منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   المُهَلهَل (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=4350)

مبارك الحمود 04-11-2011 10:12 PM

المُهَلهَل
 


- مباركٌ, رزقت بمولود كالقمر..
قالتها الممرضة ذات يوم لوالدي..
- ماذا أفعل به, خذيه أنت, اعتبريه هدية, ولتغني للقمر..

هكذا بدأت حياتي, كنت الطفل الخامس, لعائلة أصبح مالكها الفقر منذ أزمانٍ بعيدة.

كنت أصيح أحياناً من جفاف ثدي أمي النادر التقامي له, وأحياناً أخرى من جفاف فمي..
- يا للسخرية بدأ يتذمر منذ الآن..
يقولها والدي لترد عليه أمي:
- إنه يخبرك مقدار تذمري..
وكانت تلك آخر جملة تنطقها أمي قبل موتها كما يقول أبي, كان يضع اللوم علي, ويسألني "لماذا أتيت؟", وأقول:"اسأل روحك!؟."

لم يكن أبي الوحيد الذي كان يعاملني هكذا, فهناك الكثير من الناس, أقارب وأغراب, ومازلت أتذكر تهكم مدير المدرسة وقوله لي يوما -وهو يقرب شفاهه الثخينة اللزجة من ميكرفون الإذاعة- قبل قراءتي لفقرتي: يجب أن تغير ثوبك المهلهل القذر هذا, النظافة من الإيمان أليس كذلك يا أبنائي الصغار؟, لينظر لي بعدها مبتسما بأسنانه الصفراء المبقعة التي يغطيها العفن.
لم أجبه, فلم أعرف معنى مهلهل, ولكني ضحكت كثيرا على ذلك التعبير, وكان ضحكي يتردد صداه في مكبرات الصوت, فقد تخيلت نفسي ألبس ثوبا من الهللات الحديدية.. أمشي به بثقل وجسدي الضامر يبدو من خلال شقوق التقاء الهللات, سآخذ في كل يوم أجوع به بعضا منها حتى تكتمل الصورة بفقدها من على جسمي جميعا, ضحكت على تلك الكلمة, وتركت المدير جامدا بابتسامته تلك التي استمر عصب فمه مشدودا بها طوال اليوم.

جزء من حياتي تلك بدأتُ بفقده كتلك الهللات, وأعتقد أن الصورة حان اكتمالها, ولذلك لم أوفر الفرصة حينما أتت.. قررت التطوع لمساعدة غرقى أحد السيول حين رأيت تراجع الجموع المراقبة, وادعيت كاذبا خبرة كبيرة بالسباحة.. نزعت ثوبي المهلهل عني, وقفزت..
أناس كثر على معرفة كبيرة بهم كانوا يشاهدون غرقي, ونظرت من بينهم إلى ثوبي.. شعرت به يلوح لي مودعا.
ضمني السيل بين أحضانه, وجرفني معه كفرع شجرة مقطوع.. تلك كانت المرة الوحيدة التي أشعر بها بذلك الشعور.. كان مخيفاً, مخيفاً فعلاَ.. أن يحضنك ذو وجوه متعددة الأحضان, يقلبك على كل الجهات متى يريد, ولكني قلت في نفسي, وأنا مطمئن:كل الطرق تؤدي إلى القبر.
قلت تلك العبارة, وأنا أرى من خلف تيارات المياه الطينية ثوبي المهلهل يهبُّ واقفاً, ويقفز خلفي, ليغطي ما تعرى من جسدي.

أحمد فؤاد صوفي 04-12-2011 12:00 PM

الأديب الكريم مبارك الحمود المحترم

قصتك القصيرة تميزت بإحساس مرهف وجمال نادر . .
كما تميزت بموضوعها غير المطروق بهذا الشكل من قبل . .
كانت اللغة جميلة والتراكيب بسيطة متناسبة . . وكل في مكانه . .
قفلة النهاية أرى أنه لا يمكن الإتيان بأفضل منها . .

عزيزي . .
تقبل تحيتي وتقديري . .
دمت بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **

مبارك الحمود 06-21-2011 08:42 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد فؤاد صوفي (المشاركة 68569)
الأديب الكريم مبارك الحمود المحترم

قصتك القصيرة تميزت بإحساس مرهف وجمال نادر . .
كما تميزت بموضوعها غير المطروق بهذا الشكل من قبل . .
كانت اللغة جميلة والتراكيب بسيطة متناسبة . . وكل في مكانه . .
قفلة النهاية أرى أنه لا يمكن الإتيان بأفضل منها . .

عزيزي . .
تقبل تحيتي وتقديري . .
دمت بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **

أستاذ احمد أشكرك لمتابعتك الجميلة..
وكلماتك فيما كتبت سرتني.

ايوب صابر 06-23-2011 11:01 PM

في كل مرة يدهشني عمق الفكرة للقاص مبارك الحمود التي تعالج قضايا النفس البشرية بعمق استثنائي...ودائما تتطرق الي اليتم واثره على النفس البشرية...فغالبا ما نجد احد الشخوص في قصصه يتيما وله دور رئيسي.

فها هو يصور اثر موقف واحد على تكوين شخص ( في الطفولة ) حينما قام مدير المدرسة بتحقيره امام الزملاء فزاد الطين بله....

كان والده يعامله على انه وجه شؤم تسبب في موت امه وقد رسخ ذلك في ذهنه من خلال ترديد تلك القصة عليه وكان قد استقبله والده بكل برودة حتى انه منحه للممرضة التي باركت في ولادته....

وبسب الفقر وكونه الولد الخامس ثم وكنتيجة لموت امه صار حاله مهلهلا وثوبه وسخا...وكان لاثر يتمه ان عامله الناس اقارب واغراب بطريقة سيئة وكأنه شؤم بالنسبة للجميع...حتى ان مدير المدرسة جعل منه اضحوكة للجميع ففقد جزء من حياته كنتيجة لكل ذلك...وصار يعيش على الحافة كما هم ابطال قصص مبارك الحمود...

لم يعد يشعر بقيمته في المجتمع وصارالموت عنده مطلب فاستغل فرصة حادثة الغرق ليقفز هو ليقوم بواجب الانقاذ... خلع ثوبه المهلهل وقفز في السيل بينما تراجع الاخرون الذين يلبسون الثياب الجميلة غير المهلهلة....وبدأ يغرق وظل الناس يشاهدون غرقه هو ايضا في السيل دون ان يحركوا ساكنا...
ولكن نظرته كانت نحو الثوب الذي كان سببا فيما وصل اليه حينما تعرض لذلك الموقف في المدرسة وكأنه الوحيد ( الثوب ) الذي وقف مودعا وهو دليل على فقدانه للتواصل في المجتمع فلم يهتم به احد سوى ثوبه المهلهل الذي شخصنه مبارك الحمود وكأنه تحول الى انسان صاحب قلب يندفع لانقاذ صاحبه....وهنا تتجلى الفكرة بأن المنتحر هو نتاج سوء المعاملة في المجتمع فهذه القصة دعوة للانتباه لما يشكل نفس الانسان ويدفعه لذلك الشعور بأن لا قيمة له فتصبح الحياة لا قيمة لها...

فضمه السيل بين احضانه وحضنه الموت باحضانه المتعددة..وهنا يعود القاص لشخصنة الموت ويجعل له وجوها واحضان متعددة ...
كان الامر مخيفا بالنسبة لذلك اليتيم لكنه كان مطمئنا لان كل الطرق تؤدي الى القبر....ولم يتعاطف معه في ذلك الموقف الا ثوبه المهلهل....

قصة عميقة جدا ولا ادعي بأنني فهمتها تماما...وسوف اعود لقراءتها مرات وتقديم قراءة اكثر عمقا مبينا عناصر الجمال والتاثير، لكن وفي هذه العجالة ارى بأن الاستاذ مبارك الحمود لديه قدره هائلة على معالجة قضايا النفس البشرية باحتراف شديد، وقصصه جميله بحق، مكثفه ومدهشة وتحتوي على كافة عناصر القصة لكنه يتقن بناء الشخوص في القصة بشكل استثنائي وغالبا ما تكون شخوصه نامية متطورة ودينامكية وتعمل مثل القطب المغناطيسي في توريط المتلقي ليتعاطف معها، وفي الغالب فأن هذه القصص تدعو للحياة من خلال تصوير الم النقيض، وهو - الموت - اي الانتحار باسلوب غاية في التأثير...

- فما رأيكم ايها السادة الافاضل نقاد ومحبي فن القصة القصيرة هنا في هذه القصة؟

ايوب صابر 06-25-2011 06:27 PM

للاطلاع على القراءة النقدية المعمقة لقصص مبارك الحمود انقر هنا لطفا:

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=4825

ايوب صابر 07-04-2011 03:11 PM

قراءة نقدية معمقة لقصة " المهلهل" لكاتبها القاص مبارك الحمود:

كما هي عادته ، لا شك أن القاص مبارك الحمود قد أحسن اختيار الاسم لهذه القصة، والذي جاء على شكل كلمة واحدة " المهلهل" وهي حتما كلمة غنية تعني الكثير، وتثير في ذهن المتلقي الكثير من الأسئلة، والفضول، الذي يدفعه ليتابع القراءة...كما أننا نجد بأن البداية جاءت غاية في الشد والجذب، كونها تتحدث عن حدث غاية في الأهمية والحيوية والحركة، وهو "ولادة مولود كالقمر" مما أضفى على القصة حيوية مهولة من بدايتها.

وتزداد أهمية حدث الولادة هنا عندما نجد القاص في فقرة لاحقة وبعد اسطر قليلة، يتحدث عن نقيض الولادة في استثمار ذكي للتضاد، الذي يترك أثرا مهولا على عقل المتلقي، وذلك حينما يتحدث عن موت الأم التي أنجبت ذلك المولود.

وبذلك نجد أن القاص مبارك الحمود قد محور قصته هذه أيضا حول، ثنائية الموت والحياة، وهي من أهم الأفكار التي تجعل النص عالمي كونه يعالج قضية إنسانية وجودية لها تأثيرها السحري على عقل كل متلقي.

ونجد أيضا أن القاص قد استخدم ومن مطلع القصة لغة الحوار الذي دار بين الأب والممرضة يوم ولادة بطل القصة، وهو عامل آخر إضافي، يدفع المتلقي لان يتورط في الحدث بسلاسة وانجذاب.

كما أن القاص قد اختار هنا أن يسرد القصة علينا باستخدام ضمير المتكلم "هكذا بدأت حياتي" وهو الأسلوب الذي يمنح القصة مصداقية ويجعل الحدث قويا مؤثرا كون أن الراوي عالم بما يقول.

يتبع،،

ريم بدر الدين 07-04-2011 08:56 PM

مساء الورد
استطاع القاص مبارك الحمود في هذه القصة أن يشد انتباه القارىء و عنايته ابتداء من العنوان المتميز و الذي يحمل إسقاطات تاريخية و اجتماعية لشخصية شغلت بال المهتمين بالادب و الشعر العربي و مازالت .. المهلهل .. هنا كانت المراوغة التي فرضها العنوان قد هيأت القارىء لتلقي نص مختلف عن هذا الذي قرأناه و لكن اتخاذه اتجاها مغايرا للمتوقع شكل عامل جذب ..
أيضا كانت عملية السرد عن طريق الاسترجاع مثيرة و متميزة
الأجمل كانت الثيمة الأساسية و المهمة بنظري و التي تحاول سبر غور هذه الشخصية المهمشة التي لا يتطوع الكثيرون للحكي عنها رغم أنها تمثل قطاعا من البشر هم أحوج من غيرهم لتسليط الضوء على معاناتهم
بالمجمل مبارك الحمود قاص يمتلك أدواته المتميزة و لغته و بصمته الخاصة به
تحيتي

مبارك الحمود 07-10-2011 01:39 PM

أستاذ أيوب:
أسعدني حضورك الذي لا يأتي عاديا دائما.
شكرا لحضورك أيها النبيل.

مبارك الحمود 07-10-2011 01:41 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريم بدر الدين (المشاركة 75731)
مساء الورد
استطاع القاص مبارك الحمود في هذه القصة أن يشد انتباه القارىء و عنايته ابتداء من العنوان المتميز و الذي يحمل إسقاطات تاريخية و اجتماعية لشخصية شغلت بال المهتمين بالادب و الشعر العربي و مازالت .. المهلهل .. هنا كانت المراوغة التي فرضها العنوان قد هيأت القارىء لتلقي نص مختلف عن هذا الذي قرأناه و لكن اتخاذه اتجاها مغايرا للمتوقع شكل عامل جذب ..
أيضا كانت عملية السرد عن طريق الاسترجاع مثيرة و متميزة
الأجمل كانت الثيمة الأساسية و المهمة بنظري و التي تحاول سبر غور هذه الشخصية المهمشة التي لا يتطوع الكثيرون للحكي عنها رغم أنها تمثل قطاعا من البشر هم أحوج من غيرهم لتسليط الضوء على معاناتهم
بالمجمل مبارك الحمود قاص يمتلك أدواته المتميزة و لغته و بصمته الخاصة به
تحيتي

أستاذة ريم:
أنت من الادباء الذين أتطلع حضورهم.
حضورك دائما ذكي ولماح.
سلامي لك.

ايوب صابر 07-13-2011 12:38 PM

تابع،،

قراءة نقدية معمقة لقصة " المهلهل" لكاتبها القاص مبارك الحمود:

عندما نبحر في هذه قصة ( المهلهل ) للقاص مبارك الحمود، نجد بأنه قد اختار أسلوب الاسترجاع في سرد قصته، حيث نجد بطل القصة يعود بنا إلى يوم مولده ليصف لنا باستخدام ضمير المتكلم الظروف التي ولد فيها، وكيف كانت ردة الفعل على وصوله خاصة من قبل والده.
ونجد أن القاص قد بدأ قصته بحوار بين الأب والممرضة، ومثل هذا الحوار يدفع المتلقي للتورط في الحدث بسرعة كبيرة. ونجد أن موقف الأب من ولادة ابنه قد جاء مفاجئا، فبينما نجد الناس يرقصون فرحا وطربا لولادة ابن، خاصة إذا كان صبيا، نجد هذا الأب يعرض التخلي عنه للممرضة متسائلا ماذا يفعل به؟ وهذه البداية المغايرة والصادمة تحسب للكاتب، وتعتبر من أهم عناصر الشد للمتلقي..فلا بد أن وراء هذا الموقف قصة تستحق أن تروى.
اقتباس: " مباركٌ, رزقت بمولودكالقمر..قالتهاالممرضة ذات يوم لوالدي..
- ماذا أفعل به, خذيه أنت, اعتبريه هدية, ولتغنيللقمر..
هكذا بدأتحياتي, كنت الطفل الخامس, لعائلة أصبح مالكها الفقر منذ أزمانٍبعيدة. كنت أصيحأحياناً من جفاف ثدي أمي النادر التقامي له, وأحياناً أخرى من جفاففمي..
- يا للسخريةبدأ يتذمر منذ الآن..
يقولها والدي لترد عليه أمي:
- إنه يخبرك مقدارتذمري..
وكانت تلك آخرجملة تنطقها أمي قبل موتها كما يقول أبي, كان يضع اللوم علي, ويسألني "لماذاأتيت؟", وأقول:"اسأل روحك!؟."


ونجد أيضا بأن القصة ككل تبدأ بحدث (الولادة)، ولادة البطل، وتنتهي بحدث (الموت) موت البطل...وفي ذلك استثمار ذكي للتضاد من ناحية وتسخير لثنائية الموت والحياة كفكرة مسيطرة على الحدث في القصة ككل..وهي من أهم الأفكار والأكثر جذبا وأثرا على المتلقي.
ونجد أن القاص بدأ قصته بذكر الرقم خمسة (ألطفل الخامس) في تسخير للغة الأرقام هذه اللغة الكودية الأهم كونها لغة الكون. وفورا يتحدث عن صراع تلك العائلة مع الفقر الذي يمتد لازمان طويلة حتى أن الطفل الوليد كان هو أيضا يصارع من اجل البقاء والحياة كنتيجة لجفاف ثدي أمه، وأحيانا من جفاف فمه هو.
والصراع في القصة عنصر مهم للغاية من عناصر الشد والجذب، كونه يعكس الحياة التي تقوم في كل جوانبها على الصراع، وهو ما يجعل القصة هنا غاية في الحيوية...والذي يزيد حيوية القصة تلك الصورة المهولة التي رسمها قلم القاص لطفل يحاول الرضاعة من ثدي أمه لكنه يصرخ لجفاف ذلك الثدي..ولا شك أنها صورة غاية في التأثير على المتلقي، وهي تورطه عاطفيا مع ذلك الطفل الصغير (بطل القصة) الذي نجد بأن الحدث يتمحور حول حياته من الولادة حتى الممات...هذه الشخصية التي تظل نامية متطورة ديناميكية خلال الحبكة، وهو الأمر الذي يتقنه مبارك الحمود حيث دائما ما نجده يتقن بناء شخصيات قصصه بصورة فذة مما يدفع المتلقي إلى أن يتخذ موقف منها.
ثم نجد القاص يعود للغة الحوار من جديد في الأسطر التالية، وهذه المرة يسرد لنا ذلك الحوار القصير الذي دار بين الأب وألام، فكان دفاعها عن ابنها (المهلهل) آخر ما نطقت به من كلمات قبل موتها، لكن موت الأم لم يحل العقدة التي تشكلت بولادة الطفل، ولم يغير موقف الأب من الطفل، حتى انه صار يعتبر الابن السبب في موت الأم في قصة ظل يرددها الأب للابن طوال حياته مما أسس لصراع آخر في نفس الطفل.
ونجد أن القاص قد شخصن الفقر في هذه الفقرة من القصة وجعله وكأنه يملك العائلة كناية عن تلك الحالة الرهيبة من العوز التي كانت تعاني منها العائلة، كما انه استخدم كلمات تدل على الحواس، وكرر لذلك الغرض كلمة الفم (حاسة التذوق). لكن العناصر الأبرز هنا تظل محورة السرد حول ثنائية الموت والحياة، واستثمار التضاد بين الولادة والموت، إضافة إلى الصراع الرهيب المتعدد الجوانب،.بما في ذلك الصراع الفرويدي الخفي بين الأب والابن حول الأم، والذي ربما يكون احد الغايات من كتابة هذه القصة، حيث نجد الأب يرفض ولادة ذلك الابن الخامس منذ لحظة وصوله.
يتبع،،،

ايوب صابر 07-20-2011 11:12 AM

قراءة نقدية معمقة لقصة " المهلهل" لكاتبها القاص مبارك الحمود:

اقتباس من قصة المهلهل :
لم يكن أبي الوحيد الذي كان يعاملني هكذا, فهناك الكثير من الناس, أقارب وأغراب, ومازلت أتذكر تهكم مدير المدرسة وقوله لي يوما -وهو يقرب شفاهه الثخينة اللزجة من ميكرفون الإذاعة- قبل قراءتي لفقرتي: يجب أن تغير ثوبك المهلهل القذر هذا, النظافة من الإيمان أليس كذلك يا أبنائي الصغار؟, لينظر لي بعدها مبتسما بأسنانه الصفراء المبقعة التي يغطيها العفن.
لم أجبه, فلم أعرف معنى مهلهل, ولكني ضحكت كثيرا على ذلك التعبير, وكان ضحكي يتردد صداه في مكبرات الصوت, فقد تخيلت نفسي ألبس ثوبا من الهللات الحديدية.. أمشي به بثقل وجسدي الضامر يبدو من خلال شقوق التقاء الهللات, سآخذ في كل يوم أجوع به بعضا منها حتى تكتمل الصورة بفقدها من على جسمي جميعا, ضحكت على تلك الكلمة, وتركت المدير جامدا بابتسامته تلك التي استمر عصب فمه مشدودا بها طوال اليوم.

في هذا الجزء من القصة يبدو أن القاص مبارك الحمود يؤكد على الأحداث التي صبغت وشكلت حياة الطفل الراوي في القصة، والتي جاءت في مجملها مسيئة له، فلم يقتصر الأمر على والد بطل القصة، وإنما امتد سوء المعاملة ليشمل أقارب وإغراب.
وهنا نجد مبارك الحمود يستثمر التضاد والذي له اثر كبير على عقل المتلقي. ومن بين الأمور التي شكلت وصاغت شخصية بطل القصة، وكان لها تأثير كبير عليه وعلى تركيبته النفسية اللاحقة، ذلك الموقف الذي تهكم فيه مدير المدرسة على الطفل (المهلهل) وإحراجه أمام أقرانه من الطلاب بطلبه منه ضرورة تغير ثوبه المهلهل، والقذر.
ونجد في هذا الفقرة استثارة لحاستي الذوق والسمع، وذلك من خلال ذكر ( شفاهه وميكرفون وقراءة )، ثم نجد تسخير للتضاد من جديد بذكر (القذر والنظافة)، ثم نجد ذكر للون الأصفر، ومرة أخرى تذكير بالشفاه والأسنان وحاسة الذوق.
ثم من جديد في السطر التالي تسخير للتضاد ( الضحك والصدى) واستثارة لحاسة السمع من خلال ذكر مكبرات الصوت من جديد، واستثارة للمخيلة ( تخيلت )، ثم نجد ذكر للحركة (امشي)، ونجد هنا تصوير جميل وكأن القاص يرسم ذلك الطفل بحاله البائس وثوبه القذر والذي تخيله مكسو بهلالات حديدية، يبدأ في تناولها بدل الأكل أذا ما جاع، لحين أن تنتهي فتكتمل الصورة، وهو حتما وصف مؤثر للغاية تمكن القاص من خلاله من أن ينقل إلينا حالة البؤس والجوع التي كان يعاني منها الطفل والتي أحسن القاص تصويرها.
والضحك والابتسامة والفم كلها تذكر بحاسة التذوق، وهنا ما يشير إلى نقيض الحركة ( جامدا ) وكل ذلك يجعل هذه الفقرة تنبض بالحياة.
وهذه الفقرة هي مؤشر آخر أن القاص مبارك الحمود على دراية حتما بنظرية فرويد والتي تنص أن أحداث الطفولة المبكرة هي التي تصنع شخصية الطفل، ونجد أن مصير هذا الطفل (بطل القصة) قد رسم وحسم من خلال مجموع هذه المآسي التي أصابته منذ يوم مولده.

يتبع،،

ايوب صابر 08-02-2011 03:35 PM

تابع ،،

قراءة نقدية معمقة لقصة " المهلهل" لكاتبها القاص مبارك الحمود:

في هذا الجزء من القصة يصور لنا القاص مبارك الحمود اثر تلك الغربة والاغتراب، التي ألمت ببطل القصة كنتيجة لما لقيه من معاملة ورفض من الأقارب والإغراب، وخاصة ذلك الموقف المزلزل الذي أصابه من مدير المدرسة، فبدأ يشعر ان حياته تنهار، وزاد اغترابه وذلك بتأثير تراكمات ما اصابه منذ مولده، بحيث تساوت لديه قيمة الحياة بالموت، بل بدا له أن الانتحار ارحم من تلك الحياة التعيسة لتكتمل الصورة، صورة حياته التي كانت من بدايتها تعيسة، شديدة الالم.

جزء منحياتي تلك بدأتُ بفقده كتلك الهللات, وأعتقد أن الصورة حان اكتمالها, ولذلك لم أوفرالفرصة حينما أتت.. قررت التطوع لمساعدة غرقى أحد السيول حين رأيت تراجع الجموع المراقبة, وادعيت كاذبا خبرة كبيرة بالسباحة.. نزعت ثوبي المهلهل عني, وقفزت..أناس كثر علىمعرفة كبيرة بهم كانوا يشاهدون غرقي, ونظرت من بينهم إلى ثوبي.. شعرت به يلوح لي مودعا.

وهنا نجد القاص مبارك الحمود وكأنه يصور ولا يكتب، فهو ينقل لنا حالة ذلك البطل من خلال الصورة التي آلت إليه حياته...ولذلك نجد أنفسنا وكأننا نشاهد فلم أو منظر ذلك البطل وهو ينزع ثوبه ويندفع لمساعدة غرقى احد السيول. تلك اللحظة التي تمثل زمن القصة ومكانها ونجد أن كل الأزمان السابقة كانت تهدف إلى خدمة هذه اللحظة من الحدث.

ونجد أن مبارك الحمود يستثير في المتلقي حاسة البصر من خلال استخدامه لكلمة ( رأيت + المراقبة) ، وفي استخدامه لكلمات (نزعت + قفزت ) ما يشير إلى الحركة التي تعطى الحدث حيوية وحياة، ثم يعود لاستثارة الحواس من جديد باستخدام كلمات ( يشاهدون + ونظرت ). ثم نجده يشخص الثوب وكأنه يمنحه الحياة في مقارنة مع الناس الكثيرين الذي كانوا يعرفونه، ولكنهم لم يحركوا ساكنا، لكن ثوبه الوحيد هو الذي بدا له وكأنه يلوح له مودعا، وفي ذلك كناية عن الاغتراب الذي أصاب بطل القصة ودفعه إلى ذلك المصير وهو الارتماء في أحضان الموت ليتخلص من المه، ونجد أن القاص قد استخدم كلمة ( شعرت ) في محاولة منه لاستثارة مشاعر المتلقي أيضا.

ضمني السيل بين أحضانه, وجرفني معه كفرع شجرة مقطوع.. تلك كانت المرة الوحيدة التي أشعر بها بذلكالشعور.. كان مخيفاً, مخيفاً فعلاَ.. أن يحضنك ذو وجوه متعددة الأحضان, يقلبك على كل الجهات متى يريد, ولكني قلت في نفسي, وأنا مطمئن:كل الطرق تؤدي إلىالقبر.
قلت تلك العبارة, وأنا أرى من خلف تيارات المياه الطينية ثوبي المهلهل يهبُّ واقفاً, ويقفز خلفي, ليغطي ما تعرى من جسدي.

ثم نجد أن القاص عمل في بداية هذه الفقرة الأخيرة على شخصنة السيل أيضا وجعله وكأنه شخص يضم البطل بين أحضانه المتعددة... وفي استخدام كلمة ( جرفني ) ما يشير إلى مزيد من الحركة والتشخيص وكأن السيل يقوم بالجرف المقصود ، وفي الفقرة تصوير جميل ومشوق. ثم نجد القاص يحاول استثارة مشاعر المتلقي من جديد باستخدامه وتكراره لكلمات تدل على المشاعر (اشعر + بذلك الشعور + مخيفا فعلا)، وفي وصفه للسيل هنا تصوير جميل حيث يجعله القاص وكأنه كائن أسطوري له عدة وجوه وعدة أحضان وفي ذلك وصف لسطوة الموت وجبروته.

وفي استخدام كلمة ( يحضنك + يقلبك ) مزيد من الكلمات الدالة على الحركة وما يعطي النص مزيد من الحيوية. ونجد أيضا بأن القاص هنا يسخر التضاد لإيقاع مزيد من التأثير على المتلقي فرغم ذلك الجو الرهيب الذي تمكن القاص من رسمه وتصويره ونقله لنا لكننا نجد البطل (مطمئن) لان كل الطرق تؤدي إلى القبر.

وفي السطر الأخير نجد القاص يسخر الحواس باستخدامه كملة ( أرى )، وفي كلمات (تيارات المياه الطينية) ما يشير إلى مزيد من الحركة. وفي هبة الثوب المهلهل مزيد من التشخيص حيث يجعل القاص ذلك الثوب قادر على الوقوف والقفز وفي ذلك مزيد من الحركة وبالتالي الحيوية خاصة ان هبته تأتي في تضاد مع وقوف كل الذين كان يعرفهم دون حراك لنجدته..وهي الإشارة الأخيرة التي تؤكد اغتراب البطل وانفصاله عن المحيط البشري حوله. وفي ذلك تبرير لهذه النهاية التعيسة ( الانتحار ) التي اخذ البطل فيها حياته بيده حيث القي بنفسه إلى أحضان الموت، الذي اطمئن له البطل وقد وجد أن الموت قد أصبح أهون من تلك الحياة.

وهنا تتجلى الفكرة والتي ربما أراد القاص مبارك الحمود إيصالها للمتلقي من وراء هذا النص، وهي إن الانتحار ما هو إلا نتاج سوء المعاملة في المجتمع، وتراكمات هذه المعاملة السيئة، هي التي تدفع الإنسان للانتحار بعد أن يجد نفسه في حالة اغتراب عن المجتمع وانفصال تام عنه.

وكأن هذه القصة دعوة للانتباه لما يشكل نفس الإنسان ويحرك لوعجها، ويدفعه لذلك الشعور بأن لا قيمة له، فتصبح الحياة لا قيمة لها..والموت ارحم.

ولا شك أنها قصة عميقة جدا كونها تعالج البعد النفس لبطل القصة، والذي يظهر واضحا انه ضحية مآسي حياته وما أصابه من سوء معاملة ممن حوله من الناس...

ولا شك أن الأستاذ مبارك الحمود قد نجح هنا أيضا في معالجة جانب من جوانب قضايا النفس البشرية باحتراف شديد، وقد أتقن بناء شخصية بطل القصة، هذا الطفل اليتيم، فجعلها شخصية، متطورة، ودينامكية، وتعمل مثل القطب المغناطيسي في توريط المتلقي ليتعاطف معها، ليوصل لنا الفكرة بطريقة مؤثره.

وفي الغالب إن هذه القصة تدعو للحياة من خلال تصوير الم النقيض، وهو - الموت - أي الانتحار بأسلوب غاية في التأثير. وتوضيح لدور المجتمع في رسم حياة الاخرين.

ايوب صابر 09-26-2012 03:05 PM

اين انت يا استاذ مبارك ومتى سنرى مزيد من قصصك الرائعة.

ايوب صابر 09-21-2016 12:44 PM

ما اخر اخبار الاستاذ مبارك؟ وما هي اخر كتاباته؟


الساعة الآن 08:30 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team