منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   المقهى (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=19)
-   -   يبلغ لمن يهمه الأمر (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=44)

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:14 PM

يبلغ لمن يهمه الأمر
 
مساؤكم جوري
بعض المشاركات و النصوص حفظت في المجلة و بالتالي أنسخها لكم و من لديه نص فلينسخه من هنا و ينشره في المنبر المناسب
مع كل المحبة و التقدير لمحبتكم لمنابر الضوء

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:15 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
أيها العـربي كفـاك/ ناريمان الشريف
منبر المقال


ناريمـان الشـريف


أيها العربي ..


وأنا أغترف غرفة من طريقك الوعرة .. ومن وحولة أوعيتك أقتطر قطرة .. وأصبـّها سائلة بحبر أسود على هذه الصفحة
أوجس خيفة .. وأحس بيأس ينهشني بشهية . ويلتهم ما تبقى من أمل
أراك مذعوراً يخاف نفسه ..
لم لا وأنت تبرز عضلات مصقولة بمساحيق غربية ..
أراك كالزليق .. سهل الخدش .. وتحكي ما يليق وما لا يليق ..
ليال غطشاء من عمرك الطويل مرت وأنت لا زلت تسير في ركب الجمادات في مناقب وعرة
تصفيق .. لهؤلاء وهؤلاء
تصطحب وإياك أناساً من ماركة أعوذ بالله .. المنسوبين لنادي التائهين بلا هدف .. لا داخل لهم ولا خارج
تجتمعون معاً على قمة أفرست .. بعضكم تآكلت بداخله منابت العروبة
وبعضهم يصقرون النار ..
وتصقرون النار معاً
تحتفلون بيوبيل النكبة .. يتصاعد الدخان .. فتحتسون الكؤوس على نخب المصيبة وتشربون بصحة الذل والنذالة ..
تجتمعون على بساط أحمدي من شدة الاحساس بالوحدة.. وغوافص الدهر تكالبت عليك .. وتأبدت نزوات بعضكم .. ومع هذا تجتمعون
مسكين أيها العربي
أراك تستدفيء بدخان الوعود البراقة... والغرب يبكسك يوماً بعد يوم ..
ينفثون الغدر من صدورهم وأنت تتنشق ما تحسبه عبيراً .. وإنه والله لعبير المؤمرات
ولا زلت تغتطي بحلة لا تكاد تستر لك عورة ..
وتحاول بين القرن والقرن أن تزدلم الجبن من أساساته بشهقة صمت غبية يليها استنكار أعرج
وإن تكلمت .. فبما لا يليق ..!
ولم تزل سهل الخدش كالزليق .. السوس يقضي على ما تبقى من شجاعة بداخلك.. والحمق مركوم على جنباتك ولا صريخ لك ..والويل لك
الويل لك .. حين تبرقشت ملامحك لتصبح خليطاً عجيباً من الجنسيات .. وتؤمن بملل شتى
متعددة المنابت والأصول .. بل تصبح قوماً .. رئيساً ومرؤوس .. أجيجهم يعلو قبل البداية
وقبل إطلاق رصاصة البدء بالانطلاق .. تصطك أصواتهم ببعضها .. كل منهم يدعي أنه أتى الأمر من مأتاه !!
يا لسخفهم !!
الحديث أبتلهم .. النقاش أسقمهم .. فعن أوراق معدة مسبقاً يقرؤون ما يمليه أسيادهم عليهم
وأخيراً
تأدد الأمر فيما بينهم
واختلفوا.. أي نوع من اللحم يطبخون ؟
وغطفطفت قدروهم من شدة الغليان ترمي ما بداخلها .. ويحكي الخدم للعالم قصة الصرع
مسكين أيها العربي ..
كنت وكنت وكنت .... ولكنك .. اليوم ماذا دهاك ؟
الغربي يلغف عليك بكلام ملموم .. يتهمك بالتخاذل .. وأنت تقدم له الدليل بأنك لست متهم فحسب
بل مدان حتى العظم.. تتقلب على جمر الدولار .. وأخيك مخمور بالتوابل الأوروبية ..
وفي ليال قمراء .. ذرات الوهم البطولي تقتحم جمجمتك .. فتظن نفسك سيد المقاتلين فتبرز عضلاتك .. لتقاتل عدوك ...و
لكن شجاعتك تتردى وتتجه حيرى صوب الأفول... يا للخسارة
وتستجمع قواك من جديد .. وتقتحم بيت أخيك .. وتأبه عليه .. وتظن أن طريقك متلئبـّاً .. وتبقى مزمجراً لسوء المنقلب


الآن .. فقط
تنبلج من أعماقي فكرة لا طعم لها ولا رائحة .. أحاول أن أمسكها عن
الانبلاج .. ولا أستطيع
ابتدأت أتقيأ القرارات والتقارير .. والأنباء ..
كيف لا ؟ وأنا أستمع لتصريحات لا أول لها ولا آخر .. إخوة تتصارع تتناطح .. والعالم يتفرج
والعدو يلعق شفتيه ويتنهـّد تشفـّياً بهذا الصراع
فإلى متى ؟



عربي ...
أراه الآن خارجاً مولولاً مطأطيء الرأس يندب حظه
يواسي نفسه بأنه من خير أمة أخرجت للناس .. وهذا حسبه !!!


......الى هنا
مع تحياتي ... ناريمان الشريف

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:16 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
أمي .. متى ستأتين ؟!

فاطمة حداد



تحت سماء تتوسّل الأمل .. و على أرض تشتكي الغياب .. و في مكان يلتهمه البعد .. و

يشقيه البكاء , أسكنني فقدها , كجذع نخلة خاوية .. يهزني رَطب كلماتها .. و يتكئ

عليّ بريق عينيها .

فراغُ فقدِها يتساقط عليّ قطراتِ وجدٍ حارقة .. تنتشي بي لحظة ذكرى .. فأغدو حقول

شوق بغير سياج .. ذراعيها كانتا سياجي المنتصب أمام هيجان العواصف ..عواصف شتات

تقتعلني لحظة يأس .

هي سطري و هي حرفي .. تحادثني تارة , فأنسكب أنا على دفتري .. قصيدة حنين

مبللة بندى الياسمين .. و تهمس لي تارة لأغدو طائراً وقتَ تساقطِ المطر , قد ابتلّ غناؤه و

ريشه بحبات المطر .

أمّي .. مدّي إليّ يديك و افتحي لي بوابة النور ..فوحدك سماء وحدتي .. ووحده قلبك

بستان جنوني.

أمّي .. ازرعيني سنابل قمح كأهداب عينيك .. و انثري عليّ حفنة من نور قلبك ..

اجعليني خيطاً بذيل ثوبك .. و ردي عليّ صدى صوتي من بين جفنيك .

أمّي .. هاهو الجليد يذوي .. و هاهو المطر يجفف بلل قطراته .. و ها هي الأزاهير تهمُّ

بصرختها الأولى من الأرض الحبلى بها .. و لمّا تأتي !

أمّي .. البحر الساكن ورائك , قد أعلن ثورته .. و الأفق المختبئ بين كتفيك قد أفلت

شمسه .. و لمّا تأتي !

أحنّ إلى خبز أمّي .. و قهوة أمّي .. و لمسة أمّي .. أغنيها لك كل مساء .. و أرتل في

الصباح , أمّي يا ملاكي .. يا حبي الباقي إلى الأبد .. و تمضي بي الطفولة يوماً على

صدر يوم و لا تزال يديك أرجوحتي .. و لمّا تأتي !

رائحتك التي ملأت أنفاس المكان .. تلاحقني في كل زمان .. وجدتها اليوم في أغنيتي

الحزينة .. تتسلقني من أقدامي حتى مقدمة رأسي , كالياسمينة .. تبحث عن ظلك المشتعل

بدمعاتي .. و لمّا تأتي !

أمي .. أناجيك أن تأخذيني إليك .. فبغيابك , تهاطل الضباب على مدني .. و انطفأت

شجرة النور في صدري .. و ما أتيت .. فمتى ستأتين ؟!!

بقلمي المشتاق إلى أمي هذا المساء .. و كل مساء

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:16 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
المدينة الخضراء/ سلمى الغانمي
منبر النصوص الأدبية و الفلسفية






لكل الناس باختلاف الطبقات واللون والنوع والأجناس , مسموح لهم الدخول دون تأشيرة

جواز .. دون ضرائب .. ودون ركب أي من المواصلات , قريبة جداً , تأخذنا بعيداً .. بعيداً ,

وأول ما نُبعد عنه الواقع ؛

مدينة تتيح لك ما تريد , لدرجة أنك ترسم الطرق والشوارع , وتختار من تريد إن يكونوا

بها , أحباب .. راقون .. وأنقياء , في ملامحهم شعاع نور .. في ألسنتهم تغاريد .. وفي

محياهم طرد العبوس ؛

أنا لا أتكلم هباء , لا أحلم , هي موجودة بالفعل , وكل ما واجهت باب مؤصد أمتطي

صهوة جواد كل البشر يمتلكه فدخلتها سلاما .. سلاما ؛

ضحكت في حزنها .. وضحكت في حزني , ليس ألا أن الحزن بها بمثابة درجة الفرح في

واقعي , حققت كل الأمنيات وأهديت الأحلام ما تستحق على أرض الواقع , شكلتها ..

وزعتها .. وبنيت لها منارات مضيئة بإسمي .؛

مدينة أوربية فقط في جمال الطبيعة , سماء صافية , أرض خضراء , من بين أقدامك نهر

جاري عذب , جُل فصولها شتوية ربيعية , كل هذا يبدو لمجرد أنك تحتضن بها يديك يد من

تُحب فتتبادر ألوان القوس قرح .؛

تسعى الصباح في نشوة وتكمل مسيرة الأمنيات وقد آمنت بقربها .. تنتظر النهار على

مهل لتعود والهاً لمحيا محب يُقبّلك مفرد ذراعية , ومعاً حتى المساء على وثير أغان هادئة

وحديث يوميات تسقي حاضر لينبت مستقبل دون خوف .؛

كُل ما بها جنة , حكومة وشعبا .. أصحاب وأحباب .. أسرة ومؤسسات , رفاهية عالية ,

كلهما يحملون نواة تبعث السعادة , جميعهم يسارعون لإلتقاط دمعة متوقعة لم تلد إلا

لنتاج فرح برؤية حلم آخر تحقق ,

زغزغة العصافير تبرح بكل التفاصيل , تجوب مائلة مرة .. ومرة ترتفع عالياً ترى أننا

نراها فتتمايل كثيراً وتبدع بأجنحتها مهارات أخرى , يشاركنا الهتان والرمال الباردة

المبتله التي لا تشكل نصف الربع من مساحة خضراء ممتدة على مدى النظر .؛

هذه المدينة لا تحتاج بها لركل كل من ينظر للآخر بإستصغار , لأنها بالأصل لم نضيف لها

من هذه الشاكلة ودون .؛ فلا قلوب أكثر أنصافها سوداء .. لا عيون قاصرة .. لا ملامح

تمتهن الكآبة .. ولا نفوس عالية على من حولها .؛

لا أمنيات على وقف التنفيذ .. لا أحلام شتان بينها وبين الواقع .. ولا عواطف قد خمدت

ثورتها .. لا عقول ملغية وظائفها .. ولا علم مصفف بالأرفف .؛

أبتسم كثيراً كلما دخلتها , لا ينعتون بالجنون عندما أحُدث نفسي , أعشق الوحدة بها ,

لكن لا تفوق عشقي لمن يشاركونني جمالها ,

سيأتي لي هُنا من يقول لي "مثالية أفلاطونية" , وأقول له في حديث سابق قلت

وسنلتقي في آخر .. والآن فقط .. فقط ,

ماذا لو عشنا دون نعمة الخيال ؟ المدينة الخضراء لكل جسد كينونته أرض بوار ..!!!

طاغية الخضرة , عظيمة المساحة , جنة الأحزان , وحبيبة الأحلام , نحن من نخلقها ونُسير

من نشاء بها , لا تحتاج إلا استلقاء هادى على أقرب أريكة وأبدأ التحليق .؛



سلمى الغانمي
22 ذي القعدة 1430 هـ

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:17 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
قبر من عسل!!
--------------------------------------------------------------------------------
صهباء محمد بندق
منبر النصوص الادبية و الفلسفية



الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا .. حديث شريف

لا يعرف الناس هذه الحقيقة إلا في مرحلة متأخرة من العمر ..

في لحظة باهرة ينكشف الإنسان فيها تماما ..

فكشفنا عنك غطاؤك فبصرك اليوم حديد ..


فيرى أنه أمضى عمره يدور حول أمل تارة ..

وحول خوف تارة ..

أو حول حب تارة أخرى ..

ويرى أن كعبته التي أمضى عمره يطوف حولها ..

هي التي سلبته الرؤية ..وأفقدته التمييز ..

وأن فتنتها الطاغية كانت تجذبه من كل عواطفه


لتلقيه مكبلا في جوفها

..كالنحلة التي يجذبها العسل

فتظل ترقص حوله حتى تسقط

في قبر من العسل ..!!

والإنسان يشبه كثيرا تلك النحلة

التي دفنت في قبر من اللذة ..

لكنه في النهاية قبر ..

وعندما يشعر الإنسان فيه بالاختناق والعتمة ..

يعلم أنه هو الذي جعله معتما ..

وهو الذي جعل جدرانه تضيق عليه ..!!

انظر إلى حياتك كل يوم ..

انظر ولو مرة واحدة ..

وسجل ما تراه ..

لا تخجل إن رأيت قلمك يرسم نحلة تخلت عن سربها ..

وأهملت عملها ..وأمضت عمرها ..

ترقص حول العسل !!

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:18 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
من كفيك تشرق الشمس


أحمد صالح
منبر بوح المشاعر



رأيت الشمس في يديك فأشرق قلبي

الآن هو وقت الفجر .

هدوء يكتنف المكان رائحة عطرة تغمر الصمت المخيم على كافة الأنحاء

أرواح تحوم حول بؤرة العشق السرمدي و تأتي مزدانة بنجوم من نقاء

امتطيت خيل خيالي الجامح في الأجواء

و ركضت مسرعا لألحق بهذا الحفل الأسطوري في الساحة الحمراء

ما يزال الشوق ينثر وروده في كافة الطرقات

الخيل يتمايل كراقص باليه ماهر يتقن الفالس الرقيق

و أنا من فوق صهوته أصهل بصفير لحن فرنسي الرنين

و مازالت سنونوات الحب تسطر أغاريدها على أوراق الأشجار الخضراء

الكل يقف من حولي كأنهم يصطفون لاستقبال فاتح من العصر الروماني

و الحور منثورات في المكان

يصدحن بصوتهن الرخيم أنغام على هذه الأوركسترا العازفة

للحن طالما افتقدت سماعه إلا في خيالي القديم

حين كنت أهفو لخيالك النور في ظلام الجليد

و الآن بعد أن اكتنفتني يديكِ

و أحسست الدفء في ناظريك

وجدت أني أسير في مهرجان الشروق

حين وجدت قلبي يشرق جوار الشمس

و رأيت الشمس من يديكِ تأبى الخروج

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:19 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
طاقة تقدير .. للمرأة العربية


د . لطفي زغلول
منبر المقالة


بداية لا بد لي في يوم المرأة العالمي ، أن أبعث ببطاقة تقدير وإكبار للمرأة العربية

بعامة في كل الجغرافيا العربية احتراما لدورها المقدس ، باعتبارها قلب المجتمع العربي

النابض في كل الإتجاهات . وهنا فإنني أخص المرأة الفلسطينية بتحية إكبار وإجلال

لكفاحها وصمودها وتضحياتها المستدامة ، وهي تتصدى لأعتى التحديات الإحتلالية

وأشرسها . أحييها أما ، زوجة ، أختا ، بنتا ، ربة بيت ، عاملة ، طالبة علم ، أسيرة في

معتقلات الإحتلال . وأدعو الله أن يتغمدها برحمته الواسعة شهيدة مأواها جنة الرضوان .

الثامن من اّذار / مارس من كل عام . إنه يوم المرأة العالمي . وهو يوم في حقيقته مكرس

لإبراز منظومة التحديات التي كانت ولا تزال شرائح عريضة من نساء العالم يشعرن أنهن

يواجهنها على كافة الصعد الحياتية ، وفي المقابل استعراض إنجازات ومكاسب حققتها

المرأة على مدى عام منصرم ، أو أهداف ما زالت تسعى لترجمتها على أرض الواقع ، وقد

وضعتها نصب أعينها بغية تحقيقها .

والواقع أن هذا اليوم يخص كل النساء في العالم ، ويبحث قضاياهن المختلفة بصورة عامة

، والمرأة العربية تحتفل به كونها جزءا من المنظومة النسائية العالمية . وليس ثمة ما

يحول دون الإحتفال به على المستوى العربي بعامة ، والفلسطيني بخاصة مع الأخذ بعين

الإعتبار خصوصية المرأة العربية .

إنه ليس بالضرورة أن كل ما تعانيه ، أو تحلم به وتسعى المرأة الأوروبية أو الأميركية ،

أو سواهما إلى تحقيقه من أهداف يمكن أن ينطبق بحذافيره على المرأة العربية في

العالم العربي ، حتى وإن كانت بعض المشكلات والأهداف قد تقاطعت ، فلا يعني هذا أنها

كلها تتقاطع ، نظرا لاختلاف مخرجات الفلسفة العامة التي تدين بها المجتمعات الإنسانية

المختلفة . وفي اعتقادي أنه من السابق لأوانه الحديث عن مظلة العولمة الشمولية في هذا

الصدد .
إن الواقع العربي فيما يخص المرأة العربية يفرض أن يُفرز لها يوم عربي خاص بها تحتفل

به بغية إبراز قضاياها مباشرة في قلب الساحة العربية ، وليس على هامش احتفالات العالم

بهذا اليوم ، ولا يعني هذا عدم المشاركة فيه . ومرة أخرى لا يعني هذا الطرح الإقلال من

قيمة المرأة العربية ، أو الإنتقاص من قدرها لا سمح الله ، وإنما تهيئة ساحة عربية خاصة

بها وبقضاياها في عقر العالم العربي ، وبين مواطنيه أصحاب الشأن .

وبداية يجب الإقرار أن هناك قضايا ساخنة تخص المرأة العربية بعامة ، والفلسطينية

بخاصة لا ينبغي السكوت عنها ، أو الإلتفاف عليها ، أو حتى تجاوزها . ولعل أهمها

وأخطرها أن لا يظل المجتمع العربي مجتمع رجال فقط ، وهي قضية تخضع للمتغيرات في

العالم العربي ، وتسير في اتجاه إيجابي مقارنة مع فترات سابقة .

في هذا السياق ، لا أحد ينكر أن المرأة العربية ، قد حققت إنجازات ومكاسب كثيرة في

العديد من المجالات . إن المرأة العربية قد أخذت تنطلق إلى آفاق لم تكن تتسنى لها في

السابق . وهي انطلاقة تقضي ولو شيئا فشيئا على بؤر التباين والتفاوت في المكانة

والحقوق العامة بينها وبين الرجل .

وجراء تطور في النظرة العامة للرجل العربي تجاه علاقته بالمرأة على خلفية عدة

اعتبارات : أهمها التعليم والمكتسبات الثقافية واتساع مساحة الوعي العام ، وبهذا الصدد

لا يمكن التغاضي عن منظومة الموروث العقائدي الذي تلعب دورا هاما هي الأخرى فيه .

وهنا لا ينبغي التركيز على الرجل ، باعتباره العنصر المانح تأشيرة مرور للمرأة ، دون

ذكر إنجازات حققتها المرأة العربية في مجالات التعليم والثقافة والوعي العام لحقيقة

شراكتها ، ودورها في تطوير المجتمع .

إذ لولا هذه الإنجازات لظلت المرأة العربية حبيسة جدران التخلف التي كانت مفروضة عليها

ردحا من الزمن ، وتحديدا فيما يخص الحقوق السياسية كحقها في تقلد المناصب السياسية

في مؤسسات السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية . فنضال المرأة هنا مشروع

ويفترض ألا يعترض عليه أي معترض ، ومع ذلك ننوه أن المرأة العربية لا تشكو وحدها

هذا الوضع بل هي ظاهرة ملحوظة حتى في أرقى دول العالم المتحضر .

في مجمل حقوق المرأة بشكل ، عام فلا ينبغي أيضا تناسي أن للمرأة وضعا فسيولوجيا

يحد من قدراتها مقارنة بقدرات الرجل ، ولكن بشرط أن لا يصل الأمر إلى التفرقة في

الحقوق الأساسية ، أو إلى حد حرمان المرأة العربية من حقوقها السياسية كاملة . وبهذا

الصدد ثمة مقولات كثيرة مشكوك بالنوايا التي تقف خلفها والتي تتمثل في اللمز والغمز

على كل ما هو شرقي يمس بمكانة الرجل العربي أو الشرقي بشكل عام .

إن القضية لا ينبغي أن ينظر إليها من زاوية أنها معركة بين الرجل والمرأة . إنها ببساطة

متناهية منظومة حقوق مشروعة ، يمكن للمرأة أن تحصل عليها بأساليب متحضرة تكفلها

لها مستويات معقولة من التطور العلمي والثقافي . وهنا يتبادر سؤال ملح : لماذا يظل

العلم حجة الرجل في الإستحواذ على كامل الحقوق ؟ . إن العلم بالنسبة للمرأة هو سلاحها

للخروج إلى الحياة ، وعليها أن تشهره .

وهنا لا بد لنا أن نطرح بعض ما يفترض في اعتقادنا أن تكون عليه العلاقات بين الرجل

والمرأة في مجتمعنا العربي بعامة والفلسطيني بخاصة . فقضية حقوق المرأة لا ينبغي

لها أن تكون بأية حال من الأحوال مدعاة للتمرد أو التحريض المستندين إلى صراع على

خلفية جنسوية ، أو أن تكون تستهدف إبراز السلبيات دون الإيجابيات .

واستكمالا فليس بالضرورة أن ما تشعر به شريحة من النساء من" قهر وقمع " يمكن

تعميمه وتطبيقه على كل النساء . وفي اعتقادنا أيضا أن قضايا المرأة لا يمكن أن تحل

في معزل عن الرجل في جو من التشنج ، أو التعصب اللذين لا مبرر لهما والقائمين على

سياسة شد الحبال ، تغذيها جهات تتخذ من التعصب النسوي " الفيمانيزم " منهجا لها .

إن الحل هنا يفترض به أن يكون مشتركا ومبنيا على أسس من التفاهم . وهو بطبيعة

الحال تدريجي ويخضع للمتغيرات الثقافية والتربوية والتعليمية والإقتصادية والتوعوية

بشكل عام ، ومنوط بما تستطيع المرأة أن تحققه من إنجازات على أرض الواقع وعلى

كافة الأصعدة تثبت من خلالها قدراتها وكفاءاتها .

وهنا لا ينبغي إغفال نقطة هامة وحساسة للغاية ، تخص علاقة المرأة العربية بالمرأة

العربية . ففي كثير من الأحيان كانت المرأة سببا مباشرا لخذلان المرأة ، وعدم انطلاقها

إلى تحقيق أهدافها . ومثالا لا حصرا ، في قضية الإنتخابات ، والترشيح لعضوية المجالس

التشريعية ، أو النيابية ، حيث كان بالإمكان أن يكون لها من خلال حضورها دور فاعل

وحاسم في سن تشريعات وقوانين تناصر حقوقها .

ومع ذلك نؤكد هنا على حقيقتين . أولاهما أن دور المرأة الثلاثي الأبعاد المتمثل في

كونها زوجة وأما وربة بيت ، ومدى نجاحها فيه هو الأساس في مكانتها العامة دون أدنى

معارضة لمساهمتها في أطر القوى العاملة المنتجة الأخرى . وثانيتهما أن ما حصلت عليه

المرأة العربية خلال نصف القرن الماضي مثير للإنتباه ، ولا يمكن الإقلال من شأنه أو

أهميته ، والأهم من ذلك أنه غير متوقف عند حد من الحدود ، وأن مساحته العامة آخذة

بالإزدياد والتنامي مع الأيام .

إن معيار القوى الجسدية الذي كان يميز الرجل عن المرأة ، قد فقد مفعوله جراء كثير من

المتغيرات الحضارية ، ذلك أن ثمة قوى أخرى عقلية وإبداعية تلعب دورها ، ولا تميز في

جنس مبدعها ذكرا كان أم انثى . وتظل المرأة هي العنصر الأهم والأخطر والأشمل في

تربية الأجيال وتنشئتها وبخاصة الذكور منها .

وتظل بصماتها التربوية مطبوعة على ذاكرة هؤلاء الذكور ، وتتحكم في سلوكاتهم تجاه

كثير من الأشياء والمواقف والأشخاص . وأخيرا وليس آخرا ، إن المرأة العربية تستحق أن

يكون لها يوم عربي خالص يؤكد على عروبة قضاياها ووحدتها قبل عالميتها .

كلمة أخيرة . في يوم المرأة العالمي ، نتمنى أن يكون للمرأة العربية يوم عربي على

الأجندة العربية ، تكرس فيه فعاليات مساندة لكفاح المرأة الذي يجب أن يشارك الرجل

فيه ، بغية رفع مستواها في كافة النواحي ، ولجعل احترام حقوقها ومكانتها ثقافة

تسود المجتمعات العربية .

وهذه الثقافة لا يتسنى لها التكريس ، ما لم يبدأ بها من المرأة ذاتها . فهي الأقدر على

نشرها ، كونها هي العنصر الرئيس في تربية النشء ، وتشريبه القيم والإتجاهات

الصحيحة . ونحن هنا لا ننكر دور المدرسة والمناهج التعليمية ، ولا دور كل شرائح

المجتمع المثقفة .

إن المرأة هي روح المجتمع ، وبدونها يصبح المجتمع أحادي القطب . وبمعنى آخر فإن

تطور المرأة هو الذي يقضي على آفات التخلف ، ذلك أن المرأة شئنا أم أبينا هي

المقياس والمعيار الأساسيان لتقدم المجتمعات البشرية .

والمرأة قبل هذا وذاك هي الأم والأخت والإبنة والزوجة والحبيبة . وهي الجمال والرقة

بكل معانيهما وأشكالهما . وكل عام والمرأة العربية بخير وتقدم وازدهار ، والمرأة

الفلسطينية قد تحرر وطنها من الإحتلال البغيض ، وحققت كل ما يصبو له من سيادة وحرية

وتحقيق أهداف في ظل دولة عاصمتها القدس الشريف ، والعودة إلى الوطن .


مقالة في يوم المرأة من د . لطفي زغلول

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:19 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
ألواح اغترابي

صباح الحكيم



لَوْ كَانَ لِيْ وَطَنٌ

لَمَا افتَرَشتُ في الطُرقاتِ ظِلَّي

أَوْ رَقَصت فوق أرصفة التَباكي

أهذي كالمجنون مبعثرة الخطى

أنزف في الركن حزني

ناسياً لون الكرى
*
لَوْ كَانَ لِيْ وَطَنٌ

لَمَا تبعثرت أشلاء أشلائي محطمة الأمواج فوق نحري

أوبتُ انقش الأوجاع همسا ناعما

أتلوه كالصلوات في محراب شعري

أو أرسم الأوهام حلما

فوق آهات المدى

ينزفه حرفي
*

لَوْ كَانَ لِيْ وَطَنٌ

لَمَا رحلت في مدار الأفق سعيا ارتمي فوق اغترابي

أتبع الأحزان أجثو في عذابي

ليت أني قد طمرت بين أشلاء الأحبة

أجرع حر القيامة

ليت أني اشتعلت في حطامه
*

لَوْ كَانَ لِيْ وَطَنٌ

لأثنيت السماء كل وقتي راجيا ربي ليمنحه السلامة

أو صرت كالرهبان اجري في الربا

أحصن الأسوار حرزا من دعائي

كي يجوب الحب نورا في سمائه

حافلا بالأمن آية
*

لَوْ كَانَ لِيْ وَطَنٌ

لصرت في رأس المخاطر

أحفر العدل بقانون السماء

أحتويه كل أنواع المحاذر

أشرع الحق نظاما عن لسان البائسين

في ثغر ثائر
*
لَوْ كََانَ لِيْ وَطَنٌ يلملم دمعتي الحيرى
يخيط تفتقي الكبرى
يرمم صلب آلامي
لَمَا أسبغ الوجع يسري في رصيفي
يشعل النيران حين يرويني السحاب
*

لَوْ كَانَ لِيْ وَطَنٌ

لصرت همسة تغفو على ثغرِ اليتامى

لحظة الغيث على خد الجراح

لارتميت فوق صدر النهر

أغسل الأشجان

أرويه ارتواء

لاحتضنت الأرض ادفني هناك
*

لَوْ كَانَ لِيْ وَطَنٌ

لأخبرته كيف أني العق الحزن نديا في الشظايا

أركُضُ المجهول دهرا

لا أجدني غير أسراب طيور إذ تحوم لا نهاية

أمشي والمجهول بعضي

قد يدور في فصولٍ قشرت منه البداية
*
لَوْ كَانَ لي ركنٌ بسيطٌ منك يا وطني الجريح

يقبل كومة عظامي في رباه

كي أجوب في هواه

أرتأي ما يرتأيه منه حظي

ليس اكبر

وأجاري طيف ظلي

واقرُ الوهم بالوهم يقينا

و أجوب في ترابي

وأيمم منه وجهي

و أغطي الطين جسمي

ساكنا نحو السماء

خذني فيك يا حبيبي

قبل أن تجرفني ألواح اغترابي

في ديار الغرباء

خذني قطعني حروفا

فوق أشلاءك أنحتني

عراق

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:20 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
ستار أكاديمي .. ثقافة مرفوضة


د . لطفي زغلول


www.lutfi-zaghlul.com




ستار أكاديمي واحد من برامج تلفزيون الواقع الذي لاقى رواجا في الغرب ، واصبح له

شعبية واسعة ، كونه يعكس صورة عن مخرجات الثقافة الغربية المتحررة ، وفي احيان

كثيرة تلك الخارجة عن الحدود باسم العصرنة والحداثة والحرية . وكالعادة فان كثيرا من "

الصرعات والتقليعات " الفنية والثقافية والاجتماعية الغربية قد وجدت لها بين ظهرانينا من

يروج لها ويسوقها ، وحجتهم في هذه الايام انه عصر العولمة ، وان كانت هذه العولمة

لها مسار واحد واتجاه واحد فقط صوب العالم العربي الاسلامي .

وستار أكاديمي الذي تعرضه حاليا احدى الفضائيات الناطقة بالعربية من لبنان للسنة

السابعة على التوالي هو " نسخة معربة " عن الاصل الفرنسي . وهو برنامج ربحي يعتمد

اعتمادا كليا على مصدرين تمويليين هما نصيبه من ريع المكالمات الهاتفية والرسائل

القصيرة " ٍ" sms ، وما تدفعه الشركات الراعية للبرنامج لقاء الدعاية الاعلانية لمنتجاتها

، وقد يكون هناك مصدر ثالث له غاياته واهدافه . وقد خصصت لهذا البرنامج قناة فضائية

تبث على مدار اربع وعشرين ساعة في اليوم .

وبداية ، فقد وجد هذا البرنامج له سوقا رائجة في العالم العربي ، وبخاصة بين الفئات

الشبابية ، كونه موجها في الدرجة الاولى لها ، وكون العالم العربي يعيش فراغا ثقافيا

انتمائيا جراء " سياسات " تربوية واجتماعية وثقافية مفروضة عليه فرضا ، وكونه

مستباحا من قبل عشرات القنوات الفضائية التي انتهكت مساحة شاسعة من محرماته

ومحظوراته الاخلاقية والقيمية ، واستهدفت عاداته وتقاليده واصالته وتراثه .

إنه برنامج لا يمت إلى واقع الفئات الشبابية العربية بصلة . هذه الفئات الساعية الى

تأمين لقمة عيشها بكدها وشقائها . انه يختار شبابا تتجسد هواياتهم بجمع السيارات

الجديدة ، وارتداء الملابس الموديرن ، واختيار العطور الفرنسية الأحدث ، وإحياء السهرات

المختلطة القائمة على الرقص والغناء الغربي .

أما الفتيات اللواتي يختارهن هذا البرنامج فإنهن متحررات ، ويبدو هذا جليا في نوعية

الملابس شبه العارية والضيقة جدا والقصيرة الفاضحة التي ترتديهن ، مضافا إلى هذا

تبرجهن ، ونزولهن إلى المسبح وهن ترتدين ملابس السباحة ، وجرأتهن في التعامل مع

الشبان داخل الأكاديمية والتي تصل إلى حد المعانقة والمخاصرة والتقبيل .

وبكل بساطة ، فما سبق ان شاهدناه ونشاهده في هذا البرنامج يدفعنا للتأكيد بانه

ينتمي الى ثقافة دخيلة مفروضة على العالم العربي الاسلامي ، وبالتالي فهي مرفوضة

حفاظا على ابنائنا وبناتنا الذين يفترض بهم ان يكونوا متسلحين بقدر معقول من ثقافة

امتهم واصالتها بهدف تعزيز هويتهم الانتمائية لها ، دون فرض أي انغلاق عليهم او

تقوقع . وثمة فرق هائل بين التأثر بالتيارات الثقافية الرزينة والرصينة البناءة والهادفة

والمربية وبين التيارات الاباحية الماجنة التي تقتلع من الجذور وتعري من الجلد .

ولسنا في هذا الصدد نتجنى على هذا البرنامج ، او اننا نصفه بما ليس فيه ، او اننا

ننطلق من تعصب اعمى ضد الثقافة الغربية التي يمثلها ، او اننا نعارض " التلقيح

الثقافي " شريطة ان لا يكون " سفاحا " ثقافيا . وهنا فاننا ننوه الى ان هذا البرنامج قد

ووجه بانتقادات شعبية في كثير من الاقطار العربية وآخرها الجمهورية الجزائرية رغم انها

هي الاقرب الى الثقافة الغربية ، والاوسع انفتاحا عليها من أي قطر عربي آخر .

لقد اقدمت الحكومة الجزائرية في حينه على ايقاف بث هذا البرنامج بتدخل من رئاسة

الجمهورية الجزائرية نظرا – وهنا اقتبس – " لكونه يخدش الحياء ، وما ظهر جليا في ردود

افعال المواطنين الذين اطلقوا نداءات استغاثة لكل الغيورين على حرمة المجتمع

الجزائري .

وحقيقة الامر ان ستار أكاديمي يخالف سلوك المجتمعات العربية وعاداتها ، وينقل ثقافة

لا تعبر عن الثقافة العربية الاسلامية . وثمة الكثير الكثير من التجاوزات السلوكية

والتعديات الاخلاقية في ستار اكاديمي التي تفرض توجيه النقد الصارخ لها وعدم السكوت

عنها . ومثالا لا حصرا الملابس وطريقة اللباس التي تظهر بها الشابات ، فهي شبه عارية ،

ضيقة تبرز معالم اجسامهن بشكل فاضح ومستهتر .

واضافة الى هذا فان طريقة التعامل بين الشبان والشابات لا تخضع على ما يبدو لاية قيود

او حدود . فما يشاهد من عناق وتقبيل ومخاصرة ورقص وطريقة مخاطبة مائعة هي امور لا

يصدق انها تعرض علنا بهذا الشكل الفاضح السافر على اسر المجتمعات العربية المحافظة

بطبيعتها ، الا ان هذا هو الواقع الاليم .

والسؤال العريض المتعدد الجوانب والابعاد الذي يطرح نفسه في هذا السياق : لماذا ؟ وما

هو الهدف ؟ هل هي الحرية ، وهل تكون الحرية هكذا ؟ وهل هذه هي منظومة الحداثة

والعصرنة والتطور والرقي ؟ وهل هذا هو المقصود بالعولمة ؟ او ليس الاعلام رسالة بناءة

هادفة ، وهل من حقه ان ينتهك المحظورات الاخلاقية في عصر لا يمكن السيطرة فيه على

وسائله التقنية ومنها البث الفضائي ؟ اليس هناك وازع من ضمير ، ام ان الربحية هي

الهدف باي ثمن ؟ أم ان هناك اهدافا خبيثة اخرى موجهة ضد الاجيال العربية الناشئة

ترمي الى تفكيك عناصر مركباتها الثقافية الانتمائية ، وزجها في متاهات التفاهة

والتسطيح والخمول والضياع والتقليد الاعمى ؟ .

انها اسئلة مشروعة من حقنا ان نسألها . ومرة اخرى فنحن من خلالها لا نتجنى على هذا

البرنامج ، ولا نقف في وجه التطور والرقي الحقيقيين . وثمة سؤال آخر نسأله : اية فائدة

تجنى من هذا البرنامج ، وهل حقا انه يخرج نجوما يفتقر العالم العربي لها ؟ . ونجيب :

ان المتتبع لستار اكاديمي يخرج بنتيجة مفادها انعدام الابداع في " وجباته الفنية "

والتي لاتسمن ولا تغني من جوع . هناك فقط اجترار لاستعراضات فنية ، ولاغنيات معادة

لفنانين وفنانات معروفين . ليس هناك مبادرات ابداعية ، اللهم الا التقليد والتقليد فقط .

الا ان الاهم من كل هذا وذاك ان هؤلاء الشبان والشابات سوف يتساقطون الواحد تلو الآخر

كما تقتضي قوانين البرنامج ، ليبقى في النهاية واحد فقط يحصل على اللقب بطريقة

تصويت او باخرى تتحكم بها عدة عوامل لا تمت الى الفن بصلة ، تشتم منها رائحة "

التعصب القطري " في التصويت حيث الغلبة في كثير من الاحيان للمصوتين من الاقطار

العربية ذات الامكانيات المادية والتي تفتح باب التصويت العالي الكلفة على مصراعيه ،

وهذا امر لا يتوفر لآخرين ذلك ان الاقطار العربية ليست كلها على قدر واحد من الغنى .

ان العالم العربي يمر في هذه الايام بمرحلة انعدام الوزن والتأثير ، تتحكم بمؤسساته

الرسمية عقد النقص والشعور بالدونية امام كل ما يهب عليه من تيارات وصرعات ثقافية ،

لا يميز بين ما هو غث او سمين . لقد ترجل عن صهوة الابداع وارتمى في احضان

التقليدالاعمى ، والانكى من كل هذا وذاك انه خرج من جلده ، وتنكر لتاريخه المجيد

وتراثه واصالته . ويخشى لاسمح الله اذا ما استمر ت الحال على هذا المنوال ان تتقطع

جذوره ، وان يفقد صلته بكل منتمى له ، وان لغته العربية التي هي مستودع ثقافته وتميز

شخصيته تترنح في مهب اللغات الغربية التي قلصت مساحة انتشارها مثل صارخ على ما

نحذر منه .

ويخطىء من يظن ان الاستعمار قد انتهى ، ويخطىء من يظن ايضا ان الاستعمار هو

اقتصادي او سياسي فقط . لقد وجه الاستعمار الغربي رأس حربته منذ قرون ولا يزال الى

الثقافة العربية الاسلامية ، ذلك انها كانت تشكل على الدوام عامل الافشال الرئيس لكل

مخططاته ومشروعاته التي تهدف الى تصفية وجوده الفكري والثقافي .

ان الاستعمار الغربي - باسم الحريات العامة والتحرر والديموقراطية والعصرنة والحداثة

والتغيير والعولمة والتطور والرقي الى آخر ما في قاموسه هذا من مسميات - سعى جادا

وما زال يسعى الى استهداف الثقافة العربية الاسلامية كي تستتب له الامور ويصبح العالم

العربي تابعا استهلاكيا منقادا مشلول التفكير ، منقطعا عن ماضيه المجيد ، فاقدا لكل

قواه الذاتية والابداعية ، يدور في فلكه ويقتات على فتات موائده الثقافية .

كلمة اخيرة ، ان ستار أكاديمي ، وما تعرضه كثير من الفضائيات الناطقة بالعربية باسم

الفن ليلا نهارا على المشاهدين العرب ، دون ان تكون هناك ادنى مراقبة رسمية لها ، ان

هذا يشكل غزوا ثقافيا متجددا وباساليب حديثة ومغرية ، والانكى من هذا كله ان جنرالات

هذا الغزو ينتمون الى الامة العربية ، يسوقون هذه الانماط من الثقافة الغربية في

دكاكينهم . انها ثقافة تنتهك جسد المرأة وتستبيحه .

انها تسمم عقول الناشئة ، وتشعل في اجسادهم الغرائز الحيوانية . انها تقزم اهدافهم

وتحصرها في المتع واللهو والملذات والعبث . انها في المحصلة تشكل خطرا يصل في

مستواه الى درجة الوباء . ولهذا فهي ثقافة مرفوضة . ويظل الامل معلقا على اناس آمنوا

بربهم وبامتهم وتاريخهم وامجادهم ، لم يبيعوا انفسهم للشيطان ، يتصدون بكل قواهم

لهذا الغزو الثقافي .

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:21 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
أشياء


إحسان مصطفى

منبر النصوص الادبية و الفلسفية


مدخل :

(( جُرحٌ على خدّي وآثار حروقٍ تجتاح يديّ ! ولا زلتُ أفكر في كتابة أشياء ممنوعة ! ممنوعةٌ من وجهةِ نظر الطبيب على الأقل ، ممنوعٌ عنّي السهر لذا مُنعتِ الكتابة عنّي لأنها نتاجُ عدمِ النومِ وقلة الطعامِ وكثرةِ التفكير وشدّة الحزن ،

ومنعاً لعبثيّة السهر الطويل والتعمق في أدب الكتابة ، مسموحُ أن أشتري علبتي hypnotic وربما أتناولها مرة واحدة ذات انهيار ، ))









مقطع من رسالة مؤجلة بتاريخ مختلف :


(( بأيامنا الخوالي أبدأ ما انتهى ، وأرفض أن أكون كبقيّة من عرفتِهم ، أعاني الصمت كثيراً ،
لن أكتب أشياء ليست مني ..ولن أتفوّه بأي كلماتٍ لمجرد حاجتي للكتابة
لن أكذب على قلمي ، رغم أني أحاول أن لا أكذب عليهِ أبداً ،
سأتجرد من الكتابة التي اخذت مني الكثير ولم تعطني سوى ما أنا أفقده كل يومٍ من صحّتي وعافيتي كما يقولون ، وقد أمرتُ يدي أن تنسى كيفيّة حمل القلم ، وأصابعي كيّفية القرع على لوحة المفاتيح التي تجادلني فيكي كلما جربت كتابة قصيدةٍ ما أو رسالةٍ ما ،
لن أنتظر الفكرة ، ولن أسلم عليها حتى لو وجدتها على حافة الطريق تستجدي عبلة دخان ، وسأجرب أن أحبكِ بصمتٍ أهدأ وألطف ! ))




مقطع من رسالة مؤجلة أخرى ولا أذكر لها تاريخاً :


(( عندما أنتهي من ممارسة الحبّ (العفيف) مع أخريات ،
أدركُ كمْ أنا أحبّكِ ،
فهلْ تشعرينَ بهذا الحزنِ الأبديّ مثلي ؟
حقائبُ السفرِ كثيرةٌ ، وأنا وأنتِ وجهينِ لحقيبةٍ واحدةٍ مزّقها التدافعُ في إحدى المطاراتِ ذات رحيل ،
وقد سافر الحب وحدهُ إلى كندا منذ عامين !

أنتِ لا تفهمينَ سوى لغةَ القطط في مساءاتِ فبراير ، وكندا ليستَ ضمن اهتماماتي ، وأنا أكره فانكوفر جداً ،
لأنكِ لم تحترميني فيها ، ولأنها شيطانِ اخرس في نهاية العالمِ ، وما زلتُ أحب (الهاي والباي ) التي تكتبينها في رسائلك الكاذبة ،))




مقطع مختلف لرسالة مختلفة :


(( لا أذكر أنني كنتُ مرتاحاً أكثر قبل عامين ، ولا أكثر حزناً إلا بقليل
ورغم أنني لا أذكر أشياءَ كثيرة أيضاً ،
أذكر هذا الشعور الباعث للتشنج حول القفص الصدري وتحت العيون ،
غصةً تتبعها عشراتُ الغصص التي يبدو أنها تعيش في مجتمعاتٍ يتألف منها كوكب الحزن الذي ولدتُ فيهِ ،

وليست هناك علاقة بينها وبينما يحدث الليلة وما حدث منذ عامين ، سوى أنني ذات (الإحسان) ، وأنه ذات الظلامِ ، وأعيش في ذات الكوكب ، ولا قبلها بعامين وقبل قبلها ..إلى حواري الموصل الضيّقة ودكان (قتيبة) ،

إنها الساعة الكذا ليلاً ..... إلا أنّ الحزنَ مطبقٌ جداً ..
مطبقُ على القفص الصدري وتحت العيونِ وصولاً للشيبةِ الأولى ! ،))









مَخرج :


(( لا أدري من اقترح أني أفكرُ وأحزن في الليل فقط )) ؟

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:22 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
المرأة والرجل في الاعلان -

د. زياد الحكيم
منبر الملتقى التربوي





لا جدال في أن الإعلانات التجارية لها أثرها في كل واحد منا من حيث نشعر أو لا نشعر، ولو لم يكن الأمر كذلك لما أنفقت شركات الإعلان مئات الملايين من الدولارات على ترويج سلع استهلاكية، سواء كان ذلك في الصحف أو المجلات أو الإذاعة أو التلفزيون. وأشد ما يكون الإعلان تأثيرا على المراهقين، لأن هذه الفئة لم تحصل بعد على الخبرات التي تساعدها في تبين الخطأ من الصواب، ولم تشكل مواقفها ومفاهيمها وقيمها، ولا تستطيع مقاومة ما تمطرها به وسائل الاتصال المختلفة من أفكار وإغراءات إلى درجة أن بعض المربين يعتقدون أن وسائل الإعلام هي التي تتولى تربية أطفالنا ولسنا نحن الآباء والأمهات.

والمعلنون مدركون لنقاط الضعف في المراهقين، ولا يترددون في استغلالها بكل ما لديهم من طاقات مالية ونفسية وفنية فالسيكارة تغدو رمزاً لاستقلال الفرد، وبنطال الجينز يغدو رمزا للجاذبية والفتوة، وعطر معين يغدو رمزا للتحقق والفتنة.

ولكن ماذا يتعلم المراهقون من الإعلانات التجارية؟ إنهم يتعلمون أن المرأة وسيلة إثارة فحسب، أو هي في أفضل الأحوال زوجة مهووسة بالنظافة والترتيب، ويتعلمون أن يكونوا مستهلكين، وأن يعتبروا الأشياء ذات قيمة بحد ذاتها، وليس بالقياس إلى حاجتنا إليها، ويتعلمون أن بإمكانك أن تشتري السعادة إذا كنت قادرا على دفع الثمن، ويتعلمون أن هناك حلولا جاهزة وميسرة لمشكلات الحياة المعقدة. ويترتب على هذا أن قيمة الإنسان تصبح معتمدة على ما يستعمله من سيارة أو عطر أو سيكارة.

والمرأة في الإعلان فتاة جميلة وأنيقة ونحيلة ورشيقة وممشوقة القوم، ولكنها قبل كل شيء شابة في مقتبل العمر لا تجاعيد في وجهها ولا خطوط (أي أنها تفتقر إلى الخبرة والنضج). وما زالت وسائل الإعلام تمطرنا بهذه الصورة للمرأة المثالية حتى أصبحت هي المعيار القائم في المجتمع تقاس كل امرأة بها، الأمر الذي يجعل معظم النساء العاديات يشعرن بالخجل وبعقدة النقص وبالذنب لسقوطهن في امتحان المقارنة مع المرأة في الإعلان. بل يشعرن أن من المعتذر أن يكن موضع حب واحترام وتقدير في مجتمع المثل الأعلى فيه امرأة شابة وجميلة.

ولا جدال في أن هذه الصورة صورة مصطنعة، ولا يمكن تحقيقها إلا بوسائل اصطناعية. فنجد كثيرا من النساء يدفعهن اليأس إلى تقليد الصورة، فيغالين في طلاء وجوههن بالألوان (فصناعة أدوات التجميل بلغت قيمتها آلاف الملايين من الدولارات)، ويتسابقن في شراء أحدث الأزياء وأثمن العطور. لقد تعلمت المرأة أن تنظر إلى وجهها على أنه قناع، وان تنظر إلى جسمها على أنه شكل، وازدادت الهوة بين الشكل والذات الحقيقية، والشكل في حاجة مستمرة إلى تعديل وتجميل في حين أن الذات الحقيقية مهملة لا يلتفت إليها أحد. وهل المرأة راضية بعد ذلك؟

لقد جزأت شركات الإعلان جسم المرأة فجعلت كل عضو فيه بحاجة إلى ترميم وتجميل، فلا بد أن تولي المرأة عناية خاصة برموشها وشفتيها وشعرها وصدرها وساقيها وهي لا تستطيع نيل استحسان الآخرين، في نظر المعلنين، إلا إذا استعملت أحمر شفاه معيناً أو شامبو معينا أو عطرا معينا أو فستانا من دار أزياء معينة. أما الصحة البدنية والنفسية فلا يعتقد المعلنون أنها ذات أهمية. إن أدوات الزينة والوجبات السريعة والمشروبات الغازية والكحولية والسكائر في واقع الأمر مضرة حتى للجاذبية التي يدعى المعلنون أنهم حريصون عليها. ونادرا ما نجد بين المعلنين من يهتم اهتماما حقيقيا بالتغذية بمفهومها الصحيح أو بالتدريبات البدنية التي هي عنصر أساسي في الصحة والرشاقة.

وتتعلم المراهقة من الإعلان أن تكون في خوف دائم من أن تفقد محاسنها، وتتعلم ان تدخل في سباق مع غيرها من النساء للتفوق عليهن في الجمال والرشاقة والفتوة. وهذا يعني أن عليها ألا تكبر في السن فالتقدم في السن عيب لا يغتفر وأن عليها أن تبقى فجة وعالة على غيرها. وهي تتعلم أن الجنس نشاط نرجسي لا صلة له بعلاقة إنسانية مثمرة، فالمرأة في الإعلان تتهادى مزهوة بنفسها، تلمس برؤوس أناملها الرقيقة جلدها الحريري، وتعانق نفسها، وتغتبط بشعرها الأملس اللماع الطويل، وتستحم بشكل مثير مستخدمة احدث الشامبويات والمطريات، ثم تطيل النظر في مرآتها مستمتعة بمفاتنها.

إن شركات الإعلان تسخر في إعلاناتها من إمكانية تحقيق الذات بل تجعلها عملية مستحيلة. فإذا كان الهدف هو محاكاة المثل الأعلى، وهو بالتعريف مثل فارغ من كل قيمة، فإنه لا مجال هناك لعاطفة إنسانية جميلة، ولا لخلق كريم، ولا لتميز أو كبرياء.

وشركات الإعلان لا تعفي الرجل من مثل أعلى مستحيل آخر يسعى إليه بكل ما لديه من طاقة. فمن هو الرجل المثالي في الإعلان؟ هو رجل مهووس بالنجاح المادي، وهو رجل لا تكتمل رجولته إلا بالاستيلاء على أجمل النساء، وبشراء أفخم السيارات، وبالتعامل مع أضخم المصارف، وباكتساب مظاهر الغطرسة، وبتدخين أثمن السكائر. وتحرص شركات الإعلان على إبراز فارق واضح بين الرجل الأعزب والرجل المتزوج. فالأول ناجح ومندفع ويتمتع بالحياة، والثاني تثقله الهموم والمشكلات، وكأن زواجه هو سبب همومه ومشكلاته.

صحيح أن صورة المرأة في الإعلانات التجارية قد طرأ عليها بعض التغيير في السنوات القليلة الماضية. لقد أصبحت المرأة خارقة، فهي تتمتع بطاقة فوق طاقة البشر. فبعد أن تنهي يوما مرهقا في العمل تعود إلى البيت لتعد الطعام وتقوم بالتنظيف والترتيب باستخدام منتوج معين وليس بمساعدة زوجها، فهي امرأة متحررة، وهي مدينة بتحررها إلى هذا المنتوج السحري الذي تستعمله. ولكن هذا التعديل في صورة المرأة في الإعلانات التجارية لا يمثل أي تقدم حقيقي، ولا يقدم إلا حلولاً وهمية لمشكلات سياسية واجتماعية معقدة في حياة كل أفراد المجتمع. فالإعلان يوحي بان من السهل على المرأة أن تكون زوجة وعاملة في الوقت نفسه، ويتجاهل أن معظم النساء سواء في وطننا العربي أو في الغرب يعانين من وضع إنساني واجتماعي متخلف، ويتقاضين أجورا تقل عما يتقاضاه الرجال للقيام بالعمل نفسه، كما أنه يسهم في تشتيت الجهود الرامية إلى إيجاد حلول حقيقية لمشكلات المرأة.

وخلاصة القول أن الدور الذي تصوره الإعلانات التجارية للمرأة هو دور محدود ومتناقض مع ذاته. فالمطلوب من المرأة أن تظل طفلة بريئة وساذجة، فهذا من شروط أنوثتها، ولكن عليها في الوقت ذاته أن تكون امرأة خارقة فهذا من مستلزمات المدينة الحديثة. أما الرجل فمطلوب منه أن يخفي مشاعره وأحاسيسه، وأن يكون باردا وقاسيا، وأن يركز طاقته كلها على تحقيق طموحاته المادية التي لا تعرف الحدود. وفي هذه الأحوال جميعا سيكون الرجل والمرأة عاجزين عن إقامة علاقة إنسانية سليمة بينهما.

Men and Women in Commercials
Dr Ziad Hakim
zedhakim@yahoo.com

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:23 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
رسالة على وجه الغروب

رشا حمزة
منبر بوح المشاعر




أَأَنْتَ ابتسامةٌ تَصُوغُها الدَّهْشَةُ لا مَعَالِمَ لَهَا إلاَّ التَمَرُّد ؟! ، أمْ أَنَّكَ الوجهُ الآخرُ للشمسِ عندَّ هرْوَلَتِها إلى حيثُ الغروبِ أملُ المُعَذَّبِين ؟!

عَصَرْتُ خيوطََك المشعةَ عصراً أيها الإنسانُ لأستدلَّ علىَ هويةِ الشروقِ في فكرِكَ ، ولأحتسي ثقافةَ الوصولِ إليكَ فتبردُ خلايا انفعالاتِي على مائدةِ الاتصالِ بكَ ، لا ..لا أودُّ تجمدَها ، فقط ودَدْتُها باردةً حتى ترطبُ منْ حرارةِ أخطائِك المقدمةِ لي على صحنِ نفسِك اللَّوامةِ لغيرِك دون رويةٍ .

فانتفضَتْ عَصَافيرُ رُوحِي وأنْتَ تُكسِّر جناحَيْها بمطبَّاتِ أهوائِك ، وأنْتَ تنتفُ ريشَ الحقِّ بأصابعِ استِهتَارك .

صدى رسالاتِك لازالَ تأثيرَه على وجهِ الغروبِ تتشنجُ منه خلايا السمعِ في عروق أشجارٍ قلَمها الصبرُ لتقوى على احتمَالك .
أتُرَاك اقتلعتَها بضجيجِ أفكارِكَ ، أم انحنتْ غصونُها تواضعاً لتتلافى فصولَ الجفافِ الآتيةِ من رنينِ الغضبِ في حلقِ رسالاتِك؟!.

هكذا بِتْنا بعيداً عن الشمسِ نستبقُ الخطى المبعثرةَ على امتدادِ الظلِّ لنتدفأَ بالخطأِ خلسةً خلفَ جثثٍ حللتْها رواسبُ الأنانيةِ فينا ، ونرْتقبُ الشروقَ الحزينَ لنسرقَ حفنةَ ضوءٍٍ من فكِ الشمس عنوةً قبلَ أن تستديرَ بوجهِهَا عنا رافضةً عبوسنَا ، وراقصةًً كطير مذبوح على وقع لحنِ الاتصال الإنساني الممزق بيننا .

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:25 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
رافعي ... سيرة نقدية


مصطفى صادق الرافعى ... ماله وماعلينا

( سيرة نقدية.... بقلم : محمد عبد السميع نوح )
منبر الدراسات النقدية



ونحن ننلفَّتُ حولنا لنرصدَ الواقعَ الثقافىَّ فى بلادنا نشعرُ بالأسى ، ويشتدُّ الحزنُ حين نُعمِلُ حاسة المقارنة بين أديبٍ وأديبٍ أو بين زمن وزمن ، ولا أظن سا بقة سلبية فى الما ضى مهما بلغت ستقارب ما تعا نيه حيا تنا الأدبية فى هذه الأيام ، المظاهرُ والتداعيات لا تخفى ، فهل من عودة إلى ماض ليس بالبعيد نستنشق عبقا من الفن ونسبح مع أرواح لأناس لم يتخذوا الأدب للشهرة والربح والمجا ملة والشللية ، ولم يركبوا جوادَهُ الجا محَ إلا بعد مِران ٍطويلٍ ومُضْن ٍ ، فلما ركبوه كا نوا فرسا نه بحق .
فارسنا الذى نطرق باب مملكته بأدبٍ جَمٍّ عَلَّهُ يَسْمَحُ لنا بالدخول هو أديبُ العربية الفذ، سلطانُ الكلمةِ وعُمْدَةُ البيان وقاضى محكمة الميزان الروحىِّ للفن ،إنه أنت يا سيدى ، إنه انت .. أجل .. مصطفى صادق الرافعى ..
أعرفُ أنك ولدت فى يناير 1880م ، وتوفيت فى مايو 1937م ، وكانت حياتك العلمية وجهادك على أرض طنطا الطيبة التى تضمُّ عظامَكَ الطاهرة ،
وأعرف أن نسبكَ الشريفَ موصولٌ بأمير المؤمنين عمربن الخطاب ،
وأعرفُ عن تفاصيل حياتك الكثيرَ الكثيرَ، قرأتُ عنك "حياة الرافعى" لمحمد سعيد العريان ، وقرأتُ عنك "الرافعى ومى" لعبد السلام حافظ وقرأت رسائلك فى كتاب محمود أبى رية "رسائل الرافعى" وقرأت رسائلك لأحمد ذكى باشا .
لِيَكُنْ.. ولكنى قرأتك أنت مرتين ، مرة على صفحات كتبك الموضوعة فى أعز وأمنع مكان فى مكتبتى ، وهى قراءة واحدة تتكرر ولكنها واحدة ..
ليكن ولكنى قرأتك وبينى وبينك جدرانُ قبرك المزدان بالموزاييك وبينى وبين القبر بوابة حديدية كأنما يحبسون ماردا فى قمقم ،والحقيقة التى طالعنى بها ترابك النابض بالحياة أنك قد فرغتَ من الحياة الدنيا إلى الجزاء والمكافأة ..وتالله لقد انحبست عنك الدنيا فى هذا القمقم الأرضى لتنطلق أنت إلى دار لايعرفُ الظلم إليها طريقا .قرأتك فيما تعاودنى فى سرى بطربوشك الأنيق حلما فى اليقظة والمنام . وياترى كم نفسا عربية ماتت بموتك يا شيخى الرافعى ؟ وكم نفسا تموت كل يوم ؟ أتعرف ماذا حدث بعد موتك للأدباء والمثقفين ؟ ما علينا فما جئتُ لأكلمك عنهم ، بل لأكلمهم عنك ، أعرف ويعرفون أنك لما أصابتك علة الصمم اعتزلتَ العالمَ وأقمتَ لنفسك مدرسة خاصة فرغت فيها من كل آداب العرب فاستدركتَ على السابقين أشياء وأدبت اللاحقين بأشياء وأبدعت فى فنون الأدب كتبا قليلة العدد ولكنها إنْ شُرِحَتْ على مقادير الأفهام ملأت مابين الأرض والسماء !
هل نقرؤك شاعرا ؟ أم هل نقرؤك ناقدا ؟ هل نقرؤك فيلسوفا أم نقرؤك مؤرخا ؟ هل نقرؤك معلما أم هل نقرؤك عالما ؟هل نقرؤك باحثا أم هل نقرؤك راوية وقاصا من طراز رفيع؟هل نقرؤك صوفيا متحققا ؟ أم هل نقرؤك عاشقا أفاض على صفحا ت الكتب دماء العشق التى لا توزن إلا بدماء الشهداء ؟ أجل لقد عرفتُ كيف سنقرؤك ، نقرؤك مجاهد ا ، هذاهو الوصف الذى يلحُّ على الساعةَ ، ولكن قبل أن أستعيد للأحياء قصة جهادك، وأبعث فرسان المعارك التى شهدت نضالك ، وأعيد على أسماعهم صلصلة السيوف ، وأمام عيونهم مثار النقع من حولك هنا وهناك ، قبل ذلك كله ، نستطيع أن نقرؤك شاعرا فى دواوين خمسة نشِرتْ لك هى : ديوان الرافعى ( ثلاثة أجزاء ) وديوان النظرات وديوان الأناشيد ، ولكن : هل صحيح كما قرَّرَ الأستاذ العريان فى حياة الرافعى أن شعر ك الذى لم ينشر هو أضعاف أضعاف ما نشر ؟ ولماذا ؟ أى حرمان أصاب الشعر بعدم نشر سائر شعرك؟ ونستطيع أن نقرؤك ناقدا فيما كتبته عن جل أدباء عصرك وطبقت عليهم نظريتك البيانية فى النقد ، والتى بنيت عليها نظريتك الإبداعية فى الكتابة ، وسأذكر ما يستحق أن تفخر به بين أترابك ممن عاشوا أو ماتوا ولم يخلفوا مثل أو بعض ما خلفتَ من أثر .
هل أذنت لى بالدخول إلى حضرتك والمثول بين يديك ؟؟
شكرا لك ياسيدى ..
يوم أن عفرتُ نقاء ترابك بغبار قدمى وأنا أزور مقبرتك للمرة الأولى تمنيتُ أن أضع كتابا أعرِّف بك من لم يعرفك ، فليس كل من قرأ كتبك عرفك ، أريد أن ألحَّ على الذاكرة العربية بثرثرتى ليعرفوا من هو الرافعى .
نقرؤك ناقدا فذا فريدا فى كتابك القيم " تحت راية القرآن" وأنت تدفع البدعة وتقر الحقيقة ، وفى مقالاتك فى "وحى القلم" ونقرؤك فيلسوفا فى "المساكين" و"السحاب الأحمر" وفيلسوفا عاشقا فى" أوراق الورد" ونقرؤك مؤرخا فى "وحى القلم" وكيف عرضتَ على سطوره لحوادث التا ريخ مؤدبا لها.
نقرؤك معلما فى كتبك التى تعالج فيها فن الإنشاء" كحديث القمر" و"أوراق الورد " و"رسائل الأحزان" .. ونقرؤك باحثا علامة وحبرا فهامة فى كتابك الفريد" تاريخ آداب العرب " ونقرأك صوفيا مؤمنا فى مقالاتك فى "وحى القلم" وفى" كتاب المساكين "نعم نقرؤك كل هؤلاء وأكثر .
ويوم أن قرأت" حياة الرافعى" الذى كتبه عنك صديقك العالم الأستاذ/ محمد سعيد العريان، هالنى ما قرأت وفهمت حقيقة الأدب وبحثت عن كتبك فوقفت كثيرا مع كل كتاب منها أقرأه وأقرؤك .
كنتُ فى مرحلة الشباب وكان كتاب" أوراق الورد" بمقدمته التي هي دستور للعشق والعشاق ، أنظر إلى مقدمتها البديعة التى أرخت فيها لهذا الفن – فن الرسائل – وعرضت خريطتها مع الشرح البليغ رافعا قلمك أو شاهرا سيفك فى وجه أدباء عصرك وكأنما تتقمص روح جدك الفاروق الأعلى وهو شاهرٌ سيفَه فى وجه قريش ,," من أراد أن يتيتم ولده وتترمل امرأته فليتبعنى خلف هذا الجبل ,," ولم يتبعك أحد ومضى ركبك إلى حيث تريد.
نعم كانت فيك حميته و " جيناته " وإلا فما هذه الخصومات الكثيرة التى امتلأت بها حياتك؟ وما هذه الصلابة التى تلبستْ رأيك وموقفك فى كل قضية أدبية أو ثقافية ، فهذا كتاب أوراق الورد وهو كتاب أفضل اختصار لمعناه أنه فى فلسفة الجمال والحب وأنا أعترض على حرف الجر بل هو كل فلسفة الجمال والحب ، ومع أنه جمال وحب إلا أنه مضمَّخٌ بدماء فدائىٍّ شهيدٍ ، أنظر إليك وأنت تقول: " ,, إنه ليس معى إلا ظلالها .ولكنها ظلال حية تروح وتجيئ فى ذاكرتى ، وكل ما كان ومضى هو فى هذه الظلال الحية كائن لا يفنى ، وكما يرى الشاعر الملهم كلام الطبيعة باسره مترجما إلى لغة عينيه ، أصبحت أراها فى هجرها طبيعية حسن فاتن مترجمة بجملتها إلى لغة فكرى ... كان لها فى نفسى مظهر الجمال ومعه حماقة الرجاء وجنونه ثم خضوعى لها خضوعا لا ينفعنى ...فبدلنى الهجرُ منها مظهرَ الجلال ومعه وقار اليأس ثم خضوعها لى خضوعا لايضرها ...
,, وما أريد من الحب إلا الفن ، فإن جاء من الهجر فن فهو الحب ...
,, كلما ابتعدت فى صدها خطوتين رجع إلىَّ صوابى خطوة ...
,, لقد أصبحت أرى ألين العطف فى أقسى الهجر ، ولن أرضى بالأمر الذى ليس بالرضا ، ولن يحسن عندى ما لايحسن ، ولن أطلب الحب إلا فى عصيان الحب ، أريدها غضبى ، فهذا جمال يلائم طبيعتى الشديدة، وحب يناسب كبريائى، ودع جرحى يترشش دما ،فهذه لعمرى قوة الجسم الذى ينبت ثمر العضل وشوك المخلب ، وما هى بقوة فيك إن لم تقو أول شئ على الألم . أريدها لا تعرفنى ولا أعرفها ، لا من شئ إلا لأنها تعرفنى وأعرفها ، تتكلم ساكتة، وأرد عليها بسكوتى ، صمتٌ ضائعٌ كالعبث ولكن له فى القلبين عمل كلام طويل ,, " انتهى
الله الله
- أهذا كل ما أعجبك يا ولدى فى أوراق الورد ؟
- سيدى إننى كلما قرأت فى صفحة من صفحاته تمنيت أن ينزل الكلام وتقل فصاحته فى بعض المواضع حتى يتسنى لى الاختيار من القليل الجيد ، ولكن مشكلتى أنى أراك دائما محلقا ، وبودى لو اخترت الكتاب كله وجعلته على هذه الصفحات الآن ، فأية عبارة أختار وأية عبارة أترك ؟ أنا فى مأزق حقيقى .
- لا عليك .. أنا أيضا بعد اثنتين وسبعين سنة أصابنى ضعف فى الذاكرة – لعله ما تسمونه "الزهايمر" – ولكنى سأ تخير لك من أوراق الورد ما يخطر على بالى فأنت تعرف أن ليست النسخة فى يدى ولا يسمح لنا فى الآخرة اصطحاب شيء من متاع الدنيا.. اسمع يابنى
إننى أقول :
",, لقد وضعك حسنك فى طريقى موضع البدر يُرَى ويُحَبُّ ولكن لا تناله يدٌ ، ولا تعلق بنوره ظلمة نفس ، لكن كبرياءك نصبك نصبة الجبل الشامخ ، كأنه ما خلق ذلك الخلق المتنمر الوعر إلا لتُدَقَّ به قلوبُ المُصَّعَّدِينَ فيه ، كونى من شئت أو ما شئت ، خلقا مما يكبر فى صدرك أو مما يكبر فى صدرى ، كونى ثلاثا من النساء كما قلت أو ثلاثة من الملائكة ، ولكن لا تكونى ثلاثة آلام ، انفحى العطر الذى يلمس بالروح واظهرى مظهر الضوء الذى يُلمس بالعين ، ولكن دعينى فى جوك وفى نورك ، اصعدى إلى سمائك العالية ، ولكن ألبسينى قبل ذلك جناحين ، كونى ما أردت نفسَكِ . ولكن أشعرى نفسك هذه أنى إنسان ... ! ,,
- الله الله وهل كان لها من رد ؟
- نعم ، ولعله : "إن أمى ولدت نفسى ، ونفسى هى ولدتنى ، فلا ترجُ أن تصيب فى طباع أنثى وإلا ضل ضلالك أيها الحبيب "
- هل كانت شاعرة ؟
- كلكم تعرفونها .
- سيدى .. أنت عشت الحرب الكبرى الأولى بين الحلفاء ولم يكن للمصريين ..
- نعم يا ولدى .. لماذا تذكرنى بهذه الأيام ؟ لم يكن لهم فى الحرب من ناقة ولا جمل ، وكانت أقواتهم فى يد المحتل يضعها فى صوامع بالصحراء فإن لم يأكلها جنودهم أكلتها القنابل المدمرة .
- أعرف أن نفسك اهتزت وزُلزلتْ روحك غما وحزنا من هذه الحرب وما جرته على البلاد من فقر.
- يا ولدى .. لم يكن فقرا .. إن الأمر تعدى معنى الفقر إلى الموت جوعا بسبب هذه الحرب .
ـ إنك تقول عنها الكثير فى كتابك المساكين .
- نعم.. وهل تحفظ منه شيئا لعلك تذكرنى بغيره .
ـ لك قصيدة بعنوان " على الكوكب الهاوى" وأنت تصف حاال حسناء ، وعلى هذه الحسناء تدور معا نى القصيدة .
ـ لقد خيَّبْتَ ظنى يا ابن نوح .
ـ كيف ؟
ـ ياولدى ، إن الحسناءَ التى أنعى لها حظها العاثر هى مصر، هى الأمة كلها ، وكانت واقعة تحت سطوة المحتل ، وقد تورَّطتْ فى تكلفة حربٍ لم تكن لها فيها مصلحة .
ـ هل ستقول لنا شيئا من كتاب المساكين ؟
ـ قلت لك أعطنى أول الخيط .
ـ أنت تصف الحرب فى هذه القصيدة فتقول :
وماحمِدَ الشيطانُ للناس مثلها ولاكان للشيطان فى مثلها شكرُ
وما الحربُ إلارجفة ُ الأرض رجفة ً
يموتُ بها عصرٌ ليحيا بها عصرُ
وما الحربُ إلا مُطْرَةٌ دموية ٌ
إذا دُنِّسَتْ رُوحُ الورى فهى الطُّهْرُ
فياربُّ جَلَّتْ هذه الحربُ محنة ً
على الناس لا الإيمانُ منها ولا الكفرُ
ففى كل نفس غُصَّة ٌ ما تُسٍيغها
وفى كلِّ قلبٍ كَسْرَة ٌ ما لها جَبْرُ
ـ انتظر .
ـ ألن أكمل ؟
ـ لقد ذكرتنى أنت الآن بشيء مهم ، فأنا تنبأت بأشياء ، لعلها وقعت .
ـ ماذا تقصد ؟
ـ إننى أقول فى الكذبة الغربية والأمريكية الكبرى شعرا ، الكذبة التى كانوا يخدعون بها الشرق ، ولقد تنبأتُ أنها مؤامرة كبرى لها مابعدها .
ـ أكاد أفهم .
ـ هل ضحكوا عليكم وقالوا إنهم جاءوابأكياس الحرية وصناديق الديمقراطية وكراتين حقوق الإنسان ومعلبات حقوق المرأة والطفل وما إلى ذلك ؟
ـ نعم ولازالت طائراتهم تقصف العراق وأفغانستان بقنابل الحرية وصواريخ الرخاء وقنابل أخرى تنفجر تمرا وحليبا فى رمضان ولحم الضأن فى عيد الأضحى .... الحمد لله .
ـ أوقد فعلوها ؟!
وماذا فعل حكامكم ؟
ـ .................... .................... .................... .................... .
ـ فلا تخدعوا الإنسان عن نزعاته
فما الناس إلا ما أساءوا وما سَرُّوا
وكم قيل : إنسانية ٌ ومحبة ٌ
وعلمٌ وتمْدِينٌ وأشباهُها الكثْرُ
فيا قدرا يجرى دماء ويلتظى
سعيرا أذاك الحب أنت أم الهجرُ ؟!
ـ سيدى أنت فى هذا الكتاب تنظر بعين صوفى متحقق واصل إلى عمق نواة اليقين فى صدر العارف الذى يتجاوز الطبيعة إلى ماوراءها ما دام يمتلك هذه الحاسة .
ـ كنت أريد أن أبين شيئا من حكمة الله فى شيء من أغلاط الناس .
ـ هذا الكتاب لا يجمعه موضوع واحد مع أن الباعث عليه معروف وهو الحرب . الحرب فقط .
ـ يا ولدى وهل الحرب موضوع واحد بكل ماتخلفه من آثار ؟
ولكن قل لى : هل تذكر كيف وصف ابننا محمد سعيد العريان هذا الكتاب ؟
ـ إنه "يقول: صورٌ من آلام الإنسانية كثيرة الألوان ، متعددة الظلال ، تلتقى عندها أنة المريض وزفرة العاشق ودمعة الجائع وصرخة اللهفان المستغيث ، فهنا صورة الشيخ على .. "
ـ توقف يابنى .
ـ سيدى إنك تبكى .
ـوكيف لا أبكى وقد ذكرتنى بالشيخ على .
ـ وكيف كان الشيخ على ؟ لقد قرأتُ عنه ولكن السماع منك أبلغُ فى البيان .
ـ أتقول البيان ؟ إنه مذهبى فى الفن وفى نقد الفن .
ـ قل أولا عن الشيخ على ثم نتطرق إلى البيان .
ـ إيييه .. الشيخ على رحم الله الشيخ على وجعلنا من بركاته .
هو حليم لنفسه ، غضوب لنفسه ، وكذلك هو فى الخفه والوقار ، والضحك والعبوس الزهو والانقباض ، وفى كل ضدين لذة وألم ، كأنه جزيرة قائمة فى بحر لا يحيط بها إلا الماء ، فلا صلة بينهما فى المادة وإن كانت هى فيه ، فالناس كما هم وهو كما هو ، يرونه من جفوة الزمان أضعف من أن يصاب بأذى ، ويتحاشونه رأفة ورحمة ، ويتحاماهم أنفة واستغناء ، ثم إن مسه الأذى من رقيع أو سقيط أحسن إلى الفضيلة بنسيان من أساء إليه ، فيألم وكأن ألمه مرض طبيعى ، ولا فرق عنده فى هذه الحال بين أن يمغص بطنه بالداء أو يمغص ظهره بالعصا ....! وهو والدنيا خصمان فى ميدان الحياة ، غير أن أمرهما مختلف جدا ، فلم تقهره الدنيا لأنه لم يطمح إليها ولم يقع فيها ، وقهرها هو لأنها لم تظفر به.
هذا هو الشيخ علىٌّ فى عبارة قصيرة وليعد إلى الكتاب من شاء المزيد .
- سيدى .. لقد بدأت حياتك الأدبية شاعرا وفقط ثم ابتعدت عن الشعر
- لا.. ليس صحيحا .. بل قل : شغلتنى قضايا أدبية استهلكت وقتا غير قليل ولكنى كنت أعالجه بين الحين والحين ..
- نعم ، ممارستك الكتابة النثرية لاتعنى هجرانك الشعر.
- هذا صحيح .
- أعرف أن لك وقفة مع الجامعة المصرية وبسببها أخرجت للناس كتابك " تاريخ آداب العرب "
- هل تقرأونه الآن ؟
- ليس كثيرا .
- هل تذكر عنه شيئا ؟ فلعلى أذكر أشياء .
- أذكر أنك سلكت فى درسك الأدب العربى مسلكا محتلفا عن كل من كتبوا فيه .
- وهل كتب فيه أحد من قبلى ؟
- أما على نحو ماكتبتَ وعلى حذو ما صنَّفْتَ فلا ، وكنت َ .. كنت تطمح إلى أن يعهد إليك بتدريسه فى الجامعة .
- ذكرتنى ، الجامعة، بدأت الجامعة المصرية فى 1907 وانتظرت سنتين فلم أجد فيها شيئا عن تاريخ الأدب العربى ، فحملت على الجامعة فى الجريدة فنظمت الجامعة المسابقة للكتابة فىأدبيات اللغة العربية وبقية الخبر معروفة .
- ولكن لماذا لم تعترف بالعصور الأدبية بداية من الأدب الجاهلى ثم عصر صدر الإسلام ثم الأموى فالعباسى ثم المملوكى وغيره كما فعل الآخرون ؟
- شوف يا بنى ، إذا كان المستشرقون قد قسموا الأدب العربى إلى هذه الأقسام حسب سننهم فى درس أداب أممهم ، وإذا كان كتابنا العرب قد أخذوا بهذه الطريقة ، فإن المستشرقين لا لوم عليهم ، إذ إنهم ليسوا بالضرورة على علم بما للعربية من خصوصية تفارق بها آداب سائر الأمم ، أما العتب واللوم فعلى كتابنا الذين لم ينتبهوا لهذه الحقيقة ، فإذا كانت لغات الأمم تتطور بقرار فإن العربية كائن من كائنات الطبيعة كالليل والنهار ، لغة صَنعت وتصنع تاريخها وليس العكس ، ولهذا فقد تحملتُ المشقة والعنتَ فى انتهاج طريقتى التى لم يسبقنى اليها أحد ... وهل حدث بعدى أن تابعنى أحد ؟
- لا والله .
- تتبعت فى كتابى الظواهر والقضايا اللغوية ظاهرة ظاهرة وقضية قضية منذ بدء نشوئها ، ولم يكن التاريخ بسنواته وأيامه ولياليه إلا ماهو تاريخ ووعاء ، ظرف لكائن نابض بالحياة لأمة براعتها الشعر والبيان ، بيد أنى لم أهمل التاريخ كما قد يتوهم، بل كنت أعزو كل حادثه إلى تاريخها ، ولكنى لم أزد التاريخ عن رتبته وكانت اللغة والأدب همى الأول وهوما يصل بطالب العلم إلى بغيته من أقرب طريق . كما أنى أرحت القارئ من الإحالة إلى المراجع ومن العنعنات التى تمثل عبئا على وقته وعينيه .
وأصدرت الجزء الأول بعد سنة ونصف من العناء ( فى 1911)
- وهل تقدمت به للمسابقة ؟ طبعا لا .. فلماذا ؟
- أية مسابقة ؟ ومن ذا الذى يقيم الرافعى ؟ طبعا لم أتقدم به ، بل تعمدت نشره قبل حلول الأجل ؛ لأنى علمت أنهم سيعهدون بتدريسه لآخر فلا يكون الأستاذ بين تلاميذه إلا كالتلميذ الأكبر بين زملائه .
- طبعا جاء الكتاب فى ثلاثة أجزاء .
- نعم ولكنى طبعت الجزء الأول فى 1911م والثانى فى 1912م وحالت الأعباء المعيشية بينى وبين طبع الجزء الثالث .
- لا ياسيدى .. اطمئن .. لقد نشر بعد وفاتك .
ولكن كيف تضيق يدك عن الجزء الثالث وهو الخاص بالشعر؟
- تعلم أننى كنت موظفا صغيرا فى محكمة طنطا ، وأن راتبى بعد ثمان وثلاثين سنة لم يتجاوز بضعة وعشرين جنيها ولى عشرة من الولد أعولهم ، دعك من هذا فقد شغلتنى أمور لا أحسبها هينة ، كنت أتقاضى أجرى عن مقالاتى لرعاية الأسرة وإصدار ما يتوازى مع الأحداث السياسية والاجتماعية وبالأخص قضايا النقد الأدبى ومعاركى الشهيرة مع الآخرين .
- يالها من معارك ، هل تصدقنى القول ؟
- زه زه يا ابن نوح .
- عفوك يا شيخى لا تؤاخذنى بما نسيت ، أقصد أننا ننجرف إلى ساحة يكثر فيها القيل والقال وكثرة السؤال .
- ماذا تقصد ؟
- معاركك الأدبية، أو قل أهم هذه المعارك ..
- لم تكن لى خصومات شخصية اللهم إلا فى بعض المواقف مع الأستاذ العقاد كتبت فيها كتاب على السفود وليتنى ما كتبته .
- ولكنه أى العقاد آذاك فأغضبك .
- نعم ولكن الصفح كان أوْلى .
- كيف كانت طبيعة معاركك الأدبية ؟
- ألم تقرأ مبدئى ومذهبى فى الفن .
- بلى وبأكثر من صياغة فى جميع كتبك .
- قل ما هو؟
- إنك تدافع عن كل ماهو إسلامى أو عربى وتضرب الجبان ضربة ينخلع لها قلب الشجاع كما كان يفعل ابن شداد .
- سأقول لك مبدئى كما سطرته فى كتابى " تحت راية القرآن " ولكن هل أتكلم بالمضارع كيوم كتبتها أم أحولها للماضى ؟
- كما ترى .
- إذن بالماضى ،لأننى فى دار الحق ولا أقول غير الحق فأنا لم أكن أعبأ بالمظاهر التى يأتى عليها يوم وينسخها يوم آخر ، والقبلة التى كنت أتجه إليها فى الأدب إنما هى النفس الشرقية فى دينها وفضائلها ،فما كتبت إلا ما يبعثها حية ويزيد فى حياتها وسموها ، ويمكن لفضائلها ولخصائصها فى الحياة ولذا لم أمسس من الآداب كلها إلا نواحيها العليا ، ثم إنه كان يخيل إلى دائما أنى رسول لغوى بعثت للدفاع عن القرآن ولغته وبيانه .
- ولكن ما الذى جعل أحمد ذكى باشا شيخ العروبة يقول لك: لقد جعلت لنا شكسبير كما للإنجليز شكسبير وجوته كما للألمان جوته وهوجو كما للفرنسيين هوجو ؟
- إنه كتاب المساكين لما فيه من فلسفة الحياة والموت ، والقول المريح للخاطر، والمطمْئِن للقلب فى أعضل المعضلات الفلسفية ، ولم آتِ فيه بشئ من عند نفسى ، إنها تعاليم هذا الدين الحنيف علمنى الله من أسرارها ووهبنى القدرة على بيانها البيان المناسب .
- ها أنت تقول البيان ، إذن فماذا تقصد بالبيان فيما عالجت من مسائل الأدب والنقد ؟
- قبل أن نتكلم عن البيان ، كيف يرى الناس كتبى ؟ وكيف يرون قبرى بعد اثنتين وسبعين سنة ؟
- قبرك سيدى ككتبك وكتبك كقبرك ، لم آت إلى هنا مرة بعد صلاة الجمعة إلا رأيتنى وحدى ، ولم أتلمس كتبك إلا كنتُ فى غربة حتى وأنا فى أهلى ..
- لا حول ولا قوة إلا بالله .
- ولكن الأحياء يا سيدى كتبوا على قبرك هذه العبارة التى حيرتنى وأرجو منك البيان بشأنها .
- يالكلمة البيان ، إنها تطاردنى حيا وميتا .. ولكن ما أحلاها كلمة .
- أما المكتوب على واجهة القبر وكأنهم يستشفعون بها لى عند الله، جازاهم الله خيرا ولكن متى كان الأدب طائفيا إسلاميا أو مسيحيا أو غيره ، موضوعات الدنيا بأسرها موضوعات لكل أديب ، فالأدب جهاز الأعصاب الموحد للبشرية كلها .
- سبحان الله أنت الآن تقول ما أشعر به دائما .
- لقد كتب العلامة جورج زيدان فى التاريخ الإسلامى وهو مسيحى فبم يصفونه ؟
- نعم .
- أما البيان فأنا أول من واءم بين نحت الكلمة وبين الأدب إبداعا ونقدا
وأنا أول من استخدمها ونظر لها ومع ذلك لى عتاب على الدكتور أحمد هيكل وزير الثقافة الأسبق .
- عليه رحمة الله .
- أو قد انتقل ؟
- نعم .
- سامحه الله وغفر له ، تعلم أن كتابه من أهم الكتب التى أرخت للأدب فى عصرى وانظر إلى عنوان الكتاب وهو : "تطور الأدب الحديث فى مصر من أوائل القرن التاسع عشر إلى قيام الحرب الكبرى الثانية " ومدة عمرى كاملة واقعة فى هذه الحقبة فقد ولدت 1880وتوفيت1937م .
وبرغم ذلك بلغنى من أحد الأحباب أنه لم يذكر اسمى إلا عرضا ، فلو كان عندك بيان لهذا الأمر فا مددنى به ولك الأجر .
- نعم يا سيدى .. لقد درستُ هذا الكتاب فى كلية دار العلوم ، ولما قرأت عنوانه رجوت أن أراك على ثلاثة أرباع الصفحات أو نصفها أو ربعها أو عشرها ، ولكن.. أهذه نميمة أو غيبة يا سيدى ؟
- لا يا ولدى ، إنك لا تحدث بشخص الدكتور هيكل ولا شخص الرافعى ، إن قضيتنا الأدب والحق والحقيقة ، ولئن كان بيانها منقبة أو مثلبة فإن التاريخ لايجامل ، ولم تعد لأيٍّ منا مصلحة .
- ثمة إشارة خافتة ص253 من هذا الكتاب عن زعامتكم للتيار المحافظ فى مواجهة التيار الغربى الذى يتزعمه هيكل (صاحب رواية زينب ) وطه حسين والعقاد ثم ترجمة لك ولعبد الوهاب عزام وأحمد حسن الزيات فى الهامش وبإيجاز ، وفى ص 262 يرد اسمك وكتابك على السفود الذى صدر عام 1930 فى الرد على العقاد ، ويشعر المرء أنه لولا العقاد وطه حسين ما ذكر للرافعى ، عفوا ما ذكِرَ لك اسم !
- وما تعليقك ؟
- ظللت لسنوات كلما تذكرت ذلك تساءلت : أهذا هو كل ما يمكن أن يقال عن الرافعى بين جمهرة الأدباء المعاصرين له ؟ ,الذين اعتنيت يا دكتور هيكل بتقديم الصفحات الطوال عن أخبارهم والنماذج المطولة من أعمالهم وإن كان بعضها لم يرق عن مستوى الكلام العادى وصحف الاستهلاك اليومية !
أهذا كل ما يمكن أن يقال عن الرافعى ؟!
ـ هذا تعليق لايفترض وجهة نظر محددة ، لقد علقت على السؤال بسؤال .
أريد بيان وجهة النظر الأدبية التى أشعر أنك تتمتع بقسط منها
- تريد البيان ؟ سلطان البيان يريد البيان سبحان الله .
-لا تثرثر.
ـ ذات مساء وقد حزبنى شئ من الحزن الغامض الذى لا يعرف المرء له سببا رحت أدفعه بقراءة كتاب لك – كما هى عادتى – فاكتشفتُ أنك كنتَ السببَ وراء هذا الإغفال .
- كيف؟
- إنه مجرد افتراض ، يدفعنى إليه ما قرأته لك فى كتاب وحى القلم الجزء الثالث ص225 فى الهامش شرحا لعبارة :"فليس يتبع طريقة أحد ، بل هو طريقة نفسه " وهذا هو مقالك بالنص منقول من الهامش المذكور :
" لا وجه عندنا لما استعمله بعض الكتاب فى الأدب من قولهم مدرسة امرئ القيس ومدرسة النابغة ونحو ذلك ، ترجمة حرفية لقول الأوربيين مدرسة فلان ومدرسة فلان ؛ فإن الأدب إن كان تقليدا فهو أدب منحط لا يجعل مدرسة يحتذى عليها ويتخرج بها ، وإن كان إبداعا فليس الإبداع مدرسة تكون بالتعليم والتلقين ويتخرج بها الواحد والمائة والألف على طراز لا يختلف ، إنما تنطبق هذه الكلمة على المذاهب المستقرة فى الفنون التعليمية ، وفى هذا لاتطلق فى الأدب العربى إلا على فئتين فقط ، هما البصريون والكوفيون ، على أن كلمة مذهب هى المستعملة فى هذا ، وهى أسدُّ منها ، إذ يدل المذهب على منحى اختاره الرأى وذهب إليه ، فكأنه عن تحقيق فى صاحبه وتابعيه ، أما تسمية الإلهامات التى مرت فى ذهن نابغة من النوابغ بالمدرسة فتسمية مضحكة باردة ، إذ الإلهام بصيرة محضة ، وما هو مما يقلد ، وقلما تشابه ذهنان على الأرض فى عناصر التكوين التى يأتى منها النبوغ ، وقد قال علماؤنا طريقة فلان وطريقة فلان ، فالطريقة هى الكلمة الصحيحة لأن عليها ظاهر العمل وأسلوبه ، يتوجه بها من يتوجه ، ويقلد فيها من يقلد ، أما سر العمل فهو سر العامل أيضا ، وهو شئ فى الروح والبصيرة ، وهو فى العبقري أمر لا يستطيعه إنسان وشذ فى إنسان بخصوصه"
انتهى كلامك يا سيدى .. ولكأنما كنتَ تصف نفسك ، ولكأنك بهذا القول تُخْرِجُ نفسك من كل المدارس والتيارات التي تفرَّقتْ بهم سبلا ، وأنت تحفر لنفسك قناة خاصة هى دستورك فى الأدب يتفق من يتفق ويختلف من يختلف ... سيدى هل فى هذا الاستنتاج الذى أذهب إليه بيان من الحقيقة .
- نعم .. وأنت فى استنتاجك الصائب هذا قد طبقت مذهبى البيانى فى النقد وأعتقد أن البيان قد آن أوانه يابنى ولكن بعد أن تستريح استراحة تتخيل فيها أنك ترشف فنجان القهوة معى ، هل تتصور كيف يكون فنجان القهوة من يد أم محمود ؟
- نعم وأعرف أنها سيدة فاضلة من قرية جناج التابعة لدسوق وأنها وأهل بيتك كان يهيئون لك المناخ الملائم للفكر والكتابة ، أعرف يا سيدى أنك كنت تعيش فى بيتك كالملك فى الحكومة الدستورية ، تملك ولا تحكم ، وتعلو على كل نزاع ، والكل يرعى لك حقك لما عرفوا من خصوصية مكانتك ، وأن السيدة الفاضلة هى أذنت لك حين استأذنتها فى كتابة رسائل كتابك أوراق الورد لمَّا رأت بينك وبين الخيانة ربَّكَ وضميرك ، لأنها –رحمها الله –كانت لاتريد من الحب إلا الفن – مثلك- فإن جاء من الهجر فن فهوالحب . وهى من أسرة ميسورة ومتدينة وأخت صديقك الودود عبد الرحمن البرقوقى صاحب مجلة البيان .
- عدت تقول البيان إذن فالبيان ..
- والراحة التى وعدتنى بها .
- لا راحة – يبدو – إلا فى الأبدية .
- ليكن .. هات يا سيدى ما عندك ، فما حقيقة البيان ؟
- أول شرط الكتابة البيانية فى معانيها ، ألا ترانى أقول فى صدر كتاب وحى القلم الجزء الأول ص9 ما نصه : لا وجود للمقالة البيانية إلا فى المعانى التى اشتملت عليها ، يقيمها الكاتب على حدود ويديرها على طريقة ،
- (وتأمل ) مصيبا بألفاظه مواضع الشعور ، مثيرا بها مكامن الخيال ، آخذا بوزن تاركا بوزن لتأخذ النفس بما تشاء وتترك .
- وأقول أيضا : ونقل حقائق الدنيا نقلا صحيحا إلى الكتابة أوالشعر ، هو انتزاعها من الحياة فى أسلوب وإظهارها للحياة فى أسلوب آخر يكون أوفى وأدق وأجمل ، ماذا ترى فيها ؟
- أرى أن الكلمات الثلاث أوفى وأدق وأجمل هن أركان البيان التى لا بيان إلا بها .
- بخ بخ ثم ماذا ؟
- أما أجمل فالبلاغة والخيال وأما أدق فالعقل والمنطق وأما أوفى فاللغة بكل تكاليفها التلقائية أو قل صناعة طبيعية محيرة فيها القصد والإلهام فيها الحضور والغياب فيها المطلق مقيد والمقيد مطلق حسب الأثر المطلوب إحداثه وحجم ونوع هذا الأثر ، فيها القاسم الإنسانى المشترك الذى تتلمس شعرته الرفيعة ريشة كل فنان وقلم كل أديب ، فيها مايشبه الروح ينفخها الملك فى النطفة فتنبض بالحياة.
- من علمك هذ ا ؟
- كلماتك يا سيدى .
- أحسنت ، وما الفرق بين كتابة تتحقق فيها هذه الأركان وكتابة تنقل الحدث معتمدة على الركن الثانى ( أدق ) وبين المستوفاة للأركان الثلاثة ؟
- أنت قلت يا سيدى عن الأولى أن البيان فيها كوخز الخضرة فى الشجرة اليابسة هنا وهنا ولكن الفن البيانى يرتفع عن ذلك بأن غايته قوة الأداء مع الصحة ، وسمو التعبير مع الدقة ، وإبداع الصورة زائدا جمال الصورة .
- قلنا من قبل أوفى وأدق وأجمل وهى أركان البيان وهنا بيان البيان . فقوة الأداء مع الصحة تجدها فى أوفى ، وسمو التعبير مع الدقة تجدها فى أدق وإبداع الصورة زائدا جمال الصورة تجدها فى أجمل ، وهذه المرامى الثلاثة هى غاية الفن ، انظر كيف لا تجد الأدب إلا فى البيان !
- حتى لو كان المعنى مؤلما يجب أن يساق فى الأدب جميلا مستلذ ا للنفس .
- واعلم أن دورة العبارة فى نفس الكاتب الملهم تخرج بها الأ لفاظ أكبر مما هى وأقوى وأدل .
- لماذا يعيبون السمو الأدبى بأنه قليل ؟
- لأنه الخير كذلك
- لماذا يعيبون عليه بأنه مخالف ؟
- لأن الحق كذلك
- لماذا يعيبون عليه بأنه كثير التكاليف ؟
- لأن الحريه كذلك .. ثم قل لى يا ابن نوح ماذا إن لم يكن البحر ؟
- فلا تنتظر اللؤلؤ .
- أحسنت ، فماذا إن لم يكن النجم ؟
- فلا تنتظر الشعاع .
- صدقت .. فماذا لو لم تكن شجرة الورد ؟
- فلا تنتظر الورد
- صدقت .
- فماذا لو لم يكن الكاتب البيانى؟
- فلا تنتظر الأدب .
- سرت مقالة بين الأدباء الذين ادَّعَوْا الحرية بأن الفن للفن ليس غير ، وهم بذلك يعزلونه عن قضايا الناس فما قول سيدى ؟
- أنت ماذا فهمت من مقالاتى فى وحى القلم وخصوصا فى مقال بعنوان الأدب والأديب هل تتذكر شيئا منه ؟
- نعم .. وأستطيع أن أوجز وجهة نظرك ، ولكن كنت أريد منك وقفة وبيانا .. وعلى أية حال هذه الأغراض الستة للأدب كما فهمت من أستاذى
1- أن يخلق للنفس دنيا المعانى الملائمة لتلك النزعة الثابتة فيها إلى المجهول وإلى مجاز الحقيقة .
-2- أن يلقى الأسرار فى الأمور المكشوفة بما يتخيل منها .
-3- أن يرد القليل كثيرا وافيا بما يضاعف من معانيه .
-4- أن يترك الماضى منها ثابتا قارا بما يخلد من وصفه .
_5_ أن يجعل المؤلم منها لذا خفيفا بما يبث فيه من العاطفة .
- 6- أن يحعل المملول منه حلوا بما يكشف فيه من الجمال والحكمة .
- أحسنت يابني ، واعلم أيضا أن مدار ذلك كله على إيتاء النفس لذة المجهول التى هى مجهولة أيضا ؛ فإن هذه النفس طُلَعَة ٌ متقلبة لاتبتغى مجهولا صرفا ولا معلوما صرفا ، كأنها مدركة بفطرتها أن ليس فى الكون صريح مطلق ولا خفى مطلق ، وإنما تبتغى حالة ملائمة بين هذين ، يثور فيها قلق ، أو يسكن منها قلق .
- أنت يا سيدى تربط الأدب بأسمى وأدق بل وأعقد ما يمكن أن يشغل الإنسان ، بالوجود والعدم .
- أخطأت خطأ فادحا ، فما تطلق عليه الوجود أسميه الفناء وما تطلق
عليه العدم إنما هو الخلود فالموت أو الغيب يعنى الخلود أما الدنيا فدار فناء بما عليها ومن عليها ومن ثم يكون المنطق الذى نستطيع أن نقرره مطمئنين هو أن أساس الفن على الإطلاق هو ثورة الخالد فى الإنسان على الفانى فيه ، وأن تصوير هذه الثورة فى أوهامها وحقائقها – بمثل اجتلائها فى الشعور والتأثير – هو معنى الأدب وأسلوبه .
- الأديب إذن إنسان غير عادى .
- نعم .. وفيما يرى الناس الحياة كلا قائما بحقائقه وأوصافه يراها الأديب العبقرى أجزاء .. كأن القوة الأزلية تقول لهذ ا الأديب الملهم : أنت كلمتى فقل كلمتك .
- يالها من مسئولية !
- واعلم يابنى أن الكلام أمة من الألفاظ عاملة فى حياة أمة من الناس ... قالها ابن عربى بشكل هَزَّنِى حين قال " الحروف أمة من الأمم يتخاطبون "
- أنت التقيت معه إذن .
- لا شك كما نلتقى أنا وأنت الآن .
- دعنى أشكو إليك كثرة شعراء هذا العصر وكثير منهم...
- أعرف يا ولدى، وليتهم يعرفون ما هى التركيبة النفسية للشاعر
- إذن لأراحوا واستراحوا .
- شوف.. للشاعر بصرٌ شعرىٌّ من وراء الحواس ، فقد يكون الشاعر أعمى كهوميروس وملتون وبشار والمعرى فيأتى بما يقصر عنه المبصرون، وإن شاعرية الشاعر هى تنطق الصامتَ وتبعثُ الحياةَ فى الجوامد بما يلقى عليها من ذات نفسه خيالا وبصيرة ودقة وجمالا ، واعلم أن نفس الشاعر العظيم تكاد تكون حاسة من حواس الكون .
- وماذا تقول فى الشعر الحديث .
- لا حديث ولا قديم ، الشعر شعر ومتى نزلت الحقائق فى الشعر وجب أن تكون موزونة فى شكلها كوزنه ، فلا تأتى على سردها ولا تؤخذ هونا كالكلام بلا عمل ولا صناعة ، فإنها إن لم يجعل الشاعر لها جمالا يكون لها شبيها بالوزن ، ويضع فيها روحا موسيقية بحيث يجيئ الشعر وله وزنان فى شكله وروحه فتلك حقائق مكسورة تلوح فى الذوق كالنظم الذى دخلته العلل فجاء مختلا قد زاغ أو فسد .
- لكأنك تتكلم عن قصيدة النثر وموسيقاها الداخلية .
- هل تقول شيئا ؟
- كلمنى عن الشاعر الذى تتوفر فيه كل هذه الإمكانات ، إنك تعلو به إلى درجة هائلة.
- الشاعر فى رأيى بهذه الملكة يرفع الطبيعة درجة إنسانية ، ويرفع الإنسانية درجة سماوية وكل بدائع العلماء والمخترعين هى منه بهذا المعنى ، فالخيال فى أصله هو ذكاء العلم ثم يسمو فيكون بصيرة الفلسفة ، ثم يزيد سموه فيكون روح الشعر ، وإذا قلبت هذا النسق فانقلبت به نازلا كما صعدت به حصل معك أن الخيال روح الشعر ثم ينحط شيئا فيكون بصيرة الفلسفة ، ثم يزيد انحطاطا فيكون ذكاء العلم ، فالشاعر كما ترى هو الأول إن ارتفعت الدنيا وهو الأول إن انحطت ؛ وكأنما إنسانية الإنسان تبدأ منه .
- فماذا عن النقد ؟
- أحدثك عن النقد فى أيامنا ، وبخاصة نقد الشعر ، الذى أصبح أكثره مما لا قيمة له ، وساء التصرف به ووقع الخلط فيه ، وتناوله أكثر أهله بعلم ناقص ، وطبع ضعيف وذوق فاسد ، وطمع فيه من لم يحصل مذهبا صحيحا ، ولا يتجه لرأى جيد ، حتى جاء كلامهم وإن فى اللغو والتخليط ماهو خير منه وأخف محملا .
- ياه ... فماذا تقول عن النقد فى أيامنا هذه .
- لن تطيقوا ما سأقوله .
- ومعاركك الأدبية ألن نتكلم عنها ؟
- يا ولدى أنا مشفق عليك .. قم الآن وعد لزيارتى الجمعة المقبلة .
- أستودعك الله .
- ألن تترحم على ؟
- ـ يرحمك الله

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:25 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
رافعي ... سيرة نقدية


مصطفى صادق الرافعى ... ماله وماعلينا

( سيرة نقدية.... بقلم : محمد عبد السميع نوح )
منبر الدراسات النقدية



ونحن ننلفَّتُ حولنا لنرصدَ الواقعَ الثقافىَّ فى بلادنا نشعرُ بالأسى ، ويشتدُّ الحزنُ حين نُعمِلُ حاسة المقارنة بين أديبٍ وأديبٍ أو بين زمن وزمن ، ولا أظن سا بقة سلبية فى الما ضى مهما بلغت ستقارب ما تعا نيه حيا تنا الأدبية فى هذه الأيام ، المظاهرُ والتداعيات لا تخفى ، فهل من عودة إلى ماض ليس بالبعيد نستنشق عبقا من الفن ونسبح مع أرواح لأناس لم يتخذوا الأدب للشهرة والربح والمجا ملة والشللية ، ولم يركبوا جوادَهُ الجا محَ إلا بعد مِران ٍطويلٍ ومُضْن ٍ ، فلما ركبوه كا نوا فرسا نه بحق .
فارسنا الذى نطرق باب مملكته بأدبٍ جَمٍّ عَلَّهُ يَسْمَحُ لنا بالدخول هو أديبُ العربية الفذ، سلطانُ الكلمةِ وعُمْدَةُ البيان وقاضى محكمة الميزان الروحىِّ للفن ،إنه أنت يا سيدى ، إنه انت .. أجل .. مصطفى صادق الرافعى ..
أعرفُ أنك ولدت فى يناير 1880م ، وتوفيت فى مايو 1937م ، وكانت حياتك العلمية وجهادك على أرض طنطا الطيبة التى تضمُّ عظامَكَ الطاهرة ،
وأعرف أن نسبكَ الشريفَ موصولٌ بأمير المؤمنين عمربن الخطاب ،
وأعرفُ عن تفاصيل حياتك الكثيرَ الكثيرَ، قرأتُ عنك "حياة الرافعى" لمحمد سعيد العريان ، وقرأتُ عنك "الرافعى ومى" لعبد السلام حافظ وقرأت رسائلك فى كتاب محمود أبى رية "رسائل الرافعى" وقرأت رسائلك لأحمد ذكى باشا .
لِيَكُنْ.. ولكنى قرأتك أنت مرتين ، مرة على صفحات كتبك الموضوعة فى أعز وأمنع مكان فى مكتبتى ، وهى قراءة واحدة تتكرر ولكنها واحدة ..
ليكن ولكنى قرأتك وبينى وبينك جدرانُ قبرك المزدان بالموزاييك وبينى وبين القبر بوابة حديدية كأنما يحبسون ماردا فى قمقم ،والحقيقة التى طالعنى بها ترابك النابض بالحياة أنك قد فرغتَ من الحياة الدنيا إلى الجزاء والمكافأة ..وتالله لقد انحبست عنك الدنيا فى هذا القمقم الأرضى لتنطلق أنت إلى دار لايعرفُ الظلم إليها طريقا .قرأتك فيما تعاودنى فى سرى بطربوشك الأنيق حلما فى اليقظة والمنام . وياترى كم نفسا عربية ماتت بموتك يا شيخى الرافعى ؟ وكم نفسا تموت كل يوم ؟ أتعرف ماذا حدث بعد موتك للأدباء والمثقفين ؟ ما علينا فما جئتُ لأكلمك عنهم ، بل لأكلمهم عنك ، أعرف ويعرفون أنك لما أصابتك علة الصمم اعتزلتَ العالمَ وأقمتَ لنفسك مدرسة خاصة فرغت فيها من كل آداب العرب فاستدركتَ على السابقين أشياء وأدبت اللاحقين بأشياء وأبدعت فى فنون الأدب كتبا قليلة العدد ولكنها إنْ شُرِحَتْ على مقادير الأفهام ملأت مابين الأرض والسماء !
هل نقرؤك شاعرا ؟ أم هل نقرؤك ناقدا ؟ هل نقرؤك فيلسوفا أم نقرؤك مؤرخا ؟ هل نقرؤك معلما أم هل نقرؤك عالما ؟هل نقرؤك باحثا أم هل نقرؤك راوية وقاصا من طراز رفيع؟هل نقرؤك صوفيا متحققا ؟ أم هل نقرؤك عاشقا أفاض على صفحا ت الكتب دماء العشق التى لا توزن إلا بدماء الشهداء ؟ أجل لقد عرفتُ كيف سنقرؤك ، نقرؤك مجاهد ا ، هذاهو الوصف الذى يلحُّ على الساعةَ ، ولكن قبل أن أستعيد للأحياء قصة جهادك، وأبعث فرسان المعارك التى شهدت نضالك ، وأعيد على أسماعهم صلصلة السيوف ، وأمام عيونهم مثار النقع من حولك هنا وهناك ، قبل ذلك كله ، نستطيع أن نقرؤك شاعرا فى دواوين خمسة نشِرتْ لك هى : ديوان الرافعى ( ثلاثة أجزاء ) وديوان النظرات وديوان الأناشيد ، ولكن : هل صحيح كما قرَّرَ الأستاذ العريان فى حياة الرافعى أن شعر ك الذى لم ينشر هو أضعاف أضعاف ما نشر ؟ ولماذا ؟ أى حرمان أصاب الشعر بعدم نشر سائر شعرك؟ ونستطيع أن نقرؤك ناقدا فيما كتبته عن جل أدباء عصرك وطبقت عليهم نظريتك البيانية فى النقد ، والتى بنيت عليها نظريتك الإبداعية فى الكتابة ، وسأذكر ما يستحق أن تفخر به بين أترابك ممن عاشوا أو ماتوا ولم يخلفوا مثل أو بعض ما خلفتَ من أثر .
هل أذنت لى بالدخول إلى حضرتك والمثول بين يديك ؟؟
شكرا لك ياسيدى ..
يوم أن عفرتُ نقاء ترابك بغبار قدمى وأنا أزور مقبرتك للمرة الأولى تمنيتُ أن أضع كتابا أعرِّف بك من لم يعرفك ، فليس كل من قرأ كتبك عرفك ، أريد أن ألحَّ على الذاكرة العربية بثرثرتى ليعرفوا من هو الرافعى .
نقرؤك ناقدا فذا فريدا فى كتابك القيم " تحت راية القرآن" وأنت تدفع البدعة وتقر الحقيقة ، وفى مقالاتك فى "وحى القلم" ونقرؤك فيلسوفا فى "المساكين" و"السحاب الأحمر" وفيلسوفا عاشقا فى" أوراق الورد" ونقرؤك مؤرخا فى "وحى القلم" وكيف عرضتَ على سطوره لحوادث التا ريخ مؤدبا لها.
نقرؤك معلما فى كتبك التى تعالج فيها فن الإنشاء" كحديث القمر" و"أوراق الورد " و"رسائل الأحزان" .. ونقرؤك باحثا علامة وحبرا فهامة فى كتابك الفريد" تاريخ آداب العرب " ونقرأك صوفيا مؤمنا فى مقالاتك فى "وحى القلم" وفى" كتاب المساكين "نعم نقرؤك كل هؤلاء وأكثر .
ويوم أن قرأت" حياة الرافعى" الذى كتبه عنك صديقك العالم الأستاذ/ محمد سعيد العريان، هالنى ما قرأت وفهمت حقيقة الأدب وبحثت عن كتبك فوقفت كثيرا مع كل كتاب منها أقرأه وأقرؤك .
كنتُ فى مرحلة الشباب وكان كتاب" أوراق الورد" بمقدمته التي هي دستور للعشق والعشاق ، أنظر إلى مقدمتها البديعة التى أرخت فيها لهذا الفن – فن الرسائل – وعرضت خريطتها مع الشرح البليغ رافعا قلمك أو شاهرا سيفك فى وجه أدباء عصرك وكأنما تتقمص روح جدك الفاروق الأعلى وهو شاهرٌ سيفَه فى وجه قريش ,," من أراد أن يتيتم ولده وتترمل امرأته فليتبعنى خلف هذا الجبل ,," ولم يتبعك أحد ومضى ركبك إلى حيث تريد.
نعم كانت فيك حميته و " جيناته " وإلا فما هذه الخصومات الكثيرة التى امتلأت بها حياتك؟ وما هذه الصلابة التى تلبستْ رأيك وموقفك فى كل قضية أدبية أو ثقافية ، فهذا كتاب أوراق الورد وهو كتاب أفضل اختصار لمعناه أنه فى فلسفة الجمال والحب وأنا أعترض على حرف الجر بل هو كل فلسفة الجمال والحب ، ومع أنه جمال وحب إلا أنه مضمَّخٌ بدماء فدائىٍّ شهيدٍ ، أنظر إليك وأنت تقول: " ,, إنه ليس معى إلا ظلالها .ولكنها ظلال حية تروح وتجيئ فى ذاكرتى ، وكل ما كان ومضى هو فى هذه الظلال الحية كائن لا يفنى ، وكما يرى الشاعر الملهم كلام الطبيعة باسره مترجما إلى لغة عينيه ، أصبحت أراها فى هجرها طبيعية حسن فاتن مترجمة بجملتها إلى لغة فكرى ... كان لها فى نفسى مظهر الجمال ومعه حماقة الرجاء وجنونه ثم خضوعى لها خضوعا لا ينفعنى ...فبدلنى الهجرُ منها مظهرَ الجلال ومعه وقار اليأس ثم خضوعها لى خضوعا لايضرها ...
,, وما أريد من الحب إلا الفن ، فإن جاء من الهجر فن فهو الحب ...
,, كلما ابتعدت فى صدها خطوتين رجع إلىَّ صوابى خطوة ...
,, لقد أصبحت أرى ألين العطف فى أقسى الهجر ، ولن أرضى بالأمر الذى ليس بالرضا ، ولن يحسن عندى ما لايحسن ، ولن أطلب الحب إلا فى عصيان الحب ، أريدها غضبى ، فهذا جمال يلائم طبيعتى الشديدة، وحب يناسب كبريائى، ودع جرحى يترشش دما ،فهذه لعمرى قوة الجسم الذى ينبت ثمر العضل وشوك المخلب ، وما هى بقوة فيك إن لم تقو أول شئ على الألم . أريدها لا تعرفنى ولا أعرفها ، لا من شئ إلا لأنها تعرفنى وأعرفها ، تتكلم ساكتة، وأرد عليها بسكوتى ، صمتٌ ضائعٌ كالعبث ولكن له فى القلبين عمل كلام طويل ,, " انتهى
الله الله
- أهذا كل ما أعجبك يا ولدى فى أوراق الورد ؟
- سيدى إننى كلما قرأت فى صفحة من صفحاته تمنيت أن ينزل الكلام وتقل فصاحته فى بعض المواضع حتى يتسنى لى الاختيار من القليل الجيد ، ولكن مشكلتى أنى أراك دائما محلقا ، وبودى لو اخترت الكتاب كله وجعلته على هذه الصفحات الآن ، فأية عبارة أختار وأية عبارة أترك ؟ أنا فى مأزق حقيقى .
- لا عليك .. أنا أيضا بعد اثنتين وسبعين سنة أصابنى ضعف فى الذاكرة – لعله ما تسمونه "الزهايمر" – ولكنى سأ تخير لك من أوراق الورد ما يخطر على بالى فأنت تعرف أن ليست النسخة فى يدى ولا يسمح لنا فى الآخرة اصطحاب شيء من متاع الدنيا.. اسمع يابنى
إننى أقول :
",, لقد وضعك حسنك فى طريقى موضع البدر يُرَى ويُحَبُّ ولكن لا تناله يدٌ ، ولا تعلق بنوره ظلمة نفس ، لكن كبرياءك نصبك نصبة الجبل الشامخ ، كأنه ما خلق ذلك الخلق المتنمر الوعر إلا لتُدَقَّ به قلوبُ المُصَّعَّدِينَ فيه ، كونى من شئت أو ما شئت ، خلقا مما يكبر فى صدرك أو مما يكبر فى صدرى ، كونى ثلاثا من النساء كما قلت أو ثلاثة من الملائكة ، ولكن لا تكونى ثلاثة آلام ، انفحى العطر الذى يلمس بالروح واظهرى مظهر الضوء الذى يُلمس بالعين ، ولكن دعينى فى جوك وفى نورك ، اصعدى إلى سمائك العالية ، ولكن ألبسينى قبل ذلك جناحين ، كونى ما أردت نفسَكِ . ولكن أشعرى نفسك هذه أنى إنسان ... ! ,,
- الله الله وهل كان لها من رد ؟
- نعم ، ولعله : "إن أمى ولدت نفسى ، ونفسى هى ولدتنى ، فلا ترجُ أن تصيب فى طباع أنثى وإلا ضل ضلالك أيها الحبيب "
- هل كانت شاعرة ؟
- كلكم تعرفونها .
- سيدى .. أنت عشت الحرب الكبرى الأولى بين الحلفاء ولم يكن للمصريين ..
- نعم يا ولدى .. لماذا تذكرنى بهذه الأيام ؟ لم يكن لهم فى الحرب من ناقة ولا جمل ، وكانت أقواتهم فى يد المحتل يضعها فى صوامع بالصحراء فإن لم يأكلها جنودهم أكلتها القنابل المدمرة .
- أعرف أن نفسك اهتزت وزُلزلتْ روحك غما وحزنا من هذه الحرب وما جرته على البلاد من فقر.
- يا ولدى .. لم يكن فقرا .. إن الأمر تعدى معنى الفقر إلى الموت جوعا بسبب هذه الحرب .
ـ إنك تقول عنها الكثير فى كتابك المساكين .
- نعم.. وهل تحفظ منه شيئا لعلك تذكرنى بغيره .
ـ لك قصيدة بعنوان " على الكوكب الهاوى" وأنت تصف حاال حسناء ، وعلى هذه الحسناء تدور معا نى القصيدة .
ـ لقد خيَّبْتَ ظنى يا ابن نوح .
ـ كيف ؟
ـ ياولدى ، إن الحسناءَ التى أنعى لها حظها العاثر هى مصر، هى الأمة كلها ، وكانت واقعة تحت سطوة المحتل ، وقد تورَّطتْ فى تكلفة حربٍ لم تكن لها فيها مصلحة .
ـ هل ستقول لنا شيئا من كتاب المساكين ؟
ـ قلت لك أعطنى أول الخيط .
ـ أنت تصف الحرب فى هذه القصيدة فتقول :
وماحمِدَ الشيطانُ للناس مثلها ولاكان للشيطان فى مثلها شكرُ
وما الحربُ إلارجفة ُ الأرض رجفة ً
يموتُ بها عصرٌ ليحيا بها عصرُ
وما الحربُ إلا مُطْرَةٌ دموية ٌ
إذا دُنِّسَتْ رُوحُ الورى فهى الطُّهْرُ
فياربُّ جَلَّتْ هذه الحربُ محنة ً
على الناس لا الإيمانُ منها ولا الكفرُ
ففى كل نفس غُصَّة ٌ ما تُسٍيغها
وفى كلِّ قلبٍ كَسْرَة ٌ ما لها جَبْرُ
ـ انتظر .
ـ ألن أكمل ؟
ـ لقد ذكرتنى أنت الآن بشيء مهم ، فأنا تنبأت بأشياء ، لعلها وقعت .
ـ ماذا تقصد ؟
ـ إننى أقول فى الكذبة الغربية والأمريكية الكبرى شعرا ، الكذبة التى كانوا يخدعون بها الشرق ، ولقد تنبأتُ أنها مؤامرة كبرى لها مابعدها .
ـ أكاد أفهم .
ـ هل ضحكوا عليكم وقالوا إنهم جاءوابأكياس الحرية وصناديق الديمقراطية وكراتين حقوق الإنسان ومعلبات حقوق المرأة والطفل وما إلى ذلك ؟
ـ نعم ولازالت طائراتهم تقصف العراق وأفغانستان بقنابل الحرية وصواريخ الرخاء وقنابل أخرى تنفجر تمرا وحليبا فى رمضان ولحم الضأن فى عيد الأضحى .... الحمد لله .
ـ أوقد فعلوها ؟!
وماذا فعل حكامكم ؟
ـ .................... .................... .................... .................... .
ـ فلا تخدعوا الإنسان عن نزعاته
فما الناس إلا ما أساءوا وما سَرُّوا
وكم قيل : إنسانية ٌ ومحبة ٌ
وعلمٌ وتمْدِينٌ وأشباهُها الكثْرُ
فيا قدرا يجرى دماء ويلتظى
سعيرا أذاك الحب أنت أم الهجرُ ؟!
ـ سيدى أنت فى هذا الكتاب تنظر بعين صوفى متحقق واصل إلى عمق نواة اليقين فى صدر العارف الذى يتجاوز الطبيعة إلى ماوراءها ما دام يمتلك هذه الحاسة .
ـ كنت أريد أن أبين شيئا من حكمة الله فى شيء من أغلاط الناس .
ـ هذا الكتاب لا يجمعه موضوع واحد مع أن الباعث عليه معروف وهو الحرب . الحرب فقط .
ـ يا ولدى وهل الحرب موضوع واحد بكل ماتخلفه من آثار ؟
ولكن قل لى : هل تذكر كيف وصف ابننا محمد سعيد العريان هذا الكتاب ؟
ـ إنه "يقول: صورٌ من آلام الإنسانية كثيرة الألوان ، متعددة الظلال ، تلتقى عندها أنة المريض وزفرة العاشق ودمعة الجائع وصرخة اللهفان المستغيث ، فهنا صورة الشيخ على .. "
ـ توقف يابنى .
ـ سيدى إنك تبكى .
ـوكيف لا أبكى وقد ذكرتنى بالشيخ على .
ـ وكيف كان الشيخ على ؟ لقد قرأتُ عنه ولكن السماع منك أبلغُ فى البيان .
ـ أتقول البيان ؟ إنه مذهبى فى الفن وفى نقد الفن .
ـ قل أولا عن الشيخ على ثم نتطرق إلى البيان .
ـ إيييه .. الشيخ على رحم الله الشيخ على وجعلنا من بركاته .
هو حليم لنفسه ، غضوب لنفسه ، وكذلك هو فى الخفه والوقار ، والضحك والعبوس الزهو والانقباض ، وفى كل ضدين لذة وألم ، كأنه جزيرة قائمة فى بحر لا يحيط بها إلا الماء ، فلا صلة بينهما فى المادة وإن كانت هى فيه ، فالناس كما هم وهو كما هو ، يرونه من جفوة الزمان أضعف من أن يصاب بأذى ، ويتحاشونه رأفة ورحمة ، ويتحاماهم أنفة واستغناء ، ثم إن مسه الأذى من رقيع أو سقيط أحسن إلى الفضيلة بنسيان من أساء إليه ، فيألم وكأن ألمه مرض طبيعى ، ولا فرق عنده فى هذه الحال بين أن يمغص بطنه بالداء أو يمغص ظهره بالعصا ....! وهو والدنيا خصمان فى ميدان الحياة ، غير أن أمرهما مختلف جدا ، فلم تقهره الدنيا لأنه لم يطمح إليها ولم يقع فيها ، وقهرها هو لأنها لم تظفر به.
هذا هو الشيخ علىٌّ فى عبارة قصيرة وليعد إلى الكتاب من شاء المزيد .
- سيدى .. لقد بدأت حياتك الأدبية شاعرا وفقط ثم ابتعدت عن الشعر
- لا.. ليس صحيحا .. بل قل : شغلتنى قضايا أدبية استهلكت وقتا غير قليل ولكنى كنت أعالجه بين الحين والحين ..
- نعم ، ممارستك الكتابة النثرية لاتعنى هجرانك الشعر.
- هذا صحيح .
- أعرف أن لك وقفة مع الجامعة المصرية وبسببها أخرجت للناس كتابك " تاريخ آداب العرب "
- هل تقرأونه الآن ؟
- ليس كثيرا .
- هل تذكر عنه شيئا ؟ فلعلى أذكر أشياء .
- أذكر أنك سلكت فى درسك الأدب العربى مسلكا محتلفا عن كل من كتبوا فيه .
- وهل كتب فيه أحد من قبلى ؟
- أما على نحو ماكتبتَ وعلى حذو ما صنَّفْتَ فلا ، وكنت َ .. كنت تطمح إلى أن يعهد إليك بتدريسه فى الجامعة .
- ذكرتنى ، الجامعة، بدأت الجامعة المصرية فى 1907 وانتظرت سنتين فلم أجد فيها شيئا عن تاريخ الأدب العربى ، فحملت على الجامعة فى الجريدة فنظمت الجامعة المسابقة للكتابة فىأدبيات اللغة العربية وبقية الخبر معروفة .
- ولكن لماذا لم تعترف بالعصور الأدبية بداية من الأدب الجاهلى ثم عصر صدر الإسلام ثم الأموى فالعباسى ثم المملوكى وغيره كما فعل الآخرون ؟
- شوف يا بنى ، إذا كان المستشرقون قد قسموا الأدب العربى إلى هذه الأقسام حسب سننهم فى درس أداب أممهم ، وإذا كان كتابنا العرب قد أخذوا بهذه الطريقة ، فإن المستشرقين لا لوم عليهم ، إذ إنهم ليسوا بالضرورة على علم بما للعربية من خصوصية تفارق بها آداب سائر الأمم ، أما العتب واللوم فعلى كتابنا الذين لم ينتبهوا لهذه الحقيقة ، فإذا كانت لغات الأمم تتطور بقرار فإن العربية كائن من كائنات الطبيعة كالليل والنهار ، لغة صَنعت وتصنع تاريخها وليس العكس ، ولهذا فقد تحملتُ المشقة والعنتَ فى انتهاج طريقتى التى لم يسبقنى اليها أحد ... وهل حدث بعدى أن تابعنى أحد ؟
- لا والله .
- تتبعت فى كتابى الظواهر والقضايا اللغوية ظاهرة ظاهرة وقضية قضية منذ بدء نشوئها ، ولم يكن التاريخ بسنواته وأيامه ولياليه إلا ماهو تاريخ ووعاء ، ظرف لكائن نابض بالحياة لأمة براعتها الشعر والبيان ، بيد أنى لم أهمل التاريخ كما قد يتوهم، بل كنت أعزو كل حادثه إلى تاريخها ، ولكنى لم أزد التاريخ عن رتبته وكانت اللغة والأدب همى الأول وهوما يصل بطالب العلم إلى بغيته من أقرب طريق . كما أنى أرحت القارئ من الإحالة إلى المراجع ومن العنعنات التى تمثل عبئا على وقته وعينيه .
وأصدرت الجزء الأول بعد سنة ونصف من العناء ( فى 1911)
- وهل تقدمت به للمسابقة ؟ طبعا لا .. فلماذا ؟
- أية مسابقة ؟ ومن ذا الذى يقيم الرافعى ؟ طبعا لم أتقدم به ، بل تعمدت نشره قبل حلول الأجل ؛ لأنى علمت أنهم سيعهدون بتدريسه لآخر فلا يكون الأستاذ بين تلاميذه إلا كالتلميذ الأكبر بين زملائه .
- طبعا جاء الكتاب فى ثلاثة أجزاء .
- نعم ولكنى طبعت الجزء الأول فى 1911م والثانى فى 1912م وحالت الأعباء المعيشية بينى وبين طبع الجزء الثالث .
- لا ياسيدى .. اطمئن .. لقد نشر بعد وفاتك .
ولكن كيف تضيق يدك عن الجزء الثالث وهو الخاص بالشعر؟
- تعلم أننى كنت موظفا صغيرا فى محكمة طنطا ، وأن راتبى بعد ثمان وثلاثين سنة لم يتجاوز بضعة وعشرين جنيها ولى عشرة من الولد أعولهم ، دعك من هذا فقد شغلتنى أمور لا أحسبها هينة ، كنت أتقاضى أجرى عن مقالاتى لرعاية الأسرة وإصدار ما يتوازى مع الأحداث السياسية والاجتماعية وبالأخص قضايا النقد الأدبى ومعاركى الشهيرة مع الآخرين .
- يالها من معارك ، هل تصدقنى القول ؟
- زه زه يا ابن نوح .
- عفوك يا شيخى لا تؤاخذنى بما نسيت ، أقصد أننا ننجرف إلى ساحة يكثر فيها القيل والقال وكثرة السؤال .
- ماذا تقصد ؟
- معاركك الأدبية، أو قل أهم هذه المعارك ..
- لم تكن لى خصومات شخصية اللهم إلا فى بعض المواقف مع الأستاذ العقاد كتبت فيها كتاب على السفود وليتنى ما كتبته .
- ولكنه أى العقاد آذاك فأغضبك .
- نعم ولكن الصفح كان أوْلى .
- كيف كانت طبيعة معاركك الأدبية ؟
- ألم تقرأ مبدئى ومذهبى فى الفن .
- بلى وبأكثر من صياغة فى جميع كتبك .
- قل ما هو؟
- إنك تدافع عن كل ماهو إسلامى أو عربى وتضرب الجبان ضربة ينخلع لها قلب الشجاع كما كان يفعل ابن شداد .
- سأقول لك مبدئى كما سطرته فى كتابى " تحت راية القرآن " ولكن هل أتكلم بالمضارع كيوم كتبتها أم أحولها للماضى ؟
- كما ترى .
- إذن بالماضى ،لأننى فى دار الحق ولا أقول غير الحق فأنا لم أكن أعبأ بالمظاهر التى يأتى عليها يوم وينسخها يوم آخر ، والقبلة التى كنت أتجه إليها فى الأدب إنما هى النفس الشرقية فى دينها وفضائلها ،فما كتبت إلا ما يبعثها حية ويزيد فى حياتها وسموها ، ويمكن لفضائلها ولخصائصها فى الحياة ولذا لم أمسس من الآداب كلها إلا نواحيها العليا ، ثم إنه كان يخيل إلى دائما أنى رسول لغوى بعثت للدفاع عن القرآن ولغته وبيانه .
- ولكن ما الذى جعل أحمد ذكى باشا شيخ العروبة يقول لك: لقد جعلت لنا شكسبير كما للإنجليز شكسبير وجوته كما للألمان جوته وهوجو كما للفرنسيين هوجو ؟
- إنه كتاب المساكين لما فيه من فلسفة الحياة والموت ، والقول المريح للخاطر، والمطمْئِن للقلب فى أعضل المعضلات الفلسفية ، ولم آتِ فيه بشئ من عند نفسى ، إنها تعاليم هذا الدين الحنيف علمنى الله من أسرارها ووهبنى القدرة على بيانها البيان المناسب .
- ها أنت تقول البيان ، إذن فماذا تقصد بالبيان فيما عالجت من مسائل الأدب والنقد ؟
- قبل أن نتكلم عن البيان ، كيف يرى الناس كتبى ؟ وكيف يرون قبرى بعد اثنتين وسبعين سنة ؟
- قبرك سيدى ككتبك وكتبك كقبرك ، لم آت إلى هنا مرة بعد صلاة الجمعة إلا رأيتنى وحدى ، ولم أتلمس كتبك إلا كنتُ فى غربة حتى وأنا فى أهلى ..
- لا حول ولا قوة إلا بالله .
- ولكن الأحياء يا سيدى كتبوا على قبرك هذه العبارة التى حيرتنى وأرجو منك البيان بشأنها .
- يالكلمة البيان ، إنها تطاردنى حيا وميتا .. ولكن ما أحلاها كلمة .
- أما المكتوب على واجهة القبر وكأنهم يستشفعون بها لى عند الله، جازاهم الله خيرا ولكن متى كان الأدب طائفيا إسلاميا أو مسيحيا أو غيره ، موضوعات الدنيا بأسرها موضوعات لكل أديب ، فالأدب جهاز الأعصاب الموحد للبشرية كلها .
- سبحان الله أنت الآن تقول ما أشعر به دائما .
- لقد كتب العلامة جورج زيدان فى التاريخ الإسلامى وهو مسيحى فبم يصفونه ؟
- نعم .
- أما البيان فأنا أول من واءم بين نحت الكلمة وبين الأدب إبداعا ونقدا
وأنا أول من استخدمها ونظر لها ومع ذلك لى عتاب على الدكتور أحمد هيكل وزير الثقافة الأسبق .
- عليه رحمة الله .
- أو قد انتقل ؟
- نعم .
- سامحه الله وغفر له ، تعلم أن كتابه من أهم الكتب التى أرخت للأدب فى عصرى وانظر إلى عنوان الكتاب وهو : "تطور الأدب الحديث فى مصر من أوائل القرن التاسع عشر إلى قيام الحرب الكبرى الثانية " ومدة عمرى كاملة واقعة فى هذه الحقبة فقد ولدت 1880وتوفيت1937م .
وبرغم ذلك بلغنى من أحد الأحباب أنه لم يذكر اسمى إلا عرضا ، فلو كان عندك بيان لهذا الأمر فا مددنى به ولك الأجر .
- نعم يا سيدى .. لقد درستُ هذا الكتاب فى كلية دار العلوم ، ولما قرأت عنوانه رجوت أن أراك على ثلاثة أرباع الصفحات أو نصفها أو ربعها أو عشرها ، ولكن.. أهذه نميمة أو غيبة يا سيدى ؟
- لا يا ولدى ، إنك لا تحدث بشخص الدكتور هيكل ولا شخص الرافعى ، إن قضيتنا الأدب والحق والحقيقة ، ولئن كان بيانها منقبة أو مثلبة فإن التاريخ لايجامل ، ولم تعد لأيٍّ منا مصلحة .
- ثمة إشارة خافتة ص253 من هذا الكتاب عن زعامتكم للتيار المحافظ فى مواجهة التيار الغربى الذى يتزعمه هيكل (صاحب رواية زينب ) وطه حسين والعقاد ثم ترجمة لك ولعبد الوهاب عزام وأحمد حسن الزيات فى الهامش وبإيجاز ، وفى ص 262 يرد اسمك وكتابك على السفود الذى صدر عام 1930 فى الرد على العقاد ، ويشعر المرء أنه لولا العقاد وطه حسين ما ذكر للرافعى ، عفوا ما ذكِرَ لك اسم !
- وما تعليقك ؟
- ظللت لسنوات كلما تذكرت ذلك تساءلت : أهذا هو كل ما يمكن أن يقال عن الرافعى بين جمهرة الأدباء المعاصرين له ؟ ,الذين اعتنيت يا دكتور هيكل بتقديم الصفحات الطوال عن أخبارهم والنماذج المطولة من أعمالهم وإن كان بعضها لم يرق عن مستوى الكلام العادى وصحف الاستهلاك اليومية !
أهذا كل ما يمكن أن يقال عن الرافعى ؟!
ـ هذا تعليق لايفترض وجهة نظر محددة ، لقد علقت على السؤال بسؤال .
أريد بيان وجهة النظر الأدبية التى أشعر أنك تتمتع بقسط منها
- تريد البيان ؟ سلطان البيان يريد البيان سبحان الله .
-لا تثرثر.
ـ ذات مساء وقد حزبنى شئ من الحزن الغامض الذى لا يعرف المرء له سببا رحت أدفعه بقراءة كتاب لك – كما هى عادتى – فاكتشفتُ أنك كنتَ السببَ وراء هذا الإغفال .
- كيف؟
- إنه مجرد افتراض ، يدفعنى إليه ما قرأته لك فى كتاب وحى القلم الجزء الثالث ص225 فى الهامش شرحا لعبارة :"فليس يتبع طريقة أحد ، بل هو طريقة نفسه " وهذا هو مقالك بالنص منقول من الهامش المذكور :
" لا وجه عندنا لما استعمله بعض الكتاب فى الأدب من قولهم مدرسة امرئ القيس ومدرسة النابغة ونحو ذلك ، ترجمة حرفية لقول الأوربيين مدرسة فلان ومدرسة فلان ؛ فإن الأدب إن كان تقليدا فهو أدب منحط لا يجعل مدرسة يحتذى عليها ويتخرج بها ، وإن كان إبداعا فليس الإبداع مدرسة تكون بالتعليم والتلقين ويتخرج بها الواحد والمائة والألف على طراز لا يختلف ، إنما تنطبق هذه الكلمة على المذاهب المستقرة فى الفنون التعليمية ، وفى هذا لاتطلق فى الأدب العربى إلا على فئتين فقط ، هما البصريون والكوفيون ، على أن كلمة مذهب هى المستعملة فى هذا ، وهى أسدُّ منها ، إذ يدل المذهب على منحى اختاره الرأى وذهب إليه ، فكأنه عن تحقيق فى صاحبه وتابعيه ، أما تسمية الإلهامات التى مرت فى ذهن نابغة من النوابغ بالمدرسة فتسمية مضحكة باردة ، إذ الإلهام بصيرة محضة ، وما هو مما يقلد ، وقلما تشابه ذهنان على الأرض فى عناصر التكوين التى يأتى منها النبوغ ، وقد قال علماؤنا طريقة فلان وطريقة فلان ، فالطريقة هى الكلمة الصحيحة لأن عليها ظاهر العمل وأسلوبه ، يتوجه بها من يتوجه ، ويقلد فيها من يقلد ، أما سر العمل فهو سر العامل أيضا ، وهو شئ فى الروح والبصيرة ، وهو فى العبقري أمر لا يستطيعه إنسان وشذ فى إنسان بخصوصه"
انتهى كلامك يا سيدى .. ولكأنما كنتَ تصف نفسك ، ولكأنك بهذا القول تُخْرِجُ نفسك من كل المدارس والتيارات التي تفرَّقتْ بهم سبلا ، وأنت تحفر لنفسك قناة خاصة هى دستورك فى الأدب يتفق من يتفق ويختلف من يختلف ... سيدى هل فى هذا الاستنتاج الذى أذهب إليه بيان من الحقيقة .
- نعم .. وأنت فى استنتاجك الصائب هذا قد طبقت مذهبى البيانى فى النقد وأعتقد أن البيان قد آن أوانه يابنى ولكن بعد أن تستريح استراحة تتخيل فيها أنك ترشف فنجان القهوة معى ، هل تتصور كيف يكون فنجان القهوة من يد أم محمود ؟
- نعم وأعرف أنها سيدة فاضلة من قرية جناج التابعة لدسوق وأنها وأهل بيتك كان يهيئون لك المناخ الملائم للفكر والكتابة ، أعرف يا سيدى أنك كنت تعيش فى بيتك كالملك فى الحكومة الدستورية ، تملك ولا تحكم ، وتعلو على كل نزاع ، والكل يرعى لك حقك لما عرفوا من خصوصية مكانتك ، وأن السيدة الفاضلة هى أذنت لك حين استأذنتها فى كتابة رسائل كتابك أوراق الورد لمَّا رأت بينك وبين الخيانة ربَّكَ وضميرك ، لأنها –رحمها الله –كانت لاتريد من الحب إلا الفن – مثلك- فإن جاء من الهجر فن فهوالحب . وهى من أسرة ميسورة ومتدينة وأخت صديقك الودود عبد الرحمن البرقوقى صاحب مجلة البيان .
- عدت تقول البيان إذن فالبيان ..
- والراحة التى وعدتنى بها .
- لا راحة – يبدو – إلا فى الأبدية .
- ليكن .. هات يا سيدى ما عندك ، فما حقيقة البيان ؟
- أول شرط الكتابة البيانية فى معانيها ، ألا ترانى أقول فى صدر كتاب وحى القلم الجزء الأول ص9 ما نصه : لا وجود للمقالة البيانية إلا فى المعانى التى اشتملت عليها ، يقيمها الكاتب على حدود ويديرها على طريقة ،
- (وتأمل ) مصيبا بألفاظه مواضع الشعور ، مثيرا بها مكامن الخيال ، آخذا بوزن تاركا بوزن لتأخذ النفس بما تشاء وتترك .
- وأقول أيضا : ونقل حقائق الدنيا نقلا صحيحا إلى الكتابة أوالشعر ، هو انتزاعها من الحياة فى أسلوب وإظهارها للحياة فى أسلوب آخر يكون أوفى وأدق وأجمل ، ماذا ترى فيها ؟
- أرى أن الكلمات الثلاث أوفى وأدق وأجمل هن أركان البيان التى لا بيان إلا بها .
- بخ بخ ثم ماذا ؟
- أما أجمل فالبلاغة والخيال وأما أدق فالعقل والمنطق وأما أوفى فاللغة بكل تكاليفها التلقائية أو قل صناعة طبيعية محيرة فيها القصد والإلهام فيها الحضور والغياب فيها المطلق مقيد والمقيد مطلق حسب الأثر المطلوب إحداثه وحجم ونوع هذا الأثر ، فيها القاسم الإنسانى المشترك الذى تتلمس شعرته الرفيعة ريشة كل فنان وقلم كل أديب ، فيها مايشبه الروح ينفخها الملك فى النطفة فتنبض بالحياة.
- من علمك هذ ا ؟
- كلماتك يا سيدى .
- أحسنت ، وما الفرق بين كتابة تتحقق فيها هذه الأركان وكتابة تنقل الحدث معتمدة على الركن الثانى ( أدق ) وبين المستوفاة للأركان الثلاثة ؟
- أنت قلت يا سيدى عن الأولى أن البيان فيها كوخز الخضرة فى الشجرة اليابسة هنا وهنا ولكن الفن البيانى يرتفع عن ذلك بأن غايته قوة الأداء مع الصحة ، وسمو التعبير مع الدقة ، وإبداع الصورة زائدا جمال الصورة .
- قلنا من قبل أوفى وأدق وأجمل وهى أركان البيان وهنا بيان البيان . فقوة الأداء مع الصحة تجدها فى أوفى ، وسمو التعبير مع الدقة تجدها فى أدق وإبداع الصورة زائدا جمال الصورة تجدها فى أجمل ، وهذه المرامى الثلاثة هى غاية الفن ، انظر كيف لا تجد الأدب إلا فى البيان !
- حتى لو كان المعنى مؤلما يجب أن يساق فى الأدب جميلا مستلذ ا للنفس .
- واعلم أن دورة العبارة فى نفس الكاتب الملهم تخرج بها الأ لفاظ أكبر مما هى وأقوى وأدل .
- لماذا يعيبون السمو الأدبى بأنه قليل ؟
- لأنه الخير كذلك
- لماذا يعيبون عليه بأنه مخالف ؟
- لأن الحق كذلك
- لماذا يعيبون عليه بأنه كثير التكاليف ؟
- لأن الحريه كذلك .. ثم قل لى يا ابن نوح ماذا إن لم يكن البحر ؟
- فلا تنتظر اللؤلؤ .
- أحسنت ، فماذا إن لم يكن النجم ؟
- فلا تنتظر الشعاع .
- صدقت .. فماذا لو لم تكن شجرة الورد ؟
- فلا تنتظر الورد
- صدقت .
- فماذا لو لم يكن الكاتب البيانى؟
- فلا تنتظر الأدب .
- سرت مقالة بين الأدباء الذين ادَّعَوْا الحرية بأن الفن للفن ليس غير ، وهم بذلك يعزلونه عن قضايا الناس فما قول سيدى ؟
- أنت ماذا فهمت من مقالاتى فى وحى القلم وخصوصا فى مقال بعنوان الأدب والأديب هل تتذكر شيئا منه ؟
- نعم .. وأستطيع أن أوجز وجهة نظرك ، ولكن كنت أريد منك وقفة وبيانا .. وعلى أية حال هذه الأغراض الستة للأدب كما فهمت من أستاذى
1- أن يخلق للنفس دنيا المعانى الملائمة لتلك النزعة الثابتة فيها إلى المجهول وإلى مجاز الحقيقة .
-2- أن يلقى الأسرار فى الأمور المكشوفة بما يتخيل منها .
-3- أن يرد القليل كثيرا وافيا بما يضاعف من معانيه .
-4- أن يترك الماضى منها ثابتا قارا بما يخلد من وصفه .
_5_ أن يجعل المؤلم منها لذا خفيفا بما يبث فيه من العاطفة .
- 6- أن يحعل المملول منه حلوا بما يكشف فيه من الجمال والحكمة .
- أحسنت يابني ، واعلم أيضا أن مدار ذلك كله على إيتاء النفس لذة المجهول التى هى مجهولة أيضا ؛ فإن هذه النفس طُلَعَة ٌ متقلبة لاتبتغى مجهولا صرفا ولا معلوما صرفا ، كأنها مدركة بفطرتها أن ليس فى الكون صريح مطلق ولا خفى مطلق ، وإنما تبتغى حالة ملائمة بين هذين ، يثور فيها قلق ، أو يسكن منها قلق .
- أنت يا سيدى تربط الأدب بأسمى وأدق بل وأعقد ما يمكن أن يشغل الإنسان ، بالوجود والعدم .
- أخطأت خطأ فادحا ، فما تطلق عليه الوجود أسميه الفناء وما تطلق
عليه العدم إنما هو الخلود فالموت أو الغيب يعنى الخلود أما الدنيا فدار فناء بما عليها ومن عليها ومن ثم يكون المنطق الذى نستطيع أن نقرره مطمئنين هو أن أساس الفن على الإطلاق هو ثورة الخالد فى الإنسان على الفانى فيه ، وأن تصوير هذه الثورة فى أوهامها وحقائقها – بمثل اجتلائها فى الشعور والتأثير – هو معنى الأدب وأسلوبه .
- الأديب إذن إنسان غير عادى .
- نعم .. وفيما يرى الناس الحياة كلا قائما بحقائقه وأوصافه يراها الأديب العبقرى أجزاء .. كأن القوة الأزلية تقول لهذ ا الأديب الملهم : أنت كلمتى فقل كلمتك .
- يالها من مسئولية !
- واعلم يابنى أن الكلام أمة من الألفاظ عاملة فى حياة أمة من الناس ... قالها ابن عربى بشكل هَزَّنِى حين قال " الحروف أمة من الأمم يتخاطبون "
- أنت التقيت معه إذن .
- لا شك كما نلتقى أنا وأنت الآن .
- دعنى أشكو إليك كثرة شعراء هذا العصر وكثير منهم...
- أعرف يا ولدى، وليتهم يعرفون ما هى التركيبة النفسية للشاعر
- إذن لأراحوا واستراحوا .
- شوف.. للشاعر بصرٌ شعرىٌّ من وراء الحواس ، فقد يكون الشاعر أعمى كهوميروس وملتون وبشار والمعرى فيأتى بما يقصر عنه المبصرون، وإن شاعرية الشاعر هى تنطق الصامتَ وتبعثُ الحياةَ فى الجوامد بما يلقى عليها من ذات نفسه خيالا وبصيرة ودقة وجمالا ، واعلم أن نفس الشاعر العظيم تكاد تكون حاسة من حواس الكون .
- وماذا تقول فى الشعر الحديث .
- لا حديث ولا قديم ، الشعر شعر ومتى نزلت الحقائق فى الشعر وجب أن تكون موزونة فى شكلها كوزنه ، فلا تأتى على سردها ولا تؤخذ هونا كالكلام بلا عمل ولا صناعة ، فإنها إن لم يجعل الشاعر لها جمالا يكون لها شبيها بالوزن ، ويضع فيها روحا موسيقية بحيث يجيئ الشعر وله وزنان فى شكله وروحه فتلك حقائق مكسورة تلوح فى الذوق كالنظم الذى دخلته العلل فجاء مختلا قد زاغ أو فسد .
- لكأنك تتكلم عن قصيدة النثر وموسيقاها الداخلية .
- هل تقول شيئا ؟
- كلمنى عن الشاعر الذى تتوفر فيه كل هذه الإمكانات ، إنك تعلو به إلى درجة هائلة.
- الشاعر فى رأيى بهذه الملكة يرفع الطبيعة درجة إنسانية ، ويرفع الإنسانية درجة سماوية وكل بدائع العلماء والمخترعين هى منه بهذا المعنى ، فالخيال فى أصله هو ذكاء العلم ثم يسمو فيكون بصيرة الفلسفة ، ثم يزيد سموه فيكون روح الشعر ، وإذا قلبت هذا النسق فانقلبت به نازلا كما صعدت به حصل معك أن الخيال روح الشعر ثم ينحط شيئا فيكون بصيرة الفلسفة ، ثم يزيد انحطاطا فيكون ذكاء العلم ، فالشاعر كما ترى هو الأول إن ارتفعت الدنيا وهو الأول إن انحطت ؛ وكأنما إنسانية الإنسان تبدأ منه .
- فماذا عن النقد ؟
- أحدثك عن النقد فى أيامنا ، وبخاصة نقد الشعر ، الذى أصبح أكثره مما لا قيمة له ، وساء التصرف به ووقع الخلط فيه ، وتناوله أكثر أهله بعلم ناقص ، وطبع ضعيف وذوق فاسد ، وطمع فيه من لم يحصل مذهبا صحيحا ، ولا يتجه لرأى جيد ، حتى جاء كلامهم وإن فى اللغو والتخليط ماهو خير منه وأخف محملا .
- ياه ... فماذا تقول عن النقد فى أيامنا هذه .
- لن تطيقوا ما سأقوله .
- ومعاركك الأدبية ألن نتكلم عنها ؟
- يا ولدى أنا مشفق عليك .. قم الآن وعد لزيارتى الجمعة المقبلة .
- أستودعك الله .
- ألن تترحم على ؟
- ـ يرحمك الله

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:26 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
إغتيَال العَصَافير !


ماجد موني
منبر بوح المشاعر




.

لا أشْعرُ

بالشّعور / وكَأنّ الخَريف عَانقَ وريدي النّحيل ، فيقْضِي عُمْره بغصّةٍ ونَحيبْ

ويَغيبُ النّور / وكَأنّ الظّلامَ مَتْروكٌ على آثار القَتيل ..

فيَنْهضُ على بَعْثٍ سَقيمٍ بلا مُحبّ وبلا طَبيبْ

بقَدرِ الرّغْبةِ باللاّوصول أشْعرُ بإقترابِ " فَصْلٍ " مِن بَعْد فُصُول !

والضّلع يَشُدّ إزره على مُعتركٍ قَديم

أحَاول ثَني القَرار ، بعْد إقرار / أنّ إبتكارَ التّناغمِ وهَدم التّفاقمِ هو أمْرٌ يُقرّره الحَكيمْ

ولحُسْنِ الحَظّ وغيْره ..

لا جَذْبَ يَروي عَاطفةَ البُحيْرة ، ولا اعْتبارَ / لـ جسْرٍ تسْلكهُ العَصَافير !

الشّمْسُ مُسْتلقية بـ قُدْرةِ الرّحمن ، والقَمرُ يكرّر عَزف سيمفونيّات الوَداع على فَوهةِ القَوارير

فـ نَرفُق بهم جداً ، ويَسْقطون عنوةً لإيقاظِ شَمْس المَغيب قبْل أوَانِها .

والحَدقةُ تُبْكي أخْتها ، فـ تَطْلب العِناق لـ / تَضمّها ، تَخْنُقها ، تَشْنقها ..

فـ تَدْفنها حيّة بداخِل نعْشٍ كريمْ !

ومن ثم تُطلّقها بَاكِية مُبْكية على حِوارات المَسَاء و ذكْرى الأمْس القديمْ

فيَرتمي العُصْفور على غُصنٍ منطويّ بَحثاً عَن اختفاءٍ في مُنتصَف اللّيلِ البَهيم

وتَأبى الذّكْرى أنْ تتَحوّل إلى رمَادٍ حَتى بَعْد اعْتِكاف الأورَاق في مَقَامِها ..

وانتظار بَصْمةِ الأوليَاء لتَأييد إعْترافِها السّقيم !

والجَبينُ يَتنهّد و تَتَقاطر مِنْهُ الأقْدار المؤرّخة عَلى لوْحَةٍ نائيةٍ جداً جدا

فـ يُرَتّبُهَا الدّمْعُ عَلى شَكلِ أُغْنِيَاتٍ رمَاديّة تُلوّح للسّراب

ولا تَخْشَى إلاّ أن تَعْتنق الحَقَائق المُرّة فتنطوي صَفَحاتُ الحَنين ..

وتتَفَاقم مُزدهِرة / مُغلّفةً بأنينِ زَهْر اليَاسمين بَعْد غَياب الغيْم و ثَبَات تَحرّك ليالِ التقويم .

و يَنْقَضي التّصْريح بوجُود الأمَل وتَسْكُن العُتمَة كُل الحَنَايا بَعْد سُقوطِها مِن سَمَاءٍ ثَامِنة !

مُسْتوجِبةً إقامَة فَريضةٍ تَاسِعة بَعيداً عَن إسْقَاطِ ما سَبَقها سَهْواً في ظِلّ عنفوان المُقْتدرين

اليَوم نَظمَأ مِن بَعْد ارتِواءْ ، نَشْعر بالبَرد مِن بَعْد احْتواء

نَمْضي قُدماً نَحْو ظِلالِ اليَقطين ، بَحثاً عَن ثَمَرٍ سَمين

نُصارع المَوْج الجَاف بإجتراف

فالعَصَا مَجْبورة بَعد انكِسَار ، والقَاربُ مُعرّضٌ للغَرق بَعْد مُخَالفَته لقَوانينَ الإبْحَار

وتستَمرّ المواجَهَات أمَلاً في إيجَاد قَطَراتٍ من سَلسَبيل تُنهي كُل الحِكايَة

بَعْد افتِرَاض الإعْتكَاف داخِل المحْرابِ و اعْتنَاق الطّقوس قُبيل إلتحَافِ التّراب


والتَنفّس يَنْقضي ويَقْضي ..

وبالرّغم مِن تكْرارِ الفصُول ، إلاّ أنَي مَازلتُ لا أشْعرُ بالشّعور .

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:27 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
مع روح الخزامى أبعثها اليك
سارة الودعاني
منبر بوح المشاعر

ذات يوم .. رحيل

ضجت بي أحزاني

وضاقت .. أضلعي بقلبي

زجته خارجا

تلقفته كفي

ينتفض خوفا

يرتعش برد

ويقطر ثكلا

ضمته راحتي .. وقبلته

أعادته إلى صدرى ..

أوصدت أضلعي .أبوابها

وضمته كفي

وضاق بقلبي

توسل إليها

أن أجهزي عليّ

فنهتها نفسي ..

أن.. رفقا بقلبي

خاطبت قلبي:

أيكفيك دفنك .. بالقرب منه

وحين أموت .. أزف اليكم ؟؟

وهبت رياحه

فاجتاح أرضي

بغير سلاح

وبلا نذير

ربيع بهيج

وعبق الخزامى

عبث بقلبي

كان في بيات

أيقظه الأريج

وعاد بقلبي

صبح أكيد

وبعطر جديد

فتحت أضلعي

أقواسها

وغفى بصدري

حلم جديد

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:28 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
عِشْقُ الوَطَن

حِيَال مَحَمَّد الأَسَدِي
منبر قصيدة النثر





[يبقى الوَطَنُ الهاجسَ..والحلمَ..أحمِلُهُ حيثما مَشيْت]



كُلُّ فُنُوْنِ العِشْقِ أَتْقِنُهَا

فِي حُبِّ وَطَنِي

لَكِنَّهُ لا يُحْسِنُ إلاَّ وَجَعِي

أُخْفِيْهِ فِي تُخُوْمِ الرُّوْحِ

وِ أُغلِقُ عَلِيْهِ شَوْقاً أَضْلُعِي

أَحْمِلُهُ تَحْتَ الوَرِيْدِ

فَيَفْلُتُ مِنْ شُرْطِيِّ الَمَطَارِ

رُغْمَ وُضُوْحِ بَصْمَةِ اِصْبَعِي

لَكِنَّهُ مُغْرَمٌ بِإذْكَاءِ غُرْبَتِي

وَ شَنْقِ أَحْلامِي

وَ هَدْرِ أَدْمُعِي

أَرْسمُ عَلَى الوِسَادَةِ نَخْلَةً

أَرْشُقُهَا بِسَيْلِ الدَمْعِ

مِنْ فَوْهَةِ مَدْفَعِي

فَتَزْهُرُ بِعُمْقِ الوَجْدِ

وَ تَمْلأُ كُلَّ مَقْطَعِي

آهِ يَا وَطَنِي

قِصْ للجَمِيْلَةِ مِحْنَتِي

وَ حِثَّهَا..أَنْ أَسْرِعِي

فَإبنُكَ الَمَكْلُوْمُ مُوَدِّعٌ

وَ لا يَرَى وَصْلَهَا اليَوْمَ بِنَافِعِ !

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:29 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
على منسـأةٍ من جمْـرٍ
هيا القحطاني
منبر بوح المشاعر




هنا


تقبع روحي في كهفٍ

من الـأنين

لا يعرف سوى

ليلِ سرمديٍ

يقتحم أرجاءه

يردد على مسامعِ النوى

قصائدُ حزنٍ

ترسِمُ ملامحَ الأسى

وعلى شفا جرفٍ من الظمأ

تتبللُ محاجري بـ صدأِ

الأيامِ

فـاتكئ على منسـأةٍ

من جمــرٍ

لأخضبَ يداي

بـ تعاويذٍ مؤججةٍ

تنتشلني من أناي

وأنتظرُهطولاً مترفاً

من ضوءٍ

في غابةٍ لا تعرفُ

سوى خريف مدجج

بالإنكسـار.

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:30 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
79 عام !!

محمد آل شايع

منبر المقالة





تسعة وسبعون عام هي فرق السنين بين الأب وحفيد ابنه في عائلتي الصغيرة.



تسعة وسبعون عاماً فيها الكثير من الكفاح والعمل والألم والسعادة، فيها لحظات الفرح والحزن، فيها الفرح بمقدم كل مولود من هذه الأجيال الأربعة، الفرحة الأولى لم يشهدها أحد من أحياء اليوم، الفرحة الثانية لم يشهدها سوى اثنين من أحياء اليوم في عائلتي الصغيرة، الفرحة الثالثة لم أكن أفرّق بين يدي اليمنى واليسرى يوم أن كانت، أما الفرحة الرابعة فشهدتها يوم أمس.



لحظات يزيد فيها الجنس البشري فرداً لكل مرّة، يرتقب الجميع مثل هذه اللحظات، وينتظرونها على أحرّ من جمر الغضى، ثم تأتي فلا تسعهم الأرض من شدة الفرح.


لحظات – خلال هذه الأعوام كلها- تحمل بين طيّاتها الكثير من الفوارق والاختلافات مع أنها في أصلها واحدة، فالأب والابن كانت لحظتاهما في منزل اللبِن والطين، أما الحفيد وحفيد الابن فكانت لحظتاهما في المستشفيات.

نشأ الأب والابن في شظف من العيش وقلة من ذات اليد، أما الحفيد وحفيد الابن فنشآ في حياة رغيدة وحال موسرة.



تسعة وسبعون عاماً طرأ فيها العديد من المتغيرات النفسية والاجتماعية والتربوية والتعليمية والثقافية ما يجعل الفرق فيها شاسعاً بين الأجيال الأربعة سواء نحو الإيجاب أو السلب.


في يوم من الأيام كان أقصى حدود العالم – معرفة أو طموحاً - هو مكة المكرمة، وأما الآن فالعالم تناهى في الصغر حتى اجتمعت أطرافه وحدوده في إحدى غرف منزل هذه العائلة.



في يوم من الأيام استغرقت رحلة السفر إلى الطائف سبعة أيام بلياليها، وأما الآن فرحلة أقصى جنوب أستراليا لم تستغرق سوى ست عشرة ساعة طيران.



في يوم من الأيام كان أن يعرف ابن السادسة كيف ينطق ألف باء الإنجليزية فهذا أمر يستحق الاحتفاء، وأما الآن فأن يتصّفح ابن الرابعة موقع "اليوتيوب" بدون أي كلمة عربية واحدة ويعرف كيف يصل لما يريد في هذا الموقع فهذا أمر عادي وعادي جداً.



في يوم من الأيام كانت وسيلة الترفيه الوحيدة فيه هي " كرة الشرّاب " ، وأما الآن فلم يعد " البلايستيشن " ولا " القيم بوي " يكفيان ولا بد من ألعاب " الإنترنت " الحيّة المباشرة.


في يوم من الأيام بكت العائلة كلها لسفر أحد أفرادها إلى الرياض بغرض الدراسة وخيم الحزن عليها أسابيعاً وشهوراً وسادت الكآبة حتى عاد ذلك الغائب بعد أربع سنوات، وأما الآن فلم تدمع عين واحدة عندما سافر أحد أفراد نفس العائلة ليس إلى الرياض وإنما إلى " ساوث كاليفورنيا " ولم يحزن أحد !! أما لماذا فلأن " الماسنجر " و " السكايب " يتكفلان بإحضار هذا الغائب متى ما أردنا وأينما كنّا.



كل هذه الأمور حدثت في محيط عائلتي أنا خلال هذه التسع والسبعين سنة، وأجزم أنها تتكرر بشكل أو بآخر عند الجميع، ولكن هذه هي سنّة الحياة في التغير للأفضل والأسوأ حتى قيام الساعة.


أختم بالدعاء لكبير هذه العائلة بطول العمر على طاعة الله، وبالدعاء لصغيرها بأن يبارك فيه ويجعله سنداً لعائلته ومجتمعه ووطنه وأمته.

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:31 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
رائحة الذاكرة



سعيد العواجي
منبر الشعر الفصيح




مهمومةٌ دفاتري فوقَ غبار الطاولَةْ

والقلمُ المُثيرْ

يُريدُ أن يخطَّ فيها فكرةً مجادِلَةْ

لأنّها رسائلي قد أُلْقِيَتْ في الهَاوِيَةْ

***

وَهَا أَنَا حَبِيبَتِي أُسَابِقُ الرّكبَان

انْتَعِلُ الصُّخورَ والإسْفَلْتَ والرِّمالْ

قَوَافِلِي رَأَيتُها تَغِيبُ خَلْفَ السَّاقِيَةْ

ضَيَّعَهَا النِّسْيَان

فالرَّمْلُ في مدائنِ الحِرْمَانْ

سوفَ تُنَادِيْ العَاصِفَةْ

وَهَا أَنَا أَجْلِسُ تَحْتَ النَّافِذَةْ

فَلْتَنظُرِي إِلَيّ

وَلْتَسْقُطِ الأَوْرَاقُ فَوقي فَوقَ رُوحِي الخَاسِرَةْ

منتظرٌ دَهْرِي هُنَا لَنْ أَبْرَحُ المَكَانْ

إِنَّ الَّذِي يَجْمَعُنَا رَائِحَةٌ لِلذَّاكِرَةْ

حبيبتي أنا أَمِيرُ الرَّاحِلَةْ

لَنْ أَقْبَلَ الخُسْرَانْ

فَلْتَنْزِلِيْ إِلَيَّ مِثْلَ قِطَّةٍ مُشَاغِبَةْ

أَوْ كَخُيُولٍ بَاسِلَةْ

أَرَدْتُهَا رَسَائِلِي تَعِيشُ في حَيَاتِكِ المُغَامِرَةْ

***

سَمِعْتُ عصْفُورًا يَقُولْ :

عصْفُورَتِيْ فَلْتَأْخُذِيْ مِنَ البُذُورِ قَبْلَ غَزْوِ السَّابِلَةْ

هُنَاكَ جَاذِبِيَّةٌ في آخرِ المَطَافْ

هِيَ الخُطَى إِذَا عَلَتْ لا بُدَّ يوما نَازِلَةْ ..
..
..

6/6/1431هـ

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:32 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
ريد الهجرة لا الهجران


محمد جاد الزغبي/عميد المثقفين
منبر الحوارات العامة


البعض يفهم الغربة والإغتراب من طريق الخطأ
فليست الغربة ترك أرض تربيت فيها .. ولا إلفا اعتدت عليه .. ولا حتى أهلا تركت لهم قلبك
إنما الغربة أن يولد لك عقل ولا تولد له رسالة .. أن تعيش طموحا لا يتعدى أنفك .. وتطلب آمالا لا تفيد بها إلا نفسك
إنما الغربة ألا تشعر بالغربة فى زمن كل ما فيه مناقض لعقيدة اعتنقناها .. ودين آمنا به .. وتاريخ حملنا أمانة إحيائه
فلو أنك لم تشعر بالإغتراب فى ظل مجتمعك فلك أن تراجع نفسك بالفعل لتدرك ساعتها أنك بهذا فقط أصبحت غريبا

فالغريب المغترب هو ذلك الذى يشعر بالإلفة فى مجتمعه المعاصر ويشعر بالغربة مع تاريخه الذى لا يعرف عنه شيئا
وأولى الناس بالإغتراب عن مجتمعاتهم وقوانينها هم المفكرون والعلماء حاملى لواء الرسل والأنبياء
وإلى هؤلاء وإلى كل صاحب قلم تم توجيه هذه الرسالة ..
أننا نريدها هجرة .. ولا نريدها هجرانا
هجرة إلى كل مكان بغض النظر عن موقعه لكى تلقي فيه بذور قلمك مؤديا رسالتك .. لأن عهد مواطن الأقلام ولى إلى غير رجعة وأصبح الموطن لكل كاتب هو قلمه وحسب .. وأى إنتماء لغيره أو لغير رسالته ليس من الإنتماء فى شيئ
نريدها هجرة إلى القيمة حيث حلت وعن أى مكان عنه رحلت
فكل كاتب صاحب هدف فى أى مجال يرمى بقلمه إلى إحياء ما كان لهذه الأمة من تاريخ ملزم أن يهاجر بالهجرة .. لا أن يهجر بالهجران
فالهجرة تكون للقيمة .. أما الهجران فيكون عن القيمة
فأيما مكان طغى فيه السواد على البياض حتى أفناه صار محتما تركه وإن عز .. وأصبح لازما هجره وإن كان فيه الأقرباء
ولا أزعم أنه من الممكن فى عالمنا المعاصر أن يوجد مكان كل ما فيه بياض ناصع .. أو نظن وجود مكان كل ما فيه ثقافة وكل من فيه مثقفون .. فالذى يظن هذا واهم حالم لا شك
إنما حديثي عن الأمكنة التى يحارب فيها المثقفون ويكون فيها من اللون الأبيض فقط ثلاثين فى المائة أو حتى عشرين لأن تلك المساحة تستحق المعاناة والكفاح للحفاظ على نسبتها على الأقل
ولكن إن قلت النسبة فوصلت إلى خمسة فى المائة أو أقل فالمحاولة هناك ضياع رسالة قبل أن يكون ضياع جهد
والمنابر التى يكافح فيها المثقفون ومنها على إختلاف أشربتهم تتضاءل كل يوم ويضيق عليهم الخناق كل ساعة ولا حل أمامهم إلا أن تكون سياسة الهجرة طريقهم لإيصال رسالتهم بعيدا عن حروف .. الغرض هو سلاحها الوحيد
والهجرة دونما نظر إلى عواقب أو فقد رفاق .. مهما كانت تلك الصحبة القليلة نادرة وداعية للتمسك بها لا تركها لأن الرفاق إن كانت لهم حقوق فالرسالة لها الحق الأولى
وتلك الأمكنة تتنوع بين دور صحف ودور نشر وأندية ثقافية ومنظمات فكرية ومنتديات كلها تختلف فيما بينها فى درجة الوعى على حسب النسبة التى توجد بها من أهل الجادة .. وكلها تمثل عذابا مقيما لتلك النسبة الضئيلة فى معاركهم مع الأكثرية الغائبة عن الوعى
وكلها شهدت على مر التاريخ هجرة رآها العقلاء واجبة وشهدت هجرانا رآه الطامحون للإصلاح لازما
وبدا واضحا أن العلاء كانوا ولا زالوا على حق
وعندما نتأمل دروس وعبرة الهجرة الكبري فى الإسلام نوقن أنها كانت درسا لمن أتى بعدها ولم تكن حادثا لزمانها وحده
فالرسول عليه الصلاة والسلام ترك مكة وهى أقرب بقاع الأرض لقلبه لكن هذه المعزة لم يكن لها إعتبار عندما يتعلق الأمر بعوائق أمام إتمام الرسالة على أكمل وجه بعد محاولات مريرة لم تفلح عبر ثلاثة عشر عاما من الدعوة
ورغم أن مكة المكرمة ظهر منها المسلمون المعاهدون لربهم إلا أن ظهورهم ووجودهم لم يمنع أن الأكثرية كانت من الغثاء الواجب تركه والحلول ببقعة خصبة فيها من الخير ما يمنح للدعوة طريق الرشاد
ولم تكن المدينة المنورة حال قدوم الرسول عليه الصلاة والسلام مدينة من الملائكة أو المؤمنين وحدهم

بل كانت بها فرق اليهود وبها النعرة القبلية التى أثمرت شلالات الدم بين الأوس والخزرج وبها المنافقون فلماذا كانت الهجرة إليها رغم كل هذا
والسبب أن المساوئ الموجودة هناك كانت قابلة للحل لأن رجالها من أهل الحل والعقد
كانت المدينة فيها من القيمة ما يكفي لمواصلة المقاومة والعناء حتى تستكمل الرسالة رونقها وتثمر بعد جهد
أما مكة فكانت ـ شرفها الله ـ تعج بما لا يفيد معه الإصلاح إلا بالسلاح .. والسلاح يلزم له العدة والعتاد بعيدا عنها أولا
فلو أن كاتب ومصلح ضاقت به بلده أو ضاق به منبره حتى مثل عائقا على ممارسة رسالته قام بالهجرة عن هذا المكان واتخذ لنفسه منبرا أو حتى بلدا أخرى يمارس منها رسالته .. لكان الحال اليوم غير الذى نحن فيه
وعلى مر التاريخ مارس العباقرة الفكرة فكانت الهجرة ..
فعلها الأئمة الأربعة كلٌ فى محنته وفعلها العز بن عبد السلام فجاء إلى مصر من الشام .. وفعلها بن تيمية فجاء من الحرية للسجن ..
ومن التاريخ المعاصر ..
فعلها عمر مكرم عندما أحاط به الحقد فقال كلمته ومضي ولم يثنه عن عزمه رفاقه وأهله الذين تركهم
وفعلها رواد البرلمان المصري الأول عندما تركوا مرضاة الخديو إسماعيل إلى غضبه فأدوا رسالتهم وقبعوا فى مجلسهم دونما أن يلتفتوا لأهليهم وما لاقوه .. وفعلها الأفغانى وتنقل عبر البلاد لا يكل ولا يمل ولم يصعب عليه مغادرة الأهل والولد
وفعلها محمد عبده عندما تآمروا عليه فمنحوه العالمية من الدرجة الثانية بدلا من الأولى فأدى رسالته من خارج الأزهر
وفعلها عبد الله النديم عندما ترك رغد العيش إلى الهروب المستمر رافضا اليأس مهما ضاقت دوائر الأمل ومفضلا ترك الأعزاء على فؤاده فى سبيل الأعز
وفعلها الشعراوى عندما ضاق به الداخل فأدرى رسالته من الخارج ثم عاد فأكملها بالداخل ..
وفعلها العقاد من بيته عندما ازدحم المشهد الخارجى وضاق بأهله
وفعلها محمد حسنين هيكل عندما ترك الأهرام الذى أسس فيه الوعى ونشره وقبع فى منزله ومكتبه راضيا ليبدأ فى ممارسة دوره التوعوى دون مقعد الأهرام بأضعاف ما كان عليه فوقه ولم يثنه عن قراره أن له بالأهرام أساتذة وتلاميذ ورفاق
فخرجت من محرابه عشرات البحوث التى لا تقوى على جمعها أمة من العلماء
واحتمل فى جلد وصبر عتاب المحبين وغضب الأصدقاء ممن رأوا فى موقفه تعنتا ورآه هو رحيلا ضروريا عن مكان .. البقاء فيه معناه رحيله عن نفسه
وما ينادى به أبو اسحق الحوينى هذا العالم الفذ حول مسألة كفالة طلبة العلم والحرص على توفير نفقاتهم لئلا يتركوا رسالتهم تحت ضغوط الحياة .. هو قول محل نظر
لأنه ما من عظيم أدى رسالته فى السابق ولا حتى الحوينى نفسه إنتظر شيئا أو محفزا لكى يقوم بأداء دوره بل قام كل منهم بالحفر فى الصخر حتى يحقق مبتغاه العام من نهضة الفكر لا مبتغاه الخاص فى تحقيق الطموح
ولا زال هناك من يحفر ويواصل ويري ضربات القهر على ظهره مجرد منشطات لعضلاته .. فما أشد حاجتنا لتلك الروح

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:34 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
أدَب السِّيرة الذاتية بين الشِّعر وَبيْن النَّثر

د. عبد الفتاح أفكوح
منبر الدراسات النقدية




(المقالة الأولى)



كثيرون استبعدوا إمكانية تحقيق وإنتاج سير ذاتية شعرية، وزعموا أن أدب السيرة الذاتية يعتمد الحقيقة والصدق في نقل تجارب الحياة الفردية، وأن الشعر يقوم بخلاف ذلك على التصور، والتخيل، والمبالغة، وعلى الصدق الفني إن لم نقل الكذب، شأنه في هذا المنحى أقوى من شأن الرواية والقصة، وطائفة ثانية تجاهلت أمر تلك الإمكانية، ولم تكلف نفسها عناء التفكير في مسألة السيرة الذاتية الشعرية، في حين تنبهت ونبهت طائفة ثالثة إلى وجود نماذج وجذور للسيرة الذاتية الشعرية في تراث الأدب العربي الإسلامي.
وقد أثيرت مسألة السيرة الذاتية الشعرية كذلك داخل الأوساط الأدبية والنقدية الغربية، بحيث أبدى فيليب لوجون (Philippe Lejeune) في هذا الشأن ملاحظة خلاصتها أن أدب السير الذاتية النثرية يعرف كثرة في الإنتاج بخلاف أدب السيرة الذاتية الشعرية الذي لا تتجاوز الأعمال المنضوية تحته عدد الأصابع، وبالعودة إلى كتابات الناقد الفرنسي (Lejeune) في موضوع تعريف السيرة الذاتية، سنجد أنه قد حاول واجتهد مرتين في وضع حد أو تعريف لهذا الجنس الأدبي، لكنه خلص في النهاية إلى صياغة حدود تعريفية تتجاهل الحد الشعري في هوية أدب السيرة الذاتية وتعريفه، مع أنه أدرك عدم وجود أي مانع يحول دون توظيف وإدراج أبيات شعرية في السيرة الذاتية.
والملاحظ أن معظم النقاد والباحثين العرب اعتمدوا في كتاباتهم ما وضعه الناقد الفرنسي من تعريف للسيرة الذاتية واكتفوا به، واعتبروه، على ما يبدو، معيارا وتعريفا شبه ثابت خاص بأدب السيرة الذاتية، يستند إلى ثلاثة مرتكزات تقيم بناءه، أما جورج ماي ( Georges May ) فيناقش مسألة السيرة الذاتية الشعرية بقسط من الحذر، بحيث إذا ما تفحصنا ما جاء به في هذا الشأن، فإننا نلمس لديه نزوعا إلى إقرار الحد الشعري في تعريف السيرة الذاتية، وإن كان ميل الكتاب إلى النثر في تأليف سيرهم الذاتية أقوى من ميلهم إلى إنشائها شعرا.
وإن كان جورج ماي ( Georges May ) لم يضع حدودا تعريفية دقيقة لأدب السيرة الذاتية ، كما حاول ذلك فيليب لوجون
(Philippe Lejeune)، فذلك لأنه أدرك بأن حدود التعريف النثرية عاجزة عن الإحاطة بجوهر وهوية السيرة الذاتية، ورأى من الأحسن أن يتخذ مفهوم النزوع المتسم بالمرونة عوضا عن مفهوم التعريف في شأن تحديد ماهية هذا الجنس الأدبي، وذلك تفاديا لما ينطوي عليه التعريف من تصلب وجزم، فهل نسلم بالتعريف الذي وضعه لوجون (Lejeune) للسيرة الذاتية، المتمثل في كون هذا الجنس الأدبي، تبعا لحد من حدوده التعريفية، حكي أو سرد استعادي نثري؟ وأنه أدب ينتمي إلى النثر الخالص ولا علاقة له بالشعر؟
هل الحد الشعري الذي غيبه لوجون (Lejeune) أثناء تنظيره لأدب السيرة الذاتية قد أفقد التعريف الذي وضعه لهذا الأدب الكثير من مصداقيته؟
ثم لو تم إدراج هذا الحد والإقرار به في دائرة تحديد هوية السيرة الذاتية، أكان سيكسب تعريف هذا اللون الأدبي مصداقية كبيرة؟ للإجابة على هذه الأسئلة، لا بد أن نتحرى عن حقيقة "السرد" أهو بالفعل قاسم مشترك بين مختلف الأجناس الأدبية النثرية فقط؟ وإلى أي مدى يمكن أن نوظف "الشعر" في تأليف السيرة الذاتية؟
صحيح أن "السرد" أداة مخالفة لعنصر "الوصف"، وخطاب يعتمد الحكي و القص الأدبي، لكن حدوده مفتوحة على الشعر، بقدر ما هي مفتوحة على النثر، مما يدل على أن العملية السردية هي قاسم مشترك بين جميع الفنون الأدبية، فليس كل الشعر وصفا حتى يتعارض مع السرد؛ بل إن فيه من أثر هذه الأداة الحكائية والقصصية ما لا سبيل إلى تجاهله أو إنكاره، وليس كذلك كل النثر سردا حتى يتعارض مع الوصف.
ثم ليس كل الشعر العربي سردا حتى يتجرد من الوصف، فلا الشعر ولا النثر بإمكانهما الاستغناء أو التجرد عن أداتي: السرد والوصف، والشعر لا ينطوي فقط على التخييل، والمبالغة، والصدق الفني، وإنما فيه من صدق الحديث، وحرارة العاطفة والوجدان فيضا خالصا من كل زيف أو كذب، قد لا نعثر عليه في بعض الكتابات النثرية.
لا شيء، حسبما نرى، يمنع السرد من الاقتران بالشعر، إذ لا يحق لنا أن نحكم على عنصر السرد بأحادية انتمائه إلى النثر، ولا أن نزعم وندعي انعدام العلاقة التي تجمعه بالشعر عموما، أو بالقصص الشعري الذاتي بوجه خاص، فما قانون "السرد" إلا كل ما هو محكوم بمنطق الحكي والقص الأدبي، ثم إنه من العسير علينا أن نبرهن أو نجزم بصفاء السير الذاتية النثرية وبراءتها من التخييل، والتمويه، والمبالغة، والكذب، لأن من يكتب سيرته الذاتية غير معصوم من الانحراف و الميل إلى مثل هذه العوارض والعثرات، سواء عن قصد أم عن غير قصد ، فقد يلجأ إلى مخيلته ليصل بين أجزاء و تفاصيل ذكرى معينة خلت وعفا عليها الزمن، ثم إن الحياة الإنسانية هي أصلا مزيج من الحلم والحقيقة، والواقع والخيال.
إننا نعثر في الشعر الجاهلي مثلا على حس ذاتي عميق، انطوت عليه معلقات عدد من الشعراء، ويكفي أن نقرأ معلقة طرفة بن العبد المتوفى عام 70 قبل الهجرة/ 550 للميلاد، أو معلقة امرئ القيس المتوفى عام 80 قبل الهجرة / 565 للميلاد، أو معلقة عنترة بن شداد المتوفى عام 22 قبل الهجرة / 600 للميلاد ن لنقف بجلاء على تجارب ذاتية في الحياة صاغها أصحابها شعرا، ولقد أتاح الشعر لهؤلاء الشعراء إنشاء سيرهم الذاتية تبعا للتقليد الأدبي السائد في عصرهم، فهم بالفعل قد خلفوا للأجيال التي جاءت من بعدهم تواريخ فردية خاصة تعكس تفردهم بمقومات شخصية، وتجارب، وأذواق، ومواقف، وقناعات، وانشغالات.
ثم إن بإمكان الشاعر أن لا يسكب تجاربه الذاتية أو قصة حياته في فضاء تخييلي مغرق في المبالغة وإسراف القول، على الرغم من كونه يدرك جيدا بأنه في مقام شعر، يسمح له بنسج ما شاء من الصور الشعرية المنحوتة بالخيال، وهذا يعني أن الأنا الشاعرة بإمكانها أن تلتزم مبدأي:"الصدق" و" الحقيقة"، وعنصر الواقعية في سرد تاريخ حياتها شعرا، ونحن من هذا المنطلق نتساءل مع نبيل سليمان قائلين: هل بالإمكان التحدث عن شعر سردي، أو عن سردية شعرية، خاصة عندما يتم تشخيص معالم سردية في قصيدة معينة.
إن هذه الملاحظة تزكي ما تناولناه بالحديث سلفا، في مسألة أدب السيرة الذاتية الشعرية، عندما أقررنا إمكانية توظيف الشعر في تأليف السيرة الذاتية، ومن نماذج السيرة الذاتية الشعرية في الأدب العربي الإسلامي القديم ، نذكر التائية الكبرى لصاحبها شرف الدين بن الفارض (576 - 632 هـ / 1181 - 1235 م)، وهي قصيدة سماها: (نظم السلوك)، قص فيها تجربته الروحية، وما لقيه من شدائد ومعاناة في هذه التجربة، ولا شك أن الكم القليل من السير الذاتية الشعرية في تراث الأدب العربي الإسلامي، قد يعود من جهة إلى قوة الجموح الشعري، أو إلى الصعوبة التي تكمن في صياغة السيرة الذاتية شعرا من جهة ثانية، لأن على من يختار هذه الصياغة الأدبية أن يبذل جهدا مضاعفا لسرد تاريخه الخاص، بالمقارنة مع ما تتطلبه الصياغة النثرية في تأليف هذا التاريخ، مما دفع بكثير من الشعراء إلى كتابة سيرهم الذاتية نثرا، لكن هذا لا يعني في شيء أن الشعر غير مؤهل لاحتضان السيرة الذاتية.
وإذا كانت ميزة النثر كامنة في طاقته الاستيعابية لأدق تفاصيل التجارب الإنسانية، وفي بعض الحرية والسرد المتسلسل، الذي يطمئن إليه مؤلف السيرة الذاتية، فإن الشعر بدوره يستطيع أن يعكس التاريخ الخاص، وقد سبق له قديما أن أدى وظيفة السيرة الذاتية، وللباحث أن يلاحظ ما قد انطوى عليه الشعر العربي القديم من ملامح كثيرة لأدب السيرة الذاتية قبل أن يصير هذا الأدب لونا مستقلا من التعبير.
فهل سنكون محقين وعلى صواب إن بادرنا إلى إعادة تعريف أدب السيرة الذاتية بقولنا: السيرة الذاتية جنس أدبي سردي، استرجاعي نثري أو شعري، يتولى الكاتب من خلاله تدوين تاريخه الخاص؟


أدب السيرة الذاتية وأدب الترجمة الذاتية
(المقالة الثانية)



نرى في البداية أن نعرض جملة من الأسئلة والتساؤلات التي نصادفها في متن النصوص النقدية التي عالجت جنس السيرة الذاتية، والتي تتخذ مسألة تعريف هذا الجنس الأدبي محورا لها، وهي كالآتي:
هل صحيح أن محاولة إعطاء تعريف واضح لجنس السيرة الذاتية مآلها الفشل؟ وهل صحيح أن السيرة الذاتية جنـس أدبي محير؟ وأن ما يظهر على أنه تقـدم في النفاذ إلى جوهر هذا الجنس الأدبي، بقصد وضع حدود تعريفية له ما هـو إلا تجريد وإبهام؟ وأن الإشكالية الرئيسة الخاصة بالسيرة الذاتية منحصرة في تعريف هذا الجنس من الكتابة؟
ثم أمن الصواب أن ننطلق من موقف القارئ و منظوره حتى نضع تعريفا للسيرة الذاتية؟ أم أن الوصول إلى تعريف شامل للسيرة الذاتية يعد من قبيل المستحيل؟
هل السيرة الذاتية غير مرشحة لحمل سمات الجنس الأدبي المستقل، وأن تعريفها جزء من تعريف جنس الرواية، باعتبار أن القارئ يتلقاها كعمل أدبي متخيل؟ أم أن جوهر جنس السيرة الذاتية كامن في المؤلف صاحب التاريخ الفردي الخاص، وفي القارئ المتلقي لهذا التاريخ؟
لقد انتهى فيليب لوجون (Philippe Lejeune)في دراسته جنس السيرة الذاتية إلى أنه لم يكن يسعى منذ البداية سوى إلى عقلنة وتوضيح معايير قراءته، على الرغم من التعريف الذي خص به هذا الجنس الأدبي في مرحلتين، أنفهم من هذه الخلاصة أن كل محاولة جادة لتعريف أدب السيرة الذاتية مآلها الفشل حتما؟ وأن تعريف هذا اللون من الأدب رهين بموقف قارئه، بحكم أن ليس هناك تعريف واحد يجمع عليه القراء، سواء كانوا متلقين عاديين أم نقادا متخصصين؛ بل ثمة تعريفات عددها بعدد قراء السيرة الذاتية، وأنه إن كان لا بد من الوصول إلى تعريف دقيق لها، فيجب أن يكون نابعا من تاريخ مواثيق القراءة، التي يتعاقد عليها كتاب السيرة الذاتية مع قراء هذا اللون من التعبير الأدبي.
أما جورج ماي (Georges may ) فيرى أن العائق الذي يمنع إجماع الدارسين على تعريف محدد لأدب السيرة الذاتية كامن في كون هذا اللون من التعبير حديث الوجود، ودرجة حداثته لا تمكنه من اكتساب صفة "الجنس الأدبي"، لأنه ليس على درجة من العراقة كباقي الأجناس الأدبية، وأن الأوان لم يحن بعد لتعريفه، ما دام في مرحلة التكون، ونحن إن كنا نتفق إلى حد معين مع فيليب لوجون (Philippe Lejeune)، في ما ذهب إليه من طرح حول تعريف السيرة الذاتية، باعتبار أنه رهين بما ينعقد من مواثيق للكتابة والتلقي بين أصحاب السير الذاتية وقراء هذا اللون من الأدب، فإننا ننظر بكثير من الحذر إلى ما جاء به جورج ماي من طرح حول نفس المسألة، إذ هل بالفعل أن أدب السيرة الذاتية حديث العهد؟ وأن مكمن الصعوبة في وضع تعريف له متمثل في هذه الحداثة؟
ثم إننا نتفق مع عبد القادر الشاوي، لكـن ليس من باب الافتراض؛ بل من باب القنـاعة الراسخة، خاصة وأن الإشكالية الأساسية لأدب السيرة الذاتية منطوية في تعريفه من خلال النصوص الممثلة له؛ فهل نحن حقا أمام مشروع بحث لا غنى لباحثي ودارسي جنس السيرة الذاتية عنه؟
إننا نرى على وجه اليقين أن دراسة مختلف السير الذاتية بعمق نظري و منهجي كفيلة بوضع تعريف عام لهذا الجنس من الكتابة الأدبية، ومن باب اليقين كذلك لا من باب الافتراض نستطيع أن نخلص إلى تعريف السيرة الذاتية العربية والإسلامية إن نحن اعتمدنا في دراسة ما يمثلها من نصوص عمقا نظريا ومنهجيا سليما.
فهل السيرة الذاتية جنس أدبي يروي الإنسان من خلاله ذكرياته الشخصية، متحدثا عن حياته أكثر مما يتحدث، بالقدر الضروري لفهم جملة من الأحداث، عن حياة غيره من الناس؟ أم أنها حياة إنسان يكتبها بنفسه؟
ثم هل بلغ تحديد ماهية السيرة الذاتية هذه الدرجة من الصعوبة، حتى صار تعريف هذا اللون من الأدب من قبيل المستحيل؟
هل السيرة الذاتية حكي استرجاعي نثري، يتولى إنجازه شخص واقعي، مركزا على وجوده الخاص وحياته الفردية؟ أم هي كل نص مكتوب، سواء أكان عملا أدبيا أم دراسة فلسفية، يعبر من خلاله الكاتب عن حياته الفردية؟ أم أن السيرة الذاتية عملية إعادة بناء أدبية لحياة إنسان، يتولى نفسه القيام بها، أم إنها المسار الحيوي الذي عاشه الفرد الكاتب في سياق تسلسلي من التنوع الوجودي والحياتي المختزن؟
ثم هل يمكن أن نعتبر أدب السيرة الذاتية الفن الأول للذاكرة، تكشف من خلاله الذات حياتها مسترجعة ماضيها على نحو مباشر وبشكل صريح؟ وأنه سيرة يكتبها الإنسان عن نفسه، ساردا أصداء ما انطوت عليه مختلف أدوار حياته الفردية؟
أم أنه مؤلف، مختلف من حيث المادة و المنهج عن المذكرات واليوميات، يروي الكاتب في ثناياه حياته بقلمه، أم أنه أدب يضم رأي صاحبه في الحياة وأبرز الأحداث التي عاشها، ويرسم الكاتب، الذي يمثل محور هذا الأدب، في تضاعيفه صورة البيئة الأولى وتحولاته من طور حياتي إلى آخر؟
وهل تمثل السيرة الذاتية ذلك الأدب الذي ينحصر في تجارب صاحبه، ولا يضاف إليه أي تجربة أو حادثة من الخارج قد تحجب عنا حقائق الذات الكاتبة؟ أم أن هذا اللون من الأدب هو عبارة عن كتابة الإنسان تاريخه الذاتي الشامل والمستوعب لأيام طفولته، وشبابه، وكهولته؟ وهو حديث ذكي عن النفس وليس حديثا ساذجا عنها، ولا هو عملية تدوين لمآثرها و مفاخرها؟ أم أن هذا الأدب تعبير عن أهم تجليات الحياة الفردية لمنشئه، ونتاج لا ينسلخ باطنه عن ظاهره؟ ووعاء لأصدق حياة ذاتية يستطيع أن يكتبها الإنسان؟
ثم هل يمثل أدب السيرة الذاتية فن الحديث عـن الذات بحسناتها وسيئاتها، وتفاعلها مع البيئة والوسط الاجتماع؟ وهل يصح النظر إلى هذا الأدب على أنه محكي ذاتي معاش، تتولى الشخصية المعنية به إنجازه عن ذاتها دون وسيط؟ وعلى أنه يعتمد في أساسه الفني على الانتقاء والترتيب لإعادة بناء أدبية خاصة بالذات الفردية لصاحب السيرة، مع مراعاة نمو وتطور هذه الذات؟ أم أن السيرة الذاتية تجسيد لما يكتبه الإنسان من تاريخ حياته من خلال تسجيل حوادثها ووقائعها المؤثرة في مسار الحياة، مع تتبع تطورها الطبيعي من الطفولة، مرورا بطور الشباب، ثم انتهاء بمرحلة الكهولة؟ ثم هل السيرة الذاتية شكل أدبي للتاريخ؟
وهل هذا اللون من الأدب يندرج ضمن الفنون الأدبية الأكثر حرصا على النقل الأمين لحقيقة الإنسان، وعلى تحري الصدق في ما يعكسه من حياته الفردية الخاصة؟ أم أنه تركيب أدبي مستحدث للذات، وعملية بناء جديدة لشخصية تتجاوز صاحبها؟ ثم هل من المنهجية العلمية أن نتفادى أي حديث بشأن شكل معين أو أسلوب محدد وحيد ينفرد به جنس السيرة الذاتية؟
هل السيرة الذاتية هي الأوراق الشخصية والسرية لمؤلفها؟ وأن هذه السمة هي التي مكنتها من تحقيق التميز بين مختلف أجناس الأدب ؟أم أنها تسجيل استعادي صادق ومقصود لعمر من الخبرات، والأفعال، والتفاعلات، وتأثيراتها الفورية والبعيدة المدى على الشخص؟ ثم هل صحيح أن المنطلق الأساس في دراسة أدب السيرة الذاتية، يتمثل في البحث عن المنظور الذي يتم به استرجاع الوقائع، وتتبين في ضوئه الأحداث الغنية بدلالاتها، ومن خلاله تتعين مواطن الصمت ذات الصلة الوثيقة بما هو مسكوت عنه من الخطاب المقموع، وتتميز فضاءات الحديث بالمباح من الخطاب.
هذه جملة من الأسئلة والتساؤلات التي تجري في فلك جنس السيرة الذاتية، والتي تحمل في طياتها الكثير من الإجابات والعديد من صفات وملامح هذا الجنس الأدبي بوجه عام، ومما لا شك فيه أن ما ينجز من الأبحاث والدراسات النقدية حول جنس السيرة الذاتية سيؤدي حتما إلى إعادة النظر في ما يحكم هذا الجنس الأدبي من قوانين، بقدر ما سيرتقي به، خاصة وقد غدا جنس السيرة الذاتية ساحة للنقاش النظري الأدبي حول موضوعات لا يخلو أحدها من أهمية.
لقد سقط عدد من الباحثين و نقاد أدب السيرة الذاتية في خطأ كبير عندما جعلوا "السيرة الذاتية" اصطلاحا مرادفا ومطابقا لمصطلح "الترجمة الذاتية"، ولم يميزوا بين الاصطلاحين، وهذا خلط اصطلاحي واضح لم يعرفه العرب المسلمون قديما، ونحن نتساءل باستغراب عما إذا كان العرب المسلمين القدماء حقا لا يميزون بين لفظ "السيرة " ولفظ "الترجمة" وأنهم كانوا يوظفون كلا اللفظين بمعنى واحد، هو: (حياة الشخص بصفة عامة)؟!
إن هذا الاعتقاد الذي لا يقوم على أساس سليم ثغرة في منظومة المفاهيم الخاصة بجنس السيرة الذاتية لا سبيل إلى تجاهلها، لهذا نرى من الضروري في البداية التذكير بما أورده ابن منظور في معجمه الكبــير (لسان العرب) بخصوص لفظ "السيرة" ولفظ "الترجمة" أما "السيرة" فهي السنة، والطريقة، والهيئة، وأحاديث الأوائل، وهي الميرة، وفي التنزيل العزيز قول الله عز وجل: "سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولىَ"، أي هيئتها الأولى، وأما "الترجمة" فهي نقل الكلام من لغة إلى لغة.
ثم إن لفظ "الترجمة" دخيل على اللغة العربية، وهو أصلا من اللغة الآرامية، ولم يكن لفظ "الترجمة" من بين الاصطلاحات الأدبية القديمة، المرتبطة بتاريخ الحياة الفردية، إلا في بداية القرن السابع الهجري، وذلك مع أبي عبد الله ياقوت الحموي
(574 - 626 للهجرة )، في مؤلفه: (معجم الأدباء)، والذي وظفه بمعنى مختصر حياة الفرد وكان أبو الفرج الأصفهاني المتوفى عام 356 للهجرة قد استعمل لفظ "الخبر" بصيغتي الإفراد والجمع.
إن المعاجم العربية القديمة لم تتخذ لفظ "الترجمة" مرادفا للفظ "السيرة"، في حين عمدت المعاجم الحديثة، بما فيها المعاصرة، إلى توظيفهما مترادفين وبنفس المعنى، أما القول بأن الذي فصل قديما بين مفهوميهما وحمولتهما الاصطلاحية هو مجرد توظيف اعتباطي حسبما يرى ماهر حسن فهمي، ومحمد عبد الغني حسن، على سبيل المثال، فهو استنتاج نرده على أصحابه، لأن التمييز بين الاصطلاحين لم يأت دون مراعاة الحمولة الدلالية لكل مصطلح على حدة، أو دون قصد و غاية؛ بل إن ثمة فوارق بينة ومحددة بين لفظي "الترجمة" و"السيرة"، تتجاوز منطق الاستعمال الاعتباطي أو ما جرت عليه العادة، وهي فوارق تم إغفالها من قبل معظم الباحثين ونقاد أدب السيرة الذاتية.
وإذا كانت هذه المسألة الاصطلاحية في الوقت الراهن قد تبدو لأول وهلة قضية جزئية متجاوزة، فإننا نعتقد، على العكس من ذلك تماما، بأنها مسألة تستدعي إعادة النظر والمراجعة، والظاهر أن العرب المسلمين القدماء قد حسموا في هذا الأمر، وذلك عندما استقر رأيهم على ضرورة التمييز بين مفهوم "السيرة" وما تعنيه "الترجمة"، أو بالأحرى بين لفظي: "السيرة" و"الترجمة"، سواء كانا للذات أم للغير، مع أن المتقدمين من أهل الأدب والنقد العربي الإسلامي، لم يكونوا يلحقون صفة "الذاتية" أو "الموضوعية" بهذين الاصطلاحين.
صحيح أن لفظ "الترجمة" لم يعرف بمعنى أو بمفهوم (المختصر من حياة الفرد) إلا عند المؤلفين المتأخرين، لكنه لم يكن يدل عند القدماء من الأدباء والنقاد العرب المسلمين على "السيرة الذاتية"، أو "السيرة الموضوعية/ الغيرية "، وإنما قصدوا به "الترجمة الذاتية "، وعنوا به من جهة ثانية "الترجمة الموضوعية/ الغيرية "، وذلك باعتبار من يقوم بعملية الترجمة بطبيعة الحال.
وحتى نبرهن بقسط من الملاحظة والاستنتاج على ما نعتقده في شأن تمايز وتباين لفظي: "السيرة" و"الترجمة" لغة واصطلاحا، نقول: إن انتقال دلالة لفظ "الترجمة" مجازا من أصل معناها، الذي ارتبط قديما بعالم التأليف والآثار الأدبية وغيرها، إلى معنى التعريف بالأعلام ، مع احتفاظ اللفظ الدال طبعا بمدلولاته الأصلية، هو التحول الذي يفيدنا في تمييز حد "الترجمة" عن حد "السيرة"، باعتبار أن مدار الحد الأول (حد الترجمة) هو الاختصار أو الإيجاز، بخلاف مدار الحد الثاني (حد السيرة) وهو الإسهاب.
لقد كانت ترجمة الكتاب تعني: التعريف به من خلال عنوان، أو فقرات قصيرة، أو من خلال فاتحة خاصة بالكتاب، وقد جعل المؤلفون القدماء، على سبيل المثال، لفظ "الترجمة" مصطلحا دالا على معنى العنوان إبتداء من القرن الثالث الهجري.
ولا شك أن القصد من وضع لفظ "الترجمة" اصطلاحا هو الدلالة على: التقديم، والتعريف، والشرح، والتفسير، وإيضاح المبهم، والتعيين، والتسمية، والإفصاح كذلك، وجميع هذه المعاني والمدلولات نصادفها في تراث الأدب العربي الإسلامي ضمن سياقات مختلفة.
ثم إن ترجمة الكتاب وترجمة الكاتب تعني: التعريف بهما، وتقديمهما إلى جمهور القراء دون إطالة أو إسهاب، أو ترك أي معلومة مبهمة وغامضة تشوب هوية الأثر الأدبي أو الشخص، ومن ثم فإن لفظ "الترجمة" قد تمت استعارته من عالم الكتب والمصنفات، حتى يدل كذلك على التعريف بالأحياء والمتوفين من أعلام الأدب، والتاريخ، والطب، والفكر، والفلسفة، وغيرهم.
ومن مقاصد اصطلاح "الترجمة"، سواء كانت ذاتية أم موضوعية، التاريخ المقتضب للأعلام.
وبالإضافة إلى عناية المترجم بذكر اسم، وكنية، ولقب، ونسب الذي يترجم له، نجده يعتني كذلك بذكر عقيدته، ويثبت تاريخ ومكان ولادته، ثم يذكر من أخذ عنهم العلم، ويسرد أهم مراحل حياته، ثم ينتهي إلى ضبط تاريخ وفاته إن كان من المتوفين.
فهذا ابن أبي أصيبعة في ترجمته لعدد غير قليل من قدماء الأطباء في مؤلفهعيون الأنباء في طبقات الأطباء)، ينهج الخطوات التالية:
أولا: يذكر اسم المترجم له و نسبه.
ثانيا: يوجز الحديث عن المجال الذي نبغ فيه.
ثالثا: يسرد الأسماء التي أخذ عنها المترجم له صناعة الطب، والأماكن التي تلقن فيها هذه الصناعة.
رابعا: يسرد مزايا المترجم له و صفاته.
خامسا: يعرض أسماء الذين عاصرهم من ذوي السلطان، والمكانة، والصيت الذائع.
سادسا: يثبت تاريخ و مكان وفاته.
سابعا: يذكر بعض أقواله المأثورة.
ثامنا: يعرض جملة من الآثار التي خلفها المترجم له.
ونهج ياقوت الحموي مسلكا في ترجمته لقدماء النحويين والأدباء العرب لا يختلف كثيرا عما التزم به ابن أبي أصيبعة من خطوات في تراجمه، بحيث آثر كل من ابن أبي أصيبعة، وياقوت الحموي مبدأ الاختصار والإيجاز في ترجمتهما لكثير من الأعلام، وكان قصدهما من وراء التزام هذا المبدأ، هو أن تجمع كل ترجمة موضوعية بين صغر الحجم وكبر النفع، مما يدل على أن الإيجاز وصغر الحجم هو السمة والقاعدة في كتابة تراجم الأعلام؛ بل هو شرط ملازم في الغالب للترجمة، ذاتية كانت أم موضوعية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن كل ترجمة لا بد أن تنطوي على نفع وفائدة كبيرة، وهذا شرط ثاني لا يقل أهمية عن الشرط الأول.
فجميع هذه الملامح والمعالم تساعد بدون شك على الاقتراب أكثر من مفهوم "الترجمة الموضوعية"، بقدر ما تفيد ضمنا في إيضاح المقصود بالترجمة الذاتية، ونحن لا نتفق مع من يرى بأن من الممكن أن تشغل السيرة الذاتية صفحات معدودة! أو أنها قد تكون أشبه بشهادة ميلاد صاحبها! فهذه ليست صفة "السيرة الذاتية" على الإطلاق، وإنما هي صفة "الترجمة الذاتية"، ذلك لأن السيرة، سواء أكانت ذاتية أم موضوعية، فإنها من غير الممكن تماما أن تأتي في صفحات معدودة، بحكم أن الإسهاب في السرد يعد من خصائصها الأصلية، بحيث إن وضع الترجمة الذاتية بالنسبة إلى السيرة الذاتية شبيه بوضع الأقصوصة أو القصة بالنسبة إلى الرواية.
ومما يثير الاستغراب أكثر لدى القارئ الباحث - خاصة لدى ذلك المتلقي الذي قد يلتبس عليه المقصود بلفظي: "الترجمة" و"السيرة" - تلك المصادفة التي تحدث بينه وبين توظيف المصطلحين في غير محلهما، أثناء قراءته بعض الأبحاث أو الدراسات، أو المقالات النقدية حول أدب السيرة الذاتية.
وكان من الأجدر لتلافي هذا اللبس وسد هذه الثغرة الاصطلاحية، أن تحكم بدلا من ذلك التوظيف الاعتباطي قاعدة دلالية واضحة، وأما الأمثلة الشاهدة على سوء توظيف المصطلحين فكثيرة جدا، بدءا من عناوين الأبحاث، والدراسات، والمؤلفات، والمقالات النقدية، وانتهاء بالمتون الواصفة لأدب السيرة الذاتية، وجميع تلك التوظيفات يخلط فيها أصحابها بين "الترجمة الذاتية" و"السيرة الذاتية"، وشتان بين ما تعنيه الأولى وما يراد بالثانية.
وجميع النماذج التي نستطيع أن نعثر عليها دون عناء في العديد من الكتابات تكشف بجلاء عن مظاهر الخلل على مستوى الاصطلاح، وعن مدى الخلط الحاصل في الذهنية الأدبية والنقدية العربية، وإذا كان أكثر الباحثين الدارسين في مجال أدب السيرة الذاتية قد نظروا إلى مسألة الخلط بين لفظي: "السيرة" و"الترجمة" وكأنها قضية مسلم بها، ووقفوا منها موقف الحياد السلبي، فإننا نجد من النقاد من آثروا توظيف لفظ "السيرة" عند تحدثهم عن تاريخ الفرد المسهب، واستعملوا لفظ "الترجمة" عند تناولهم بالحديث التاريخ الموجز للفرد، كما نلمس عند بعضهم قدرا من الحذر في تعاملهم مع الاصطلاحين معا ، وعيا منهم بأن ثمة تمايزا بينا وفرقا جليا بينهما.
لا يوجد إذن أي مبرر لدمج الاصطلاحين معا في معنى واحد، وقد حان الوقت لنضع كل مصطلح في سياقه الطبيعي والمناسب، وليتخذا وضعهما الأصلي في الحقلين: الأدبي والنقدي العربي الإسلامي، لأن الترادف المزعوم بينهما، كما ذكرنا، في الدلالة الاصطلاحية لا يستند إلى دعامة صلبة أو ركن شديد، ومن ثم فنحن لا نتفق مع من يرى بأن التمييز بين اصطلاحي: "السيرة" و"الترجمة" ما هو إلا تفريق سطحي، سرعان ما يتلاشى عند تعريضه لأدنى تمحيص.
ثم لأن ثمة شواهد ومعالم تبرز ضرورته، ثم إن "الترجمة الذاتية" أدب نثري له من الشروط، والخصائص، والأغراض ما يميزه عن "السيرة الذاتية"، وكلا اللونين ينتميان إلى الأدب الذاتي أو الخاص، ويكتبان من طرف المعني بهما، كذلك "الترجمة الموضوعية" ليست هي "السيرة الموضوعية"، إذ لكل منهما شروط و مبادئ خاصة، على الرغم من كونهما ينتسبان إلى الأدب الموضوعي أو الغيري، ويؤلفان من قبل شخص آخر غير معني بهما.
أما "الترجمة الذاتية"، فستظل على الدوام غير مؤهلة إطلاقا لتقوم بدلا عن "السيرة الذاتية" أو لتحل وتشغل مكانها، ذلك لأن كاتب السيرة الذاتية ملزم بأن يعكس للقراء وجه حياته الشخصية بتفاصيلها ودقائقها، قدر الإمكان طبعا، على مرآة التعبير الأدبي، مع العلم بأن السيرة الذاتية تهدف إلى الاشتمال على جزء من حياة صاحبها، إذ يتعذر عليها أن تحيط بسائر ما مضى من حياته الشخصية، ومؤلفها مطالب بالاقتراب أكثر من ذاته بالوصف، والتفسير، والتحليل، والتعليق، والنقد أيضا، وجميع هذه الأفعال الخطابية يجب أن يمارسها بإسهاب وليس باقتضاب، وإن كان من غير الهين على الإطلاق أن يتخذ الكاتب من ذاته وذاكرته موضوعا للسرد.
كانت هذه إطلالة سريعة على ما تعنيه الترجمة الذاتية وما تدل عليه السيرة الذاتية، ونأمل أن نكون قد أسهمنا بهذه المقالة في دعوة الباحثين والمهتمين بأدب السيرة الذاتية إلى إيضاح قدر الإمكان ما يمكن إيضاحه في هذا الباب.



بواعث كتابة أدب السيرة الذاتية الإسلامية قديماً

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:34 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
أدَب السِّيرة الذاتية بين الشِّعر وَبيْن النَّثر

د. عبد الفتاح أفكوح
منبر الدراسات النقدية




(المقالة الأولى)



كثيرون استبعدوا إمكانية تحقيق وإنتاج سير ذاتية شعرية، وزعموا أن أدب السيرة الذاتية يعتمد الحقيقة والصدق في نقل تجارب الحياة الفردية، وأن الشعر يقوم بخلاف ذلك على التصور، والتخيل، والمبالغة، وعلى الصدق الفني إن لم نقل الكذب، شأنه في هذا المنحى أقوى من شأن الرواية والقصة، وطائفة ثانية تجاهلت أمر تلك الإمكانية، ولم تكلف نفسها عناء التفكير في مسألة السيرة الذاتية الشعرية، في حين تنبهت ونبهت طائفة ثالثة إلى وجود نماذج وجذور للسيرة الذاتية الشعرية في تراث الأدب العربي الإسلامي.
وقد أثيرت مسألة السيرة الذاتية الشعرية كذلك داخل الأوساط الأدبية والنقدية الغربية، بحيث أبدى فيليب لوجون (Philippe Lejeune) في هذا الشأن ملاحظة خلاصتها أن أدب السير الذاتية النثرية يعرف كثرة في الإنتاج بخلاف أدب السيرة الذاتية الشعرية الذي لا تتجاوز الأعمال المنضوية تحته عدد الأصابع، وبالعودة إلى كتابات الناقد الفرنسي (Lejeune) في موضوع تعريف السيرة الذاتية، سنجد أنه قد حاول واجتهد مرتين في وضع حد أو تعريف لهذا الجنس الأدبي، لكنه خلص في النهاية إلى صياغة حدود تعريفية تتجاهل الحد الشعري في هوية أدب السيرة الذاتية وتعريفه، مع أنه أدرك عدم وجود أي مانع يحول دون توظيف وإدراج أبيات شعرية في السيرة الذاتية.
والملاحظ أن معظم النقاد والباحثين العرب اعتمدوا في كتاباتهم ما وضعه الناقد الفرنسي من تعريف للسيرة الذاتية واكتفوا به، واعتبروه، على ما يبدو، معيارا وتعريفا شبه ثابت خاص بأدب السيرة الذاتية، يستند إلى ثلاثة مرتكزات تقيم بناءه، أما جورج ماي ( Georges May ) فيناقش مسألة السيرة الذاتية الشعرية بقسط من الحذر، بحيث إذا ما تفحصنا ما جاء به في هذا الشأن، فإننا نلمس لديه نزوعا إلى إقرار الحد الشعري في تعريف السيرة الذاتية، وإن كان ميل الكتاب إلى النثر في تأليف سيرهم الذاتية أقوى من ميلهم إلى إنشائها شعرا.
وإن كان جورج ماي ( Georges May ) لم يضع حدودا تعريفية دقيقة لأدب السيرة الذاتية ، كما حاول ذلك فيليب لوجون
(Philippe Lejeune)، فذلك لأنه أدرك بأن حدود التعريف النثرية عاجزة عن الإحاطة بجوهر وهوية السيرة الذاتية، ورأى من الأحسن أن يتخذ مفهوم النزوع المتسم بالمرونة عوضا عن مفهوم التعريف في شأن تحديد ماهية هذا الجنس الأدبي، وذلك تفاديا لما ينطوي عليه التعريف من تصلب وجزم، فهل نسلم بالتعريف الذي وضعه لوجون (Lejeune) للسيرة الذاتية، المتمثل في كون هذا الجنس الأدبي، تبعا لحد من حدوده التعريفية، حكي أو سرد استعادي نثري؟ وأنه أدب ينتمي إلى النثر الخالص ولا علاقة له بالشعر؟
هل الحد الشعري الذي غيبه لوجون (Lejeune) أثناء تنظيره لأدب السيرة الذاتية قد أفقد التعريف الذي وضعه لهذا الأدب الكثير من مصداقيته؟
ثم لو تم إدراج هذا الحد والإقرار به في دائرة تحديد هوية السيرة الذاتية، أكان سيكسب تعريف هذا اللون الأدبي مصداقية كبيرة؟ للإجابة على هذه الأسئلة، لا بد أن نتحرى عن حقيقة "السرد" أهو بالفعل قاسم مشترك بين مختلف الأجناس الأدبية النثرية فقط؟ وإلى أي مدى يمكن أن نوظف "الشعر" في تأليف السيرة الذاتية؟
صحيح أن "السرد" أداة مخالفة لعنصر "الوصف"، وخطاب يعتمد الحكي و القص الأدبي، لكن حدوده مفتوحة على الشعر، بقدر ما هي مفتوحة على النثر، مما يدل على أن العملية السردية هي قاسم مشترك بين جميع الفنون الأدبية، فليس كل الشعر وصفا حتى يتعارض مع السرد؛ بل إن فيه من أثر هذه الأداة الحكائية والقصصية ما لا سبيل إلى تجاهله أو إنكاره، وليس كذلك كل النثر سردا حتى يتعارض مع الوصف.
ثم ليس كل الشعر العربي سردا حتى يتجرد من الوصف، فلا الشعر ولا النثر بإمكانهما الاستغناء أو التجرد عن أداتي: السرد والوصف، والشعر لا ينطوي فقط على التخييل، والمبالغة، والصدق الفني، وإنما فيه من صدق الحديث، وحرارة العاطفة والوجدان فيضا خالصا من كل زيف أو كذب، قد لا نعثر عليه في بعض الكتابات النثرية.
لا شيء، حسبما نرى، يمنع السرد من الاقتران بالشعر، إذ لا يحق لنا أن نحكم على عنصر السرد بأحادية انتمائه إلى النثر، ولا أن نزعم وندعي انعدام العلاقة التي تجمعه بالشعر عموما، أو بالقصص الشعري الذاتي بوجه خاص، فما قانون "السرد" إلا كل ما هو محكوم بمنطق الحكي والقص الأدبي، ثم إنه من العسير علينا أن نبرهن أو نجزم بصفاء السير الذاتية النثرية وبراءتها من التخييل، والتمويه، والمبالغة، والكذب، لأن من يكتب سيرته الذاتية غير معصوم من الانحراف و الميل إلى مثل هذه العوارض والعثرات، سواء عن قصد أم عن غير قصد ، فقد يلجأ إلى مخيلته ليصل بين أجزاء و تفاصيل ذكرى معينة خلت وعفا عليها الزمن، ثم إن الحياة الإنسانية هي أصلا مزيج من الحلم والحقيقة، والواقع والخيال.
إننا نعثر في الشعر الجاهلي مثلا على حس ذاتي عميق، انطوت عليه معلقات عدد من الشعراء، ويكفي أن نقرأ معلقة طرفة بن العبد المتوفى عام 70 قبل الهجرة/ 550 للميلاد، أو معلقة امرئ القيس المتوفى عام 80 قبل الهجرة / 565 للميلاد، أو معلقة عنترة بن شداد المتوفى عام 22 قبل الهجرة / 600 للميلاد ن لنقف بجلاء على تجارب ذاتية في الحياة صاغها أصحابها شعرا، ولقد أتاح الشعر لهؤلاء الشعراء إنشاء سيرهم الذاتية تبعا للتقليد الأدبي السائد في عصرهم، فهم بالفعل قد خلفوا للأجيال التي جاءت من بعدهم تواريخ فردية خاصة تعكس تفردهم بمقومات شخصية، وتجارب، وأذواق، ومواقف، وقناعات، وانشغالات.
ثم إن بإمكان الشاعر أن لا يسكب تجاربه الذاتية أو قصة حياته في فضاء تخييلي مغرق في المبالغة وإسراف القول، على الرغم من كونه يدرك جيدا بأنه في مقام شعر، يسمح له بنسج ما شاء من الصور الشعرية المنحوتة بالخيال، وهذا يعني أن الأنا الشاعرة بإمكانها أن تلتزم مبدأي:"الصدق" و" الحقيقة"، وعنصر الواقعية في سرد تاريخ حياتها شعرا، ونحن من هذا المنطلق نتساءل مع نبيل سليمان قائلين: هل بالإمكان التحدث عن شعر سردي، أو عن سردية شعرية، خاصة عندما يتم تشخيص معالم سردية في قصيدة معينة.
إن هذه الملاحظة تزكي ما تناولناه بالحديث سلفا، في مسألة أدب السيرة الذاتية الشعرية، عندما أقررنا إمكانية توظيف الشعر في تأليف السيرة الذاتية، ومن نماذج السيرة الذاتية الشعرية في الأدب العربي الإسلامي القديم ، نذكر التائية الكبرى لصاحبها شرف الدين بن الفارض (576 - 632 هـ / 1181 - 1235 م)، وهي قصيدة سماها: (نظم السلوك)، قص فيها تجربته الروحية، وما لقيه من شدائد ومعاناة في هذه التجربة، ولا شك أن الكم القليل من السير الذاتية الشعرية في تراث الأدب العربي الإسلامي، قد يعود من جهة إلى قوة الجموح الشعري، أو إلى الصعوبة التي تكمن في صياغة السيرة الذاتية شعرا من جهة ثانية، لأن على من يختار هذه الصياغة الأدبية أن يبذل جهدا مضاعفا لسرد تاريخه الخاص، بالمقارنة مع ما تتطلبه الصياغة النثرية في تأليف هذا التاريخ، مما دفع بكثير من الشعراء إلى كتابة سيرهم الذاتية نثرا، لكن هذا لا يعني في شيء أن الشعر غير مؤهل لاحتضان السيرة الذاتية.
وإذا كانت ميزة النثر كامنة في طاقته الاستيعابية لأدق تفاصيل التجارب الإنسانية، وفي بعض الحرية والسرد المتسلسل، الذي يطمئن إليه مؤلف السيرة الذاتية، فإن الشعر بدوره يستطيع أن يعكس التاريخ الخاص، وقد سبق له قديما أن أدى وظيفة السيرة الذاتية، وللباحث أن يلاحظ ما قد انطوى عليه الشعر العربي القديم من ملامح كثيرة لأدب السيرة الذاتية قبل أن يصير هذا الأدب لونا مستقلا من التعبير.
فهل سنكون محقين وعلى صواب إن بادرنا إلى إعادة تعريف أدب السيرة الذاتية بقولنا: السيرة الذاتية جنس أدبي سردي، استرجاعي نثري أو شعري، يتولى الكاتب من خلاله تدوين تاريخه الخاص؟


أدب السيرة الذاتية وأدب الترجمة الذاتية
(المقالة الثانية)



نرى في البداية أن نعرض جملة من الأسئلة والتساؤلات التي نصادفها في متن النصوص النقدية التي عالجت جنس السيرة الذاتية، والتي تتخذ مسألة تعريف هذا الجنس الأدبي محورا لها، وهي كالآتي:
هل صحيح أن محاولة إعطاء تعريف واضح لجنس السيرة الذاتية مآلها الفشل؟ وهل صحيح أن السيرة الذاتية جنـس أدبي محير؟ وأن ما يظهر على أنه تقـدم في النفاذ إلى جوهر هذا الجنس الأدبي، بقصد وضع حدود تعريفية له ما هـو إلا تجريد وإبهام؟ وأن الإشكالية الرئيسة الخاصة بالسيرة الذاتية منحصرة في تعريف هذا الجنس من الكتابة؟
ثم أمن الصواب أن ننطلق من موقف القارئ و منظوره حتى نضع تعريفا للسيرة الذاتية؟ أم أن الوصول إلى تعريف شامل للسيرة الذاتية يعد من قبيل المستحيل؟
هل السيرة الذاتية غير مرشحة لحمل سمات الجنس الأدبي المستقل، وأن تعريفها جزء من تعريف جنس الرواية، باعتبار أن القارئ يتلقاها كعمل أدبي متخيل؟ أم أن جوهر جنس السيرة الذاتية كامن في المؤلف صاحب التاريخ الفردي الخاص، وفي القارئ المتلقي لهذا التاريخ؟
لقد انتهى فيليب لوجون (Philippe Lejeune)في دراسته جنس السيرة الذاتية إلى أنه لم يكن يسعى منذ البداية سوى إلى عقلنة وتوضيح معايير قراءته، على الرغم من التعريف الذي خص به هذا الجنس الأدبي في مرحلتين، أنفهم من هذه الخلاصة أن كل محاولة جادة لتعريف أدب السيرة الذاتية مآلها الفشل حتما؟ وأن تعريف هذا اللون من الأدب رهين بموقف قارئه، بحكم أن ليس هناك تعريف واحد يجمع عليه القراء، سواء كانوا متلقين عاديين أم نقادا متخصصين؛ بل ثمة تعريفات عددها بعدد قراء السيرة الذاتية، وأنه إن كان لا بد من الوصول إلى تعريف دقيق لها، فيجب أن يكون نابعا من تاريخ مواثيق القراءة، التي يتعاقد عليها كتاب السيرة الذاتية مع قراء هذا اللون من التعبير الأدبي.
أما جورج ماي (Georges may ) فيرى أن العائق الذي يمنع إجماع الدارسين على تعريف محدد لأدب السيرة الذاتية كامن في كون هذا اللون من التعبير حديث الوجود، ودرجة حداثته لا تمكنه من اكتساب صفة "الجنس الأدبي"، لأنه ليس على درجة من العراقة كباقي الأجناس الأدبية، وأن الأوان لم يحن بعد لتعريفه، ما دام في مرحلة التكون، ونحن إن كنا نتفق إلى حد معين مع فيليب لوجون (Philippe Lejeune)، في ما ذهب إليه من طرح حول تعريف السيرة الذاتية، باعتبار أنه رهين بما ينعقد من مواثيق للكتابة والتلقي بين أصحاب السير الذاتية وقراء هذا اللون من الأدب، فإننا ننظر بكثير من الحذر إلى ما جاء به جورج ماي من طرح حول نفس المسألة، إذ هل بالفعل أن أدب السيرة الذاتية حديث العهد؟ وأن مكمن الصعوبة في وضع تعريف له متمثل في هذه الحداثة؟
ثم إننا نتفق مع عبد القادر الشاوي، لكـن ليس من باب الافتراض؛ بل من باب القنـاعة الراسخة، خاصة وأن الإشكالية الأساسية لأدب السيرة الذاتية منطوية في تعريفه من خلال النصوص الممثلة له؛ فهل نحن حقا أمام مشروع بحث لا غنى لباحثي ودارسي جنس السيرة الذاتية عنه؟
إننا نرى على وجه اليقين أن دراسة مختلف السير الذاتية بعمق نظري و منهجي كفيلة بوضع تعريف عام لهذا الجنس من الكتابة الأدبية، ومن باب اليقين كذلك لا من باب الافتراض نستطيع أن نخلص إلى تعريف السيرة الذاتية العربية والإسلامية إن نحن اعتمدنا في دراسة ما يمثلها من نصوص عمقا نظريا ومنهجيا سليما.
فهل السيرة الذاتية جنس أدبي يروي الإنسان من خلاله ذكرياته الشخصية، متحدثا عن حياته أكثر مما يتحدث، بالقدر الضروري لفهم جملة من الأحداث، عن حياة غيره من الناس؟ أم أنها حياة إنسان يكتبها بنفسه؟
ثم هل بلغ تحديد ماهية السيرة الذاتية هذه الدرجة من الصعوبة، حتى صار تعريف هذا اللون من الأدب من قبيل المستحيل؟
هل السيرة الذاتية حكي استرجاعي نثري، يتولى إنجازه شخص واقعي، مركزا على وجوده الخاص وحياته الفردية؟ أم هي كل نص مكتوب، سواء أكان عملا أدبيا أم دراسة فلسفية، يعبر من خلاله الكاتب عن حياته الفردية؟ أم أن السيرة الذاتية عملية إعادة بناء أدبية لحياة إنسان، يتولى نفسه القيام بها، أم إنها المسار الحيوي الذي عاشه الفرد الكاتب في سياق تسلسلي من التنوع الوجودي والحياتي المختزن؟
ثم هل يمكن أن نعتبر أدب السيرة الذاتية الفن الأول للذاكرة، تكشف من خلاله الذات حياتها مسترجعة ماضيها على نحو مباشر وبشكل صريح؟ وأنه سيرة يكتبها الإنسان عن نفسه، ساردا أصداء ما انطوت عليه مختلف أدوار حياته الفردية؟
أم أنه مؤلف، مختلف من حيث المادة و المنهج عن المذكرات واليوميات، يروي الكاتب في ثناياه حياته بقلمه، أم أنه أدب يضم رأي صاحبه في الحياة وأبرز الأحداث التي عاشها، ويرسم الكاتب، الذي يمثل محور هذا الأدب، في تضاعيفه صورة البيئة الأولى وتحولاته من طور حياتي إلى آخر؟
وهل تمثل السيرة الذاتية ذلك الأدب الذي ينحصر في تجارب صاحبه، ولا يضاف إليه أي تجربة أو حادثة من الخارج قد تحجب عنا حقائق الذات الكاتبة؟ أم أن هذا اللون من الأدب هو عبارة عن كتابة الإنسان تاريخه الذاتي الشامل والمستوعب لأيام طفولته، وشبابه، وكهولته؟ وهو حديث ذكي عن النفس وليس حديثا ساذجا عنها، ولا هو عملية تدوين لمآثرها و مفاخرها؟ أم أن هذا الأدب تعبير عن أهم تجليات الحياة الفردية لمنشئه، ونتاج لا ينسلخ باطنه عن ظاهره؟ ووعاء لأصدق حياة ذاتية يستطيع أن يكتبها الإنسان؟
ثم هل يمثل أدب السيرة الذاتية فن الحديث عـن الذات بحسناتها وسيئاتها، وتفاعلها مع البيئة والوسط الاجتماع؟ وهل يصح النظر إلى هذا الأدب على أنه محكي ذاتي معاش، تتولى الشخصية المعنية به إنجازه عن ذاتها دون وسيط؟ وعلى أنه يعتمد في أساسه الفني على الانتقاء والترتيب لإعادة بناء أدبية خاصة بالذات الفردية لصاحب السيرة، مع مراعاة نمو وتطور هذه الذات؟ أم أن السيرة الذاتية تجسيد لما يكتبه الإنسان من تاريخ حياته من خلال تسجيل حوادثها ووقائعها المؤثرة في مسار الحياة، مع تتبع تطورها الطبيعي من الطفولة، مرورا بطور الشباب، ثم انتهاء بمرحلة الكهولة؟ ثم هل السيرة الذاتية شكل أدبي للتاريخ؟
وهل هذا اللون من الأدب يندرج ضمن الفنون الأدبية الأكثر حرصا على النقل الأمين لحقيقة الإنسان، وعلى تحري الصدق في ما يعكسه من حياته الفردية الخاصة؟ أم أنه تركيب أدبي مستحدث للذات، وعملية بناء جديدة لشخصية تتجاوز صاحبها؟ ثم هل من المنهجية العلمية أن نتفادى أي حديث بشأن شكل معين أو أسلوب محدد وحيد ينفرد به جنس السيرة الذاتية؟
هل السيرة الذاتية هي الأوراق الشخصية والسرية لمؤلفها؟ وأن هذه السمة هي التي مكنتها من تحقيق التميز بين مختلف أجناس الأدب ؟أم أنها تسجيل استعادي صادق ومقصود لعمر من الخبرات، والأفعال، والتفاعلات، وتأثيراتها الفورية والبعيدة المدى على الشخص؟ ثم هل صحيح أن المنطلق الأساس في دراسة أدب السيرة الذاتية، يتمثل في البحث عن المنظور الذي يتم به استرجاع الوقائع، وتتبين في ضوئه الأحداث الغنية بدلالاتها، ومن خلاله تتعين مواطن الصمت ذات الصلة الوثيقة بما هو مسكوت عنه من الخطاب المقموع، وتتميز فضاءات الحديث بالمباح من الخطاب.
هذه جملة من الأسئلة والتساؤلات التي تجري في فلك جنس السيرة الذاتية، والتي تحمل في طياتها الكثير من الإجابات والعديد من صفات وملامح هذا الجنس الأدبي بوجه عام، ومما لا شك فيه أن ما ينجز من الأبحاث والدراسات النقدية حول جنس السيرة الذاتية سيؤدي حتما إلى إعادة النظر في ما يحكم هذا الجنس الأدبي من قوانين، بقدر ما سيرتقي به، خاصة وقد غدا جنس السيرة الذاتية ساحة للنقاش النظري الأدبي حول موضوعات لا يخلو أحدها من أهمية.
لقد سقط عدد من الباحثين و نقاد أدب السيرة الذاتية في خطأ كبير عندما جعلوا "السيرة الذاتية" اصطلاحا مرادفا ومطابقا لمصطلح "الترجمة الذاتية"، ولم يميزوا بين الاصطلاحين، وهذا خلط اصطلاحي واضح لم يعرفه العرب المسلمون قديما، ونحن نتساءل باستغراب عما إذا كان العرب المسلمين القدماء حقا لا يميزون بين لفظ "السيرة " ولفظ "الترجمة" وأنهم كانوا يوظفون كلا اللفظين بمعنى واحد، هو: (حياة الشخص بصفة عامة)؟!
إن هذا الاعتقاد الذي لا يقوم على أساس سليم ثغرة في منظومة المفاهيم الخاصة بجنس السيرة الذاتية لا سبيل إلى تجاهلها، لهذا نرى من الضروري في البداية التذكير بما أورده ابن منظور في معجمه الكبــير (لسان العرب) بخصوص لفظ "السيرة" ولفظ "الترجمة" أما "السيرة" فهي السنة، والطريقة، والهيئة، وأحاديث الأوائل، وهي الميرة، وفي التنزيل العزيز قول الله عز وجل: "سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولىَ"، أي هيئتها الأولى، وأما "الترجمة" فهي نقل الكلام من لغة إلى لغة.
ثم إن لفظ "الترجمة" دخيل على اللغة العربية، وهو أصلا من اللغة الآرامية، ولم يكن لفظ "الترجمة" من بين الاصطلاحات الأدبية القديمة، المرتبطة بتاريخ الحياة الفردية، إلا في بداية القرن السابع الهجري، وذلك مع أبي عبد الله ياقوت الحموي
(574 - 626 للهجرة )، في مؤلفه: (معجم الأدباء)، والذي وظفه بمعنى مختصر حياة الفرد وكان أبو الفرج الأصفهاني المتوفى عام 356 للهجرة قد استعمل لفظ "الخبر" بصيغتي الإفراد والجمع.
إن المعاجم العربية القديمة لم تتخذ لفظ "الترجمة" مرادفا للفظ "السيرة"، في حين عمدت المعاجم الحديثة، بما فيها المعاصرة، إلى توظيفهما مترادفين وبنفس المعنى، أما القول بأن الذي فصل قديما بين مفهوميهما وحمولتهما الاصطلاحية هو مجرد توظيف اعتباطي حسبما يرى ماهر حسن فهمي، ومحمد عبد الغني حسن، على سبيل المثال، فهو استنتاج نرده على أصحابه، لأن التمييز بين الاصطلاحين لم يأت دون مراعاة الحمولة الدلالية لكل مصطلح على حدة، أو دون قصد و غاية؛ بل إن ثمة فوارق بينة ومحددة بين لفظي "الترجمة" و"السيرة"، تتجاوز منطق الاستعمال الاعتباطي أو ما جرت عليه العادة، وهي فوارق تم إغفالها من قبل معظم الباحثين ونقاد أدب السيرة الذاتية.
وإذا كانت هذه المسألة الاصطلاحية في الوقت الراهن قد تبدو لأول وهلة قضية جزئية متجاوزة، فإننا نعتقد، على العكس من ذلك تماما، بأنها مسألة تستدعي إعادة النظر والمراجعة، والظاهر أن العرب المسلمين القدماء قد حسموا في هذا الأمر، وذلك عندما استقر رأيهم على ضرورة التمييز بين مفهوم "السيرة" وما تعنيه "الترجمة"، أو بالأحرى بين لفظي: "السيرة" و"الترجمة"، سواء كانا للذات أم للغير، مع أن المتقدمين من أهل الأدب والنقد العربي الإسلامي، لم يكونوا يلحقون صفة "الذاتية" أو "الموضوعية" بهذين الاصطلاحين.
صحيح أن لفظ "الترجمة" لم يعرف بمعنى أو بمفهوم (المختصر من حياة الفرد) إلا عند المؤلفين المتأخرين، لكنه لم يكن يدل عند القدماء من الأدباء والنقاد العرب المسلمين على "السيرة الذاتية"، أو "السيرة الموضوعية/ الغيرية "، وإنما قصدوا به "الترجمة الذاتية "، وعنوا به من جهة ثانية "الترجمة الموضوعية/ الغيرية "، وذلك باعتبار من يقوم بعملية الترجمة بطبيعة الحال.
وحتى نبرهن بقسط من الملاحظة والاستنتاج على ما نعتقده في شأن تمايز وتباين لفظي: "السيرة" و"الترجمة" لغة واصطلاحا، نقول: إن انتقال دلالة لفظ "الترجمة" مجازا من أصل معناها، الذي ارتبط قديما بعالم التأليف والآثار الأدبية وغيرها، إلى معنى التعريف بالأعلام ، مع احتفاظ اللفظ الدال طبعا بمدلولاته الأصلية، هو التحول الذي يفيدنا في تمييز حد "الترجمة" عن حد "السيرة"، باعتبار أن مدار الحد الأول (حد الترجمة) هو الاختصار أو الإيجاز، بخلاف مدار الحد الثاني (حد السيرة) وهو الإسهاب.
لقد كانت ترجمة الكتاب تعني: التعريف به من خلال عنوان، أو فقرات قصيرة، أو من خلال فاتحة خاصة بالكتاب، وقد جعل المؤلفون القدماء، على سبيل المثال، لفظ "الترجمة" مصطلحا دالا على معنى العنوان إبتداء من القرن الثالث الهجري.
ولا شك أن القصد من وضع لفظ "الترجمة" اصطلاحا هو الدلالة على: التقديم، والتعريف، والشرح، والتفسير، وإيضاح المبهم، والتعيين، والتسمية، والإفصاح كذلك، وجميع هذه المعاني والمدلولات نصادفها في تراث الأدب العربي الإسلامي ضمن سياقات مختلفة.
ثم إن ترجمة الكتاب وترجمة الكاتب تعني: التعريف بهما، وتقديمهما إلى جمهور القراء دون إطالة أو إسهاب، أو ترك أي معلومة مبهمة وغامضة تشوب هوية الأثر الأدبي أو الشخص، ومن ثم فإن لفظ "الترجمة" قد تمت استعارته من عالم الكتب والمصنفات، حتى يدل كذلك على التعريف بالأحياء والمتوفين من أعلام الأدب، والتاريخ، والطب، والفكر، والفلسفة، وغيرهم.
ومن مقاصد اصطلاح "الترجمة"، سواء كانت ذاتية أم موضوعية، التاريخ المقتضب للأعلام.
وبالإضافة إلى عناية المترجم بذكر اسم، وكنية، ولقب، ونسب الذي يترجم له، نجده يعتني كذلك بذكر عقيدته، ويثبت تاريخ ومكان ولادته، ثم يذكر من أخذ عنهم العلم، ويسرد أهم مراحل حياته، ثم ينتهي إلى ضبط تاريخ وفاته إن كان من المتوفين.
فهذا ابن أبي أصيبعة في ترجمته لعدد غير قليل من قدماء الأطباء في مؤلفهعيون الأنباء في طبقات الأطباء)، ينهج الخطوات التالية:
أولا: يذكر اسم المترجم له و نسبه.
ثانيا: يوجز الحديث عن المجال الذي نبغ فيه.
ثالثا: يسرد الأسماء التي أخذ عنها المترجم له صناعة الطب، والأماكن التي تلقن فيها هذه الصناعة.
رابعا: يسرد مزايا المترجم له و صفاته.
خامسا: يعرض أسماء الذين عاصرهم من ذوي السلطان، والمكانة، والصيت الذائع.
سادسا: يثبت تاريخ و مكان وفاته.
سابعا: يذكر بعض أقواله المأثورة.
ثامنا: يعرض جملة من الآثار التي خلفها المترجم له.
ونهج ياقوت الحموي مسلكا في ترجمته لقدماء النحويين والأدباء العرب لا يختلف كثيرا عما التزم به ابن أبي أصيبعة من خطوات في تراجمه، بحيث آثر كل من ابن أبي أصيبعة، وياقوت الحموي مبدأ الاختصار والإيجاز في ترجمتهما لكثير من الأعلام، وكان قصدهما من وراء التزام هذا المبدأ، هو أن تجمع كل ترجمة موضوعية بين صغر الحجم وكبر النفع، مما يدل على أن الإيجاز وصغر الحجم هو السمة والقاعدة في كتابة تراجم الأعلام؛ بل هو شرط ملازم في الغالب للترجمة، ذاتية كانت أم موضوعية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن كل ترجمة لا بد أن تنطوي على نفع وفائدة كبيرة، وهذا شرط ثاني لا يقل أهمية عن الشرط الأول.
فجميع هذه الملامح والمعالم تساعد بدون شك على الاقتراب أكثر من مفهوم "الترجمة الموضوعية"، بقدر ما تفيد ضمنا في إيضاح المقصود بالترجمة الذاتية، ونحن لا نتفق مع من يرى بأن من الممكن أن تشغل السيرة الذاتية صفحات معدودة! أو أنها قد تكون أشبه بشهادة ميلاد صاحبها! فهذه ليست صفة "السيرة الذاتية" على الإطلاق، وإنما هي صفة "الترجمة الذاتية"، ذلك لأن السيرة، سواء أكانت ذاتية أم موضوعية، فإنها من غير الممكن تماما أن تأتي في صفحات معدودة، بحكم أن الإسهاب في السرد يعد من خصائصها الأصلية، بحيث إن وضع الترجمة الذاتية بالنسبة إلى السيرة الذاتية شبيه بوضع الأقصوصة أو القصة بالنسبة إلى الرواية.
ومما يثير الاستغراب أكثر لدى القارئ الباحث - خاصة لدى ذلك المتلقي الذي قد يلتبس عليه المقصود بلفظي: "الترجمة" و"السيرة" - تلك المصادفة التي تحدث بينه وبين توظيف المصطلحين في غير محلهما، أثناء قراءته بعض الأبحاث أو الدراسات، أو المقالات النقدية حول أدب السيرة الذاتية.
وكان من الأجدر لتلافي هذا اللبس وسد هذه الثغرة الاصطلاحية، أن تحكم بدلا من ذلك التوظيف الاعتباطي قاعدة دلالية واضحة، وأما الأمثلة الشاهدة على سوء توظيف المصطلحين فكثيرة جدا، بدءا من عناوين الأبحاث، والدراسات، والمؤلفات، والمقالات النقدية، وانتهاء بالمتون الواصفة لأدب السيرة الذاتية، وجميع تلك التوظيفات يخلط فيها أصحابها بين "الترجمة الذاتية" و"السيرة الذاتية"، وشتان بين ما تعنيه الأولى وما يراد بالثانية.
وجميع النماذج التي نستطيع أن نعثر عليها دون عناء في العديد من الكتابات تكشف بجلاء عن مظاهر الخلل على مستوى الاصطلاح، وعن مدى الخلط الحاصل في الذهنية الأدبية والنقدية العربية، وإذا كان أكثر الباحثين الدارسين في مجال أدب السيرة الذاتية قد نظروا إلى مسألة الخلط بين لفظي: "السيرة" و"الترجمة" وكأنها قضية مسلم بها، ووقفوا منها موقف الحياد السلبي، فإننا نجد من النقاد من آثروا توظيف لفظ "السيرة" عند تحدثهم عن تاريخ الفرد المسهب، واستعملوا لفظ "الترجمة" عند تناولهم بالحديث التاريخ الموجز للفرد، كما نلمس عند بعضهم قدرا من الحذر في تعاملهم مع الاصطلاحين معا ، وعيا منهم بأن ثمة تمايزا بينا وفرقا جليا بينهما.
لا يوجد إذن أي مبرر لدمج الاصطلاحين معا في معنى واحد، وقد حان الوقت لنضع كل مصطلح في سياقه الطبيعي والمناسب، وليتخذا وضعهما الأصلي في الحقلين: الأدبي والنقدي العربي الإسلامي، لأن الترادف المزعوم بينهما، كما ذكرنا، في الدلالة الاصطلاحية لا يستند إلى دعامة صلبة أو ركن شديد، ومن ثم فنحن لا نتفق مع من يرى بأن التمييز بين اصطلاحي: "السيرة" و"الترجمة" ما هو إلا تفريق سطحي، سرعان ما يتلاشى عند تعريضه لأدنى تمحيص.
ثم لأن ثمة شواهد ومعالم تبرز ضرورته، ثم إن "الترجمة الذاتية" أدب نثري له من الشروط، والخصائص، والأغراض ما يميزه عن "السيرة الذاتية"، وكلا اللونين ينتميان إلى الأدب الذاتي أو الخاص، ويكتبان من طرف المعني بهما، كذلك "الترجمة الموضوعية" ليست هي "السيرة الموضوعية"، إذ لكل منهما شروط و مبادئ خاصة، على الرغم من كونهما ينتسبان إلى الأدب الموضوعي أو الغيري، ويؤلفان من قبل شخص آخر غير معني بهما.
أما "الترجمة الذاتية"، فستظل على الدوام غير مؤهلة إطلاقا لتقوم بدلا عن "السيرة الذاتية" أو لتحل وتشغل مكانها، ذلك لأن كاتب السيرة الذاتية ملزم بأن يعكس للقراء وجه حياته الشخصية بتفاصيلها ودقائقها، قدر الإمكان طبعا، على مرآة التعبير الأدبي، مع العلم بأن السيرة الذاتية تهدف إلى الاشتمال على جزء من حياة صاحبها، إذ يتعذر عليها أن تحيط بسائر ما مضى من حياته الشخصية، ومؤلفها مطالب بالاقتراب أكثر من ذاته بالوصف، والتفسير، والتحليل، والتعليق، والنقد أيضا، وجميع هذه الأفعال الخطابية يجب أن يمارسها بإسهاب وليس باقتضاب، وإن كان من غير الهين على الإطلاق أن يتخذ الكاتب من ذاته وذاكرته موضوعا للسرد.
كانت هذه إطلالة سريعة على ما تعنيه الترجمة الذاتية وما تدل عليه السيرة الذاتية، ونأمل أن نكون قد أسهمنا بهذه المقالة في دعوة الباحثين والمهتمين بأدب السيرة الذاتية إلى إيضاح قدر الإمكان ما يمكن إيضاحه في هذا الباب.



بواعث كتابة أدب السيرة الذاتية الإسلامية قديماً

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:35 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
أدَب السِّيرة الذاتية بين الشِّعر وَبيْن النَّثر

د. عبد الفتاح أفكوح




بواعث كتابة أدب السيرة الذاتية الإسلامية قديماً

(المقالة الثالثة)





لقد ترك لنا العرب المسلمون القدماء سيرا ذاتية كثيرة، حفزتهم عوامل أو بواعث ذاتية وموضوعية مختلفة ومتشعبة، فضلا عن كونها تضيق بحصرها عدا، وقد ذكر غير واحد من الباحثين والنقاد بعضا منها ومن خصائصها، التي تميزها عن غيرها ولم يختلفوا في شانها، ونحن في سياق هذا المحور سنحاول الكشف عن المزيد من البواعث والخصائص التي ارتبطت بالسير الذاتية الإسلامية قديما، مع التذكير بما سبق وكشفت عنه الأبحاث والدراسات السابقة من بواعث وخصائص.
من الممكن أن نصنف مختلف بواعث كتابة السيرة الذاتية الإسلامية القديمة إلى ثلاثة أنماط هي:
أولا: البواعث الإخبارية، أو البواعث التاريخية، أو الصنف الإخباري البحت، وهي مجموع البواعث التي تنحو بأصحاب السير الذاتية إلى تحقيق منفعة خارجة، و تدفع بهم إلى تسجيل تجاربهم، وأخبارهم، وذكرياتهم، بالإضافة إلى ما عاينوه من مشاهد، وعاشوه من مواقف دون النفاذ إلى عمقها، وهي بالتالي عبارة عن حوافز على التأليف، تلزم الكاتب بفعل الأخبار فقط، ونقل معلومات معينة، أو تدوين وقائع تاريخية.
ومن الأعمال القديمة التي تندرج في دائرة هذا النمط الإخباري التاريخي، نذكر ما خلفه كل من ابن سينا، وعبد اللطيف البغدادي، وعلي بن رضوان المصري من حديث حول ذواتهم، ومثل هذا الضرب من الكتابة كثير في المعجم الذي ألفه ياقوت الحموي، وخص به الأدباء والنحويين.
ثانيا: البواعث النفسية والروحية، وهي ملتقى الأبعاد الإنسانية الثلاثة، ونقصد بها: النفس، والروح، والفكر، وقد نختزل هذا اللون من البواعث في ظاهرة النزوع إلى تصوير الصراع الروحي، من خلال الرغبة في اتخاذ موقف ذاتي من الحياة، وتصوير الحياة المثالية والفكرية.
ومن النماذج التراثية التي تنطبق عليها مواصفات هذا النوع من البواعث، نذكر: "السيرة الفلسفية" التي كتبها محمد زكريا الرازي، وأراد من خلالها التعبير عن اتخاذه موقفا ذاتيا من الحياة، ونذكر كذلك رسالة لابن الهيثم، المتوفى سنة 430 هجرية، في تصوير حياته الفكرية.
ثم إننا نستحضر في ذات السياق كتاب"الاعتبار" لصاحبه أسامة بن منقذ، المتوفى سنة 574 هجرية، و الذي سخره لاسترجاع الذكريات، ولتمكين قرائه من أخذ العبرة، كما نخص بالذكر أيضا كتابي: "طوق الحمامة في الألفة والآلاف"، لصاحبه علي بن حزم، المتوفى عام 454 هجرية، وقد روى فيه ما عاناه في شبابه من تأثير الحب والعشق وما خلفاه في نفسه من آثار، وأراد من خلال ذاته أن يحيط عن طريق التجربة، والملاحظة، والاستقراء بظاهر وباطن العاطفة التي تنشأ بين الجنسين من بني الإنسان.
ولابن حزم مؤلف آخر يحمل عنوان "الأخلاق والسير في مداواة النفوس"، ومن الأعمال القديمة التي ضمنها أصحابها التعبير عن الثورة، والصراع الروحي، ومناجاة النفس، نستحضر ما تركه أبو حيان التوحيدي محفوظا في رسالته "الصداقة والصديق"، التي عبر فيها عن ثورته ومعاناته مع الفقر والاغتراب بين الناس، ونذكر أيضا ما خلفه أبو عثمان الجاحظ المتوفى سنة 255 هجرية، وأبو العلاء المعري المتوفى سنة 449 من الهجرة، وأبو بكر الخوارزمي المتوفى سنة 232 في بعض رسائلهم.
ودائما في سياق النمط الثاني من بواعث الكتابة، نذكر مؤلف "الفتوحات المكية" لمحي الدين ابن عربي المتوفى سنة 638 من الهجرية، الذي يعتبر إلى جانب رسالته في مناصحة النفس نموذجا للحديث الدقيق والعميق مع النفس، ونستحضر كذلك كتاب "المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال" لأبي حامد الغزالي المتوفى سنة 505 من الهجرية، وفيه اجتهد المؤلف في عرض و تحليل صراعه الروحي، ومحاسبته لنفسه عما اقترفته من آثام، وما بذله من جهد وسلكه من سبيل لتطهيرها والسمو بها، ويعد هذا الأثر من بين السير الذاتية التي كان القصد من تأليفها ـ نزولا عند طلب الغير، كما رأينا مع ابن حزم الأندلسي ـ أن تكون تجربة، ووثيقة روحية وفكرية تعرض على جمهور القراء لينظروا فيها طلبا للاهتداء إلى مجاهل النفس، والاستفادة من تجارب الغير.
ثم نذكر شمس الدين محمد بن طولون، الذي تحدث عن نفسه في رسالة مستقلة، سماها "الفلك المشحون في أحوال محمد بن طولون"، ويظهر أن إحساسه بكون حياته قد أشرفت على النهاية، كان باعثا له في الأصل على كتابة رسالته، وثمة ضرب آخر من السير الذاتية ينتسب إلى النمط الثاني من بواعث الكتابة، ونعني به السير الذاتية التي يهدف أصحابها إلى ذكر الأسباب التي جعلتهم يعتنقون الإسلام، ويتركون ما كانوا عليه من دين في السابق من حياتهم، وممن كتبوا في هذا الباب نذكر السموأل بن يحيى المغربي، المتوفى عام 570 من الهجرة، الذي ألف كتابا سماه: "بذل المجهود في إفحام اليهود"، بسط في فصل منه تجربته الروحية تحت عنوان: "إسلام السموأل بن يحيى المغربي و قصة رؤياه النبي صلى الله عليه وسلم"، والأشواط التي قطعها وهو في طريقه إلى اعتناق الإسلام، ويعد من العلماء القلائل الذين كتبوا سيرتهم الذاتية.
ونصادف من الآثار الأدبية القديمة ما قصد به مؤلفوه الغاية التعليمية، وإسداء النصح، والتذكير، والتوصية بالحق وبالصبر، أو سعوا به إلى تصوير الحياة المثالية، والتحدث بنعمة الله عز وجل، مثل كتاب: "لطائف المنن والأخلاق في بيان وجوب التحدث بنعمة الله على الإطلاق" لصاحبه عبد الوهاب الشعراني المتوفى سنة 973 من الهجرة و"لفتة الكبد إلى نصيحة الولد" لعبد الرحمان بن الجوزي، المتوفى سنة 597 من الهجرة، ونستحضر كذلك مؤلف عبد الله بن بلقين، المسمى "التبيان عن الحادثة الكائنة بدولة بني زيري في غرناطة"، والذي كتبه تأريخا للأحداث، ودفعا للتهم، وتفسيرا للسلوك، وتبريرا للمواقف، ثم تحقيقا للتبعة على الوجه الصحيح، وذلك بعد أن فرضت عليه الإقامة الإجبارية في "أغمات" بالمغرب.
ثم نذكر كتابي الشاعر عمارة اليمني، وهما: "النكت العصرية"، و"سيرة المؤيد داعي الدعاة"، وفيهما تحدث عن نفسه، ثم إن جميع من أقدموا على كتابة تواريخهم الخاصة، بناء على نفس المبدأ والباعث، وعملا بمقتضى الآية القرآنية الكريمة في سورة الضحى، لم يكونوا راغبين في الإشادة بأنفسهم أو مدحها، و إنما أرادوا بتأليفهم أن يذكروا فضل الله تعالى عليهم، وأن يتحدثوا من خلالهم بنعمه، فنظروا إلى الكتابة في هذا الباب على أنها من جهاد النفس، وأحد أسباب ومناهج العبادة التي تقرب إلى الله عز وجل.
لقد اتخذوا حديثهم عن أنفسهم لسانا يفصحون به عن جزيل الشكر لخالقهم، وعن منتهى الاعتراف له بالفضل والجميل، فلم يتخذ كل واحد من هؤلاء سيرته الذاتية رياء و مباهاة؛ بل أراد لها أن تكون حمدا لله الذي من عليه بالنعم التي لا تعد و لا تحصى.
ثالثا: البواعث الاجتماعية: وهي بواعث تبريرية، أو تفسيرية، أو تعليلية، أو اعتذارية، تستمد قوتها من الوسط الاجتماعي، أو بالأحرى من تأثير الجماعة الإنسانية، التي تترقب دفاع المتهم عن نفسه، وتبرير مواقفه، أو تفسير أعماله وأقواله، أو تعليل آرائه المعلنة.
وقد كتب حنين بن إسحق ، المتوفى عام 260 من الهجرة، في هذا الباب، متحدثا عن معاناته و مكائد أعدائه، وتعد سيرته نموذجا حيا لمجموع السير الذاتية العربية الإسلامية القديمة، التي هدف بها أصحابها إلى الدفاع عن أنفسهم، نذكر كذلك ما كتبه عبد الرحمان بن خلدون، المتوفى سنة 808 من الهجرة، عن نفسه في كتاب: "التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا"، إذ كانت غايته مما كتب مختزلة في الدفاع عن نفسه من خلال التبرير والتفسير، وكثير من السير الذاتية القديمة ألفها أصحابها لهذا الغرض، ولا شك أن باعث الدفاع عن النفس يندرج ضمن أقوى وأبرز بواعث كتابة هذا اللون من الأدب.
ومن جملة بواعث الكتابة التي نقف عليها في أدب السيرة الذاتية الإسلامية القديمة، ثمة باعث الرد على أعداء الإسلام، ودفع ما يحوم بفعلهم حول العقيدة الإسلامية من شبهات، وأوضح مثال نسوقه في هذا الباب ما كتبه السموأل بن يحيى المغربي.
ثم إن بواعث وحوافز تأليف السير الذاتية الإسلامية القديمة كثيرة ومتشعبة، ونادرا ما يكون وراء كتابتها باعث أو حافز واحد فقط.
أما محاولة تصنيف الأعمال الأدبية العربية الإسلامية، تبعا لتصنيف بواعث الكتابة، وكذا تقسيمها إلى أنماط، فهو عمل واجتهاد نسبي، وحتى إن كان مكن الباحثين والنقاد من الوقوف على أهم البواعث أو الدوافع الرئيسة، فإنه لم يحط بعد بأكثر البواعث الفرعية، ثم إن كان ساعدهم على ضبط البواعث الظاهرة، فإنه لم يمكنهم بعد من الإلمام التام بالبواعث الباطنة.
هذا حظ يسير مما جاد به نشاط الذهن، نسأل الله عز وجل أن يجد فيه كل قارئ بعض الذي كان يترقبه ويستشرفه، وعسى أن يكون ما خطته يمين عبد الله باعثا للباحثين، والدارسين، والمهتمين عموما على إلقاء ولو نظرات معدودة على أدب السيرة الذاتية ...



نَظرَة فِي خِطاب أدَب السِّيرَة الذاتية الإسلامِية الْحَدِيثة
(المقالة الرابعة)



من بين المعايير المعتمدة في تحديد مقومات أي جنس أدبي، ثم ضبط هويته وموقعه بين باقي الأجناس الأدبية، هناك: مستوى الصياغة التي تهتم بتشكيل الخطاب، وطبيعة المضامين التي تتقيد بالدلالة المقصودة، بالإضافة إلى كيفية تقديمها، ونوعية التركيب الذي يسم أسلوب الكتابة، ويهدف به الكاتب إلى تبليغ ورسم أبعاد خطابه، ثم الوظائف الخطابية التي تدل على آثار الخطاب وتكشف عن آفاقه.
فجميع هذه المعايير وغيرها تقتسم أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة، وتجعل منه في النهاية شبكة من الموضوعات الأساسية والفرعية، تقوم بالحفاظ على توازنه الإبداعي، بحكم أن كل موضوعة تمثل مركز ثقل خطابي، وقطبا يختزل شحنات دلالية، تنتظم بدورها نسيج العلاقات الداخلية للخطاب، وسنحاول في هذا المقال أن نكشف بإيجاز شديد مظاهر خطاب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة، وأن نبحث في مكوناته الكبرى، وفي طبيعة حمولته المتنوعة، اقتناعا منا بأن الخطاب الأدبي ليس مجرد صياغة وتركيب، ومضامين ووظائف؛ بل إنه نتاج ذو مظاهر ومكونات أكثر تشعبا، وكائن ينطوي على خفايا وأسرار، ويتشرب عناصر دقيقة ومجردة، تضرب بجذورها في ذات الإنسان وذاكرته.
ثم إن الحديث بالدرس والتحليل عن خطاب السيرة الذاتية الإسلامية في العصر الحديث، يعني كذلك البحث في بواعثه ودرجة الصدق التي ينطوي عليها، ونحن نطمح في هذا الفصل من الأطروحة إلى أن نحيط أكثر بهذه المحاور، وإلى أن نوسعها نقدا و توضيحا، على أن نتخذ هذه الخطوة ـ التي تقتضيها الضرورة المنهجية ـ تمهيدا مفصلا في مدارات، قبل الانتقال إلى معالجة ميثاق قراءة السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة، وبواعث تلقي هذا الضرب من الأدب الإسلامي.
ونحن عندما نتناول بالفحص متن هذا الفرع الأدبي الإسلامي الحديث، لا نجد أنفسنا أمام مادة أدبية يستعصي فهمها وتأويلها، أو إزاء خطاب أدبي يتعذر علينا الوصول إلى معرفة تامة به، ذلك لأننا لسنا بصدد خطاب أدبي تخييلي، تتداخل وتتلاحم فيه العناصر الواقعية بالعناصر الخيالية، وإنما نحن نطرق باب خطاب لا يقترح عوالم تخييلية، سواء من داخله أم من خارجه، وبالتالي يعرض تجارب ذاتية إنسانية واقعية.
ثم إننا نرى أن خطاب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة، يتمتع بحياة متعددة، بحكم ارتباطه بالأزمنة الثلاثة (الماضي، والحاضر، والمستقبل)، مما يؤهله ليكون إشارة مفتوحة على كثير من المعاني والدلالات، على الرغم من التباين المبدئي القائم بين جنس السيرة الذاتية وباقي الأجناس الأدبية التخييلية.
فلا سبيل إذن إلى إسقاط طبيعة الخطاب الأدبي التخييلي على الطبيعة الخاصة بخطاب السيرة الذاتية المعتمدة على التجربة الواقعية، ثم لا يحق لنا أن نبرر عملية الإسقاط باحتمال اتفاق الهدف، وبكون باب التأثير المتبادل بينهما سيظل مفتوحا، وبناء على ما تقدم ذكره، نجد أنفسنا لا نشاطر رأي جورج ماي (georges may) في هذه المسألة، إذ عوض أن يفضي به البحث إلى رسم حدود صارمة، تفصل ما بين السيرة الذاتية والأجناس المجاورة لها، نراه يؤكد على عدم وجود أي حد فاصل بين أدب السيرة الذاتية وأدب الرواية.
ويكفي أن ندفع هذا الرأي بالتنبيه إلى ما يتفرد به خطاب السيرة الذاتية من قراءات متميزة، سواء كانت عادية أم نقدية أم إبداعية، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار الكيفية التي سيتعامل بها القارئ مع هذا النص أو الخطاب الأدبي، وهي بداهة ليست نفس الكيفية التي سيتعامل بها نفس القارئ مع نص قصصي، أو نص روائي، أو نص شعري على سبيل المثال.
ثم إن من الخصائص الجوهرية للسيرة الذاتية كون صاحبها عاجز عن بلوغ الغاية المتمثلة في "الموت"، وقول الكلمة الأخيرة في حياته، ومن ثم فإن أدب السيرة الذاتية هو رحلة تبدأ من حاضر الكتابة وتنتهي إليه، وهي الرحلة التي تتم في حركة دائرية ببعديها الزماني والمكاني، لكن هل صحيح أن خطاب السيرة الذاتية لا يستطيع أن يتجاوز أحادية رجع الصوت الواحد؟ وأنه يفتقر إلى إمكانات الرواية الإبداعية ؟!
ونحن لا نتفق مع من يرى هذا الاعتقاد، لأن ما نصادقه للوهلة الأولى من رجع الصوت الواحد في خطاب السيرة الذاتية، ليس في الواقع وجوهر الأمر إلا مرآة تتراءى على صفحتها عدة أصوات، ومدخل إلى عالم يحفل بتعدد أصوات قراءة أدب السيرة الذاتية.
إن قراءة خطاب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة يجب أن تتم بحس واقعي، بخلاف باقي الخطابات الروائية وغيرها، مما ينتمي إلى الأجناس الأدبية التخييلية، التي ستقرأ بحس تخييلي، لكن هذا لا يعني أن هذه الخطابات لا علاقة لها بالواقع، أو أنها ذات مضامين جوفاء؛ بل إنها في الحقيقة عبارة عن منافذ تفضي في أغلبها بالمتلقي إلى الحياة الواقعية بأدق تفاصيلها.
فما أدب السيرة الذاتية إلا جزء من الظاهرة الإبداعية على المستوى العام، وهذا شأن كل الخطابات الأدبية التي تحكي التجارب الواقعية، وكل من يلقي نظرة متأملة على مختلف الاتجاهات الأدبية في مختلف المراحل التاريخية، يعثر على ذلك التجاوب القائم بينها وبين جميع مناحي الحياة الاجتماعية الواقعية، وهي اتجاهات تعكس نبض المجتمعات وما يسودها من مفاهيم وقيم.
ثم إن غزارة وغنى المضامين والقضايا، وكثافة الموضوعات والأحداث التي نصادفها بوجه خاص في خطاب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة، هي من بين المعطيات التي نادرا ما نعثر عليها في الأدب العالمي الحديث، شعره ونثره، ومن ثم ستبقى هذه المعالم من أبرز سمات الخطاب الأدبي الإسلامي، الأكثر تميزا واغترابا في هذا العصر، على الرغم من أنه عمل على ملء فراغ كبير، وحرص على تقريب المسافة بين الذات الإنسانية ـ العربية والأعجمية ـ والإسلام.
وقد استطاع الخطاب الأدبي الإسلامي أن يجلي كثيرا من الحقائق التاريخية، التي أفرزها مجرى التحولات والاضطرابات في العالم العربي الإسلامي الحديث، حتى إنه يمتلك من خلال أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة من الخصب والتنوع، ما قد لا تمتلكه السيرة الذاتية، وهي الجنس الأدبي المنفتح على المضامين الأكثر تشعبا.
إن خطاب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة نتيجة نهائية لتراكيب ومناهج معينة؛ إنه من جملة الخطابات الأدبية الإسلامية المرتبطة أصلا بذات مسلمة فاعلة، وذاكرة إسلامية حافظة، ثم إن هذا الخطاب الأدبي الإسلامي ينفرد بخاصية جوهرية، وهي أن الذات المنتجة له ليست أحادية، وإنما هي ثنائية: عربية وأجنبية، كما أنه خطاب ذو قواسم مشتركة يكمل بعضها بعضا، على الرغم من اختلاف المعطيات البيئية، والثقافية، والاجتماعية وغيرها بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الأجنبية.
ثم إن لكتابة السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة اليوم، وأكثر من أي زمن مضى، دورا كبيرا وفعالية لا تقل أهمية عن باقي خطابات الأدب الإسلامي الحديث، خاصة مع اكتساح الآداب، والمفاهيم، والقيم الغربية للبلاد العربية الإسلامية، التي انبهر كثير من مثقفيها بكثير من الإنتاجات الأدبية الغربية، التي لا صلة لها بواقع الحضارة الإسلامية، وأخلاق المسلمين، وثقافتهم، وعقيدتهم.
ونحن موقنون بأن أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة سيظل أحد أبرز مظاهر الأدب الإسلامي المتميزة في العصر الحديث، وأداة خطابية مؤهلة لتحقيق تواصل أدبي فاعل ومثمر، فضلا عن اعتباره مجالا فسيحا للدعوة إلى الإسلام، ومعينا لا ينضب من المواد التاريخية، والاجتماعية، والنفسية الموحية، ومن العناصر الفنية التي تبعث على الإبداع الأدبي، إذ باستطاعة كل أشكال التجارب الذاتية، والمعاناة، والأفكار، والرؤى، والمواقف، والمشاهد المسترجعة، وكذلك الفضاءات المكانية والزمانية أن تنمي في الذات الكاتبة والذات القارئة حساً فنيا وحدساً جمالياً رفيعاً.

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:37 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
قالت لي العرافة

رامي وسوف


نثر إبداعي



ذاكرة الماضي اختزال كبير للوقع الخارج عن إرادة الزمان وارتداد المكان في كل ثانية

مرت عبثاً كما الأحلام الجوفاء في قلب خابية عُتق فيها الحب على عجل.... من هنا تطل

ولادة جديدة تثور بها الأيام بوحاً وانتقاصاً من فوضى الأشياء التي عبثت بالوقت الضائع

مني وتراكمت خارج كل الحدود التي أطلق الزمن عليها( أشياء لم تولد بعد).

كان يوم اللقاء عاصفاً مثل دمي الذي فتح نوافذ كثيرة للمستقبل الذي قالته العرافة أمام

موج البحر الذي تراكم كثيرا مع الكلمات وغاب طويلاً في ثنايا ذاكرتي الجائعة إلى لحظة

حلم تستوي فيها مدارات أمنيتي على وجع القصيد الذي امتد إلى أيدي العرافة وهي

ترمي رمال البحر إلى موجه الذي لايزال يخترق بصوته كل عبارة من عبارات الحلم القادم.

قالت ليّ العرافة: حين يأتيك الحب يمضي سريعا في لهفة خالصة وفي فيضه كل الأمنيات

القادمة من البحر وينتهي الليل مجددا في عمق الذات بترتيلة حلم غريب تبتاع منه كل

الثنايا الغائبة بينه وبين الأقاصي المجهولة المنتشرة مع الفجر كما انتشار الجسد على

ساحة الحلم وأين تبحث عن الحب وفي الحب كل القتل والهجر وكل الأشياء الاعتيادية من

زمن مجهول ضاعت ثناياه في عتمة الذات ... ربما كان بعيدا أكثر اليوم وربما كان قريبا

حد الاحتراق.

قالت لي العرافة أيضاً : الحلم هو الحب الخاص يحمل ذاك الرونق الذي يرتشف عمق الذات

في تلاوين متفردة وبكل الأشياء التي لم تولد بعد.....والحب كل اليقين في لحظة الذات

المصطفاة على ساعة الميلاد يوم لاميلاد فينا يجدد غربة الآتين ... أأنت هنا تزرع من هذا

المكان أمنية لعلها بفيض ماتشتهي تخفي ذاك المداد الواسع للقلب الذي تغنى على

فوضى الأشياء وانتهى في عروقك مثل الأنثى التي أحرقت ضفائر الوجد إلى الوجد في

تسمية الأشياء واقترابها من كل صوب .... علك في النهاية تجد ملفات الضياع خاصة الانثى

التي لم تأت على نهار.......وينبثق الحلم فيك أخيرا من كل فج عميق حيث لايدري الإنسان

إلا روحه أنت والليل ذكرى خلاقة لفوضى ذكراك وذاكرتك وكل الأشياء التي سافرت معك

الى الهجر في ضجة عالم الميلاد والعدمية.

وقفت أخيراً ... أنظر إلى غياهب البحر بعينين اتقدت فيهما النار وظللت ثورتهما ضجة

المكان الذي ازدحم والعرافة والبحر وكل الأشياء التي عرفت .... أترقب نهاية الحكاية

التي آثرت لحظات الصمت على استنهاض الباقي منها ولوهلة شعرت بامتداد خاص يوقد

في العرافة أشياء اقتربت أكثر وأكثر حين قالت : ابحث عن الصمت الذي يدرك كل مكان

في أجزاء الذاكرة... وابحث عن ذالك الغيب الأخير لتجلي الحلم بعيداً حتى تلتقي في

دروب لاحدود فيها ولا مصير لامتشاق القصيدة جوف المكان وستعرف مدناً في قلب مدنٍ ..

تنتشر الأنثى فيها كما الروض في تلك الأعالي الغائبة عنا وستدرك أن الحكايا مهما بلغت

فهي في النهاية قليلة لابوح يستر عيوبها ولا انتفاضة تؤرق جدليتها والشيء الأهم من

كل هذا وذاك طهر الذات ياسيدي فهو الذي سيعرفك دوما في كل ثانية وصوب .

كان ذلك اليوم عالي الصخب .. قوي اللحظة... أوتاره عزفت على كل الماضي وأشياءه

التي عرفتُ منها مستقبلاً عمق الحكاية ونهاية الدوران في عتمة أنثى أنهت تاريخاً

يحتوي الليل الخالص في عروقي وفاضت عنه إلى ذكرى معذبة تقيم احتفالاً خاصاً في

جسدي وعقلي كلما غابت شمس وجلست أمام البحر والعرافة في محاولة جديدة للانقلاب

الكبير على الذاكرة والمستقبل.

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:39 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
الجمهورية التـــونسيــــة

طارق الاحمدي
منبر التاريخ و الحضارة


عـــــلم الجمهورية التونسية :



شعــــــار الجمهـــــورية التــــونسيـــة


1 - أصل التسمية:

عرفت تونس قديماً باسم ترشيش، فلما أحدث فيها المسلمون البنيان واستحدثوا البساتين

سميت تونس، وهي كلمة بربرية ومعناها البرزخ.

ـ الاسم الرسمي: الجمهورية التونسية.

ـ العاصمة: تونس.

2- جغرافية الجمهوريـــة التــونسيــة :

ـ المساحة الإجمالية: 163610 كلم2.

ـ مساحة الأرض: 155360 كلم2.

3- المـــــوقــــــع:

تقع تونس في شمال القارة الإفريقية، وتطل على البحر المتوسط شمالاً وتحدها الجزائر

غرباً، ليبيا شرقاً والجزائر وليبيا جنوباً.

ـ حدود الدولة الكلية: 1424 كلم، منها 965 كلم مع الجزائر و459 كلم مع ليبيا.

ـ طول الشريط الساحلي: 1300 كلم.

ـ أهم الجبال: أطلس التل، الأطلس الصحراوي.

ـ أعلى قمة: قمة الشعانبي (1544م).

ـ أهم الأنهار: وادي مليان، وادي ملاق، مجردة (482 كلم).

ـ المنـــــــــــاخ:

مناخ إقليم البحر المتوسط؛ حار جاف صيفاً، دافىء ماطر شتاءً.أما في المناطق الجبلية

فمعتدل الحرارة صيفاً وماطر وبارد شتاءً أما المناطق الوسطى الجنوبية فمتوسط الأمطار

بارد شتاءً وحار صيفاً.

ـ الطبـــوغرافيا:

يتألف سطح تونس من سهول ساحلية التي تمتد بامتداد السواحل البحرية المطلة على البحر

المتوسط وتتسع في الوسط، المناطق الجنوبية هي امتداد للصحراء الجزائرية.

ـ الموارد الطبيعية: زيت خام، فوسفات، حديد، توتياء، رصاص، بترول.

ـ استخدام الأرض: الغابات 4,3%، المروج والمراعي 20%، الأراضي الزراعية 31,9%،

أراضي المحاصيل المستمرة 10%، والباقي أراضي أخرى.

ـ النبات الطبيعي: النباتات الصحراوية تنمو في الصحراء، إضافة إلى نبات الحلفاء، أما

في المناطق الجبلية والساحلية فتنمو غابات السنديان والبلوط والفلين والزيتون والخروب

وغيرها أما الواحات فتكثر فيها أشجار النخيل.

- المؤشرات الاقتصادية

ـ مساهمة في اجمالي الناتج المحلي:

ـ الزراعة: 12,8%.

ـ الصناعة: 28,1%.

ـ التجارة والخدمات: 59%.

ـ أهم الصناعات: صناعات بترولية، تعدين الحديد والفوسفات، منسوجات، تعليب الأغذية.

ـ المنتجات الزراعية: الزيتون، التمور، اللوز، الحبوب، الحمضيات، الخضار والفواكه، قصب

السكر، الشمندر والكروم.

ـ الثروة الحيوانية: الضأن 7,6 مليون رأس، الماعز 1,35 مليون، الأبقار 770 ألفاً، الدواجن

35 مليون.

ـ المـــــواصــــــلات :


ـ دليل الهاتف: 216.

ـ سكك حديدية: 2154 كلم.

ـ طرق رئيسية: 17700 كلم.

ـ أهم المرافىء: بنزرت، تونس، صفاقس، سوسة.

ـ عدد المطارات: 5.

ـ أهم المناطق السياحية: أثار قرطاجة، متحف باردو، منتجع الحمّامات، مدينة القيروان،

جزيرة جربة. والسياحة الصحراوية بالجنوب

المؤشرات السياسية


ـ شكل الحكم: جمهورية برلمانية تخضع لنظام تعدد الأحزاب.

ـ الاستقلال: 20 أذار 1956.

ـ العيد الوطني: عيد الاستقلال (20 أذار).

ـ حق التصويت: ابتداءً من عمر 20 سنة.

ـ تاريخ الانضمام إلى الأمم المتحدة: 1962

نبذة تاريخية للبلاد التونسية

تقع تونس في أقصى شمال القارة الأفريقية، على ساحل البحر المتوسط، وتبعد مسافة

140 كلم عن مضيق صقلية.

يحدها البحر المتوسط من الشمال والشرق إذ يبلغ طول شاطئها عليه نحو 1200 كلم.

وتحدها ليبيا من الجنوب الشرقي (وطول حدودها معها 480 كلم). والجزائر من الغرب

(بطول حدود 1050 كم).

تبلغ مساحة تونس 163,610كم2. أما عدد السكان فحوالي 10 ملايين نسمة. عاصمة البلاد

مدينة تونس التي تحتل مع ضاحيتها المركز الصناعي والتجاري الأول في البلاد، وتتصل

بالبحر المتوسط بواسطة قناة تجعلها مرفأ مهماً


تـــــاريــــخ البـــلاد التـــونسيـــــة

أول السجلات التاريخية الموجودة تشير إلى أن المناطق الداخلية التونسية كانت مأهولة

قديما بقبائل بربرية، أما الساحل التونسي فقد قطنه الفينيقيون -الذين هاجروا من ساحل

المتوسط الغربي- بدءا من القرن العاشر قبل الميلاد. في القرن السادس قبل الميلاد صعد

نجم قرطاج كدولة ذات قوة ومكانة على المتوسط، و استمرت قرطاج حتى سقوطها بيد

الرومان في القرن الثاني قبل الميلاد .

في القرن الخامس بعد الميلاد أصبحت تونس في قبضة الوندال ومن ثم تحت سيطرة

البيزنطيين في القرن السادس للميلاد. دخل العرب المسلمون تونس في القرن السابع

للميلاد، مؤسسين مدينة القيروان فيها جاعليها مركزا لهم في تونس. استمر حكم الولاة

المسلمين وسط اضطرابات متقطعة نتيجة تمردات البربر. أهم السلالات التي حكمت تونس

وحققت عصورا مزدهرة لتونس كانت الأغالبة في القرن التاسع الميلادي، والزيريون بدءا

من 972 م، وهم من البربر (الأمازيغ) التابعين للفاطميين.

في عام 1050 م، خرج الزيريون عن طوع الفاطميين في القاهرة، مما أغضب الفاطميين

ودفعهم لإرسال قبائل بني هلال في حملة تخريبية على تونس.

في القرن الثاني عشر للميلاد، سيطر نورمانديو صقلية لمدة قصيرة على سواحل تونس .

لكن في 1159 م سيطر الخلفاء المهديين في المغرب على تونس بالكامل، وتلاهم

الحفصيون الأمازيغ (حوالي.1230–1574)، الذين حققوا عصورا ذهبية أثناء حكمهم لتونس.

في أواخر حكم الحفصيين، استولت إسبانيا على العديد من المدن الساحلية التونسية، لكن

العثمانيين استعادوا هذه المدن . حكمت تونس بعد ذلك في ظل الخلافة العثمانية من قبل

حكام يطلق عليهم لقب باي، حيث تمتع هؤلاء البايات بشبه استقلال في إدارة شؤون

الإقليم التونسي. و قد بدأ حكم الحكام الحسينيين من البايات في 1705، و استمر حتى

1957 م.


سكن الفينيقيون في هذه المنطقة التي اسمها اليوم تونس . كانت تخضع قديماً

لإمبراطورية قرطاج. تأسست مدينة قرطاج في شمال شرق تونس الحالية في سنةً814 قبل

الميلاد وبداية قرطاج بعد ذلك مركزا لامبراطورية سيطرت على شمال إفريقيا و جنوب

أوروبا في سنة 264 قبل الميلاد حدث صراع بين قرطاج والإمبراطورية الرومانية حروب

عرفت باسم الحروب الغادرة. في الحرب الثالثة هزم الرومان القرطاجية و دمروا عاصمتهم

تماما و خلال هذه الفترة من القرن لثاني قبل الميلاد و حتى الخامس الميلادي كانت معظم

المنطقة في تونس الحالية خاضعة للامبراطورية الرومانية.

في القرن الخامس الميلادي استولى الوندال على تونس من ثم فتح المسلمون تونس خلال

القرن السابع الميلادي. وفى نهاية القرن الثاني عشر قام روجر الثاني باحتلال تونس من

النقاط البحرية الهامة ولكن تمكن العرب من استعادتها. من ثم قام القرصان

بارباروساالثاني باحتلال مدينة تونس ولكن في العام التالي قامت 1534 قام الاسبانيون

بطرده وفي عام 1574 هزمت جيوش العثمانيين اسبانيا و وضعت القوات التركية تونس تحت

الحكم التركي . تمتعت تونس بفترة من الاستقرار ما بين سيطرتها على الحكم التركي يتم

من خلال حكام تونسيين حيث كان يحمل 1574 و 1881 و كان 1705 ثم عرف بعد ذلك

بلقب "باي".

الحسين بن على حكم بين عامي 1705-1745 كان أول من حمل لقب "باى" ، أثناء الفترة

الحسينية تمتعت تونس بقدر من الاستقلال بسبب السلالة الحسينية في تونس تحت الحكم

واستمرت أعمال القرصنة تحت الحكم و تحقق الكثير من الازدهار والرخاء الاقتصادي

الثامن عشر الميلاديين كان عدد الحسيني وفى نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن

تدفع جزية سنوية إلى الحكومة كبير من الدول الأوروبية التي تقوم بتجارة ملاحية

التونسية لتأمين مرور سفنها في البحر المتوسط.



تونس جمهورية ذات نظام رئاسي قوي يحكم من قبل حزب سياسي واحد. يرأس الجمهورية

التونسية الرئيس زين العابدين بن علي منذ عام 1987 بعد أن أزاح الحبيب بورقيبة والذي

تولى الرئاسة منذ تاريخ إعلان الجمهورية سنة 1957. استعان بورقيبة في حكمه بوزراء

أول هم على التوالي: الباهي الأدغم,الهادي نويرة,محمد مزالي, رشيد صفر وزين

العابدين بن علي. التجمع الدستوري الديمقراطي وريث الحزب الحر الدستوري هو الحزب

الحاكم في تونس منذ تأسيس الدولة، وكان الحزب الوحيد المصرح في الدولة بين سنتي

1962 و1983. رئيس الجمهورية ينتخب لمدة خمس سنوات و يقوم بتسمية الوزير الأول (رئيس

الوزراء) ، الذي يسهم في تنفيذ سياسات الدولة . الحكام المحليون للولايات و الممثلون

المحليون يتم تعيينهم أيضا من قبل الحكومة المركزية ، في حين يتم انتخاب محافظين

استشاريين و مجالس بلدية في الولايات .

يوجد في تونس هيئتان تشريعيتان، مجلس النواب و مجلس المستشارين، مجلس النواب فيه

182 مقعدا ، تحتل المعارضة 20% منها . يأخذ هذا المجلس أهمية متزايدة كساحة نقاش و

جدال حول السياسات الوطنية المتبعة لكن من النادر ألا تمر ميزانية أو تشريع مقدم من

قبل السلطة التنفيذية .

سكــــــان تونـــــــــس

سكان تونس الحاليين خليط من العرق الأمازيغي البربري سكان تونس الأصليين و القبائل

العربية التي وفدت مع الفتح الاسلامي و خليط الشعوب و الحضارات التي وصلت تونس من

فينيقيين و رومان و يونان. التاريخ الحقيقي لتونس يبدأ بوصول الفينيقين لها و تأسيس

دولة قرطاج و باقي مستعمراتهم في شمال افريقيا في القرن الثامن قبل الميلاد . أصبحت

قرطاج قوة بحرية عظمى صارعت الامبراطورية الرومانية على السيطرة على البحر

المتوسط و حاصر قائدها حنبعل روما بالفيلة كما تذكر بعض كتب التاريخ دون ان يفتحها

لكن شوكة قرطاج انكسرت في النهاية و هزمت من قبل الرومان في عام 146 قبل الميلاد .

سيطر الرومان على شمال افريقيا حتى القرن الخامس الذي شهد سقوط امبراطورية روما ،

بعدها اجتاحت تونس قوات أوروبية اهمها الوندال . بدأت سيطرة المسلمين على تونس في

القرن السابع للميلاد محدثة تحولا في التركيبة السكانية عن طريق موجات هجرة متتالية

من القبائل العربية التي اختلطت بقبائل البربر ، اضافة إلى عد من الاسبان و اليهود في

نهاية القرن الخامس عشر . دخلت تونس بعد ذلك تحت سيطرة العثمانيين مع حكم شبه ذاتي

ثم تحولت لمستعمرة فرنسية من عام 1881 إلى عام الاستقلال 1956 لكنها بقيت مرتبطة

سياسيا و اقتصاديا من فرنسا .

تقريبا جميع التونسيين (98%) مسلمين ، مع وجود أقلية يهودية في جزيرة جربة التونسية

استمر لمدة سنين ، يهود تونس قدموا من اسبانيا في أواخر القرن الخامس عشر للميلاد .

لكن يهود جربة قدموا من المشرق بعد حرق معبدهم من قبل نبوخذنصر قبل 2500 سنة

التقسيم الإداري للبـــلاد التــونسيــة

تعد ّ الجمهورية التونسية 24 محافظة , وهي كالتالي مرتبة حسب الحروف الهجائية وليس الأهمية :


1- محافظة أريـــــــــــانة

2 - محافظة بــــــــــــــاجة

3- محافظة بـــن عروس

4 - محافظة بنــــــــــزرت

5 - محافظة تطـــــــاويــــن

6 - محافظة تـــــــــــــوزر

7 - محافظة تــــــــــــونس

8 - محافظة جنــــــدوبـــة

9 - محافظة زغـــــــــوان

10 - محافظة سليـــــــــانة

11 - محافظة ســــــــــوسة

12 - محافظة سيــدي بوزيد

13 - محافظة صفــــــــــاقس

14 - محافظة قـــــــــــابس

15 - محافظة قـْبـــِــــــــلّي

16 - محافظة القصــــرين

17 - محافظة قفصــــــــة

18 - محافظة القيـــــروان

19 - محافظة الكـــــــــاف

20 - محافظة مدنيـــــــــن

21 - محافظة المنستيــــر

22 - محافظة منّـــــــــوبة

23 - محافظة المهديّــــــة

24 - محافظة نـــــــــــــابل

عادل بشير 08-05-2010 03:39 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
فكرة حلوة يا ريم
مشكورة

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:40 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
تاريخ مدينة قسنطينة الجزائرية
صوفيا منغور
منبر ذاكرة التاريخ و الحضارة


تتميز مدينة قسنطينة القديمة التي يزيد عمرها عن 25 ألف سنة، بكونها مبنية على صخرة من الكلس القاسي، مما أعطاها منظراً فريداً يستحيل أن يوجد مثله عبر العالم في أي مدينة.
للعبور من ضفة إلى أخرى شُيّد عبر العصور عدة جسور، فأصبحت قسنطينة تضم أكثر من 8 جسور بعضها تحطم لانعدام الترميم، وبعضها ما زال يصارع الزمن، لذا سميت قسنطينة مدينة الجسور المعلقة.
يمر وادي الرمال على مدينة قسنطينة القديمة وتعلوه الجسور على ارتفاعات تفوق 200 متر.
بدأ تاريخ المنطقة مع قدوم الأمازيغ وانتظامهم في قبائل. أطلق الإغريق عليهم اسم الليبيين، النوميديين.وينسب تأسيس قسنطينة إلى التجارالفينيقيين.كان اسمها القديم هو (قرتا) ويعني بالفينيقية (القرية أو المدينة) وكان القرطاجيون يسمونها(ساريم باتيم).
اشتهرت "سيرتا" -الاسم القديم لقسنطينة - لأول مرة عندما اتخذها ماسينيسا ملك نوميدية عاصمة للمملكة. عرفت المدينة بعدها حصار يوغرطة الذي رفض تقسيم مملكة أبيه إلى ثلاثة أقسام، بفضل دعم الرومان وبعد حصار دام خمسة أشهر اقتحم تحصينات المدينة واستولى عليها. عادت سيرتا لتحيا مجداً جديداً مع يوغرطة ملك نوميدية الجديد والذي استطاع أن يتفادى انقسام المملكة إلى ممالك.
دخلت المدينة بعدها تحت سلطة الرومان، فأثناء العهد البيزنطي تمردت سنة 311 م، على السلطة المركزية فاجتاحتها القوات الرومانية من جديد وأمر الإمبراطور ماكسينوس بتخريبها.
أعاد الإمبراطور قسنطنطين بناءها عام 313 م. واتخذت اسمه وصارت تسمى القسطنطينة أو قسنطينة. ثم عرفت ابتداء من سنة 429 م غزوات الوندال، ثم استعادها البيزنطيون من جديد.
مع دخول المسلمين المغرب عرفت المدينة نوعاً من الاستقلال فكان أهلها يتولون شؤونهم بنفسهم وحتى القرن التاسع. عرفت المنطقة قدوم القبائل الهلالية، وفي القرن العاشر وطغت بعدها اللغة العربية على أهالي المنطقة.
دخلت المدينة في عهدة الزيريين ثم الحماديين أصحاب القلعة وبجاية. استوطن المدينة بها الأندلسيون كما استقرت بها جالية يهودية ،وتعامل معهم أهل المدينة بالتسامح. وجدير بالذكر أن قدوم اليهود كان بعد سقوط الأندلس التي كانوا يعيشون فيها بسلام في ظل الحكم الإسلامي، ثم طردهم المسيحيون المتعصبون للكنيسة الكاثوليكية في روما بعد سقوط آخر حكام الأندلس.
و منذ القرن الثالث عشر انتقلت المدينة إلى حوزة الحفصيين أصحاب تونس وبقيت في أيديهم حتى دخول الأتراك.
قبل استقرارهم نهائياً في المنطقة حاول الأتـراك العثمانيين احتلال المدينة مرات عدة، وكانوا دوماً يصطدمون بمقاومة الحفصيين. وفي سنة 1568 م. قاد الداي محمد صالح رايس حملة على المدينة، واستطاع أن يستولي عليها من غير قتال. ودانت له البلاد بعد أن طرد عبد المومن زعيم الحفصيين ومعه قبيلة أولاد صاولة.
تم اختيار قسنطينة لتكون عاصمة بايليك الشرق. قام صالح باي (1771-1792 م.) بتهيئة المدينة وأعطائها طابعها المميز.من أهم أعماله بناء جامع ومدرسة القطانية. ومدرسة سيدي لخضر والتي عني فيها بتدريس اللغة العربية. كما قام بإنشاء حي خاص لليهود بعد كانوا متوزعين في أنحاء المدينة.
سنة 1830 م، ومع احتلال الجزائر من طرف الفرنسيين رفض أهالي المدينة الإعتراف بسلطة الفرنسيين. قاد أحمد باي الحملة واستطاع أن يرد الفرنسيين مرتين في سنتين مختلفتين في معارك للاستيلاء على القنطرة، التي كانت تمثل بوابة الشرق. عام 1837 م، استطاعت الحملة الفرنسية بقيادة دوموريير عن طريق خيانة من أحد سكان المدينة اليهود (حيث استطاع الفرنسيون من التسلل إلى المدينة عبر معابر سرية توصل إلى وسط المدينة)، وعن طريق المدفعية أيضاً من إحداث ثغرة في جدار المدينة. ثم حدث الإقتحام، واصطدم الجنود الفرنسيون بالمقاومة الشرسة للأهالي واضطروا لمواصلة القتال في الشوارع والبيوت. انتهت المعركة أخيراً بمقتل العديد من الأهالي، واستقرار المحتلّين في المدينة بعد عدة سنوات من المحاولات الفاشلة. استطاع الباي أحمد وخليفته بن عيسى الفرار إلى الجنوب.

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:41 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
لمفيد في تاريخ بغداد

إعداد : محمد هاديالشاهد
منبر ذاكرة التاريخ و الحضارة


(( الجزء الأول ))




مقدمة

منذ طفولتي عشقت بغداد
وكنت سعيدا جدا حين يأخذني والدي معه في عمله الذي يتطلب المرور في إنحاء بغداد
وكنت دائم السؤال عن هذا المكان أو ذاك
حتى أنتبه أبي لكثرة أسئلتي وأخذ على عاتقه الإجابة دون السؤال مني
عندما ندخل منطقة الكسرة ..
يقول في هذا المكان كان البلاط الملكي
ويروي لي ذكرياته وكيف قابل الوصي الأمير عبد الإله
وكيف سار مع والده وعمره خمسة سنوات في تشييع جنازة الملك غازي الأول رحمه الله
ومن خلال والدي أحببت بغداد إلى درجة العشق
وأحببت العائلة المالكة في العراق
ووالدي رجل مثقف من طراز فريد رغم أنه لم يدخل المدرسة قط وتعلم القراءة والكتابة من خلال الصحف والمجلات وهو العصامي الذي شق طريق النجاح بتعبه ومثابرته .
وحتى اليوم امتلكت كنزا لا يقدر بثمن حول تاريخ بغداد
عمره أكثر من أربعين عاما كنت أدون فيه كل معلومة أحصل عليها
وكانت المكتبة الوطنية ملاذي الدائم في شبابي .
واذكر إنني كنت أطلب كتب فريدة لا يسمح في الاطلاع عليها سوى لطلبة الدراسات العليا
ولم أجد خيار سوى دخول مكتب الأستاذ الفاضل عبد الحميد العلوجي
مدير عام المكتبة الوطنية وأحصل منه في النهاية
على قصاصة ورق صغيرة يسمح لي فيها بالحصول على ما أريد من كتب
وسمح لي أيضا الدخول إلى أرشيف الوثائق الموجود في سرداب المكتبة
وكنت أصول وأجول فيها .


معنى أسم بغداد لغويا

بغداد ..... في المصادر العربية
بحث كتبه الأستاذ الدكتور يوسف رمزي

لقد قام العديد من المؤرخين العرب بذكر مدينة بغداد في صدر الإسلام:
نكتفي هنا بذكر أهميتهم وإيجاز أقوالهم فيها.

لقد ذكر أحمد البلا ذري ( ؟ ـ 892م) بغداد قائلا:

(( وكانت بغداد قديمة فمصرحا أمير المؤمنين ))
أي أنها كانت موقعا صغيرا فجعلها مدينة.

كما أن أحمد اليعقوبي (؟ ـ 897م) قال فيها:

(( ولم تكن بغداد مدينة في الأيام المتقدمة .. أعني أيام الأكاسرة والأعاجم .. وإنما كانت قرية من قرى طسوج بادويا ))
وهذا يعني أن تلك القرية كانت تسمى بغداد قبل أن يحتل الفرس العراق.


وقد تحدث الحسن الهمداني(؟ ـ 945م) عنها وعن مكانتها التجارية في العالم آنذاك قائلا:

(( وكانت بغداد قديمة، فمصرها أبو جعفر المنصور. وكانت بغداد سوقا يقصدها تجار الصين بتجارتهم فيربحوا الربح الواسع ))

كما أن أبا جرير الطبري (839 ـ 923م) يذكر بطولات القائد العربي خالد بن الوليد قائلا:

(( أغار على سوق بـغداد… وانه وجه المثنى فأغـار على سوق فيها جمع لقضاعة وبكر ))


وقد اتفق الطبري مع عبد الرحمن ابن الجوزي (1116 ـ 1200 م)
وبدر الدين العيني (1360 ـ 1451م) إذ قالوا:

(( وكانت بغداد مزرعة للبغداديين يقال لها المباركة، كانت لستين نفسا من البغداديين. فعوضهم المنصور عنها عوضا أرضاهم ))

كما أن أبا علي ابن رسته (؟ ـ 903) يذكر بغداد قائلا:

(( بغداد أسم موضع كانت في تلك البقعة.. في الدهر القديم، وهي أرض بابل ))

والخطيب البغدادي يروي لنا عن طريق الشيخ أبي بكر الذي قال:

(( والمحفوظ أن هذا الاسم ـ بغداد كما يعرف به الموضع قديما ))


ومن المؤرخين العراقيين المعاصرين ..........

الأستاذ الدكتور أحمد صالح العلي الذي كتب عن بغداد قائلا:

(( اختار أبو جعفر بنفسه رقعة مرتفعة من الأرض على الجانب الغربي من دجلة
عند مصب نهر الرفيل فيه ....
وقرر أن يشيد عاصمته الجديدة على هذه الرقعة.
وكانت في المنطقة.. بضع قرى صغيرة
ودير للنصارى ..... وجسر على دجلة
وسوق تقام في بعض أيام الأسبوع لأهل المنطقة فالأرض التي حولها سهلة فسيحة
فيها مزارع تسقيها مياه ترع تتفرع من نهر الرفيل الواسع الذي يأخذ من الفرات
ومن نهر الدجيل الذي يأخذ من دجلة في تساليها…
يقابلها في شرق دجلة أراض منبسطة أيضا تروي مزارعها عدة أنهار وترع
أكبرها نهر بوق ))

(( وقد أطلق أبو جعفر المنصور (754 ـ 774م) على المدينة
التي شيدها (سنة 762م) اسم
( مدينة السلام )
تيمنا بالجنة لذكر الله
الوارد في القرآن الكريم باسم ( السلام ) وكان هذا الاسم الرسمي لها يدون على المسكوكان
والموازين والوثائق والكتب الرسمية.
غير أن الناس كانوا يسمونها في الغالب
( مدينة المنصور )
نسبة للخليفة الذي شيدها. كما أنهم أطلقوا عليها
وعلى ما شملته من أبنية أخرى عند توسعها اسم ( بغداد )
الذي كان يطلق على هذه المنطقة منذ أيام البابليين.. ))


كما أن الأستاذ الدكتور حسن فاضل زعين كتب عن عراقية اسم بغداد وعروبته قائلا:

(( تؤكد المصادر والوثائق التاريخية وما كشفته التنقيبات الآثارية
أن بغداد أسم عراقي قديم.
والأدلة على قدم عراقيته و عربيته ..... وارتباطه بالعراقيين دون سواهم كثيرة..
إن بغداد اسم عراقي أصيل
عرفه سكان العراق القدماء منذ أقدم العصور
وان اسمها بقي محافظا على مكانته حتى يومنا هذا .........
مع طول تلك الأزمنة التي مرت عليه ))


وأقدم لكم أول خارطة لبغداد

(( منطقة بغداد في أواخر العهد الساساني وأوائل العهد الإسلامي ))

أطلس بغداد ... للدكتور أحمد سوسة
وفيها ما تم ذكره أعلاه

الخارطة كبيرة وجعلتها نصفين













(( بغداد في الألواح الأثرية قبل الميلاد ))










أول من قام بالتنقيب في العراق .... كان المستشرقين الأجانب.
ومن بين هؤلاء جاك ريسلر الذي قال :

(( وكانت بغداد مدينة قديمة بابلية على الشاطئ الغربي من نهر دجلة ))

في حين يقول أوليري:

(( إن بغداد مدينة عريقة في القدم ، كانت تعرف زمن البابليين ببغداد ))

كما أن المستشرق لسترانج يقول ..............

(( ويستدل من التنقيبات الاثرية التي قام بها السر رولنسون في سنة 1848م
في أثناء انخفاض الماء في فصل جفاف أكثر من مستواه العادي
أن هذا المكان كان موقعا لمدينة موغلة في القدم .............
بدليل الواجهة الواسعة المشيدة من الأجر البابلي.
والتي لا زالت تحاذي ضفة دجلة الغربية عند بغداد.
وكل قطعة من الآجر مختومة باسم نبوخذ نصر وألقابه
وقد وجد منذ ذلك الوقت أيضا اسم قريب الشبه ببغداد
في الكشوف الجغرافية الآشورية في عهد سردنابالس
ولعله يشير إلى المدينة التي كانت موجودة حينذاك في الموضع
الذي أصبح فيما بعد عاصمة الخلفاء العباسيين ))


لقد ورد ذكر اسم بغداد صريحا في الألواح المكتشفة حديثا

والتي يرقى تاريخها إلى أزمنة موغلة في القدم ........
ويعود بعضها إلى العصر البابلي .
ومن أهميها وأبرزها النص الصريح الوارد في ( لوح سبار) المكتشف في تل أبي حبة
الذي يبعد عن شمال غربي بابل (50) خمسين كيلو مترا ............
حيث ورد اسم بغداد فيه صريحا هكذا
( بجدادا )

ويرجع تاريخ هذا اللوح إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد
أي أنه من زمن الملك حمورابي .


وورد ذكر اسم بغداد أيضا في لوح آخر
يعود تاريخه الى الأعوام 1341 ـ 1316 قبل الميلاد .....
وهو مكتوب فيه هكذا :
( بغدادي )

وفي لوح آخر ورد اسم بغداد مكتوبا فيه هكذا:
( بجدادو )

ويعود تاريخ هذا اللوح الى القرن الثاني عشر قبل الميلاد.


كما ورد اسمها أيضا مكتوبا هكذا:
( بغدادو )

في وثيقة تاريخية يرقى عهدها الى سنة 728 قبل الميلاد
إبان حكم الملك الآشوري تجلات فلا سر الثالث (745 ـ 727 ق. م )


( معنى اسم بغداد في اللغات العراقية القديمة )


اللغات العراقية القديمة ................ أو الجزرية :
هكذا يحب بعض باحثينا العراقيين المعاصرين
أن يسموا اللغات السامية المتعارف عليها دوليا
وذلك نسبة الى سام (شيم) ابن نوح.
إما الأستاذ الدكتور يوسف فوزي فقد أقترح تسمية
(( لغات شامية ))
نسبة إلى الاسم العبري الأصيل والى بلاد الشام موطن أغلب لهجاتها الشقيقة القديمة
وذلك تلافيا لإثارة المشاكل التي نحن الباحثين في غنى عنها.

إن أبا الفضل بديع الزمان الهمداني (968 ـ د1007م)
ذكر اسم بغداد في اثنتين من مقاماته الخمس والعشرين:
في المقامة الازاذية حيث قال :
(( اشتهيت الازاذ ......... وأنا في بغداذ ))

وفي المقامة الأزاذية حيث قال:

(( كنت ببغداذ ........ وقت الأزاذ ))
والأزاذ هو أجود التمور العراقية حينها.
هذه المقامات شرحها الشيخ محمد عبده المصري (1849 ـ 1905م)
ونشرها في بيروت سنة 1889.
وقد عقب على اسم بغداد قائلا:
(( بغداذ هي مدينة بغداد المشهورة ))
وفي لفظها لغات: بذالين معجمتين ودالين مهملتين ومختلفتين
مع تقدم المعجمة أو تأخرها ..... وبغدان وبغدين ومغدان.
وتلقب بمدينة السلام ......... ولفظها في الأصل فارسي مركب
من باغ ........... بمعنى بستان
وداد بمعنى العدل فهو بدالين مهملتين ..... وبقية اللغات وجوه تقريب
وكانت من بناء الفرس قبل الإسلام ...... ألا أنها لم تكن من حواضرهم .
وبقيت كذلك إلى سنة 145 من الهجرة فجدد الخليفة المنصور ثاني خليفة من بني العباس
أخطاط مكانها حاضرة للخلافة العباسية وتم بناؤها في سنة 146 هـ.
وانفق فيه أربعة ملايين درهم وثمانمائة وثلاثين درهما.
وكان عرض الطريق فيها أربعين ذراعا

( لسنا نعلم من أين وكيف توصل الشيخ محمد عبده إلى أن لفظ بغداد هو من أصل فارسي.
لعله يكون قد تأثر بالمستشرقين من أمثال كارل بروكمان وغيره
حيث قال بأن (باغ/ بستان) فارسية الأصل )



ولكن هل نسي جميع هؤلاء بأن الفرس ... بعد استيلائهم على بابل عام 539 ق. م
تبنوا آرامية أهل العراق لغة رسمية لدولتهم !!!
بحيث إنها سميت اشتهرت بآرامية المملكة؟
فضلا عن أن اسم بغداد موجود في موقعها
منذ عهد الملك البابلي الشهير حمورابي (القرن 18 ق،م) مثلما ذكرنا آنفا.
ومعروف أيضا أن اللغة الفارسية القديمة ... أي البهلوية
قد اقترضت ألفاظا كثيرة حقا من اللغة الآرامية

كما أن اوجين منا ............. في معجمه الشهير
( دليل الراغبين في لغة الآراميين )

يعتبر لفظة "باغ" آرامية أصيلة ....وهذا هو الرأي السديد.
إن المؤرخين والباحثين الذين كتبوا عن بغداد لم يحاولوا بجدية أن يحللوا لغويا معنى اسمها المركب بجزأيه ومن حاول منهم لم يوفق وذلك لقلة معرفة بأبنية اللغات الشامية وجذورها وأصولها.
أن من الواجب علينا هنا أن ندرس اسم بغداد لغويا ونحلله جذريا
لكي نتوصل إلى ما كان يقصد به أهل العراق القديم إن أمكن.
نحن نرى أن اسم بغداد:
(( المركب من كلمتين آراميتين ........ يتحمل على الأقل تحليلين اثنين
وتفسيرين من حيث البناء اللغوي والمعنى ))

(( التحليل الأول ))
نجزئ بغداد إلى بَ وهو اختزال لكلمة بيت
وهذا يرد كثيرا في الأسماء الآرامية القديمة لا سيما أسماء المواقع الجغرافية
من القرى والأرياف........
بحنو بعقوبا (بيت المتعقب)...... بعشيقا ( بيت المتكبر)

وبرطلي (بيت الأرطال)
ثم نجزئها الى جذاذ (= غداد) وهي كلمة آرامية سريانية معناها إما هو خيط أو غنم أو نسيج عنكبوت
وهكذا إذن يكون معنى اسم بغداد
(بيت الخيط) أو (بيت الغنم) أو (بيت نسيج العنكبوت)
وللقارئ أن يختار ما يراه له الأفضل بين هذه المعاني الثلاثة

(( التحليل الثاني ))

نجزئ بغداد إلى باغ:
وهي تعني في الآرامية السريانية (جنينة، بحر،بطيح، سهل)
ثم نجزئها الى داد:
وهذه أيضا كلمة آرامية سريانية، ومعناها (حبيب، عم، خال)
وهكذا هنا أيضا يكون معنى اسم بغداد ( جنينة الحبيب أو العم أو الخال) أو بستانهم
وان لفظة داد قد وردت في الاكدية بصيغة داد ...........
وفي العبرية بصيغة دود (بإمالة الواو)
وفي العامية العراقية بصيغة داد أيضا.
وهي لها في هذه اللغات جميعا المعنى ذاته ............


وربما هناك تحليل ثالث لاسم بغداد ....

يكون مرده الى جذور اللغة العربية
فالناطقون بالسريانية ...... في سائر لهجات السورن
ينطقون اسمها (بغدد) بفتح الباء قصيرة وفتح الدال الأولى قصيرة أيضا.
ولابد لنا من أن نذكر بأن السريان ينطقون حرف الجيم الساكن وغير المشدد غينا إذا كان مسبوقا بحرف متحرك، مثلما هو الحال هنا.
وفيه نجزئ (بغدد) الى بغ/ يج:
ومعنى هذين الفعلين عربيا هو على التوالي: بغ/ هاج، ويج/ وسع مشق العين
أما الجزء الباقي منها فهو (دد) ومعناه إما اللهو واللعب

( الخاتمة )


من خلال هذا البحث المختصر .... يمكن استخلاص العبر والنتائج التالية :



(( إن أبا جعفر المنصور شيد عاصمته الجديدة
على موقع قرية كانت تعرف باسم (بغداد) منذ أيام حمورابي (القرن 18 ق.م)
وسماها (مدينة السلام) تيمنا بالجنة .....
وكأنه كان قد فهم الجزء الأول من اسمها المركب في لغة أهل بابل القدماء
ألا وهي البستان أو الجنينة.
حيث إن لفظة باغ الآرامية تعني ذلك.
أما جزء اسمها الثاني (داد) فيعني الحبيب.
إذن معنى بغداد هو جنينة الحبيب وصديقه وبستانه .
هذا في رأينا هو المعنى الأساس والرئيس لاسم عاصمتنا الحبيبة بغداد ...
فضلا عن المعاني الأخرى التي عرضت قبل قليل.
وجميع هذه المعاني بجذورها اللغوية ذات أصالة وعراقة
تعود الى لغات أهل العراق ماضيا وحاضرا وإن شاء الله مستقبلا أيضا.
وهكذا فهي بعيدة تماما عن كل تأثير أجنبي وغريب لا يمت بصلة للغة العربية
وشقيقاتها الشامية ..... السامية. ))




(( مصادر البحث وهوامشه ))

1ـ البلاذري .... أحمد ( فتوح البلدان ) مجلد2 ص 361.

2ـ اليعقوبي أحمد .... كتاب البلدان (منشور مع كتاب الأعلاق النفسية لابن رسته) ص 235.

3ـ الهمداني ... الحسن ( بغداد مدينة السلام) ص 27و35.

4ـ الطبري .... ابن جرير( تاريخ الأمم والملوك) مجلد 3 ص 385
ابن الجوزي .... عبد الرحمن( مناقب بغداد ) ص 6 ـ 7.

5ـ الطبري.. ابن جرير ( تاريخ الأمم والملوك ) مجلد 8 ص 619
ابن الجوزي ... عبد الرحمن( مناقب بغداد) ص 7
و ( المنتظم في تاريخ الأمم ) ..... مجلد 8 ص 34
و ( عقد الجان ) مجلد 7 ص 186.

6ـ ابن رسته ... أبو علي ( الاعلاق النفسية ) ..... مجلد 7 ص 108.

7ـ الخطيب البغدادي ..... احمد بن علي ..... ( تاريخ بغداد) مجلد 1 ص 062
ولد سنة 1002م وتوفي سنة 1071م وله ( تاريخ بغداد )

8ـ العلي ... صالح أحمد ( بغداد ... تأسيسها ونموها) العراق القديم .... بغداد 1983 ص 375.

9ـ العلي .... صالح أحمد في المصدر السابق ص 376.

10ـ زعين .. حسن فاضل واخرون ( بغداد في التاريخ ) بغداد 1991 ص 30 ـ 31.

11ـ ويسلر .. جاك ( الحضارة العربية ) ص 137
و( انتقال علوم الإغريق الى العرب ) ص 199.

12ـ لسترانج ( بغداد في عهد الخلافة العباسية ) ص 17.

13 ـ مصطفى جواد ( دليل خارطة بغداد ) ص 18.

14ـ زعين ..... حسن فاضل المصدر السابق ص 31.

15ـ يوسف فوزي ( اللهجات الآرامية وانتشارها الجغرافي ) في مجلة المجمع العلمي
بغداد 1996 ص102.

16ـ الشيخ محمد عبده ... ( مقامات أبي الفضل بديع الزمان الهمزاني ) بيروت 1889، ص 55.

17ـ الشيخ محمد عبده .... المصدر السابق ص 6.

18ـ الشيخ محمد عبده ... المصدر السابق ص 6/ هامش1.

19ـ أوجين منا ( دليل الراغبين في لغة الآراميين ) ص 49؛ ROCKELMAVN - K

Lescicon Sysiacam - Hilaesheim 1966 -20ـ p- 57. يوسف فوزي
المصدر السابق .... ص 102.

21ـ أوجين منا المصدر السابق ص 91

22ـ أوجين منا المصدر السابق ص 49.
وفي ص 49.
وفي ص 521 نجد (عابا) أي غاب .. غيضة
أجمة ولعلها تكون في الأصل للغوي الثاني قلبا (قلب العين غينا)
وبالتقديم أو التأخير أصبحت (باغا)

23ـ أوجين منا ... المصدر السابق ص 138؛ 1440

24 ـ احمد بن فارس ( مقايس اللغة ) القاهرة 1979 مجلد 1، ص 173 لويس معلوف
( المنجد في اللغة ) ..... بيروت. 1960 ص 43.

25ـ احمد ابن فارس .... المصدر السابق، مجلد، ص 266.

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:41 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
لمفيد في تاريخ بغداد

إعداد : محمد هاديالشاهد
منبر ذاكرة التاريخ و الحضارة


(( الجزء الأول ))




مقدمة

منذ طفولتي عشقت بغداد
وكنت سعيدا جدا حين يأخذني والدي معه في عمله الذي يتطلب المرور في إنحاء بغداد
وكنت دائم السؤال عن هذا المكان أو ذاك
حتى أنتبه أبي لكثرة أسئلتي وأخذ على عاتقه الإجابة دون السؤال مني
عندما ندخل منطقة الكسرة ..
يقول في هذا المكان كان البلاط الملكي
ويروي لي ذكرياته وكيف قابل الوصي الأمير عبد الإله
وكيف سار مع والده وعمره خمسة سنوات في تشييع جنازة الملك غازي الأول رحمه الله
ومن خلال والدي أحببت بغداد إلى درجة العشق
وأحببت العائلة المالكة في العراق
ووالدي رجل مثقف من طراز فريد رغم أنه لم يدخل المدرسة قط وتعلم القراءة والكتابة من خلال الصحف والمجلات وهو العصامي الذي شق طريق النجاح بتعبه ومثابرته .
وحتى اليوم امتلكت كنزا لا يقدر بثمن حول تاريخ بغداد
عمره أكثر من أربعين عاما كنت أدون فيه كل معلومة أحصل عليها
وكانت المكتبة الوطنية ملاذي الدائم في شبابي .
واذكر إنني كنت أطلب كتب فريدة لا يسمح في الاطلاع عليها سوى لطلبة الدراسات العليا
ولم أجد خيار سوى دخول مكتب الأستاذ الفاضل عبد الحميد العلوجي
مدير عام المكتبة الوطنية وأحصل منه في النهاية
على قصاصة ورق صغيرة يسمح لي فيها بالحصول على ما أريد من كتب
وسمح لي أيضا الدخول إلى أرشيف الوثائق الموجود في سرداب المكتبة
وكنت أصول وأجول فيها .


معنى أسم بغداد لغويا

بغداد ..... في المصادر العربية
بحث كتبه الأستاذ الدكتور يوسف رمزي

لقد قام العديد من المؤرخين العرب بذكر مدينة بغداد في صدر الإسلام:
نكتفي هنا بذكر أهميتهم وإيجاز أقوالهم فيها.

لقد ذكر أحمد البلا ذري ( ؟ ـ 892م) بغداد قائلا:

(( وكانت بغداد قديمة فمصرحا أمير المؤمنين ))
أي أنها كانت موقعا صغيرا فجعلها مدينة.

كما أن أحمد اليعقوبي (؟ ـ 897م) قال فيها:

(( ولم تكن بغداد مدينة في الأيام المتقدمة .. أعني أيام الأكاسرة والأعاجم .. وإنما كانت قرية من قرى طسوج بادويا ))
وهذا يعني أن تلك القرية كانت تسمى بغداد قبل أن يحتل الفرس العراق.


وقد تحدث الحسن الهمداني(؟ ـ 945م) عنها وعن مكانتها التجارية في العالم آنذاك قائلا:

(( وكانت بغداد قديمة، فمصرها أبو جعفر المنصور. وكانت بغداد سوقا يقصدها تجار الصين بتجارتهم فيربحوا الربح الواسع ))

كما أن أبا جرير الطبري (839 ـ 923م) يذكر بطولات القائد العربي خالد بن الوليد قائلا:

(( أغار على سوق بـغداد… وانه وجه المثنى فأغـار على سوق فيها جمع لقضاعة وبكر ))


وقد اتفق الطبري مع عبد الرحمن ابن الجوزي (1116 ـ 1200 م)
وبدر الدين العيني (1360 ـ 1451م) إذ قالوا:

(( وكانت بغداد مزرعة للبغداديين يقال لها المباركة، كانت لستين نفسا من البغداديين. فعوضهم المنصور عنها عوضا أرضاهم ))

كما أن أبا علي ابن رسته (؟ ـ 903) يذكر بغداد قائلا:

(( بغداد أسم موضع كانت في تلك البقعة.. في الدهر القديم، وهي أرض بابل ))

والخطيب البغدادي يروي لنا عن طريق الشيخ أبي بكر الذي قال:

(( والمحفوظ أن هذا الاسم ـ بغداد كما يعرف به الموضع قديما ))


ومن المؤرخين العراقيين المعاصرين ..........

الأستاذ الدكتور أحمد صالح العلي الذي كتب عن بغداد قائلا:

(( اختار أبو جعفر بنفسه رقعة مرتفعة من الأرض على الجانب الغربي من دجلة
عند مصب نهر الرفيل فيه ....
وقرر أن يشيد عاصمته الجديدة على هذه الرقعة.
وكانت في المنطقة.. بضع قرى صغيرة
ودير للنصارى ..... وجسر على دجلة
وسوق تقام في بعض أيام الأسبوع لأهل المنطقة فالأرض التي حولها سهلة فسيحة
فيها مزارع تسقيها مياه ترع تتفرع من نهر الرفيل الواسع الذي يأخذ من الفرات
ومن نهر الدجيل الذي يأخذ من دجلة في تساليها…
يقابلها في شرق دجلة أراض منبسطة أيضا تروي مزارعها عدة أنهار وترع
أكبرها نهر بوق ))

(( وقد أطلق أبو جعفر المنصور (754 ـ 774م) على المدينة
التي شيدها (سنة 762م) اسم
( مدينة السلام )
تيمنا بالجنة لذكر الله
الوارد في القرآن الكريم باسم ( السلام ) وكان هذا الاسم الرسمي لها يدون على المسكوكان
والموازين والوثائق والكتب الرسمية.
غير أن الناس كانوا يسمونها في الغالب
( مدينة المنصور )
نسبة للخليفة الذي شيدها. كما أنهم أطلقوا عليها
وعلى ما شملته من أبنية أخرى عند توسعها اسم ( بغداد )
الذي كان يطلق على هذه المنطقة منذ أيام البابليين.. ))


كما أن الأستاذ الدكتور حسن فاضل زعين كتب عن عراقية اسم بغداد وعروبته قائلا:

(( تؤكد المصادر والوثائق التاريخية وما كشفته التنقيبات الآثارية
أن بغداد أسم عراقي قديم.
والأدلة على قدم عراقيته و عربيته ..... وارتباطه بالعراقيين دون سواهم كثيرة..
إن بغداد اسم عراقي أصيل
عرفه سكان العراق القدماء منذ أقدم العصور
وان اسمها بقي محافظا على مكانته حتى يومنا هذا .........
مع طول تلك الأزمنة التي مرت عليه ))


وأقدم لكم أول خارطة لبغداد

(( منطقة بغداد في أواخر العهد الساساني وأوائل العهد الإسلامي ))

أطلس بغداد ... للدكتور أحمد سوسة
وفيها ما تم ذكره أعلاه

الخارطة كبيرة وجعلتها نصفين













(( بغداد في الألواح الأثرية قبل الميلاد ))










أول من قام بالتنقيب في العراق .... كان المستشرقين الأجانب.
ومن بين هؤلاء جاك ريسلر الذي قال :

(( وكانت بغداد مدينة قديمة بابلية على الشاطئ الغربي من نهر دجلة ))

في حين يقول أوليري:

(( إن بغداد مدينة عريقة في القدم ، كانت تعرف زمن البابليين ببغداد ))

كما أن المستشرق لسترانج يقول ..............

(( ويستدل من التنقيبات الاثرية التي قام بها السر رولنسون في سنة 1848م
في أثناء انخفاض الماء في فصل جفاف أكثر من مستواه العادي
أن هذا المكان كان موقعا لمدينة موغلة في القدم .............
بدليل الواجهة الواسعة المشيدة من الأجر البابلي.
والتي لا زالت تحاذي ضفة دجلة الغربية عند بغداد.
وكل قطعة من الآجر مختومة باسم نبوخذ نصر وألقابه
وقد وجد منذ ذلك الوقت أيضا اسم قريب الشبه ببغداد
في الكشوف الجغرافية الآشورية في عهد سردنابالس
ولعله يشير إلى المدينة التي كانت موجودة حينذاك في الموضع
الذي أصبح فيما بعد عاصمة الخلفاء العباسيين ))


لقد ورد ذكر اسم بغداد صريحا في الألواح المكتشفة حديثا

والتي يرقى تاريخها إلى أزمنة موغلة في القدم ........
ويعود بعضها إلى العصر البابلي .
ومن أهميها وأبرزها النص الصريح الوارد في ( لوح سبار) المكتشف في تل أبي حبة
الذي يبعد عن شمال غربي بابل (50) خمسين كيلو مترا ............
حيث ورد اسم بغداد فيه صريحا هكذا
( بجدادا )

ويرجع تاريخ هذا اللوح إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد
أي أنه من زمن الملك حمورابي .


وورد ذكر اسم بغداد أيضا في لوح آخر
يعود تاريخه الى الأعوام 1341 ـ 1316 قبل الميلاد .....
وهو مكتوب فيه هكذا :
( بغدادي )

وفي لوح آخر ورد اسم بغداد مكتوبا فيه هكذا:
( بجدادو )

ويعود تاريخ هذا اللوح الى القرن الثاني عشر قبل الميلاد.


كما ورد اسمها أيضا مكتوبا هكذا:
( بغدادو )

في وثيقة تاريخية يرقى عهدها الى سنة 728 قبل الميلاد
إبان حكم الملك الآشوري تجلات فلا سر الثالث (745 ـ 727 ق. م )


( معنى اسم بغداد في اللغات العراقية القديمة )


اللغات العراقية القديمة ................ أو الجزرية :
هكذا يحب بعض باحثينا العراقيين المعاصرين
أن يسموا اللغات السامية المتعارف عليها دوليا
وذلك نسبة الى سام (شيم) ابن نوح.
إما الأستاذ الدكتور يوسف فوزي فقد أقترح تسمية
(( لغات شامية ))
نسبة إلى الاسم العبري الأصيل والى بلاد الشام موطن أغلب لهجاتها الشقيقة القديمة
وذلك تلافيا لإثارة المشاكل التي نحن الباحثين في غنى عنها.

إن أبا الفضل بديع الزمان الهمداني (968 ـ د1007م)
ذكر اسم بغداد في اثنتين من مقاماته الخمس والعشرين:
في المقامة الازاذية حيث قال :
(( اشتهيت الازاذ ......... وأنا في بغداذ ))

وفي المقامة الأزاذية حيث قال:

(( كنت ببغداذ ........ وقت الأزاذ ))
والأزاذ هو أجود التمور العراقية حينها.
هذه المقامات شرحها الشيخ محمد عبده المصري (1849 ـ 1905م)
ونشرها في بيروت سنة 1889.
وقد عقب على اسم بغداد قائلا:
(( بغداذ هي مدينة بغداد المشهورة ))
وفي لفظها لغات: بذالين معجمتين ودالين مهملتين ومختلفتين
مع تقدم المعجمة أو تأخرها ..... وبغدان وبغدين ومغدان.
وتلقب بمدينة السلام ......... ولفظها في الأصل فارسي مركب
من باغ ........... بمعنى بستان
وداد بمعنى العدل فهو بدالين مهملتين ..... وبقية اللغات وجوه تقريب
وكانت من بناء الفرس قبل الإسلام ...... ألا أنها لم تكن من حواضرهم .
وبقيت كذلك إلى سنة 145 من الهجرة فجدد الخليفة المنصور ثاني خليفة من بني العباس
أخطاط مكانها حاضرة للخلافة العباسية وتم بناؤها في سنة 146 هـ.
وانفق فيه أربعة ملايين درهم وثمانمائة وثلاثين درهما.
وكان عرض الطريق فيها أربعين ذراعا

( لسنا نعلم من أين وكيف توصل الشيخ محمد عبده إلى أن لفظ بغداد هو من أصل فارسي.
لعله يكون قد تأثر بالمستشرقين من أمثال كارل بروكمان وغيره
حيث قال بأن (باغ/ بستان) فارسية الأصل )



ولكن هل نسي جميع هؤلاء بأن الفرس ... بعد استيلائهم على بابل عام 539 ق. م
تبنوا آرامية أهل العراق لغة رسمية لدولتهم !!!
بحيث إنها سميت اشتهرت بآرامية المملكة؟
فضلا عن أن اسم بغداد موجود في موقعها
منذ عهد الملك البابلي الشهير حمورابي (القرن 18 ق،م) مثلما ذكرنا آنفا.
ومعروف أيضا أن اللغة الفارسية القديمة ... أي البهلوية
قد اقترضت ألفاظا كثيرة حقا من اللغة الآرامية

كما أن اوجين منا ............. في معجمه الشهير
( دليل الراغبين في لغة الآراميين )

يعتبر لفظة "باغ" آرامية أصيلة ....وهذا هو الرأي السديد.
إن المؤرخين والباحثين الذين كتبوا عن بغداد لم يحاولوا بجدية أن يحللوا لغويا معنى اسمها المركب بجزأيه ومن حاول منهم لم يوفق وذلك لقلة معرفة بأبنية اللغات الشامية وجذورها وأصولها.
أن من الواجب علينا هنا أن ندرس اسم بغداد لغويا ونحلله جذريا
لكي نتوصل إلى ما كان يقصد به أهل العراق القديم إن أمكن.
نحن نرى أن اسم بغداد:
(( المركب من كلمتين آراميتين ........ يتحمل على الأقل تحليلين اثنين
وتفسيرين من حيث البناء اللغوي والمعنى ))

(( التحليل الأول ))
نجزئ بغداد إلى بَ وهو اختزال لكلمة بيت
وهذا يرد كثيرا في الأسماء الآرامية القديمة لا سيما أسماء المواقع الجغرافية
من القرى والأرياف........
بحنو بعقوبا (بيت المتعقب)...... بعشيقا ( بيت المتكبر)

وبرطلي (بيت الأرطال)
ثم نجزئها الى جذاذ (= غداد) وهي كلمة آرامية سريانية معناها إما هو خيط أو غنم أو نسيج عنكبوت
وهكذا إذن يكون معنى اسم بغداد
(بيت الخيط) أو (بيت الغنم) أو (بيت نسيج العنكبوت)
وللقارئ أن يختار ما يراه له الأفضل بين هذه المعاني الثلاثة

(( التحليل الثاني ))

نجزئ بغداد إلى باغ:
وهي تعني في الآرامية السريانية (جنينة، بحر،بطيح، سهل)
ثم نجزئها الى داد:
وهذه أيضا كلمة آرامية سريانية، ومعناها (حبيب، عم، خال)
وهكذا هنا أيضا يكون معنى اسم بغداد ( جنينة الحبيب أو العم أو الخال) أو بستانهم
وان لفظة داد قد وردت في الاكدية بصيغة داد ...........
وفي العبرية بصيغة دود (بإمالة الواو)
وفي العامية العراقية بصيغة داد أيضا.
وهي لها في هذه اللغات جميعا المعنى ذاته ............


وربما هناك تحليل ثالث لاسم بغداد ....

يكون مرده الى جذور اللغة العربية
فالناطقون بالسريانية ...... في سائر لهجات السورن
ينطقون اسمها (بغدد) بفتح الباء قصيرة وفتح الدال الأولى قصيرة أيضا.
ولابد لنا من أن نذكر بأن السريان ينطقون حرف الجيم الساكن وغير المشدد غينا إذا كان مسبوقا بحرف متحرك، مثلما هو الحال هنا.
وفيه نجزئ (بغدد) الى بغ/ يج:
ومعنى هذين الفعلين عربيا هو على التوالي: بغ/ هاج، ويج/ وسع مشق العين
أما الجزء الباقي منها فهو (دد) ومعناه إما اللهو واللعب

( الخاتمة )


من خلال هذا البحث المختصر .... يمكن استخلاص العبر والنتائج التالية :



(( إن أبا جعفر المنصور شيد عاصمته الجديدة
على موقع قرية كانت تعرف باسم (بغداد) منذ أيام حمورابي (القرن 18 ق.م)
وسماها (مدينة السلام) تيمنا بالجنة .....
وكأنه كان قد فهم الجزء الأول من اسمها المركب في لغة أهل بابل القدماء
ألا وهي البستان أو الجنينة.
حيث إن لفظة باغ الآرامية تعني ذلك.
أما جزء اسمها الثاني (داد) فيعني الحبيب.
إذن معنى بغداد هو جنينة الحبيب وصديقه وبستانه .
هذا في رأينا هو المعنى الأساس والرئيس لاسم عاصمتنا الحبيبة بغداد ...
فضلا عن المعاني الأخرى التي عرضت قبل قليل.
وجميع هذه المعاني بجذورها اللغوية ذات أصالة وعراقة
تعود الى لغات أهل العراق ماضيا وحاضرا وإن شاء الله مستقبلا أيضا.
وهكذا فهي بعيدة تماما عن كل تأثير أجنبي وغريب لا يمت بصلة للغة العربية
وشقيقاتها الشامية ..... السامية. ))




(( مصادر البحث وهوامشه ))

1ـ البلاذري .... أحمد ( فتوح البلدان ) مجلد2 ص 361.

2ـ اليعقوبي أحمد .... كتاب البلدان (منشور مع كتاب الأعلاق النفسية لابن رسته) ص 235.

3ـ الهمداني ... الحسن ( بغداد مدينة السلام) ص 27و35.

4ـ الطبري .... ابن جرير( تاريخ الأمم والملوك) مجلد 3 ص 385
ابن الجوزي .... عبد الرحمن( مناقب بغداد ) ص 6 ـ 7.

5ـ الطبري.. ابن جرير ( تاريخ الأمم والملوك ) مجلد 8 ص 619
ابن الجوزي ... عبد الرحمن( مناقب بغداد) ص 7
و ( المنتظم في تاريخ الأمم ) ..... مجلد 8 ص 34
و ( عقد الجان ) مجلد 7 ص 186.

6ـ ابن رسته ... أبو علي ( الاعلاق النفسية ) ..... مجلد 7 ص 108.

7ـ الخطيب البغدادي ..... احمد بن علي ..... ( تاريخ بغداد) مجلد 1 ص 062
ولد سنة 1002م وتوفي سنة 1071م وله ( تاريخ بغداد )

8ـ العلي ... صالح أحمد ( بغداد ... تأسيسها ونموها) العراق القديم .... بغداد 1983 ص 375.

9ـ العلي .... صالح أحمد في المصدر السابق ص 376.

10ـ زعين .. حسن فاضل واخرون ( بغداد في التاريخ ) بغداد 1991 ص 30 ـ 31.

11ـ ويسلر .. جاك ( الحضارة العربية ) ص 137
و( انتقال علوم الإغريق الى العرب ) ص 199.

12ـ لسترانج ( بغداد في عهد الخلافة العباسية ) ص 17.

13 ـ مصطفى جواد ( دليل خارطة بغداد ) ص 18.

14ـ زعين ..... حسن فاضل المصدر السابق ص 31.

15ـ يوسف فوزي ( اللهجات الآرامية وانتشارها الجغرافي ) في مجلة المجمع العلمي
بغداد 1996 ص102.

16ـ الشيخ محمد عبده ... ( مقامات أبي الفضل بديع الزمان الهمزاني ) بيروت 1889، ص 55.

17ـ الشيخ محمد عبده .... المصدر السابق ص 6.

18ـ الشيخ محمد عبده ... المصدر السابق ص 6/ هامش1.

19ـ أوجين منا ( دليل الراغبين في لغة الآراميين ) ص 49؛ ROCKELMAVN - K

Lescicon Sysiacam - Hilaesheim 1966 -20ـ p- 57. يوسف فوزي
المصدر السابق .... ص 102.

21ـ أوجين منا المصدر السابق ص 91

22ـ أوجين منا المصدر السابق ص 49.
وفي ص 49.
وفي ص 521 نجد (عابا) أي غاب .. غيضة
أجمة ولعلها تكون في الأصل للغوي الثاني قلبا (قلب العين غينا)
وبالتقديم أو التأخير أصبحت (باغا)

23ـ أوجين منا ... المصدر السابق ص 138؛ 1440

24 ـ احمد بن فارس ( مقايس اللغة ) القاهرة 1979 مجلد 1، ص 173 لويس معلوف
( المنجد في اللغة ) ..... بيروت. 1960 ص 43.

25ـ احمد ابن فارس .... المصدر السابق، مجلد، ص 266.

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:42 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
قسنطينة وسر الرقم 7

صوفيا منغور
منبر ذاكرة التاريخ و الحضارة





قسنطينة وسر الرقم 7



صوفيا منغور


لقسنطينة معالم وآثار وما يميزها عن باقي المدن في الجزائر، حيث يطلق عليها مدينة الصخر العتيق لوقوعها على قمتي جبلين تربطهما 7 جسور من عدة نواحي وللمدينة 7 أبواب ساهمت قديما في تطور تجارتها وانفتاح المدينة على العالم الخارجي للمدينة 7 مغارات و7 أولياء صاحين وغيرها من الأماكن المرتبطة بالرقم 7

*كانت المدينة محصنة بسور تتخله سبعة أبواب، وبعضهم يقول ستة، تغلق جميعها في المساء وهي:

باب الحنانشة: الذي يسمح بالخروج من شمال المدينة عبر وادي الرمال، ويؤدي إلى الينابيع التي تصب في أحواض مسبح سيدي مسيد.
باب الرواح: يمتد عبر سليم مثير للدوار، ويؤدي إلى الناحية الشمالية من وادي الرمال ويوصل هذا الباب إلى منابع سيدي ميمون التي تصب في المغسل.
باب القنطرة: يصل المدينة بالضفة الجنوبية لوادي الرمال.
باب الجابية: ينفتح على الطريق الممتد إلى سيدي راشد ويقع على ارتفاع 510م.
باب الجديد: يقع شمال ساحة أول نوفمبر، هدم سنة 1925.
باب الواد " أو باب ميلة": يسمح بالوصول إلى روابي كدية عاتي، وقد كان يوجد بمكان قصر العدالة حاليا.
باب سيرتا : وهو الباب الذي بنا الفرنسيون فوقه سوق بومزو للخضر والفواكه حيث يقال أن هذا الباب كان مدخلا للمدينة في عهد الرومان ويعود تاريخ اكتشافه إلى شهر حزيران من عام 1935، وحسب بعض الدراسات فإن هذا الباب كان معبدا قد بني حوالي سنة 363م.
لقد كانت هذه الأبواب تقوم بوظيفة التحصين للمدينة ضد الغرباء وبدأت تختفي بالتدريج إلى أن أزال الاحتلال الفرنسي أثارها كلية.

جسور مدينة الجسور
نظراً لتضاريس المدينة الوعرة وأخدود وادي الرمال العميق الذي يشقها، أقيمت عليها سبعة جسور لتسهيل حركة التنقل، واشتهرت بعد ذلك قسنطينة باسم مدينة الجسور المعلقة، وهي:
جسر باب القنطرة: وهو أقدم الجسور بناه الأتراك عام 1792 وهدمه الفرنسيون ليبنوا على أنقاضه الجسر القائم حاليا وذلك سنة 1863.
جسر سيدي راشد: ويحمله 27 قوسا، يبلغ قطر أكبرها 70م، ويقدر علوه بـ105م، طوله 447م وعرضه 12م، بدأت حركة المرور به سنة 1912،و هو أعلى وأضخم جسر حجري في العالم وهو الذي يظهر دائما مرافقا للصورة الرمزية الخاصة بي أسفل مشاركاتي.
جسر سيدي مسيد: بناه الفرنسيون عام 1912 ويسمى أيضا بالجسر المعلق، يقدر ارتفاعه بـ175م وطوله 168، وهو أعلى جسور المدينة.
جسر ملاح#تحويل ملاح سليمان سليمان: هو ممر حديدي خصص للراجلين فقط ويبلغ طوله 15م وعرضه مترين ونصف، وهو يربط بين شارع محطة السكك الحديدية ووسط المدينة.
جسر مجاز الغنم: هو امتداد لشارع رحماني عاشور، ونظرا لضيقه فهو أحادي الأتجاه.
جسر الشيطان: جسر صغير يربط بين ضفتي وادي الرمال ويقع في أسفل الأخدود.
جسر الشلالات: يوجد على الطريق المؤدي إلى المسبح وتعلو الجسر مياه وادي الرمال التي تمر تحته مكونة شلالات، وبني عام 1928.
أما الكهوف في قسنطينة والتي يعود تاريخها إلى فترة ما قبل الميلاد حيث كانت مأوى لأهالي المدينة آنذاك
كهف الدببة: يبلغ طوله 60 م ويوجد بالصخرة الشمالية لقسنطينة.
كهف الأروي: يوجد قرب كهف الدببة ويبلغ طوله 6 م ويعتبر كلا الكهفين محطتين لصناعات أثرية تعود إلى فترة ما قبل التاريخ.
بعد كهف الدببة وكهف الأروي هناك أيضا:
كهف الحمام: على غرار باقي الغارات نسجت حوله أساطير عدة، فهناك من يقول أنه استخدم في عبادة ميترا، أحد الآلهةوهناك من يقول أن النساء الفاسدات كن يرمين فيه وغيرها إلا أن به هوة كبيرة تسمح باشتعال الشموع دون إيقادها كما تشير التنقيبات أن الكهف كان ضريحا لبعض الشخصيات في الأزمنة الغابرة
كهف الشكارة:ارتبطت هذه المغارة بأسطورة رائجة في اوساط المجتمع القسنطيني بأن البايصالح كان يأمر برمي المحكوم عليهم بالاعدام من أعلى المغارة إلى وادي الرمال في الأسفل داخل كيس وبالعامية يقال"الشكارة".
مغارة شطابة : كانت معبدا لبعض الجن والآلهة المحلية ومكانا للحج يقصده سكان المنطقة لتقديم الأضاحي والقرابين
المغارة المنسية: أغلق مدخلها في الحقبة الاستعمارية لأن الثوار كان يسعملونها للدخول والخروج من المدينة بشكل سري ولم تفتح لغاية اليوم والقليلون من أهل المدينة من يعلمون بأمرها وهي تقع تحت أحد الفنادق بوسط المدينة وقد كانت إلى غاية 1939 قبلة للسواح ويقال أنها تشبه مغارة جعيتا في لبنان لوجود ترسبات كلسية داخلها ووجود السمك المضيء أيضا.
المغارة الجديدة: وقد اكتشفت حديثا في قسنطينة بسيدي مسيد وتقع بين مغارتي الدببة والأروى على ارتفاع 9 أمتار.

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:45 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
المناهج الدراسية العربية ومقارنتها بالتطورات العالمية الحديثة .




د . محمد الزهراني
منبر الملتقى التربوي




كان المنهج المدرسي في الماضي يهدف لأمرين وهما القراءة والكتابة بحسب حاجة المجتمع ذلك الوقت ، لم يعد الأمر يقف عند هذا الحد ،بل أصبح العالم يتطور من حولنا وبشكل مُتسارع ، اعتقدنا أن حكوماتنا ستعمل جاهدة على تطوير تعليمنا لنلحق بالركب ، إلاّ أن الركب سبقنا بعقود كثيرة ، ولازلنا لا نبرح المكان لا ندري عمداً كان هذا ، أم جهلاً بالمستقبل وما يخبئ لنا . عمدت وزارات التربية والتعليم في الدول العربية وليس الإسلامية في تكويّن خبراء لصياغة تلك المناهج العديمة الجدوى عدا مواد التربية الإسلامية التي لا يحق لي ولا لغيري التنقيص من حقها رغم تحفظي على ما يحويّه بعضها ومدى مناسبتها للصغار وعقولهم ، بل ينبغي على مُعديها إعادة النظر في بعض موضوعاتها .
أمرٌ لازال خبراء التعليم والمسئولين في البلدان العربية يزداد تمسكهم به ، رغم قناعة الكثير بعدم جدوى تلك المناهج التي أكل عليها الزمان وشرب . يحدث أحياناً بعض التعييرات في المحتوى وصورة الغلاف وليس في المضمون . كلنا يعلم أن تلك المناهج يقوم بإعدادها خبراء في المناهج الدراسية ، وبكل أسف هولاء الخبراء يعدونها دون تخطيط مسبق ومتقن ، ففي الكثير من الدول العربية إن لم تكن بأكملها نرى جهلاً من تلك السياسات وقد يكون عمداً لاسيما ما تعانيه مناهجنا من انتقادات في الوقت الحاضر . يعرف الكثير منّا أن تلك المناهج الدراسية في الدول المتقدمة لا تقف عند مجموعة من الخبراء وحدهم ، وهم من يخطط ويُعد لتلك المناهج ، بل المجتمع أيضاً يشترك في التخطيط والإعداد لها. تتجدد تلك المناهج لديهم بين كل فترة وأخرى بحسب حاجة المجتمع والطلب الذي يحتاجون إليه وليس كما تراه تلك الدولة أو الخبراء فيها . نعرف أن أي مجتمع له طلبات يحتاجها ومن خلال تلك المناهج يحدد ما يدون بها حتى تفي بالمطلوب ، بعكس الدول العربية التي تُفرض تلك المناهج احتاجها المجتمع أم لا يحتاجها . سبقتنا الدول ووصلوا إلى ما وصلوا إليه ونحن لازلنا نفرضها على أبنائنا . لم يقف الأمر عند هذا الحد بل ما بداخل الكثير منها يطلب من الطالب حفظها ومن ثم تسميعها للمعلم نهاية كل فصل دراسي ، لينال الدرجة المستحقة ، في نظري هذا الحشو لن يوصلهم إلى العالمية مادام الأمر على هذا المنوال ، ففي الدول المتقدمة أيضاً معظم تلك المناهج عملية أي أن الطالب يقوم على عمل تلك التجارب أما بمساعدة غيره أو بنفسه لحين يتم إتقانها . في نظري هذه الطريقة هي التي أوصلت ذلك العالم إلى التقدم الذي هم فيه ، بعكس ما نحن فيه ومنا هجنا التي لا تعمل إطلاقا عل أي تقدم يُذكر .لا يراودني الشك أن ما نحن فيه فُرض علينا لنبقى كما نحن . أنا ذكرت هنا الدول العربية ولم أقل الإسلامية شتان بين مناهجنا ومناهج ماليزيا مثلاً .

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:46 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
عازف التشيللو السيراجيفي

ترجمة وليد زين العابدين / منابر ثقافية
منبر الاداب العالمية




مشى الموسيقار على المسرح بينما كان التصفيق يصم الآذان , في زي العازفين التقليدي الأسود انحنى للجمهور , وجلس على كرسيه وأمسك بآلة موسيقية , يمكننا القول إنها آلة تشيلو قديمة خمرية اللون . ما هي إلا دقائق حتى بدأت الموسيقى تنساب .
كانت يوغسلافيا السابقة قد تمزقت في عام 1992 بحرب عرقية , ومدينة سيراجيفو الجميلة والعريقة , بكل ما تملك من غنى بالمسارح والفن التقليدي , قد تحولت إلى عاصمة أوربا الجهنمية .
في الرابعة مساءً من يوم السابع والعشرون من أيار من ذلك العام , وبينما كان بعض سكان سيراجيفو يصطفون بصبر أمام آخر الأفران في المدينة . سقطت قذيفة مدفعية في وسطهم , مخلفة اثنان وعشرين قتيلاً . العازف الشهير سمالوفيك نظر من النافذة ليجد اللحم والدماء والعظام والدمار وقد انتشر في المنطقة , عندها عرف بأنها اللحظة التي لا يمكن له أن يبقى صامتاً بعدها .
سمالوفيك كان في السابعة والثلاثين في ذلك اليوم , كان معروفاً بكونه عازف تشيللو موهوب في الفرقة السيمفونية الوطنية وعدد من الفرق الموسيقية الأخرى التي كانت تملأ مدينة بالعودة إلى تلك الفترة يصف سمالوفيك نفسه ومجتمع سيراجيفو بالساذج والبسيط , فقد كانوا على ثقة تامة بمجتمعهم ووحدته , وعندما كانوا يشاهدون الحرب الأهلية المستعرة في باقي ولايات يوغسلافيا , كان لديهم يقين بأن ذلك لن يحدث في مدينتهم , فمجتمع سيراجيفو متين موحد غير قابل للدمار , ولكن ذلك الحلم كان قبل 1992 .

سيراجيفو قبل عام 1992 .
شعر سمالوفيك بالغضب والعجز لما كان يجري من حوله, فهو لم يكن سياسياً ولا جندياً , كان مجرد عازف . وآنى لعازف أن يفعل شيئاً في الحرب ! ولكن هل كونه عازفاً موسيقياً يعني أن يقف مكتوف الأيدي ويشاهد الناس يموتون أمامه ؟ هل يعني أن يبقى خائفاً على حياته طيلة الوقت ؟
وهكذا وبعد المجزرة الرهيبة , وعند الساعة الرابعة من مساء كل يوم , كان سمالوفيك يسير إلى وسط الشارع حيث وقعت المجزرة . بزيه التقليدي وكأنه ذاهب للعزف في عرض مسرحي حي, كان يجلس هناك على كرسي صغير في وسط الفوهة التي حفرتها القذيفة القاتلة , وكان يعزف الموسيقا بآلة التشيللو , وكان يستمر بالعزف رغم أن القذائف والرصاص كان يتطاير في كل مكان من حوله, إلا أن صوت الموسيقا في داخله كان أقوى من كل أصوات الرصاص والقذائف والدمار .
لمدة اثنان وعشرون يوماً , في ذكرى ضحايا المجزرة الاثنان والعشرون . سمالوفيك عزف في نفس المكان , للبيوت المدمرة , للنيران المستعرة , للناس الممزقين المختبئين في أقبية المباني , عزف لكرامة الإنسان والتي كانت أول ضحايا هذه الحرب . وبشكل غير محدد فقد عزف للحياة والسلام , للأمل الذي ينبثق من أحلك ساعات الظلمة . وكجواب على سؤال أحد الصحفيين فيما إذا كان العزف وسط القصف جنوناً أم لا ؟ أجاب سمالوفيك : تسألني إذا كان عزف التشيللو جنوناً ؟ لماذا لا تسأل إذا ما كان قصف سيراجيفو هو الجنون .
استمر سمالوفيك بعزف موسيقاه حتى كانون الأول من عام 1993 , في المقابر وأماكن القصف تحت شعار " صلاة موسيقية يومية من أجل السلام " . وهكذا أصبح رمزاً للسلام في البوسنة .
الملحن الإنكليزي ديفيد وايلد أُخِذَ بهذه القصة المؤثرة , فألف مقطوعة موسيقية خاصة بآلة التشيللو منفردة وسماها ببساطة " عازف التشيللو السيراجيفي " حيث سكب فيها أحاسيسه الخاصة من تقدير وحب وأخوة اتجاه العازف فيدران سمالوفيك .

عازف التشيللو الشهير Yo Yo Ma عزف هذه المقطوعة في مهرجان التشيللو الدولي الذي أقيم في مدينة مانشيستر الانكليزية في عام 1994 .
عازف البيانو بول سوليفان كان حاضراً هذا المهرجان وقد وصف هذا المشهد كالآتي : بهدوء تام وبشكل تدريجي بدأت الموسيقا بالانسياب في جو القاعة الساكن . محدثة حالة من الوهم , الفراغ الكوني , والشعور بملامسة الموت , وأخذ صداها يتردد حيث بدأت ترتفع الموسيقا بشكل مضطرب بالتدريج لتصبح عويلاً وصراخاً لامسنا جميعاً وسيطر على أحاسيسنا . لتنتهي المقطوعة بصمت يشبه الموت , بدءاً من الصمت الذي بدأت منه .
عندما انتهى Yo Yo Ma من عزف المقطوعة بقي صامتاً , منحنياً فوق التشيللو بخشوع , لم يتحرك أحد في الصالة , الصمت كان مطبقاً لفترة طويلة , وكأننا قد شاهدنا لتونا المجزرة الرهيبة أمام أعيننا . أخيراً , وبصمت وهدوء استوى Yo Yo Ma في كرسيه ونظر إلى الحضور ماداً يده باتجاهنا , كل الأعين اتجهت حيث دعا أحدٍ ما إلى الصعود إلى المسرح , وكأن صدمة كهربائية عارمة قد اجتاحتنا عندما أدركنا من كان المدعو , لقد كان فيدران سمالوفيك , عازف التشيللو , عازف سيراجيفو . استوى واقفاً ومشى عبر الممر في الوقت الذي نزل فيه YO YO MA عن خشبة المسرح ومشى باتجاه فاتحاً يديه , وتعانقا بشكل مؤثر وعاطفي تماماً بجانب مقعدي .
المشهد كان لا يصدق , كل واحد من الحضور وقف بذهول , بحالة من الاضطراب العاطفي , يصفقون , يصفرون , يهتفون , يبكون وسط شعور بالغبطة والتأثر . كأن موجة مد عاطفية قد اجتاحت الجمهور , كانت الأصوات عالية لدرجة كبيرة . ووسط كل ذلك كان يقف الرجلان متعانقان , ينتحبان بدون خجل .
Yo Yo Ma أمير العزف الكلاسيكي الأكثر شهرة عبر العالم , كان بكامل أناقته وصحته , وإلى جانبه فيدران سمالوفيك الناجي من مجازر سيراجيفو , مرتدياً معطفاً من الجلد البالي والممزق , مع إشارة ما وضعت على ذراعه , بالإضافة إلى شعره الطويل وشاربه الضخم , كل ذلك أوحى بسنوات طويلة من الألم والجراح المصاحب لدموع لا يمكن حصرها .
بعد سنوات من موقفه البطولي المعادي للحرب , سمالوفيك استقر في بلفاست في إيرلندا . حيث يؤلف ويعزف الموسيقا وينتجها على مستوى محلي وعالمي . ولكن الرسالة التي تحملها قصته أعظم بكثير من الرجل الذي صنعها .

الفيلسوف الأمريكي روبرت فولكهام يقول في كتابه الذي يسمى على ما أعتقد ( تأملات أخرى من حياة خاصة ) : " اسمع , لا تأسف أبداً لاعتقادك يوماً بأنه عندما يقرر شخص ما بمواجهة العالم بالحقيقة , فإن العالم سيصغي له ويتوقف . هناك الكثير من الأدلة على عكس ذلك . ما أن نتوقف عن اعتقادنا ذاك حتى تتوقف الموسيقى بكل تأكيد . إن أسطورة الأحلام المستحيلة أقوى من كل حقائق التاريخ . في مخيلتي أضع الزهور على النصب التذكاري الخاص بفدران سمالوفيك , هذا النصب الذي لم بينى بعد , وهذه اللحظة لم تأت بعد , ولكن ربما تأتي "

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:48 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
الحضارة الفرعونية المفترى عليها


محمد جاد الزغبي
منبر ذاكرة التاريخ و الحضارة



من غرائب ما تواجهه هذه الأمة ويعد من أخطر أسباب تراجعها رغم الماضي العريق .. هو

أن الأجيال الحديثة لا علاقة لها بماضيها مطلقا .. على نحو يكفل التخلف المحقق لأى أمة

دون شك ..

لأن التاريخ كعلم يعد هو الأساس الأقدر فى الحضارات جميعا وذلك لطبيعة العلوم الحضارية

ذاتها من أنها تكون بالصبغة التراكمية فيجب أن تتواصل الأجيال اللاحقة مع السابقة وإلا

فقدت بإرادتها الحرة كل مقومات التراث وبالتالي كل مقومات الحضارة ..

ولو أضيف لتلك الكارثة كارثة أخرى وهى التسطيح وعدم التدقيق ينقلب التخلف إلى موت

حقيقي لتلك الأمة .. وهو ما نعانيه بحذافيره سواء كنا كعرب من ورثة الحضارة الإسلامية

أو مصريين من ورثة تاريخ الكنانة الأقدم فى الأرض وهو إيماننا ببعض المعارف أو

الثقافات التى أخذناها على عواهنها دون تدقيق ودونما بذل الحد الأدنى من الجهد

لتحرى الصدق والواقع فيها كما لو كانت مسلمات غير قابلة للنقض أو النقد ..

وثالثة الأسافي أن من يعانون من هذه وتلك هم من المنتمين لزمرة المثقفين والمفكرين

والمواهب الجادة التى تعول عليهم الأمة بنيان ما تهدم منها عبر سنوات طوال من قرون

التخلف

والأمثلة على ذلك بلا حصر ..

مثال ذلك ثقافة المهدى المنتظر التى تعد تراثا عربيا يضرب بجذوره فى أعمق نقطة من

نقاط المثقفين بالرغم من أن المسألة ذاتها قد فندها علماء المسلمين وآخرهم الدكتور عبد

المنعم النمر من أن كل الأحاديث الواردة فى شأن المهدى المنتظر غير صحيحة وبالرغم من

كثرتها ورواجها بزمن البخارى علامة الحديث إلا أنه طوى كشحا عنها نهائيا بالإضافة

إلى التناقض فى الأحاديث المروية فى صفات وهدف المهدى مما يتعارض مع الآية الكريمة

بسم الله الرحمن الرحيم " اليوم أكملت لكم دينكم .. "

وما إلى ذلك من حجة العالم الكبير التى احتواها كتابه الشهير " الشيعة ـ المهدى ـ ا

لدروز "

بالإضافة إلى آفة الثقافات ودائها وهى ثقافة الإتكالية الغير مقبولة بأى منطق حول بعض

الأدعية المأثورة وبغض النظر عن صحتها وعما هو غير حقيقي فيها فان الكارثة تكمن فى

اعتبار تلك الأدعية المأثورة ضامنة لإجابة الدعوة أو النجاة من النار بمجرد القراءة وهو

تسطيح لدعوة الإسلام وفكره الذى ينص أول ما ينص على مصادقة القلب للقول بالعمل

وأيضا فى المعارف العادية نجد الكثير من أصحاب القلم وهم أهل التدقيق كما يفترض

مسلمين أنفسهم وعقولهم لبعض المعارف التى سقطت أو التى لا تعد من قبيل المعرفة

وكأنى بأهل الثقافة يقتربون حثيثا من مستوى العامة الذين يرضون بأقل المعرفة مما هو

لازم لحياتهم وفقط ..

مثال ذلك ما انتشر عن نظرية التطور التى ابتكرها تشارلز داروين واشتهر عنها أن

داروين يقول بأن الإنسان أصله قرد وهى السمعة الصحفية التى نشأت كنادرة أو طرفة ثم

انتشرت على أنها محتوى النظرية كله ..

مع أن داروين لم يقل بهذا مطلقا والطريف أن محتوى النظرية الحقيقي أكثر طرافة

ومدعاة للضحك من مقولة انتماء الإنسان للقرود فى أصله البعيد .. فالنظرية تقول بأن كل

الأنواع والمخلوقات منشؤها خلق واحد تفرعت منه أنواع المخلوقات حسب التكيف الطبيعى

عبر آلاف السنين .. وهو ما سقط بالطبع عندما جاء علم التصنيف ليكتشف أن بعض أنواع

الزهور والتى تعد نوعا واحدا من النبات له أنواع مختلفة فى شكله وغذائه يربو عددها

على ثلاثين ألف نوع مما يجزم بالطبع بأن كل نوع وكل عائلة وفصيلة لها منشأ مستقل

تماما

ومنها ما يتم تدريسه عن عمد أو عن جهل بحقائق التاريخ لطلبة المراحل الأساسية للتعليم

فى مصر على نحو يعد جريمة معرفية بحق هؤلاء الطلبة ..

فمنذ بضع سنوات واثر الكشف عن عدد من أقوى الوثائق البريطانية والفرنسية والايطالية

المتزامنة مع أحداث تنصيب محمد على باشا واليا على مصر .. ظهرت للوجود حقائق تقلب

تاريخ تلك الفترة رأسا على عقب فالمعروف والذى يتم تدريسه لطلبة التاريخ أن محمد

على تم تنصيبه على مصر باتفاق العلماء وقادة المجتمع المصري فى فترة حساسة من

تاريخ البلاد وكان هذا الاختيار للجندى الألبانى الأصل محمد على من اتفاق وتزكية هؤلاء

السادة برياسة السيد عمر مكرم العالم الأزهرى المعروف ونقيب الأشراف وقتها

ولأن المدقق خلف هذا الأمر يجد عجبا من أن سير الأحداث لا يبدو سيرا منطقيا مع انتفاء

أى تأثير للقوة الأجنبية الأوربية التى كانت تملك زمام الأمر فى المنطقة حتى من قبل

فترات الاحتلال الصريح .. وهو ما بينته الوثائق عندما تم الكشف عن أن محمد على أخذ

طريقه إلى كرسي العرش فى مصر بمعاونة ومباركة فرنسا بعد تحييد بريطانيا وتمت

الصفقة بين محمد على نفسه الذى اشترى الولاية وبين " بافاروتى " القنصل الفرنسي فى

ذلك الوقت وكان الثمن مجموعة منتقاه من الآثار الفرعونية نقلها بافاروتى كاملة وأسس

بها متحفا خاصا به فى مسقط رأسه بايطاليا فى الوقت الذى ظن فيه كبار المصريين أنهم

بصدد صفقة تتم بمقتضي إرادتهم فقط دون إدراك لكوامن السياسة العالمية التى كانت

علاقاتها فى ذلك الوقت بالنسبة لهم تمثل لغزا وحجابا من غموض تام ..

ونفس الأمر حدث فى اتفاقية الوفاق الودى بين بريطانيا وفرنسا عام 1907 حيث تم تقسيم

التركة مسبقا بين بريطانيا وفرنسا وكان محتوى التركة يشمل منطقة الخليج والعراق

والشام بأكملها فضلا على دول شمال افريقيا والمغرب فى غيبة كاملة من السلطان

العثمانى المغيب وأولياء الأمر العرب فى تلك المناطق ممن كانوا بعيدين كل البعد عن

مجرى الأحداث وطرق السياسة الدولية بين القوى العظمى الأوربية والتى كانت تبدو من

الظاهر غير متدخلة فى مصائر شعوب مستقلة حيث كان الاحتلال لم يبدأ بعد فى أغلب

المناطق العربية بينما خلفية الأحداث تحمل فى وضوح بصمات الدول الكبري ومصالحها

وهذا هو الذى دعا كلا من بريطانيا وفرنسا للتدخل معا لتحطيم جيش وأسطول محمد على

عندما قويت شوكته وهدد السلطنة العثمانية فى الشام وكاد يسقطها فتدخلت الدولتان

لتحجيمه فورا عقب الاتفاق مع الباب العالي على المقابل الذى شمل وعدا صريحا بتوطين

اليهود تمهيدا لإنشاء وطن قومى لهم ..

والذى لم يعرفه السلطان العثمانى أن بريطانيا وفرنسا كانتا ستحطمان محمد على حتى

لو لم يطالبهما الباب العالى بذلك تبعا لقواعد اللعبة السياسية والتى لا تسمح لقوة محمد

على أن تتعدى الحدود للمحميات التى تسيطر عليها الدولتان خفية ولذلك تركا محمد على

حرا فى تدمير الدعوة الوهابية بينما لم يصبروا عليه يوما عندما طرق أبواب الشام

ونفس الأمر أيضا مع تجربة سابقة على محمد على وهى تجربة على بك الكبير ذلك القائد

المملوكى الأسطورة الذى كاد أن يمتلك زمام الشام إلى مصر لولا أن تدخلت القوى الخفية

ليخونه أقرب أعوانه محمد بك أبو الدهب ويسلمه لأعدائه منهيا تلك التجربة التى لا تسمح

بها القوى العظمى وهى اتحاد مصر باللسان الشامى والذى انفك منذ وفاة صلاح الدين

ولم يلتئم بعدها فى محاولة كاملة قط وفشلت جميع تجارب إحيائه

وإذا نظرنا لكتب التاريخ التى يدرسها الطلبة فى معظم أقطارنا نجدها خاوية على

عروشها إلا من معارف سقطت منذ قرون لكنها أصبحت مسلمات تحكم ثقافة العقل العربي

مع الأسف الشديد

ومنها أيضا تلك الثقافة التى حكمت الكثيرين من أن الحضارة الفرعونية حضارة وثنية

وتعددية ولها 2800 إله وهم الذين تنتشر تماثيلهم عبر ربوع مصر شمالا وجنوبا بالإضافة

إلى أن القرآن الكريم حدثنا عن فرعون الطاغية الذى ادعى الإلوهية فهى بالتالي حضارة

كفر وإلحاد وما إلى ذلك من المعارف التى ترسخت فى الأذهان

بينما الحقيقة كانت واضحة حتى من قبل النظريات الحديثة للتاريخ المصري ومن خلال قصة

فرعون ذاتها قاطعة بأن أرض مصر لم تعرف عبادة الأوثان فى أى مرحلة من مراحل

حضارتها المدركة بالتاريخ عبر خمسة آلاف عام قبل الميلاد وحتى اليوم ..

وتعالوا نلقي نظرة سريعة لنعرف ونر ..



عمق الحضارة الفرعونية ..

علم المصريات أو الفرعونيات هو علم تأسس من ثلاثة قرون على يد الغرب الأوربي ثم

الأمريكى فيما بعد وصارت جامعات الغرب وباحثيه هم أساس هذا العلم مع الأسف الشديد

ولم ينبغ من العرب أو المصريين أنفسهم إلا عدد قليل للغاية من علماء الآثار كان أولهم

أحمد كمال باشا والدكتور سامى جبرة والدكتور سليم حسن وأخيرا زاهى حواس بالرغم

من أنها حضارتنا نحن إلا أن الغرب بلغ شغفه الغير اعتيادي بها حدا يفوق الجنون ذاته ..



صار كل أثر وأسرة تمثل فى التاريخ المصري قسما مستقلا

كما أن علم " بيرامدولجى " وهو علم الهرميات تأسس كعلم مستقل وله أقسامه المتفرعة

والتى يعكف الباحثون عليها منذ عشرات السنين ليضيفوا العديد والعديد لتلك الحضارة

التى سادت العالم عشرات القرون

فى نفس الوقت الذى كانت فيه مصر قبل منتصف القرن الماضي لا تعير لتلك الآثار اهتماما

حتى أن بعض أحجار وقشرة الطبقة الجيرية التى كانت تكسو الهرم بأكمله وعليها نقوش

ذهبية وجداول فلكية رهيبة أخذها سكان مصر القديمة واستخدموها لبناء أركان منازلهم

التى لا زال بعضها حتى اليوم يحمل فى قلبه أحجار منتزعة من الهرم منذ انهيار القشرة

الجيرية بجداولها فى الزلزال الذى ضرب المنطقة فى القرن السابع عشر .. وبصعيد مصر

عندما فكر عبود باشا الاقتصادي المصري الشهير فى بناء مصنع سكر نجع حمادى يمم

وجهه ناحية معابد الأقصر وانتزع منها العديد من الأحجار ووضعها فى أساس المصنع !

وقد بدأ البحث خلف سر الهرم الأكبر الذى يعد أعقد ألغاز الحضارات القديمة على مر

التاريخ منذ أيام خلافة المأمون عندما دخل بعض علماء العرب للهرم وكتبوا عنه وأثارتهم

دقة البناء وتساءلوا عن هدف بنائه وهو الهدف الذى لا زال حتى وقتنا هذا لغزا غامضا لم

يتم حسمه ..

والحديث عن الهرم الأكبر يطول بأحجاره التى بلغت مليون وستمائة ألف حجر يتراوح

وزنها بين 12 طن وسبعين طنا مجلوبة من أقاصي الصعيد بوسيلة مجهولة ومرصوصة فى

دقة هندسية خرافية بوسيلة غير معروفة أيضا ويبلغ الإعجاز الهندسي فيه حدا لا زال

العلم الحديث بكل منجزاته يقف عاجزا عن محاكاتها لأن الهندسة التقليدية التى نعرفها

تقف عاجزة عن تقنين العلاقات الرياضية الرهيبة بين أطراف الهرم والتى تحاكى بدقة

مذهلة أبعاد الكواكب والنجوم بحيث يعد الهرم معجزة فلكية أو مرصد كما قالت بعض

النظريات ..

هذا الهرم الذى قال عنه علماء القرن الثامن عشر أنه مقبرة للملك خوفو .. !!

وبالرغم من أن تلك المعلومة سقطت من مائتى سنة أو يزيد إلا أننا حتى الآن كمصريين

ندرس أن الهرم هو هرم خوفو مع أن علماء المصريات عندما صححوا تلك المعارف كانت

الأدلة قاطعة على زيف معظم ما توصل إليه علماء ذلك الوقت من أن خوفو هو بانى الهرم

الأكبر لأنهم اعتمدوا على عبارة منقوشة بداخل إحدى الخرطوشات الملكية ومكتوب عليها

بالهيروغليفية " هيليم خوفو " وهى التى اعتمد عليها العلماء منفردة فى وقتها لينسبوا

الهرم الأكبر إلى هذا الملك الذى نجهل كل شيئ عنه ولا وجود له فى التاريخ القديم

بالرغم من وجود تمثال صغير وحيد له وبعض معلومات ضئيلة عثر عليها الدكتور زاهى حواس منذ سنوات

وعبارة " هيليوم خوفو " هذه لا تعنى الملك خوفو كما تمت ترجمتها بل تعنى حرفيا

بالهيروغليفية " الله جل جلاله "

الأكثر مدعاة للأسي أن عمر الهرم نفسه والذى ندرسه كمصريين بأنه يبلغ من العمر خمسة

آلاف عام هو أمرٌ تراجع عنه العلماء الموثوق بهم فى التاريخ الفرعونى وأجمعوا على

خطئه وعلى رأسهم " مانيتون " أكبر عالم أثريات فى هذا التخصص وذلك عندما عجز

العلماء عن تحديد عمر صخور الهرم بالرغم من أن علم الجيولوجيا عن طريق تحليل وقياس

كمية غاز الأرجون فى الصخور يتمكن بمنتهى البساطة من قياس عمر أى صخرة على

الأرض وبدقة تبلغ نسبة الخطأ فيها مائة عام لكل خمسة مليون عام !

وكانت تلك الوسيلة البحثية الفريدة هى التى مكنتنا من معرفة عمر الأرض من أقدم

صخورها وهو عمر يمتد فى التاريخ إلى أربعة آلاف وخمسمائة مليون سنة

وبالرغم من ذلك فقد وقفت الأجهزة عاجزة عن هذا ونقل لنا تاريخ العرب فى مصر أن أحد

علماء العرب وضع تفسيرا لبناء الهرم وتحليلا له كان منه أن الهرم بنى منذ خمسة وثلاثين

ألف عام

ولو أننا وضعنا بأذهاننا أن التاريخ المكتوب للعالم أجمع بدأ منذ عشرة آلاف عام فقط

فلنا أن نتخيل مدى الحيرة التى استبدت بعلماء الغرب عندما توصلوا لكشفيات أثرية

إغريقية تؤيد القول بقدم الهرم بهذا الشكل

فالتاريخ الفرعونى لدينا يبدأ من عهد الأسرة الأولى التى أسسها الملك مينا موحدا بها

قطرى مصر شمالا وجنوبا منذ سبعة آلاف عام أما قبل هذا التاريخ لا نعرف معلومة

واحدة .. ولنا أن نتخيل كم الأسرار الذى تحتويه فترة الدولة الفرعونية المزدوجة شمالا

وجنوبا قبل مينا وهى التى استمرت فى التطور بعد ذلك مكملة للحضارة الفرعونية

ولو أننا ألقينا نظرة على أحدث الكشوف والنظريات العلمية فى هذا المجال سنكتشف ما

هو أعجب ..

فعمر الإنسان على الأرض يبلغ مائة ألف عام وكما سبق القول لا يوجد تاريخ مكتوب يصل

لأقصي من عشرة آلاف عام فقط وقد عثر العلماء على أدوات علمية ومعادن وآثار لأشعة

وقنابل تراوحت أعمارها بين عشرين ألف عام وخمسة وثلاثين ألف عام وكلها تنبئ عن

حضارات سادت ثم بادت وهى التى ينقل لنا القرآن الكريم ومعظم الكتب المقدسة لمحات

عنها ..

والذى يعنينا فى هذا الشأن ما كشفه أحد الباحثين الفرنسيين من أن أفلاطون عندما جاء

لمصر والتقي بكهنة الفراعنة أخبروه عن أطلانطس وسجل أفلاطون هذا اللقاء فى

محاورة " كريتياس " كما أن هيرودوت التقي بهم وكان تعليقهم أن علوم الحضارة

الفرعونية بلغت حدا مرعبا وهى علوم تقتصر فقط على الكهنة كما أن الفراعنة تركوا آثار

حضارتهم فى حضارة الأزتيك بالمكسيك والحضارة الصينية أى أنهم قطعوا العالم شرقا

وغربا وكل هذا قبل التاريخ المعروف والمكتوب

الأكثر إثارة هو ما كشفته صحف نبي الله إدريس عليه السلام والتى اكتشفت فى عدة نسخ

بعدة مواضع وهو أول الأنبياء بعد آدم عليه السلام ومعروف أنه استقر بمصر وتبعه أهلها

وعلمهم الكتابة والخياكة وصنع أدوات الحضارة مما وهبه الله ونقل لهم أخبار طوفان

سيأتى على العالم بعده وهو طوفان نوح عليه السلام والذى جاء مكتسحا لكل العهد

القديم .. وهو السبب الرئيسي لغياب كل أوجه وعلامات الحضارة السابقة عليه مما دعا

ببعض العلماء للخروج بنظرية أن الأهرامات بنيت لأجل الحفاظ على تراث الفراعنة من

الطوفان ومن ثم أودعوا الأهرامات الثلاثة كل الأسرار العلمية والكونية التى توصلوا لها

حتى تقنيات السفر للفضاء والتى أكدتها مسلات القمر التى تقف مسببه صداعا مزمنا

للعلماء عن كيفية وصولها

ومنذ إحياء الحضارة الفرعونية بمصر عقب الطوفان ظهرت للوجود أسطورة أزوريس التى

دخلها الكثير من التحريف وحملت الكثير من حقائق وجود نبي الله إدريس عليه السلام وبقايا

علمه الذى علمه للمصريين

والواقع أن هذا يعنى ببساطة أن العالم أجمع يلهث ويكتشف كل يوم جديدا فى أثر تلك

الحضارة ونحن فى غفلة مرهونة بعلوم ندرسها عفا عليها الزمن .. وأمام تاريخ يحتاج

الكتابة من جديد بل والتحديث المستمر مع الكشف المذهل الذى يتتابع ويربط بين حضارات

العالم القديم ويصوغ ويضبط أحداث ما قبل التاريخ المكتوب



التوحيد فى مصر ..


كانت النظرية القديمة القائلة بأن الحضارة الفرعونية تعددية ووثنية تعتمد على وجود

2800 إله كما سبق القول وأيضا من خلال قصة فرعون الذى اتضح أنه رمسيس الثانى بعد

ما كشفه العالم الفرنسي الشهير موريس بوكاى عندما حلل جثة رمسيس الثانى واكتشف

بقايا الملح البحرى على جسده وأطلعه بعض أصدقائه على القصة القرآنية مما تسبب فى

إسلامه بعد ذلك وخرج يروى عن الحقائق المذهلة التى اكتشفها بتدبر القصص القرآنى

وذلك فى كتابه الأشهر " القرآن والإنجيل والتوراة والعلم "

هذا عن المعلومات القديمة والمعروفة ..

لكن المعلومات الأكثر صحة والتى اتضحت بعد العثور على كتاب " الموتى " وهو أقدم

كتاب فرعونى تمت ترجمته وفك رموزه ليتضح أن الحضارة المصرية قامت على أساس

التوحيد وذلك بسبب الآتى .

أولا ..

كلمة " نفر " والتى وجدها الأثريون تصف 2800 تمثال لشخصيات متعددة لا تعنى كلمة "

إله " بل ترجمتها الحرفية " اليد القوية " أى أنها صفة وليست مسمى الهي ..

وتتجلى الإثارة الحقيقية فى الصفات التعريفية المكتوبة إلى جوار تماثيل هذه الآلهة

ولفتت نظر العديدين من الباحثين لقوة الربط الحادث بالأنبياء والمرسلين ..

فهناك " أتوم " والتعريف به هو أنه أول بشري نزل من السماء وأبو الحياة على الأرض

وهناك " أوزوريس " ووصفه يقول بأنه الذى علم الناس الكتابة والحياكة وسبل التسجيل

وهناك " نوه " ووصفه بأنه الذى أنقذ البشرية من الغرق

والأسماء والأوصاف شديدة الوضوح

ثانيا ..

وهو الدليل القاطع على التوحيد لدى الفراعنة .. ما نقلته نصوص كتاب الموتى حيث قالت

إحدى صحائفه بالحرف

" أنت الأول قبل كل شيئ وأنت الآخر وليس بعدك شيئ "

" قال الله خلقت كل شيئ وحدى وليس بجوارى أحد "

كما يُعرف كتاب الموتى المسلات أنها إشارة التوحيد وهو ما يتضح من إشارتها الدائمة

للسماء .. فضلا على أخناتون الذى يعد الملك الفرعونى الوحيد الذى نادى بالتوحيد من

بين الملوك ووجوده الغامض فى قلب التاريخ الفرعونى لا يمكن قبوله على أنه كان

مصادفة ـ على حد قول د. مصطفي محمود ـ

بل من المؤكد أنه جاء معبرا عن أصل شعبي حاربه الكهنة من قديم الزمن وسعوا فيه

ومعهم الملوك لعبادة تماثيل الأنبياء والصالحين على النحو المعروف فى سائر الحضارات

وتكرر فى الجزيرة العربية كما تكرر فى الحضارات الصينية والهندية مع بوذا

وكونفشيوس وهم من أهل التوحيد قبل الميلاد بثمانمائة عام وتوارثتهم الحضارات

وعبدوهم فى النهاية

يضاف إلى ذلك أن الاهتمام الفرعونى بحياة ما بعد الموت يصل حدا لا يمكن وجوده فى

حضارة وثنية على الإطلاق لاختلاف المبادئ نهائيا بين الأسلوبين كما أن الفرانة هم

الحضارة الوحيدة قبل التاريخ التى آمنت بالبعث دون تحديد لرسول أتى إليها أو أحد

الأنبياء فيما عدا إدريس وعيسي عليهما السلام

ويبدو الأمر أكثر وضوحا عندما نتأمل التحقيق القرآنى لقصة فرعون فى قوله تعالى

" وقال رجل من آل فرعون يكتم إيمانه "

وهو التعبير القاطع عن وجود الإيمان داخل الشعب وخروج الفئة الضالة بسبب أهواء الحكم

وحصرها فى الكهنة والملوك وهو ما أكده أيضا موقف السحرة الذين واجهوا موسي عليه

السلام فآمنوا به ورفضوا التراجع أمام بطش فرعون الذى مزق أجسادهم وألقاها فى نقاط

مختلفة من صعيد مصر وكان هؤلاء السحرة هم " أسيوط ـ إسنا ـ أرمنت " ولا زالت البقاع

التى ألقيت فيها تلك الجثث تحمل أسماء هؤلا السحرة حيث تعد أسيوط قلب محافظات

الصعيد واسنا و أرمنت مدينتين متجاورتين تقعان جنوب الأقصر بأربعين كيلومترا تقريبا

هذا بخلاف موقف المصريين من موسي عليه السلام حيث أعطى المصريون ذهبهم كله لبنى

إسرائيل قبل خروجهم وكان عطاؤهم طواعية وليس كما قال بعض المفسرين أنه كان

إخراجا بالاحتيال لأن عدد بنى إسرائيل بلغ نحو ثلاثمائة ألف شخص من المستحيل أن

يذهبوا لجيرانهم المصريين فى نفس الوقت ليطلبوا حليهم على سبيل الاقتراض لفترة

وإعادتها لأن هذا كان كفيلا بإيضاح نيتهم فضلا على أن العدد الهائل لا يسمح بالخروج

تسللا بل كان خروجا صريحا ومن ثم تبعهم فرعون وحاشيته فقط وهم الذين خرجوا معه

أما الذهب المسروق فهو الذهب الذى سرقه قارون عندما كلفه موسي عليه السلام بالعودة

إلى العاصمة لتنصيب ملكا يختاره الشعب المصري لضبط الأمر بعد هلاك فرعون فعاد

قارون على رأس جيش ونفذ الأمر واحتال لنفسه فاستولى على بعض كنوز فرعون المخبأة

فى سراديب قصره

وآخر نقطة تخص هذا الأمر هى أن جميع الأمم السالفة التى طغت وبغت أرسل الله عز وجل

إليها ما قضي عليها مثل عاد وثمود وإرم والنمروذ وقوم لوط وأصحاب الأيكة وغيرهم ..

بينما ظلت الحضارة الفرعونية بشعبها بمنأى عن أى عقاب الهي فى مطلق تاريخها

واقتصر عقاب الغرق على فرعون وحاشيته فقط وهذا مما يؤكد على استمرار التوحيد فى

المصرين منذ قدوم إدريس عليه السلام ..

والبدايات المتشابهة تؤدى للنهايات المتشابهة فكما استقبل المصريون دعوة إدريس

وموسي عليهما السلام استقبلوا المسيحية بالبشر واعتنقوها وكذلك عندما جاء عمرو بن

العاص وعلى أبواب سيناء استقبلته قبائل البدو بالترحاب وانضمت جيوشهم لجيشه

وقادهم عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وعلمهم الإسلام لينطلقوا مخلصين مصر من يد

الرومان لتنشأ الحضارة الإسلامية بمصر بتأيد كاسح من جموع القبط المصريين

هذه هى الحضارة الفرعونية التى نبذ البعض منا أسباب الفخر بها والبحث يها باعتبارها

حضارة وثنية دون أن نكلف أنفسنا ساعات قليلة لنتبصر فيها تاريخ بلادنا التى احتفي

بها الغرباء وأهملها الأبناء

لمزيد من التفاصيل نرجو مراجعة الآتى

" قصة الحضارة " ـ وول ديورانت ـ طبعة مكتبة الأسرة بمصر
" مصر القديمة " ـ د. سليم حسن ـ طبعة مكتبة الأسرة بمصر
" الهرم المعجزة " ـ د. مصطفي محمود حلقة تليفزيونية من برنامج العلم والايمان
" الذين عادوا الى السماء " ـ أنيس منصور ـ طبعة دار الشروق
" أخبار الأول فيمن تصرف من أخبار الدول " ـ اسحاق المنوفي ـ طبعة الذخائر ـ مصر
" القرآن والانجيل والعلم " ـ بروفيسور موريس بوكاى ـ نسخة الكترونية
" قصص الأنبياء " ـ الامام متولى الشعراوى
" قصص الأنبياء " ـ د. أحمد الكبيسي

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:48 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
الحضارة الفرعونية المفترى عليها


محمد جاد الزغبي
منبر ذاكرة التاريخ و الحضارة



من غرائب ما تواجهه هذه الأمة ويعد من أخطر أسباب تراجعها رغم الماضي العريق .. هو

أن الأجيال الحديثة لا علاقة لها بماضيها مطلقا .. على نحو يكفل التخلف المحقق لأى أمة

دون شك ..

لأن التاريخ كعلم يعد هو الأساس الأقدر فى الحضارات جميعا وذلك لطبيعة العلوم الحضارية

ذاتها من أنها تكون بالصبغة التراكمية فيجب أن تتواصل الأجيال اللاحقة مع السابقة وإلا

فقدت بإرادتها الحرة كل مقومات التراث وبالتالي كل مقومات الحضارة ..

ولو أضيف لتلك الكارثة كارثة أخرى وهى التسطيح وعدم التدقيق ينقلب التخلف إلى موت

حقيقي لتلك الأمة .. وهو ما نعانيه بحذافيره سواء كنا كعرب من ورثة الحضارة الإسلامية

أو مصريين من ورثة تاريخ الكنانة الأقدم فى الأرض وهو إيماننا ببعض المعارف أو

الثقافات التى أخذناها على عواهنها دون تدقيق ودونما بذل الحد الأدنى من الجهد

لتحرى الصدق والواقع فيها كما لو كانت مسلمات غير قابلة للنقض أو النقد ..

وثالثة الأسافي أن من يعانون من هذه وتلك هم من المنتمين لزمرة المثقفين والمفكرين

والمواهب الجادة التى تعول عليهم الأمة بنيان ما تهدم منها عبر سنوات طوال من قرون

التخلف

والأمثلة على ذلك بلا حصر ..

مثال ذلك ثقافة المهدى المنتظر التى تعد تراثا عربيا يضرب بجذوره فى أعمق نقطة من

نقاط المثقفين بالرغم من أن المسألة ذاتها قد فندها علماء المسلمين وآخرهم الدكتور عبد

المنعم النمر من أن كل الأحاديث الواردة فى شأن المهدى المنتظر غير صحيحة وبالرغم من

كثرتها ورواجها بزمن البخارى علامة الحديث إلا أنه طوى كشحا عنها نهائيا بالإضافة

إلى التناقض فى الأحاديث المروية فى صفات وهدف المهدى مما يتعارض مع الآية الكريمة

بسم الله الرحمن الرحيم " اليوم أكملت لكم دينكم .. "

وما إلى ذلك من حجة العالم الكبير التى احتواها كتابه الشهير " الشيعة ـ المهدى ـ ا

لدروز "

بالإضافة إلى آفة الثقافات ودائها وهى ثقافة الإتكالية الغير مقبولة بأى منطق حول بعض

الأدعية المأثورة وبغض النظر عن صحتها وعما هو غير حقيقي فيها فان الكارثة تكمن فى

اعتبار تلك الأدعية المأثورة ضامنة لإجابة الدعوة أو النجاة من النار بمجرد القراءة وهو

تسطيح لدعوة الإسلام وفكره الذى ينص أول ما ينص على مصادقة القلب للقول بالعمل

وأيضا فى المعارف العادية نجد الكثير من أصحاب القلم وهم أهل التدقيق كما يفترض

مسلمين أنفسهم وعقولهم لبعض المعارف التى سقطت أو التى لا تعد من قبيل المعرفة

وكأنى بأهل الثقافة يقتربون حثيثا من مستوى العامة الذين يرضون بأقل المعرفة مما هو

لازم لحياتهم وفقط ..

مثال ذلك ما انتشر عن نظرية التطور التى ابتكرها تشارلز داروين واشتهر عنها أن

داروين يقول بأن الإنسان أصله قرد وهى السمعة الصحفية التى نشأت كنادرة أو طرفة ثم

انتشرت على أنها محتوى النظرية كله ..

مع أن داروين لم يقل بهذا مطلقا والطريف أن محتوى النظرية الحقيقي أكثر طرافة

ومدعاة للضحك من مقولة انتماء الإنسان للقرود فى أصله البعيد .. فالنظرية تقول بأن كل

الأنواع والمخلوقات منشؤها خلق واحد تفرعت منه أنواع المخلوقات حسب التكيف الطبيعى

عبر آلاف السنين .. وهو ما سقط بالطبع عندما جاء علم التصنيف ليكتشف أن بعض أنواع

الزهور والتى تعد نوعا واحدا من النبات له أنواع مختلفة فى شكله وغذائه يربو عددها

على ثلاثين ألف نوع مما يجزم بالطبع بأن كل نوع وكل عائلة وفصيلة لها منشأ مستقل

تماما

ومنها ما يتم تدريسه عن عمد أو عن جهل بحقائق التاريخ لطلبة المراحل الأساسية للتعليم

فى مصر على نحو يعد جريمة معرفية بحق هؤلاء الطلبة ..

فمنذ بضع سنوات واثر الكشف عن عدد من أقوى الوثائق البريطانية والفرنسية والايطالية

المتزامنة مع أحداث تنصيب محمد على باشا واليا على مصر .. ظهرت للوجود حقائق تقلب

تاريخ تلك الفترة رأسا على عقب فالمعروف والذى يتم تدريسه لطلبة التاريخ أن محمد

على تم تنصيبه على مصر باتفاق العلماء وقادة المجتمع المصري فى فترة حساسة من

تاريخ البلاد وكان هذا الاختيار للجندى الألبانى الأصل محمد على من اتفاق وتزكية هؤلاء

السادة برياسة السيد عمر مكرم العالم الأزهرى المعروف ونقيب الأشراف وقتها

ولأن المدقق خلف هذا الأمر يجد عجبا من أن سير الأحداث لا يبدو سيرا منطقيا مع انتفاء

أى تأثير للقوة الأجنبية الأوربية التى كانت تملك زمام الأمر فى المنطقة حتى من قبل

فترات الاحتلال الصريح .. وهو ما بينته الوثائق عندما تم الكشف عن أن محمد على أخذ

طريقه إلى كرسي العرش فى مصر بمعاونة ومباركة فرنسا بعد تحييد بريطانيا وتمت

الصفقة بين محمد على نفسه الذى اشترى الولاية وبين " بافاروتى " القنصل الفرنسي فى

ذلك الوقت وكان الثمن مجموعة منتقاه من الآثار الفرعونية نقلها بافاروتى كاملة وأسس

بها متحفا خاصا به فى مسقط رأسه بايطاليا فى الوقت الذى ظن فيه كبار المصريين أنهم

بصدد صفقة تتم بمقتضي إرادتهم فقط دون إدراك لكوامن السياسة العالمية التى كانت

علاقاتها فى ذلك الوقت بالنسبة لهم تمثل لغزا وحجابا من غموض تام ..

ونفس الأمر حدث فى اتفاقية الوفاق الودى بين بريطانيا وفرنسا عام 1907 حيث تم تقسيم

التركة مسبقا بين بريطانيا وفرنسا وكان محتوى التركة يشمل منطقة الخليج والعراق

والشام بأكملها فضلا على دول شمال افريقيا والمغرب فى غيبة كاملة من السلطان

العثمانى المغيب وأولياء الأمر العرب فى تلك المناطق ممن كانوا بعيدين كل البعد عن

مجرى الأحداث وطرق السياسة الدولية بين القوى العظمى الأوربية والتى كانت تبدو من

الظاهر غير متدخلة فى مصائر شعوب مستقلة حيث كان الاحتلال لم يبدأ بعد فى أغلب

المناطق العربية بينما خلفية الأحداث تحمل فى وضوح بصمات الدول الكبري ومصالحها

وهذا هو الذى دعا كلا من بريطانيا وفرنسا للتدخل معا لتحطيم جيش وأسطول محمد على

عندما قويت شوكته وهدد السلطنة العثمانية فى الشام وكاد يسقطها فتدخلت الدولتان

لتحجيمه فورا عقب الاتفاق مع الباب العالي على المقابل الذى شمل وعدا صريحا بتوطين

اليهود تمهيدا لإنشاء وطن قومى لهم ..

والذى لم يعرفه السلطان العثمانى أن بريطانيا وفرنسا كانتا ستحطمان محمد على حتى

لو لم يطالبهما الباب العالى بذلك تبعا لقواعد اللعبة السياسية والتى لا تسمح لقوة محمد

على أن تتعدى الحدود للمحميات التى تسيطر عليها الدولتان خفية ولذلك تركا محمد على

حرا فى تدمير الدعوة الوهابية بينما لم يصبروا عليه يوما عندما طرق أبواب الشام

ونفس الأمر أيضا مع تجربة سابقة على محمد على وهى تجربة على بك الكبير ذلك القائد

المملوكى الأسطورة الذى كاد أن يمتلك زمام الشام إلى مصر لولا أن تدخلت القوى الخفية

ليخونه أقرب أعوانه محمد بك أبو الدهب ويسلمه لأعدائه منهيا تلك التجربة التى لا تسمح

بها القوى العظمى وهى اتحاد مصر باللسان الشامى والذى انفك منذ وفاة صلاح الدين

ولم يلتئم بعدها فى محاولة كاملة قط وفشلت جميع تجارب إحيائه

وإذا نظرنا لكتب التاريخ التى يدرسها الطلبة فى معظم أقطارنا نجدها خاوية على

عروشها إلا من معارف سقطت منذ قرون لكنها أصبحت مسلمات تحكم ثقافة العقل العربي

مع الأسف الشديد

ومنها أيضا تلك الثقافة التى حكمت الكثيرين من أن الحضارة الفرعونية حضارة وثنية

وتعددية ولها 2800 إله وهم الذين تنتشر تماثيلهم عبر ربوع مصر شمالا وجنوبا بالإضافة

إلى أن القرآن الكريم حدثنا عن فرعون الطاغية الذى ادعى الإلوهية فهى بالتالي حضارة

كفر وإلحاد وما إلى ذلك من المعارف التى ترسخت فى الأذهان

بينما الحقيقة كانت واضحة حتى من قبل النظريات الحديثة للتاريخ المصري ومن خلال قصة

فرعون ذاتها قاطعة بأن أرض مصر لم تعرف عبادة الأوثان فى أى مرحلة من مراحل

حضارتها المدركة بالتاريخ عبر خمسة آلاف عام قبل الميلاد وحتى اليوم ..

وتعالوا نلقي نظرة سريعة لنعرف ونر ..



عمق الحضارة الفرعونية ..

علم المصريات أو الفرعونيات هو علم تأسس من ثلاثة قرون على يد الغرب الأوربي ثم

الأمريكى فيما بعد وصارت جامعات الغرب وباحثيه هم أساس هذا العلم مع الأسف الشديد

ولم ينبغ من العرب أو المصريين أنفسهم إلا عدد قليل للغاية من علماء الآثار كان أولهم

أحمد كمال باشا والدكتور سامى جبرة والدكتور سليم حسن وأخيرا زاهى حواس بالرغم

من أنها حضارتنا نحن إلا أن الغرب بلغ شغفه الغير اعتيادي بها حدا يفوق الجنون ذاته ..



صار كل أثر وأسرة تمثل فى التاريخ المصري قسما مستقلا

كما أن علم " بيرامدولجى " وهو علم الهرميات تأسس كعلم مستقل وله أقسامه المتفرعة

والتى يعكف الباحثون عليها منذ عشرات السنين ليضيفوا العديد والعديد لتلك الحضارة

التى سادت العالم عشرات القرون

فى نفس الوقت الذى كانت فيه مصر قبل منتصف القرن الماضي لا تعير لتلك الآثار اهتماما

حتى أن بعض أحجار وقشرة الطبقة الجيرية التى كانت تكسو الهرم بأكمله وعليها نقوش

ذهبية وجداول فلكية رهيبة أخذها سكان مصر القديمة واستخدموها لبناء أركان منازلهم

التى لا زال بعضها حتى اليوم يحمل فى قلبه أحجار منتزعة من الهرم منذ انهيار القشرة

الجيرية بجداولها فى الزلزال الذى ضرب المنطقة فى القرن السابع عشر .. وبصعيد مصر

عندما فكر عبود باشا الاقتصادي المصري الشهير فى بناء مصنع سكر نجع حمادى يمم

وجهه ناحية معابد الأقصر وانتزع منها العديد من الأحجار ووضعها فى أساس المصنع !

وقد بدأ البحث خلف سر الهرم الأكبر الذى يعد أعقد ألغاز الحضارات القديمة على مر

التاريخ منذ أيام خلافة المأمون عندما دخل بعض علماء العرب للهرم وكتبوا عنه وأثارتهم

دقة البناء وتساءلوا عن هدف بنائه وهو الهدف الذى لا زال حتى وقتنا هذا لغزا غامضا لم

يتم حسمه ..

والحديث عن الهرم الأكبر يطول بأحجاره التى بلغت مليون وستمائة ألف حجر يتراوح

وزنها بين 12 طن وسبعين طنا مجلوبة من أقاصي الصعيد بوسيلة مجهولة ومرصوصة فى

دقة هندسية خرافية بوسيلة غير معروفة أيضا ويبلغ الإعجاز الهندسي فيه حدا لا زال

العلم الحديث بكل منجزاته يقف عاجزا عن محاكاتها لأن الهندسة التقليدية التى نعرفها

تقف عاجزة عن تقنين العلاقات الرياضية الرهيبة بين أطراف الهرم والتى تحاكى بدقة

مذهلة أبعاد الكواكب والنجوم بحيث يعد الهرم معجزة فلكية أو مرصد كما قالت بعض

النظريات ..

هذا الهرم الذى قال عنه علماء القرن الثامن عشر أنه مقبرة للملك خوفو .. !!

وبالرغم من أن تلك المعلومة سقطت من مائتى سنة أو يزيد إلا أننا حتى الآن كمصريين

ندرس أن الهرم هو هرم خوفو مع أن علماء المصريات عندما صححوا تلك المعارف كانت

الأدلة قاطعة على زيف معظم ما توصل إليه علماء ذلك الوقت من أن خوفو هو بانى الهرم

الأكبر لأنهم اعتمدوا على عبارة منقوشة بداخل إحدى الخرطوشات الملكية ومكتوب عليها

بالهيروغليفية " هيليم خوفو " وهى التى اعتمد عليها العلماء منفردة فى وقتها لينسبوا

الهرم الأكبر إلى هذا الملك الذى نجهل كل شيئ عنه ولا وجود له فى التاريخ القديم

بالرغم من وجود تمثال صغير وحيد له وبعض معلومات ضئيلة عثر عليها الدكتور زاهى حواس منذ سنوات

وعبارة " هيليوم خوفو " هذه لا تعنى الملك خوفو كما تمت ترجمتها بل تعنى حرفيا

بالهيروغليفية " الله جل جلاله "

الأكثر مدعاة للأسي أن عمر الهرم نفسه والذى ندرسه كمصريين بأنه يبلغ من العمر خمسة

آلاف عام هو أمرٌ تراجع عنه العلماء الموثوق بهم فى التاريخ الفرعونى وأجمعوا على

خطئه وعلى رأسهم " مانيتون " أكبر عالم أثريات فى هذا التخصص وذلك عندما عجز

العلماء عن تحديد عمر صخور الهرم بالرغم من أن علم الجيولوجيا عن طريق تحليل وقياس

كمية غاز الأرجون فى الصخور يتمكن بمنتهى البساطة من قياس عمر أى صخرة على

الأرض وبدقة تبلغ نسبة الخطأ فيها مائة عام لكل خمسة مليون عام !

وكانت تلك الوسيلة البحثية الفريدة هى التى مكنتنا من معرفة عمر الأرض من أقدم

صخورها وهو عمر يمتد فى التاريخ إلى أربعة آلاف وخمسمائة مليون سنة

وبالرغم من ذلك فقد وقفت الأجهزة عاجزة عن هذا ونقل لنا تاريخ العرب فى مصر أن أحد

علماء العرب وضع تفسيرا لبناء الهرم وتحليلا له كان منه أن الهرم بنى منذ خمسة وثلاثين

ألف عام

ولو أننا وضعنا بأذهاننا أن التاريخ المكتوب للعالم أجمع بدأ منذ عشرة آلاف عام فقط

فلنا أن نتخيل مدى الحيرة التى استبدت بعلماء الغرب عندما توصلوا لكشفيات أثرية

إغريقية تؤيد القول بقدم الهرم بهذا الشكل

فالتاريخ الفرعونى لدينا يبدأ من عهد الأسرة الأولى التى أسسها الملك مينا موحدا بها

قطرى مصر شمالا وجنوبا منذ سبعة آلاف عام أما قبل هذا التاريخ لا نعرف معلومة

واحدة .. ولنا أن نتخيل كم الأسرار الذى تحتويه فترة الدولة الفرعونية المزدوجة شمالا

وجنوبا قبل مينا وهى التى استمرت فى التطور بعد ذلك مكملة للحضارة الفرعونية

ولو أننا ألقينا نظرة على أحدث الكشوف والنظريات العلمية فى هذا المجال سنكتشف ما

هو أعجب ..

فعمر الإنسان على الأرض يبلغ مائة ألف عام وكما سبق القول لا يوجد تاريخ مكتوب يصل

لأقصي من عشرة آلاف عام فقط وقد عثر العلماء على أدوات علمية ومعادن وآثار لأشعة

وقنابل تراوحت أعمارها بين عشرين ألف عام وخمسة وثلاثين ألف عام وكلها تنبئ عن

حضارات سادت ثم بادت وهى التى ينقل لنا القرآن الكريم ومعظم الكتب المقدسة لمحات

عنها ..

والذى يعنينا فى هذا الشأن ما كشفه أحد الباحثين الفرنسيين من أن أفلاطون عندما جاء

لمصر والتقي بكهنة الفراعنة أخبروه عن أطلانطس وسجل أفلاطون هذا اللقاء فى

محاورة " كريتياس " كما أن هيرودوت التقي بهم وكان تعليقهم أن علوم الحضارة

الفرعونية بلغت حدا مرعبا وهى علوم تقتصر فقط على الكهنة كما أن الفراعنة تركوا آثار

حضارتهم فى حضارة الأزتيك بالمكسيك والحضارة الصينية أى أنهم قطعوا العالم شرقا

وغربا وكل هذا قبل التاريخ المعروف والمكتوب

الأكثر إثارة هو ما كشفته صحف نبي الله إدريس عليه السلام والتى اكتشفت فى عدة نسخ

بعدة مواضع وهو أول الأنبياء بعد آدم عليه السلام ومعروف أنه استقر بمصر وتبعه أهلها

وعلمهم الكتابة والخياكة وصنع أدوات الحضارة مما وهبه الله ونقل لهم أخبار طوفان

سيأتى على العالم بعده وهو طوفان نوح عليه السلام والذى جاء مكتسحا لكل العهد

القديم .. وهو السبب الرئيسي لغياب كل أوجه وعلامات الحضارة السابقة عليه مما دعا

ببعض العلماء للخروج بنظرية أن الأهرامات بنيت لأجل الحفاظ على تراث الفراعنة من

الطوفان ومن ثم أودعوا الأهرامات الثلاثة كل الأسرار العلمية والكونية التى توصلوا لها

حتى تقنيات السفر للفضاء والتى أكدتها مسلات القمر التى تقف مسببه صداعا مزمنا

للعلماء عن كيفية وصولها

ومنذ إحياء الحضارة الفرعونية بمصر عقب الطوفان ظهرت للوجود أسطورة أزوريس التى

دخلها الكثير من التحريف وحملت الكثير من حقائق وجود نبي الله إدريس عليه السلام وبقايا

علمه الذى علمه للمصريين

والواقع أن هذا يعنى ببساطة أن العالم أجمع يلهث ويكتشف كل يوم جديدا فى أثر تلك

الحضارة ونحن فى غفلة مرهونة بعلوم ندرسها عفا عليها الزمن .. وأمام تاريخ يحتاج

الكتابة من جديد بل والتحديث المستمر مع الكشف المذهل الذى يتتابع ويربط بين حضارات

العالم القديم ويصوغ ويضبط أحداث ما قبل التاريخ المكتوب



التوحيد فى مصر ..


كانت النظرية القديمة القائلة بأن الحضارة الفرعونية تعددية ووثنية تعتمد على وجود

2800 إله كما سبق القول وأيضا من خلال قصة فرعون الذى اتضح أنه رمسيس الثانى بعد

ما كشفه العالم الفرنسي الشهير موريس بوكاى عندما حلل جثة رمسيس الثانى واكتشف

بقايا الملح البحرى على جسده وأطلعه بعض أصدقائه على القصة القرآنية مما تسبب فى

إسلامه بعد ذلك وخرج يروى عن الحقائق المذهلة التى اكتشفها بتدبر القصص القرآنى

وذلك فى كتابه الأشهر " القرآن والإنجيل والتوراة والعلم "

هذا عن المعلومات القديمة والمعروفة ..

لكن المعلومات الأكثر صحة والتى اتضحت بعد العثور على كتاب " الموتى " وهو أقدم

كتاب فرعونى تمت ترجمته وفك رموزه ليتضح أن الحضارة المصرية قامت على أساس

التوحيد وذلك بسبب الآتى .

أولا ..

كلمة " نفر " والتى وجدها الأثريون تصف 2800 تمثال لشخصيات متعددة لا تعنى كلمة "

إله " بل ترجمتها الحرفية " اليد القوية " أى أنها صفة وليست مسمى الهي ..

وتتجلى الإثارة الحقيقية فى الصفات التعريفية المكتوبة إلى جوار تماثيل هذه الآلهة

ولفتت نظر العديدين من الباحثين لقوة الربط الحادث بالأنبياء والمرسلين ..

فهناك " أتوم " والتعريف به هو أنه أول بشري نزل من السماء وأبو الحياة على الأرض

وهناك " أوزوريس " ووصفه يقول بأنه الذى علم الناس الكتابة والحياكة وسبل التسجيل

وهناك " نوه " ووصفه بأنه الذى أنقذ البشرية من الغرق

والأسماء والأوصاف شديدة الوضوح

ثانيا ..

وهو الدليل القاطع على التوحيد لدى الفراعنة .. ما نقلته نصوص كتاب الموتى حيث قالت

إحدى صحائفه بالحرف

" أنت الأول قبل كل شيئ وأنت الآخر وليس بعدك شيئ "

" قال الله خلقت كل شيئ وحدى وليس بجوارى أحد "

كما يُعرف كتاب الموتى المسلات أنها إشارة التوحيد وهو ما يتضح من إشارتها الدائمة

للسماء .. فضلا على أخناتون الذى يعد الملك الفرعونى الوحيد الذى نادى بالتوحيد من

بين الملوك ووجوده الغامض فى قلب التاريخ الفرعونى لا يمكن قبوله على أنه كان

مصادفة ـ على حد قول د. مصطفي محمود ـ

بل من المؤكد أنه جاء معبرا عن أصل شعبي حاربه الكهنة من قديم الزمن وسعوا فيه

ومعهم الملوك لعبادة تماثيل الأنبياء والصالحين على النحو المعروف فى سائر الحضارات

وتكرر فى الجزيرة العربية كما تكرر فى الحضارات الصينية والهندية مع بوذا

وكونفشيوس وهم من أهل التوحيد قبل الميلاد بثمانمائة عام وتوارثتهم الحضارات

وعبدوهم فى النهاية

يضاف إلى ذلك أن الاهتمام الفرعونى بحياة ما بعد الموت يصل حدا لا يمكن وجوده فى

حضارة وثنية على الإطلاق لاختلاف المبادئ نهائيا بين الأسلوبين كما أن الفرانة هم

الحضارة الوحيدة قبل التاريخ التى آمنت بالبعث دون تحديد لرسول أتى إليها أو أحد

الأنبياء فيما عدا إدريس وعيسي عليهما السلام

ويبدو الأمر أكثر وضوحا عندما نتأمل التحقيق القرآنى لقصة فرعون فى قوله تعالى

" وقال رجل من آل فرعون يكتم إيمانه "

وهو التعبير القاطع عن وجود الإيمان داخل الشعب وخروج الفئة الضالة بسبب أهواء الحكم

وحصرها فى الكهنة والملوك وهو ما أكده أيضا موقف السحرة الذين واجهوا موسي عليه

السلام فآمنوا به ورفضوا التراجع أمام بطش فرعون الذى مزق أجسادهم وألقاها فى نقاط

مختلفة من صعيد مصر وكان هؤلاء السحرة هم " أسيوط ـ إسنا ـ أرمنت " ولا زالت البقاع

التى ألقيت فيها تلك الجثث تحمل أسماء هؤلا السحرة حيث تعد أسيوط قلب محافظات

الصعيد واسنا و أرمنت مدينتين متجاورتين تقعان جنوب الأقصر بأربعين كيلومترا تقريبا

هذا بخلاف موقف المصريين من موسي عليه السلام حيث أعطى المصريون ذهبهم كله لبنى

إسرائيل قبل خروجهم وكان عطاؤهم طواعية وليس كما قال بعض المفسرين أنه كان

إخراجا بالاحتيال لأن عدد بنى إسرائيل بلغ نحو ثلاثمائة ألف شخص من المستحيل أن

يذهبوا لجيرانهم المصريين فى نفس الوقت ليطلبوا حليهم على سبيل الاقتراض لفترة

وإعادتها لأن هذا كان كفيلا بإيضاح نيتهم فضلا على أن العدد الهائل لا يسمح بالخروج

تسللا بل كان خروجا صريحا ومن ثم تبعهم فرعون وحاشيته فقط وهم الذين خرجوا معه

أما الذهب المسروق فهو الذهب الذى سرقه قارون عندما كلفه موسي عليه السلام بالعودة

إلى العاصمة لتنصيب ملكا يختاره الشعب المصري لضبط الأمر بعد هلاك فرعون فعاد

قارون على رأس جيش ونفذ الأمر واحتال لنفسه فاستولى على بعض كنوز فرعون المخبأة

فى سراديب قصره

وآخر نقطة تخص هذا الأمر هى أن جميع الأمم السالفة التى طغت وبغت أرسل الله عز وجل

إليها ما قضي عليها مثل عاد وثمود وإرم والنمروذ وقوم لوط وأصحاب الأيكة وغيرهم ..

بينما ظلت الحضارة الفرعونية بشعبها بمنأى عن أى عقاب الهي فى مطلق تاريخها

واقتصر عقاب الغرق على فرعون وحاشيته فقط وهذا مما يؤكد على استمرار التوحيد فى

المصرين منذ قدوم إدريس عليه السلام ..

والبدايات المتشابهة تؤدى للنهايات المتشابهة فكما استقبل المصريون دعوة إدريس

وموسي عليهما السلام استقبلوا المسيحية بالبشر واعتنقوها وكذلك عندما جاء عمرو بن

العاص وعلى أبواب سيناء استقبلته قبائل البدو بالترحاب وانضمت جيوشهم لجيشه

وقادهم عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وعلمهم الإسلام لينطلقوا مخلصين مصر من يد

الرومان لتنشأ الحضارة الإسلامية بمصر بتأيد كاسح من جموع القبط المصريين

هذه هى الحضارة الفرعونية التى نبذ البعض منا أسباب الفخر بها والبحث يها باعتبارها

حضارة وثنية دون أن نكلف أنفسنا ساعات قليلة لنتبصر فيها تاريخ بلادنا التى احتفي

بها الغرباء وأهملها الأبناء

لمزيد من التفاصيل نرجو مراجعة الآتى

" قصة الحضارة " ـ وول ديورانت ـ طبعة مكتبة الأسرة بمصر
" مصر القديمة " ـ د. سليم حسن ـ طبعة مكتبة الأسرة بمصر
" الهرم المعجزة " ـ د. مصطفي محمود حلقة تليفزيونية من برنامج العلم والايمان
" الذين عادوا الى السماء " ـ أنيس منصور ـ طبعة دار الشروق
" أخبار الأول فيمن تصرف من أخبار الدول " ـ اسحاق المنوفي ـ طبعة الذخائر ـ مصر
" القرآن والانجيل والعلم " ـ بروفيسور موريس بوكاى ـ نسخة الكترونية
" قصص الأنبياء " ـ الامام متولى الشعراوى
" قصص الأنبياء " ـ د. أحمد الكبيسي

ريم بدر الدين 08-05-2010 03:50 PM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 
ثلاثة قرون من الادب الامريكي

- د. زياد الحكيم
منبر الاداب العالمية





منذ بداية التاريخ الأمريكي وحتى يومنا هذا سجل الأدب الأمريكي قصة بحث، واتخذ هذا

البحث أشكالا مختلفة في أوقات مختلفة. في القرن السادس عشر ، هاجر الأوروبيون إلى

العالم الجديد بحثا عن قارة اتلانتيس المفقودة وعن مدن الذهب التي استحوذت على

خيالهم .

وتحولت هذه الأحلام الخيالية مع الزمن إلى أحلام بالنجاح أكثر واقعية دفعت بالملايين من

الناس في القرى والمدن الصغيرة إلى الهجرة إلى المدن الكبيرة أملا في كسب الشهرة

والثروة. وفي وقت من الأوقات اتخذ البحث شكل حجيج ديني . فمثلا ، أمل البيوريتانيون

ان يغدو العالم الجديد مكانا يقيمون فيه مجتمعا يحظى برضى الله ، واجتاز المورمونيون

السهول والأودية باتجاه ولاية يوتاه يحدوهم الأمل ذاته ، واتجه الرواد الآخرون - وكثير من

الأمريكيين في فترات لاحقة أيضا - نحو الغرب مدفوعين بطموحات مادية او دينية .

وبطريقة او بأخرى كان "السعي وراء السعادة" حافزا لعملية البحث هذه ، والأدب

الأمريكي في واقع الأمر تسجيل لهذا البحث.

أولا : القرن السابع عشر

هدفت الكتابات الأمريكية الأولى التي ألفها مؤلفون انجليز إلى تسجيل خبرات المهاجرين

الأوائل وإمتاع القراء بهذه الخبرات . وأشهر هؤلاء المؤلفين هو جون سميث (1850-1631)

الذي نشر كتابا عن خبراته في جيمستاون بعنوان "أنباء حقيقية عن أحداث في

فيرجينيا" . وقدم الكتاب وصفا دقيقا للمنطقة ، ولكنه غالى في وصف سهولة الحياة

بالنسبة الى المستوطنين . وفي هذه المغالاة ولدت الحكاية الطويلة للدعابة الأمريكية .

وصل الحجاج ، كما كانوا يسمون أنفسهم ، إلى ميناء بليموت عام 1630 فيما يسمى

اليوم بماساتشوستس . وقد أرادوا ان ينفصلوا عن كنيسة انكلترة بحيث يستطيعون عبادة

الله بالطريقة التي تروق لهم . وصف وليام برادفورد (1590-1657) في كتابه "تاريخ

مستعمرة بليموث" الرحلة الملحمية التي قام بها الحجاج إلى أمريكا عن طريق هولندا

والمشقات التي كابدوها في إقامة مستعمرتهم . ويعكس أسلوب برادفورد البساطة التي

اتسمت بها حياة الحجاج ، اذ لم يكن ثمة مجال للزخرفة لا في الكتابة ولا في الحياة

اليومية .

وبعد عشر سنوات من وصول الحجاج إلى العالم الجديد وصلت مجموعة أخرى من

المستوطنين الانكليز الذي أقاموا مستعمرة خليج ماساتشوستس واستوطنواسالم في بادئ

الأمر ثم بوسطن . ويشترك هؤلاء القادمون الجدد الذي يدعون بالبيوريتانيين مع الحجاج

بمعتقدات كثيرة ، غير أنهم أرادوا أن يحافظوا على عضويتهم في كنيسة انكلترا من اجل

أن "يطهروها" بدل أن ينفصلوا عنها كما فعل الحجاج . كان البيوريتانيون أكثر ثراء من

الحجاج ووصلوا الى العالم الجديد بأعداد اكبر وبمثقفينأكثر ، ولذلك سرعان ما بسطوا

نفوذهم على انكلترة الجديدة - نيوانغلاند .

تضمنت الكتابات الأمريكية في القرن السابع عشر أنواعا عديدة مثل السير والمقالات

والمواعظ الدينية وادبالرحلات . واما في المسرحية والرواية فكانت المنجزات نادرة نظرا

لتعصب البيوريتانيين ضدهما . ومن أشهر الكتاب في ذلك العصر كوتون ماذر (1663-1728)

الذي كتب فيما كتب عددا من التراجم . وهذا اللون من الكتابة صادف هوى في نفوس

البيوريتانيين الذين كانوا يؤمنون بان الإحداث في حياة الناس هي انعكاس لحياتهم

الروحية . وفي كتابه "ماغنيا كريستي امريكانا" 1702 ، زاوج ماذر بين الترجمة والتاريخ

لرسم صورة رائعة لعقل انكلترا الجديدة . ومن المع الكتاب البيوريتانيين أيضا جوناثان

ادواردز (1708-1758) الذي استطاع ان يناغم بين المعتقدات التاريخية للبيوريتانيين

والمعرفة الجديدة في عصره . أشهر أعماله "حرية الإرادة" اما ادواردتيلر (1644-1729) ،

وهو رجل الدين الطبيب المولود في انكلترا ، فقد كان اقل تشاؤما من البيوريتاني العادي

، فنظم قصائد غنائية عبرت عن سروره بالعقيدة الدينية .

كان الأدب الأمريكي في القرن السابع عشر على طراز الأدب البريطاني في الفترة ذاتها .

كانت كتابات جون سميث وفق تقليد الأدب الجغرافي ، وكان أسلوب برادفورد يشبه

أسلوب الكتاب المقدس للملك جيمس ، كما كان نثر ماذر حسب الطراز السائد في بريطانيا

في ذلك الحين ، بينما اقتفى تيلر اثر الشعراء الميتافيزيقيين من أمثال جورج هيربيرت

وجون دن . وهكذا كان الأدب الأمريكي في القرن السابع عشر أدبا انكليزيا شكلا

ومضمونا .

ثانيا : القرن الثامن عشر

1- عصر العقل : في حين انالبيوريتانيين شددوا على ان الانسان خاطىء ، نادى بنجامين

فرانكلين (1706-1780) وغيره من مفكري القرن الثامن عشر بالتأكيد على العقل ، وأصر

فرانكلين على ان الإنسان قادر على السيطرة على بيئته اذا هو استفاد من قدراته

العقلية . نشر كتابه "تقويم ريتشارد الفقير" بين عامي 1733 و1758 ، والكتاب عبارة عن

مجموعة من المعلومات المفيدة والأقوال المأثورة . وقد أصاب الكتاب شهرة واسعة في

جميع أرجاء المستعمرات. إما كتابه "سيرة ذاتية " فقد حقق له شهرة خالدة ، فمن بين

جميع السير الذاتية التي خطها الأمريكيون فان سيرة فرانكلين هي الأعظم والأكثر صراحة

ومرحا وإلهاما .

وكان آخر من أكد على "عقلانية" الأشياء هو توماس بين (1737-1806) . وفي كتابه "عصر

العقل" 1794 حاولبين أن يبرهن أن الله خلق الكون في دقة متناهية ، ثم ما أن أتم خلق

الكون حتى ترك للإنسان موقع المسؤولية - الإنسان الذي يستطيع ان يفكر والقادر على

المحاكمة . وبالرغم من أن بين ولد في انكلترة ، إلا انه كان شديد الحماسة للاستقلال

الأمريكي . ففي كراسته "التفكير السليم" 1776 ومجموعة مقالاته "الأزمة الأمريكية" 1783

دافع عنسكان المستعمرات الأمريكية ضد البلاد الأم انكلترا .

كان هناك كتاب آخرون تبنوا القضية الأمريكية ودافعواعنها من أمثال جون ديكنسون (

1732-1808) في كتابه "رسائل من مزارع بنسلفانيا" 1726وتوماس جيفرسون (1743-

1826) الذي كتب "إعلان الاستقلال" 1776.

2- الرواية والمسرحيةوالشعر

كانت أول رواية أمريكية من تأليف وليام هيل براون (1765-1793) بعنوان "قوة التعاطف"

1789 وهي محاكاة ذكيةللروايات المغرقة بالعاطفية التي كانت تكتب في انكلترا في ذلك

الحين . اما المسرحية الوحيدة التي تستحق الذكر في هذه الفترة فهي "المقارنة" 1787

التي سخر فيها المؤلفرويال تايلر (1757-1826) من البريطانيين وأثنى على الأمريكيين .

وفي ميدان الشعرفقد أراد الشعراء أن يمجدوا الأمة الأمريكية وأبطالها فنظم تيموثي

دوايت (1752-1817) وجول بارلو (1754-1812) ، بجودة متفاوتة ، الملاحم والقصائد

الطويلة .

ثالثا : القرن التاسع عشر

لقد حاول دوايت وبارلووآخرون أن يضعوا أدبا ذا نكهة أمريكية متميزة بعد أن انتهت

الثورة عام 1783 . وبإمكاننا أن نقول إن هؤلاء الكتاب فشلوا فيما حاولوه لأنهم حاولوا

ان يحققوا الكثير . والواقع لم يكن للأدب الأمريكي أن يشتد عوده قبل واشنطن ايرفينغ (

1783-1859) وجيمس فينمور كوبر (1789-1851) . لقد أحس كتاب ما بعد الثورة

بالحرجلضآلة التاريخ الأمريكي ، فحل واشنطن ايرفينغ هذه المشكلة باختراع تاريخ في

كتابه "تاريخ نيويورك" الذي درس فيه استيطان الهولنديين جزيرة مانهاتن وقدم ايرفنغ

فيعمله هذا اول بطل أسطوري أمريكي هو الأب نيكربوكر . وفي كتاباته عن رحلاته في

أوربة، وسيرة حياة كولومبس بين ايرفينغ أن الكاتب يجب أن يكتب عن امريكا فقط من

اجل أن يعتبر كاتبا وطنيا .

وربما كان جيمس فينموركوبر على حظ أوفر من الشهرة . كتب رواية "الجاسوس" 1821،

وهي قصة جاسوسية مثيرة تجري أحداثها في مدينة نيويورك في اثناء الثورة .

ولكن اشهر ما كتبه هو رواية "الراداد" 1823 ، وهي الأولى من خمس رومانسيات عظيمة

درس فيها القيم المتعارضة بين الطبيعة والحضارة ، وواصل كوبر دراسته للحضارة

الامريكيةبطريقة اكثر مباشرة في كتابه "الديمقراطي الأمريكي" .

وكان ادغار الان بو (1809-1849) أعظم كاتب في جنوب الولايات المتحدة قبل الحرب الأهلية

الأمريكية . اشتهر بقصص الرعب مثل "سقوط منزلأشر" و"وليام ويلسون" و"قناع الموت

القرمزي" . ويعود إليه الفضل في استحداث القصص البوليسية التي منها "جرائم شارع

المشرحة" 1841 التي يعدها النقاد الأولى من نوعها . وحقق بو أيضا شهر بقصائده

مثل "الغراب" و"الاجراس" ، وكان تأثيره معتبرا في عددمن الشعراء الأمريكيين اللاحقين

وبخاصة ايمي لويل وازرا باوند .

2- امرسون ، ثورو ، هوثورن، ميلفيل

بينما أكد كتاب القرنالثامن عشر أن العقل هو مصدر الحكمة والتقدم ، أكد امرسون على

القلب ، فالعبقري في نظره ليس هو من يمتاز بالعقل والذكاء ولكنه هو الذي يستطيع أن

يشعر بعمق وان يستخدم الحواس الخمس للاتصال بالحياة . وتمتاز اعماله بالعمق وروعة

البيان . ومن هذه الأعمال "مقالات" 1841 ، ومن اشهر هذه المقالات "العالم الأمريكي "

و"الاعتماد على الذات" . وقد أعطى امرسون قراءه إحساسا بالثقة بقدرة الفرد الأمريكي

على السيطرةعلى مقدرات حياته .

أما هنرى ديفيد ثورو (1817-1862) فقد اخذ هذه الأفكار خطوة ابعد فآثر السجن على ان

يدفع ضريبة الى الدولة لدعم المجهود الحربي في الحرب المكسيكية التي لم يناصرها .

وفي مقالته "العصيان المدني" أكد ثورو ان الاحتجاج الفردي هو القوة الأكثر ثورية

في العالم وان هذا الاحتجاج يمكن ان يحقق العدالة الاجتماعية بسرعة اكبر وبصورة أكمل

من العمل الحكومي . واشهر ما قام به ثورو هو انه أقام في كوخ بالقرب من بحيرة

(والدن) لمدة سنتين لأنه أراد أن يواجه حقائق الحياة الأساسية . وكتاب "والدن" 1854

وهو وصف لتلك الخبرة وهو أفضل أعماله ، اذ ليس هناك وصف أمتع للعيش قرب الطبيعة

من وصف ثورو .

وبالرغم من انناثانييل هوثورن (1804-1864) لم يستطع ان يقبل دين اسلافه البيوريتانيين

الا انه شاركهم الاهتمام بمشكلة الخطيئة . ففي روايته "الحرف القرمزي" 1850 التي تعد

واحدة من اعظم الروايات الامريكية استطاع هوثورن أن يسبر الضمير المعذب بالخطيئة لكل

من هيستربرين وآرثر ديمزديل . وفي روياته "المنزل ذو السقوف السبعة" 1851 درس كيف

ان الشر الذي يمارسه جيل من الاجيال يؤثر على الاجيال اللاحقة .وبرع هوثورن ، شأنه

في ذلك شأن بو ، في كتابة القصة القصيرة . واشهر مجموعاته "حكايات مروية مرتين"

1837كما ان هوثورن الف كتبا للأطفال مثل "كتاب العجائب" 1851. وفي كل ما كتبه اظهر

هوثورن قدرة فائقة على التحليل النفسي ومعالجة المشكلات المعقدة .

ومن أشهر كتاب القرن التاسععشر في الولايات المتحدة هيرمان ميلفيل (1819-1891)

الذي لعب البحر في حياتهوأعماله دورا رئيسيا ، اذ بعد تحصيل قليل في المدرسة عمل

في سفينة صيد للحيتان وراح يجوب البحار .ورواياته حافلة بالمغامرات التي ترتكز على

خبراته في بحار الجنوب ،وهي تدرس موضوعات فلسفية حول الطبيعة الأخلاقية

للكون .أشهر رواياته "موبي ديك" 1851 التي تعد أعظم رواية أمريكية تعنى بالمغامرات

البحرية وواحدة من أكثر الرواياتالتي شغلت النقاد برموزها وتكاملها . والقصة من غير

ريب أكثر من قصة موت حوت .إنهاتجسد الصراع بين الخير والشر وتشرح رغبة الإنسان

الأبدية في البحث عن خفايا الكون وفهمها. وفي روايته القصيرة "بيلي بد" 1891 يتحدث

ميلفيل عن شموخ الروح الإنسانية في مواجهة متاعب الحياة.

د. زياد الحكيم

أستاذ الأدب الانكليزي في جامعة لندن / بريطانيا

ساره الودعاني 08-06-2010 05:51 AM

رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
 


أجمل ما في الحب أن يُعبَّر عنه بكلمة أحبك لما لهذه الكلمة من وقع على الآذان، وسحر في النفوس.
ورغم بساطة هذه الكلمة التي لا تزيد حروفها عن أربعة إلا أن هناك بين العشاق من يجد صعوبة في قولها لأسباب تتعلق بشخصيته التي ربما اعتادت على الكبت وعدم التصريح، وأنا منهم وكأنني بهذه القصيدة أخاطب نفسي قبل الآخرين.
قل لي أحبك
د. طاهر عبد المجيد


هذا غَرامكَ في عيونِكَ قد بدا
قل لي أُحبكَ لا تكن مُتردِّدا

كل الزهور تقولها بعبيرها
ويقولها العصفورُ إن هو غرَّدا

قُلها لأعرفَ أن حُبكَ لم يكن
حلماً إذا طلع الصباح تبدَّدا

قُلها لأعرف ما حدود إرادتي
فيما فعلتُ وما سَأفعلهُ غدا

قُلها فإن المستحيل على يدي
سيكون في إمكانه أن يُوجدا

قُلها «صباح الخير» أو سلِّم بها
ليظل حُبكَ في دمي مُتوقِّدا

قُلها بشكلٍ ما أَلفتُ سماعهُ
إن كنت تأبى أن تكون مقلِّدا

إني سئمتُ الانتظار فلا تَدَعْ
قلبي على أعصابه مُترصِّدا

لو قُلتَها لجعلتُ منكَ مبرراً
لأقول إني الآن لم أُخْلَقْ سُدى

وأقول إن اليوم يوم ولادتي
وبأن عمري مُذْْ نطقتَ بها ابتدا

كيف التقينا والدروبُ كثيرة
ولصوتنا في الليلِ أكثر من صدى

والليلُ أطفأ في السماءِ نجومهُ
نجماً فنجماً ثم أوغلَ في المدى

ما زلتُ أذكرُ حين أيقظني الهوى
كيف اندفعتُ إلى الطريقِ بلا هدى

وخطاي تسألن ي أَتعرفُ أسمهُ
أو أي شيء عنه كي تتأكَّدا

فيجيبها قلبي بصوتٍ هادئٍ
سأكونُ بوصلة لكم أو مُرشدا

في الحب تجتمعُ القلوبُ ببعضها
قبل الوجوه ولا تخونُ الموعدا

ولقد وَجدتكَ حيث ما واعدتني
ووجدتُ نفسي إذ عَرفتكَ جيدا

فائذن لقلبي أن يُؤخر بَوحهُ
لكَ ساعة أو ساعتين ويرقدا

وائذن لروحي حين تُنهي طقسها
في العشقِ بين يديكَ أن تتمددا

فالكلُ أجهدهُ المسيرُ ولم يجدْ
درباً إليكَ من الدروبِ مُعَبَّدا

أنتَ الذي أهدَيتَني حُرِّيتي
وهويَّتي وجعلتَ مني سيِّدا

وأعدتَ لي فرحي وسحر طفولتي
من دونِ أن تدري ولا أن تقصدا

أنت الذي لولاك عشتُ بلا غدٍ
وبقيتُ بالأمسِ البعيدِ مُقيَّدا

أَوَ كلما أبدعتُ فيكَ قصيدة
كلماتها خَرَّتْ أمامي سُجَّدا

واستحلفتني بالذي هو بيننا
أن أنتقيها في القصيد مُجدّدا

خُذني إلى دنيا هواكَ فإنني
سَأعيشُ في محرابهِ مُتعبِّدا

خُذني إليكَ فلو أضعتُكَ مرةً
أُخرى سأصبحُ بالضياعِ مُهدَّدا

خُذني إليكَ ولا تَعدني كالذي
يَعدُ الغريقَ بأن يمدَّ له اليدا



د. طاهر عبد المجيد

ناريمان الشريف 02-10-2018 12:32 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريم بدر الدين (المشاركة 237)
قبر من عسل!!
--------------------------------------------------------------------------------
صهباء محمد بندق
منبر النصوص الادبية و الفلسفية



الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا .. حديث شريف

لا يعرف الناس هذه الحقيقة إلا في مرحلة متأخرة من العمر ..

في لحظة باهرة ينكشف الإنسان فيها تماما ..

فكشفنا عنك غطاؤك فبصرك اليوم حديد ..


فيرى أنه أمضى عمره يدور حول أمل تارة ..

وحول خوف تارة ..

أو حول حب تارة أخرى ..

ويرى أن كعبته التي أمضى عمره يطوف حولها ..

هي التي سلبته الرؤية ..وأفقدته التمييز ..

وأن فتنتها الطاغية كانت تجذبه من كل عواطفه


لتلقيه مكبلا في جوفها

..كالنحلة التي يجذبها العسل

فتظل ترقص حوله حتى تسقط

في قبر من العسل ..!!

والإنسان يشبه كثيرا تلك النحلة

التي دفنت في قبر من اللذة ..

لكنه في النهاية قبر ..

وعندما يشعر الإنسان فيه بالاختناق والعتمة ..

يعلم أنه هو الذي جعله معتما ..

وهو الذي جعل جدرانه تضيق عليه ..!!

انظر إلى حياتك كل يوم ..

انظر ولو مرة واحدة ..

وسجل ما تراه ..

لا تخجل إن رأيت قلمك يرسم نحلة تخلت عن سربها ..

وأهملت عملها ..وأمضت عمرها ..

ترقص حول العسل !!

الله الله ما أجمل ما قرأت هنا
بوركتم


الساعة الآن 06:21 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team