،مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r- قَالَ « لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا » ..
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ،قَالَ: كَانَ مَرْوَانُ يَسْتَخْلِفُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ،فَكَانَ إِذَا رَأَى إِنْسَانًا يَجُرُّ إِزَارَهُ،ضَرَبَ بِرِجْلِهِ الأَرْضَ وَقَالَ: قَدْ جَاءَ الأَمِيرُ ! قَدْ جَاءَ الأَمِيرُ ! ثُمَّ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ r:مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا،فَإِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِ،أَوْلَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ.
وأما المرأة فيختلف حكمها،فعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ،أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ rقَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ حِينَ ذُكِرَ الإِزَارُ:فَالْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ:تُرْخِي شِبْرًا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ:إِذًا تَنْكَشِفُ عَنْهَا،قَالَ:فَذِرَاعًا لاَ تَزِيدُ عَلَيْهِ.
القيام بإصلاح الثوب إن وجد به شقا أو ثقبا،وعدم لبسه وهو ممزق،فقد كان النبي rيرقع ثوبه بيده،ويصلح نعله بنفسه. فعَنْ عَائِشَةَ،أَنَّهَا سُئِلَتْ:مَا كَانَ النَّبِيُّ rيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ:كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ،وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ،وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ.
وعَنْ عُرْوَةَ،قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ rيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَ: " نَعَمْ كَانَ رَسُولُ اللهِ rيَرُفُّ ثَوْبَهُ،وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ،وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ "
وعن هِشَامَ بْنِ سَعْدٍ،قَالَ:حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ بِشْرٍ التَّغْلِبِيُّ،قَالَ:أَخْبَرَنِي أَبِي وَكَانَ،جَلِيسًا لأَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ:كَانَ بِدِمَشْقَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ rيُقَالُ لَهُ:ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ،وَكَانَ رَجُلاً مُتَوَحِّدًا،قَلَّمَا يُجَالِسُ النَّاسَ،إِنَّمَا هُوَ فِي صَلاَةٍ،فَإِذَا فَرَغَ فَإِنَّمَا يُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ أَهْلَهُ،فَمَرَّ بِنَا يَوْمًا وَنَحْنُ عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ،فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ:كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلاَ تَضُرُّكَ،قَالَ:بَعَثَ رَسُولُ اللهِ rسَرِيَّةً،فَقَدِمْتُ،فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَلَسَ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي فِيهِ رَسُولُ اللهِ r،فَقَالَ لِرَجُلٍ إلى جَنْبِهِ:لَوْ رَأَيْتَنَا حِينَ الْتَقَيْنَا نَحْنُ وَالْعَدُوَّ،فَحَمَلَ فُلاَنٌ فَطَعَنَ،فَقَالَ:خُذْهَا وَأَنَا الْغُلاَمُ الْغِفَارِيُّ،كَيْفَ تَرَى فِي قَوْلِهِ ؟ قَالَ:مَا أُرَاهُ إِلاَّ قَدْ أَبْطَلَ أَجْرَهُ،فَسَمِعَ ذَلِكَ آخَرُ،فَقَالَ:مَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا،فَتَنَازَعَا حَتَّى سَمِعَ النَّبِيُّ rفَقَالَ:سُبْحَانَ اللهِ،لاَ بَأْسَ أَنْ يُحْمَدَ وَيُؤْجَرَ قَالَ:فَرَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ سُرَّ بِذَلِكَ،وَجَعَلَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَيْهِ،وَيَقُولُ:أَنْتَ سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ r؟ فَيَقُولُ:نَعَمْ،فَمَا زَالَ يُعِيدُ عَلَيْهِ حَتَّى إِنِّي لأَقُولُ:لَيَبْرُكَنَّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
قَالَ:ثُمَّ مَرَّ بِنَا يَوْمًا آخَرَ،فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ:كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلاَ تَضُرُّكَ،قَالَ:قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ r: إِنَّ الْمُنْفِقَ عَلَى الْخَيْلِ فِي سَبِيلِ اللهِ،كَبَاسِطِ يَدِهِ بِالصَّدَقَةِ لاَ يَقْبِضُهَا.
قَالَ:ثُمَّ مَرَّ بِنَا يَوْمًا آخَرَ،فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ:كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلاَ تَضُرُّكَ،فَقَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: نِعْمَ الرَّجُلُ خُرَيْمٌ الأَسَدِيُّ لَوْلاَ طُولُ جُمَّتِهِ وَإِسْبَالُ إِزَارِهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ خُرَيْمًا فَجَعَلَ يَأْخُذُ شَفْرَةً فَيَقْطَعُ بِهَا شَعَرَهُ إلى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ،وَرَفَعَ إِزَارَهُ إلى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ قَالَ:فَأَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ:دَخَلْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَإِذَا عِنْدَهُ شَيْخٌ جُمَّتُهُ فَوْقَ أُذُنَيْهِ،وَرِدَاؤُهُ إلى سَاقَيْهِ،فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقَالُوا:هَذَا خُرَيْمٌ الأَسَدِيُّ.
قَالَ:ثُمَّ مَرَّ بِنَا يَوْمًا آخَرَ،وَنَحْنُ عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ،فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ:كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلاَ تَضُرُّكَ فَقَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ:إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ،فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ،وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ،فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلاَ التَّفَحُّشَ."
وعَنْ رَجُلِ صِدْقٍ مِنْ أَهْلِ قِنَّسْرِينَ يُقَالُ لَهُ قَيْسُ بْنُ بِشْرٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَبِي مِنْ جُلَسَاءِ أَبِي الدَّرْدَاءِ،فَحَدَّثَنِي أَنَّهُ كَانَ هُنَالِكَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ rمُتَعَبِّدٌ مُعْتَزِلٌ لَا يَكَادُ يَفْرُغُ مِنَ الْعِبَادَةِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ: " إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ وَرِحَالَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ ".
الابتداء في لبس الثوب،والنعل والسراويل والجوارب باليمين،والخلع بالشمال. فعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:كَانَ النَّبِيُّ rيُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ:فِي تَرَجُّلِهِ،وَفِي طُهُورِهِ،وَفِي نَعْلِهِ قَالَ شُعْبَةُ:ثُمَّ سَأَلْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ:كَانَ النَّبِيُّ rيُحِبُّ،أَوْ يُعْجِبُهُ،التَّيَمُّنُ مَا اسْتَطَاعَ.
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِىُّ - r- يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِى شَأْنِهِ كُلِّهِ فِى طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ.رواه البخاري.
نفض الثياب قبل لبسها،ونفض الجوارب للتأكد من خلوها من الحشرات المؤذية.
طيّ الثياب بعد خلعها،وذكر اسم الله عليها عند وضعها أو تعليقها،وعدم إلقائها مبعثرة دون مبالاة.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: سِتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ،وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ،أَنْ يَقُولُوا:بِسْمِ اللَّهِ "
وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: سِتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ،وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا وَضَعُوا ثِيَابَهُمْ،أَنْ يَقُولُوا:بِسْمِ اللَّهِ "
تعهد الجوارب بالنظافة وغسلها مساء كل يوم،وخاصة أيام الصيف،أو كلما تغيرت رائحتها،وكذلك تعهد النعلين بالنظافة والإصلاح.
يستحسن أن تكون أكمام القمصان طويلة إلى الرسغين،فعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ،قَالَتْ:" كَانَتْ يَدُ كُمِّ رَسُولِ اللَّهِ rإلى الرُّسْغِ ".
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،: أَنَّ النَّبِيَّ rلَبِسَ قَمِيصًا،وَكَانَ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ،وَكَانَ كُمُّهُ مَعَ الأَصَابِعِ "
إجتناب الألبسة المصنوعة من الحرير،لحرمة لبسها على الذكور.فعَنْ أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيَّ،أَنَّ رَسُولَ الله rقال: حُرِّمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمتَّي،وَأُحِلَّ لإنَاثِهِمْ. رواه الترمذي.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ - يَعْنِى الْغَافِقِىَّ - أَنَّهُ سَمِعَ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ - رضى الله عنه - يَقُولُ إِنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -r- أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِى يَمِينِهِ وَأَخَذَ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِى شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ « إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِى ».
اجتناب تشبّه الرجال بالنساء في لباسهم،واجتناب تشبّه النساء بالرجال في لباسهن. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:لَعَنَ رَسُولُ اللهِ rالرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ،وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ: الْعَاقُّ بِوَالِدَيْهِ،وَمُدْمِنُ خَمْرٍ،وَمَنَّانٌ،وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الرَّجُلُ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ،وَالْمَرْأَةُ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ،وَالدَّيُّوثُ ".
إجتناب الثياب المزركشة والمزينة وذات الألوان الزاهية،والتي تظهر التخنث على مظهر لابسها. فعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِىِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَىِّ حُلَلِ الإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ « حُلَلِ الإِيمَانِ ». يَعْنِى مَا يُعْطَى أَهْلُ الإِيمَانِ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ.
وعَنْ رَجُلٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r.... وَمَنْ تَرَكَ لُبْسَ ثَوْبِ جَمَالٍ تَوَاضُعًا كَسَاهُ اللهُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ وَمَنْ رَوَّحَ لِلَّهِ تَوَّجَهُ تَاجَ الْمُلْكِ "
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: ذَكَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ rيَوْمًا عِنْدَهُ الدُّنْيَا،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: " أَلَا تَسْمَعُونَ إِنَّ الْبَذَاذَةَ مِنَ الْإِيمَانِ،إِنَّ الْبَذَاذَةَ مِنَ الْإِيمَانِ " يَعْنِي التَّقَحُّلَ .
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: الْبَذَاذَةُ سُوءُ الْهَيْئَةِ وَالتَّجُوَّزُ فِي الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَإِنَّمَا هُوَ وَاللهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا تُبْعِدَهُ الْبَذَاذَةُ عَنِ الْجَمَاعَاتِ،فَلَا يَمْتَنِعُ إِذَا سَاءَتْ حَالُهُ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ وَلَا عَنْ مَجَالِسِ الْعِلْمِ لِأَجَلِ رَثَاثَةِ كِسَوْتِهِ وَسُوءِ هَيْئَةٍ لِبَاسِهِ وَلَكِنَّهُ يَصْبِرُ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ وَيَحْمَدُ اللهَ عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَشْعِرُ مِنْهُ خَجَلًا وَلَا حَيَاءً،فَذَاكَ إِنْ شَاءَ اللهُ هُوَ الْإِيمَانُ دُونَ الرَّثَاثَةِ بِعَيْنِهَا وَاللهُ أَعْلَمُ "
أما ما يواري العورة ففيه تفصيل: فما يلي حقويه (معقد الإزار والسروال) لا بد أن يكون فيه شيء من التحجيم لجزء من العورة،ولكن لا حرج -بشرط ألا يجاوز مقدار الحاجة-؛ لأن الإزار أو السروال أو البنطال لا يستمسك على الحقو إلا بذلك،فالحاجة تقتضيه.
وما جاوز موضع الحاجة فلا يجوز أن يكون ضيقاً يحجِّم العورة.
ولا يعتبر ساتراً للعورة بالمعنى الشرعي؛ لأن ما يستر العورة يجب أن يكون واسعاً لا يصف (إلا ما تقتضيه الحاجة،وقد سبق ذكره)،صفيقاً لا يشف ما تحته.
ونحن نربأ بالشاب العاقل ذي المروءة والحياء أن يخرج للناس بهذه البناطيل الضيقة،التي لا تليق بالرجل السوي الخلوق الحيي.
اجتناب الثياب الضيقة والمحجّمة والشفافة للرجل والمرأة،واختيار الثياب الساترة والمريحة،وخاصة للفتاة،والحذر من التزيّن والتبرّج.
فالبنطال الضيق (كالسترتش ونحوه) لا يجوز للمرأة أن تلبسه عند النساء،ويخشى على من لبسته أن يحق عليها حديث أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ».
ومعنى كاسيات عاريات: أي كاسيات في الصورة،عاريات في الحقيقة؛ لأنهن يلبسن ملابس تصف (تحجم) الجسد،فتبدو عوراتهن موصوفة بارزة،بحيث يحجم لباسهن الأفخاذ والأرداف،وهذا يناقض المقصود من اللبس.
لاَ يَجُوزُ لُبْسُ الرَّقِيقِ مِنَ الثِّيَابِ إِذَا كَانَ يَشِفُّ عَنِ الْعَوْرَةِ،فَيُعْلَمُ لَوْنُ الْجِلْدِ مِنْ بَيَاضٍ أَوْ حُمْرَةٍ،سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةُ وَلَوْ فِي بَيْتِهَا،هَذَا إِنْ رَآهَا غَيْرُ زَوْجِهَا،لِمَا يَأْتِي مِنَ الأَْدِلَّةِ،وَهُوَ بِالإِْضَافَةِ إلى ذَلِكَ مُخِلٌّ بِالْمُرُوءَةِ،وَلِمُخَالَفَتِهِ لِزِيِّ السَّلَفِ،وَلاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ فِي مِثْل تِلْكَ الثِّيَابِ،وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُهُ إِذَا كَانَ لاَ يَرَاهَا إِلاَّ زَوْجُهَا.أَمَّا مَا كَانَ رَقِيقًا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ،وَلَكِنَّهُ يَصِفُ حَجْمَهَا حَتَّى يُرِي شَكْل الْعُضْوِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ.فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:إِنَّ الرَّجُلَ لِيَلْبَسُ وَهُوَ عَارٍ.يَعْنِي:الثِّيَابَ الرِّقَاقَ .
وعَنِ ابْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ،أَنَّ أَبَاهُ أُسَامَةَ،قَالَ:كَسَانِي رَسُولُ اللهِ rقُبْطِيَّةً كَثِيفَةً كَانَتْ مِمَّا أَهْدَاهَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ،فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي،فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ r: مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسِ الْقُبْطِيَّةَ ؟ قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي.فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ r: مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلاَلَةً،إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا.
فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ اللِّبَاسِ الَّذِي يَصِفُ مَا تَحْتَهُ مِنَ الْبَدَنِ،وَلِهَذَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ:دَخَلَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى عَائِشَةَ وَعَلَيْهَا خِمَارٌ رَقِيقٌ،فَشَقَّتْهُ عَائِشَةُ،وَكَسَتْهَا خِمَارًا كَثِيفًا "
وعَنْ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِىِّ أَنَّهُ قَالَ أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -r- بِقَبَاطِىَّ فَأَعْطَانِى مِنْهَا قُبْطِيَّةً فَقَالَ « اصْدَعْهَا صَدْعَيْنِ فَاقْطَعْ أَحَدَهُمَا قَمِيصًا وَأَعْطِ الآخَرَ امْرَأَتَكَ تَخْتَمِرُ بِهِ ». فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ « وَأْمُرِ امْرَأَتَكَ أَنْ تَجْعَلَ تَحْتَهُ ثَوْبًا لاَ يَصِفُهَا ».
وَيُشْتَرَطُ فِي السَّاتِرِ أَنْ لاَ يَكُونَ رَقِيقًا يَصِفُ مَا تَحْتَهُ بَل يَكُونُ كَثِيفًا لاَ يُرَى مِنْهُ لَوْنُ الْبَشَرَةِ وَيُشْتَرَطُ كَذَلِكَ أَنْ لاَ يَكُونَ مُهَلْهَلاً تُرَى مِنْهُ أَجْزَاءُ الْجِسْمِ لأَِنَّ مَقْصُودَ السِّتْرِ لاَ يَحْصُل بِذَلِكَ .
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ سِتْرَ الْعَوْرَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ بَيْنَ الرَّجُل وَزَوْجَتِهِ،إِذْ كَشْفُ الْعَوْرَةِ مُبَاحٌ بَيْنَهُمَا،فعَنْ بَهْزٍ قَالَ:حَدَّثَنِي أَبِي،عَنْ جَدِّي،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ ؟ قَالَ:احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ،أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ ؟ قَالَ:إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ يَرَاهَا أَحَدٌ فَلاَ يَرَيَنَّهَا.قُلْتُ فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا ؟ قَالَ:فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ.
كما لا يجوز للمرأة أن تلبس الضيق عند أحد من محارمها سوى زوجها فحسب.
لقد رأينا تساهل النساء في لباسهن عند محارمهن -غير الزوج- أفضى بكثير منهن إلى نزع جلباب الحياء والجرأة في التبرج والسفور والتساهل في الحشمة والحجاب.
فعَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -r- وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ -r- وَقَالَ « يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلاَّ هَذَا وَهَذَا ». وَأَشَارَ إلى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ
فلِبَاسُ الْمَرْأَةِ قَدْ يَكْشِفُ عَنِ الْعَوْرَةِ،وَقَدْ يَسْتُرُهَا وَلَكِنَّهُ يَصِفُ حَجْمَهَا،وَهُوَ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ غَيْرُ شَرْعِيٍّ ..



منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:26 PM

-12-آداب الكلام

خلق الله الإنسان في أحسن تقويم،وشقّ له سمعه وبصره،وزوده بمعجزة العقل وآتاه وسائل التعلم والاكتساب قال تعالى:{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (23)} الملك.
وقال تعالى:{ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ (9)} البلد.
ومن مهمات اللسان الكثيرة التعبير عن حاجات النفس وإيصال المعلومات إلى الغير عن طريق النطق والكلام. قال تعالى:{الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} الرحمن.
وأمر الله تعالى المسلم بمراعاة أقواله كما يراعي أعماله،ولهذا قيل " مَنْ عَدَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ ".
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،عَنِ النَّبِيِّ rقَالَ:مَنْ كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ،وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ،وَمَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ،فَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ .
وأمره أن يقول الحق الذي يرضيه،وأن يراقبه عند كل كلمة تخرج من فيه،فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - r- قَالَ « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً،يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ،وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِى جَهَنَّمَ » . وعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ،قَالَ:مَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَهُ شَرَفٌ،وَهُوَ جَالِسٌ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ،فَقَالَ عَلْقَمَةُ:يَا فُلاَنُ،إِنَّ لَكَ حُرْمَةً،وَإِنَّ لَكَ حَقًّا،وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ تَدْخُلُ عَلَى هَؤُلاَءِ الْأُمَرَاءِ فَتَكَلَّمُ عِنْدَهُمْ،وَإِنِّي سَمِعْتُ بِلاَلَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ r،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ،مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ،فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلى يَوْمِ يَلْقَاهُ،وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ،مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ،فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالَ عَلْقَمَةُ:انْظُرْ وَيْحَكَ مَاذَا تَقُولُ،وَمَاذَا تَكَلَّمُ بِهِ،فَرُبَّ كَلاَمٌ قَدْ مَنَعَنِي مَا سَمِعْتُهُ مِنْ بِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ."
وعَنْ بِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ،يَكْتُبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ،يَكْتُبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا عَلَيْهِ سَخَطَهُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
هذه قيمة الكلام في الاسلام،حتى لقد صار المسلم يتورع في النطق كما يتورع في المأكل والمشرب،فيجتنب اللغو وما لا طائل وراءه كما يجتنب المحرمات والشبهات.
كيف لا يكون ذلك وهو يتمثل قوله تعالى:{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} ق.فلاَ يَصْدُرُ عَن الإِنسَانِ لَفْظ أوْ كَلمَةٌ إلاَّ وَلَديهِ مَلكٌ حَاضِرٌ مَعَهُ،مُرَاقِبٌ لأعْمالِه يُثبتُها في صَحِيفَتِهِ .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r- « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ».متفق عليه.
وعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rقَالَ:مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتَ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ،جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ،وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ،فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ،وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ.
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rقَالَ:مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَدْخُلِ الْحَمَّامَ إِلاَّ بِمِئْزَرٍ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ،فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتَ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ مِنْ نِسَائِكُمْ فَلاَ تَدْخُلِ الْحَمَّامَ ".
قال أحدهم:
وتجنّب الفحشاء لا تنطق بها …………ما دمت في جدّ الكلام وهزله
واحبس لسانك عن رديء مقالة …………وتوقّ من عثر اللسان وزله
وبين أيدينا باقة من آداب الكلام نبسطها كما يلي:
اختيار أجمل الكلام،وأحسن الألفاظ،أثناء مخاطبة الناس،كما يختار أطايب الطعام،والرد على ما يسمعه منهم بلباقة وتهذيب،قال تعالى:{وَهُدُوا إلى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إلى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } (24) سورة الحـج.
لقد هداهم الله في الدنيا إلى طيب القول: من كلمة التوحيد وحَمْد الله والثناء عليه،وفي الآخرة إلى حمده على حسن العاقبة،كما هداهم من قبل إلى طريق الإسلام المحمود الموصل إلى الجنة.
وعَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - r- « اتَّقُوا النَّارَ ».ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ،ثُمَّ قَالَ « اتَّقُوا النَّارَ ».ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثَلاَثًا،حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا،ثُمَّ قَالَ « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ،فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ » متفق عليه.
التمهّل في الكلام وبيانه حتى يفهم المستمع المراد من الحديث ويعقل مقصوده ومغزاه.
فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ أَلاَ يُعْجِبُكَ أَبُو فُلاَنٍ جَاءَ فَجَلَسَ إلى جَانِبِ حُجْرَتِى يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - r-،يُسْمِعُنِى ذَلِكَ وَكُنْتُ أُسَبِّحُ فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِىَ سُبْحَتِى،وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ،إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r- لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ متفق عليه.
وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ،أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ،أَنَّ عَائِشَةَ،قَالَتْ:أَلاَ يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ جَاءَ فَجَلَسَ إلى جَانِبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ rيُسْمِعُنِي ذَلِكَ،وَكُنْتُ أُسَبِّحُ،فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي،وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ،إِنَّ رَسُولَ اللهِ rلَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ.
وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ،أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ،أَنَّ عَائِشَةَ،قَالَتْ:أَلاَ يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ ؟ جَاءَ فَجَلَسَ إلى بَابِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ rيُسْمِعُنِي ذَلِكَ وَكُنْتُ أُسَبِّحُ،فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي،وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ إِنَّ رَسُولَ اللهِ rلَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ،إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ:يَقُولُونَ:إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ،أَوْ قَالَ:أَكْثَرَ وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ،وَيَقُولُونَ:مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لاَ يَتَحَدَّثُونَ بِمِثْلِ أَحَادِيثِهِ،وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ إِنَّ إِخْوَانِي مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلٌ أَرَضِيهِمْ،وَأَمَّا إِخْوَانِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ،فَكَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ،وَكُنْتُ أَخْدِمُ رَسُولَ اللهِ rعَلَى مِلْءِ بَطْنِي،فَأَشْهَدُ مَا غَابُوا،وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا،وَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ rيَوْمًا:أَيُّكُمْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ،فَيَأْخُذُ حَدِيثِي هَذَا ثُمَّ يَجْمَعُهُ إلى صَدْرِهِ،فَإِنَّهُ لَنْ يَنْسَى شَيْئًا يَسْمَعُهُ،فَبَسَطْتُ بُرْدَةً عَلَيَّ حَتَّى جَمَعْتُهَا إلى صَدْرِي،فَمَا نَسِيتُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ شَيْئًا حَدَّثَنِي بِهِ،وَلَوْلاَ آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللهِ مَا حُدِّثْتُ شَيْئًا أَبَدًا:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)} [البقرة:159،160]
وعَنْ عَائِشَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ قَالَتْ كَانَ كَلاَمُ رَسُولِ اللَّهِ -r- كَلاَمًا فَصْلاً يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ.. رواه أبو داود.
وعَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ وَيَقُولُ اسْمَعِى يَا رَبَّةَ الْحُجْرَةِ اسْمَعِى يَا رَبَّةَ الْحُجْرَةِ. وَعَائِشَةُ تُصَلِّى فَلَمَّا قَضَتْ صَلاَتَهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ أَلاَ تَسْمَعُ إلى هَذَا وَمَقَالَتِهِ آنِفًا إِنَّمَا كَانَ النَّبِىُّ -r- يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ.
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r- يَسْرُدُ سَرْدَكُمْ هَذَا وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ بَيْنَهُ فَصْلٌ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ.
مخاطبة المستمع على قدر فهمه،وبما يناسب ثقافته ومستواه العلمي،وإلا ساء ظنّه،وحسب الكلام استهزاء به وتنقيصا له. قَالَ عَلِىٌّ :حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ،أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ "
تجنّب الخوض في أحاديث لا يعلمها،أو غير متأكد من صحتها،أو لا يعلم عنها إلا الظنّ فإن الظنّ أكذب الحديث. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rقَالَ:إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ،وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَحَسَّسُوا،وَلاَ تَحَاسَدُوا،وَلاَ تَنَافَسُوا،وَلاَ تَبَاغَضُوا،وَلاَ تَدَابَرُوا،وَكُونُوا عِبَادًا لِلَّهِ إِخْوَانًا.
لزوم قلة الكلام إلا إذا كان جوابا،أو نصيحة،أو أمرا بالمعروف،أو نهيا عن المنكر،أو دعوة إلى الله.
قال تعالى:{لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (114) سورة النساء.
لا نفع في كثير من كلام الناس سرّاً فيما بينهم،إلا إذا كان حديثًا داعيًا إلى بذل المعروف من الصدقة،أو الكلمة الطيبة،أو التوفيق بين الناس،ومن يفعل تلك الأمور طلبًا لرضا الله تعالى راجيًا ثوابه،فسوف نؤتيه ثوابًا جزيلا واسعًا.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِى ». الترمذي.
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ،قَالَ:قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ:لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمُ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ،فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنَ اللهِ وَلَكِنْ لاَ تَعْلَمُونَ،لاَ تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ الْعِبَادِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ،وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيد،فَإِنَّمَا النَّاسُ رَجُلاَنِ:مُبْتَلًى وَمُعَافًى،فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلاَءِ،وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ.
تجنب الثرثرة واللغو والكلام الذي لا طائل منه،قال تعالى:{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)} المؤمنون.
والذِينَ يَنْصِرِفُونَ إلى الجِدِّ،وَيُعْرِضُونَ عَمَّا لاَ فَائِدَةَ مِنْهُ مِنَ الأَفْعَالِ والأَقْوالِ ( اللَّغْوِ ).وَقَدْ وَصفَ اللهُ تعالى المُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ:{ والذين لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } أَيْ إِنَّهُمْ لاَ يَتَوقَّفُونَ وَلاَ يَلْتَفِتُونَ إِلَيْهِ .
تعقل الكلام قبل النطق به،والتفكر في عواقبه،وتجنب إلقاء الكلام دون روية وإستيعاب،قال تعالى:{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} ق.
وَلاَ يَصْدُرُ عَن الإِنسَانِ لَفْظ أوْ كَلمَةٌ إلاَّ وَلَديهِ مَلكٌ حَاضِرٌ مَعَهُ،مُرَاقِبٌ لأعْمالِه يُثبتُها في صَحِيفَتِهِ
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:أَنّ رَسُولَ اللَّهِ rكَانَ:إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ،أَعَادَهَا ثَلاثًا لِتُعْقَلَ عَنْهُ "
وعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - r- أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلاَثًا،وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا .
وعن عمر بن عبد الله،مولى غفرة،حدثني إبراهيم بن محمد،من ولد علي،قال:كان علي بن أبي طالب إذا وصف النبي r،قال:« كان أَجْوَدَ النَّاسِ كَفًّا،وَأَجْرَأَ النَّاسِ صَدْرًا،وَأَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً،وَأَوْفَى النَّاسِ بِذِمَّةٍ،وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً،وَأَكْرَمَهُمْ عِشْرَةً،مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ،وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ،يَقُولُ نَاعِتُهُ:لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ.،r»
الصمت لمن هو أعلى مقاما،وأرفع قدرا،وأغزر علما،وأكبر سنا،وأعظم فضلا،والإصغاء لكلامه،والإقبال عليه بالسمع والبصر. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَطَّانُ:" كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ لَا يُتَحَدَّثُ فِي مَجْلِسِهِ،وَلَا يُبْرَى فِيهِ قَلَمٌ،وَلَا يَبْتَسِمُ أَحَدٌ،فَإِنْ تَحَدَّثَ أَوْ بَرَى قَلَمَا،صَاحَ وَلَبِسَ نَعْلَيْهِ وَدَخَلَ،وَكَذَا يَفْعَلُ ابْنُ نُمَيْرٍ،وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ فِي هَذَا،وَكَانَ وَكِيعٌ أَيْضًا فِي مَجْلِسِهِ كَأَنَّهُمْ فِي صَلَاةٍ،فَإِنْ أَنْكَرَ مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْئًا انْتَعَلَ وَدَخَلَ،وَكَانَ ابْنُ نُمَيْرٍ يَغْضَبُ وَيَصِيحُ،وَكَانَ إِذَا رَأَى مَنْ يَبْرِي قَلَمَا،تَغَيَّرَ وَجْهُهُ "
تجنب الكلام حتى ينتهي المتكلم في المجلس،لأن مجلس العقلاء لا يتكلم فيه اثنان معا. فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ:اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ rيَوْمًا،فَقَالُوا:انْظُرُوا أَعْلَمَكُمْ بِالسِّحْرِ وَالْكَهَانَةِ،وَالشِّعْرِ،فَلْيَأْتِ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي قَدْ فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا،وَشَتَّتَ أَمْرَنَا،وَعَابَ دِينَنَا،فَلْيُكَلِّمْهُ وَلْيَنْظُرْ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ،قَالُوا:مَا نَعْلَمُ أَحَدًا غَيْرَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ،قَالُوا:أَنْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ،فَأَتَاهُ عُتْبَةُ،فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ،أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ اللَّهِ ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ،ثُمَّ قَالَ:أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ r،قَالَ:فَإِنْ كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ هَؤُلاءِ خَيْرٌ مِنْكَ فَقَدْ عَبَدُوا الآلِهَةَ الَّتِي عِبْتَ،وَإِنْ كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْهُمْ فَتَكَلَّمْ حَتَّى نَسْمَعَ قَوْلَكَ،إِنَّا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا سَخْلَةً قَطُّ أَشْأَمَ عَلَى قَوْمِكَ مِنْكَ فَرَّقْتَ جَمَاعَتَنَا،وَشَتَّتَ أَمْرَنَا،وَعِبْتَ دِينَنَا،فَفَضَحْتَنَا فِي الْعَرَبِ،حَتَّى لَقَدْ طَارَ فِيهِمْ أَنَّ فِي قُرَيْشٍ سَاحِرًا،وَأَنَّ فِي قُرَيْشٍ كَاهِنًا،وَاللَّهِ مَا نَنْتَظِرُ إِلا مِثْلَ صَيْحَةَ الْحُبْلَى بِأَنْ يَقُومَ بَعْضُنَا إلى بَعْضٍ بِالسُّيُوفِ حَتَّى نَتَفَانَى أَيُّهَا الرَّجُلُ،إِنْ كَانَ إِنَّمَا بِكَ الْحَاجَةُ جَمَعْنَا حَتَّى تَكُونَ أَغْنَى قُرَيْشٍ رَجُلا،وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا بِكَ الْبَاءَةُ فَاخْتَرْ أَيَّ نِسَاءِ قُرَيْشٍ شِئْتَ فَنُزَوِّجُكَ عَشْرًا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ:أَفَرَغْتَ ؟ قَالَ:نَعَمْ،قَالَ:فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ? بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ?،حَتَّى بَلَغَ:? فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ?،فَقَالَ عُتْبَةُ:حَسْبُكَ حَسْبُكَ،مَا عِنْدَكَ غَيْرُ هَذَا ؟ قَالَ:لا،فَرَجَعَ إلى قُرَيْشٍ،فَقَالُوا:مَا وَرَاءَكَ ؟ قَالَ:مَا تَرَكْتُ شَيْئًا أَرَى أَنَّكُمْ تُكَلِّمُونَهُ بِهِ إِلا كَلَّمْتُهُ،قَالُوا:هَلْ أَجَابَكَ ؟ قَالَ:نَعَمْ،وَالَّذِي نَصَبَهَا بَنِيَّةً،مَا فَهِمْتُ شَيْئًا مِمَّا قَالَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ:? أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ?،قَالُوا:وَيْلَكَ يُكَلِّمُكَ رَجُلٌ بِالْعَرَبِيَّةِ لا تَدْرِي مَا قَالَ ؟ قَالَ:لا،وَاللَّهِ مَا فَهِمْتُ شَيْئًا مِمَّا قَالَ غَيْرَ ذِكْرِ الصَّاعِقَةِ "
تجنب مقاطعة أحد،أو تصحيح كلامه،أو تجريحه،أو تخطيه،أو السخرية من كلامه.
قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ} (83) سورة البقرة
واذكروا يا بني إسرائيل حين أخَذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا: بأن تعبدوا الله وحده لا شريك له،وأن تحسنوا للوالدين،وللأقربين،وللأولاد الذين مات آباؤهم وهم دون بلوغ الحلم،وللمساكين،وأن تقولوا للناس أطيب الكلام،مع أداء الصلاة وإيتاء الزكاة،ثم أَعْرَضْتم ونقضتم العهد -إلا قليلا منكم ثبت عليه- وأنتم مستمرون في إعراضكم.
وقال تعالى:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (46) سورة العنكبوت.
ولا تجادلوا -أيها المؤمنون- اليهودَ والنصارى إلا بالأسلوب الحسن،والقول الجميل،والدعوة إلى الحق بأيسر طريق موصل لذلك،إلا الذين حادوا عن وجه الحق وعاندوا وكابروا وأعلنوا الحرب عليكم فجالدوهم بالسيف حتى يؤمنوا،أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون،وقولوا: آمنا بالقرآن الذي أُنزل إلينا،وآمنا بالتوراة والإنجيل اللذَيْن أُنزلا إليكم،وإلهنا وإلهكم واحد لا شريك له في ألوهيته،ولا في ربوبيته،ولا في أسمائه وصفاته،ونحن له خاضعون متذللون بالطاعة فيما أمرنا به،ونهانا عنه.
خفض الصوت وعدم رفعه أكثر من الحاجة،وتجنب الصخب والضجيج،والصراخ والانفعال.
قال تعالى:{ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)} لقمان.
وَامشِ مُقْتَصِداًَ فِي مَشْيِكَ،عَدْلاً وَسَطاً بَيْنَ البَطِيءِ المُتَثَبِّطِ،والسَّريعِ المُفْرِطِ،وَلا تُبَالِغْ فِي الكَلاَمِ،وَلا تَرْفَعَ صَوْتَكَ فِيمَا لا فَائِدَةَ مِنْهُ،وَحِينَما لاَ تَكُونَ هُنَاكَ حَاجَةٌ إلى رَفْعِ الصَّوتِ،فَذَلِكَ يَكُونُ أَوْقَرَ لِلمُتَكَلِّمِ،وأَبْسَطَ لِنَفْسِ السَّامِعِ.ثُمَّ قَالَ لُقْمَانُ لاْبِنِهِ مُنَفِّراً إِيَّاهُ مِنْ رَفْعِ صَوْتِهِ حِينَما لاَ يَكُونُ هُنَاكَ حَاجَةً لِذلِك:إِنَّ الحِمَارَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ عِندَ النَّهِيقِ،ولكِنَّ الصَّوْتَ الذِي يَصْدُرُ عَنْهُ قَبيحٌ مُنْكَرٌ،فَلاَ يَلِيقُ بالإِنسَانِ العَاقِلِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلَ الحِمَارِ "
التزام الهدوء والابتسام أثناء الكلام،وعدم التجهم والعبوس في وجوه الناس.
فعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ،قَالَتْ:كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ،لاَ يُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ إِلاَّ تَبَسَّمَ فِيهِ،فَقُلْتُ لَهُ:إِنِّي أَخْشَى أَنْ يُحَمِّقَكَ النَّاسُ فَقَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ rلاَ يُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ إِلاَّ تَبَسَّمَ.". رواه أحمد.
تجنّب الخبيث من الكلام،والهجين من الألفاظ،لأن المؤمن لا يكون فاحشا ولا بذيئا. فعَنْ مَسْرُوقٍ،قَالَ:قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو:إِنَّ رَسُولَ اللهِ rلَمْ يَكُنْ فَاحِشًا،وَلاَ مُتَفَحِّشًا،وَكَانَ يَقُولُ:خِيَارُكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا.
وعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ قَدِمَ مَعَ مُعَاوِيَةَ إلى الْكُوفَةِ فَذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ - r- فَقَالَ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا،وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r- « إِنَّ مِنْ أَخْيَرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ خُلُقًا » .
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْجَدَلِيِّ،قَالَ:قُلْتُ لِعَائِشَةَ:كَيْفَ كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللهِ rفِي أَهْلِهِ ؟ قَالَتْ:كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا،لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا،وَلاَ مُتَفَحِّشًا،وَلاَ سَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ،وَلاَ يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ،وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ - r- قَالَ « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ،وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ ».متفق عليه
وعَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه - قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ قَالَ « مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ »
تجنب الحلف والإكثار من القسم أثناء الكلام،وعدم الحلف إلا لضرورة. فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ،أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ r،يَقُولُ: إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ،فَإِنَّهُ يُنْفَقُ،ثُمَّ يُمْحَقُ.
وقال تعالى:{لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (89) سورة المائدة.
وإنما حذر عن كثرة الحلف ؛ لأن الغالب ممن كثرت أيمانه وقوعه في الكذب والفجور،وإن سلم من ذلك على بعده لم يسلم من الحنث،أو النَّدم ؛ لأن اليمين حنث أو مندمة.وإن سلم من ذلك لم يسلم من مدح السلعة المحلوف عليها،والإفراط في تزيينها ليروجها على المشتري،مع ما في ذلك من ذكر الله تعالى لا على جهة التعظيم،بل على جهة مدح السِّلعة،فاليمين على ذلك تعظيم للسِّلع،لا تعظيم لله تعالى.وهذه كلها أنواع من المفاسد لا يقدم عليها إلا من عقله ودينه فاسد
تجنّب الحلف بمخلوق كالنبي والكعبة والملائكة والآباء والحياة والرأس والشرف.. إلخ.
فعَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rأَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ،فَقَالَ:إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ،فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ،أَوْ لِيَسْكُتْ. متفق عليه.
وعَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ،سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ،رَجُلاً يَقُولُ:وَالْكَعْبَةِ فَقَالَ:لاَ تَحْلِفْ بِغَيْرِ اللهِ،فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ:مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ وَأَشْرَكَ.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ،وَلاَ بِأُمَّهَاتِكُمْ،وَلاَ بِالأَنْدَادِ،وَلاَ تَحْلِفُوا إِلاَّ بِاللَّهِ،وَلاَ تَحْلِفُوا إِلاَّ وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ.
إلزام اللسان كثرة الاستغفار كلما بدر منه سيئة أو صدرت عنه خطيئة. فعَن حُذَيْفَةَ،قَالَ:شَكَوْت إلى رَسُولِ اللهِ rذَرَبَ لِسَانِي فَقَالَ:أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الاسْتِغْفَارِ،إنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِئَة مَرَّةٍ. الذرب:فساد اللسان وبذاؤه
"وفي الحديث دليل على أن سبب ذرب اللسان هو الذنوب فإذا غفرها الله سبحانه وتعالى بالاستغفار ذهب ذلك عن صاحبه وأما رسول الله rفهو معصوم عن ذلك وإنما قال هذه المقالة واستغفر هذا الاستغفار ليبين لأمته ما يفعلون إذا بلى أحدهم بذلك "


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:28 PM

مراقبة اللسان وحفظه،وحبسه وكفه عن المهلكات والمحرمات التالية:
الكذب في الجد والهزل،فهو من أعظم الذنوب وأشد الكبائر. فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،قَالَ:كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ rفِي سَفَرٍ،فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ،فَقُلْتُ:يَا نَبِيَّ اللهِ،أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ،وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ.قَالَ:لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ،وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ،تَعْبُدُ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا،وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ،وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ،وَتَصُومُ رَمَضَانَ،وَتَحُجُّ الْبَيْتَ،ثُمَّ قَالَ:أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ ؟:الصَّوْمُ جُنَّةٌ،وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ،وَصَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ قَرَأَ:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}،حَتَّى بَلَغَ:{يَعْمَلُونَ}،ثُمَّ قَالَ:أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ فَقُلْتُ:بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.قَالَ:رَأْسُ الأَمْرِ الإِِسْلاَمُ وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ،وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ثُمَّ قَالَ:أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ فَقُلْتُ لَهُ:بَلَى يَا نَبِيَّ اللهِ.فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ،فَقَالَ:كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ:ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ،وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ،أَوْ قَالَ:عَلَى مَنَاخِرِهِمْ،إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟.
الغيبة وهي ذكر أحد بما يكره،وهي تدل على نقص فاعلها وخسة نفسه وقلة مروءته. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ». قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِى أَخِى مَا أَقُولُ قَالَ « إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ ».
النميمة وهي نقل الأحاديث السيئة للإيقاع بين المتحابين وهي تدل على خبث النفس وضعتها وأنانيتها. فعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلاً يَنِمُّ الْحَدِيثَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ ».
وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} (12) سورة الحجرات
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه اجتنبوا كثيرًا من ظن السوء بالمؤمنين; إن بعض ذلك الظن إثم،ولا تُفَتِّشوا عن عورات المسلمين،ولا يقل بعضكم في بعضٍ بظهر الغيب ما يكره. أيحب أحدكم أكل لحم أخيه وهو ميت؟ فأنتم تكرهون ذلك،فاكرهوا اغتيابه. وخافوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه. إن الله تواب على عباده المؤمنين،رحيم بهم.
المراء والجدال العقيم،وقيل وقال،والخوض فيما لا طائل منه ولا ثمرة بعده. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ بَاطِلٌ،بُنِيَ لَهُ قَصْرٌ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ،وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ،بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا،وَمَنْ حَسَّنَ خُلُقَةُ،بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلَاهَا "
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " أَنَا زَعِيمُ بِبَيْتٍ بِرَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ،وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا،وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ،وَإِنْ كَانَ مَازِحًا،وَبِبَيْتٍ فِي أَعَلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حُسُنَ خُلُقُهُ "
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ r،قَالَ:إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا،وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاَثًا،يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا،وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا،وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ أَمَرَكُمْ،وَيَسْخَطُ لَكُمْ قِيلَ،وَقَالَ:وَإِضَاعَةَ الْمَالِ،وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ.
وعَنِ الشَّعْبِىِّ حَدَّثَنِى كَاتِبُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنِ اكْتُبْ إلى بِشَىْءٍ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِىِّ - r-.فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - r- يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا قِيلَ وَقَالَ،وَإِضَاعَةَ الْمَالِ،وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ » .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاَثًا فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ».
تزكية النفس،والاعتداد بها،والتحدث عن أعمالها ومناقبها وأمجادها ومآثرها،قال تعالى:{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (32) سورة النجم
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِىِّ - r- فَقَالَ « وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ،قَطَعْتَ عُنَقَ صَاحِبِكَ ».مِرَارًا ثُمَّ قَالَ - « مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلاَنًا،وَاللَّهُ حَسِيبُهُ،وَلاَ أُزَكِّى عَلَى اللَّهِ أَحَدًا،أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ »
اللعان والسباب والفحش والشتم والطعن والولوغ في أعراض الناس وسمعتهم همزا ولمزا. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِاللِّعَّانِ،وَلَا الطَّعَّانِ،وَلَا الْفَاحِشِ،وَلَا الْبَذِيءِ "
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِاللَّعَّانِ،وَلا بِالطَّعَّانِ،وَلا الْفَاحِشِ،وَلا الْبَذِيءِ "
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،أَنَّ رَسُولَ اللهِ r،قَالَ:إِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،وَإِيَّاكُمْ وَ الْفُحْشَ،فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفُحْشَ،وَلاَ التَّفَحُّشَ،وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ،فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الشُّحُّ،أَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ،فَقَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ،وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ،فَفَجَرُوا،وَأَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ،فَبَخِلُوا،فَقَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللهِ،وَأَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ:أَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ،وَيَدِكَ،قَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ،قَالَ:أَنْ تَهْجُرَ مَا كَرِهَ رَبُّكَ،قَالَ:وَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: الْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ،هِجْرَةُ الْحَاضِرِ،وَهِجْرَةُ الْبَادِي،أَمَّا الْبَادِي،فَيُجِيبُ إِذَا دُعِيَ،وَيُطِيعُ إِذَا أُمِرَ،وَأَمَّا الْحَاضِرُ،فَهُوَ أَعْظَمُهُمَا بَلِيَّةً،وَأَعْظَمُهُمَا أَجْرًا.
ذم أي شيء،واحتقار أي مخلوق،والدعاء على أي أحد. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا ». وَيُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ « بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ».
كثرة المزاح،وإضحاك الآخرين،حتى تصير عادة تسقط المهابة،وتذهب بالحياء.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كُنْ وَرِعًا:تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ،وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ،وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ،تَكُنْ مُؤْمِنًا،وَأَحْسِنْ إلى مُجَاوِرَةِ مَنْ جَاوَرَكَ،تَكُنْ مُسْلِمًا،وَأَقِلَّ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ "
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي خَمْسَ خِصَالٍ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ،أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ ؟ قَالَ:قُلْتُ أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ.قَالَ:فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا ثُمَّ قَالَ:اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ،وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ،وَأَحْسِنْ إلى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا،وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا،وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ،فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ.
والضحك أحياناً لا بأس به،فعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ rإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لَمْ يَرْفَعْ أَحَدٌ مِنَّا رَأْسَهُ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرُ،فَإِنَّهُمَا كَانَا يَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ إِلَيْهِمَا"
وعَنْ أَنَسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r" " كَانَ يَخْرُجُ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَهُمْ جُلُوسٌ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَلَا يَرْفَعُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَصَرَهُ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَإِنَّهُمَا كَانَا يَنْظُرَانِ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمَا وَيَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ إِلَيْهِمَا "
والمزاح إذا كان قليلا وبحق فلا بأس به،فعنْ عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ،قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلا يَقُولُ لابْنِ عُمَرَ: أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ r, يَقُولُ:إِنِّي لأَمْزَحُ،وَلا أَقُولُ إِلا حَقًّا؟ قَالَ: نَعَمْ.
وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -r- أَنَّهَا قَالَتْ:مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَطُّ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتَهُ إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ قَالَتْ وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِى وَجْهِهِ فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ،وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِى وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ قَالَ :« يَا عَائِشَةُ وَمَا يُؤَمِّنُنِى أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ ». وَتَلاَ رَسُولُ اللَّهِ -r- {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (24) سورة الأحقاف.
السخرية من الناس،والاستهزاء بضعفائهم،وتنقيص أقدارهم،والحط من مكانتهم. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (11) سورة الحجرات.
وعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ،أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ،كَانَ يَحْتَزُّ لِرَسُولِ اللهِ rسِوَاكًا مِنْ أَرَاكٍ،وَكَانَ فِي سَاقَيْهِ دِقَّةٌ،فَضَحِكَ الْقَوْمُ،فَقَالَ النَّبِيُّ r: مَا يُضْحِكُكُمْ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ،وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ.
المبالغة في المدح،والتكريم والتعظيم،حتى يصير تملقا ونفاقا.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ قَالَ « أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ ». رواه الترمذي.
وعَنْ إِسْمَاعِيلَ بن أَبِي خَالِدٍ،قَالَ: أَوْصَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَبَا عُبَيْدَةَ ابْنَهُ بِثَلاثِ كَلِمَاتٍ"أَيْ بنيْ،أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ،وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ".
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ،قَالَ:لَقِيتُ رَسُولَ اللهِ rفَقَالَ لِي:يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ،صِلْ مَنْ قَطَعَكَ،وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ،وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ.
قَالَ:ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ rفَقَالَ لِي:يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ،أَمْلِكْ لِسَانَكَ،وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ،وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ.
قَالَ:ثُمَّ لَقِيتُ رَسُولَ اللهِ rفَقَالَ لِي:يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ،أَلاَ أُعَلِّمُكَ سُوَرًا مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلاَ فِي الزَّبُورِ وَلاَ فِي الإِِنْجِيلِ وَلاَ فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهُنَّ،لاَ يَأْتِيَنَّ عَلَيْكَ لَيْلَةٌ إِلاَّ قَرَأْتَهُنَّ فِيهَا:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}،وَ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}،وَ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}،قَالَ عُقْبَةُ:فَمَا أَتَتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ إِلاَّ قَرَأْتُهُنَّ فِيهَا،وَحُقَّ لِي أَنْ لاَ أَدَعَهُنَّ وَقَدْ أَمَرَنِي بِهِنَّ رَسُولُ اللهِ r.
وَكَانَ فَرْوَةُ بْنُ مُجَاهِدٍ،إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ:أَلاَ فَرُبَّ مَنْ لاَ يَمْلِكُ لِسَانَهُ،أَوْ لاَ يَبْكِي عَلَى خَطِيئَتِهِ وَلاَ يَسَعُهُ بَيْتُهُ.
وعَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ r،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: طُوبَى لِمَنْ مَلَكَ لِسَانَهُ،وَوَسِعَهُ بَيْتُهُ،وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ "
وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ،قَالَ:قُلْ:رَبِّيَ اللَّهُ،ثُمَّ اسْتَقِمْ،قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ ؟ قَالَ:فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ:هَذَا ".
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ:الْمَعْنَى فِي أَخْذِ النَّبِيِّ rلِسَانَهُ بِيَدِهِ وَقَالَ:هَذَا،وَقَدْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقُولَ:اللِّسَانُ،مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْخُذَ لِسَانَهُ أَنَّهُ rكَانَ عَالِمًا بِالْعِلْمِ الَّذِي كَانَ يُعِلِّمُ النَّاسَ،فَأَرَادَ أَنْ يَسْبِقَ نَفْسَهُ إلى الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ الَّذِي اسْتُعْلِمَ،فَعَلِمَ بِأَنَّهُ أَخْبَرَ السَّائِلَ بِأَنَّ أَخْوَفَ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يُورِدَ صَاحِبَهُ الْمَوَارِدَ،وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَ عَلَيْهِ،وَلاَ يُطْلِقَهُ،فَعَمِلَ rبِمَا كَانَ يَعْلَمُهُ أَوَّلاً،حَتَّى يُفَصِّلَ مَوَاضِعَ الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ.
وتجوز المبالغة بالذم لمن يعادي الإسلام،فعَنْ أَنَسٍ،قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ r: لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ،قَالَ:فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ،وَرَكِبَ حِمَارًا،وَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ،وَهِيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ،فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ r،قَالَ:إِلَيْكَ عَنِّي،فَوَاللهِ،لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِكَ.قَالَ:فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ:وَاللهِ،لَحِمَارُ رَسُولِ اللهِ rأَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ،قَالَ:فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ،قَالَ:فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ،قَالَ:فَكَانَ بَيْنَهُمْ ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَبِالأَيْدِي وَبِالنِّعَالِ،قَالَ:فَبَلَغَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمْ :{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (9) سورة الحجرات.

____________



منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:30 PM

-13-آداب بيتية

يقضي الإنسان فترة راحته وخلوته مع أهله وأسرته في بيته،ولا بدّ خلال هذه الفترة في تعامله مع نفسه أو أهله أو مرافق بيته من مبادئ صحيحة وقواعد سليمة ينال بها رضاء الله تعالى،ويحقق بها سعادته وتقواه.
وأهم ما يتزود به المسلم من بيته هو عبادة الله تعالى عندما يكون خاليا،ومراقبته له سبحانه وقيامه في الليل إلى صلاته ودعائه وعرض حوائجه ومناجاته.
ويأتي في الدرجة الثانية تزوده بالمعارف والعلوم من خلال مطالعاته وقراءاته في الكتب النافعة المفيدة في أوقات فراغه وصفائه.
ثم يأتي وقت التفكير والاستعداد للقاء الناس،وكيفية صحبتهم،وخاصة في معاملاته مع أهله وإخوته وأرحامه.
ثم يتبع ذلك وقت راحته ونومه،واستعادة نشاطه الجسمي من خلال طعامه وشرابه،ونظافته واستحمامه وغير ذلك.
وهذه طائفة من الآداب البيتية نعرضها في الآتي:
تسمية الله تعالى عند الدخول إلى البيت.
فعَنْ جَابِرٍ،أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ r،يَقُولُ:إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ،قَالَ الشَّيْطَانُ:لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ،وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ،قَالَ الشَّيْطَانُ:أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ،وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ،قَالَ:أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ.
يُسْتَحَبُّ إِذَا دَخَل بَيْتَهُ أَنْ يُسَلِّمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ وَلْيَقُل:السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ.وَكَذَا إِذَا دَخَل مَسْجِدًا،أَوْ بَيْتًا لِغَيْرِهِ فِيهِ أَحَدٌ،يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلِّمَ وَأَنْ يَقُول:السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ،السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْل الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ،فعن نافع،أن عبد الله بن عمر قال:إذا دخل البيت غير المسكون فليقل:السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين "
قال تعالى:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} (61) سورة النــور.
وأن يدعو بالدعاؤ التالي،فعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ،فَلْيَقُلِ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلِجِ،وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ،بِسْمِ اللهِ وَلَجْنَا،وَبِسْمِ اللهِ خَرَجْنَا،وَعَلَى اللهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا،ثُمَّ لْيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ. رواه أبو داود.
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -r- « يَا بُنَىَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ ». رواه الترمذي.
تجنب التسلل إلى البيت،أو الدخول فجأة على الأهل دون إشعار أو إعلام أو استئذان،لئلا يرى ما يكره أن يوقع أحدا في الحرج أو الرعب،وخاصة عند العودة من غيبة طويلة.
قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (189) سورة البقرة.
سَأَلَ بَعْضُ المُسْلِمينَ الرَّسُولَ rعَنِ اخْتِلافِ الهِلاَلِ:يَكُونُ صَغِيراً فَيَكْبُرُ،ثُمَّ يَعُودُ فَيَصْغُرُ.فَنَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ.وَفِيهَا يُجِيبُهُمُ اللهُ تعالى:يَسْأَلُونَكَ عَنِ الحِكْمَةِ فِي اخْتِلافِ الأَهِلَّةِ وَفَائِدَتِهِ،فَأَجِبْهُمْ:بِأَنَّهَا مَعَالِمُ للنَّاسِ،يُوَقِّتُونَ بِهَا أُمُورَ دُنْيَاهُمْ،فَيَعْلَمُونَ أَوْقَاتَ زُرُوعِهِمْ،وَأَجَلَ عقُودِهِمْ،وَهِيَ مَعَالِمُ لِلْعِبَادَاتِ المُوَقَّتَةِ،فَيَعْرِفُونَ بِهَا أَوْقَاتَها كَالصِّيَامِ،وَالإِفْطَارِ وَالحَجِّ.. وَلَوْ كَانَ الهِلاَلُ مُلاَزِماً حَالاً وَاحِداً لَمَا تَيَسَّرَ التَّوْقِيتُ بِهِ .
وَكَانَ العَرَبُ إِذَا أَحْرَمُوا فِي الجَاهِلِيَّةِ أَتَوا البَيْتَ مِنْ ظَهْرِهِ،وَقِيلَ أَيْضاً إِنَ أَحَدَهُمْ إِذا أَرَادَ سَفَراً وَخَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لِسَفَرِهِ،ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ أَنْ يُقيمَ وَيَدَعَ السَّفَرَ،لَمْ يَدْخُلْ بَيْتِهِ مِنْ بَابِهِ،وَإِنَّمَا كَانَ يَتَسَوَّرُهُ مِنْ ظَهْرِهِ.فَأَمَرَهُمُ اللهُ تعالى بِدُخُولِ البُيُوتِ مِنْ أَبْوابَها.وَيَقُولُ تعالى لِلْمُؤْمِنينَ إِنَّ البِرَّ هُوَ التَّقْوَى،وَلَيسَ فِي إِتْيانِ البُيُوتِ مِنْ ظُهُورِها بِرٌّ،وَلاَ تَقْوَى.فَاتَّقُوا الله،وَافْعَلُوا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ،وَاتْرُكُوا مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ،لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِذا وَقَفْتُمْ فِي الآخِرَةِ بَيْنَ يَدَيهِ لِلْحِسَابِ .
وعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا فِى الْجَاهِلِيَّةِ أَتَوُا الْبَيْتَ مِنْ ظَهْرِهِ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ).
مراقبة الله تعالى في الوحدة،واجتناب المحرمات في الخلوة. عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِى مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ « احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ». قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِى بَعْضٍ قَالَ « إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلاَ يَرَيَنَّهَا ». قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا قَالَ « اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ ».
تجنب رفع الأصوات والصخب واللعب المزعج للأهل أو للجيران.
تجنب رفع صوت المذياع أو الرائي وخاصة في أوقات الراحة أو النوم.
تجنب سماع شيء أو رؤيته ما لا يليق بالمسلم إضاعة الوقت به.قال تعالى:{ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36)} الإسراء.
الانتباه للستر والحياء،وتجنب كشف العورات وخاصة عند تبديل الثياب،وعند الطهارة والاغتسال،ومراعاة الحشمة والأدب أثناء الجلوس والمنام،والغض عن عورات الآخرين.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،قَالَ:كُنَّا نَنْقُلُ الْحِجَارَةَ إلى الْبَيْتِ حِينَ بَنَتْ قُرَيْشٌ الْبَيْتَ،وَكَانَ رِجَالٌ يَنْقُلُونَ الْحِجَارَةَ فَكَانُوا يَنْقُلُونَ رَجُلَيْنِ رَجُلَيْنِ،وَكَانَتِ النِّسَاءُ يَنْقُلْنَ الشِّيدَ،وَكُنْتُ أَنْقُلُ أَنَا وَابْنُ أَخِي،فَكُنَّا نَضَعُ ثِيَابَنَا تَحْتَ الْحِجَارَةِ،فَإِذَا غَشِينَا النَّاسُ اتَّزَرْنَا،قَالَ:فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي وَمُحَمَّدٌ rقُدَّامِي لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ،فَتَأَخَّرَ مُحَمَّدٌ r،فَانْبَطَحَ عَلَى وَجْهِهِ،فَجِئْتُ أَسْعَى،وَأَلْقَيْتُ الْحَجَرَيْنِ،وَهُوَ يَنْظُرُ إلى شَيْءٍ فَوْقَهُ،قُلْتُ:مَا شَأْنُكَ ؟ فَقَامَ فَأَخَذَ إِزَارَهُ،وَقَالَ:نُهِيتُ أَنْ أَمْشِيَ عُرْيَانًا،قُلْت:اكْتُمْهَا النَّاسَ مَخَافَةَ أَنْ يَقُولُوا:مَجْنُونٌ
عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ؛ قَالَ:كُنَّا نَنْقُلُ الْحِجَارَةَ إلى الْبَيْتِ حِينَ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَبْنِي الْبَيْتَ،وَكَانَ الرِّجَالُ مِنْ قُرَيْشٍ يَنْقُلُونَ الْحِجَارَةَ،وَكَانَتِ النِّسَاءُ تَنْقُلُ.قَالَ:وَكُنْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّ r. قَالَ:فَكُنَّا نَحْمِلُ الْحِجَارَةَ عَلَى أَرْقَابِنَا وَأُزُرِنَا تَحْتَ الْحِجَارَةِ،فَإِذَا غَشِيَنَا النَّاسَ ؛ اتَّزَرْنَا،فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي وَمُحَمَّدٌ rأَمَامِي لَيْسَ عَلَيْهِ إِزَارٌ ؛ إِذْ خَرَّ رَسُولُ اللهِ r،فَانْبَطَحَ.قَالَ:فَأَلْقَيْتُ حَجَرِي وَجِئْتُ أَسْعَى ؛ فَإِذَا هُوَ يَنْظُرُ إلى السَّمَاءِ،فَقُلْتُ:مَا شَأْنَكَ ؟ فَقَامَ فَأَخَذَ إِزَارَهُ،فَقَالَ:« نُهِيتُ أَنْ أَمْشِي عُرْيَانًا ».قَالَ:فَكُنْتُ أَكْتُمُهُ النَّاسَ مَخَافَةَ أَنْ يَقُولُوا:مَجْنُونٌ،حَتَّى أَظْهَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نُبُوَّتَهُ r".
الرضا بما قسم الله تعالى من المسكن،وعدم التذمر من ضيقه أو سوء ظروفه،فكم من إنسان لا مأوى له يقيه حر الصيف وبرد الشتاء.
عن ابْنِ بُرَيْدَةَ،قَالَ:حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rكَانَ يَقُولُ إِذَا تَبَوَّأَ مَضْجَعَهُ:الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي وَآوَانِي وَسَقَانِي،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيَّ فَأَفْضَلَ،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعْطَانِي فَأَجْزَلَ،الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ،اللَّهُمَّ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ،وَمَالِكَ كُلِّ شَيْءٍ،وَإِلَهَ كُلِّ شَيْءٍ،لَكَ كُلُّ شَيْءٍ،أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ..
وعَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ،قَالَتْ:أَتَانَا رَسُولُ اللهِ r،فَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ طَعَامًا،فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ،فَوَجَدَهُ حَارًّا،فَقَالَ:حَسِّ،وَقَالَ ابْنُ آدَمَ إِنَّ أَصَابَهُ بَرْدٌ قَالَ:حَسِّ،وَإِنَّ أَصَابَهُ حَرٌّ قَالَ:حَسِّ. ثُمَّ تَذَاكَرَ رَسُولُ اللهِ r،وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الدُّنْيَا،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ،فَمَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا بُورِكَ لَهُ فِيهَا،وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ فِيمَا شَاءَتْ نَفْسُهُ فِي مَالِ اللهِ وَمَالِ رَسُولِهِ r،لَهُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:32 PM

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r- عَلَّمَهُ دُعَاءً،وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَعَاهَدَ بِهِ أَهْلَهُ كُلَّ يَوْمٍ،قَالَ:" مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ:لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ،لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ،وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ،وَمِنْكَ وَبِكَ وَإِلَيْكَ.اللَّهُمَّ مَا قَلْتُ مِنْ قَوْلٍ،أَوْ نَذَرْتُ مِنْ نَذْرٍ،أَوْ حَلَفْتُ مِنْ حَلِفٍ،فَمَشِيئَتُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ،مَا شِئْتَ كَانَ،وَمَا لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ،وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ،إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.اللَّهُمَّ وَمَا صَلَّيْتُ مِنْ صَلَاةٍ فَعَلَى مَنْ صَلَّيْتَ،وَمَا لَعَنْتُ مِنْ لَعْنَةٍ فَعَلَى مَنْ لَعَنْتَ،إِنَّكَ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ،تَوَفَّنِي مُسْلِمًا،وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ.أَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ،وَبِرَدِّ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ،وَلَذَّةَ النَّظَرِ إلى وَجْهِكَ،وَشَوْقًا إلى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ،وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ،أَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ،أَوْ أَعْتَدِيَ أَوْ يُعْتَدَى عَلَيَّ،أَوْ أَكْتَسِبَ خَطِيئَةً مُحْبِطَةً،أَوْ ذَنْبًا لَا يُغْفَرُ.اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ،عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ،ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ،فَإِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا،وَأُشْهِدُكَ - وَكَفَى بِكَ شَهِيدًا - إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ،وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ،لَكَ الْمُلْكُ،وَلَكَ الْحَمْدُ،وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ،وَأَشْهَدُ أَنَّ وَعْدَكَ حَقٌّ،وَلِقَاءَكَ حَقٌّ،وَالْجَنَّةَ حَقٌّ،وَالسَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا،وَأَنْتَ تَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ،وَأَشْهَدُ أَنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إلى نَفْسِي تَكِلْنِي إلى ضَيْعَةٍ،وَعَوْرَةٍ،وَذَنْبٍ،وَخَطِيئَةٍ،وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ ; فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ،إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ،وَتُبْ عَلَيَّ ; إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " .
وعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ،أَنَّ فَضَالَةَ بن عُبَيْدٍ كَانَ يَقُولُ:"اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ،وَبَرَدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ،وَلَذَّةَ النَّظَرِ إلى وَجْهِكَ،وَالشَّوْقَ إلى لِقَائِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ،وَلا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ،وَزَعَمَ أَنَّهَا دَعَوَاتٌ كَانَ يَدْعُو بِهَا النَّبِيُّ r"
تفقد مرافق البيت وأثاثه،والحرص على سلامته،والقيام بإصلاح ما يحتاج إلى ذلك إن كان يحسن إصلاحه،وعدم إهماله حتى يكبر ويزيد.
الانتباه إلى نظافة البيت وطهارته والمشاركة في خدماته. عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِى حَسَّانَ،قَالَ:سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ:إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ،نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ،كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ،جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ،فَنَظِّفُوا (أُرَاهُ قَالَ:) أَفْنِيَتَكُمْ وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ،قَالَ:فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ،فَقَالَ:حَدَّثَنِيهِ عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنِ النَّبِىِّ،r, مِثْلَهُ،إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ:نَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ "
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " نَظِّفُوا أَفْنِيَتِكُمْ،فَإِنَّ الْيَهُودَ أَنْتَنُ النَّاسِ "
وعَنِ الأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِىُّ - r- يَصْنَعُ فِى بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِى مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِى خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إلى الصَّلاَةِ.رواه البخاري.
حفظ أسرار البيت الخاصة،وتجنب عدم إذاعتها أمام أحد.
الاستئذان والسلام عند الخروج من البيت،وإعلام الأهل عن الوجهة التي يريد.
ترديد دعاء الخروج من البيت عند الخروج منه.
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -r- كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ « بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا ». رواه الترمذي .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ النَّبِيَّ r،قَالَ:" إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ،لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ،قَالَ:يُقَالُ حِينَئِذٍ:هُدِيتَ،وَكُفِيتَ،وَوُقِيتَ،فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ،فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ:كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ ؟ "رواه أبو داود.
وعَن كَعْبِ الأَحْبَارِ قَالَ:إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ:بِسْمِ اللهِ،تَوَكَّلْت عَلَى اللهِ،وَلا حول ولا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ،تلقت الشَّيَاطِينُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالُوا:هَذَا عَبْدٌ قَدْ هُدِيَ وَحُفِظَ وَكُفِيَ فَلا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ،فَيَتَصَدَّعُونَ عَنهُ."

____________


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:33 PM

-14- آداب الابن مع الوالدين

لم يقرن الله تعالى إلى عبادته وحده شيئا سوى الإحسان إلى الوالدين،ولم يعطف شكر أحد إلى شكره وهو مصدر كل نعمة وخير وفضل وعطاء سوى شكر الوالدين: قال تعالى:{وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} (36) سورة النساء
واعبدوا الله وانقادوا له وحده،ولا تجعلوا له شريكًا في الربوبية والعبادة،وأحسنوا إلى الوالدين،وأدُّوا حقوقهما،وحقوق الأقربين،واليتامى والمحتاجين،والجار القريب منكم والبعيد،والرفيق في السفر وفي الحضر،والمسافر المحتاج،والمماليك من فتيانكم وفتياتكم. إن الله تعالى لا يحب المتكبرين من عباده،المفتخرين على الناس.
وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (14) سورة لقمان.
وأَمَرْنا الإنسان ببرِّ والديه والإحسان إليهما،حَمَلَتْه أمه ضعفًا على ضعف،وحمله وفِطامه عن الرضاعة في مدة عامين،وقلنا له: اشكر لله،ثم اشكر لوالديك،إليَّ المرجع فأُجازي كُلا بما يستحق.
وتوصية الولد بالوالدين تتكرر في القرآن الكريم،وفي وصايا رسول اللّه - r- ولم ترد توصية الوالدين بالولد إلا قليلا. ومعظمها في حالة الوأد - وهي حالة خاصة في ظروف خاصة - ذلك أن الفطرة تتكفل وحدها برعاية الوليد من والديه. فالفطرة مدفوعة إلى رعاية الجيل الناشئ لضمان امتداد الحياة،كما يريدها اللّه وإن الوالدين ليبذلان لوليدهما من أجسامهما وأعصابهما وأعمارهما ومن كل ما يملكان من عزيز وغال،في غير تأفف ولا شكوى بل في غير انتباه ولا شعور بما يبذلان! بل في نشاط وفرح وسرور كأنهما هما اللذان يأخذان! فالفطرة وحدها كفيلة بتوصية الوالدين دون وصاة! فأما الوليد فهو في حاجة إلى الوصية المكررة ليلتفت إلى الجيل المضحي المدبر المولّى الذاهب في أدبار الحياة،بعد ما سكب عصارة عمره وروحه وأعصابه للجيل المتجه إلى مستقبل الحياة! وما يملك الوليد وما يبلغ أن يعوّض الوالدين بعض ما بذلاه،ولو وقف عمره عليهما. وهذه الصورة الموحية:«حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ» ترسم ظلال هذا البذل النبيل. والأم بطبيعة الحال تحتمل النصيب الأوفر وتجود به في انعطاف أشد وأعمق وأحنى وأرفق ..
وليس بعد ذلك الشرف العظيم،والوسام الكريم،والحكم الالهي الحكيم تفصيل لمتكلم،ولا تعقيب لمعقب،ولا زيادة لمستزيد.
إنها وصية الله جلّ ذكره {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (8) سورة العنكبوت.
إن الوالدين لأقرب الأقرباء. وإن لهما لفضلا،وإن لهما لرحما وإن لهما لواجبا مفروضا:واجب الحب والكرامة والاحترام والكفالة. ولكن ليس لهما من طاعة في حق اللّه. وهذا هو الصراط:«وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً. وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما» ..
إن الصلة في اللّه هي الصلة الأولى،والرابطة في اللّه هي العروة الوثقى. فإن كان الوالدان مشركين فلهما الإحسان والرعاية،لا الطاعة ولا الاتباع. وإن هي إلا الحياة الدنيا ثم يعود الجميع إلى اللّه. «إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» ..
ويفصل ما بين المؤمنين والمشركين. فإذا المؤمنون أهل ورفاق،ولو لم يعقد بينهم نسب ولا صهر:«وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ» ..
وهكذا يعود الموصولون باللّه جماعة واحدة،كما هم في الحقيقة وتذهب روابط الدم والقرابة والنسب والصهر،وتنتهي بانتهاء الحياة الدنيا،فهي روابط عارضة لا أصيلة،لانقطاعها عن العروة الوثقى التي لا انفصام لها.
ووصية نبيه الكريم r،فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِىِّ - r- قَالَ « الْكَبَائِرُ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ،وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ،وَقَتْلُ النَّفْسِ،وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ ».رواه البخاري.
وعن أَبِى بَكْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - r- « أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ،وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ،وَشَهَادَةُ الزُّورِ،وَشَهَادَةُ الزُّورِ - ثَلاَثًا - أَوْ قَوْلُ الزُّورِ ».فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ.
ومن واقع الحياة ننظر إلى الموقفين الصالحين المحبوبين المرزوقين فنجدهم بارين بوالديهم وننظر إلى الأشقياء المحرومين وإلى غلاظ القلوب والمرذولين فنجدهم عاقين لوالديهم.
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ حَمَلَ أُمَّهُ عَلَى عُنُقِهِ،فَجَعَلَ يَطُوفُ بِهَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُوَ يَقُولُ:
إِنِّي لَهَا بَعِيُهَا الْمُذَلَّلْ ... إِذَا ذُعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرْ
وَمَا حَمَلَتْنِي أَكْثَرْ
ثُمَّ قَالَ: أَتُرَانِي جَزَيْتُهَا؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ:" لَا،وَلَا بِزَفْرَةٍ"
وعَنْ زُرْعَةَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ،أَنَّ رَجُلًا،أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،فَقَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،إِنَّ لِي أُمًّا بَلَغَهَا مِنَ الْكِبَرِ أَنَّهَا لَا تَقْضِي حَاجَةً إِلَّا وَظَهْرِي مَطِيَّةٌ لَهَا فَأُوطِيهَا وَأَصْرِفُ عَنْهَا وَجْهِي،فَهَلْ أَدَّيْتُ حَقَّهَا ؟ قَالَ:لَا.قَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،أَلَيْسَ بَعْدَ مَا حَمَلْتُهَا عَلَى ظَهْرِي،وَحَبَسْتُ عَلَيْهَا نَفْسِي ؟ قَالَ:" لَا،لِأَنَّهَا كَانَتْ تَصْنَعُ ذَلِكَ بِكَ وَهِيَ تَتَمَنَّى بَقَاءَكَ،وَأَنْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ بِهَا وَأَنْتَ تَتَمَنَّى فِرَاقَهَا "
وعن سَعِيدَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ:سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ،أَنَّهُ شَهِدَ ابْنَ عُمَرَ وَرَجُلٌ يَمَانِيٌّ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ،حَمَلَ أُمَّهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ،يَقُولُ :
إِنِّي لَهَا بَعِيرُهَا الْمُذَلَّلُ إِنْ أُذْعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرِ .
ثُمَّ قَالَ:يَا ابْنَ عُمَرَ أَتُرَانِي جَزَيْتُهَا ؟ قَالَ:لَا،وَلَا بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ "
وهذه باقة من الآداب الإسلامية مع الوالدين.
العلم بأن الله تعالى أوصى ببرهما،وحسن صحبتهما،والإحسان إليهما،وقرن ذلك بعبادته،وتعظيما لشأنهما،وتكريما لقدرهما،وأن النبي rأوصى بصلتهما وطاعتهما وخدمتهما،وجعل عقوقهما من أكبر الكبائر.
قال تعالى:{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24)} الإٌسراء.
وأَمَر ربك -أيها الإنسان- وألزم وأوجب أن يفرد سبحانه وتعالى وحده بالعبادة،وأمر بالإحسان إلى الأب والأم،وبخاصة حالةُ الشيخوخة،فلا تضجر ولا تستثقل شيئًا تراه من أحدهما أو منهما،ولا تسمعهما قولا سيئًا،حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ،ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح،ولكن ارفق بهما،وقل لهما -دائما- قولا لينًا لطيفًا.
وكُنْ لأمك وأبيك ذليلا متواضعًا رحمة بهما،واطلب من ربك أن يرحمهما برحمته الواسعة أحياءً وأمواتًا،كما صبرا على تربيتك طفلا ضعيف الحول والقوة.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ - r- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِى قَالَ « أُمُّكَ ».قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « أُمُّكَ ».قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « أُمُّكَ ».قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « ثُمَّ أَبُوكَ » البخاري.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ r،فقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ:أُمُّكَ،قَالَ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:أُمُّكَ،قَالَ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:أَبُوكَ،قَالَ:فَيَرَوْنَ أَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَيِ الْبِرِّ.
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - r- « أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ».ثَلاَثًا.قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ « الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ،وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ».وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ « أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ ».قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ .
السلام عليهما عند الدخول عليهما والخروج من عندهما،وقرن السلام بتقبيل يديهما. عَن جَهْمٍ،أَنَّهُ قَالَ: جِئْتُ رَسُولَ اللهِ rفَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ،إِنِّي قَدْ أَرَدْتُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ،فَقَالَ: " هَلْ مِنْ أَبَوَيْكَ مِنْ حَيٍّ ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ أُمِّي،قَالَ: " فَالْزَمْ رِجْلَهَا " قَالَ: فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا،فَقَالَ: " وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا،فَثَمَّ الْجَنَّةُ "
تعظيم قدرهما،وإكرام شأنهما وإجلال مقامها،والوقوف لهما احتراما عند دخولهما.
التأدب عند مخاطبتهما،ولين القول لهما،وعدم رفع الصوت فوق صوتهما.
تلبية ندائهما،والمسارعة لقضاء حوائجهما،وطاعة أمرهما،وتنفيذ وصاياهما،وعدم الاعتراض على قولهما،إلا إذا أمرا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق،قال تعالى:{ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)} لقمان.
ووصينا الإنسان بوالديه أن يبرهما،ويحسن إليهما بالقول والعمل،وإن جاهداك -أيها الإنسان- على أن تشرك معي في عبادتي،فلا تمتثل أمرهما. ويلحق بطلب الإشراك بالله،سائر المعاصي،فلا طاعة لمخلوق كائنًا من كان في معصية الله سبحانه،كما ثبت ذلك عن رسول الله r. إليَّ مصيركم يوم القيامة،فأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من صالح الأعمال وسيئها،وأجازيكم عليها.
إدخال السرور على قلبيهما بالإكثار من برّهما،وتقديم الهدايا لهما،والتودد لهما بفعل كل ما يحبانه ويفرحان به. فعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إنَّ مِنَ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِمَا مَعَ صَلاَتِكَ،وَأَنْ تَصُومَ عْنهُمَا مَعَ صِيَامِكَ،وَأَنْ تَصَدَّقَ عَنْهُمَا مَعَ صَدَقَتِك."
المحافظة على أموالهما وأمتعتهما،وعدم أخذ شيء منهما إلا بإذنهما.
المحافظة على سمعتهما،والحذر من التسبب في شتمهما. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالَ « نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ ».
تفقد مواضع راحتهما،وتجنب إزعاجهما أثناء نومهما،أو الدخول عليهما في غرفتهما إلا بإذنهما.
تجنب مقاطعتهما في كلامهما،أو مجادلتهما،أو معاندتهما،أو لومهما،أو السخرية منهما،أو الضحك والقهقهة بحضرتهما.
تجنب مد اليد إلى الطعام قبلهما،أو الاستئثار بالطيبات دونهما.
تجنب التقدم في المشي عليهما،أو الدخول أو الخروج أو الجلوس قبلهما.
عن هِشَامَ بْنِ عُرْوَةَ،عَنْ أَبِيهِ،أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَبْصَرَ رَجُلَيْنِ،فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا:مَا هَذَا مِنْكَ ؟ فَقَالَ:أَبِي،فَقَالَ:لَا تُسَمِّهِ بِاسْمِهِ،وَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ،وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ ".
تجنب الاضطجاع أو مد الرجل أمامهما،أو الجلوس في مكان أعلى منهما.
استشارتهما في جميع الأمور،والاستفادة من رأيهما وتجربتهما وقبول نصائحهما.
الإكثارمن الدعاء لهما،والطلب من الله تعالى أن يجزيهما كل خير على فضلهما وإحسانهما وتربيتهما.
الإكثارمن زيارة قبريهما إن توفيا،والإكثارمن ذكرهما والترحم عليهما.
العمل بوصيتهما،وصلة أرحامهما،وخدمة أحبابهما من بعدهما.
عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِىِّ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -r- إِذَا جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِىَ مِنْ بِرِّ أَبَوَىَّ شَىْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا قَالَ « نَعَمِ الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِى لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا ».. رواه أبو داود.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِىِّ -r- قَالَ « أَبَرُّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ وُدَّ أَبِيهِ ».
وعَنِ الزُّهْرِيِّ،حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ،أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r،يَقُولُ: " انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ الْمَبِيتُ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ،فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ،فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ،فَقَالُوا: إِنَّهُ وَاللهِ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ،فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمُ: اللهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ،فَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا،فَنَاءَ بِيَ طَلَبُ السَّحَرِ يَوْمًا،فَلَمْ أَرُحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا،فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَجِئْتُهُمَا بِهِ،فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ،فَتَحَرَّجْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا،وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا،فَقُمْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ،فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا،اللهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ،فَانْفَرَجَتِ انْفِرَاجًا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا "،قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: " وَقَالَ الْآخَرُ: اللهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ،وَكَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ،فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي،حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ،فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا،فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا،قَالَتْ: لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ،فَتَحَرَّجْتُ مِنَ -[316]- الْوقُوعِ عَلَيْهَا،فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النِّسَاءِ إِلَيَّ،وَتَرَكْتُ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا،اللهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ،فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا "،قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: " ثُمَّ قَالَ الثَّالِثُ: اللهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أُجُورَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ،فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ وَارْتَعَجَتْ،فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ،فَقَالَ لِي: يَا عَبْدَ اللهِ،أَدِّ لِي أَجْرِي،فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الْإِبِلِ،وَالْبَقَرِ،وَالْغَنَمِ،وَالرَّقِيقِ،فَق َالَ: يَا عَبْدَ اللهِ،لَا تَسْتَهْزِئْ بِي،فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ،فَأَخَذَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ،فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا،اللهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ،فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا مِنَ الْغَارِ يَمْشُونَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ
تجنّب الأمور المؤدية إلى العقوق ومنها:
الغضب منهما،والنظر شزر لهما،والإعراض بالوجه عنهما،والتأفف من قولهما أو فعلهما،والتضجر منهما،ورفع الصوت عليهما،وقرعهما بكلمات مؤذية أو جارحة،وجلب الإهانة لهما،والاستعلاء عليهما،واعتبار الولد نفسه مساويا لأبيه أو أفضل من والديه،والحياء من الانتساب إليهما لفقرهما بعد أن يصبح ذا مركز أو نعمة أو جاه،والبخل عليهما ونسيان فضلهما،وتفضيل غيرهما عليهما،ومصاحبة إنسان غير بار بوالديه.

___________


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:35 PM

-15- آداب الأخ مع إخوته

لقد ألزم الإسلام كلاً من الاخوة والأخوات الأدب في القول والمعاملة والمعاشرة،وأوجب عليهم الإحسان لبعضهم على بعض حتى تدوم المحبة والمودة بينهم وحتى يسود الأسرة جو من الوئام والألفة والصفاء،وتخيم السعادة على جوانب البيت بأسره وعلى جميع نواحيه .
فالإخوة ثمرات الوالدين،وهم أقرب الأرحام،وألصقهم بالنفس،وأحبهم إلى القلب،وهم الذين يقضي معهم الإنسان صدر حياته،أيام الطفولة والنماء،والبراءة والنقاء جنبا إلى جنب في البيت والمدرسة وعلى الطعام والشراب،وأثناء الليل والنهار.. لذلك أمر الله تعالى بالوفاء إليهم،وصلتهم،والإحسان إليهم،ونهى عن قطيعتهم والإساءة إليهم ونسيان عهد المودة والأولى.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى. قَالَ فَذَاكَ لَكِ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)} محمد،رواه مسلم.
وهذه جملة من الآداب الإسلامية الخاصة بمعاملة الإخوة والأخوات.
احترام الإخوة الكبار وتوقيرهم،والعطف على الصغار مع الرحمة والعناية والحنان.
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا،وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا.".
وعَنْ أَبِي رِمْثَةَ،قَالَ:انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ rفَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:" بَرَّ أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ " "
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " حَقُّ كَبِيرِ الْأُخْوَةِ عَلَى صَغِيرِهِمْ،كَحَقِّ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ "
معاملة الإخوة عموما بالعطف والرقة واللين واللباقة والإحسان.
التزام حسن الخلق في معاشرة الإخوة،والتحلي بالتواضع وخفض الجناح والإيثار والخدمة والمحبة والتعاون وإنكار الذات.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: خَيْرُكُمْ خَيْرَكُمْ لأَهْلِه،وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي "
الابتداء بالسلام عليهم عند الدخول عليهم،ومصافحتهم،والبشاشة في وجوهم.
عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِىَ النَّبِىُّ -r- « لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ». رواه مسلم.
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا،وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ،فَإِذَا صَنَعْتَ مَرَقَةً،فَأَكْثِرْ مَاءَهَا،وَاغْرِفْ لِجِيرَانِكَ مِنْهَا."
وعَنْ عَقِيلِ بْنِ طَلْحَةَ،قَالَ:حَدَّثَنِي أَبُو جُرَيٍّ الْهُجَيْمِيُّ،قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ rفَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَعَلِّمْنَا شَيْئًا يَنْفَعُنَا اللَّهُ بِهِ،فقَالَ:لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا،وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي،وَلَوْ أَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ،وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِطٌ وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الإِزَارِ،فَإِنَّهُ مِنَ الْمَخِيلَةِ،وَلاَ يُحِبُّهَا اللَّهُ وَإِنِ امْرُؤٌ شَتَمَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ،فَلاَ تَشْتُمْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ،فَإِنَّ أَجْرَهُ لَكَ،وَوَبَالَهُ عَلَى مَنْ قَالَهُ".
مراعاة شعور الإخوة بعدم الفرح أمام حزين،وعدم الأكل أمام صائم،وعدم الصخب أمام نائم.
محبة الخير لهم،والعمل على إيصاله إليهم.
عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - r- قَالَ « لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ » البخاري.
الشكر على معروفهم،بعد مكافأتهم عليه بأحسن منه.
الاهتمام بشؤونهم،والتعرف إلى أحوالهم،وتفقد حاجاتهم،والعمل على مساعدة من يستطيع مساعدته في حاجة أو دراسة أو مال. عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r- قَالَ « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ،لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ،وَمَنْ كَانَ فِى حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِى حَاجَتِهِ،وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ،وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » .
بذل النصيحة لهم،ودعوتهم إلى الخير بالحكمة والموعظة الحسنة،وتذكيرهم بأداء فرائض الله بالترغيب والترهيب.قال تعالى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } (132) سورة طـه.
الانتصار لهم إن كانوا على حق،والغيرة عليهم،والمحافظة على سمعتهم.عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r- « انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ».فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا،أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ « تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ،فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ ».رواه البخاري.
الاعتذار منهم عن الهفوات والزلات،والتغاضي عما يصدر منهم من هنات وسيئات،وقبول اعتذارهم وعدم معاتبتهم عليها على الدوام.
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ:أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ النَّارُ ؟ قَالُوا:بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ،قَالَ:عَلَى كُلِّ هَيِّنٍ،لَيِّنٍ،قَرِيبٍ،سَهْلٍ.".
الإصلاح بين المتخاصمين منهم،وتجنب التقاطع والتدابر والتباغض والتحاسد وسوء الظن.
تجنب إيذاء أحد منهم باليد أو بالسب أو بالكلام أو بالمزاح غير المهذب.
تجنب الخصومات والمجادلات والخلافات.
تجنب التدخل في شؤونهم الخاصة،أو استخدام حوائجهم الشخصية دون إذن.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rقَالَ:إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ،وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَحَسَّسُوا،وَلاَ تَحَاسَدُوا،وَلاَ تَنَافَسُوا،وَلاَ تَبَاغَضُوا،وَلاَ تَدَابَرُوا،وَكُونُوا عِبَادًا لِلَّهِ إِخْوَانًا.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rقَالَ: لاَ تَنَاجَشُوا،وَلاَ تَبَاغَضُوا،وَلاَ تَدَابَرُوا،وَلاَ تَحَاسَدُوا،وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ،وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا،الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ،لاَ يَظْلِمُهُ،وَلاَ يَحْقِرُهُ،وَلاَ يَخْذُلُهُ،كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ - قَالَ إِسْمَاعِيلُ فِي حَدِيثِهِ:وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ - التَّقْوَى هَا هُنَا،التَّقْوَى هَا هُنَا،التَّقْوَى هَا هُنَا،يُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثًا،بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ." رواه مسلم.
مراعاة الحشمة والأدب في الكلام واللباس،وخاصة عند اختلاف الجنس،وغضَ البصر عن النقائص والعورات.
والأخوة في الدين هي أعلى مراتب الأخوة وأعظمها،وهي رباط اجتماعي لا يماثله رباط آخر ولا يقاربه،ولذلك وجدنا الأب يحارب ولده في الإسلام والزوج يقاتل زوجته والأخ يعادي أخاه من أجل مرضاة الله،والمراد بالأخوة هنا أخوة الدين والعقيدة،فإذا أضيف إليها أخوة النسب فهي مقدمة على غيرها،وهي أولى بالبر عن سواها فالأقربون أولى بالمعروف،ولذا جاء نداء القرآن بالدعوة إلى الإحسان إليهم:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (215) سورة البقرة
وجاء قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا } (8) سورة النساء،وجاء قوله تعالى :" كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) [البقرة:180،181] "،
وعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ:الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ،وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ:صَدَقَةٌ،وَصِلَةٌ. "
وفي الحديث ما يؤكد أن قرابة المسلم هم أحق الناس بصلته وبره وإحسانه
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r-:" وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَا يُعَذِّبُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ رَحِمَ الْيَتِيمَ،وَلَانَ لَهُ فِي الْكَلَامِ،وَرَحِمَ يُتْمَهُ وَضَعْفَهُ،وَلَمْ يَتَطَاوَلْ عَلَى جَارِهِ بِفَضْلِ مَا آتَاهُ اللَّهُ " وَقَالَ:" يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ،وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً مِنْ رَجُلٍ،وَلَهُ قَرَابَةٌ مُحْتَاجُونَ إِلَى صِلَتِهِ وَيَصْرِفُهَا إِلَى غَيْرِهِمْ،وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ
ومن مستلزمات الأخوة أن تحب في أخيك إيمانه وعبادته وطاعته لربه واستسلامه لخالقه،كما أنه من مستلزمات الأخوة أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك وتكره له ما تكرهه لنفسك وأن تؤدي ما عليك من حقوق له حسبما جاء بها الإسلام،وأن تفرج كربته وأن تستر عورته وأن تفرح لفرحه وتحزن لحزنه وأن تمده بمالك إن احتاج إليه،ومن هنا يتضح الفرق بين رباط الدم والنسب وبين رباط الإسلام والعقيدة فإن رباط الإسلام أقوى وهو حاكم على رباط النسب والدم ومهيمن عليه وهو الرباط الباقي فلا يفنى والأبدي فلا يزول بعد الموت وهو المعبر عن كيان الإنسان ومكانته عند الله في الدنيا والآخرة،وهو وحده أساس السعادة والسيادة والكرامة والعزة،وهو إشراقة النور في قلب المؤمن وبدونه يكون الظلام ومضلات الهوى،وبالإيمان يتغير الفكر والسلوك وأنواع المعاملات والتصرفات ولذا جاء قوله سبحانه وتعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (10) سورة الحجرات
وقد منَّ سبحانه على المؤمنين بهذه الأخوة فقال: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (103) سورة آل عمران
ولقد كان الميراث أول الإسلام بالأخوة في الدين لا بالنسب ولم يكن أحد من المسلمين في يده درهم و دينار وهو يرى أنه أحق بديناره أو درهمه من أخيه المسلم،بل كان يرى أن إخوانه أحق بما في يده منه حتى استحقوا قول ربهم:{ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (9) سورة الحشر .

___________


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:36 PM

-16- الأدب مع الأولاد

لقد اعتنى الإسلام بكل جوانب حياة الإنسان،وشرع له من الأحكام ما يجعله سعيدا في الدنيا والآخرة،قال تعالى ممتنًّا على عباده:{وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} (72) سورة النحل .
وقد جعل الإسلام للأولاد حقوقاً على والديهم،لابد لهم من مراعاتها والالتزام بها .
وهذه الحقوق منوعة مادية ومعنوية،من قبل أن يتزوج أبوه أمَّه حتى يصبح رجلاً .
الحقُّ الأول -اختيار الزوجة الصالحة
على المسلم أن يختار لأبنائه الأم المسلمة التي تعرف حق ربها،وحق زوجها،وحق ولدها،والأم التي تعرف رسالتها في الحياة،الأم التي تعرف موقعها في هذه المحن،الأم التي تغار على دينها،وعلى سنة نبيها r.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - r - قَالَ « تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا،فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ »
ورغب الإسلام في المرأة الولود الودود عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ r فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ،وَلَكِنَّهَا لاَ تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا ؟ فَنَهَاهُ،ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ،فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ:فَنَهَاهُ،ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ،فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ:فَقَالَ r:تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ.".
الحقُّ الثاني -إتباع السنَّة في المعاشرة الزوجية وطلب الولد الصالح
وذلك بذكر الأدعية التي تحصن المولود وهو نطفة من الشيطان الرجيم عملاً بقول الرسول r فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ- r-« أَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَقُولُ حِينَ يَأْتِى أَهْلَهُ بِاسْمِ اللَّهِ،اللَّهُمَّ جَنِّبْنِى الشَّيْطَانَ،وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا،ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا فِى ذَلِكَ،أَوْ قُضِىَ وَلَدٌ،لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا »
وهذا جانب من جوانب التربية الروحية المبكرة للطفل قبل ولادته.
وعلى المسلم أن يدعو الله أن يرزقه الولد الصالح الذي ينفعه في حياته وبعد مماته والله عز وجل يقول {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان-: 74].
الحق الثالث -إتباعُ السنَّة في استقبال المولود
من رفع الأذان في أذن المولود اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى وتحنيكه بالتمر والدعاء له وحلق رأسه والعقيقة عنه وتسميته بأحب الأسماء وختانه..
وذلك للأدلة التالية:
يُستحب حين الولادة أن يقوم الوالد بالأذان المولود اليُمنى ويُقيم في اليسرى وذلك ليكون أول شيء يصل المولود من أمور الحياة بعد الهواء هو التوحيدُ المنافي للشرك،فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ r:" أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلَاةِ "
والتحنيك سنة مؤكدةٌ من سُنن الهدي التي سنها رسول الله r لأمته والدعاء له،جاء في الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: وُلِدَ لِي غُلَامٌ،فَأَتَيْتُ بِهِ r: " فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ ".
وعَنْ أُمِّ بَنِي كُرْزٍ الْكَعْبِيِّينَ،قَالَتْ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ فِي الْعَقِيقَةِ:عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ،وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ فَقُلْتُ لَهُ،يَعْنِي عَطَاءً:مَا الْمُكَافِئَتَانِ ؟ قَالَ:مِثْلاَنِ ذُكْرَانُهُمَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ إِنَاثِهِمَا.
يتأثر الطفل نفسياً بنوع الكُنية أو الاسم الذي يُعطى له،ويشير الإمام ابن القيم رحمه الله إلى أن هناك علاقة وارتباطاً بين الاسم والمسمى،وأن للأسماء تأثيراً على المسميات،فقد أمر رسول الله r بتحسين الأسماء،فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ،وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَلْيُحْسِنِ اسْمَهُ وَأَدَبَهُ،فَإِذَا بَلَغَ فَلْيُزَوِّجْهُ فَإِنْ بَلَغَ وَلَمْ يُزَوِّجْهُ فَأَصَابَ إِثْمًا،فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى أَبِيهِ "
الحقُّ الرابع -الرضا بقسمة الله من الذكور والإناث وعدم تسخط البنات
لقول الله تعالى عن حال أهل الجاهلية:{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) [النحل:57 - 59] }
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r:لاَ تَكْرَهُوا الْبَنَاتِ،فَإِنَّهُنَّ الْمُؤْنِسَاتُ الْغَالِيَاتُ."
وأكد الرسول r عنايته بالمرأة منذ الولادة فقد روى مسلم عَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r:مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ هَكَذَا وَضَمَّ إصْبَعَيْهِ.
الحقُّ الخامس -أن يختار له مرضعة صالحة إنْ فقد أمه
وأفضل الرضاعة ما كانت حولين كاملين لقول الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (233) سورة البقرة.
الحقُّ السادس -أن تحضن الأم ابنها
وخاصة مرحلة المهد والطفولة المبكرة ولا تتركه للخادمات والمربيات .
وذلك لأن الأم مع رضاعة وليدها بالحليب ترضعه العطف والحنان الذي لا يملكه غيرها،ومن هنا كانت حكمة الله سبحانه وتعالى في إرجاع موسى إلى أمه كي تقرَّ عينها ولا تحزن قال الله تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (13) سورة القصص .ويرى العلماء أن الطفل يحسُّ بالأمن كلما ألصقته الأم إلى صدرها.
الحقُّ السابع -أن يعلِّمه والداه كتاب الله و ما يلزم من العلوم الضرورية
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله r:" سَبعةٌ يُظلهمُ اللهُ تَحتَ ظِلهِ يَومَ لاَ ظِلَّ إِلا ظِلّهُ:إِمامٌ مُقسطٌ،وَرجلٌ لَقيتهُ امرأةٌ ذَاتُ جَمالٍ وَمنصبٍ فَعرضتْ نَفسهَا عَليهِ فَقالَ:إِنى أَخافُ اللهَ رَب الْعالمينَ،وَرجلٌ قَلبهُ مُتعلقٌ بِالمساجدِ،وَرجلٌ تَعلمَ الْقرآنَ فِي صِغرهِ فَهوَ يَتلوهُ فِي كِبرهِ،وَرجلٌ تَصدقَ بِيمينهِ فَأخفاهَا عَنْ شِمالهِ،وَرجلٌ ذَكرَ اللهَ فِي بَرِّيَّةٍ فَفاضتْ عَيناهُ خَشيةً مِنَ اللهِ،وَرجلٌ لَقيَ رَجلاً فَقالَ:إِِنى أُحبكَ فِي اللهِ،فَقالَ لَهُ الرجلُ:وَأنَا أُحبكَ فِي اللهِ" .
الحقُّ الثامن -ألا يرزقه إلا طيباً من الكسب الحلال
فعَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r - « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ ». رواه الترمذي.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:" َمَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ "
فيعود الطفل على أكل الحلال وكسب الحلال وإنفاق الحلال حتى ينشأ على التوسط والاعتدال بعيدا عن الإسراف والتقتير.
الحقُّ التاسع -أن يعلِّمه الصلاة ويعوِّده عليها
لقول الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } (132) سورة طـه .
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r:مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ،وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ،وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ،وَإِذَا أَنْكَحَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ،أَوْ أَجِيرَهُ،فَلاَ يَنْظُرَنَّ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ،فَإِنَّ مَا أَسْفَلَ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ عَوْرَتِهِ."
الحقُّ العاشر - أن يدربه على الصوم
وهذا من العمل المستحب إذ يرى جمهور العلماء أنه لا يجب على من دون سن البلوغ ولكن يستحب للتمرين.. أخرج البخاري ومسلم عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ،قَالَتْ:أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ r غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ،الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ:" مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا،فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ،وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا،فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ " " فَكُنَّا،بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ،وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ،وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ،فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ،فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ "
الحقُّ الحادي عشر -تربية البنات على الحجاب
تعوَّد البنت على لبس الحجاب منذ الطفولة ليكون لها شرفاً وحفظاً ويرى العلماء أن تعود البنت على لبس الحجاب في سِن السابعة قياساً على حديث الأمر بالصلاة. ومن فوائد الحجاب للبنت صيانتها والحفاظ،على عفتها وشرفها ويدخل في دائرة الحجاب إبعاد البنت عن الاختلاط بالأجانب.. قال الله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النــور.
ويخاطب الله المؤمنات جميعاً فيقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (59) سورة الأحزاب.
الحقُّ الثاني عشر - أن يعلَّم الأطفال آداب الاستئذان في الدخول
وقد جاء هذا التوجيه في القرآن الكريم بأسلوب تربوي متدرج فطلب من الأطفال وهم صغار أن يستأذنوا في ثلاث أوقات مهمة:
1- من قبل صلاة الفجر 2- ووقت الظهيرة عند القيلولة 3- وبعد صلاة العشاء. فإذا بلغ الأولاد سنَّ البلوغ وجب عليهم الاستئذان في البيت للدخول على والديهم في كل وقت،قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)} سورة النــور.
الحقُّ الثالث عشر -أن يعدل الوالدان بين أولادهم
فلا يفضل أحد على أحد ولا يميز الذكور على الإناث،والعدل بين الأولاد مطلوب في جميع الحالات سواء كان في العطاء أو في المحبة والقبلة أو في تقديم الهدايا والهبات والوصية أو في المعاملة فإنه يلزم الوالدين معاملة أولادهم بالعدل والمساواة.
روى أبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r - « مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا - قَالَ يَعْنِى الذُّكُورَ - أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ». وَلَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانُ يَعْنِى الذُّكُورَ..
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ،قَالَ: انْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ r،وَنَحَلَنِي نُحْلًا لِيُشْهِدَهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ: " أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا ؟ " فَقَالَ: لَا،قَالَ: " أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ كُلُّهُمْ سَوَاءً ؟ " قَالَ: بَلَى،قَالَ: " فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي "
الحقُّ الرابع عشر - تخيِّرُ الصحبة الصالحة لهم
وقد حث الإسلام على صحبة الصالحين والأخيار وحذر من صحبة الأشرار،فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ،قَالَ:لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا،وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r:الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ،فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ. "


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:41 PM

الحقُّ الخامس عشر -توفير أسباب اللهو واللعب المفيد
من سباحة ورماية وركوب الخيل وما جرى مجراهم في النفع،فعَنِ ابْنِ جُدْعَانَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ سَمِعَا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ قَالَ عَلِىٌّ مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - r - أَبَاهُ وَأُمَّهُ لأَحَدٍ إِلاَّ لِسَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ « ارْمِ فِدَاكَ أَبِى وَأُمِّى ». وَقَالَ لَهُ « ارْمِ أَيُّهَا الْغُلاَمُ الْحَزَوَّرُ » ارْمِ فِدَاكَ أَبِى وَأُمِّى ».
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:سَابَقَنِي النَّبِيُّ r فَسَبَقْتُهُ،فَلَبِثْنَا حَتَّى إِذَا أَرْهَقَنِي اللَّحْمُ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي،فَقَالَ النَّبِيُّ r:هَذِهِ بِتِلْكَ.
وعَنْ مُوَرِّقٍ،عَنْ مَوْلًى لِبَنِي هَاشِمٍ قَالَ:قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ سَفَرٍ فَاسْتَقْبَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ،وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ الله عَنْهُمَا (فَجَعَلَ r أَكْبَرَهُمَا) خَلْفَهُ،وَحَمَلَ أَصْغَرَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ."
الحق السادس عشر -أن يعوله حتى سن الرشد
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ،أَنَّهَا قَالَتْ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّ بَنِي أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي،وَلَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ إِلاَّ مَا أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ،وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ كَذَا وَلاَ كَذَا،أَفَلِي أَجْرٌ إِنْ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ r:أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ،فَإِنَّ لَكِ أَجْرَ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ. "
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ r أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا لأَصْحَابِهِ:تَصَدَّقُوا،فَقَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللهِ عِنْدِي دِينَارٌ،قَالَ:أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ،قَالَ:إِنَّ عِنْدِي آخَرَ،قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى زَوْجَتِكَ،قَالَ:إِنَّ عِنْدِي آخَرَ،قَالَ:أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ،قَالَ:إِنَّ عِنْدِي آخَرَ،قَالَ:أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ،قَالَ:إِنَّ عِنْدِي آخَرَ،قَالَ أَنْتَ أَبْصَرُ."
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r:كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ.
الحقُّ السابع عشر - الرحمة وما يتفرع عنها من حب وحنان وعطف
عن عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ،قَالَ:سَمِعْتُ أَبِي بُرَيْدَةَ،يَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللهِ r يَخْطُبُنَا،إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ،عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ،فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ r مِنَ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:صَدَقَ اللَّهُ:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن] نَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ،فَلَمْ أَصْبِرْ،حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي فَرَفَعَتْهُمَا.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ أَبْصَرَ النَّبِىَّ - r - يُقَبِّلُ الْحَسَنَ فَقَالَ إِنَّ لِى عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r - « إِنَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ ».
الحقُّ الثامن عشر -من حق الأولاد التأديب
عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r:مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ نُحْلاً أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ. ونحل أعطى.
وعَنْ صَالِحِ بْنِ رُسْتُمَ،قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَوَالِدِي،إِلَى أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى،فَقَالَ أَيُّوبُ: ابْنُكَ هَذَا ؟ قَالَ: نَعَمْ،قَالَ: فَأَحْسِنْ أَدَبَهُ،حَدَّثَنِي أَبِي،عَنْ جَدِّي،عَنِ النَّبِيِّ r،أَنَّهُ قَالَ: " مَا نَحِلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ "
وقَالَ عُثْمَانُ الْحَاطِبِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لِرَجُلٍ: " أَدِّبِ ابْنِكَ،فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عَنْ وَلَدِكَ،مَاذَا أَدَّبْتَهُ ؟ وَمَاذَا عَلَّمْتَهُ،وَإِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ ".
الحقُّ التاسع عشر - تعليم الولد أحكام المراهقة والبلوغ
فيعلم الولد هذه الأحكام أو ما يسمَى بالثقافة الجنسية سواء كان الولد ذكراً أم أنثى،فيعرف الصبي إذا بلغ الحلم وهو السن الذي يتراوح ما بين 12 إلى 15 سنة أنه إذا نزل منه مني ذو دفق وشهوة فقد أصبح بالغاً ومكلفاً شرعاً يجب عليه ما يجب على الرجال الكبار من مسؤوليات وتكاليف،ويجب على الأم أن تصارح ابنتها إذا بلغت سن التاسعة فما فوق وتذكرت احتلاماً ورأت الماء الرقيق الأصفر على ثوبها بعد الاستيقاظ أصبحت بالغة ومكلفة شرعاً يجب عليها ما يجب على النساء الكبار من مسؤوليات وتكاليف.
عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ حَدَّثَتْ أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِىَّ اللَّهِ - r - عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِى مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r - « إِذَا رَأَتْ ذَلِكِ الْمَرْأَةُ فَلْتَغْتَسِلْ ». فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ وَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ ذَلِكَ قَالَتْ وَهَلْ يَكُونُ هَذَا فَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ - r - « نَعَمْ فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلاَ أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ ».
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ: كُنْتُ إِذَا وَضَعْتُ لَهُ غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ،ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ،ثُمَّ أَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ حَتَّى يَرَى أَنْ قَدِ اسْتَبْرَأَ الْبَشَرَةَ،ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ"
الحقُّ العشرون - أن يبحث الوالدان لولدهما عن الزوجة الصالحة
ولبنتهما عن الزوج الصالح وينفقا على زواجهما إن كانا غنيين .
فقد حثُّ الرسول r على زواج الشباب في سن مبكرة فقال في الحديث الصحيح عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ لِى إِلَيْكَ حَاجَةً.فَخَلَيَا فَقَالَ عُثْمَانُ هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِى أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا،تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ،فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى هَذَا أَشَارَ إِلَىَّ فَقَالَ يَا عَلْقَمَةُ،فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهْوَ يَقُولُ أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِىُّ - r - « يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ،وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ » ..رواه البخاري
وكما حث الإسلام على حسن اختيار الزوجة الصالحة التي سوف تكون أما للولد غداً حتى لا يلحقه بها عار بسوء اختيارها أماله كذلك حث الإسلام على حسن اختيار الزوج الصالح الذي سوف يكون أبا لأولاده غداً حتى يحيا وسط المجتمع مرفوع الرأس عالي الهمة،فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ».
فلينظر العاقل أين يضع كريمته،ومن زوج ابنته فاسقا أو سيئ الخلق فقد جنى عليها وأساء إليها وتعرض لسخط الله بما قطع من حق الرحم وسوء الاختيار،وقال بعضهم: لا تنكح إلاّ الأتقياء فإنه إن أحبها أكرمها،وإن أبغضها أنصفها،
تلك هي عناية الإسلام بالأولاد بالأرض التي سوف يزرعون فيها وتكون لهم وعاءا وهذا من حسن تأديب الإسلام للوالدين لرعاية أولادهما وبعد أنعام الله على الوالدين بأولادهما فقد أوجب الأدب معهم ويتمثل ذلك في قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم
وهذه الآية جمعت كل الأدب اللازم للأولاد ذلك لأن الإنسان ينشأ في أول أمره وأيام طفولته على فطرة سليمة ونفس صافية تتأثر بالخير كما تتأثر بالشر،وتنطبع فيها الأخلاق الحسنة ونفس صافية تتأثر بالخير كما تتأثر بالشر،وتنطبع فيها الأخلاق الحسنة كما تنطبع فيها الأخلاق السيئة فإذا وجد في هذا الوقت من يحكم تربيته ويحسن تأديبه ويسلك به سبيل الاستقامة وطريق الأدب والكمال،شبَّ حسن الأخلاق طيب النفس متعلقا بأهداب الفضيلة مستمسكا بحبل الهدى والرشد،فيحيا حياة طيبة يكون بها سعيدا في نفسه ونافعا في أمته،أما إذا أهمل أمره فلم ينل حظه من التربية والتأديب ولم يأخذ نصيبه من الإرشاد والتهذيب نشأ سيئ الخلق خبيث النفس فاقد الهمة ساقط المروءة محبا للشر كارها للخير،كَلاًّ على أهله وعشيرته وكان شقاءا على نفسه وبلاءا على الناس أجمعين لإهماله في تربيته وتأديبه وتهاونه في إرشاده وتهذيبه فهو مسئول عن ذلك أمام الله تعالى،وعَنِ الْحَسَنِ،أَنَّ نَبِيَّ اللهِ rقَالَ:إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ،أَحَفَظَ أَمْ ضَيَّعَ،حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
إن تربية الأولاد في صغرهم على مبادئ الدين الحنيف وتعويدهم على مكارم الأخلاق من أهم المسائل التي يجب على الآباء والأمهات أن يتنبوا لها،وعلى المصلحين أن يعنوا بها وأن يعلموا أن عليها تدور حياة الأمة في مستقبلها وعليها وحدها يتوقف رقيها في مدارج الرفعة والكمال في الأمم بالأخلاق،وما الأخلاق إلا بالتربية الصحيحة وأنكم لو تأملتم في جميع ما نشكوا منه اليوم من فساد الأخلاق وانتشار المنكرات وانتهاك المحرمات وزيغ في العقائد وتهاون في تنفيذ أوامر الدين وخروج النساء في الطرقات والأسواق من غير ضرورة لذلك،لو تأملتم لوجدتم أن السبب في هذا كله هو ترك التربية الدينية وإهمال التأديب في وقته،إن الولد قطعة من والديه وأمانة في أعناقهما فاتقوا الله يا قوم في ثمرات قلوبكم وأفلاذ أكبادكم ولا تلقوا بأيديكم في نار جهنم التي وقودها الناس والحجارة،يا قوم اتقوا الله في أبنائكم وبناتكم وذرياتكم والأولاد الذين ألقيت إليكم مقاليد أمورهم وصارت رعاية شئونهم في أيديكم تنالوا رضا الله في الدنيا والآخرة وتسعدوا وتسعدوا أولادكم في حياتكم وبعد مماتكم .

_____________


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:41 PM

- 17-آداب الطريق

الأسواق والطرقات أماكن عامة يلتقي فيها جميع الناس ليبلغوا حاجاتهم ويصلوا إلى بيوتهم،ويتعاملوا مع بعضهم..
وللمسلم في قضائه بعض وقته في الطريق سمت خاص وأدب جمّ،وهئة متميزة،وخلق رفيع عبّر عنه سبحانه بقوله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (63)} الفرقان.
وفصلته السنة النبوية بما ورد عن النبي rفي مشيه في الأسواق عَنِ ابْنِ لأَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيِّ،عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ،قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ وَكَانَ وَصَّافًا عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ rوَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي شَيْئًا مِنْهَا أَتَعَلَّقُ بِهِ،قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ r،إِذَا زَالَ زَالَ قَلِعًا يَخْطُو تَكَفُّيا وَيَمْشِي هَوْنًا،ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ،وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا،خَافِضُ الطَّرْفِ،نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ،جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ،يَسُوقُ أَصْحَابَهُ يَبْدر مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ " رواه الترمذي.
وما أحوج المسلم لهذه الآداب الكريمة في وقت نجد فيه الكثير من الشباب يتسكعون في الطرقات،وبجتمعون في الشوارع والمنعطفات،وعلى أبواب المدارس وفي الساحات،لا عمل لهم سوى إيذاء الناس بفاحش الكلمات،وتصيّد العثرات والزلات،ومراقبة السقطات والعورات..
وهذه قطوف من الآداب الواردة فيما يتعلق بالمشي في الطرقات والسعي في الأسواق لعلها تكون واقعا ملموسا وسلوكا مطبّقا:
غض البصر عن المحرمات،وعن مراقبة المارين من الناس في أعمالهم أو تصرفاتهم أو لباسهم.
تجنب الجلوس في الطرقات،أو الوقوف في المنعطفات،أو على واجهات الحوانيت والمحلات.
بذل السلام وإلقاؤه على الآخرين وخاصة على الصالحين منهم،ورد السلام على من ألقاه بأحسن منه.
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - r- قَالَ « إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ ».فَقَالُوا مَا لَنَا بُدٌّ،إِنَّمَا هِىَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا.قَالَ « فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا » قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ قَالَ « غَضُّ الْبَصَرِ،وَكَفُّ الأَذَى،وَرَدُّ السَّلاَمِ،وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ،وَنَهْىٌ عَنِ الْمُنْكَرِ » البخاري.
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه أَنَّ النَّبِىَّ - r- قَالَ « إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ ».فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا.فَقَالَ « إِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ ».قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « غَضُّ الْبَصَرِ،وَكَفُّ الأَذَى،وَرَدُّ السَّلاَمِ،وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ » .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ،عَنِ النَّبِيِّ rقَالَ:لا تَجْلِسُوا فِي الْمَجَالِسِ،فَإِنْ كُنْتُمْ لا بَدَّ فَاعِلِينَ،فَرُدُّوا السَّلامَ،وَغُضُّوا الْبَصَرَ،وَاهْدُوا السَّبِيلَ،وَأَعِينُوا عَلَى الْحُمُولَةِ.
وعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيُّ،عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: " إيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الصُّعُدَاتِ فَمَنْ جَلَسَ فِي صَعِيدٍ فَلْيُعْطِهِ حَقَّهُ " قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: " إغْضَاضُ الْبَصَرِ وَرَدُّ التَّحِيَّةِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ "
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛أَنّ رَسُولَ اللهِ rنَهَى عَنِ الأَفْنِيَةِ وَالصُّعُدَاتِ أَنْ يُجْلَسَ فِيهَا،فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ:لا نَسْتَطِيعُهُ،لا نُطِيقُهُ،قَالَ:أَمَّا لاَ فَأَعْطُوا حَقَّهَا،قَالُوا:وَمَا حَقُّهَا ؟ قَالَ:غَضُّ الْبَصَرِ،وَإِرْشَادُ ابْنِ السَّبِيلِ،وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ اللهَ،وَرَدُّ التَّحِيَّةِ.
وعَنِ ابْنِ حُجَيْرٍ الْعَدَوِىِّ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنِ النَّبِىِّ -r- فِى هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ « وَتُغِيثُوا الْمَلْهُوفَ وَتَهْدُوا الضَّالَّ ».
وعَنِ الْبَرَاءِ،قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مَجْلِسٍ لِلْأَنْصَارِ فَقَالَ: " إنْ أَبَيْتُمْ إلَّا أَنْ تَجْلِسُوا فَرُدُّوا السَّلَامَ،وَاهْدُوا السَّبِيلَ،وَأَعِينُوا الْمَظْلُومَ "
وعن إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ،حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: كُنَّا جُلُوسًا بِالْأَفْنِيَةِ فَمَرَّ بِنَا رَسُولُ اللهِ rفَقَالَ: " مَا لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ " فَقُلْنَا: اجْتَمَعْنَا لِغَيْرِ مُرَابٍ نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ قَالَ: " فَأَعْطُوا الْمَجَالِسَ حَقَّهَا " قَالُوا: وَمَا حَقُّهَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: " غَضُّ الْبَصَرِ وَرَدُّ السَّلَامِ وَطِيبُ الْكَلَامِ "
وعَنِ ابْنِ حُجَيْرٍ الْعَدَوِيِّ،قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،يَقُولُ: أَتَى عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ rوَنَحْنُ جُلُوسٌ عَلَى الطَّرِيقِ فَقَالَ: " إيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى هَذِهِ الطُّرُقِ فَإِنَّهَا مَجَالِسُ الشَّيْطَانِ فَإِنْ كُنْتُمْ لَا مَحَالَةَ فَأَدُّوا حَقَّ الطَّرِيقِ " ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقُلْتُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَدُّوا حَقَّ الطَّرِيقِ وَلَمْ أَسْأَلْهُ مَا هُوَ ؟ فَلَحِقْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّكَ قُلْتَ: كَذَا،وَكَذَا فَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ ؟ قَالَ: " حَقُّ الطَّرِيقِ أَنْ تَرُدَّ السَّلَامَ وَتَغُضَّ الْبَصَرَ وَتَكُفَّ الْأَذَى وَتَهْدِيَ الضَّالَّ وَتُعِينَ الْمَلْهُوفَ "
وعَنْ سَهْلِ بن حُنَيْفٍ،قَالَ: قَالَ أَهْلُ الْعَالِيَةِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،لا بُدَّ لَنَا مِنْ مَجَالِسَ،قَالَ:"فَأَدُّوا حَقَّ الْمَجَالِسِ"،قَالُوا: وَمَا حَقُّ الْمَجَالِسِ؟،قَالَ:"ذِكْرُ اللَّهِ كَثِيرًا،وَأَرْشِدُوا السَّبِيلَ،وَغُضُّوا الأَبْصَارَ" .
وعَنْ وَحْشِيِّ بن حَرْبِ أَنّ النَّبِيَّ r،قَالَ:لَعَلَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ بَعْدِي مَدَائِنَ عِظَامًا،وتَتَّخِذُونَ فِي أَسْوَاقِهَا مَجَالِسَ،فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَرُدُّوا السَّلامَ وَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِكُمْ،وَاهْدُوا الأَعْمَى وَأَعِينُوا الْمَظْلُومَ."


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:42 PM

ومجموع ما في هذه الأحاديث أربعة عشر أدبا وقد نظمتها في ثلاثة أبيات وهي:
جمعت آداب من رام الجلوس على الطر ... يق من قول خير الخلق إنسانا
أفش السلام وأحسن في الكلام ... وشمت عاطسا وسلاما رد إحسانا
في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث ... لهفان اهد سبيلا واهد حيرانا
بالعرف مر وانه عن نكر وكف أذى ... وغض طرفا وأكثر ذكر مولانا
وقد اشتملت على معنى علة النهي عن الجلوس في الطرق من التعرض للفتن بخطور النساء الشواب وخوف ما يلحق من النظر إليهن من ذلك،إذ لم يمنع النساء من المرور في الشوارع لحوائجهن،ومن التعرض لحقوق الله .
المحافظة على نظافة الطريق،وتجنب إلقاء النفايات والأوساخ والنجاسات في ممرات الناس ومجالسهم.
إماطة الأذى عن الطريق،كالقشور والزجاج والمسامير والحجارة وغيرها لئلا يتعثر بها أحد.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً،أَعْلاَهَا شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ."
مساعدة المحتاجين،وإغاثة الملهوفين،وإرشاد الضالين،وإعانة أبناء السبيل والمنقطعين،ودلالة الأعمى في طريقه،والحمل مع الضعيف في حمولته..
تجنب الطرق المزدحمة،والأسواق المكتظة،وخاصة التي تنتشر فيها المنكرات والمحرمات،وعند الاضطرار فالإسراع في اجتيازها،وذكر الله تعالى فيها بين الغافلين فهو فضيلة عظيمة.
عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكُ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِى وَيُمِيتُ وَهُوَ حَىٌّ لاَ يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ ». رواه الحاكم.
الانتباه إلى مسالك الطريق لئلا يصطدم بشيء،أو يقع في حفرة،وعدم الالتفات يمنة ويسرة وإلى الوراء أثناء المشي دون حاجة.
تجنب عبور الشارع إلا بعد التأكد من خلوه من السيارات والحافلات والعربات والدراجات،وعدم المخاطرة في ذلك.
المرور ضمن الممرات المحددة للمشاة أثناء عبور الشارع ضمانة للأمن والسلامة.
القصد في المشي،بعدم الإسراع والركض في الطرقات،وعدم البطء والتمهل والاختيال والتبختر تكبرا وتعاظما وإعجابا بالنفس،قال تعالى:{ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37)} الإسراء.وقال تعالى:{ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} لقمان 19.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - r- يَقُولُ:" مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ أَوِ اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ لَقِيَ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتعالى - وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ "
رفع الأطعمة وفتات الخبز عن قارعة الطريق،وإبعاد الأوراق التي كتب فيها أسماء كريمة أو قرآنية عن ممرات الناس.
تجنب الأكل في الطرقات لإخلاله بالأدب والمروءة،إلا لحاجة فعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ rنَأْكُلُ وَنَحْنُ نَمْشِي،وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ."
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:كُنَّا نَأْكُلُ وَنَحْنُ نَمْشِي،وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ r.
تجنب اللعب في الطرقات وجعلها أماكن للهو والتسلية وإضاعة الأوقات.
تجنب رفع الأصوات أثناء التعامل بالبيع والشراء.
اعتنام الوقت الضائع في الطريق بإشغاله بذكر الله تعالى والتفكر في آياته ومخلوقاته،أو الصلاة على رسول الله r،أو تلاوة القرآن غيبا،أو مراجعة المحفوظات والواجبات المدرسية عن ظهر قلب.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا فَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ،إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً،وَمَا مِنْ رَجُلٍ مَشَى طَرِيقًا فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ،إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً،وَمَا مِنْ رَجُلٍ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ،إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً." رواه أحمد،ومعنى ترة: أي نقص وتبعة وحسرة.

_____________


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:43 PM

-18-آداب الدراسة والمدرسة

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ النَّبِيَّ rقَالَ: " طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ...".
وعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ قَالَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:تَعَلَّمُوا قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ الْعِلْمُ،فَإِنَّ قَبْضَ الْعِلْمِ قَبْضُ الْعُلَمَاءِ،وَإِنَّ الْعَالِمَ وَالْمُتَعَلِّمَ فِى الأَجْرِ سَوَاءٌ. "
واكتساب العلوم والمعارف في زمان التلقي والاستزادة والحفظ في بداية العمر تحتاج إلى جد واجتهاد وتركيز وانتباه واعتنام لأوقات الفراغ،عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ،قَالَ: قَالَ عُمَرُ: " تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تَسُودُوا "
وأهم ما ينبغي أن يتزود منه الطفل متى بلغ سنَّ التمييز حفظ القرآن الكريم،منبع العلوم،وكنز الأخلاق،وبحر الفصاحة،وأفق الكمال. فعَنْ عُثْمَانَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ."
وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ،فَقِيلَ:مَنْ أَهْلُ اللهِ مِنْهُمْ ؟ قَالَ:أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ.
فأقبلوا على تعلمه وتلاوته والتفكر فيه،وعلموه أولادكم ونشؤهم على تلاوته وحبه،حتى يألفوه ويتصلوا به فيطهّر أخلاقهم،ويزكي نفوسهم،ويكونوا من حملة القرآن وأهله؛ لأن الصبي إذا تعلم القرآن بلغ وهو يعرف ما يقرأ في صلاته،وحفظ القرآن في الصغر أولى من حِفظه في الكبر،وأشد علوقا بالذاكرة،وأرسخ وأثبت؛ لأن التعلم في الصغر كالنقش على الحجر.
وفي الوقت الذي يقضيه الطالب في مدرسته لا بدّ له من الاحتكاك مع زملائه ومعلميه،والتعامل في دراسته مع أدوات العلم،ومرافق المدرسة..
ولكل ذلك آداب يجب تمثلها. بعد معرفتها واكتسابها،ليكون ناجحا في دراسته،محبوبا في مجتمعه،موفقا للخيرات،سائرا نحو المعالي،قال الشاعر:
لو كان نور العلم يدرك بالمنى……فندامة العقبى لمن يتكاسل
اجهد ولا تكسل ولا تك غافلا …ما كان يبقى في البرية جاهل
في المدرسة:
1 - الحضور الى المدرسة باكرا قبل قرع الجرس.
2 - السلام على الأصدقاء بوجه باسم،وإلقاء التحية على المعلمين.
3 - المحافظة على النظام العام والهندام المدرسي والسلوك القويم.
4 - إحضار الدفاتر والكتب المدرسية واللوازم الخاصة بالبرنامج اليومي.
5 - الانتباه المطلق أثناء الدرس والمشاركة الفعلية في سيره،ومشاركة المعلم تدرجه في شرح الدروس.
6 - تجنب الشرود أثناء الدرس،أو الانشغال بالدفاتر أو اللوازم،أو الحديث مع الطلاب.
7 - تسجيل الواجبات المكلف بها في دفتر خاص،يرجع اليها في البيت لئلا ينسى أي واجب.
8 - اللعب بلطف أثناء الفرصة،والانتباه الى من هم أصغر سنا لئلا يدفعهم،وعدم اللعب مع من هم أكبر سنا.
9 - الاستفادة من الوقت المخصص للفرصة لقضاء الحاجات الخاصة في أول الوقت كدخول الخلاء.
10 - الانتباه إلى تناول الأطعمة والأشربة النظيفة،مع غسل اليدين قبلها وبعدها.
11 - الانتباه إلى عدم سقوط شيء من الأطعمة في الباحة تحت الأقدام.
12 - تجنب أخذ أي متاع خاص بأحد الطلاب إلا بإذنه،ولا تتم إستعارة أي شيء إلا بالاستئذان قبله،والشكر بعده.
13 - تجنب التهكم بالآخرين والسخرية منهم،والتنابز بالألقاب،والمزاح المؤدي الى الخصومات والعداوات. قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ} الحجرات 11
14 - إختيار الأصدقاء الصالحين من أصحاب الأخلاق الحميدة والسيرة الحسنة والسلوك المستقيم والذكاء والاجتهاد في الدروس. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ rقَالَ:الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ،فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ ".
15 - التحضير الجيد للامتحان من بداية العام الدراسي،وعدم ترك الدروس تتراكم دون حفظ أو متابعة.
16 - تجنب الغش ومحاولة النقل والاعتماد على الغير في الامتحان،أو استخدام الوسائل غير المشروعة.
17 - الدعاء عند بداية الامتحان يقول تعالى: :{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)} طه.
في البيت:
1 ـ المسارعة في كتابة الواجبات المدرسية بعد العودة من المدرسة وعدم تأجيلها الى الغد. 2 ـ مراجعة البرنامج اليومي والتأكد من كتابة جميع الواجبات ودراسة مواد اليوم السابق،والتحضير لمواد اليوم اللاحق.
3 ـ الاعتناء بالخط والترتيب،والتسطير والتبويب 4 ـ الاعتناء بنظافة الدفاتر والكتب وتغليفها بشكل لائق،والمحافظة عليها من التلف أو الضياع 5 ـ السعي إلى التفوق في جميع المواد بالمتابعة المستمرة في الدروس،وتجنب تضييع الأوقات بلا فائدة
المسارعة في كتابة الواجبات المدرسية بعد العودة من المدرسة وعدم تأجيلها إلى الغد.
مراجعة البرنامج اليومي والتأكد من كتابة جميع الواجبات ودراسة مواد اليوم السابق،والتحضير لمواد اليوم اللاحق.
عَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rقَالَ: " إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَزَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ " رواه البيهقي.

____________


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:44 PM

-19-آداب شخصية

للمسلم مع نفسه آداب يلزمها بها،ويجاهدها عليها،ويقوّمها ويعتني بها،ويهتم بتزكيتها،ويسارع إلى تهذيبها ومعالجتها،وضبطها ومحاسبتها،ويلتزم استكمال فضائلها في ظاهرها وباطنها.. قال تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)} الشمس.
بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَلْهَمَ النُّفُوسَ مَعْرَفَةَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ،ذَكَرَ مَا تَلْقَاهُ النُّفُوسُ مِنَ الجَزَاءِ عَلَى فِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا،فَقَالَ تعالى: مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ بِطَاعَةِ اللهِ،وَنَمَّاهَا وَطَهَّرَهَا مِنَ الأخْلاَقِ الدِّنِيئَةِ وَالرَّاذَائِلِ،فَازَ وَأَفْلَحَ ( وَهَذَا جَوَابُ القَسَمِ ) .
أَمَّا مَنْ أَخْفَى فَضَائِلَ نَفْسِهِ،وَأَمَاتَ اسْتِعْدَادَهَا لِلْخَيْرِ،بِفِعْلِ المَعَاصِي،وَاجْتِرَاحِ السَّيِّئَاتِ،وَمُجَانَبَةِ الخَيْرِ وَالبِرِّ وَالقُرُبَاتِ،فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ.وَقَدْ حَذَفَ اللهُ تَعَالَى المُقْسَمَ عَلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ نَظَائِرِهِ،فَكَأَنَّهُ قَالَ:وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا.. لَينْزِلَنَّ بِالمُكَذِّبِينَ مِنْكُمْ مَا نَزَلَ بِثَمُودَ .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: حُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ،وَحُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ. ابن حبان.
وقال المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس عيبا ……كنقص القادرين على التمام
وقال البوصيري:
والنفس كالطفل إن تهمله شبَّ على ……حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
وجاهد النفس والشيطان واعصهما ………وإن هما محضاك النصح فاتهم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه ………إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
وراعها وهي في الأعمال سائمة ……وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
وكم حسنت لذة للمرء قاتلة ……من حيث لم يدر أن السم في الدسم
وقد اعتنى أهل التربية بالنفس،ووقفوا على أمراضها وأداوئها،وبينوا طرق معالجتها من لهوها وبطالتها،وشهواتها وأهوائها،فوضعوا لها أسباب تربيتها،وبينوا طرق شفائها،وسبل مجاهدتها،وكيفية تقويمها وتأديبها حتى تصبح كما ورد في الحديث الشريف: عَنْ عبدِ الله بن عَمرو بنِ العاص رضي الله عنهما،قال:قالَ رسولُ الله - r-:(( لا يُؤمِنُ أَحدُكُم حتّى يكونَ هَواهُ تَبَعاً لِما جِئتُ بِهِ )) .
ولهذا البحث شروح مطوّلة،وشجون متفرعة،ونكتفي هنا أن نعرض لبعض الآداب التي ينبغي على الناشئة تعويد أنفسهم عليها. حتى تصبح ملكة راسخة وطبعا أصيلا:
المحافظة على النظافة العامة بالاغتسال مرة كل أسبوع،ويسن أن يكون يوم الجمعة.
عَنْ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ ». رواه الترمذي وأبو داود.
قص أظافر اليدين والرجلين مرة كل أسبوع،وتجنب إطالتها أو إطالة بعضها وخاصة عند الفتيات،لأنها تصبح حقلا لتجمع الأوساخ والأقذار تحتها،وتمنع ماء الوضوء من وصوله إلى أطراف الأصابع،فضلا عن منظرها الحيواني القبيح. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ ». قَالَ زَكَرِيَّاءُ قَالَ مُصْعَبٌ وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ.
قص الشعر كلما طال،وتعهده بالنظافة والترجيل،دون إفراط ولا تفريط. عَنْ جَابِرٍ،أَنّ النَّبِيَّ rرَأَى رَجُلا وَسِخَةٌ ثِيَابُهُ،فَقَالَ:أَمَا وَجَدَ هَذَا مَا يُنَقِّي ثِيَابَهُ ؟ وَرَأَى رَجُلا ثَائِرَ الشَّعْرِ،فَقَالَ:مَا وَجَدَ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ ؟
التعوّد على التيامن،أي تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم،كالغسل والوضوء،والتحية والمصافحة،ولبس الثوب والنعال،وتقليم الأظفار،والأخذ والعطاء،والأكل والشرب،وتقديم اليسار في ما سوى ذلك،كالامتخاط والبصاق،وخلع الثوب والنعل،والاستنجاء،ومسّ العورة.
عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:كَانَ النَّبِيُّ rيُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ:فِي تَرَجُّلِهِ،وَفِي طُهُورِهِ،وَفِي نَعْلِهِ قَالَ شُعْبَةُ:ثُمَّ سَأَلْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ:كَانَ النَّبِيُّ rيُحِبُّ،أَوْ يُعْجِبُهُ،التَّيَمُّنُ مَا اسْتَطَاعَ.".
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ -r- الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلاَئِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى. رواه أبو داود.
تجنب استقبال القبلة بالبصاق أو الامتخاط أو قذف النخامة،بل تكون إلى جهة اليسار وفي منديل خاص لئلا يؤذي بها أحدا.
تحويل الوجه أثناء العطاس عن وجوه الناس وعن الطعام والشراب لئلا يصيبها رذاذ العطاس،ووضع اليد أو المنديل على الفم وخفض الصوت بها إذا أمكن.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « الْعُطَاسُ مِنَ اللَّهِ وَالتَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَإِذَا قَالَ آهْ آهْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْ جَوْفِهِ وَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ آهْ آهْ إِذَا تَثَاءَبَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ فِى جَوْفِهِ ». رواه الترمذي.
أن يحمد الله تعالى بعد العطاس.
أن يقال لمن عطس وحمد الله تعالى ( يرحمك الله) فيجيب (يهديكم ويصلح بالكم).
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - r- قَالَ « إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ.وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ.فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ.فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ».رواه البخاري.
وضع اليد على الفم أثناء التثاؤب لستر المنظر غير اللائق عند فتح الفم ومنعا لدخول شيء إليه،وخفض الصوت به،وإن استطاع أن يمنعه فليفعل،وليستغفر الله تعالى بعده،لأنه دليل على الملل والكسل،لذلك كرهه الله تعالى وجعله من الشيطان.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَلاَ يَعْوِى فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْهُ ».
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - r- « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ،وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ،فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ،فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ،وَأَمَّا التَّثَاوُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ،فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ،فَإِذَا قَالَ هَا.ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ ».رواه البخاري.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ:إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ،وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ،فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ،أَوْ لِيَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ،فَإِنَّهُ إِذَا تَثَاءَبَ فَقَالَ:آهْ،فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ يَضْحَكُ مِنْ جَوْفِهِ.
مدافعة الجشاء،وتجنب الأطعمة التي تسببه أو الإكثارمنها،وخفض الصوت به والاستغفار بعده.
عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ r،فَتَجَشَّأْتُ فَقَالَ: " مَا هَذَا يَا أَبَا جُحَيْفَةَ ؟ إِنَّ أَطْوَلَ النَّاسِ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ،أَطْوَلُهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا " قَالَ: فَمَا أَكَلْتُ فِي بَطْنِي كُلِّهِ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ r،وَقَالَ هَذَا ثَلَاثِينَ سَنَةً ".
ذكر الله تعالى وشكره عند النظر في المرآة،والدعاء بما رود عن النبي r.
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ rكَانَ إِذَا نَظَرَ وَجْهَهُ فِي الْمِرْآةِ قَال:الْحَمْدُ لِلَّهِ،اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي " رواه ابن السني.
استخدام الهاتف للضرورة لا للتسلية أو اللغو أو إزعاج الآخرين،والاتصال في الأوقات المناسبة،وابتداء المكالمة بالسلام والتعريف بالنفس وذكر الحاجة.
المحافظة على الأعمال الصالحة،والمداومة على ما اعتاده من العبادات والصدقات،والنوافل والقربات،والأذكار وقراة القرآن،وعدم تركها مللا أو كسلا أو رغبة عنها أو انشغالا بالدنيا عنها.
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - r- الَّذِى يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ " .
ترك الفضول في كل شيء،وعدم التدخل فيما لا يعني،ولزوم الاهتمام بعيوب النفس والانشغال في إصلاحها وتقويمها وتزكيتها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ." .
إسداء النصيحة لكل من يعرف بالحسنى،وبما فيه مصلحة المخاطب في دينه ودنياه.
قبول النصيحة ممن أسداها،والاعتراف بالحق والعودة السريعة إليه،والاعتراف بالخطأ إن كان عليه،وعدم الإصرار عليه،لأن الحقيقة هي ضالة المؤمن التي يبحث عنها ويشكر من يقدمها،ويثني على كل من أسدى نصيحة أو معروفا. عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ -r- قَالَ « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ».
وعن أبي هُرَيْرَةَ،قالَ:سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ r،يَقُولُ:لاَ يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ.
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ:جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا،فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ.
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " مَنْ أُولِيَ مَعْرُوفًا فَلْيُكَافِئْ بِهِ،فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَذْكُرْهُ،فَإِنْ ذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ،وَالْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يَنَلْ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ "
وفد حذر الله تعالى الذين لا يقبلون النصيحة بقوله:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) } [البقرة:204 - 207]
تعوُّد التخوشن في المعيشة،والقناعة والرضا فيها،باليسير،وترك الترفه والتنعم في الدنيا،فذلك أنفى للكبر،وأبعد عن العجب،وأسلم من الزهو والصلف والخيلاء.
عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:كَانَ ضِجَاعُ رَسُولِ اللهِ rمِنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ،قَالَتْ:وَكَانَ يَأْتِي عَلَيْنَا الشَّهْرُ مَا نَسْتَوْقِدُ نَارًا،إِنَّمَا هُمَا الأَسْوَدَانِ:التَّمْرُ وَالْمَاءُ إِلَى أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْنَا جِيرَانٌ لَنَا بِغَزِيرَةِ شَاتِهِمْ."،والأدم هو الجلد المدبوغ.


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:50 PM

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - r- « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ،وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ،فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ،فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ،وَأَمَّا التَّثَاوُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ،فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ،فَإِذَا قَالَ هَا.ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ ».رواه البخاري.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ:إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ،وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ،فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ،أَوْ لِيَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ،فَإِنَّهُ إِذَا تَثَاءَبَ فَقَالَ:آهْ،فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ يَضْحَكُ مِنْ جَوْفِهِ.
مدافعة الجشاء،وتجنب الأطعمة التي تسببه أو الإكثارمنها،وخفض الصوت به والاستغفار بعده.
عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ r،فَتَجَشَّأْتُ فَقَالَ: " مَا هَذَا يَا أَبَا جُحَيْفَةَ ؟ إِنَّ أَطْوَلَ النَّاسِ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ،أَطْوَلُهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا " قَالَ: فَمَا أَكَلْتُ فِي بَطْنِي كُلِّهِ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ r،وَقَالَ هَذَا ثَلَاثِينَ سَنَةً ".
ذكر الله تعالى وشكره عند النظر في المرآة،والدعاء بما رود عن النبي r.
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ rكَانَ إِذَا نَظَرَ وَجْهَهُ فِي الْمِرْآةِ قَال:الْحَمْدُ لِلَّهِ،اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي " رواه ابن السني.
استخدام الهاتف للضرورة لا للتسلية أو اللغو أو إزعاج الآخرين،والاتصال في الأوقات المناسبة،وابتداء المكالمة بالسلام والتعريف بالنفس وذكر الحاجة.
المحافظة على الأعمال الصالحة،والمداومة على ما اعتاده من العبادات والصدقات،والنوافل والقربات،والأذكار وقراة القرآن،وعدم تركها مللا أو كسلا أو رغبة عنها أو انشغالا بالدنيا عنها.
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - r- الَّذِى يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ " .
ترك الفضول في كل شيء،وعدم التدخل فيما لا يعني،ولزوم الاهتمام بعيوب النفس والانشغال في إصلاحها وتقويمها وتزكيتها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ." .
إسداء النصيحة لكل من يعرف بالحسنى،وبما فيه مصلحة المخاطب في دينه ودنياه.
قبول النصيحة ممن أسداها،والاعتراف بالحق والعودة السريعة إليه،والاعتراف بالخطأ إن كان عليه،وعدم الإصرار عليه،لأن الحقيقة هي ضالة المؤمن التي يبحث عنها ويشكر من يقدمها،ويثني على كل من أسدى نصيحة أو معروفا. عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ -r- قَالَ « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ».
وعن أبي هُرَيْرَةَ،قالَ:سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ r،يَقُولُ:لاَ يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ.
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ:جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا،فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ.
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " مَنْ أُولِيَ مَعْرُوفًا فَلْيُكَافِئْ بِهِ،فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَذْكُرْهُ،فَإِنْ ذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ،وَالْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يَنَلْ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ "
وفد حذر الله تعالى الذين لا يقبلون النصيحة بقوله:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) } [البقرة:204 - 207]
تعوُّد التخوشن في المعيشة،والقناعة والرضا فيها،باليسير،وترك الترفه والتنعم في الدنيا،فذلك أنفى للكبر،وأبعد عن العجب،وأسلم من الزهو والصلف والخيلاء.
عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:كَانَ ضِجَاعُ رَسُولِ اللهِ rمِنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ،قَالَتْ:وَكَانَ يَأْتِي عَلَيْنَا الشَّهْرُ مَا نَسْتَوْقِدُ نَارًا،إِنَّمَا هُمَا الأَسْوَدَانِ:التَّمْرُ وَالْمَاءُ إِلَى أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْنَا جِيرَانٌ لَنَا بِغَزِيرَةِ شَاتِهِمْ."،والأدم هو الجلد المدبوغ.
عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r- كَانَ فِى بَعْضِ الْمَشَاهِدِ وَقَدْ دَمِيَتْ إِصْبَعُهُ،فَقَالَ :
« هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصْبَعٌ دَمِيتِ،وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ »
الإخلاص لله تعالى في جميع الأعمال،وجعل الهدف الرئيسي من الحياة شعار المؤمن الذي يضعه بين عينيه،ويردده على جميع الأحوال " إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي".
قال تعالى:{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} الأنعام.
قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْمُشْرِكِينَ،الذِينَ يَذْبَحُونَ الذَّبَائِحِ عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللهِ:إِنَّكَ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ،فَإنَّ صَلاَتَكَ وَنُسْكَكَ وَمَحْيَاكَ عَلَى اسْمِ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،خَالِصاً لِوَجْهِ اللهِ الذِي خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ،وَهُوَ رَبُّ العَالَمِينَ جَمِيعاً .
وَأَنَا أُؤْمِنُ بِأَنَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَقَدْ أَمَرَنِي اللهُ بِذَلِكَ،وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ المُمْتَثِلِينَ بِأَمْرِهِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ

____________



منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:52 PM

-20-آداب النوم

النوم هو آخر محطة ينزلها الراكب بعد أن يقطع رحلة يومه،وعناء نهاره،فيأوي في بيته إلى مكان هادئ ومريح ومظلم،ويسلم نفسه لخالقها الذي يتولى حفظها ورعايتها،وتصريف أمورها وعمل أجهزتها قال تعالى:{ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73)} القصص.
ومِنْ رَحْمَتِه بِكُم أَنَّهُ خَلَق اللَّيلَ مُظْلِماً لِتَسكُنُوا فيهِ،وتَرتَاحُوا وَخَلَقَ النَّهارَ مُضِيئاً،لتَعمَلُوا فيهِ،ولتكسبُوا مَعَايِشَكُم بالعَمَلِ والأَسْفَارِ ( لِتَبتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ )،وهُوَ تَعَالَى يُذَكِّرُكُمْ بِنِعمَتِهِ وآلائِهِ عَليكُم لَعَلَّكُمْ تَقُومُونَ بِشُكْرِهِ عَليها بأَداءِ العِبَادَاتِ لهُ في الليْلِ والنَّهَارِ،وتُخْلِصُونَ الحَمدَ لَهُ .
والنوم آية تدلُّ على عظمة الله وقهره،وعلى ضعف الإنسان وفقره،فلولاه لكلت عضلاته،وشلّت أعصابه،وانفجرت شرايينه،فهو راحة له لاستعادة نشاطه وشحن قوته،رحمة من الله وفضلا ونعمة وكرما. قال تعالى:{ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً (11)} القصص.
وَجَعَلَ نَوْمَكُمْ فِي اللَّيْلِ قَاطِعاً لِلْحَرَكَةِ،لِتَرْتَاحَ الأَبْدَانُ مِمَّا تَكَابِدُهُ مِنْ عَنَاءِ النَّهَارِ فِي السَّعْيِ فِي أُمُورِ المَعَاشِ،وَلَوْلاَ النَّوْمُ لَفَقَدَتِ الأَبْدَانُ نَشَاطَهَا،وَأُرْهِقَتْ،وَانْقَطَعَتْ عَنِ العَمَلِ .وَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى اللَّيْلَ سَاتِراً لِلأَجْسَامِ عَنِ العُيُونِ بِظُلْمَتِهِ،وَمُغَطياً لَهَا،وَكَأَنَّهُ اللِّبَاسُ الذِي يُغَطِّي الجِسْمَ وَيَسْتُرُهُ .
وَجَعَلَ اللهُ النَّهَارَ مُشْرِقاً بِالضِّيَاءِ لِيَتَمَكَّنَ النَّاسُ مِنَ التَّصُرُّفِ فِيهِ،وَالسَّعْيِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ وَالمَعَاشِ .
والنوم صنو الموت،يعطل الحواس،ويفقد الوعي،ويلقي بالإنسان جثة هامدة،ليس فيها إلا قلب ينبض،ونفس يتردد،ودماء تجري بقدرة الله الواحد القهار.
وفي كل شيء له آية ……تدلُّ على أنه واحد
هذا وللنوم وكيفيته ومقداره آداب إسلامية،وسنن نبوية نذكر فيها ما يلي:
الوضوء قبل النوم،وصلاة ما تيسر من قيام الليل،يختمها بصلاة الوتر،ولا يأخذه النوم إلا وهو على وضوء وذكر الله تعالى .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ أَوْصَانِى خَلِيلِى بِثَلاَثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ،وَصَلاَةِ الضُّحَى،وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ.
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ،قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r،يَقُولُ:"مَنْ آوَى إِلَى فِرَاشِهِ طَاهِرًا يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى يُدْرِكَهُ النُّعَاسُ،لَمْ يَتَغَلَّبْ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ". رواه ابن السني.
محاسبة النفس قبل النوم على ما فعله في يومه،والاستغفار من جميع الذنوب التي اقترفها.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ rقَالَ:مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ،سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ،غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ أَوْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ."
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ:أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ،غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ،وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ،وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ رَمْلِ عَالِجٍ،وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ عَدَدِ وَرَقِ الشَّجَرِ." رواه الترمذي.
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:"مَنْ قَالَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلا فَقَهَرَ،وَبَطَنَ فَخَبَرَ،وَمَلَكَ فَقَدَرَ،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"
قراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين قبل النوم.
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - r- كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) وَ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) وَ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ..
نفض الفراش والغطاء قبل الاضطجاع فيه للاطمئنان إلى خلوه من الحشرات وغيرها،ثم الاضطجاع على الجنب الأيمن،وتجنب مد الرجلين إلى جهة القبلة،ثم الدعاء بما ورد عن النبي rبأحد أدعية النوم.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - r- « إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ،فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ،ثُمَّ يَقُولُ بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِى،وَبِكَ أَرْفَعُهُ،إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِى فَارْحَمْهَا،وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ » البخاري
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ عَنْ فِرَاشِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ إِزَارِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَإِذَا اضْطَجَعَ فَلْيَقُلْ بِاسْمِكَ رَبِّى وَضَعْتُ جَنْبِى وَبِكَ أَرْفَعُهُ فَإِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِى فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ.فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى عَافَانِى فِى جَسَدِى وَرَدَّ عَلَىَّ رُوحِى وَأَذِنَ لِى بِذِكْرِهِ ».
عدم استجلاب النوم تكلفا وعدم الاستلقاء على الفراش قبل الشعور بالنعاس.
التعوّد على النوم باكرا،فهو يعين على الاستيقاظ باكرا بهمة ونشاط للعبادة والصلاة،وهو ما تنصح به القواعد الصحية: ( نم مع الحمل واستيقظ مع العصفور).
قال تعالى:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (16) سورة السجدة.
وعَنِ الأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - كَيْفَ صَلاَةُ النَّبِىِّ - r- بِاللَّيْلِ قَالَتْ كَانَ يَنَامُ أَوَّلَهُ وَيَقُومُ آخِرَهُ،فَيُصَلِّى ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى فِرَاشِهِ،فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَثَبَ،فَإِنْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ اغْتَسَلَ،وَإِلاَّ تَوَضَّأَ وَخَرَجَ ..
لبس الثياب اللينة والساترة والمريحة خلال النوم،وتجنب التعري والتكشف،واختيار المكان الهادئ والواسع والمريح للنوم،وانفراد كل شخص بغطاء خاص به.
يكون نوم الذكور في مكان مستقل عن مكان نوم الإناث. عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ ».
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: وسَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - r- يَقُولُ: لاَ يُبَاشِرِ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ،وَلاَ تُبَاشِرِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فِى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ "
تجنب النوم على البطن،لأضراره الصحية النفسية والجسدية.
عَنْ يَعِيشَ بْنِ طِخْفَةَ بْنِ قَيْسٍ الْغِفَارِىِّ قَالَ كَانَ أَبِى مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى بَيْتِ عَائِشَةَ ». فَانْطَلَقْنَا فَقَالَ « يَا عَائِشَةُ أَطْعِمِينَا ». فَجَاءَتْ بِحَشِيشَةٍ فَأَكَلْنَا ثُمَّ قَالَ « يَا عَائِشَةُ أَطْعِمِينَا ». فَجَاءَتْ بِحَيْسَةٍ مِثْلِ الْقَطَاةِ فَأَكَلْنَا ثُمَّ قَالَ « يَا عَائِشَةُ اسْقِينَا ». فَجَاءَتْ بِعُسٍّ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبْنَا ثُمَّ قَالَ « يَا عَائِشَةُ اسْقِينَا ». فَجَاءَتْ بِقَدَحٍ صَغِيرٍ فَشَرِبْنَا ثُمَّ قَالَ « إِنْ شِئْتُمْ بِتُّمْ وَإِنْ شِئْتُمُ انْطَلَقْتُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ ». قَالَ فَبَيْنَمَا أَنَا مُضْطَجِعٌ فِى الْمَسْجِدِ مِنَ السَّحَرِ عَلَى بَطْنِى إِذَا رَجُلٌ يُحَرِّكُنِى بِرِجْلِهِ فَقَالَ « إِنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ ». قَالَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -r-. رواه أبو داود.
ذكر الله عز وجل كلما استيقظ خلال النوم.
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ حِينَ يَسْتَيْقِظُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ دَعَا رَبِّ اغْفِرْ لِى ». قَالَ الْوَلِيدُ أَوْ قَالَ « دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ قَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ »
عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:كَانَ رَسُولُ اللهِ rإِذَا تَضَوَّرَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ،رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ.. رواه ابن حبان
وعَنْ حُذَيْفَةَ،قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ r: إِذَا تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانًا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ "
الاعتدال في النوم،وعدم تجاوزه ثماني ساعات،لأن النوم تعطيل للحياة.
إغلاق النوافذ والأبواب،وإطفاء المواقد والنيران،وتغطية الأواني والأباريق،قبل النوم.
عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r- « أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ بِاللَّيْلِ إِذَا رَقَدْتُمْ،وَغَلِّقُوا الأَبْوَابَ،وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ،وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ » البخاري
الاستبشار بالرؤية الصالحة،وسؤال الله تعالى خيرها،والتحدث بها إلى من يحب،والاستعاذة بالله من الرؤيا السيئة وعدم التشاؤم منها،وسؤال الله تعالى صرف شرّها.
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ - r- يَقُولُ « إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِىَ مِنَ اللَّهِ،فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا،وَلْيُحَدِّثْ بِهَا،وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ،فَإِنَّمَا هِىَ مِنَ الشَّيْطَانِ،فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا،وَلاَ يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ،فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ ».البخاري
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- :« إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ،وَلاَ يُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ ». الحميدي
القيام إلى الوضوء والصلاة إذا أصيب بأرق،ثم الاستعاذة بكلمات الله التامات من غضبه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين،ثم الدعاء بما علّم به رسول الله r.
عَنْ زَيْدِ بن ثَابِتٍ،قَالَ:أَصَابَنِي أَرَقُّ اللَّيْلِ،فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r،فَقَالَ:قُلِ:اللَّهُمَّ غَارَتِ النُّجُومُ،وهَدَأَتِ الْعُيُونُ،وَأَنْتَ حَيٌّ قَيُّومٌ،يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ أَنِمْ عَيْنِي وأهْدِئْ لِيَلِي،فَقُلْتُهَا فَذَهَبَ عَنْي ) .. رواه الطبراني

____________


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:53 PM

-21-آداب الغسل ودخول الحمام

اهتم الإسلام بجميع الشؤون التي يصادفها المسلم ويتعرّض لها خلال خطوات حياته،فهو إلى جانب حرصه على بناء المسلم الكامل في عقيدته،الراجح في عقله،الزكيّ في نفسه،الفاضل في أخلاقه،الناجح في معاملاته،حرص على بناء المسلم السليم في جسده،القوي في بنيته،الطاهر في بدنه،النظيف في ثيابه،المعطر في رائحته،الجميل في هندامه.
قال تعالى:{ لمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (108) سورة التوبة
إِنَّ مَسْجِدَ قبَاءٍ فِيهِ رِجَالٌ يَعْمُرُونَهُ بِإِقَامَةِ الصَّلاَةِ،وَذِكْرِ اللهِ،وَتَسْبِيحِهِ؟،وَيُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا بِذَلِكَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالآثَامِ.وَيُثْنِي اللهُ تَعَالَى عَلَى الأَنْصَارِ فِي تَطَهُّرِهِمْ،وَفِي عِنَايَتِهِمْ بِنَظَافَةِ أَبْدَانِهِمْ،لأَنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ .
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " تَنَظَّفُوا ".
وإذا كان العقل السليم في الجسم السليم،فإن الإسلام جعل من الطهارة التي هي سبب في صحة الأجسام،ونشاط الأعضاء،جعل منها نصف الإيمان.
فعَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالصَّلاَةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ». رواه مسلم.
وقد شرع الإسلام النظافة على هيئة الغسل أو الوضوء كمقدمة لأهم العبادات وأكثرها تكرارا في اليوم والليلة وهي الصلاة،وأكد على فضيلة إسباغ الوضوء وإبلاغ الغسل جميع البدن.
فعَنْ عَلِىٍّ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ ». رواه أبو داود.
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ ». رواه مسلم.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ r،قَالَ:إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ،خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ،وَمَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ،أَوْ نَحْوَ هَذَا،فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ،أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ،حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ." رواه مسلم
وسنّ الإغتسال لكثير من العبادات أو المناسبات الدينية التي يلتقي فيها المسلمون ومنها: غسل الجمعة،وغسل العيدين،وعند الإحرام،ولدخول مكة،وللوقوف بعرفة،وللطواف،ولدخول المدينة،ولكل ليلة من رمضان،ولمن دخل في الإسلام..
هذا وللغسل والاستحمام آداب إسلامية على المسلم أن يراعيها ويتعلمها ويتقيد بها،نذكر منها الآداب التالية:
تسمية الله تعالى عند خلع الثياب للغسل،وتستحب التسمية ولو لجنب أو حائض دون أن يقصدا بها القرآن.
وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: سِتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ،وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا وَضَعُوا ثِيَابَهُمْ،أَنْ يَقُولُوا:بِسْمِ اللَّهِ " تمام .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: سِتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ،وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ،أَنْ يَقُولُوا:بِسْمِ اللَّهِ "
وعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ:" سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ بِسْمِ اللَّهِ إِذَا وَضَعَ ثِيَابَهُ "
ستر العورة،إذ يحرم على المسلم أن يغتسل أمام أحد وهو مكشوف العورة،كما ينبغي عدم كشف العورة لغير حاجة وذلك حياء من الله تعالى،وإكراما للملائكة الحفظة الكاتبين،والانتباه إلى أن عورة الرجل على الرجل،والمرأة على المرأة،من السرة إلى الركبة.
قال تعالى:{ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) } الأعراف 26-27.
يا بني آدم قد جعلنا لكم لباسًا يستر عوراتكم،وهو لباس الضرورة،ولباسًا للزينة والتجمل،وهو من الكمال والتنعم. ولباسُ تقوى الله تعالى بفعل الأوامر واجتناب النواهي هو خير لباس للمؤمن. ذلك الذي مَنَّ الله به عليكم من الدلائل على ربوبية الله تعالى ووحدانيته وفضله ورحمته بعباده; لكي تتذكروا هذه النعم،فتشكروا لله عليها. وفي ذلك امتنان من الله تعالى على خَلْقه بهذه النعم.يا بني آدم لا يخدعنَّكم الشيطان،فيزين لكم المعصية،كما زيَّنها لأبويكم آدم وحواء،فأخرجهما بسببها من الجنة،ينزع عنهما لباسهما الذي سترهما الله به; لتنكشف لهما عوراتهما. إن الشيطان يراكم هو وذريته وجنسه وأنتم لا ترونهم فاحذروهم. إنَّا جعلنا الشياطين أولياء للكفار الذين لا يوحدون الله،ولا يصدقون رسله،ولا يعملون بهديه. .
وعَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَرْهَدٍ عَنْ أَبِيهِ - قَالَ كَانَ جَرْهَدٌ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ - قَالَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -r- عِنْدَنَا وَفَخِذِى مُنْكَشِفَةٌ فَقَالَ « أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ ». رواه أبو داود .
وعَنْ بَهْزِ بن حَكِيمٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟،قَالَ:"اسْتُرْ عَوْرَتَكَ إِلا مِنْ زَوْجِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ"،زَادَ الْحَجَبِيُّ فِي حَدِيثِهِ: قُلْتُ: الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟،قَالَ:"إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلا تَرَيَنَّهَا"،قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟،قَالَ:"فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَى مِنْهُ". الطبراني
وعن بَهْزَ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ:حَدَّثَنِي أَبِي،عَنْ جَدِّي قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ ؟ قَالَ:" احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ،أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ " قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ:" إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتَكَ فَافْعَلْ " قُلْتُ:فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا فَقَالَ:" فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَى مِنَ النَّاسِ "
تجنب الدخول إلى الحمام إلا وهو ساتر لعورته بفوطة أو مئزر،والاحتفاظ بها أثناء الاستحمام وخاصة في الحمامات العامة.
عَنْ أَبِي عُذْرَةَ،قَالَ:وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ r،عَنْ عَائِشَةَ:أَنَّ رَسُولَ اللهِ rنَهَى الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ عَنِ الْحَمَّامَاتِ،ثُمَّ رَخَّصَ لِلرِّجَالِ أَنْ يَدْخُلُوهَا فِي الْمَآزِرِ." أحمد.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « إِنَّهَا سَتُفْتَحُ لَكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ فَلاَ يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إِلاَّ بِالأُزُرِ وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إِلاَّ مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ »أبو داود.
وعَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ r: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ،فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ،مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ،فَلَا يَدْخُلِ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ،مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ،فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ " إِمَّا قَالَ: يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ أَوْ قَالَ: يُشْرَبُ الْخَمْرُ " البيهقي.
غض البصر عن عورته،وعن عورات الآخرين،وتجنب استراق النظر إلى أحد وهو يخلع ثيابه أو يغتسل.
قال تعالى:{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (30) سورة النــور.
قل - أيها النبي - للمؤمنين يَغُضُّوا مِن أبصارهم عمَّا لا يحلُّ لهم من النساء والعورات،ويحفظوا فروجهم عمَّا حَرَّم الله من الزنى واللواط،وكشف العورات،ونحو ذلك،ذلك أطهر لهم. إن الله خبير بما يصنعون فيما يأمرهم به وينهاهم عنه.
وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ بَلَغَنِى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ :« لَعَنَ اللَّهُ النَّاظِرَ وَالْمَنْظُورَ إِلَيْهِ » البيهقي.
طلب الخلوة،والاستتار عن الأنظار،وترك الاعتماد على أحد أو مساعدته في الاستحمام،إلا ما يكون من تعليم الوالدين لأبنائهما الصغار.
عَنْ يَعْلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- رَأَى رَجُلاً يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ بِلاَ إِزَارٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ -r- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ ». رواه أبو داود والنسائي.
تجنب الكلام والحديث مع الآخرين،والسلام أوردِّه على أحد والذكر الجهري وتلاوة القرآن،أثناء الاستحمام،إلا ما كان من النية وأدعية الغسل،والتزام الصمت والهدوء في صب الماء.
تجنب تناول الطعام،أو شرب الماء البارد أثناء الاستحمام،وتجنب دخول الحمام بعد الطعام مباشرة،لأن ذلك يسيء إلى عملية الهضم.
التفكر والاعتبار وتذكر الموت والدار الآخرة عند التجرد من الثياب،والتعوّذ بالله تعالى من النار والحميم عند صب الماء الحار.
تجنب الدخول إلى الحمامات العامة إلا عند الضرورة،لأنه مظنة لكشف العورات،والنظر إلى الآخرين،وخاصة إذا توفر الحمّام في البيت.
تجنب الإسراف وصب الماء بلا حاجة،فهو من مكروهات الغسل،ولو كان يغترف من نهر جار،لأن الله لا يحب المسرفين.
عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ،قَالَ:سَمِعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ،ابْنًا لَهُ وَهُوَ يَقُولُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ،قَالَ:يَا بُنَيَّ،إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ الْجَنَّةَ،وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنَ النَّارِ،فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولُ اللهِ r،يَقُولُ:يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ،وَالطُّهُورِ." ابن حبان.
الانتباه إلى إسباغ الغسل وتبليغه جميع البدن،وإيصاله إلى معاطف الجسم ومنابت الشعر،وذلك حسب الطريقة الشرعية.
قال الإمام الغزالي: إن أردت غسلا فاحمل الإناء،وضعه عن يمينك إن كنت تغترف منه،وعن يسارك إن كنت تصب منه،واغسل يديك أولا ثلاثا،وأزل ما على جسمك من نجاسة أو قذر،ثم توضأ وضوءك للصلاة،ثم صب الماء على رأسك ثلاثا مع استحضار النية،ثم على شقك الأيمن ثلاثا،ثم على شقك الأيسر ثلاثا،وأدلك ما أقبل من بدنك،وخلل الأطراف،وأوصل الماء إلى معاطف البدن ومنابت الشعر ما خف منه أو كثف،واعلم أن الواجب هو النية واستيعاب البدن بالغسل.
قال تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (222) سورة البقرة.
وَاللهُ يُحِبُّ التَّوَابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ،وَإنْ تَكَرَّرَ غِشْيَانُها،وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ عَنِ الأقْذَارِ وَالأذَى وَالفَواحِش .
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r- إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِى أُصُولِ الشَّعْرِ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدِ اسْتَبْرَأَ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ حَفَنَاتٍ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ." رواه مسلم.
وعَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ،قَالَتْ:كَانَ رَسُولُ اللهِ rإِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ،يَبْدَأُ،فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ،ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ،فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ،ثُمَّ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى الأَرْضِ،فَيَمْسَحُهَا،ثُمَّ يَغْسِلُهَا،ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ،ثُمَّ يُفْرِغُ عَلَى رَأْسِهِ وَعَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ،ثُمَّ يَتَنَحَّى،فَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ." أحمد
الانتباه إلى أنه يحرم على الجنب خمسة أشياء: الصلاة،وقراءة القرآن،ومس المصحف وحمله،والطواف والمكث في المسجد إلا لعذر.
ويحرم على المحدث حدثا أصغر ثلاثة أشياء: الصلاة،والطواف،ومس المصحف وحمله وأجازه بعض أهل العلم
13- ينبغي للمسلم أن يسارع إلى إزالة الحدثين بالغسل والوضوء فور حدوثهما،وعدم البقاء على جنابة فإنه لا يدري متى يقع الموت.

____________


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:53 PM

-22-آداب المسجد

المساجد بيوت الله تعالى،ومن أحب الله تعالى أحب بيوته،وأكثر من زيارته فيها. قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (18) سورة الجن.
وأن المساجد لعبادة الله وحده،فلا تعبدوا فيها غيره،وأخلصوا له الدعاء والعبادة فيها؛ فإن المساجد لم تُبْنَ إلا ليُعبَدَ اللهُ وحده فيها،دون من سواه،وفي هذا وجوب تنزيه المساجد من كل ما يشوب الإخلاص لله،ومتابعة رسوله محمد r.
والضيف إذا نزل بساحة الكرماء،ومنازل العظماء،أصابه جودهم وفضلهم،ونال من أعطياتهم وغنم من إكرامهم،فكيف بضيف نزل بأكرم الأكرمين،وحلّ على رب العالمين..؟
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:إِنَّ بُيُوتَ اللَّهِ فِي الأَرْضِ الْمَسَاجِدُ،وَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكْرِمَ مَنْ زَارَهُ فِيهَا." الطبراني
وعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ،قَالَ: أَخْبَرَنَا أَصْحَابُ،رَسُولِ اللهِ r: " إنَّ الْمَسَاجِدَ بُيُوتُ اللهِ فِي الْأَرْضِ،وَإِنَّهُ لَحَقٌّ عَلَى اللهِ أَنْ يُكْرِمَ مَنْ زَارَهُ فِيهَا "
وعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:"مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ،إِلا كَانَ زَائِرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ".
وعَنْ عُمَرَ،قَالَ:الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللهِ فِي الأَرْضِ،وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ."
وعَنْ سَلْمَانَ،قَالَ:مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ،ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لِيُصَلِّيَ فِيهِ كَانَ زَائِرًا للهِ،وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ."
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ،أَنَّ كَعْبًا،قَالَ:إِنِّي لأَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ يَقُولُ تَبَارَكَ وَتعالى: إِنَّ بُيُوتِي فِي الأَرْضِ الْمَسَاجِدُ،وَإِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ،ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَهُوَ زَائِرُ اللَّهِ،وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ،ثُمَّ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فَوَجَدْتُ فِيهِ {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ..} إِلَى آخِرِ الآيَةِ ثُمَّ وَجَدْتُ فِي التَّوْرَاةِ:أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ مَحَبَّةٌ لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ حَتَّى يَكُونَ بَدْؤُهَا مِنَ اللَّهِ يُنَزِّلُهَا اللَّهُ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ،ثُمَّ يُنَزِّلُهَا عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ،وَلَمْ يَكُنْ بُغْضُهُ لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ،حَتَّى يَكُونَ بَدْؤُهَا مِنَ اللَّهِ يُنَزِّلُهَا عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ ثُمَّ يُنَزِّلُهَا عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ،ثُمَّ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فَوَجَدْتُ فِيهِ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}،وَوَجَدْتُ فِي التَّوْرَاةِ:مَنْ قَالَ مِنْ هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ فَقَدِ اجْتَهَدَ،وَمَنْ قَالَ هَكَذَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَلَبَهَا وَجَعَلَ ظُهُورَ كَفَّيْهِ مِمَّا يَلِي السَّمَاءَ فَقَدِ ابْتَهَلَ،وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرُدَّ يَدِينِ خَاسِئَتَيْنِ يُسْأَلُ بِهَا خَيْرًا ."
ولا شك أن أعظم هذه الكرامات،وأفضل هذه الأعطيات،أن يذيقه الله تعالى لذة قربه وحلاوة مناجاته،وأن يمنحه شهادة الإيمان.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،عَنْ رَسُولِ اللهِ rقَالَ:إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ،فَاشْهَدُوا عَلَيْهِ بِالإِيمَانِ،قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (18) سورة التوبة. ابن حبان.
وفي منازل القيامة،وكربات مواقفها،وأهوال مشاهدها،يكون في ظل عرش الرحمن،آمنا مطمئنا. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - r- قَالَ « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ،وَشَابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ رَبِّهِ،وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى الْمَسَاجِدِ،وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِى اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ،وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ.وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ،وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ».متفق عليه.
ثم يصله تعالى بنعمة الجنة،وما أعده له فيها من نعيم مقيم،وفضل عميم.. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -r- « مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِى الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ » رواه مسلم..
والمساجد ليست معابد تؤدَّى فيها طقوس العبادات،وحركات الصلوات فحسب،فالأرض كلها جعلت لأمة النبي rمسجدا وطهورا،وتصلح لأداء الأركان والواجبات،فعَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:كُنْتُ أَعْرِضُ عَلَيْهِ وَيَعْرِضُ عَلَيَّ فِي السِّكَّةِ،فَيَمُرُّ بِالسَّجْدَةِ فَيَسْجُدُ،قَالَ:قُلْتُ:أَتَسْجُدُ فِي السِّكَّةِ ؟ قَالَ:نَعَمْ،سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ،يَقُولُ:سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ r،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ:الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ،قَالَ:قُلْتُ:ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ:ثُمَّ الْمَسْجِدُ الأَقْصَى،قَالَ:قُلْتُ:كَمْ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ:أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ:ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ." أحمد.
وعن جَابِرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ r،قَالَ:أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي:نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ،وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا،وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ،وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ،وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي،وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ،وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً،وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً." البخاري
ولكن المساجد بيوت الله يأوي إليها المسلم منقطعا عن صخب الحياة المادية،ومتحررا من قيود الهموم الدنيوية،فيجد فيها مراتع من رياض الجنة،ورياحين الفردوس.. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r:إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا،قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ:الْمَسَاجِدُ،قُلْتُ:وَمَا الرَّتْعُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ:سُبْحَانَ اللهِ،وَالْحَمْدُ للهِ،وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ،وَاللهُ أَكْبَرُ." الترمذي
فتارة في مجلس ذكر لله تعالى،وتلاوة القرآن الكريم يصل فيها إلى صفاء الروح،ولقائها بخالقها،وصلتها بمصدر الخير والكمال،ونهلها من منبع الحكمة والمعرفة والإيمان..
وتارة في مجلس وعظ وإرشاد تتزكى فيه النفس من نقائصها،وتتطهر من رذائلها،وتتحلى بفضائلها ومكارم أخلاقها..
وتارة في مجلس علم وفقه في الدين تتفتح فيه آفاق العقل على عظمة التشريع،وتتنوّر دروب الحياة بهدي التعاليم الإلهية،فيتضح صراط الله المستقيم..
كل ذلك في مجتمع إيماني كريم،يشدُّ بعضه أزر بعض،ويحقق فيه المؤمنون قوله تعالى: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (2) سورة المائدة. ويجنون من الثمرات ما ورد في الحديث الشريف عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ». رواه مسلم.
وإذا كان حق الضيف إكرامه،فإن من واجبه معرفة قدر من يزور،والاستعداد لزيارته،والتأدب في حضرته بما يليق وجلال المزور وعظمته..


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:54 PM

ومن الآداب الإسلامية لزيارة بيوت الله تبارك وتعالى نذكر منها ما يلي:
محبة المساجد وتقديرها،والنظر إليها بعين التكريم والتعظيم والتقديس والاحترام،لأنها بيوت الله تعالى التي بنيت لذكره وعبادته،وتلاوة كتابه وأداء رسالته،ونشر تعاليمه وتبليغ منهجه،وتعارف أتباعه ولقائهم على مائدة العلم والحكمة ومكارم الأخلاق..قال تعالى:{ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} الحج.
وقال سبحانه:{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) } [النور:36-38] .
هذا النور المضيء في مساجد أَمَرَ الله أن يُرْفع شأنها وبناؤها،ويُذْكر فيها اسمه بتلاوة كتابه والتسبيح والتهليل،وغير ذلك من أنواع الذكر،يُصلِّي فيها لله في الصباح والمساء.رجال لا تشغلهم تجارة ولا بيع عن ذِكْرِ الله،وإقام الصلاة،وإيتاء الزكاة لمستحقيها،يخافون يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب بين الرجاء في النجاة والخوف من الهلاك،وتتقلب فيه الأبصار تنظر إلى أي مصير تكون؟ ليعطيهم الله ثواب أحسن أعمالهم،ويزيدهم من فضله بمضاعفة حسناتهم. والله يرزق مَن يشاء بغير حساب،بل يعطيه مِنَ الأجر ما لا يبلغه عمله،وبلا عدٍّ ولا كيل.
عَنْ أَبِي عُثْمَانَ،قَالَ: كَتَبَ سَلْمَانُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ يَا أَخِي لِيَكُنِ الْمَسْجِدُ بَيْتَكَ،فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r،يَقُولُ:"الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ،وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ كَانَ الْمَسَاجِدُ بُيُوتَهُ الرَّوْحَ،وَالرَّحْمَةَ،وَالْجَوَازَ عَلَى الصِّرَاطِ".رواه الطبراني.
وعَنْ ابْنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ: أَوْصَانِي أَبِي يَا بُنَيَّ لِيَكُنِ الْمَسْجِدُ بَيْتَكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ: " الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللهِ،وَقَدْ ضَمِنَ اللهُ لِمَنْ كَانَتِ الْمَسَاجِدُ بَيْتَهُ بالرَّوْحِ وَالرَّاحَةِ،وَالْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ إِلَى الْجَنَّةِ " "
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ:مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ،أَوْ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا،أَوْ رَاحَ" ابن أبي شيبة.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:إِنَّ لِلْمَسَاجِدِ أَوْتَادًا هُمْ أَوْتَادُهَا لَهُمْ جُلَسَاءُ مِنَ الْمَلائِكَةِ،فَإِنْ غَابُوا سَأَلُوا عَنْهُمْ،وَإِنْ كَانُوا مَرْضَى عَادُوهُمْ،وَإِنْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ أَعَانُوهُمْ "
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ rقَالَ:إِنَّ لِلْمَسَاجِدِ أَوْتَادًا الْمَلاَئِكَةُ جُلَسَاؤُهُمْ،إِنْ غَابُوا يَفْتَقِدُونَهُمْ،وَإِنْ مَرِضُوا عَادُوهُمْ،وَإِنْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ أَعَانُوهُمْ. وَقَالَ:جَلِيسُ الْمَسْجِدِ عَلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ:أَخٍ مُسْتَفَادٍ،أَوْ كَلِمَةٍ مُحْكَمَةٍ،أَوْ رَحْمَةٍ مُنْتَظَرَةٍ." أحمد
وعَنْ أَبِي حَازِمٍ،قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: " إِنَّ لِلْمَسَاجِدِ أَوْتَادًا مِنَ النَّاسِ،وَإِنَّ لَهُمْ جُلَسَاءَ مِنَ الْمَلَائِكَةَ،فَإِذَا فَقَدُوهُمْ سَأَلُوا عَنْهُمْ فَإِنْ كَانُوا مَرْضَى عَادُوهُمْ وَإِنْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ أَعَانُوهُمْ "
العمل على إشادتها،والقيام بما يستطيع من جهد مادي أو جسدي لبنائها،وتشجيع الناس على التبرع لاستكمالها وتجهيزها بما يليق ومكانتها،وابتغاء وجه الله تعالى في كل ذلك. فعَنْ أَبِي ذَرٍّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ. " ابن حبان
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،أَنَّهُ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r،يَقُولُ:مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَذْكُرُ فِيهِ اسْمَ اللهِ،بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ." ابن حبان
وعن عُبَيْدِ اللهِ الْخَوْلاَنِيِّ،أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ،يَقُولُ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r،يَقُولُ:مَنْ بَنَى مَسْجِدًا،بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ." ابن حبان
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،عَنِ النَّبِيِّ r،أَنَّهُ قَالَ:مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا،بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ. رواه أحمد .
المحافظة على ارتياد المساجد ولو كانت بعيدة عن منزله،والمشي إليها ولو تحمل في سبيل ذلك الحّر والبرد،وظلمة الليل ومشقة الطريق.فعَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِى الصَّلاَةِ أَبْعَدُهُمْ إِلَيْهَا مَمْشًى فَأَبْعَدُهُمْ وَالَّذِى يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِى يُصَلِّيهَا ثُمَّ يَنَامُ ». وَفِى رِوَايَةِ « حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ فِى جَمَاعَةٍ » رواه مسلم..
وعَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - r- « أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِى الصَّلاَةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى،وَالَّذِى يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِى يُصَلِّى ثُمَّ يَنَامُ » .
وعَنْ بُرَيْدَةَ عَنِ النَّبِىِّ -r- قَالَ « بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِى الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».رواه أبو داود .
وعَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ كَانَ رَجُلٌ لاَ أَعْلَمُ رَجُلاً أَبْعَدَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ وَكَانَ لاَ تُخْطِئُهُ صَلاَةٌ - قَالَ - فَقِيلَ لَهُ أَوْ قُلْتُ لَهُ لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِى الظَّلْمَاءِ وَفِى الرَّمْضَاءِ.قَالَ مَا يَسُرُّنِى أَنَّ مَنْزِلِى إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ إِنِّى أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِى مَمْشَاىَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرُجُوعِى إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ ». رواه مسلم.
التهيؤ للذهاب إلى المسجد بالطهارة وحسن الوضوء والتسوّك،ولبس الثياب النظيفة،وتقليم الأظافر وترجيل الشعر،والتجمّل والتطيّب.
قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف
يا بني آدم كونوا عند أداء كل صلاة على حالة من الزينة المشروعة من ثياب ساترة لعوراتكم ونظافة وطهارة ونحو ذلك،وكلوا واشربوا من طيبات ما رزقكم الله،ولا تتجاوزوا حدود الاعتدال في ذلك. إن الله لا يحب المتجاوزين المسرفين في الطعام والشراب وغير ذلك.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَأَبِى سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ :« مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاسْتَاكَ وَلَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَتَطَيَّبَ بِطِيبٍ إِنْ وَجَدَهُ ثُمَّ جَاءَ وَلَمْ يَتَخَطَّ النَّاسَ فَصَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُصَلِّىَ فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ سَكَتَ فَذَلِكَ كَفَّارَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى » البيهقي.
وعَنْ سَلْمَانَ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَسْبَغَ وَتَطَهَّرَ وَتَطَيَّبَ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ،وَخَرَجَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ،ثُمَّ صَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ حَتَّى يَخْرُجَ الإِمَامُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى." البزار
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَنْ تَطَهَّرَ فِى بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِىَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً ». رواه مسلم.
إنهاء جميع الأعمال الدنيوية،وإيقاف كافة الأشغال المادية عند سماع الأذان،والمسارعة إلى تلبية النداء،والتوجه إلى المسجد مهما كانت الأعذار.قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (24) سورة الأنفال
يا أيها الذين صدِّقوا بالله ربًا وبمحمد نبيًا ورسولا استجيبوا لله وللرسول بالطاعة إذا دعاكم لما يحييكم من الحق،ففي الاستجابة إصلاح حياتكم في الدنيا والآخرة،واعلموا -أيها المؤمنون- أن الله تعالى هو المتصرف في جميع الأشياء،والقادر على أن يحول بين الإنسان وما يشتهيه قلبه،فهو سبحانه الذي ينبغي أن يستجاب له إذا دعاكم; إذ بيده ملكوت كل شيء،واعلموا أنكم تُجمعون ليوم لا ريب فيه،فيجازي كلا بما يستحق.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى النَّبِىَّ -r- رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِى قَائِدٌ يَقُودُنِى إِلَى الْمَسْجِدِ. فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -r- أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّىَ فِى بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ « هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ ». فَقَالَ نَعَمْ. قَالَ « فَأَجِبْ ». رواه مسلم.
الدخول إلى المسجد مقدما الرجل اليمنى قائلا: بسم الله،اللهم صل على سيدنا محمد،اللهم افتح لي أبواب رحمتك.


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:55 PM

كما يستحب أن ينوي الاعتكاف فإنه يصح ولو لم يمكث إلا فترة قليلة،فيقول: نويت الاعتكاف في هذا المسجد ما دمت فيه.
الخروج مقدما الرجل اليسرى واضعا حذاءه أمامه بهدوء قائلا: اللهم صل على سيدنا محمد،اللهم إني أسألك من فضلك.
عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ،أَوْ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ وَلْيَقُلِ:اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ. ابن حبان
وعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حُمَيْدٍ أَوْ أَبَا أُسَيْدٍ الأَنْصَارِىَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِىِّ -r- ثُمَّ لْيَقُلِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِى أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ فَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ »رواه مسلم وأبو داود.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ rقَالَ:إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ rوَلْيَقُلِ:اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ،وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ r،وَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ." ابن حبان
صلاة ركعتين سنة تحية المسجد قبل الجلوس،إذا لم يكن وقت صلاة راتبة،ومن لم يتمكن من الصلاة لحدث أو شغل.. فليقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " " إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الجَنَّةِ فَارْتَعُوا " ".قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا رِيَاضُ الجَنَّةِ ؟ قَالَ:" " المَسَاجِدُ " "،قُلْتُ:وَمَا الرَّتْعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ:" " سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ " "
وعَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِىِّ سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِىٍّ الأَنْصَارِىَّ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - r- « إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّىَ رَكْعَتَيْنِ » البخاري..
خلع الحذاء وإزالة ما علق به من أوساخ خارج المسجد،وإطباقه ووضعه في أقرب مكان مخصص والحذر من رفعه فوق الرؤوس،أو تلويث المسجد به،ثم إطباق باب المسجد بهدوء عند الدخول.
الانتباه إلى طهارة الجوارب ونظافتها،قبل المشي بها على سجاد المسجد.
تجنب أكل الثوم أو البصل،وما له رائحة كريهة،والدخول إلى المسجد قبل إزالتها،بتنظيف الفم بالماء والفرشاة والمعجون.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - r- « مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً،فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا،وَلْيَقْعُدْ فِى بَيْتِهِ ».وَإِنَّهُ أُتِىَ بِبَدْرٍ - قَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَعْنِى طَبَقًا - فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ،فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا فَسَأَلَ عَنْهَا - أُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ - فَقَالَ قَرِّبُوهَا فَقَرَّبُوهَا إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ،فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا قَالَ « كُلْ،فَإِنِّى أُنَاجِى مَنْ لاَ تُنَاجِى ».متفق عليه.
وعَنْ جَابِرٍ،أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ r،قَالَ:مَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَالْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ،فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا " أبو يعلى
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -r- عَنْ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ. فَغَلَبَتْنَا الْحَاجَةُ فَأَكَلْنَا مِنْهَا فَقَالَ « مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسُ » مسلم.
تجنب تلويث المسجد بشيء من القاذورات أو النجاسات،كالمرور بأرجل عليها نجاسة،أو تلويثه بالقليل من الدم،كما يحرم البول في المسجد ولو كان في وعاء ويحرم الاستنجاء فيه.
فعن إِسْحَاقَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - وَهُوَ عَمُّ إِسْحَاقَ - قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ فِى الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -r- إِذْ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِى الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -r- مَهْ مَهْ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « لاَ تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ ». فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ « إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَىْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلاَ الْقَذَرِ إِنَّمَا هِىَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ». أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r-.قَالَ فَأَمَرَ رَجُلاً مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ. رواه مسلم.
تجنب تلويث المسجد بالبصاق أو المخاط أو النخامة،وخاصة عند عتبات المسجد أو على بابه أو في أماكن الوضوء،والقيام على إزالته إن وجد.
عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ r،قَالَ:الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا." متفق عليه.
وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r- رَأَى فِى جِدَارِ الْقِبْلَةِ مُخَاطًا أَوْ بُصَاقًا أَوْ نُخَامَةً فَحَكَّهُ ." البخاري.
تجنب اللهو واللعب والجري،واللغو والثرثرة،ورفع الأصوات ولو بقراءة القرآن على وجه يشوّش على المصلين أو الذاكرين أو المتدارسين للعلم.
عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنْتُ قَائِمًا فِى الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِى رَجُلٌ،فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ اذْهَبْ فَأْتِنِى بِهَذَيْنِ.فَجِئْتُهُ بِهِمَا.قَالَ مَنْ أَنْتُمَا - أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا قَالاَ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ.قَالَ لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لأَوْجَعْتُكُمَا،تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - r-. رواه البخاري.
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ:اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ -r- فِى الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ:« أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِى الْقِرَاءَةِ ». أَوْ قَالَ:« فِى الصَّلاَةِ ». رواه أبو داود.
تجنب الخصومات والاشتغال بأمور الدنيا،والبيع والشراء،والبحث عن ضائع،وإنشاد الشعر المتضمن فحشا أو هجاء لمسلم أو ظلما أو غزلا،ولا بأس فيما تضمن حكمة أو خيرا.
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -r- أَنْ يُسْتَقَادَ فِى الْمَسْجِدِ وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الأَشْعَارُ وَأَنْ تُقَامَ فِيهِ الْحُدُودُ."أبو داود
وعَنِ عَمْرَو بْنِ شُعَيْبٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ:نَهَى رَسُولُ اللهِ rعَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ،وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الأَشْعَارُ،وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الضَّالَّةُ،وَعَنِ الْحِلَقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلاَةِ." أحمد
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فِي الْمَسْجِدِ،فَقُولُوا:لاَ أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ." ابن حبان.
وعن سَعِيدَ بْنِ الْمُسَيِّبِ قال: " مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ،أوالْمَجْلِسِ "،فَإِنَّمَا يُجَالِسُ رَبَّهُ " فَمَا أَحَقَّهُ أَنْ لَا يَقُولَ إِلَّا خَيْرًا "
وعَنْ جَابِرٍ بْنِ سَمُرَةَ،قَالَ:كُنَّا نَجْلِسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ r،فَكَانُوا يَتَنَاشَدُونَ الأَشْعَارَ،وَيَتَذَاكَرُونَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ،وَرَسُولُ اللهِ rسَاكِتٌ فَرُبَّمَا تَبَسَّمَ،أَوْ قَالَ:كُنَّا نَتَنَاشَدُ الأَشْعَارَ،وَنَذْكُرُ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ،فَرُبَّمَا تَبَسَّمَ r." أحمد
وعَنِ الشَّعْبِيِّ،قَالَ: " كُنَّا جُلُوسًا بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ،أَحْسَبُهُ قَالَ مَعَ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ rفَكَانُوا يَتَنَاشَدُونَ الْأَشْعَارَ.فَوَقَفَ بِنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ،فَقَالَ: فِي حَرَمٍ،وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ،يَتَنَاشَدُونَ الْأَشْعَارَ ؟.فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ،إِنَّ رَسُولَ اللهِ rإِنَّمَا نَهَى عَنِ الشِّعْرِ،الَّذِي إِذَا أُتِيَتْ فِيهِ النِّسَاءُ،وَتُزْدَرَى فِيهِ الْأَمْوَاتُ "
تجنب الاحتباء وتشبيك الأصابع وفرقعتها والعبث بها في المسجد وأثناء انتظار الصلاة.
عَنْ مَوْلًى لأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،قَالَ:بَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،مَعَ رَسُولِ اللهِ rإِذْ دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ،فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ مُحْتَبِيًا مُشَبِّكٌ أَصَابِعَهُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ،فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ r،فَلَمْ يَفْطِنِ الرَّجُلُ لإِشَارَةِ رَسُولِ اللهِ r،فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَقَالَ:إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَلاَ يُشَبِّكَنَّ،فَإِنَّ التَّشْبِيكَ مِنَ الشَّيْطَانِ،وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَزَالُ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ." رواه أحمد.
وعَنْ أبِي ثُمَامَةَ الْحَنَّاطِ،قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بن عُجْرَةَ وَأَنَا مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْمَسْجِدِ مُشَبِّكٌَ أَصَابِعِي،فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ rيَقُولُ:"إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَلا يُشَبِّكْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ،فَإِنَّهُ فِي صَلاةٍ"." الطبراني
تجنب الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر حتى يصلي المكتوبة.
عَنْ أَبِى الشَّعْثَاءِ قَالَ كُنَّا قُعُودًا فِى الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يَمْشِى فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ -r-.. رواه مسلم.
تجنب تناول الأطعمة في المسجد وجعلها أمكنة للراحة أو القيلولة أو السمر،وتجنب الوقوع في المحرمات كالغيبة والنميمة والكذب وتنقيص الناس.
تجنب الدخول إلى المسجد للمرور فيه كطريق،أو الدخول والخروج منه من غير صلاة أو ذكر أو تسبيح أو عبادة أو أمر بالمعروف أو نهي عن منكر أو طلب للعلم.
القيام بصيانة المسجد،والحفاظ على نظافته وأناقته،وأثاثه وأمتعته،وكتبه ومصاحفه.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -r- بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِى الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ.". رواه أبو داود.
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:أَمَرَ رَسُولُ اللهِ rبِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ،وَأَنْ تُطَيَّبَ وَتُنَظَّفَ." ابن حبان
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « عُرِضَتْ عَلَىَّ أُجُورُ أُمَّتِى حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَىَّ ذُنُوبُ أُمَّتِى فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا ». رواه الترمذي وأبو داود.
صيانة المسجد من الأطفال والمجانين،وتشجيع الصبية الذين تجاوزوا السابعة وإحضارهم إلى المسجد تعويدا لهم على العبادة،وتحبيبهم بالمساجد مع تعليمهم آدابها قبل دخولها،والإشراف عليهم أثناء وجودهم فيها لتوجيههم وتنبيههم عند الإخلال بحرمتها أو مخالفة آدابها والحذر من إهانتهم أو طردهم منها. فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ rيَخْطُبُ النَّاسَ إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَصَعِدَ إِلَيْهِ فَضَمَّهُ رَسُولُ اللَّهِ r،وَقَالَ:أَلا إِنِ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ،وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَعَلَّهُ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " الحاكم
تجنب التطيب والتزين والتبرّج للمرأة التي تشهد المساجد،ودخولها وخروجها من المكان المخصص للنساء،دون اختلاطها بالرجال أو مزاحمتهم.
عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -r- « إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلاَ تَمَسَّ طِيبًا ». رواه مسلم.
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ rجَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ،إِذْ دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْ مُزَيْنَةَ تَرْفُلُ فِي زِينَةٍ لَهَا فِي الْمَسْجِدِ،فَقَالَ النَّبِيُّ r: يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْهَوْا نِسَاءَكُمْ عَنْ لُبْسِ الزِّينَةِ،وَالتَّبَخْتُرِ فِي الْمَسْجِدِ،فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يُلْعَنُوا حَتَّى لَبِسَ نِسَاؤُهُمُ الزِّينَةَ،وَتَبَخْتَرْنَ فِي الْمَسَاجِدِ." رواه ابن ماجه.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:مَرَّتْ بِأَبِي هُرَيْرَةَ امْرَأَةٌ وَرِيحُهَا تَعْصِفُ،فَقَالَ لَهَا:إِلَى أَيْنَ تُرِيدِينَ يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ ؟ قَالَتْ:إِلَى الْمَسْجِدِ قَالَ:تَطَيَّبْتِ ؟ قَالَتْ:نَعَمْ قَالَ:فَارْجِعِي فَاغْتَسِلِي،فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ rيَقُولُ:لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ امْرَأَةٍ صَلاةً خَرَجَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرِيحُهَا تَعْصِفُ حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ" ابن خزيمة



منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:57 PM

-23-آداب صلاة الجماعة

الإنسان اجتماعي بطبعه،يحب الجماعة التي توافقه وترعاه،وتسأل عن شؤونه وتسدي إليه النصح والمعروف،ولا بدّ للإنسان في حياته من جماعة يعيش معها،فإذا ما افتقد الجماعة التي تأمره بالخير وتعينه على التقوى،تلفقته الجماعة التي تأمره بالمنكر،وتزين له الشرور والآثام،فينساق معها إلى الذنوب والعصيان،ويهوي بسببها إلى النار. وقد أخبرنا الله تعالى أن المجرمين يساقون إلى النار كل مع جماعته،وأن المؤمنين يحشرون إلى الجنة كل مع زمرته،قال تعالى وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) } [الزمر:71 - 74]
وسيق الذين كفروا بالله ورسله إلى جهنم جماعات،حتى إذا جاؤوها فتح الخزنة الموكَّلون بها أبوابها السبعة،وزجروهم قائلين: كيف تعصون الله وتجحدون أنه الإله الحق وحده؟ ألم يرسل إليكم رسلا منكم يتلون عليكم آيات ربكم،ويحذِّرونكم أهوال هذا اليوم؟ قالوا مقرين بذنبهم: بلى قد جاءت رسل ربنا بالحق،وحذَّرونا هذا اليوم،ولكن وجبت كلمة الله أن عذابه لأهل الكفر به.قيل للجاحدين أن الله هو الإله الحق إهانة لهم وإذلالا: ادخلوا أبواب جهنم ماكثين فيها أبدًا،فقَبُح مصير المتعالين على الإيمان بالله والعمل بشرعه.
وسيق الذين اتقوا ربهم بتوحيده والعمل بطاعته إلى الجنة جماعات،حتى إذا جاؤوها وشُفع لهم بدخولها،فتحت أبوابها،فترحِّب بهم الملائكة الموكَّلون بالجنة،ويُحَيُّونهم بالبِشر والسرور; لطهارتهم من آثار المعاصي قائلين لهم: سلام عليكم من كل آفة،طابت أحوالكم،فادخلوا الجنة خالدين فيها.وقال المؤمنون: الحمد لله الذي صدَقنا وعده الذي وعدَنا إياه على ألسنة رسله،وأورثَنا أرض الجنة نَنْزِل منها في أيِّ مكان شئنا،فنِعم ثواب المحسنين الذين اجتهدوا في طاعة ربهم.
وأمر سبحانه بالتزام الجماعة المؤمنة الصادقة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (119) سورة التوبة.
يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ،وَرَاقِبُوهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَوَاجِبَاتِهِ،وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ،وَاصْدقوا وَالزَمُوا الصِّدْقَ تَكُونُوا أَهْلَهُ،وَتَنْجُوا مِنَ المَهَالِكِ،وَيَجْعَلُ اللهُ لَكُمْ فَرَجاً مِنْ أُمُورِكِمْ وَمَخْرَجاً .
والإسلام بعتباره دين الفطرة فهو دين الجماعة،يأمر بها ويحثُّ على التزامها،ويكره الفرقة والاختلاف،وينعي على الذين يشذون عن الجماعة ويفارقونها بأنهم يشذون إلى أهوائهم الذي يسوقهم إلى الانحراف وإلى الضلال المبين. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ:إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ - r- فِينَا فَقَالَ:" أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي،ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ،ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ،وَلَا يُسْتَحْلَفُ،وَحَتَّى يَشْهَدَ وَلَا يُسْتَشْهَدُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ،وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ،فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبَعْدُ،لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ثَلَاثَ مِرَارٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا شَيْطَانٌ،مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ،مَنْ سَرَّتَهُ حَسَنَتْهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ " النسائي
وعَنْ يَسِيرِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ قُلْنَا: أَوْصِنَا قَالَ: " عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ،فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَجْمَعَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ rعَلَى ضَلَالَةٍ حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ أَوْ يُسْتَرَاحُ مِنْ فَاجِرٍ "
وقد جاء الإسلام،والعرب متفرقون لا تجتمع لهم كلمة أحدهم على كلمة فوحدهم بعد فرقة،وجمع شملهم بعد عداوة،وجعلهم إخوة كالجسد الواحد بعد طول تشاحن واقتتال. ومنّ عليهم بذلك فقال سبحانه: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (103) سورة آل عمران.
يَأمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِالتَّمَسُّكِ بِحَبْلِ اللهِ،أيْ بِعَهْدِهِ وَدِينِهِ وَذِمَّتِهِ وَقُرْآنِهِ،وَمَا أمَرَهُمْ بِهِ مِنَ الإِلْفَةِ وَالمَحَبَّةِ وَالاجْتِمَاعِ،وَيَنْهَاهُمْ عَنِ التَّفَرُّقِ،وَيَطْلُبُ إلَيْهِمْ أنْ يَذْكُرُوا نِعْمَتَهُ عَلَيهِمْ إذْ ألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ،وَآخَى بَيْنَهُم بَعْدَ العَدَاوَةِ المُسْتَحْكِمَةِ،وَالفُرْقَةِ التِي كَانَتْ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ،فَقَدْ كَانُوا عَلَى مِثْلِ شَفِيرِ النَّارِ،بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ وَضَلاَلِهِمْ وَاقْتِتَالِهِمْ،فَهَدَاهُمُ اللهُ وَأَنْقَذَهُمْ .وَكَمَا بَيَّنَ لَهُمْ رَبُّهُمْ،فِي هَذِهِ الآيَاتِ،مَا يُضْمِرُهُ لَهُمُ اليَهُودُ مِنْ شَرٍّ وَخِدَاعٍ وَغِشٍّ،وَمَا كَانُوا عَلَيهِ فِي حَالِ جَاهِلِيَّتِهِمْ مِنْ كُفْرٍ وَفُرْقَةٍ وَاقْتِتَالٍ،وَمَا صَارُوا إليهِ بِفَضْلِ الإِسْلاَمِ مِنْ وَحْدَةٍ وَإِخَاءٍ،كَذَلِكَ يُبَيِّن سَائِرَ حُجَجِهِ فِي تَنْزِيلِهِ عَلَى رَسُولِهِ،لِيُعِدَّهُمْ لِلاهْتِدَاءِ الدَّائِمِ،حَتَّى لا يَعُودُوا إلى عَمَلِ أهْلِ الجَاهِلِيَّةِ مِنَ التَّفَرُّقِ وَالعَدَاوَةِ وَالاقْتِتَالِ .
على أن مدلول الآية أوسع مدى من هذه الحادثة. فهي تشي - مع ما قبلها في السياق وما بعدها - بأنه كانت هناك حركة دائبة من اليهود لتمزيق شمل الصف المسلم في المدينة،وإثارة الفتنة والفرقة بكل الوسائل. والتحذيرات القرآنية المتوالية من إطاعة أهل الكتاب،ومن الاستماع إلى كيدهم ودسهم،ومن التفرق كما تفرقوا .. هذه التحذيرات تشي بشدة ما كانت تلقاه الجماعة المسلمة من كيد اليهود في المدينة،ومن بذرهم لبذور الشقاق والشك والبلبلة باستمرار .. وهو دأب يهود في كل زمان. وهو عملها اليوم وغدا في الصف المسلم،في كل مكان!


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:58 PM

ومن مظاهر الجماعة الخيّرة في الإسلام حضّه على إقامة العبادات مع الجماعة،فقد حضّ على صلاة الجماعة،وأكد على ضرورة حضورها،ورغب في عظيم فضلها فعَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rقَالَ:صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً". مسلم.
ووعد الذين يلتزمونها ويحافظون عليها بشهادة في الدنيا تنفي عنهم مرض النفاق،وبشهادة في الآخرة تحميهم من دخول النار،فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِى جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ ». رواه الترمذي.
وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " مَنْ صَلَّى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فِي جَمَاعَةٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ،وَبَرَاءَةً مِنَ النِّفَاقِ " البيهقي
وجعل الفرقة في الصلاة علامة على التهاون بشأنها،وهي بدورها علامة على وجود عمل للشيطان واستيلاء له على القلوب والأعمال،فعَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ،قَالَ:سَأَلَنِي أَبُو الدَّرْدَاءِ أَيْنَ مَسْكَنُكَ ؟ قُلْتُ:فِي قَرْيَةٍ دُونَ حِمْصٍ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ:مَا مِنْ ثَلاَثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلاَ بَدْوٍ لاَ تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاَةُ إِلاَّ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ،فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ،فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ قَالَ السَّائِبُ:إِنَّمَا يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ جَمَاعَةَ الصَّلاَةِ." ابن حبان.
وأوعد من يتخلف عن صلاة الجماعة بتركه لهدي النبي r،وهدد بوجود علامة للنفاق فيه،فعَنْ عَبْدِ اللهِ،أَنَّهُ قَالَ:مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا،فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ،حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ،فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ سُنَنَ الْهُدَى،وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى،وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ،كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ،لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ،وَلَوْ أَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ،وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ،فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ،ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ،إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً،وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً،وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً،وَلَوْ رَأَيْتُنَا،وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ،وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ،حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ." رواه مسلم.
وقد حافظ المسلمون على هذه الشعيرة المباركة على مدى الأجيال،وكان لها أكبر الفضل في محافظتهم على ركن الصلاة،وظل نداء الإيمان يصدح على المآذن حتى هذه الأيام وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وقد بلغ من محافظة السلف على حضور الجماعات حدا أشبه بالخيال،فعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَامِرٍ،قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ يَزِيدَ،يَقُولُ: " مَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِلَّا وَأَنَا فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا أَنْ أَكُونَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا "
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ،قَالَ:مَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ مُنْذُ ثَلاَثِينَ سَنَةٍ،إِلاَّ وَأَنَا فِي الْمَسْجِدِ.".
وَفِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ كَانَ السَّلَفُ يُعَزُّونَ أَنْفُسَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إذَا فَاتَتْهُمْ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى وَيُعَزُّونَ سَبْعًا إذَا فَاتَتْهُمُ الْجَمَاعَةُ "..
هذا ولصلاة الجماعة آداب كثيرة إضافة إلى آداب المسجد التي ذكرناها،منها ما يختص بالإمام ومنها ما يختص بالمأموم،ومنها ما يلزمهما معا،نذكر منها الآداب التالية:
المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد،والاستعداد لها بالطهارة والوضوء في البيت،والحضور في أول الوقت،وخاصة إذا كان المسجد قريبا.
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ :« لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلاَّ فِى الْمَسْجِدِ ».رواه الدارقطني.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « صَلاَةُ الرَّجُلِ فِى جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِى بَيْتِهِ وَصَلاَتِهِ فِى سُوقِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لاَ يَنْهَزُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِى الصَّلاَةِ مَا كَانَتِ الصَّلاَةُ هِىَ تَحْبِسُهُ وَالْمَلاَئِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِى مَجْلِسِهِ الَّذِى صَلَّى فِيهِ يَقُولُونَ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ ».مسلم.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً،فَإِنْ صَلاَّهَا بِأَرْضِ قِيٍّ،فَأَتَمَّ وُضُوءَهَا،وَرُكُوعَهَا،وَسُجُودَهَا،تُكْتَبُ صَلاَتُهُ بِخَمْسِينَ دَرَجَةً." ابن حبان
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ،وَصَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً،وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ،ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلاَّ رَفَعَ اللَّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً،وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ،فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ." ابن حبان
تجنب التهاون في صلاة الجماعة،والتكاسل عنها،والانشغال بغيرها عند سماع النداء.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنّ رَسُولَ اللَّهِ rقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْتَطَبُ،ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَيُنَادَى بِهَا،ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيَؤُمَّ النَّاسَ،ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى أَقْوَامٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ،وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ " أبو عوانة
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ r،قَالَ:وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ،ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا،ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ،ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ،وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ.".
الحرص على صلاة الفجر والعشاء مع الجماعة،لما فيهما من عظيم الأجر وجزيل الثواب،ولما في هذين الوقتين من البركات وتنزّل الرحمات،ولثقلهما على المنافقين لانشغالهم فيها في لهو أو نوم.
فعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ،قَالَ:دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ،فَقَعَدَ وَحْدَهُ وَقَعَدْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ:يَا ابْنَ أَخِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ:مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ،فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ،وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ،فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ." رواه مسلم.
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ rقَالَ:مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ،فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ."
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ."
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - r- « لَيْسَ صَلاَةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ،وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا،لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ،ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً يَؤُمُّ النَّاسَ،ثُمَّ آخُذَ شُعَلاً مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لاَ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ بَعْدُ » البخاري.
التوقف عن الذكر والصلاة وقراءة القرآن عند سماع الأذان،وإجابة المؤذن فيما يقول.
َعَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - r- يَقُولُ:" مَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ،فَقَالَ مِثْلَ مَا يَقُولُ - فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ " رواه الطبراني.
الإقبال إلى صلاة الجماعة بنؤدة وهدوء وسكينة ووقار،وخشوع للقلب،وترك لشواغل الدنيا،وتجنب الإسراع أو الركض في الطريق أو في المسجد للحوق بالجماعة..
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - r-.وَعَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - r- قَالَ « إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاَةِ،وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلاَ تُسْرِعُوا،فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا » رواه البخاري.
إلقاء السلام على الجماعة المنتظرين للصلاة عند الدخول عليهم،وتفقد الغائبين منهم بعد أداء الصلاة،فمن كان مريضا عادوه،ومن كان مقصرا زاروه،ومن كان محتاجا أعانوه،ومن كان مصابا عزوه،ومن كان متوفى شيعوه.
السعي للوصول إلى الصف الأول وذلك بالتبكير إلى المسجد وتجنب تخطي رقاب المصلين للوصول إليه،فإن أحق المصلين بالصف الأول أسبقهم إليه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا عَلَيْهِ،وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا." متفق عليه.
تجنب السير بين الصفوف،والحذر من المرور بين يدي المصلين أثناء صلاتهم.
عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ،أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ:مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ rفِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي ؟ قَالَ أَبُو جُهَيْمٍ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ،لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ،لاَ أَدْرِي سَنَةً قَالَ أَمْ شَهْرًا،أَوْ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً.".
التوقف عن أداء صلاة السنة متى أقيمت الصلاة المكتوبة،وتخفيفها إن كان قد تلبّس بها،وقصرها إلى ركعتين إن كانت رباعية وذلك للحوق الإمام.فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ،فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ." مسلم.
وعَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ:أَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ -r- رَجُلاً يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ،وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- :« الصُّبْحُ أَرْبَعًا الصُّبْحُ أَرْبَعًا ».
يجب متابعة الإمام في حركات الصلاة،وتحرم مسابقته،وتبطل إن سبقه بتكبيرة الإحرام.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - r- أَنَّهُ قَالَ « إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ،فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا،وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ.فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ.وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا،وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ،وَأَقِيمُوا الصَّفَّ فِى الصَّلاَةِ،فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَةِ ».متفق عليه.
إذا كان المقتدي فردا واحدا فإنه يقف عن يمين الإمام متأخرا عنه قليلا،فإن أتى آخر أشار إليه برفق بعد أن ينوي الصلاة ليتأخر،ويصفّان وراء الإمام.
فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ،قَالَ: " أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: جِئْتُ رَسُولَ اللهِ rوَهُوَ يُصَلِّي حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَنِي بِيَدِهِ فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ وَجَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِهِ،فَدَفَعَنَا بِيَدِهِ جَمِيعًا حَتَّى أَقَمْنَا خَلْفَهُ " معاني الآثار
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ:أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِى مَسْجِدِهِ وَهُوَ يُصَلِّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلاً بِهِ،فَتَخَطَّيْتُ الْقَوْمَ حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَقُلْتُ:يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَتُصَلِّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَهَذَا إِزَارُكَ إِلَى جَنْبِكَ؟ فَقَالَ:أَرَدْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَىَّ الأَحْمَقُ مِثْلُكَ فَيَرَانِى كَيْفَ أَصْنَعُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ. فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلاً وَفِيهِ:قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -r- يَعْنِى يُصَلِّى وَكَانَتْ عَلَىَّ بُرْدَةٌ ذَهَبْتُ أُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا،فَلَمْ تَبْلُغْ لِى وَكَانَتْ لَهَا ذَبَاذِبٌ فَنَكَّسْتُهَا،ثُمَّ خَالَفْتُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا،ثُمَّ تَوَاقَصْتُ عَلَيْهَا،فَجِئْتُ حَتَّى قُمْتَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ -r- فَأَخَذَ بِيَدِى فَأَدَارَنِى حَتَّى أَقَامَنِى عَنْ يَمِينِهِ،فَجَاءَ ابْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ،فَأَخَذَنَا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -r- يَرْمُقُنِى وَأَنَا لاَ أَشْعُرُ،ثُمَّ فَطِنْتُ بِهِ فَقَالَ هَكَذَا يَعْنِى شَدَّ وَسَطَكَ،فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -r- قَالَ :« يَا جَابِرُ ». قُلْتُ:لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ :« إِذَا كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ،وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حِقْوِكَ ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
يتم إنشاء الصف خلف الإمام بمحاذاته،ثم يصطفّ المصلون يمينا ويسارا بالتساوي حتى يستكمل الصف،ولا يبدأ بتشكيل صف جديد حتى ينتهي الذي قبله وينبغي تسوية الصفوف لتكون على استقامة واحدة كما ينبغي رصّ الصفوف للتوجه إلى الله تعالى بقلب واحد،وبذلك نحصل بركة الجماعة،إذ تتوحد القلوب في مقصدها فيغذي القوي منها الضعيف،وتفاض رحمة الله على الجميع.
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ،قَالَ:حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: ( وَسِّطُوا الإِمَامَ،وَسُدُّوا الْخَلَلَ.)". رواه أبو داود.
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -r- فَقَالَ « مَا لِى أَرَاكُمْ رَافِعِى أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ اسْكُنُوا فِى الصَّلاَةِ ». قَالَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَرَآنَا حَلَقًا فَقَالَ « مَا لِى أَرَاكُمْ عِزِينَ ». قَالَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ « أَلاَ تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا ». فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا قَالَ « يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِى الصَّفِّ ». رواه مسلم.
وعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - r- قَالَ « سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ ».متفق عليه.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: أَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلاَةِ،فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَةِ.
وقَالَ سِمَاكٌ:سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ،وَهُوَ يَخْطُبُ وَيَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللهِ rيُسَوِّي الصَّفَّ حَتَّى يَدَعَهُ مِثْلَ الْقِدْحِ أَوِ الرُّمْحِ،فَرَأَى صَدْرَ رَجُلٍ نَاتِئًا مِنَ الصَّفِّ فَقَالَ:عِبَادَ اللهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ." ابن حبان


منى شوقى غنيم 11-27-2011 07:59 PM

وعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْجَدَلِيِّ،قَالَ:سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ،يَقُولُ:أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ rبِوَجْهِهِ فَقَالَ:أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ - ثَلاَثًا - وَاللَّهِ لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ قَالَ:فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ وَمَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِى إِخْوَانِكُمْ،وَلاَ تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَمَعْنَى « وَلِينُوا بِأَيْدِى إِخْوَانِكُمْ ». إِذَا جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الصَّفِّ فَذَهَبَ يَدْخُلُ فِيهِ فَيَنْبَغِى أَنْ يُلَيِّنَ لَهُ كُلُّ رَجُلٍ مَنْكِبَيْهِ حَتَّى يَدْخُلَ فِى الصَّفِّ. رواه أبو داود.
ينبغي عدم التأخر عن أول الصلاة وتكبيرة الإحرام،وعدم التباطؤ عن الصفوف الأولى.
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ -r- رَأَى فِى أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ « تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِى وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلاَ يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ » النسائي.
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- رَأَى فِى أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ « تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِى وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ لاَ يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ ». رواه مسلم.
ينبغي أن يقف خلف الإمام مباشرة أكبر المصلين قدراً وسنًّا،وأحسنهم خلقا وإيمانا،وأكثرهم تقوى وصلاحا،وأحفظهم للقرآن الكريم،وأعلمهم بأحكام الدين،وينبغي تقديمهم إذا كانوا في الصفوف المتأخرة،وإيثارهم بالصف الأول.
فعَنْ أَبِى مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r- يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِى الصَّلاَةِ وَيَقُولُ « اسْتَوُوا وَلاَ تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ لِيَلِنِى مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلاَمِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ». قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ أَشَدُّ اخْتِلاَفًا. رواه مسلم.
ينبغي أن يخفف الإمام الصلاة مع إتمامها،ولا يطيل زيادة على المألوف رفقا بالضعفاء والمرضى والصنّاع والمسنين وأصحاب الحاجات والأعذار،وليطلْ إذا صلَّى وحده أو بمن يرضون الإطالة.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rقَالَ:إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ،فَإِنَّ فِيهِمُ السَّقِيمَ،وَالضَّعِيفَ،وَالْكَبِيرَ،وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ." ابن حبان.
وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ،قَالَ:أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ،أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ،يَقُولُ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ،فَإِنَّ فِي النَّاسِ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَذَا الْحَاجَةِ." ابن حبان
وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ،أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ،يَقُولُ:مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاَةً وَلاَ أَتَمَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ r.".
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ،قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ rفَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فُلاَنٌ،فَقَامَ رَسُولُ اللهِ rفَمَا رَأَيْتُهُ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ:أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ،فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ." ابن حبان
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطِيلَهَا فَأَسْمَعَ بُكَاءَ الصَّبِيِّ،فَأُخَفِّفَ مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ بِهِ." ابن حبان
وعَنْ عَبْدِ اللهِ،قَالَ:صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ rفَأَطَالَ حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سُوءٍ قَالَ:قِيلَ:وَمَا هَمَمْتَ بِهِ ؟ قَالَ:هَمَمْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَأَدَعَهُ." ابن حبان
تجنب الاستعجال في الخروج من المسجد بعد انقضاء الجماعة،لئلا يؤدي إلى مزاحمة المصلين ومدافعتهم،والحذر من إفساد ثواب الجماعة بإيذاء أحد منهم باليد أو باللسان،ويفضل إطالة الجلوس في المسجد لقراءة الأذكار المأثورة دبر كل صلاة.
فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: اقْرَؤُوا الْمُعَوِّذَاتِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ." ابن حبان
وعَنْ وَرَّادٍ،قَالَ:كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ:أَيُّ شَيْءٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ rيَقُولُ إِذَا انصرف مِنَ الصَّلاَةِ ؟ قَالَ:كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَتِهِ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ،وَلَهُ الْحَمْدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ،وَلاَ مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ،وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ." ابن حبان
وعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ،أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ،كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ،وَلَهُ الْحَمْدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ،لاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ،لَهُ الْمَنُّ،وَلَهُ النِّعْمَةُ،وَلَهُ الْفَضْلُ وَالثَّنَاءُ الْحَسَنُ،لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ،وَيَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللهِ rيَقُولُ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ." ابن حبان
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: خَصْلَتَانِ لاَ يُحْصِيهُمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ،هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ،يُسَبِّحُ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ عَشْرًا،وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا،وَيُكَبِّرُ عَشْرًا،قَالَ:فَأَنَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ r،يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ،قَالَ:فَقَالَ:خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ،وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ،وَإِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ سَبَّحَ وَحَمَّدَ وَكَبَّرَ مِائَةً،فَتِلْكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ،وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ،فَأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ أُلْفِيَنَّ وَخَمْسَ مِائَةِ سَيِّئَةٍ قَالَ:كَيْفَ لاَ يُحْصِيهِمَا ؟ قَالَ:يَأْتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ،وَهُوَ فِي صَلاَةٍ،فَيَقُولُ:اذْكُرْ كَذَا،اذْكُرْ كَذَا،حَتَّى شَغَلَهُ،وَلَعَلَّهُ أَنْ لاَ يَعْقِلَ،وَيَأْتِيهِ فِي مَضْجَعِهِ فَلاَ يَزَالُ يُنَوِّمُهُ حَتَّى يَنَامَ." ابن حبان
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ دُبُرَ صَلاَتِهِ،وَحَمِدَهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،وَكَبَّرَهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،وَخَتَمَ الْمِائَةَ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ،وَلَهُ الْحَمْدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ." ابن حبان
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى رَسُولِ اللهِ r،فَقَالُوا:ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ،يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي،وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ،وَلَهُمْ فُضُولُ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ،قَالَ:أَفَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ،وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ،وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَيْهِ إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ بِمِثْلِ أَعْمَالِكُمْ ؟ تُسَبِّحُونَ،وَتُحَمِّدُونَ،وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ." ابن حبان
وقَالَ أَبُو ذَرٍّ:يَا رَسُولَ اللهِ،ذَهَبَ أَصْحَابُ الدُّثُورِ بِالأَجْرِ،يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي،وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ،وَلَهُمْ فُضُولُ أَمْوَالٍ يَتَصَدَّقُونَ بِهَا،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: يَا أَبَا ذَرٍّ،أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تُدْرِكُ بِهِنَّ مَنْ سَبَقَكَ،وَلاَ يَلْحَقُكَ مَنْ خَلْفَكَ،إِلاَّ مَنْ أَخَذَ بِمِثْلِ عَمَلِكَ ؟ قَالَ:بَلَى رَسُولَ اللهِ،قَالَ:تُكَبِّرُ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،وَتُحَمِّدُهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،وَتُسَبِّحُهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،وَتَخْتِمُهَا بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ،وَلَهُ الْحَمْدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ." ابن حبان
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،وَحَمَدَهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،وَكَبَّرَهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،فَتِلْكَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ،وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ،وَلَهُ الْحَمْدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،غُفِرَتْ لَهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ." ابن حبان
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ r،أَخَذَ بِيَدِ مُعَاذٍ،فَقَالَ:يَا مُعَاذُ،وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ،فَقَالَ مُعَاذٌ:بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي،وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ،فَقَالَ:يَا مُعَاذُ،أُوصِيكَ أَنْ لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ أَنْ تَقُولَ:اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ،وَشُكْرِكَ،وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ." ابن حبان
وعَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُسْلِمٍ التَّمِيمِيِّ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ rفِي سَرِيَّةٍ،فَلَمَّا بَلَغْنَا الْمُغَارَ،اسْتَحْثَثْتُ فَرَسِي،فَسَبَقْتُ أَصْحَابِي،فَتَلَقَّانِي الْحَيُّ بِالرَّنِينِ،فَقُلْتُ:قُولُوا:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُحَرَّزُوا،فَقَالُوهَا،فَلاَمَنِي أَصْحَابِي،وَقَالُوا:حُرِمْنَا الْغَنِيمَةَ بَعْدَ أَنْ رُدَّتْ بِأَيْدِينَا،فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ r،أَخْبَرُوهُ بِمَا صَنَعْتُ،فَدَعَانِي،فَحَسَّنَ لِي مَا صَنَعْتُ،وَقَالَ:أَمَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ لَكَ بِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ كَذَا وَكَذَا.قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:فَأَنَا نَسِيتُ الثَّوَابَ،قَالَ:ثُمَّ قَالَ لِي:إِنِّي سَأَكْتُبُ لَكَ كِتَابًا،وَأُوصِي بِكَ مَنْ يَكُونُ بَعْدِي مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ:فَكَتَبَ لِي كِتَابًا،وَخَتَمَ عَلَيْهِ،وَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَقَالَ:إِذَا صَلَّيْتَ الْمَغْرِبَ،فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا:اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ،فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ تِلْكَ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ جَوَازًا مِنَ النَّارِ،وَإِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا:اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ،فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ يَوْمِكَ ذَلِكَ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ جَوَازًا مِنَ النَّارِ قَالَ:فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ،أَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ بِالْكِتَابِ،فَفَضَّهُ،فَقَرَأَهُ وَأَمَرَ لِي بِعَطَاءٍ وَخَتَمَ عَلَيْهِ،ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ عُمَرَ،فَقَرَأَهُ،وَأَمَرَ لِي،وَخَتَمَ عَلَيْهِ،ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ عُثْمَانَ،فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَارِثِ:تُوُفِّيَ الْحَارِثُ بْنُ مُسْلِمٍ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ،وَتَرَكَ الْكِتَابَ عِنْدَنَا،فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَنَا حَتَّى كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى الْوَالِي بِبَلَدِنَا يَأْمُرُهُ بِإِشْخَاصِي إِلَيْهِ وَالْكِتَابَ،فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ،فَفَضَّهُ،وَأَمَرَ لِي،وَخَتَمَ عَلَيْهِ،وَقَالَ:أَمَا إِنِّي لَوْ شِئْتُ أَنْ يَأْتِيَكَ ذَلِكَ وَأَنْتَ فِي مَنْزِلِكَ فَعَلْتُ،وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ تُحَدِّثَنِي بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ،قَالَ:فَحَدَّثْتُهُ. " ابن حبان
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،عَشْرَ مَرَّاتٍ،كُتِبَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ حَسَنَاتٍ،وَمُحِيَ بِهِنَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ،وَرُفِعَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ دَرَجَاتٍ،وَكُنَّ لَهُ عَدْلَ عَتَاقَةِ أَرْبَعِ رِقَابٍ،وَكُنَّ لَهُ حَرَسًا مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ،وَمَنْ قَالَهُنَّ إِذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ دُبُرَ صَلاَتِهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ." ابن حبان
وعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ،وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ،قَالاَ:كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ الْمَكْتَبُ الْغِلْمَانَ،يَقُولُ:إِنَّ رَسُولَ اللهِ rكَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ بَعْدَ كُلِّ صَلاَةٍ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ." ابن حبان
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ rإِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ وَسَلَّمَ،قَالَ:اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ،وَمَا أَخَّرْتُ،وَمَا أَسْرَرْتُ،وَمَا أَعْلَنْتُ،وَمَا أَسْرَفْتُ،وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي،أَنْتَ الْمُقَدَّمُ،وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ،لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ." ابن حبان
وعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّ كَعْبًا حَلَفَ لَهُ بِالَّذِي فَلَقَ الْبَحْرَ لِمُوسَى،أَنَّا نَجِدُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ دَاوُدَ النَّبِيَّ r،كَانَ إِذَا انصرف مِنَ الصَّلاَةِ،قَالَ:اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي جَعَلْتَهُ لِي عِصْمَةَ أَمْرِي،وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي جَعَلْتَ فِيهَا مَعَاشِي،اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ،وَبِعَفْوِكَ مِنْ نِقْمَتِكَ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ،اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ،وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ،وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ.
وَحَدَّثَنِي كَعْبٌ،أَنَّ صُهَيْبًا حَدَّثَهُ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rكَانَ يَقُولُهُنَّ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ صَلاَتِهِ." ابن حبان
وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ r،إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ." ابن حبان
يمكن للمرأة أن تشهد الجماعة وتصلي في المسجد إذا خرجت بإذن وليّها غير متبرّجة ولا متزينة ولا متعطّرة وصلاتها في بيتها أفضل.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ فِى الْجَمَاعَةِ فِى الْمَسْجِدِ،فَقِيلَ لَهَا لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ قَالَتْ وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِى قَالَ يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - r- « لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ » .متفق عليه
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: ائْذَنُوا لِلنِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ فَقَالَ بَعْضُ بَنِيهِ:لاَ تَأْذَنْ لَهُنَّ فَيَتَّخِذْنَهُ دَغَلاً،قَالَ:فَعَلَ اللَّهُ بِكَ وَفَعَلَ أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللهِ rوَتَقُولُ لاَ تَأْذَنْ." ابن حبان
وعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rقَالَ:لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلاَتٍ." ابن حبان ،وعَنْ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ،امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ rقَالَ لَهَا:إِذَا خَرَجْتِ إِلَى الْعِشَاءِ فَلاَ تَمَسِّينَ طِيبًا." ابن حبان ،وعن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ،أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ،يَقُولُ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِذَا استأذنتْ أَحَدَكُمُ امْرَأَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلاَ يَمْنَعْهَا قَالَ بِلاَلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ:وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ،قَالَ:فَسَبَّهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ أَسْوَأَ مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ قَطُّ،وَقَالَ:سَمِعْتَنِي قُلْتُ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِذَا استأذنتْ أَحَدَكُمُ امْرَأَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلاَ يَمْنَعْهَا قُلْتَ:وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ ؟." ابن حبان



منى شوقى غنيم 11-27-2011 08:00 PM

-24-آداب العالِم

عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ،قَالَ:كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ،فَأَتَاهُ رَجُلٌ،فَقَالَ:يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ،إِنِّي أَتَيْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ فِي حَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ r،فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:أَمَا جِئْتَ لِحَاجَةٍ،أَمَا جِئْتَ لِتِجَارَةٍ،أَمَا جِئْتَ إِلاَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ ؟ قَالَ:نَعَمْ،قَالَ:فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r،يَقُولُ:مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا،سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ،وَالْمَلاَئِكَةُ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ،وَإِنَّ الْعَالِمَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ،وَمَنْ فِي الأَرْضِ،وَالْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ،وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ،كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ،إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ،إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا،وَأَوْرَثُوا الْعِلْمَ،فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ." ابن حبان
فالعلماء ورثة الأنبياء،والأنبياء لم يورثوا من عرض الدنيا متاعا زائلا،ولا مالا فائنا،وإنما ورّثوا دين الله عز وجل القائم على العلم والحكمة،ومعرفة آيات الله في خلقه،وتزكية النفس وصلتها بخالقها،وتحليتها بمكارم الأخلاق.
وقد ورثوا عن سيدنا نوح صبره على تبليغ رسالة الله،وتحمله إيذاء قومه وإعراضهم عنه في سبيل الله،وهو قائم بالدعوة إلى الله مئات السنين دون كلل ولا ملل،ولا ضجر ولا قنوط.
وورثوا عن سيدنا إبراهيم شجاعته وصموده أمام أعداء الله،وتضحيته بالحياة واستهانته بالموت في سبيل إعلاء كلمة الله.
وورثوا عن سيدنا موسى قوته وأمانته،وعفته ونزاهته،ودعوته لإنقاذ قومه من الظلم والاستعباد،ورفقه بهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور،ومن عبادة الطواغيت إلى عبادة الله الواحد القهار.
وورثوا عن سيدنا عيسى روحانيته وقربه من الله،وذكره وصلته الدائمة بالله،وصدقه ورحمته،وسمونفسه ورفعتها ومحبتها لجميع خلق الله.
وورثوا عن خاتم النبيين سيدنا محمد rوعليهم أجمعين الخلق العظيم،والرحمة للعالمين،والصفوة من الشرع والدين القويم.
ورثوا عنه صبره وحلمه،وجهاده ونضاله،وعرض نفسه ودعوته على الناس في سبيل نشر دين الله،مقتحما الأخطار،غير مبال بتهديد ولا إيذاء ولا استنكار،غير آبه بإغراء بمنصب أو مال أو جمال،قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ قُرَيْشًا حِينَ قَالُوا لِأَبِي طَالِبٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللّه rفَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ أَخِي،إنّ قَوْمَك قَدْ جَاءُونِي،فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا،لِلّذِي كَانُوا قَالُوا لَهُ فَأَبْقِ عَلَيّ وَعَلَى نَفْسِك،وَلَا تُحَمّلْنِي مِنْ الْأَمْرِ مَا لَا أُطِيقُ قَالَ فَظَنّ رَسُولُ اللّهِ rأَنّهُ قَدْ بَدَا لِعَمّهِ فِيهِ بَدَاءٌ أَنّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ وَأَنّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نُصْرَتِهِ وَالْقِيَامِ مَعَهُ.قَالَ فَقَالَ رَسُول اللّه rيَا عَمّ،وَاَللّهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي،وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ قَالَ ثُمّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ اللّهِ rفَبَكَى ثُمّ قَامَ فَلَمّا وَلّى نَادَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ أَقْبِلْ يَا ابْنَ أَخِي،قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّه rفَقَالَ اذْهَبْ يَا ابْنَ أَخِي،فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ فَوَاَللّهِ لَا أُسْلِمُك لِشَيْءِ أَبَدًا .".


منى شوقى غنيم 11-27-2011 08:01 PM

هؤلاء العلماء هم الذين عقلوا عن الله دينه،وفهموا مراده من رسالته إلى خلقه {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ } (43) سورة العنكبوت.
وَهذا المَثَلُ،وَمَا مَاثَلَهُ مِنَ الأمثَالِ التِي اشْتَمَلَ عَلَيها القُرآنُ الكَريمُ،إِنَّما ضَرَبَها اللهُ تَعَالى لِلنَّاسِ لِيُقَرِّبَ مِنْ أَفهَامِهِمْ مَا بَعُدَ عَنْها،وَلِيُوضِّحَ لهُم مَا أَشْكَلَ عَلَيهِمْ أَمْرُهُ،واسْتَعصَى عَليهِمْ فَهْمُهُ،وهذه الأَمثالُ التي يَضْرِبُها اللهُ للناسِ لا يَفْهَمُها،ويُدْرِكُ مَعنَاهَا ومَغْزَاهَا،إلا الرَّاسِخُونَ في العِلمِ،المُتَدَبِّرُونَ في عَواقِبِ الأُمُورِ .
فاستقرّ نور الكتاب بين ثنايا صدورهم،وانطبعت معاني الآيات في أعماق قلوبهم {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} (49) سورة العنكبوت.
هذا القُرآنُ آياتٌ بَيِّنَاتٌ،وَاضِحَاتُ الدَّلاَلَةِ عَلَى الحَقِّ،يَحْفَظُهُ العُلَمَاءُ،وَقَدْ يَسَّرَهُ اللهُ حِفْظاً وَتِلاَوَةً،وَمَا يُكَذِّبُ بِآيَاتِ اللهِ وَيرْفُضُها،وَيَبْخَسُهَا حَقَّها إلا المُعْتَدُونَ الظَّالِمُونَ،الذِينَ يَعْلَمُونَ الحَقَّ وَيَحيدُونَ عَنْهُ .
وبذلك ارتقوا في مقامات الصالحين،وارتفعوا إلى مصافّ المقربين {..يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (11) سورة المجادلة.
يرفع الله مكانة المؤمنين المخلصين منكم،ويرفع مكانة أهل العلم درجات كثيرة في الثواب ومراتب الرضوان،والله تعالى خبير بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها،وهو مجازيكم عليها. وفي الآية تنويه بمكانة العلماء وفضلهم،ورفع درجاتهم.
وشتان ما بين هذه المنزلة الرفيعة،ومنزلة الغفل الجاهلين،والمعرضين الزاهدين {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (9) سورة الزمر.
هَلْ يَسْتَوِي حَالُ هَذَا المُشْرِكِ الذِي يَكْفُرُ بِنعَمِ اللهِ،وَيُشْرِكُ بِهِ الأَصْنَامَ وَالأَنْدَادَ،وَلاَ يَذْكُرُ الله إِلاَّ عِنْدَ الشَّدَّةِ والبَلاَءِ،مَعَ حَالِ مَنْ هُوَ مُؤْمِنٌ قَائِمٌ بِأَدَاءِ الطَّاعَاتِ،وَدَائِبٌ عَلَى العِبَادَاتِ آنَاءَ اللَّيْلِ حِينَمَا يَكُونُ النَّاسُ نِياماً،لاَ يَرْجُو مِنْ أَدَائِهَا غَيْرَ رِضْوَانِ اللهِ وَثَوَابِهِ وَرَحْمَتِهِ،إِنَّهُمَا بِلاَ شَكٍّ لاَ يَسْتَوِيَانِ.ثُمَّ أَكَّدَ اللهُ تَعَالَى عَدَمَ التَّسَاوِي بَيْنَ المُؤْمِنِ المُطِيعِ والكَافِرِ الجَاحِدِ،فَقَالَ لرَسُولِهِ الكَرِيمِ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤَلاَءِ:هَلْ يَسْتَوِي الذِينَ يَعْلَمُونَ مَا لَهُمْ فِي طَاعَةِ رَبِّهِمْ مِنْ ثَوَابٍ،وَمَا لَهُمْ فِي مَعْصِيَتِهِ مِنْ عِقَابٍ،وَالذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ بِحُجَجِ اللهِ،وَيَتَّعِظُ بِهَا،وَيَتَدَبَّرُهَا أَهَلُ العُقُولِ والأَفْهَامِ،لاَ أَهْلَ الجَهْلِ والغَفْلَةِ .
هؤلاء العلماء هم مصابيح الهدى التي تدلُّ الناس على منهج الله،وترشدهم إلى دين الله،وهم منابع الخير والسعادة والفلاح،يملؤون العقول بالعلم والحكمة،ويهذبون النفوس ويزكونها بمراقبة الله وذكره على الدوام،وينشؤون الجيل القوي بعقيدته،الكريم بأخلاقه،النافع لأمته،المخلص في بناء وطنه،فهم روح الأمة وكنزها الأكبر. فعن أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ قالَ:قَالَ النَّبِيُّ r: إِنَّ مَثَلَ الْعُلَمَاءِ فِي الأَرْضِ،كَمَثَلِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ،يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ،فَإِذَا انْطَمَسَتِ النُّجُومُ،أَوْشَكَ أَنْ تَضِلَّ الْهُدَاةُ. " أحمد.
وما دام العلمُ باقياً في الأرض،فالنَّاس في هُدى،وبقاءُ العلم بقاءُ حَمَلَتِهِ،فإذا ذهب حملتُه ومَنْ يقومُ به،وقع الناسُ في الضَّلال،كما في " الصحيحين " عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا مِنَ النَّاسِ،وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ بِعِلْمِهِمْ،حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالاً،فَسُئِلُوا،فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ،فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا. .
وإذا كان العلماء مصادرَ السعادة لمن لاذ بهم وأخلص في صحبتهم في الدنيا،فهم تمام السعادة في الآخرة،يحشر أتباعهم بمعيتهم،ثم يشفعون بهم،قال النقاش:لرسول الله ( r) ثلاث شفاعات:العامة وشفاعة في السبق إلى الجنة وشفاعة في أهل الكبائر بن عطية:والمشهور أنهما شفاعتان فقط:العامة وشفاعة في إخراج المذنبين من النار وهذه الشفاعة الثانية لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء "
وعَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r: " يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِلْعُلَمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا قَعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ لِفَصْلِ عِبَادِهِ:إِنِّي لَمْ أَجْعَلْ عِلْمِي وَحِلْمِي فِيكُمْ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَغْفِرَ لَكُمْ عَلَى مَا كَانَ فِيكُمْ وَلَا أُبَالِي ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ
وأي شرف أرفع،وفضل أكبر في تكريم العلماء من عطف شهادتهم في وحدانية الله على شهادة الله وشهادة ملائكته،قال تعالى {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (18) سورة آل عمران.
يُبَيِّنُ الله ُ تَعَالَى أنَّهُ الوَاحِدُ،الذِي لاَ إِلهَ إلاّ هُوَ،وَأنَّهُ قَائِمٌ عَلَى شُؤونِ خَلْقِهِ بِالعَدْلِ،وَقَدْ أقَامَ الدَّلاَئِلَ عَلَى ذَلِكَ فِي الأَنْفُسِ وَالآفَاقِ،وَفِي إنْزالِ التَّشْرِيعَاتِ النَّاطِقَةِ بِذَلِكَ.وَأخْبَرَ المَلاَئِكَةُ الرُّسُلَ بِهَذَا،وَشَهِدُوا بِهِ شَهَادَةً مُؤَيَّدَةً بِعِلْمٍ ضَرُورِيٍّ - وَهُوَ عِنْدَ الأَنْبِياءِ أقْوَى مِنْ جَمِيعِ اليَقِينِّياتِ - وَأولُو العِلْمِ أخْبَرُوا بِذَلِكَ وَبَيَّنُوهُ،وَشَهِدُوا بِهِ شَهَادَةً مَقْرُونَةً بِالدَّلائِلِ وَالحُجَجِ لأنَّ العَالِمَ بِالشَّيءِ لاَ تُعْوِزُهُ الحُجَّةُ عَلَيهِ .وَقَوَامَةُ اللهِ فِي تَدْبِيرِ هَذَا الكَوْنِ،وَأمُورِ الخَلْقِ،تَتَّصِفُ دَائِمًا بِصِفَةِ العَدْلِ ( قَائِماً بِالقِيْطِ ).وَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى سُنَنَ الخَلْقِ قَائِمَةً عَلَى أسَاسِ العَدْلِ.ثُمَّ أكَّدَ تَعَالَى كَوْنَهُ مُنْفَرِداً بِالألُوهِيَّةِ،وَقَائِماً بِالعَدْلِ ( لاَ إلهَ إلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) .
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ قَالَ ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ -r- رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِى عَلَى أَدْنَاكُمْ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِى جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ ». رواه الترمذي.
هذا وللعلماء الحقيقيين صفات بها يعرفون،وأخلاق عليها مجبولون،وآداب بها متصفون،نذكر منها ما يلي:
1- لزوم العلم ومحبته والشغف به،وبذل الوقت للاستزادة منه على الدوام.قال الله تعالى: {.. وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (114) سورة طـه.
هذا توجيه للنبي rللاستزادة من العلم،فما دُمْتَ أنت يا رب الحافظ فزِدْني منه،ذلك لأن رسول الله سيحتاج إلى علم تقوم عليه حركة الحياة من لَدُنْه إلى أن تقوم الساعة،عِلْمٌ يشمل الأزمنة والأمكنة،فلا بُدَّ له أنْ يُعَدَّ الإعدادَ اللازم لهذه المهمة.
2- العمل بالعلم،لأن العالم الحق لا يخالف فعله قوله،ومن كان قدوة للناس بفعله وسلوكه قبل كلامه وتوجيهه،ومن دعاهم إلى الله بسيرته وأخلاقه،قبل دروسه وخطبه،ومن علّم الناس بحاله قبل قاله. عَنْ مَيْمُونٍ،أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ،قَالَ:وَيْلٌ لِلَّذِي لاَ يَعْلَمُ مَرَّةً وَوَيْلٌ لِلَّذِي يَعْلَمُ،ثُمَّ لاَ يَعْمَلُ سِتَّ مِرَارٍ. " ابن أبي شيبة.
وعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ:قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:" وَيْلٌ للَّذِي لَا يَعْلَمُ مَرَّةً،وَوَيْلٌ للَّذِي يَعْلَمُ وَلَا يَعْمَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ "
وعَنْ عُمَيْرِ بْنِ تَمِيمٍ النِّمْرَانِيِّ أَبِي وَبْرَةَ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ مَسْأَلَةٍ ؟ فَقَالَ:" لَا تَسْأَلْ فَإِنَّكَ إِنْ تَأْتِ الشَّيْءَ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُهُ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تَأْتِيَهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُهُ "
وعَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ،قَالَ:سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ،عَنْ شَيْءٍ بِالْحِيَلِ،فَقَالَ:" لَا تَسْأَلْ،فَإِنَّكَ إِنْ تَأْتِ الشَّيْءَ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُهُ أَهْوَنُ عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُهُ "
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ:" إِنَّكَ لَنْ تَكُونَ عَالِمًا حَتَّى تَكُونَ مُتَعَلِّمًا،وَلَنْ تَكُونَ عَالِمًا حَتَّى تَكُونَ بِمَا عَلِمْتَ عَامِلًا "
وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ:لَيْسَ الْعَالِمُ الَّذِي يَعْرِفُ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ،إِنَّمَا الْعَالِمُ الَّذِي يَعْرِفُ الْخَيْرَ،فَيَتَّبِعُهُ وَيَعْرِفُ الشَّرَّ فَيَجْتَنِبُهُ ".


منى شوقى غنيم 11-27-2011 08:02 PM

وقال أحد الشعراء:
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ ... هَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ مِنَ السَّقَامِ لِذِي الضَّنى ... كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ
وَأَرَاكَ تُلْقِحُ بِالرَّشَادِ عُقُولَنَا ... نُصْحًا وَأَنْتَ مِنَ الرَّشَادِ عَدِيمُ
ابدأ بنفسك فانْهَهَا عن غيِّها فإذا انتهتْ فأنتَ حكيمُ
لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ قِيلَ لَهُ أَلاَ تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ فَقَالَ أَتُرَوْنَ أَنِّى لاَ أُكَلِّمُهُ إِلاَّ أُسْمِعُكُمْ وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِى وَبَيْنَهُ مَا دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ وَلاَ أَقُولُ لأَحَدٍ يَكُونُ عَلَىَّ أَمِيرًا إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ. بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ « يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِى النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلاَنُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ بَلَى قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ ».رواه مسلم.
قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} الصف.
وقال تعالى على لسان نبيه شعيب: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (88) سورة هود.
قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ:هَلْ تَرَوْنَ لَوْ أَنَّنِي كُنْتُ عَلَى بَيِّنّةٍ مِنْ رَبِّي وَهُدًى،وَأَنَّهُ آتَانِي النُّبُوَّةَ،وَرَزَقَنِي رِزْقاً حَلالاً طَيِّباً حَسَناً،ثُمَّ عَصَيْتُهُ فِيمَا أَرْسَلَنِي بِهِ إِلَيكُمْ،وَتَرَكْتُ دَعْوَتَكُمْ إِلَى الحَقِّ،وَعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ،فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ حِينَئِذٍ؟ وَأَنَا لاَ أَنْهَاكُمْ عَنْ شَيءٍ وَأُخَالِفُكُمْ فِي السِّرِّ إِليهِ فَأَفْعَلُهُ،وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَقولَ لَكُمْ إِنَّ اللهَ أَكْرَمَنِي بِالرِّزْقِ الحَلالِ الحَسَنِ،دُونَ أَنْ أَحْتَاجَ إلى التَّطْفِيفِ فِي المِكْيَالِ وَالمِيزَانِ،وَدُونَ أَنْ أَبْخَسَ فِيهما .وَأَنَا لاَ أُرِيدُ مِنْ أَمْري إِيّاكُمْ بِعِبَادَةِ اللهِ،وَبِالإقْلاعِ عَنِ المَفَاسِدِ،إلاَّ الإِصْلاَحَ بِقَدْرِ جَهْدِي وَطَاقَتِي.وَلا أَسْأَلُ غَيْرَ اللهِ التَّوْفِيقَ فِي إِصَابَةِ الحَقِّ وَإِنَّنِي تَوَكَّلْتُ عَلَيهِ،وَإِلَيهِ أَخْلَصْتُ وَأَنبْتُ فِي عِبَادَتِي وَطَاعَتِي .
وقال عز وجل:{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) } البقرة.
يَنْعِى اللهُ تَعَالَى عَلَى اليَهُودِ - وَهُمْ أَهْلُ الكِتَابِ - أَنْ يَأْمُرُوا النَّاسَ بِالخَيْرِ وَالبِرِّ وَطَاعَةِ اللهِ،فِي حَالِ أَنَّهُمْ يَنْسَوْنَ وَعْظَ أَنْفُسِهِمْ،وَحَمْلَهَا عَلَى طَاعَةِ اللهِ،فَلاَ يَأْتَمِرُونَ بِمَا يَأْمُرُونَ بِهِ غَيْرَهُمْ مِنَ النَّاسِ،مَعَ أَنَّهُمْ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ المُنْزَلَ إِلَيْهِمْ،وَيَعْلَمُونَ مَا فِيهِ مِنْ عَقَابِ يَحِلُّ بِمَنْ يُقَصِّرُ فِي القِيَامِ بمَا أَمَرَ اللهُ.وَلكِنَّ الأَحْبَارَ وَالرُّهْبَانَ مِنْهُمْ لاَ يَذْكُرُونَ مِنَ الحَقِّ إِلاَّ مَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ،وَلا يَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ مِنَ الأَحْكَامِ إِذَا عَارَضَ شَهَوَاتِهِمْ .
وعَنْ عَلِىٍّ قَالَ:يَا حَمَلَةَ الْعِلْمِ اعْمَلُوا بِهِ،فَإِنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَوَافَقَ عِلْمُهُ عَمَلَهُ،وَسَيَكُونُ أَقْوَامٌ يَحْمِلُونَ الْعِلْمَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ،يُخَالِفُ عَمَلُهُمْ عِلْمَهُمْ وَتُخَالِفُ سَرِيرَتُهُمْ عَلاَنِيَتَهُمْ يَجْلِسُونَ حِلَقاً فَيُبَاهِى بَعْضُهُمْ بَعْضاً حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْضَبُ عَلَى جَلِيسِهِ أَنْ يَجْلِسَ إِلَى غَيْرِهِ وَيَدَعَهُ،أُولَئِكَ لاَ تَصْعَدُ أَعْمَالُهُمْ فِى مَجَالِسِهِمْ تِلْكَ إِلَى اللَّهِ."
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:" لَا تَكُونُ تَقِيًّا حَتَّى تَكُونَ عَالِمًا وَلَا تَكُونُ بِالْعِلْمِ جَمِيلًا حَتَّى تَكُونَ بِهِ عَامِلًا "
قَالَ أَبُو عُمَرَ:مِنْ قَوْلِ أَبِي الدَّرْدَاءِ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَخَذَ الْقَائِلُ قَوْلَهُ:" كَيْفَ هُوَ مُتَّقٍ وَلَا يَدْرِي مَا يَتَّقِي "
وَعَنِ الْحَسَنِ قَالَ:" الْعَالِمُ الَّذِي وَافَقَ عِلْمُهُ عَمَلَهُ وَمَنْ خَالَفَ عِلْمُهُ عَمَلَهُ فَذَلِكَ رَاوِيَةُ أَحَادِيثَ سَمِعَ شَيْئًا فَقَالَهُ " وَيُرْوَى أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ يُنْشِدُ مُتَمَثِّلًا وَهِيَ لِسَابِقٍ الْبَرْبَرِيِّ فِي شِعْرٍ لَهُ مِطُوَّلٍ :
إِذَا الْعِلْمُ لَمْ تَعْمَلْ بِهِ كَانَ حُجَّةً عَلَيْكَ وَلَمْ تُعْذَرْ بِمَا أَنْتَ جَاهِلُهْ
فَإِنْ كُنْتَ قَدْ أُوتِيتَ عِلْمًا فَإِنَّمَا يُصَدِّقُ قَوْلُ الْمَرْءِ مَا هُوَ فَاعِلُهْ
وَيُرْوَى أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيَّ كَانَ يَتَمَثَّلُ بِهَذَا,وَاللَّهُ أَعْلَمُ،وَأَنْشَدَ الرِّيَاشِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ :
مَا مَنْ رَوَى أَدَبًا فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَيَكُفَّ عَنْ زَيْغِ الْهَوَى بِأَدِيبِ
حَتَّى يَكُونَ بِمَا تَعَلَّمَ عَامِلًا مِنْ صَالِحٍ فَيَكُونُ غَيْرَ مَعِيبِ
وَلَقَلَّمَا تُجْدِي إِصَابَةُ عَالِمٍ أَعْمَالُهُ أَعْمَالُ غَيْرِ مُصِيبِ
وَقَالَ مَنْصُورٌ رَحِمَهُ اللَّهُ :
لَيْسَ الْأَدِيبُ أَخَا الرِّوَا يَةِ لِلنَّوَادِرِ وَالْغَرِيبِ
وَلِشِعْرِ شَيْخِ الْمُحَدِّثِينَ أَبِي نَوَّاسٍ أَوْ حَبِيبٍ
بَلْ ذُو التَّفَضُّلِ وَالْمُرُو ءَةِ وَالْعَفَافِ هُوَ الْأَدِيبُ
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r-:" مَثَلُ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ وَيَنْسَى نَفْسَهُ مَثَلُ الْفَتِيلَةِ،تُضِيءُ لِلنَّاسِ وَتَحْرِقُ نَفْسَهَا ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ.
خشية الله تعالىكلما ازداد علما،ومخافته كلما ازداد معرفة بعظمته وقدرته،قال أحدهم:
على قدر علم المرء يعظم خوفه ………فما عالم إلا من الله خائف
فآمن مكر الله بالله جاهل ………وخائف مكر الله بالله عارف
قال تعالى:{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) } [فاطر:27،28] .
يُنَبِّهُ اللهُ تَعَالَى العِبَادَ إِلى قُدْرَتِهِ العَظِيمَةِ عَلَى خَلقِ الأَشياءِ المُخْتَلِفَةِ،المُتَنَوِّعَةِ المُظَاهِرِ وَالأِشْكالِ،مِنَ الشَّيءِ الوَاحِدِ،فَيَقُولُ تَعَالى إِنَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَطَراً فَأَرْوَى بِهِ الأَرْضَ،فَأَخْرَجَتْ ثِمَاراً مُخْتَلِفَةَ الألوانِ والطُّعُومِ والرُّوَائِحِ،وَإِنَّه خَلَقَ الجِبَالَ كَذَلِكَ مُخْتَلِفَةَ الأَلْوَانِ،فَمِنْهَا الأَبْيَضُ وَمِنْهَا الأَحْمَرُ وَمِنْهَا الأَسْوَدُ الغِرْبِيْبُ .وَجَعَلَ اللهُ تَعَالى النَّاسَ والدَّوابَّ والأَنْعَامَ مُخْتَلِفِي الأَلوَانِ والأَشْكَالِ في الحِنْسِ الوَاحِدِ،فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ،وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاس لاَ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ حَقَّ المَعْرِفَةِ،والذِي يَعْرِفُهُ منْهُمْ هُم العَالِمُونَ بأَسْرَارِ الكَوْنِ،العَارِفُونَ بِعَظِيمِ قُدْرَةِ اللهِ تَعَالى،فَهَؤُلاءِ هُمُ الذِينَ يَخْشَوْنَ اللهَ،وَيتَّقُونَ عِقَابَهُ،فَيَعْمَلُونَ بِطَاعَتِهِ.واللهُ عَزيزٌ فِي انتِقَامِهِ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ،غَفُورٌ لِذُنُوبِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَأَطَاعَهُ .
4- الترفع عن سفاسف الدنيا،ولغوها ولهوها ولعبها،وبهرجها وزخارفها وشهواتها الرخيصة. قال ذو النون،وصف لي رجل بالمغرب وذكر لي من حكمته وكلامه ما حملني على لقائه،فرحلت إليه إلى المغرب فأقمت على بابه أربعين صباحاً على أن يخرج من منزله إلى المسجد ويقعد،فكان يخرج وقت كل صلاة يصلي،ويرجع كالواله لا يكلم أحداً فقلت له يوماً: يا هذا إني مقيم ها هنا منذ أربعين صباحاً لا أراك تكلمني. فقال لي: يا هذا لساني سبع إن أطلقته أكلني. فقلت له: عظني رحمك الله بموعظة أحفظها عنك. قال: وتفعل؟ قلت: نعم إن شاء الله،قال: لا تحب الدنيا وعد الفقر والغنى والبلاء من الله نعمة،والمنع من الله عطاء،والوحدة مع الله أنساً،والذل عزاً والطاعة حرفة والتوكل معاشاً والله تعالى لكل شديدة عدة.
ثم مكث بعد ذلك شهراً لا يكلمني،فقلت له: رحمك الله إني أريد الرجوع إلى بلدي فإن رأيت أن تزيدني في الموعظة فقال: اعلم أن الزاهد في الدنيا قوته ما وجد ومسكنه حيث أدرك ولباسه ما ستر الخلوة مجلسه،والقرآن حديثه،والله الجبار العزيز أنيسه والذكر رفيقه،والصمت جنته،والخوف سجيته،والشوق مطيته،والنصيحة نهمته والصبر وساده،والصديقون إخوانه والحكمة كلامه،والعقل دليله،والجوع أدمه والبكاء دأبه،والله عز وجل عدته. قلت بما تتبين الزيادة من النقصان؟ قال: عند المحاسبة للنفوس." ".
قال تعالى:{ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) } طه.
يُسَلِّي اللهُ تَعَالَى رَسُولَه rفَيَقُولُ لَهُ:اصْبِرْ عَلَى تَكْذِيبِ هَؤَلاَء ِالمُكَذِّبِينَ،وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بَعْدَ صَلاَةِ الفِجْرِ،وَبَعْدَ صَلاَةِ العَصْرِ ( قَبْلَ غُرُوبِهَا )،وَفِي فَتَرَاتِ اللَّيْلِ،فَالتَّسْبِيحُ اتِّصَالٌ بِاللهِ تَعَالَى،وَالنَّفْسُ الَّتِي تَتَّصِلُ بِاللهِ تَطْمَئِنُّ وَتَرْضَى.فَالرِّضَا ثَمَرَةُ التَّسْبِيحِ وَالعِبَادَةِ،وَهُوَ وَحْدَهُ جَزَاءٌ حَاضِرٌ يَنْبُعُ مِنْ دَاخِلِ النَّفْسِ .
قَالَتِ الْحُكَمَاءُ:أَصْلُ الْعِلْمِ الرَّغْبَةُ وَثَمَرَتُهُ السَّعَادَةُ،وَأَصْلُ الزُّهْدِ الرَّهْبَةُ وَثَمَرَتُهُ الْعِبَادَةُ فَإِذَا اقْتَرَنَ الزُّهْدُ وَالْعِلْمُ فَقَدْ تَمَّتِ السَّعَادَةُ وَعَمَّتِ الْفَضِيلَةُ،وَإِنْ افْتَرَقَا فَيَا وَيْحَ مُفْتَرَقَيْنِ مَا أَضَرَّ افْتِرَاقَهُمَا،وَأَقْبَحَ انْفِرَادَهُمَا.



الساعة الآن 08:42 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team