![]() |
رحلة سعيدة
شوارع مدينتي شاحبة كظلال أشجار عارية .. تمتزج جنباتها نكهة تعاسة وألم .. ويفترشها فقراءُ ومساكين .. أُقلب وجهي في سمائهم الداكنة أبحث عن خيوط شمسٍ دافئة تغنيني عن نفخ هوائي على يديّ الباردتين .. أنظر بين الحين والحين إلى وقتي الثمين وقد تكسر بين عقارب ساعتي .. صفارة قطاري قد انطلقت لتبدأ رحلتها المقصودة بين عثرات عمري النازف .. و في لحظات تكومت أشباه بشر تتدافع بقسوة إلى حتفها على تلك المقاعد القديمة المهترئة .. هذا يلعن ذاك .. وذاك يركل تلك وأنا بينهم كطفل ضائع لم يهتدِ إلى مقعدٍ يلملم بؤسه من هذه الفوضى المشؤومة .. انفرط عقد تماسكي وبدأ الخوف يدفعني هو الآخر بقوة إلى الداخل لأخفف بعض المعاناة .. عيناي الزائغتان تبحثان عن مكان يأويها لتجد مقعداً فارغاً في آخر المقطورة .. أخذت أقفز عن الأرض قفزاً حتى وصلت إليه .. ونجحت .. جلست أتنفس الصعداء وأخفف من روع معاناتي .. صرير رياحٍ يزحف نحوي من نافذةٍ متكسرة .. ومعطفي البالي يجلدني بسياطٍ من برد بالكاد يحفظ ماء وجهي عن فضح سوء الحال .. وبدأت الرحلة .. .................................................. ....... - يا هذا .. أنت .. استيقظ .. فزعت من نومي على خشونة يد عامل القطار وهو ينظر إليَ عابساً ..كان رجلاً قصير القامة بديناً وعلى خده بقعة بنية اللون كثيفة الشعر .. - أين التذكرة خلصني ؟؟! تنبهت لما قاله بعد لحظات وسرعان ما أخذت أفتش جيوبي عن التذكرة ولكنني أطلت البحث .. - قذرين جبناء .. تدعي الآن أنك أضعتها .. هه أعرفكم جيداً .. ولكنك إن لم تجدها سألقي بك من القطار لتنهشك الكلاب .. أصبحت كالمجنون أبحث بلا وعي عن تلك الورقة اللعينة حتى تكشف بنطالي الممزق من تحت المعطف ولكنني لم أكترث .. عشرات الوجوه من حولي تترقبني .. وهمسات خافتة هنا وهناك بعضها مشفق علي و بعضها ينعتني بالمخادع وأخرى بالأبله .. نبشت جيوبي ثلاث مرات دون جدوى , وعامل القطار قد وضع يده على رأس عصا معلقة بجانب معطفه السميك , يترقبني كصيدٍ ثمين ..ولما يئس مني رفع عصاه عالياً فرفعت يديّ مسرعاً إلى وجهي لأصدها عنه .. وقبل أن تهوي على رأسي أمسك رجلٌ يد عامل القطار وأنزلها بقوة .. بقلمي .. يتبع |
الأخت الكريمة : سناء محمد
قلمك يسير حثيثا نحو الإبداع .. لقد وشت لنا الكلمات بقدرة فائقة على صياغة الحدث والتأثيث له بمقدمة هي أقرب إلى الخاطرة منها إلى القص ... وهو ما يجعل القارىء يعتدل في جلسته وكله استعداد لالتهام الحروف , مستمتعا بما تجود به الكلمات ليغنم في النهاية بمأدبة لغوية فاخرة تشي بملكة اللغة لديك وقدرتك على توظيفها ... سناء محمد تتبعت خطوات ذاك المسافر في الزمان فوصلتني تنهيدته وأمنيته الباحثة عن بعض دفء ربما تختزنه وجوه الفقراء, أو خصلة ضوء تجود بها شمس الشتاء البخيلة.. تتبعته في المكان حتى أخذني إلى آخر مقطورة من ذاك القطار - غير الآبه بأحلامه ووجهته - وانزويت حيث حضن تعبه والتف على بعض من أمانيه المرجوّة ... بقيت قريبا منه .. لكن لم تكن عندي الجرأة للدفاع عنه من سطوة عامل القطار ... الكاتبة المميزة : سناء محمد أظن أن هذه الرحلة زاخرة بالأحداث ... وأعتقد جازما أنها جديرة بالمتابعة لأن بدايتها المتماسكة لغة وحدثا توحي بجمال الآتي .. سننتظر البقية في شوق ... ودمت بود دائما . |
شدني حرفك بقوة لأستنطق مكنوناته التي تعكس حياة مسافر بائس .. كان الله في العون
الأديبة سناء محمد .. منتطرون البقية في شوق تحيتي |
اخي طارق الاحمدي
اخجلتني كلماتك في الرد .. كلي امل أن تنال البقية اعجابك بعد أن تقول لي رأيك النهائي بالقصة سأقول لك ما أردته منها شكرا لك |
محمد صالح سعدت لما كتبته هنا
نسأل الله ان نقدم ما به خير للجميع |
ساد السكون أرجاء المكان ورسمت علامات الدهشة على وجوه من حولي .. من هذا الرجل النبيل ؟؟ تبدو عليه علامات اليسر ..ولا يعرفه منا أحد .. - أنا أدفع عنه .. اتركه وشأنه .. أنزل عامل القطار يده ممتعضاً - تفضل يا سيد ..هات ثمن التذكرة .. أخرج الرجل بضع دراهم .. و ألقاها في يده .. امتدت مساحات بياضٍ على طول ناظري .. خوفي تقهقر أمام تَفتح باقةِ أملٍ بين جنباتي ..قد حاك الصباح لي رداءً من الطمأنينة والدفء بالرُغم من قسوة شتائي .. أسئلتي لا تكف عن العبث بخاطري .. ودهشتي قد تغلبت على ظني ويقيني .. أما زال للصفاء بقية حكاية ؟؟ وهل عادت الطيور الشاردة إلى أعشاشها غير مباليةٍ برياحٍ او عاصفة ؟؟ كنت نسيت كثيراً من كلماتي .. واكتفيت ببعض حروفٍ أقضي بها حاجاتي .. مرارة أيامي سحقتني فما عدت أسأل عيني ما بالها لا تكف عن بث أوجاعي ..وآمنت بأني صغيرٌ على أن يراني أحدٌ من العالم الذي أبصره من نافذتي الضيقة .. ما كنت أعرف أن امتناني لما حدث قد ذكرني بأني كائنٌ من الأحياء .. ................... جلس بجانبي على نفس المقعد فأخذت أتفحص تفاصيل وجهه وقد بدا لي كلغزٍ كبير .. هادئاً .. رزيناً له صوتٌ بشفقة الوالد وحنان الأم .. و كان في عقده الرابع .. قلت له بصوتٍ خافتٍ عن مسامع من حولي : - شكراً لك أجابني دون أن يلتفت إلي : - على ماذا ؟ أخذ مني الارتباك مأخذه وقلت ثانية : - شكراً .. على كل شيء نظر إلي مبتسماً : - لم أفعل شيء كانت بعض الوجوه لاتزال تراقبنا , و كانت لحظات سكونه تشعل فتيل فضولي فتدفعني للغوص في أعماقه علي أصل إلى شيء .. قلت له لأختلق بعض الحديث معه : - لازال هناك من ينظر إليك - هذا وجهي يجب أن يتحملوه شعرت بأنه لا يحب كثرة الكلام فسكت عنه بقية الوقت , و أخذت أتأمل طريق رحلتي وأستمع الى معزوفة قاطرتي وهي لا تتوقف .. ولكنه باغتني بسؤال : - هل أنت سعيدٌ بأيامك ؟؟ لم أفكر بإجابةٍ تناسب هذا السؤال فقلت متردداً : - نعم .. لا بأس .. ولكني تضايقت قليلاً مما حدث .. صدقني أنا أملك تذكرة ولكنها ضاعت مني .. - ولكني لم أسألك عن أيةِ تذكرة .. سألتك إن كنت سعيداً أم لا .. - نعم .. ولكن لماذا لا تصدق بأنني متضايق فقط ؟ - أنت لست متضايق بل أنت حزين .. - لا .. نعم .. ولكن كيف عرفت ؟؟ - لقد قلت لي في البداية لا بأس ولو كنت سعيداً لما وجدت ما يبرر حزنك ..أنت لا تزال صغيراً على أن تعرف سعادتك من حزنك .. - ولكني قاربت سن العشرين - نعم , ولازلت غضاً طرياً .. غداً عندما تقسو عليك الأيام يوماً بعد آخر ستشعر بأن السعادة لحظات لا تدوم .. وعندما ستشعر بوخز الألم في نفسك ستكون معاناتك وقتها أكبر .. ستخلق لنفسك مسرات مهما كانت أيامك قاتمة .. هذا إن كنت تبحث عن السعادة حقاً .. - أتمنى السعادة من كل قلبي .. وما أن تبدأ همومي تنفرج حتى يأتي همٌ أكبر يرجعني إلى أول الطريق إن لم يبعدني أكثر و أكثر .. - ألك عائلة ؟؟ ابتسمت له رغماً عني وقلت : - لي أمٌ كبيرة السن بالكاد تستطيع المشي.. ولي أخٌ لا يعرف من حياته غير اجتلاب المشاكل وسوء السمعة .. ولدي أُختٌ بلا عقل .. قد ولدت هكذا .. وأنا المسؤول عنهم جميعاً .. - يا إلهي أنت تعيش في بؤرة ضياعٍ وبؤس .. - هل اقتنعت بجوابي إذاً لما قلت لك لا بأس ؟؟ - ههههه نعم .. ربما .. ولكن لم تقل لي ماذا تتمنى من هذه الحياة ؟؟ - مممم أتمنى أن ترجع أمي لسالف عهدها ..أريد لأخي أن يدرس في الجامعة ولا يضطر لترك الدراسة مثلي .. أريد اقتناء عقلٍ لأختي .. - وأنت ألا تريد شيئاً لنفسك ؟؟ استوقفني سؤاله للحظة و استغربت لنفسي أن يكون لي حقٌ في شيء !! كتمت أنفاسي .. وسرعان ما عدت لسابق حالي .. - لا أعرف .. هل تصدق أنني لم أفكر يوماً بذلك ؟؟ حتى بمجرد حلم .. لم أحلم لنفسي بأي شيء .. لكنه ربت على ركبتي وقال لي باسماً : - يبدو أننا سنتحدث كثيراً في هذه الرحلة .. يتبع .. |
فعلا .. يبدو أننا سنتحدث كثيرا عن هذه الرحلة .
فقد بدأت الفكرة تتضح والحدث يتبلور ... فمن العام ولجنا إلى الخاص .. الإطار المكاني انحصر في المقطورة لتكون الصورة أكثر وضوحا وقربا من القارىء بعد تسليط الضوء عليها من جميع الاتجاهات ... وليكون الحدث أكثر تأثيرا انحسر الزمان في سويعات الرحلة القصيرة .. وفي هذه اللوحة الانسانية باقتدار يمكن أن تجد نفسك , تحس بأنفاسك الحارة , بنبضات قلبك تطرق ضلوعك بشدة ... يمكن أن تلمح نفسك ضمن المسافرين في خلفية الصورة ... هذه التقنية الفنية الرائعة تجعل من الحدث الرئيس في الواجهة واضحا وجليا , وما سواه ضبابيا, لكن دون أن يشوه الصورة ... وقد تسلحت الكاتبة سناء محمد بأدوات اللغة والفكرة والتشويق والانسيابية في السرد , دون أن تنسى أن الحوار الذي يبعث في الحدث النفس والحركية التي تكسر روتين السرد المقيت .. وكأني بالكاتبة خبرت القارىء وعرفت أن أكثر ما ينبّهه هو وضعه في محيط الصمت .. فالصمت يجعلنا نتوجّس أمرا ... بل وأكثر من ذلك كانت تعرف مسبقا أن السؤال يشنف الأسماع وينبّه الإحساس... فــ " ساد السكون أرجاء المكان ورسمت علامات الدهشة على وجوه من حولي .. من هذا الرجل النبيل ؟؟ " ولأن السؤال يشدنا دوما ويوقظ فينا مارد المعرفة ولو تطفلا فقد شنفت سمعي - كما جميع الركاب - بعد أن فشلت مثلهم من قبل على تخليص هذا الشاب من سطوة عامل القطار... لقد انقلب المشهد كليا ... لم يعد ذاك الشاب الذي تكبله الهموم وتجرّه قدماه للمجهول ... لقد " امتدت مساحات بياضٍ على طول ناظر(ه) .." تقهقر خوفه, وداهم رأسه الصغير أكثر من سؤال ... إنه يخرج من شرنقة الحيرة إلى مساحة أرحب ... يجد من ينقذ بتلات شبابه من الذبول .. يا الله... لقد غزا الربيع قلبه فجأة ... رفرف طير السعادة بين ضلوعه يدغدغه بمنقاره الأخضر .. انشقت صخرة قلبه على ينبوع أمل جديد ... فــنجده يردد " قد حاك الصباح لي رداءً من الطمأنينة والدفء بالرُغم من قسوة شتائي .. " هكذا صدح الشاب وهو يتأمل رفيق الرحلة الجديد ... إنه منقذه من وحدته التي سكنته ذات شتاء وفي غفلة من الزمن لتحتل مساحات كبيرة وشاسعة من أحلامه وعوده الغض ... وكيف لا؟ وأمه " كبيرة السن بالكاد تستطيع المشي " وأخ سيء السمعة و"أُختٌ بلا عقل" - هكذا ولدت - ... فكيف لمن يسوس مثل هذه العائلة ألا تتحطّم صواري عمره ويتمزق شراع الأمل منه؟ كيف لمن يلهث خلف حاجات الأسرة أن يهنأ بلحظة هناء ؟.. كيف لمن يطوي ساعات الليل والنهار لتوفير لقمة العيش أن يشعر بضياع سنين عمره ؟ كيف لمن يتمنى أن ترجع أمه لسالف عهدها ..ويريد لأخيه أن يدرس في الجامعة .. ويقتني عقلٍا لأخته .. أن يتمنى لنفسه شيئا؟؟ لقد نبّهه رفيقه لنفسه , جعله يكتشف أنه يحمل كيانا بين جنبيه , حسا, نفسا , قلبا ينبض .. أمنية صغيرة ضاعت في ركام الأيام المكسورة ... سؤالا ردده بكل عفوية : - " لا أعرف .. هل تصدق أنني لم أفكر يوماً بذلك ؟؟ حتى بمجرد حلم .. لم أحلم لنفسي بأي شيء .. " فهل ستعود طيور الأماني من جديد لتبني أعشاشها بين اللحظات السعيدة ؟ "يبدو أننا (سنحلم) كثيراً في هذه الرحلة .. " القاصة والمبدعة : سناء محمد صراحة لك قدرة فائقة على شد القارىء , من خلال المراوحة بين الانسيابية في السرد والاستطراد واقحام الحوار لكسر الروتين , وبين هذا وذاك يكمن الإبداع. القاصة والمبدعة : سناء محمد عذرا إن كنت أطلت وتماديت في القراءة ... وعذرا مرة أخرى إن أسأت لنصك ببعض من ثرثرتي ... فقط أرجو ألا يصلني بطش عامل القطار لأني أخذت لي مكانا قريبا من راكبي المقطورة وكلي أمل أن يصلني بعض من الريح الطيبة لهذه الرحلة ... ودمت بود دائما . |
صدقني أخي طارق الأحمدي مداخلتك هنا قد أشعرتني بالرهبة .. الرهبة في أن ما سيتبع قصتي من أحداث لا يكون على الشكل المأمول .. كل ما أستطيع قوله أن أحداث هذه القصة قد مستني خاصة .. ليست واقعية نعم ولكن مراهنتي فيها على واقعية المشاعر التي عشتها لوقت غير قليل من الزمن
بوركت اخي وطيب الله أثرك |
مع قلة كلماته وجدتني أبحر بين معانيها بزورقٍ صغير بالكاد يستطيع عبور لجته .. و وجدته كبحرٍ كبير بكل ذاك الصفاء .. ولكني لم أجد له قرار .. أخذت أتنفس من سكناته المطمئنة انتفاضة الثائر و أتعقب خطواته الثابتة علي أمشي على أثرها .. فوجدت غدي الباسم موشوماً بحروفه وكلماته .................. مهدت على مفارق أسفاري دروباً فسيحة .. واستحدثت للكلام حروفاً جديدة .. وتساءلت إن كان للعمر بقيةٌ تكفي لأن نوفي من نحبهم بعض ما يستحقون ؟؟ حيرةٌ تجتاح القلب إن كان بالإمكان الوصف .. وقدرٌ يهنئني على تجاهل الهم والحزن .. سرورٌ ممتنٌ لتلك الورقة الضائعة على أن أشكر للمفارقة تدبيرها لحزنٍ يأخذني لفرح .. و همٍ يقودني لفرج .. وخوفٍ يطير بي إلى عوالم الطمأنينة والأمن .. كان ينصت لكل كلماتي .. ويعلق بعدها على جميع عباراتي .. ضحكاته الهادئة لم تنقطع عن مشوار كلامي .. وكنت أصمت بين الحين والآخر استرجع ما قلته .. أحاول السير بالاتجاه الصحيح في كل ما أقول وأفعل .. أعدت صياغة أفكاري رغبةً أن تعجبه .. وكنت منساقاً له بكامل رغبتي وسعادتي .. وأرى منه الحروف ألواناً جديدة .. أما الكلمات فقد صنعت كل واحدةٍ لنفسها قالباً يناسب وكل ذرةٍ من ذراتي .. وكنت أسأله بين وقتٍ وآخر هل نحن أصدقاء ؟؟ فكان يمدني بالصدق ويزرع الابتسامة لأن اطمئن .. ................... هاهي محطتي المقصودة قد اقتربت , وهاهي لحظات الفراق قد بدأت تعد لي دقائق الوداع ... أخذت أُراقب من مكاني تلك البلدة الصغيرة وهي تفتح لي يديها تريد الترحيب بزوارها .. - ربما انتهت رحلتي هنا .. - حقاً .. هل وصلت إلى محطتك بهذه السرعة ؟؟ ابتسمت له و بداخلي غصة من أن أودعه - نعم - هل تصدق لم أشعر بالوقت من كثرة أحاديثنا الممتعة - حقاً .. وأنا سعدت كثيراً بالحديث إليك - لا تنساني يا فتى فور نزولك من القطار .. هههههه .. انتظر قليلاً ريثما تعود لعائلتك - لا .. لا تقل ذلك حقاً لا أستطيع نسيانك .. نحن أصدقاء أليس كذلك ؟؟ ابتسم لي وهو يومئ برأسه - بلا شك .. أنت طيب القلب .. إذاً حظاً موفقاً .. ولا تنسى ما قلته .. - نعم .. شكراً لك على كل شيء .. وعلى التذكرة .. - أووووه لم تنسى أمر التذكرة .. ههههه .. حسناً ودعته و قلبي متألم لفراقه .. فقد شعرت أنه بمثابة الأب والأخ .. خطواتي متثاقلة إلى البوابة , وحنيني يشدني للعودة إلى ذات المقعد بل أكثر من ذلك ..إلى لحظات السعادة والأمل تذكرت ما قاله : أن السعادة لحظات لا تدوم ..ولكنِي تمنيتها أن تطول .. ألا نستطيع أن نخلق لحظات إضافية إلى أعمارنا الذابلة .. مزيدٌ من الوقت ومزيدٌ من السعادة والدفء .. صراعٌ بين القلب والعقل بين بقاء أو نزول .. نزل من أراد من الناس محطتهم , وبقيت بضع خطوات و تقذفني معهم إلى مصيري المعتاد .. - أنت .. هل تريد النزول أم ماذا ؟؟ ابتسمت لعامل القطار غير الذي كان أول الرحلة بملء سعادتي وقلت : - لا.. لقد أخطأت المحطة .. ليست هذه .. دخلت مسرعاً كطائر أُطلق للفضاء .. وشعرت أن معي شيئاً ثميناً أخبئه في داخلي لم أدري ما كنهه .. ولما اقتربت إلى المكان خففت من وقع أقدامي وجلست بجانبه دون أن أتكلم .. - ما هذا لماذا رجعت ؟؟ - آه .. لقد .. - لا تقل فاتتك المحطة السابقة ؟؟ - نعم .. نعم لا مشكلة أتدبر أمري .. - هههه كثرة الأحاديث أخذتنا .. هل تعرف سأغفو قليلاً قبل أن أصل محطتي .. أخاف أن تفوتني مثلك - نعم يجب أن ترتاح يتبع .. |
وعدت نفسي مذ قرأت العنوان برحلة سعيدة حقا فهاتان الكلمتان عندما تتلازمان تتوليان مهمة إنعاش الروابط الايجابية في النفس الإنسانية
و ما أدهشني حقا هو هذه القدرة السردية العالية و إدارة الحوار بشكل ذكي و بلغة جميلة غير متكلفة لكنها في ذات الوقت عالية الأداء متابعة لك أديبتنا الجميلة سناء محمد دمت رائعة |
بارك الله بك اختي الطيبة ريم بدرالدين على العبورالجميل
|
استرخى على المقعد .. وأنزل نفسه قليلاً .. ثم وضع قبعته على وجهه , أما أنا فكنت أقلب وجهي بينه وبين ذات النافذة .. أستعين بها على انقضاء وقته في النوم .. إلا أنني استسلمت أنا الآخر للنوم دون أن أشعر, بالرغم من قسوة البرد .. وبعد مدة من الوقت شعرت به وهو يضع معطفه على جسدي المتكوم على بعضه .. نظرت إليه بعينين متعبتين .. فأشار إلي أن أبقى نائماً .. فغرقت في نومٍ عميق بعد أن بدأت وخزات البرد تكف عن لسعي تبعثرت لحظات الانتظار رغماً عني .. وأخذ الوقت مكانه بعيداً عن حساباتي .. أثقال تعبٍ تجبرني على الاستسلام لها دون حراك .. وفوضى جديدة تعبث بالمكان لمن أراد النزول عند محطتهم .. وأنا لازلت على حالي .. قاومت النوم والتعب وتحاملت على نفسي أن أرجع إلى صحوتي قبل أن تنال غفوتي مني مجدداً .. تحسست معطفه وهو يغطيني .. ومررت أصابعي بين طياته .. ولكني تذكرته , فنهضت سريعاً من مكاني دون أن أجده .. أخذت أقلب نظراتي بين الناس ثم أرمي بها بعيداً من تلك النافذة التي آنستني على طول الرحلة .. ولما تأخر قلقت عليه وقمت أسأل من حولي .. هل رآه أحد ؟؟ فكانوا يومئون لي بلا .. قمت من مكاني قلقاً .. وأخذت أبحث في كل مقطورة عنه دون كلل أو ملل .. وفي كل مرة أمني نفسي أنني سأجده أصاب بعدها بخيبة الأمل .. بدأ الخوف يجتاح عقلي وقلبي .. وبدأت الوساوس تطعن طمأنينتي , ولكني تمسكت بخيطٍ رفيع أعلق عليه ما بقي من آمال .. لمحت من بعيد ذلك العامل البدين وهو يقف بجانب عامل آخر .. شعرت بالامتعاض أن أقترب منه أو أسأله , ولكني ضربت بكل مشاعري عرض الحائط وتقدمت بخطواتٍ ثابتة نحوهما ..ولكنه نظر إلي والشرر يتطاير من عينيه وقد تذكرني .. فوجهت كلامي للرجل الآخر فزاد من حنقه علي .. - أردت أن أسأل عن الرجل الذي كان يجلس بجانبي على المقعد - صفه لي فوصفته بدقة و كأنني أراه أمامي .. - اعذرني يا فتي .. في كل ساعة أرى أناساً كثيرة تنزل وتصعد .. فابتسم صاحبه بسخريةٍ و قال وهو ينظر إلي : - ذاك الرجل الذي حدثتك عنه .. هو من دفع ثمن التذكرة بدلاً منه .. - آه .. نعم تذكرته .. لقد توقف عند محطته ونزل .. ما إن قال ذلك حتى شعرت بصفعة الحقيقة وهي ترتطم بوجهي .. وعلامات الذهول قد رسمت على ملامحي .. - ماذا .. أمتأكد أنه نزل ؟؟ - نعم .. هو من نزل .. من حوالي الساعة .. - ربما كان غيره .. صدقني .. فمعطفه لا يزال معي ؟؟ فرد علي الرجل البدين بفظاظة : - ألا تفهم قال لك أنه نزل سكت لبرهة ثم قلت له متوسلاً : - أرجوك .. ألم يقل لك شيئاً قبل أن ينزل ؟؟ أشار إلي بلا .. فأدرت ظهري وفي داخلي مرارة ما حدث .. في لحظاتٍ صار قلبي فارغاً من كل شيء .. وفي رأسي مئات الصور لا تكمل واحدةً الأخرى .. صاح العامل بي مجدداً : - أنت .. تذكرت .. عدت إليه مسرعاً علي أصل إلى شيء .. - نعم .. قال لي أن المعطف الذي بين ذراعيك هو من أعطاك إياه .. حتى لا نظن بأنك سرقته .. تجمدت الدماء في عروقي .. وتوالت الصفعات على وجهي .. ولم ألبث أن شعرت بالمعطف إلا وكأنه قطعة مشتعلة تحرق يداي .. لم أقوى على حمله فوقع مني على الأرض .. - هو من قال ذلك ؟؟ شعر العامل بالحرج مني ولكنه سكت - أنا لست سارق .. كما أنني أضعت التذكرة .. - اسمع .. ربما .. صدقني .. ربما فهمت ما قاله خطأ .. نظرت إليه بعينين يملأهما حنقٌ وانكسار وقلت بصوت مرتجف : - لا .. أنت لم تفهمه خطأ .. أنا من فهمه خطأ .. أدرت وجهي عنه قبل أن يرى دموعي وقد بدأت تنزل , وهو يقول لي : - يا فتى المعطف .. خذ المعطف .. حاولت تمالك نفسي بين الضجيج من حولي .. ولكني فشلت .. إييييه .. ما بك ألا ترى ؟؟ ... انتبه يا هذا .. كلماتٌ هنا وهناك لم تتجاوز مسامعي .. أخذت بوضع يديَ مستنداً على كل مقعد مخافة أن أقع .. وما عدت أتبين وجوه من حولي من فرط دموعي .. كل ما أبصره بعض ملامح باهتة لممرٍ كنت أمشيه منذ لحظات إلى أن وصلت إلى مقعدي دون أن أدري كيف وصلت .. جلست عليه بمفردي و أشحت بوجهي عن مكان جلوسه .. أمسح أطراف عيني محاولاً إسكاتها ..و لم أعد أشعر بأي برد .. بل كانت حمماً تجتاح جسدي كله .. آآآآآه .. ما الذي حدث ؟؟ ما الذي حدث ؟؟ لماذا رحل هكذا دون أي كلمة ؟؟ ألا يستحق ما كان بيننا وداعاً لائقاً ؟؟ ما أظلم ما صنع .. أخذت أتخبط بين جميع الصور , وأجد نفسي ضائعاً بين كل ما حدث .. أهي سخرية الأيام منا .. أم أننا من يسخر من بعضنا البعض ؟؟ ما كنت أعرف أن وقتي قد تمزق لحظة إصراري على البقاء .. قد شطرت قلبي مناصفةً لي وله .. وتجاهلت محطتي من أجله .. ولكني لم أعرف أنني ضيعت أكثر من ذلك .. قد ضيعت نفسي لما تعلقت بأطراف الوهم .. أما هو فقد مضى في طريقه دون جزع أو ألم .. يا لقهري .. لا ألوم غيري .. فلا ذنب له أن قتل سعادتي برحيله .. بل كانت حماقةً مني .. توقف القطار عند آخر محطاته .. ونزل من بقي من الناس .. أما أنا فبقيت وحدي لاأزال أصارع كل ذكرياتي معه .. وكأن هذه الرحلة رحلة عمرٍ بأكمله .. تمنيت لو لم أعرفها .. فما أصعب أن تحصل على سعادتك .. وما أسهل أن تفقدها .. كان عامل القطار صاحب العصا يتفقد المقاعد ومن لم ينزل منها .. فلما رآني اقترب مني وجلس بجانبي وقال بصوت متألم وكأنه شعر بي : - يا فتى .. انزل لم يبق غيرك .. هيا .. هذه آخر محطة .. نظرت إليه وآثار الدمع مازالت في عيني - نعم ..لا بد أن أنزل .. لا بد أن أرجع .. وقفت متثاقلاً على أقدامي .. وأدرت ظهري إليه متجهاً إلى البوابة .. فأحسست بيدٍ حانيةٍ تمسح على كتفي ... أنه هو .. نعم هو .. هذه يديه .. لم ينزل من القطار بعد .. أدرت وجهي متلهفاً لصاحبها .. فوجدتها يد عامل القطار وهو يبتسم لي ويقول : رحلة سعيدة.. تمت..... |
الساعة الآن 05:00 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.