منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الآداب العالمية. (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=38)
-   -   الأدب العبري (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=326)

عبير جلال الدين 08-08-2010 09:31 PM

الأدب العبري
 
الأدب العبري.. المرجعيات - المصطلحات - الرؤى


نادرة هي الكتب والدراسات التي تبحث في الأدب العبري, قياسًا على ما يُبحث ويُنشر حول الشئون السياسية والتاريخية لكل ما يمتّ بصلة إلى اليهود والصهيونية في العصر الحديث, ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب.

مؤلف هذا الكتاب هو حسن حميد, رئيس تحرير جريدة (الأسبوع الأدبي) التي يصدرها اتحاد الكتّاب العرب بدمشق,
وكتابه: (الأدب العبري: المرجعيات - المصطلحات - الرؤى)
صدر في دمشق عن دار السوسن 2001م,

درس فيه المؤلف عدداً من القضايا والمحاور.
تنحصر مرجعية الأدب العبري في أمرين اثنين: ديني يتمثل في التوراة والتلمود, وفكري يتمثل في الرؤى السياسية والاجتماعية والاقتصادية لواقع اليهود ومستقبلهم.
ظهرت هذه الرؤى جليّة في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عُقد في بازل بسويسرا عام 1897م,
مع الإشارة إلى أن الصهيونية وأفكارها لم تكن فكرة اليهود أساسًا, بل كانت فكرة أوربية خالصة, تبنّاها اليهود, فعقدوا لها مؤتمرهم المذكور.

ويعرض المؤلف لأربعة أنواع لأدب اليهود هي:


1- الأدب اليهودي:
الممتد في جذوره إلى التوراة والتلمود, وينقسم إلى قسمين: أدب يهودي قديم, وأدب حديث, وكلا الأدبين, يعتمد أحيانًا إحدى لغتي اليهود: اليديشيّة المعروفة في ألمانيا, واللادينيو لغة يهود إسبانيا.

2- الأدب الصهيوني
, تغْلب عليه الروح الأيديولوجية للصهيونية المتشكلة عقب حركة البروتستانت في أوربا في القرن السادس عشر.

ليس هناك لغة موحدة لهذا الأدب, فهناك الأدب الصهيوني الفرنسي, والإنجليزي والعبري, بحيث لا يفترض بالضرورة أن يكتب هذا الأدب اليهود فقط, فهناك أعمال أدبية صهيونية لأوربيين مسيحيين, كرواية (دانيال ديروندا) للروائية الإنجليزية: جورج إليوت (1819-1880م).

3- الأدب العبري
المكتوب باللغة العبرية, ظهر في أوربا على أثر الحركة البروتستانتية, وينقسم هذا الأدب, جغرافيًا إلى قسمين:

أدب عبري فلسفي كتب قبل قيام الكيان الصهيوني بدءًا من أواخر القرن التاسع عشر, وأدب عبري إسرائيلي كتب في فلسطين 1948م.

4- الأدب الإسرائيلي
محصور ضمن حدود فلسطين, ويتضمن كل الآداب السابقة: فهو أدب يهودي, لأن غالبية كتابه من اليهود, وصهيوني, لاعتماده الأيديولوجية الصهيونية, وعبري, لأنه مكتوب باللغة العبرية الحديثة.

،،

عبير جلال الدين 08-08-2010 09:33 PM

رد: الأدب العبري
 
التبشير بالصهيونية


نشأت البروتستانتية على أثر استفحال نفوذ الكنيسة الكاثوليكية, ولاسيما في فرض تفسير واحد للكتاب المقدس, وفيه إدانة صريحة لليهود بمقتل السيد المسيح.

فرفض البروتستانت - كما يقول المؤلف - هذا التفسير, وغيره من مفاهيم ومعتقدات كاثوليكية, وبَرّأوا اليهود من تهمة قتل المسيح, ودعوا إلى اعتماد الكتاب القديم بكل ما جاء فيه, واعتباره مقدّسًا لا يمكن تجاوزه, فشاعت الأوصاف القديمة لمناقبية اليهود, وحقوقهم وسموّ عرقهم, الأمر الذي تطلّب معرفة الناس باللغة العبرية لإتقان سلوكية الإيمان, وعدم الوقوع في المحرّمات. وبذا تكون البروتستانتية هي التي أوجدت لليهود حضورهم في أوربا والعالم معًا.

نتج عن ذلك أيضًا شيوع الآداب الأوربية التي دعتْ وأوحت باستلهام الموروث الديني اليهودي, وضرورة إيجاد وطن قومي لليهود.

ومن أشهر الأعمال الأدبية التي سارت في هذا الاتجاه المطوّلة الشعرية الذائعة الصيت: (الفردوس المفقود)
للشاعر الإنجليزي جون ملتون (1608-1674م)
(الذي طبّل له العرب وزمّروا طوال أزمان وأحقاب عدة باعتبار كتابته فتحًا إبداعيًا, ومع الأسف لم يكن صنيعه الشعري سوى (الأرض الموعودة) التي تعنى اليهود تمامًا).

ومثل ذلك, دعوات الأديب الإنجليزي ألكسندر بوب (1688-1744م)
المبشّرة بالمملكة اليهودية المستعادة, وقصائد اللورد بايرون (1788-1824م)
الذي بكى طويلاً على فقدان اليهود لوطنهم المقدس, ودعا في غير قصيدة إلى تحرير القدس.

كذلك الشاعران الإنجليزيان وليم ووردزورث (1770-1850) وروبرت براوننغ الذي ألحّ في شعره على ضرورة عودة اليهود إلى فلسطين.

ومثلهم الكاتب الإنجليزي والتر سكوت (1771-1832م) في روايته الشهيرة (إيثنهو), وفي عدد آخر من أعماله التي دعا فيها إلى إيجاد وطن قومي لليهود لأنهم من عرق واحد.


جيمس جويس نموذجًا

توقف المؤلف طويلاً أمام الكاتب الإيرلندي جيمس جويس (1882-1941م) وبخاصة أمام روايته (عوليس) التي احتذى فيها سيرة بطل (الأوديسّة) للشاعر الإغريقي هوميروس, نوجز أهم النقاط والملامح التي اشتملت عليها:

كُتبت الرواية ما بين 1904و1914, ولم تنشر إلا بعد 1922 بعد تشجيع من الشاعر الأمريكي عزرا باوند الذي عرّفه على أديبة فرنسية من أب طبيب يهودي فرنسي, تمتلك دارًا للنشر, كانت قد نشرت منها فصلين في مجلتها, فاشتهرت قبل صدورها لما فيها من مشاهد جنسية على هامش الصراع الذي يعيشه بطلها (ليوبولد بلوم), في سبيل الوصول إلى رغباته وتحقيقها برغم العقبات التي اعترضته.

من حيث الموضوع الرئيس, فقد اشتملت على معظم ما طُرح وقرر في مؤتمر بال 1897, ومن حيث الأسلوب, فهي عصيّة بعض الشيء على الفهم والمتابعة, بسبب ما شاع فيها من فوضى التأليف, وتداخل الزمن, ووعورة لغتها الإنجليزية القديمة, وهي أيضًا قريبة في شذوذاتها ومناخها, من رواية مارسيل بروست: (البحث عن الزمن المفقود) من حيث عدم الحرص على الوحدة العضوية والنفسية للبنية الروائية, كل ذلك جعلها صعبة على القارئ الذي يحتاج لقراءتها إلى كثير من الصبر والعزيمة.

ومع ذلك, فقد أحيطت (عوليس) بكثير من الدراسات والحوارات الساخنة, من قبل نقاد عرب وغربيين طوال نصف قرن, حتى صدور طبعتها الثانية المترجمة إلى العربية 1994م.

وقد حار المؤلف في أمر الضجة والاهتمام الشديد اللذين حظيت بهما الرواية, فوجد أن المقاربة التاريخية ما بينها وبين (يُوليسّيس) الأوديسّة, من جهة, والترويج لقدرات اليهودي ومهاراته وتفوّقه في النهاية بما يمتلك من صبر وإمكانات, وثقة بالنفس, من جهة ثانية, أضف إلى ذلك: المناخ الاغترابي الذي عاشه بطل الرواية (بلوم) وهو ابن رجل يهودي هنغاري, وأدوار الغناء والبغاء التي مارستها زوجته (مولي), كل ذلك أسهم في تحقيق نسبة عالية من إقبال الناس على اقتنائها والنظر إلى بطلها برضى مطّرد.

لقد عني جيمس جويس بتصوير سلوك أبطاله, فسلّط الأضواء على النوازع النفسية والأحاسيس المرهفة, المرافقة لتحرّكات كل منهم, فنرى (بلوم) لا يتوانى عن مساعدة زوجته في إيجاد عشّاق منتقين لها, ونرى زوجته (مُولي) لا تتوانى أيضًا عن منح جسدها برضا تام لمن هُمْ في المراتب الدنيا من السلّم البشري, ممثّلة بذلك الحاضنة الحنون أو (الجسد المشْفق), لكن ذلك لم يكن بدافع إنساني, بل من أجل ما هو أحطّ وأوْضع, أعني المال. وعندما تريد الإنجاب تلجأ إلى زوجها لقناعتها بتفرّده وخصوصيته ونقائه, كما تلجأ إلى صديقه (ستيفان ديدالوس) الذي عشقتْه لأنه يمثل في نظرها ونظر زوجها, طموح العقل وقمة المعرفة.

ويتساءل حسن حميد: لماذا كان بطل جويس يهوديًا?

ويجيب: لم يكن ذلك إلا بسبب الحنين إلى العودة إلى أرض الميعاد بفلسطين, فكان القلق والحيرة والاضطراب والمخاوف الناشئة من طبيعة المجتمع الأوربي المتشدد حيال اليهود, كانت كلها عوامل بحث جادّ وصراع دائم لأجل الخلاص والاستقرار, ولم يسَع جويس إلى تحرير المجتمع الإيرلندي من مآسيه وأحزانه وإحباطاته, بل إلى تحقيق أحلام بطله اليهودي (بلوم).

،،

عبير جلال الدين 08-08-2010 09:35 PM

رد: الأدب العبري
 
كافكا....النموذج الآخر

يحتل الكلام على كافكا في الكتاب مساحة أكبر من أي بحث آخر, حيث عرض لنقاط كثيرة, وطرح مسائل مختلفة تتعلق بسيرته, وأعماله, وعلاقته المتوترة بينه وبين والده, كما تتعلق بأهم عملين أدبيين له هما: (القلعة) و(المسخ).

في الجانب الأول المتعلق بسيرته, يوجز المؤلف حياته كما يلي:
عاش (كافكا) إحدى وأربعين سنة (1883-1924) قضى منها تسعًا وعشرين سنة لم ينشر خلالها أي كتاب, وفي عام 1912 نشر كتابه (تأملات) الذي يضم ثلاثًا وعشرين صفحة فقط, ولم يبع منه في سنته الأولى سوى تسع وستين نسخة, كما لم يبع منه طوال حياته سوى أربعمائة نسخة.

وفي جانب الأعمال الأدبية, فقد انقلبت المقاييس رأسًا على عقب إثر نكسة يونيو 1967فارتفع المبيع إلى الملايين, وبلغ بيع أعماله الكاملة أربعمائة ألف نسخة, باللغة الألمانية.
وسبب الإقبال المدهش:
تحليله العميق لظاهرة القلق عند اليهود, وتبشيره بفكّ طوق الجيتو نحو الوطن التاريخي الموعود.
من هنا تأتي كثرة دراستها وشرحها وتحليلها وفقًا لاتجاهات علم النفس, والفلسفة وتياراتها, ووفقًا للأساطير العبرية, ولمناهج علم الاجتماع والأنثروبولجيا, ولحسن تفهّمها للرسم والموسيقى والدراما, على الرغم من جهل كافكا التام للموسيقى, وعدم اهتمامه بالرسم والسينما.

لقد ساد كتابات كافكا الكثير من الإحباط جرّاء الحديث عن عزلته ووحدته وكآبته وأحزانه وأقداره غير المؤاتية, الأمر الذي انعكس على دراسات أدبه التي سادها الحديث عن الغمّ والحزن والجفاف والقسوة.

فهو يقول في رسالة إلى والده (إنّ الحياة أكثر من لعبة صبر). بالطبع لم يكن يقصد حياته هو, بل حياة اليهود بعامة في المجتمع الأوربي المسيحي, والوصول إلى الاستقلال والثقة والأمان.
عودة إلى التوراة

سبق للمؤلف أن طرح في بداية الكتاب, عناوين المرجعيات والمصطلحات للأدب العبري, وهاهو الآن يوسّع بعض الشيء في هذا الجانب, ويشرح السّمات العامة للأدب العبري, مضيفًا بذلك أبعادًا فنيّة على شيء من التقويم والتوضيح.

فالنصوص الأدبية العبرية على اختلافها, ركيكة البنية, متداعية الأسلوب, باهتة الجمال, بسبب غياب السموّ التعبيري الخالص, وغلبة التفكير العقائدي المفعم بالعدوانية والعنصرية تجاه الغير.

ومن أهم ما يطرحه المؤلف في هذا الجانب, اتجاهات الأدب العبري, وأوصافه.

فأما اتجاهاته فهي خمسة, يؤكد كلٌّ منها ناحية أو رؤية خاصة.

فهناك النزعة العنصرية, وهناك الحض على القوة والعدوانية, وخصوصًا مع العرب, وهناك الإحساس بالغربة والتفاهة إذا كان اليهودي يعيش خارج الكيان الصهيوني, وهناك النظرة الدونية إلى العربي والمسلم, وهناك أخيرًا النظرة الطوباوية إلى أرض الميعاد.

وأما أوصاف هذا الأدب, فنستشعرها, إمّا بظهور الروح البكائية والأحزان المفتعلة, وإمّا بالحديث عن المعاناة التاريخية بدءًا من زمن البابليين, انتهاء بالزمن الراهن, وإمّا بانتحال صفة الضحيّة لليهود عبر التاريخ, وإمّا بإشاعة موضوعات شتى موشّاة بالألوان القاتمة كالقلق, والحزن, والنفي, والغربة, والموت, والحرب والعنف, مما يعرض له المؤلف في الفقرة الأخيرة من الكتاب.
من داخل إسرائيل

بعد أن عرض المؤلف لنماذج أدبية روائية وشعرية لعَلمَيْن كبيرين هما جيمس جويس وفرانز كافكا, شاء أن يتوسّع في هذا الجانب فأتى بأمثلة أدبية أوضح لعدد غير يسير من الأعلام اليهود في أوربا والكيان الصهيوني, فنقع على أسماء بعضها معروف وبعضها الآخر لم يأخذ نصيبًا من الشهرة, وقد نيَّف عددُهم على أربعة عشر كاتبًا وشاعرًا.

يخلص المؤلف إلى جملة فوائد وأفكار لا سبيل إلى تغيُّرها في الفكر اليهودي والأدب العبري, ومنها:

- لا بد من الرجوع دائما - لفهم مسار الحركة الأدبية الصهيونية - إلى الأصل الذي قامت عليه آداب الصهيونية وسياساتها: التوراة والتلمود والأفكار الصهيونية.

- إشكالية الثقافة اليهودية الواحدة بسبب اختلاف ثقافات اليهود الوافدين إلى فلسطين من مختلف بقاع العالم.

- تأصل روح العداوة والعنصرية في الذات اليهودية لكل الشعوب من دون استثناء.

- كل الشعوب في العالم محتقرة في النص الأدبي العبري: (فالعرب فرّارون وخونة وجبناء, والألمان برابرة وقساة, والأتراك مرتشون, واليونانيون أذلاّء, والإنجليز متواطئون, والبولنديون ضعفاء, والفرنسيون ماجنون, أما اليهود فهم الجديرون بالتقدير لأنهم معصومون من العيوب والمذمات). ولا ندري لماذا غاب الأمريكيون عن القائمة?

وصفوة القول في هذا الكتاب القيّم, أنه فتح نوافذ للدارسين كانت مغلقة, بيّن لهم فيها حسن حميد, قصورهم الشديد في الاطلاع الوافي على الأدب العبري, وسطحية نقداتهم ودراساتهم لكثير من الأعمال الأدبية الموسومة, في العمق, بالنزعة الصهيونية والتطرف اليهودي, فإذا بهم - أي نقادنا - يُمجِّدون هذه الأعمال ويرون فيها نماذج بديعة تستحق كل التقدير.

وإن كان لنا من مساءلة, فهي: لماذا لم يذكر لنا ناقدًا عربيًا واحدًا هلل ومجَّد لتلك الأعمال?

ثم نسأل ونلح, ألم تكن هناك أعمال أدبية عبرية اخترقت الثوابت, وجنحتْ إلى شيء من الموضوعية والتجرد? طاب قلمك يا حسن, وإلى نتاج أدبي فكري آخر أعمق, وأشمل!!.


حسن حميد
منقول مجلة العربى
.

عبير جلال الدين 08-08-2010 09:38 PM

رد: الأدب العبري
 
ترى الأديبة الإسرائيلية عينات كوهين:
أن حرب أكتوبر، كانت نقطة تحول درامية مباغتة، ومذهلة، وكأنها مأخوذة من حبكة مميزة.

فقد كانت حرب أكتوبر بحسب رؤية هذه الأديبة زلزالا حقيقيا هز أركان المجتمع الإسرائيلى، لكنه كان زلزالا متوقعا.
وتقول عينات: كم من الوقت يستطيع إنسان، أو شعب أن يجلس ليتثاءب ويسخر من عدوه، ويستهزئ به، كم من الوقت كان من الممكن أن يعيش المجتمع الإسرائيلى بموجب مبدأ أنا ومن بعدى الطوفان.
لقد كانت حرب أكتوبر ردا حادا وقاسيا على الشعور بالتفوق واحتقار الآخر، الذى ملأ صدورنا بعد حرب 67 الانتصار المبهر فى 67،
الذى بدا وكأنه سيناريو سينمائى مأخوذ من أفضل أفلام هوليوود، لم يكن سيناريو صادقا، ولا أمينا، لقد أعمى عيوننا، ونفخ صدورنا، وعطل حواسنا، فلم نفق من سكرة الانتصار التى سيطرت علينا بعد هذه الحرب العجيبة، التى استمرت ستة أيام، وأسفرت عن تغيير دراماتيكى فى الخريطة الجيوبوليتية للمنطقة، وفى العقلية الإسرائيلية فى ذات الوقت.

الآن كيف تناول الأدب العبرى حرب أكتوبر؟
كيف عبر الأدب العبرى عن الزمن الرمزى الذى وقعت فيه الحرب،
وعن هدم كل ما كرسته حرب 67


الأديب الإسرائيلى حانوخ بارطوف::

المعروف بمهارته الفائقة فى نسج الحبكات الأدبية المركبة، والبوليسية أحيانا، فضل أن يكتب يوميات عن الحرب.
لقد كتب الجزء الثانى من كتاب رئيس الأركان الإسرائيلى فى حرب أكتوبر دافيد بن أليعيزر، والذى حل اسم 48 سنة، وعشرين يوما أخرى.
وتناول فى هذا الجزء قصة العشرين يوما التى شهدت حرب أكتوبر
6-10-73 وحتى 25-10-73.
لقد سجل فى هذا الدفتر كل دقيقة، وكل حديث، وكل لفتة، وكل شهادة للتاريخ.
لكن هذا الشكل الوثائقى التفصيلى نفسه، وبقلم أديب، يعكس إلى أى مدى كانت قصة حرب أكتوبر قصة صارخة، وأقوى من خيال المبدع والأديب،
الذى وقف أمامها مكتوف الأيدى، ولم يملك سوى أن يسجلها بقلمه فى شكل يوميات حربية.


أما رواية نار::

فهى رواية وثائقية أيضا، كتبها الأديب الإسرائيلى الشهير " يوفال نريا"
الذى فضل أن يكتب على غلافها الخارجى : كثير من الأحداث التى وردت بين ضفتى هذا الكتاب حدثت فى الواقع كما هى، لكن جميع الشخصيات من وحى خيال المؤلف.
بعبارة أخرى حتى يوفال نريا لم يكن فى حاجة لنسج أحداث عن حرب أكتوبر من خياله.
ولذلك لا يدافع إلا على عنصر الشخصيات فى عمله الأدبى لأنهم من وحى خياله

ورواية نار تعتبر شهادة تبعث بقشعريرة فى الجسد خاصة فى الأجزاء التى تصور فيها غطرسة القيادات العليا فى الجيش الإسرائيلى، وشعور صغار الضباط الأكيد بحجم الكارثة التى توشك أن تحل بهم.
وكيف رفضوا أن يطلبوا إجازات عيد الغفران على الرغم من التقرير الواضح الذى نشرته المخابرات الحربية أمان وجاء فيه:" لن تقع حرب فى يوم الغفران" .
وعندما تصور الرواية المعركة التى خاضها هؤلاء الضباط بمفردهم ضد الجيش المصرى فى الأيام الأولى للحرب، وعن عودتهم إلى الجبهة الداخلية، ليجدوا الجميع يتنكر لهم، ويرفض مجالسة المهزومين.
بطل الرواية" يائير نائب" قائد الوحدة العسكرية، أخذ يلوم نفسه وهو طريح الفراش فى المستشفى العسكرى: لقد كنت أعرف أن الحرب ستقوم، كنت واثقا، وعامير أيضا كان واثقا، لكنى لم أمتلك الشجاعة، لأذهب إلى قادتى ورؤسائى، إلى رئيس الأركان إذا استلزم الأمر، وأن أكلمهم جميعا، إذا استلزم الأمر، وأقول لهم أنتم عميان، وطرشان، الحرب تدق الأبواب، لكنى لم أذهب، ولم أصرخ بأعلى صوتى، ولم أنبس ببنت شفة، ومع ذلك مازلت على قيد الحياة، سأظل أحمل الذنب مثل قابيل، ولن يسعفنى أى شيء فى هذا العالم.
لقد كان الشعور بالذنب هو أقوى المشاعر التى سيطرت على المقاتل الإسرائيلى، الجنود والضباط الذين نجوا من هذه الحرب على حد سواء.
لقد ظلوا على قيد الحياة، بينما لقى العشرات، بل المئات من زملائهم مصرعهم دفاعا عنهم. وظلت علامة العار مطبوعة على جبينهم، وفى وعيهم الذاتى، وفى نظرة المجتمع إليهم، وخاصة أقارب المتوفين والمفقودين: الآباء، والأمهات الثكلى، والنساء الأرامل، والأيتام.


،،

عبير جلال الدين 08-08-2010 09:40 PM

رد: الأدب العبري
 
الأديب الإسرائيلى " إسحاق بن نير" ::

كتب قصة قصيرة عنوانها " نيكول"
عن هذا الشعور بالذنب الذى سيطر على الجنود الناجين
من حرب أكتوبر مثل شبح الموت،

"باركو" بطل القصة لم يكن مثل يائير، وعامير وعيران أبطال رواية نار اللذين تصادف وجودهما على الضفة الغربية من القناة عندما اندلعت حرب أكتوبر، ووقعا فى الفخ.
" باركو" قائد لواء فى سلاح المدرعات، كان فى أحضان عشيقته نيكول فى فندق ببئر سبع، يوم السبت السادس من أكتوبر.
لقد كان ذنب يائير أنه ضابط صغير يشعر بالمسئولية لأنه نجا من الموت،
بينما مات أعز أصدقائه.
أما جريمة باركو فكانت أفظع عشرات المرات،
وظلت عشيقته نيكول تنتقم منه من خلال استثارة الشعور بالذنب لديه،
تجاه ضباطه وجنوده، الذين صرخوا يطلبون نجدته، دون جدوى:
لقد ظل " الضابط يوناتان " ينادى عليه فى جهاز اللاسلكى لمدة 39 ساعة،
حتى فرغت بطاريته من الصواريخ وانقض عليه المصريون.
قصة نيكول، مجموعة غروب الشمس ص 136.
أن مؤلف القصة الذى أصر على أن يكون المكان الذى يقضى فيه القائد باركو إجازته وقت اندلاع الحرب هو فندق يستقبل العشاق، لا يقصد به أن الحرب نشبت فجأة، وضبطت القادة الإسرائيليين غير مستعدين، ولكن يريد أن يشير بأصابع الاتهام لانعدام الشعور بالمسئولية فى صفوف القيادات العليا بالجيش الإسرائيلى، والغرور الذى سيطر على تصرفاتهم، وسلوكهم، والذى نبع فى الأساس من ثقة بالنفس مبالغ فيها، وعقلية كله تمام.


الأديب الإسرائيلى " أ. ب. يهوشواع " شدد كذلك فى رواية" السيد مانى"
على أن المقاتل الإسرائيلى" رونى" لقى مصرعه فى اليوم السادس لحرب 67 متوقعا أن الانتصار المفاجئ فى 67 سيجر هزيمة مباغتة فى 73
ويوفال نريا فى رواية نار يبدأ عملية السرد والوصف فى الأيام الأربعة السابقة على الحرب،

ويورد نص خطاب أرسله جندى اسمه" عيران"
لأسرته فى صباح السادس من أكتوبر جاء فيه:

" سيناء، السادس من أكتوبر، الساعة ال11 ظهرا، إلى ابى ، وأمى، ونيريت الأعزاء.
- عيران الذى سيلقى مصرعه بعد ثلاث ساعات فى الحرب التى ستندلع على ضفة القناة، سيموت فى نفس المكان الذى جلس يكتب فيه الخطاب، - يطلب فيه من أبويه أن يشتريا وترا للجيتار الخاص به، لم يكن يعلم أن شبح الموت يزحف نحوه، ويوشك أن ينقض عليه .

،،

عبير جلال الدين 08-08-2010 09:42 PM

رد: الأدب العبري
 
لقد كان الأدب الإسرائيلى من أهم المرايا التى عكست انتصار حرب أكتوبر، والزلزال النفسى والاجتماعى الذى ضرب الوعى الجمعى الإسرائيلى ففى
رواية التعرف على امرأة، للروائى الإسرائيلى" عاموس عوز"
يرد ذكر حرب أكتوبر بشكل غير مباشر. يوئيل رافيد، بطل الرواية التى تدور أحداثها فى
ال 80، جاسوس متقاعد،
يقرأ مذكرات رئيس الأركان السابق دافيد بن أليعيزر، ويصل للنقطة التى يمتدح فيها رئيسه وضابط تشغيله فى الاستخبارات:
لأنه كان من القلائل الذين حذروا من خطر اندلاع الحرب قبل وقوعه
ا تعرف على امرأة ص 90.
هنا يصر الأدباء الإسرائيليون على أن الحرب كانت متوقعة، لكن القيادات العسكرية، والسياسية لم تكن تريد أن تعرف ذلك

هناك روايتان مهمتان أيضا تلعب فيها حرب أكتوبر دورا محوريا ::
1- رواية العاشق للأديب" أ.ب. يهوشواع "
2- ورواية بيت شخص آخر" لإسحاق أورباز"

، ورواية ريش لحاييم بئير التى تحكى قصة الصداقة المتينة التى تجمع بين طفل، ورجل غريب الأطوار، ويقال إنه مجنون يدعى" مردخاى لادر".
الصداقة تنشأ بينهما فى القدس بالخمسينات، على الرغم من معارضة والدى الطفل.
ولكن الطفل أصبح كاتم أسرار مردخاى لادر الذى يحلم بتكوين جيش يوزع الغذاء.
وهو حلم مستوحى من فكرة لفيلسوف يهودى نمساوى يدعى" جوزيف بوبار"
الذى سعى للتمييز بين الاحتياجات الأساسية للإنسان، وبين الكماليات،
وطالب أن تتولى الدولة توزيع الغذاء على الأفراد،
وأن يتولى المهمة جيش نظامى تشرف عليه.
لكن الصلة بين الطفل ولادر تنقطع عندما يدخل مستشفى للعلاج النفسى بسبب فكرته العجيبة، ولا يكف الطفل الفضولى عن البحث عن لادر.
ويهتم كذلك بمعرفة ما حدث لصديقه فى آخر حياته، خاصة أن شائعة
انتشرت فى القدس تقول إنه تزوج من فتاة يمنية الأصل، وأنجب منها طفلا.
وعند انتهاء حرب أكتوبر، وبعد عشرين عاما،
وفى هذه الظروف المأساوية تأكدت الشائعة.

والقصة كلها، تدور على خلفية أن الطفل الصغير كبر، وصار جنديا فى الحاخامية العليا بالجيش، وكلف هو ورفاقه بمهمة جمع رفات الجنود الإسرائيليين من الضفة الشرقية للقناة. أثناء محادثات فصل القوات التى دارت بين مصر وإسرائيل عند الكيلو 101 وواصل جنود الحاخامية بحثهم عن المفقودين نهارا، والقيام ليلا فزعا من الكوابيس.

وفى أحد الأيام رن التليفون الذى يحمله الجنود فى منطقة فايد، ومن على الطرف الآخر جندى يطلب مساندة عند الفنارة، وتمنوا أن يكونوا قد عثروا على آخر المتغيبين،
وعندما وصلوا إلى المكان، اكتشفوا أنه ليس أحد المفقودين،
ولكنه قتيل آخر انضاف للقائمة الطويلة.
ثلاثة سائقين على شاحنة عسكرية إسرائيلية نزلوا
للاستحمام فى البحيرة رغم التحذيرات التى تقول إن الشواطئ ملغمة.
وخرج اثنان منهما ينزفان دما، وأحدهما انقطعت رجله، أما الثالث فقد لقى حتفه.
وقام الراوى وزميله بانتشال جثة القتيل من المياه،
وصورته ستبقى مطبوعة فى ذاكرتهم للأبد، بطنه مبقورة، وساقاه متهرئتان، لكن خصلات الشعر التى تتدلى على وجهه الأسمر، تنطق بالحياة. ريش ص 247.
وعندها يتبين للراوى أن القتيل هو ابن صديقه القديم مردخاى لادر، وينسدل الستار على الشائعة التى تقول إن لادر أنجب طفلا قبل أن يصاب بلوثة عقلية
ويختفى من القدس فى ال 50 هذا الابن سجل نفسه فى السجلات العسكرية باسم جوزيف بوبار لادر، لكن أمه غيرت اسمه إلى يوسف شيلح،
قتل كما هو متوقع على شاحنة نقل عسكرية، تنقل الغذاء، ليكون آخر دليل على فكرة جيش الغذاء النظامى الذى دعا أبوه إليه.
وبوفاة الابن ماتت الفكرة، وتلاشت السلالة.
لكن الراوى يؤكد أنه مات بلا داعى، كان من الممكن إنقاذه،
لقد نزل إلى حقل ألغام بحرى، دون أن يراعى الأوامر العسكرية،
لقد ورث الجنون عن أبيه، شأنه شأن دولة إسرائيل كلها،
التى كانت تعلم أن حرب أكتوبر 73 كانت حربا حتمية،
ولكنها رفضت كل المبادرات، وأصرت على المشى فوق الألغام بإرادتها الكاملة.

محمد عبود
جريدة العربي

،،

عبير جلال الدين 08-08-2010 09:44 PM

رد: الأدب العبري
 
حرب أكتوبر فى الخطاب السياسى الإسرائيلي

فى ظل الأهمية التى يوليها المجتمع الإسرائيلى للحرب ولبطولة المحاربين، لم يكن من السهل على هذا المجتمع الاعتراف بالهزيمة فى حرب أكتوبر.
ومن هنا فقد لجأ قادة هذا المجتمع إلى تحاشى استخدام تعبير الهزيمة.
واستبدلوه بتعبيرات أخري، مثل التقصير والزلزال والصدمة وما إلى ذلك.
وقد شاع استخدام تعبير محدال، والذى يعنى التقصير،
فى الخطاب السياسى الإسرائيلى بشكل خاص للتدليل على الهزيمة فى حرب أكتوبر.
كما أن كل من يتحدث عن الحرب، لا يذكر كلمة الهزيمة بصراحة.
وأقصى ما يصل إليه هو أن يقول ما حدث فى الحرب.
ويأتى هذا الحظر، على الاستخدام الصريح لتعبير الهزيمة، فى إطار نوع من الالتزام الأيديولوجي، المفروض على أفراد المجتمع الإسرائيلي، والذى يجعلهم يمتنعون عن الحديث فى أمور معينة ومن بينها الهزيمة فى الحرب.

ورغم هذا فقد أدت حرب أكتوبر إلى شيوع تداول بعض المصطلحات الانهزامية فى المجتمع الإسرائيلى ومن بينها مصطلحات نفسية، تستخدم لوصف حالة الجنود الذين عانوا من صدمة نفسية نتيجة للحرب، والذين امتلأت بهم المستشفيات ودور النقاهة، وظلوا لسنوات طويلة يتلقون علاجا نفسيا مكثفا ، لعلاج أعراض صدمة القتال. ومن بين هذا المصطلحات صدمة القتال، وإنهاك المعارك، والاستنزاف وغيرها .

تدل هذه المصطلحات، وغيرها من المصطلحات التى شاعت فى الخطاب السياسى الإسرائيلى بعد حرب أكتوبر، على فشل آليات الدفاع النفسي، التى طورها المتخصصون فى المجتمع الإسرائيلي، لمساعدته عل التغلب على آثار صدمة الحرب.

وبالتالى يمكن القول بأن حرب أكتوبر كان من أكثر الحروب تأثيرا على المجتمع الإسرائيلي، ويمكن فى هذا الصدد أن ننقل ما قالته الباحثة والأخصائية فى التحليل النفسى عدنا لومسكي (فى بحث منشور فى العدد الحادى عشر من مجلة النظرية والنقد عام1977، والتى تصدر عن معهد فان لير بالقدس)

حيث تقول:
فى ظل الأهمية التى يوليها المجتمع الإسرائيلى للحرب ولبطولة المحاربين، لم يكن من السهل على هذا المجتمع الاعتراف بالهزيمة فى حرب أكتوبر.
ومن هنا فقد لجأ قادة هذا المجتمع إلى تحاشى استخدام تعبير الهزيمة.
واستبدلوه بتعبيرات أخري، مثل التقصير والزلزال والصدمة وما إلى ذلك.
وقد شاع استخدام تعبير محدال، والذى يعنى التقصير، فى الخطاب السياسى الإسرائيلى بشكل خاص للتدليل على الهزيمة فى حرب أكتوبر.
كما أن كل من يتحدث عن الحرب، لا يذكر كلمة الهزيمة بصراحة.
وأقصى ما يصل إليه هو أن يقول ما حدث فى الحرب. ويأتى هذا الحظر، على الاستخدام الصريح لتعبير الهزيمة، فى إطار نوع من الالتزام الأيديولوجي، المفروض على أفراد المجتمع الإسرائيلي، والذى يجعلهم يمتنعون عن الحديث فى أمور معينة ومن بينها الهزيمة فى الحرب. ورغم هذا فقد أدت حرب أكتوبر إلى شيوع تداول بعض المصطلحات الانهزامية فى المجتمع الإسرائيلى ومن بينها مصطلحات نفسية، تستخدم لوصف حالة الجنود الذين عانوا من صدمة نفسية نتيجة للحرب، والذين امتلأت بهم المستشفيات ودور النقاهة، وظلوا لسنوات طويلة يتلقون علاجا نفسيا مكثفا ، لعلاج أعراض صدمة القتال.

ومن بين هذا المصطلحات صدمة القتال، وإنهاك المعارك، والاستنزاف وغيرها .
تدل هذه المصطلحات، وغيرها من المصطلحات التى شاعت فى الخطاب السياسى الإسرائيلى بعد حرب أكتوبر، على فشل آليات الدفاع النفسي، التى طورها المتخصصون فى المجتمع الإسرائيلي، لمساعدته عل التغلب على آثار صدمة الحرب.
وبالتالى يمكن القول بأن حرب أكتوبر كان من أكثر الحروب تأثيرا على المجتمع الإسرائيلي،
.
،،

عبير جلال الدين 08-08-2010 09:46 PM

رد: الأدب العبري
 
ويمكن فى هذا الصدد أن ننقل ما قالته الباحثة والأخصائية فى التحليل النفسى عدنا لومسكي (فى بحث منشور فى العدد الحادى عشر من مجلة النظرية والنقد عام1977، والتى تصدر عن معهد فان لير بالقدس) حيث تقول:

إن طبيعة الحرب على المستوى الإسرائيلى تعنى إذن وجوب أن تعود الحياة بعد الحرب إلى مسارها المعتاد ، وتقاس قدرة المجتمع الإسرائيلى على الصمود والاستمرارية بناء على قدرته على الاستمرار فى الحياة كالمعتاد بعد نهاية الحرب، ولدى هذا المجتمع آليات ثقافية واجتماعية تهدف إلى الحد من تأثير الحرب،
ومنعها من إعادة تشكيل توجهات المجتمع... تقوم هذه الآليات بتوجيه الجدل المطروح حول الحرب، والنقد الموجه إلى نتائجها، فى اتجاه يسمح للفرد بالتجرد من مشاعر الذنب، والاستمرار فى حياته الشخصية كالمعتاد، وبشكل يكفل إحكام الرقابة على الأصوات الأخرى ووجهات النظر المخالفة، فى الجدل الدائر حول الحرب.

الآثار الثقافية والاجتماعية لحرب أكتوبر:

أبرزت حرب أكتوبر العديد من الظواهر السلبية، التى أثرت بشدة فى المجتمع الإسرائيلي، رغم وجود الآليات سالفة الذكر.
وقد بدأ بعض هذه الظواهر فى الظهور أثناء الحرب، بينما ظهر البعض الآخر فى وقت لاحق. ومن أبرز هذه الظواهر ظاهرة التعبير عن رفض التورط فى حرب،
كان من المملكة تلافيها، عن طريق القيام ببذل بعض الجهد. وقد عبر بعض الجنود عن هذا الرفض، أثناء الحرب، بشكل أدبي.
وربما كان أبرز ما نشر، فى أثناء الحرب، قصيدة أرسل بها أحد الجنود الإسرائيليين، من موقع فى منطقة عيون موسي، إلى مجلة باماحانيه الناطقة بلسان الجيش الإسرائيلي، ونشرت بتاريخ 82/11/3791. جاءت هذه القصيدة كتعليق ساخر على أغنية إسرائيلية، تقول كلماتها: أعدك يا طفلتى الصغيرة أن هذه ستكون الحرب الأخيرة.


وكتب الجندى على نفس النمط يقول :

كنت طفلة صغيرة وكنا فى حرب 1948،
عندما غنيت لي:
أعدك أن الأمور ستكون على ما يرام.
ارتديت الزى العسكري.
وألفت لى أغنية.
ووعدتنى أن هذه هى الحرب الأخيرة.
قلت لى وقتها.
سترين يا صغيرة، أن هذه ستكون الحرب الأخيرة.
ومرت بضع سنين.
وعدت مرة أخرى للحرب.
فى معارك سيناء وحرب 1956.
ومرة أخرى كتبت لى أغنية ذاع صيتها.
واشتريت اسطوانة - ثم أخري.
لأنك وعدتنى مرة أخري:
سترين يا صغيرة، أن هذه ستكون الحرب الأخيرة.
وذهبت مرة أخرى إلى الحرب والدماء.
وكتبت لى قصيدة جديدة، متفائلة وبريئة،
طبعت على الفور فى كل دواوين الشعر.
ووعدتنى مرة أخرى وقلت:
سترين يا صغيرة، أن هذه ستكون الحرب الأخيرة.
وهكذا وصلنا إلى حرب أكتوبر.
وسارعت مرة أخرى إلى تأليف المزيد من القصائد.
ومرة أخرى قلت لي:
يا طفلتى الصغيرة.
أنا الآن كبيرة.
ولم أعد أصدق.
إن كان لابد إن نحارب فلنفعل ذلك.
ولكن على الأقل، يمكنك أن تتوقف عن كتابة القصائد وإطلاق الوعود.

،،

عبير جلال الدين 08-08-2010 09:49 PM

رد: الأدب العبري
 
تأثير حرب أكتوبر على الرواية الإسرائيلية:

تعتبر رواية الحرب من أكثر الأنواع الأدبية انتشارا فى الأدب العبري،
الذى كتب فى فلسطين بعد عام1948.
حتى ذلك العام لم يعرف الأدب العبرى سوى رواية واحدة يمكن أن تسمى رواية حرب وهى رواية الجنون الكبير (1919) للكاتب أفيجدور هامائيرى (1970 - 1980).
وقد ازداد عدد الروايات العبرية التى تتناول كل حرب من الحروب العربية الإسرائيلية حسب النتائج التى حققتها إسرائيل فى هذه الحرب.
وعلى سبيل المثال ففى السنوات التالية لحرب 1948 كتب عنها أكثر من عشرين رواية، أوردها الباحث الإسرائيلى ميشكا بن دافيد فى كتابه من بليشت حتى تسكلاج، وهو كتاب عن رواية حرب 1948.
وفى الوقت الذى تناقص فيه عدد الروايات التى تناولت حرب 1956 على سبيل المثال بسبب عدم قناعة المجتمع الإسرائيلى بالنتائج التى حققها الجيش الإسرائيلى فيها تزايد عدد الروايات التى تناولت حرب1967، سواء تلك التى اعتبرتها حرب تحرير أو تلك التى تناولت الأبعاد السلبية للحرب، وتأثيراتها السلبية على المجتمع الإسرائيلى واعتبرتها أفسدت هذا المجتمع.
أما بالنسبة لحرب 1973 فيمكن حصر ثمانية روايات تناولت الحرب كموضوع لها وهي:

1 - رواية حرب جميلة (1974) للكاتب دان بن آموتس (1924 - 1989):

وهو كاتب وصحفى ولد فى بولندا وهاجر إلى إسرائيل فى طفولته.
يزعم الراوى فى هذه الرواية - باعتباره المؤلف الضمنى لها -
انه تلقى بعد الحرب بفترة بسيطة طردا به وثائق مكتوبة بخط اليد، كتبها صديق له، وهو جندى لقى مصرعه فى الحرب.
ويذكر أن الطرد كان به مقالة نقدية وقصة ورواية وخطاب شخصى من الجندى إلى الراوي، يطلب فيه منه نشر هذا الكلام.
ويعبر الراوى عن تضامنه مع أغلب ما ورد فى هذه الوثائق.
ويقرر أنه سينشرها بعد إعادة تحريرها.
ويستخدم الراوى القصة كمحور للعمل.
ويضيف إليها فقرات أخري.
ويخصص الراوى أغلب المادة الروائية لوصف مشاهد من الحرب، ولطرح أفكار ومشاعر تثيرها الحرب لديه، بشأن معنى الحياة على وجه العموم، ومعناها فى إسرائيل بشكل خاص. غير أن اللافت للنظر أن هذه الرواية، وإن كانت قد كتبت بتأثير من حرب أكتوبر، إلا أنها لا تتحدث عن هذه الحرب تحديدا .
وإنما تتحدث عن حرب أخرى خيالية، يحقق فيها العرب انتصارا ساحقا على إسرائيل، ويصلوا إلى تل أبيب، فيمارسوا أعمالا انتقامية، ردا على ما تعرضوا له من تنكيل وجرائم على أيدى الإسرائيليين. وقد كانت هذه الرواية بمثابة بداية هجوم عنيف على النظام السياسى فى إسرائيل، الذى كان السبب فى حرب أكتوبر .

2 - رواية العاشق (1977) للكاتب إبراهام ب. يهوشواع (1936)
تتناول الرواية قصة آدم الإسرائيلى الذى يبحث عن عشيق زوجته ويدعى جبريئيل، والذى فقد منذ ذهب لتسليم نفسه فى الجيش كجندى احتياط فى حرب أكتوبر، دون أن يرد إليه استدعاء. وقد فعل جبريئيل ذلك تحت ضغط معنوى من أسرة آدم، حيث أن الاستدعاء لم يرد إليه، نظرا لأنه لم يسجل نفسه فى مراكز التجنيد عند قدومه إلى إسرائيل.
كان هذا الجندي/العاشق قد نزح من إسرائيل فى وقت سابق، ولكنه عاد إليها طمعا فى إرث سيرثه عن جدته التى كانت فى حالة احتضار.
ومن الجدير بالذكر هنا أن الإرث المذكور عبارة عن بيت عربى قديم.
ويشير هذا الإرث إلى الطبقة التى تذهب إليها فى النهاية أملاك العرب، التى طردوا منها بعد حرب 1948.
يتناول الحدث فى الرواية فترة الأسابيع التالية لحرب أكتوبر وذلك من خلال قصة إحدى الأسر اليهودية المفككة، التى قام عائلها آدم باصطياد عشيق لزوجته مستغلا حاجته المادية.
وقد كتب الكاتب هذه الرواية فى صورة مونولوجات صادرة عن ست شخصيات تعرض الأحداث من وجهات نظر متعددة وتمثل كل منها إحدى الجماعات فى المجتمع الإسرائيلي. وتصل الرواية إلى ذروتها بحكاية جبريئيل، التى يروى فيها عن فترة ذهابه إلى الجبهة، وهروبه من الميدان واعتباره من مفقودى الحرب.
وعندما يقابله آدم بالصدفة يكتشف ما حدث، ويكتشف انضمامه لطائفة اليهود المتدينين الأرثوذكس فى القدس، والتى لا تخدم فى الجيش أساسا ، بحجة أنها من حملة التوراة.
ويحكى جبريئيل لزوج عشيقته آدم عن سوء المعاملة التى تلقاها لدى وصوله إلى مركز التعبئة من جانب الضابط المسئول، الذى بدا له أنه يسعى إلى إهلاكه بإرساله إلى الميدان، دون أن يكون لديه علم بالحرب ودون أن يتلقى أى تدريب على الأعمال العسكرية.
وعلى الجانب الآخر يبدو لنا العاشق الآخر نعيم وهو عربى يعشق ابنة آدم وكأنه أيضا أحد المرشحين لتلقى إرث آدم .
فالنزاع هنا لا يدور بين العرب والإسرائيليين ولكنه يدور بين اليهود الذين لا يقيمون فى إسرائيل والذين يمثلهم جبريئيل وبين العرب الذين يسعون إلى استرداد أرضهم والذين يمثلهم نعيم وتبدو لنا محاولة آدم لإعادة نعيم إلى قريته فى نهاية الرواية وكأنها محاولة لإقصاء العرب عن مراكز السيطرة فى المجتمع الإسرائيلي.

،،

عبير جلال الدين 08-08-2010 09:52 PM

رد: الأدب العبري
 
3 - رواية ملاذ (1976) للكاتب سامى ميخائيل (1926)

تتناول الرواية العلاقات بين أعضاء إحدى الخلايا الشيوعية التى تضم عربا ويهود فى حيفا فى الأيام الثلاثة الأولى للحرب ، مع شرح مواقفهم المتناقضة منها.
فى هذه الرواية يطلب مردوخ اليهودى العراقى من زوجته شولا عشية عيد الغفران استضافة اثنين من أصدقائه العرب الأعضاء فى التنظيم الشيوعى الذى ينتمى إليه.
الأول هو فؤاد العربى المتزوج من يهودية وله منها ابنان، أحدهما يعتبر نفسه عربى والآخر يعتبر نفسه يهودي.
والثانى فتحي، الشاعر الفلسطينى الشاب.
وعندما تندلع الحرب يضطر فتحي بناء على تعليمات التنظيم إلى الاختفاء فى بيت مردوخ خوفا من الاعتقال، وفى نفس الوقت يترك مردوخ زوجته لترعى ابنهما المتخلف عقليا ويذهب ليلبى نداء الاستدعاء للخدمة فى الاحتياط وفى مرحلة معينة تعتقد شولا أن زوجها قد مات.
ويظن فتحي أن انتصار العرب الوشيك سيكون ساحقا للدرجة التى تجعلهم يصلون إلى تل أبيب. ويعرض على شولا أن تترك البيت وتذهب معه ليوفر لها الملاذ الآمن كما فعلت معه.
ولكنها ترفض لأسباب أيديولوجية.
وهو ما يوحى ضمنيا باستحالة التعايش بين اليهود والعرب.


4 - رواية ريش (1979) للكاتب حاييم بئير (1945)

تعتبر هذه الرواية فى الأصل رواية ذكريات تتناول الهوة التى تفصل بين المثاليات وبين الواقع السياسى لدولة إسرائيل بعد حرب أكتوبر غير أن ما يضفى عليها طابعا خاصا هو أن الرواية هنا تأتى من وجهة نظر جندى عمل فى الفترة الأخيرة من الحرب وفى الفترة التالية لها فى البحث عن جثث الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا فى الحرب فى منطقة فنارة.
وكانت فنارة تظهر فى أحلامه كالكابوس.
وتأتى إفاقة هذا الجندى عندما يكتشف أن إحدى الجثث التى انتشلتها وحدته من مياه القناة هى جثة ابن صديق لأسرته ، حيث يكتشف هنا أن قتلى الحرب ليسو مجرد أرقام ترد فى إحصائيات وبيانات وزارة الدفاع.
وأن لكل منهم أب وأم وأقارب وأصدقاء وزوجة وأولاد سيفتقدونه إلى الأبد.
وفى نقطة معينة يتذكر قول صديق له بأن الناس يدفنون رؤوسهم فى الرمال ولا يريدون موجهة المشكلة ويستمتعون بدفء الأوهام الذى يشعرهم بالهدوء.
وهو ما يجعل القارئ يتذكر كيف دفنت الحكومة الإسرائيلية رأسها فى الرمال كالنعامة،
ولم تر أيدى العرب الممدودة بالسلام،
ولم تر فى نفس الوقت التجهيزات التى كانت تدور على قدم وساق للحرب من أجل تحرير الأرض العربية.


،،

عبير جلال الدين 08-08-2010 09:54 PM

رد: الأدب العبري
 
5 - رواية رحلة فى آب (1980) للكاتب أهارون ميجيد (1920)

تعالج الرواية حكاية دانيئيل لفين الذى سافر إلى الولايات المتحدة بعد مقتل ابنه الأكبر نوني فى حرب أكتوبر.
يضطر لفين إلى العودة إلى إسرائيل، التى يعتبرها مصدر كل سوء، لكى يبحث عن ابنه الأصغر جيدي، والذى هرب من الخدمة العسكرية.
وفى أثناء البحث عن الابن المفقود يجد الأب نفسه يسير فى نفس مسار الرحلة التى قطعها من قبل إلى ميدان القتال، الذى لقى فيه ابنه الأكبر مصرعه.
فى الرحلة الأولى كان الأب بصحبة مجموعة من الآباء الذين فقدوا أبناءهم، والذين حملتهم الحافلة إلى موقع وحدتهم فى سيناء.
وفى الرحلة الأخيرة يلتقى الأب فى الطريق بضابط شاب، يشعر فى قرارة نفسه أنه البديل لابنه الميت.
ويؤدى التطابق بين مسار الرحلتين أيضا إلى لفت الأنظار إلى الفارق بين الشقيقين، الابن الأكبر الذى حارب ولقى مصرعه لمجرد أن يثبت لأبويه أنه قادر على أن يكون مقاتلا، وكأن الأبوان هما اللذان ضحيا به، والابن الأصغر الذى هرب من الجيش ليعيش، والذى يحاول تعويض نفسه عن الهروب من الجيش بالقدوم إلى أحد شواطئ سيناء،
ليقنع نفسه بأنه يعارض الانسحاب الإسرائيلى من سيناء.
وقد حاول الكاتب بإطلاق اسم رحلة فى آب على روايته، أن يلفت نظر القراء الإسرائيليين إلى رحلة أخرى بدأت فى شهر آب (أغسطس) عام 1978 وهى رحلة الانسحاب الإسرائيلى من سيناء، التى كانت بمثابة بداية عودة إسرائيل إلى حجمها الطبيعي. وعلى هذا فإن الرواية تعتبر محاولة لتجسيد الواقع الإسرائيلى حسبما يظهر فى الحقيقة بعد حرب أكتوبر 1973.

6 - رواية الصحوة الكبري (1982) للكاتب بينى برباش

تتناول الرواية شهادة العقيد إيلى هانجبي أمام لجنة التحقيق العسكرية التى تحقق فى خطأ ارتكبه فى أوج المعارك فى الحادى عشر من أكتوبر 1973.
ورغم أن الكاتب/ الراوى لا يذكر أى شئ عن طبيعة هذا الخطأ،
إلا أن تصعيد الحدث فى الرواية يوضح أن له تأثير مدمر على مستقبل العقيد إيلي،
الذى يدفعه هذا التحقيق إلى التفكير فى حروب الجنرالات، التى ترفع عن المشاركة فيها. ويعتقد العقيد إيلي أن نجاته من العقاب الذى ينتظر أن يوقع عليه،
والذى يتمثل فى تجميده فى منصب إدارى فى أحد مراكز التدريب،
رهن بإفاقة أساف ضابط عمليات كتيبته، الذى فقد وعيه نتيجة لإصابته فى الحرب.
ولا يحكى لنا الراوى شيئا عن كيفية حدوث هذه الإصابة.
غير أن أحداث الرواية تنتهى بدون أن يفيق.
يرمز أساف ضابط العمليات فاقد الوعى فى الرواية إلى الجيل الجديد فى إسرائيل الذى فقد وعيه الجمعى وترك الجيل السابق يقوده فى اتجاه الهاوية،
وهى ظاهرة حقيقية لا تزال موجودة فى إسرائيل حتى الآن.
فالمسيطرون على مقاليد الأمور فى الدولة هم مجموعة من كبار السن الذين شاركوا فى حرب1948، وأسسوا دولة إسرائيل.
وفى المونولوج الختامى للرواية، الذى يدور فى عقل والدة أساف، التى تجلس بجواره وهو فاقد الوعي،
تقول الأم: إن الحرب كانت فظيعة ولكنهم يقولون أن الحرب القادمة سوف تكون أفظع.
وهو ما يعتبر صرخة إنذار مبكر من الحرب القادمة .
.

عبير جلال الدين 08-08-2010 09:57 PM

رد: الأدب العبري
 
7- رواية ظهور إلياهو (1999) للكاتب س. يزهار (1916)
تعتبر هذه الرواية مجموعة من ذكريات الكاتب _وهو من كبار الكتاب فى إسرائيل- عن الأسبوع الأخير من الحرب فى الجبهة المصرية فى منطقة الدفرسوار،
التى عرفت فى وقت لاحق باسم الثغرة.
حاول الكاتب إكساب الذكريات طابعا قصصيا بإدراج قصة البحث عن صهره إلياهو كجزء منها. حيث تبدأ الراوية بالتساؤل عن مكان إلياهو، وتنتهى باللقاء بين الطرفين.
بينما لا تصل الأحداث فى المنتصف إلى أى تصعيد درامي.
وتقتصر المنطقة الوسطى من الرواية على عرض مشاعر الشخصيات والشخوص إزاء الحرب وإزاء التجارب التى تمر بهم فيها.
ويشير الكاتب إلى ما يتجاهله الكثيرون، وهو الكذبة الكبيرة التى حاول القيادة السياسية الإسرائيلية أن تجعل الشعب يعيش فيها :
لماذا لا يحكون حقيقة ما حدث، حقيقة ما سيترك أثرا على المرء طوال حياته ، لن يستطيع أن يتجاهله حتى بعد مرور سنين بعد أن يصبح كل ما حدث تاريخا بعيدا .
ماذا يعنى اشتعال النار فى الدبابة واحتراقها، بينما جندى يقفز منها والآخر يحترق.
وكيف يحترق؟؟؟
لا أحد يمكنه أن يقول الكلمات الكبيرة.
ويحاول المرء أن يتخلص منها ومن العبء النفسى الذى تمثله، أو يحاول أن يحولها إلى تلك المجموعة من المقولات الجاهزة التى يعلم الجميع مصدرها بدون خوض فى التفاصيل، وبدون تعقيدات ولا يحكى سوى كلمات معروفة. ( ص 164 )
لقد سقط الجميع فى إسرائيل فى المصيدة التى أعدتها القيادة السياسية، مصيدة المقولات الجاهزة والتعميم والقوا باللائمة عما حدث فى الحرب على التقصير.
ولم يحاولوا مجرد محاولة أن يطلقوا على ما حدث الاسم الصحيح الذى يجب إطلاقه عليه وهو الهزيمة. ولم يحاولوا محاسبة أحد عن التقصير المزعوم .
غير أن الملاحظ أن الكاتب هنا يكتفى هو الآخر أيضا بنفس المقولات الجاهزة التى لا يجوز الخروج عنها وإن كان يشير إلى ضرورة السماح بالخروج عنها. والرواية بمثابة صرخة معارضة للحرب أيا كان الطرف المنتصر فيها.
إذ أن الكاتب يعتقد أن هناك قدسية لحياة البشر، لا يجب التفريط فيها بسبب الحرب.
ويرى أن الحرب هى نتاج قرار لشخص غير عاقل يعتقد أن قطعة أرض أو الاحتفاظ بمزيد من الأرض أفضل من حياة البشر.
والجدير بالذكر أن الكاتب قد عرض فى روايته لمشهد قميء ومقزز، لبعض الجنود الإسرائيليين، الذين يركلون القتلى المصريين فى وجوههم، ويضربونهم بكعوب بنادقهم فى ذقونهم لكى يخلعوا أسنانهم الذهبية ويأخذونها.
وقد صرح الكاتب بأن هذا المشهد حقيقيا وأنه شاهده أثناء الحرب وتعرض نتيجة لهذا التصريح لهجوم عنيف من النقاد الإسرائيليين من كافة التيارات، حتى تراجع عن تصريحه تحت وطأة الضغط، وهو ما يوضح لنا بشكل عابر محدودية مساحة الحرية التى يكفلها المجتمع الإسرائيلى لمفكريه.

8 - رواية علامة التنشين (1999) للكاتب حاييم سباتو (1950)

هذه أيضا رواية ذكريات تتناول الأيام الثلاثة الأولى للحرب على الجبهة السورية.
ويصف فيها الكاتب/ الراوى كيف دمر السوريون الدبابات الإسرائيلية كالحشرات فى الهجوم الأول (ص 120)
تحكى الرواية قصة البحث عن دوف صديق الراوى الذى لقى حتفه فى الحرب.
وتنقسم إلى جزئين رئيسيين.
الجزء الأول قصة الخروج للحرب.
والجزء الثانى قصة الأيام الثلاثة الأولي، والتى يحكيها جنود الفصيلة للمحققين
. وتعتبر القصة الأخيرة هى الهدف الرئيسى للرواية وتضفى عليها طابعا توثيقيا .
وتوضح هذه القصة مدى تخاذل الجنود الإسرائيليين، والبطولات التى أبداها الجنود السوريين فى الأيام الأولى للحرب، قبل التدخل الأمريكى لمساعدة إسرائيل.
وتتخلل القصتان المكونتان للرواية وقفات مقصودة من جانب الكاتب يدرج من خلالها صلوات ومقتطفات من كتب التراث الديني، يستخدمها الكاتب كرموز لنقل رسالة إلى الملتقي، وتفيد بأن ما جرى من أحداث فى الحرب، مثل موت دوف ومجموعة كبيرة من الجنود، وسقوط الجولان بالكامل فى أيدى السوريين، إلى أن وصلوا إلى بحيرة طبرية، فى الأيام الأولى للحرب، هو بمثابة قضاء وقدر.
ويعتبر هذا بمثابة محاولة لإضفاء طابع دينى على الهزيمة بالزعم بأنها جاءت كعقاب لمن ابتعدوا عن الدين .

مركز الأهرام للدراسات السياسية و الإستراتيجية - مؤسسة الأهرام

،،

عبير جلال الدين 08-10-2010 11:12 PM

رد: الأدب العبري
 
مصطلحات يهوديه



الآخــرة أو العـالم الآخــر (الآتـي)
World to Come


«الآخرة» أو «العالم الآخر» هي المقابل العربي للمصطلح العبري «عولام هبّا»، وهو مصطلح يهودي أخروي يعني «العالم الآتي في آخر الأيام» (مقابل «عولام هازّيه»، أي «هذا العالم»). ومفهوم الآخرة أو العالم الآخر مفهوم أخروي، أخذ في الظهور التدريجي، واكتسب كثيراً من ملامحه بعد العودة من بابل، ثم صار إحدى الأفكار الدينية الأساسـية في التلمـود. وهـذا العالم الآتي يشـير إلى عدة أشياء متناقضة، فهو قد يشير إلى المستقبل وحسب، وقد يشير إلى العصر المشيحاني (الألفي) قبل أو بعد يوم الحساب وقبل أو بعـد البعــث، وقد يشـير إلى الآخـرة بمعنـى نقــطة خارج الزمان.
وقد قرنه بعض الحاخامات بالجنة وحسب.
وهو قد يشهد التَحرُّر القومي لليهود من ظلم الأمم الأخرى، ولكنه قد يشهد تَحرُّر الكون بأسره، أي أنه يعكس كل تناقضات التفكير الأخروي اليهودي، وتأرجحه ما بين الرؤية الحلولية والرؤية التوحيدية.


الآداب المكتوبة بالعبرية حتى العصر الحديث
Literature Written in Hebrew up to the Present


تُعتبَر أسفار موسى الخمسة أقدم النماذج الأدبية العبرية التي يدل أسلوبها وبناؤها على تأثرها بالتشكيلات الحضارية المجاورة: البابلية والكنعانية والمصرية... إلخ، وجاء بعدها من الناحية التاريخية كتب الحكمة مثل سفر الأمثال وأيوب وسفر الجامعة، والأشعار الدينية مثل المزامير والمراثي،وأشعار الحب والغزل مثل نشيد الأنشاد.ويرى بعض نقاد العهد القديم أن كتب الأنبياء ذاتها، رغم توجُّهها الديني والسياسي الواضح،أعمال أدبية يتسم أسلوبها بالجمال.

أما الكتب الدينية التي ظهرت بعد ذلك فمعظمها مكتوب بالعبرية المشوبة بالآرامية، وما كُتب منها بالعبرية ليس ذا قيمة أدبية كبيرة. ويمكن الإشارة إلى بعض الكتب الخفية (أبوكريفا) والفتاوى الدينية وقصائد البيوط، وبعض الكتب الدينية مثل الشولحان عاروخ وكتب القبَّالاه، باعتبارها أعمالاً دينية لا تخلو من القيمة الأدبية، خصوصاً كتب القبَّالاه التي طوَّر كُتَّابها نسقاً رمزياً مركباً يدل على خيال خصب.

ولكن الكتابات السابقة تظل نصوصاً غير أدبية تُوظِّف القيم الجمالية والأدبية من أجل هدف غير أدبي: ديني أو فلسفي أو تأمُّلي. غير أنه ظهر أدب مكتوب بالعبرية بين يهود العالم العربي والعالم الإسلامي، وكانت أهم مراكزه في الأندلس.
ولما كان الشعر الغنائي هو أهم الأغراض الأدبية عند العرب، فقد انعكس هذا على الجماعة اليهودية.
فظهر شعر غنائي عبري متأثر في أخيلته وعروضه بالشعر العربي.ووصل هذا الشعر إلى ذروته في الفترة بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر.
ومن أهم شعراء العبرية في الحضارة الإسلامية،
سليمان بن جبيرول ويهودا اللاوي (هاليفي)
وموسى بن عزرا المعروف عند العرب باسم «أبو أيوب سليمان بن يحيى بن جبيرول».
ومما يجدر ذكره أن أغراض الشعر المكتوب بالعبرية داخل الحضارة العربية لم تكن دينية وإنما كانت دينية ودنيوية، فكانت تضم غزليات وخمريات وفخراً ووصفاً للطبيعة.
وقد ظهرت أنواع أدبية أخرى بين يهود الحضارة العربية الإسلامية مثل المقامات والمقالات، ولكن الشعر الغنائي يظل النوع الأدبي الأساسي.

وقد ظهر في إيطاليا شعر غنائي مكتوب بالعبرية إبان عصر النهضة. وكان عمانوئيل بن سولومون (عمانوئيل الرومي) هو أهم شاعر غنائي، فكتب سوناتات وقصائد هجائية، كما أن قصيدته «جهنم والجنة» متأثرة بقصيدة دانتي الكوميديا الإلهية.

،،

عبير جلال الدين 08-10-2010 11:16 PM

رد: الأدب العبري
 
الآداب المكتوبة بالعبرية منذ بداية العصر الحديث حتى عام 1960
Literature Written in Hebrew from the Beginning of Modern Times to1960


يرى بعض مؤرخي الآداب المكتوبة بالعبرية أن نقطة بداية هذه الآداب في العصر الحديث هو عام 1743، باعتباره العام الذي نشر فيه لوتساتو قصيدة مدح المستقيمين. ولكن هناك من يذهب إلى أن البداية الحقيقية إنما كانت في ألمانيا على يد نفتالي هيرتس فيزلي. ومهما يكن الأمر، فإن ما أُنتج من أعمال أدبية مكتوبة بالعبرية منذ عصر النهضة حتى أواخر القرن الثامن عشر لم يكن من الأهمية بمكان، وهو ما يجعل الإشكالية غير ذات موضوع.

وفي تصوُّرنا أن تاريخ هذا الأدب يمتد حتى عام 1960 وهو العام الذي تبلوَّر فيه الأدب العبري الحديث،أو الأدب الإسرائيلي، وهو الأدب المكتوب بالعبرية والذي يعبِّر عن تجربة المستوطنين الصهاينة في فلسـطين وبخاصـة أبناؤهـم ممن وُلدوا ونـشأوا في فلسـطين.

ومنذ عصر النهضة في الغرب كانت الأعمال الأدبية المكتوبة بالعبرية، في الأساس، تقليداً واضحاً وصريحاً للأعمال الأدبية الأوربية التي كان يتفاعل معها الأدباء الذين يكتبون بالعبرية في الغرب، وهو أمر مفهوم تماماً، فقد كانوا يعيشون في كنف الحضارة الغربية وكانت أول لغة يتعلمونها هي لغة البلد الذي يعيشون فيه.
ومع غياب أية تقاليد أدبية راسخة، أو أعمال أدبية كبرى بالعبرية، كان لابد أن يتوجه هؤلاء الأدباء من أعضاء الجماعات اليهودية نحو الأعمال الأدبية المتاحة لهم باللغة التي يعرفونها.
ولذا، جاءت أغلب الأعمال الأدبية المكتوبة بالعبرية إما مُترجَمة عن أصل أوربي أو مُقلِّدة له دون إبداع، متأثرةً في الشكل والمضمون بعمل أدبي غربي ما.
وفي أغلب الأحيان، جاءت الترجمات أبعد ما تكون عن الأصل، هذا على عكس ما يحاول النقاد الصهاينة إثباته حيث يذكرون أن ما يسمونه «الأدب العبري» جاء نتيجة حركيات داخلية وتطوُّر طبيعي حدث بين أعضاء الجماعات اليهودية. ولكن التغيُّر في مجال الأدب لا يختلف عن التغيُّر في المجالات الأخرى، فالتحولات الضخمة التي طرأت على إيطاليا في عصر النهضة هي التي صاغت حياة كل أعضاء المجتمع بما في ذلك أعضاء الجماعات اليهودية باعتبارهم جزءاً منه. وقد تركت الثورة الفرنسية والثورة الصناعية أعمق الأثر في الجماعـات اليهودية داخل أوربا ثم خارجها.

نشأت الآداب المكتوبة بالعبرية في العصر الحديث من خلال تصاعد معدلات العلمنة في المجتمعات الغربية، إذ أدَّى هذا إلى أن الأدباء الذين يكتبون بالعبرية بدأوا يُسقطون الحديث عن القيم المطلقة في الفكر الديني اليهودي.
بل إنهم تناولوا الموروث الديني من منظور لاديني، فمنهم من رفضه تماماً، ومنهم من حوَّله إلى مادة بحث وأعاد النظر فيه، ومنهم من اعتبره تراثاً شعبياً قومياً.
ولذا نجد أن السمة الأساسية للآداب المكتوبة بالعبرية في العصر الحديث والتي تُميِّزها عما سبقها من آداب مكتوبة بالعبرية هي توجُّهها نحو الموضوعات الدنيوية وابتعادها عن الموضوعات الدينية (على الأقل داخل التشكيل الحضاري الغربي).

وظهرت في الآداب المكتوب بالعبرية الموضوعات الأساسية المتواترة في الآداب الغربية مثل العودة للطبيعة والبحث عن الذات والاغتراب عنها، وإن كانت هذه الموضوعات قد اكتسبت أحياناً بُعداً خاصاً في الآداب المكتوب بالعبرية، نظراً للتجربة الخاصة لأدباء العبرية باعتبارهم أعضاء في أقليات تواجه مشاكل خاصة لا يواجهها أديب من أعضاء الأغلبية.
وعلى سبيل المثال، فإن الأديب الذي يكتب بالعبرية حين يحاول، بتوجُّهه العلماني، التمرد على التراث الديني اليهودي، شأنه في هذا شأن كثير من الأدباء الغـربيين، ويقرر العـودة إلى تراثه، فإنه يعود لهذا التراث الذي رفضه. ومن هنا ظهرت ازدواجية القبول والرفض.

وبإمكان الدارس أن يعثر لدى الأديب الواحد على أعمال ترفض التراث وتهاجمه بحدة وعلى أعمال أخرى تمجده، الأمر الذي يدفعنا إلى القول بأن الآداب الحديثة المكتوبة بالعبرية وُلدت فاقدة الاتجاه.
ومن هذا المنظور، يمكن أن نفهم يهودا ليف جوردون في محاربته اليهودية الحاخامية في الوقت نفسه الذي تحدث فيه عن داود وبرزيلاي.
وكذلك مابو الرومانسي الذي كتب رواية محبة صهيون في الوقت نفسه الذي كَتَب فيه المنافق .
ومن الطبيعي أيضاً أن يتحوَّل موشيه ليلينبلوم داعية التنوير إلى صهيوني رومانسي في مرحلة تالية.
وحينما ظهر الفكر الصهيوني، حاول آحاد هعام أن يعثُر على صيغة للتوفيق بين النزعتين الدينية والمعادية للدين، فقال: إن الأدب العبري في العصر الحديث هو صورة علمانية للتقاليد القديمة.

وفي محاولة تبرير هذه الازدواجية الدينية/اللادينية، في الآداب المكتوبة بالعبرية، حاول النقاد تفسير استلهام التراث على أنه أساساً عملية أدبية حوَّلت التراث نفسه إلى مادة أدبية.
فالأصل الإنساني لهذه المادة هو الذي أثار الاهتمام الأدبي لدى أدباء العبرية وليس القداسة الإلهية فيها.

ومما يؤكد أن ما نتحدث عنه هو «آداب مكتوبة بالعبرية» لا «أدب عبري واحد» أن المراكز التي ظهر فيها هذا الأدب متعددة (بل ونجده متعدد المراكز داخل الدولة الواحدة)، فلقد ظهر في وقت واحد في كلٍّ من إيطاليا حيث تأثر بالأدب الإيطالي، وألمانيا حيث تأثر بأدب التنوير وأعمال شيلر وجوته، وفي روسيا حيث تأثر بالأدب الفرنسي والأدب الألماني وبالأدب الروسي في مرحلة لاحقة.
ولا يمكن فَهْم الآداب المكتوبة بالعبرية إلا بالعودة للتقاليد الحضارية والأدبية المختلفة التي وُلد من رحمها هذا الأدب والتي تفاعل معها الأدباء الذين يكتبون بالعبرية.

ويمكن أن نشير إلى ثلاثة مصادر رئيسية للتأثير في الآداب المكتوبة بالعبرية في العصر الحديث، وهي: الأدب الروسي في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وأدب غرب أوربا في بداية القرن العشرين، والأدب الأنجلو ساكسوني الذي أثر أساساً في أدباء العبرية الذين أقاموا في الولايات المتحدة وعلى الأدباء الشبان بعد ذلك في إسرائيل.
ومما عمَّق أثر الآداب الأوربية على الآداب المكتوبة بالعبرية أنه، منذ ثمانينيات القرن الماضي، تُرجمت إلى العبرية العديد من أعمال الأدباء الأوربيين، وقام على هذه الترجمات عدد من كبار أدباء العبرية،
مثل: فريشمان وبياليك وبرينر وعجنون وجنسين وبارون، وغيرهم.
وفي جيل أبراهام شلونسكي وناثان ألترمان وليئة جولدبرج، تحوَّل أسـلوب الترجمة إلى مصـدر تأثير في الأسـلوب النثـري في العبرية.

ويمكن أن نقسم مراحل الآداب المكتوبة بالعبرية في العصر الحديث إلى فترات تاريخية على النحو التالي:

1 ـ الآداب المكتوبة بالعبرية في القرن التاسع عشر (التنوير وإرهاصات الفكر الصهيوني).

2 ـ الآداب المكتوبة بالعبرية في النصف الأول من القرن العشرين (تبنِّي المُثُل الصهيونية).

3 ـ المرحلة الفلسطينية.

،،

عبير جلال الدين 08-10-2010 11:18 PM

رد: الأدب العبري
 
الآراميــون
Arameans


«الآراميون» شعب سامي استقر في منطقة الهلال الخصيب، ثم في بلاد الشام حول حوران، في تاريخ قديم قد يكون القرن السادس عشر قبل الميلاد.
وكان الاسم مقروناً باسم «الأخلامو» (أي «الرفاق» أو «الأحلاف» باللغة العمورية القديمة). وتُعَدُّ هجرة الخابيرو والآراميين جزءاً من حركة الأخلامو التي أعقبت هجرة العموريين والكنعانيين. ولكن يبدو أن الآراميين كانوا يشكلون الجزء الأكبر، ولذا فقد اختفى ذكر الأخلامو تدريجياً، وبرز اسم الآراميين عوضاً عنه. وقد ورد أول ذكر لهم في أيام تيجلات بلاسر الأول في عام 1100 ق.م. وتقرر التوراة أن الآراميين ينتسبون إلى آرام بن سام بن نوح، وأن ثمة صلة عميقة بينهم وبين العبرانيين (تكوين 10/22).
فأسلاف القبائل كانوا يأتون من المنطقة الآرامية، كما أن الآباء العبرانيين ارتبطوا بأصول آرامية واحتفظوا بالعلاقات مع الآراميين من خلال الزواج. وقد تحدث يعقوب عن نفسه وعن أبيه قائلاً « آرامياً تائهاً كان أبي» (تثنية 26/5).

بدأ الآراميون يستقرون في منطقة الهلال الخصيب مع ضعف آشور في القرنين الحادي عشر والعاشر قبل الميلاد وانهيار الإمبراطورية الحيثية، وأسسوا عدة ممالك إلى الشرق من الفرات، كما بسطوا نفوذهم على الشام وعلى سهل البقاع الواقع بين سلسلتي جبال لبنان الشرقية والغربية.

وقامت إمارة آرامية عند منحنى نهر الفرات في المنطقة التي تقع بين إقليم الجزيرة وسوريا الحالية، وامتدت رقعتها حتى نهر الخابور الذي يتفرع من الفرات ويتجه إلى الشمال، لذلك سُمِّيت «آرام نهاريم» أي «آرام النهرين».

ومن الإمارات الآرامية التي لعبت دوراً كبيراً إمارة بدان التي تقع في السهول المنبسطة بين الجزيرة والشام. وقد سُمِّيت بهذا الاسم لوقوعها في سهل منبسط، وكلمة «بدان» بالآرامية تساوي كلمة «فدان» العربية ومعناها «الحقل المنبسط». وكانت مدينة حوران مقر هذه الإمارة تقع على الطرق التجارية المهمة التي تصل إقليم الشام بإقليم الجزيرة، وتربط بين شـمال الشام وبلاد العرب، فلعبت دوراً في تجارة العالم القديم، واشتد ثراء أهلها. وتألقت مدينة حوران في ذلك العهد، حتى عُدَّت من أزهى مراكز الثقافة الآرامية.

ولإمارة حران مكانة ممتازة في التراث العبراني، فقد كَثُر ذكرها في كتاب العهد القديم. وراح كُتَّاب التاريخ العبري يذكرون أن أجدادهم كانوا من الآراميين وأنهم عاشوا في مدينة حران زمناً طويلاً قبل أن يستقروا في فلسطين. ويذكرون أيضاً أن إبراهيم أقام في هذه المدينة الآرامية بعد خروجه من العراق وزوَّج ولده إسحق فتاة حرانية.
والعهد القديم نفسه حافل بالمفردات الآرامية، وهو ما حمل بعض الباحثين على القول بأن العبرانيين كانوا يتكلمون لهجة آرامية قبل أن يستقروا في فلسطين ويتخذوا لهجة أهلها من الكنعانيين.
وخلاصة القول إن الهجرات الآرامية والعبرية هجرات سامية خرجت من وطن واحد. وقد استقر الآراميون في الجزء الشمالي من وادي الرافدين، وأسسوا هناك سلسلة من الدويلات الصغيرة أو المدن/الدول أهمها دولة بيت أديني (ومركزها تل برسب) ودولة بيت بخياني. وقد أسس الكلدانيون (وهم قبائل متصلة النسب بالآراميين) دولة بيت يكـيني. وفي الجـهة الأخرى للتوسع الآرامي، أي في الغرب، نشأت دولة سمأل.
وفي سوريا أُسِّست دول من أهمها صوبة ودمشق. وقد دخلت تلك الممالك الآرامية، في دمشق وصوبة وغيرها، في صراع مع الآشوريين والعبرانيين.
وقد قام هدد عزر (ملك آرام دمشق) بتكوين اتحاد من الإمارات الآرامية في بلاد الرافدين والشام والشعوب الأخرى في المنطقة مثل المؤابيين والعمونيين والأدوميين، وذلك لمقاومة التوسع العبراني.
وقد تغلب عليهم داود في بداية الأمر وهزم مملكة آرام دمشق عام 980 ق.م، لكن رزين الأول عاد إلى الحرب مع سليمان وفرض سيطرته على معظم الممالك الآرامية. وبعد انقسام المملكة العبرانية المتحدة إلى دويلتين، نشب صراع بين الآراميين (بزعامة مملكة آرام دمشق) والمملكة الشمالية استمر لمدة تزيد على قرن (900 ـ790 ق.م).
وقد تحالف ملك دمشق بن هدد الأول (853 ـ 845 ق.م) مع ملك المملكة الجنوبية في مهاجمة المملكة الشمالية، فهُزم ووقع في الأسر ثم أُفرج عنه.
وقد نجح بن هدد أيضاً في تكوين تحالف من المدن الدول والممالك الصغيرة في المنطقة مثل المملكة الشمالية، وجهَّز جيشاً كبيراً بمساعدة آخاب لمواجهة الآشوريين بقيادة شلمانصر الثالث في معركة قرقر عام 853 ق.م التي انتهت إلى نتيجة غير حاسمة.
وفيما بعد، ألحق بن هدد الهزيمة بآخاب. ووصلت المملكة الآرامية في آرام دمشق إلى قمة نفوذها في عهد أميرها حزائيل (في الفترة من 841 إلى 838 ق.م) الذي وسع حدود مملكته وضم جلعاد والجليل حتى وقعت المملكة الشمالية تحت نفوذه وكان على حكامها أن يدفعوا لآرام دمشق الجزية (إلى أن سقطت في يد الآشوريين).
والواقع أن الحروب بين ملوك آرام دمشق وملوك المملكتين الجنوبية والشمالية تملأ صفحات التاريخ التوراتي.

ولكن القوة الآشورية عاودت الهجوم، ونجح شلمانصر في ضم منطقة وسط الفرات عام 838 ق.م. ثم استمرت الهجمات حتى نجح تيجلات بلاسر الثالث في احتلال دمشق عام 732 ق.م. واحتل سرجون الثاني حماه عام 720 ق.م، وهجَّر سكانها. وبذلك، تحوَّلت الدويلات الآرامية إلى دويلات آشورية تابعة، وسُمِّيت سوريا باسمهم.

وتُعزى هزيمة الآراميين إلى فشلهم في تكوين وحدة سياسية فعالة. ولكن الدويلات الآرامية في منطقة نهر دجلة استمرت في الهجوم على آشور.
ونجحت قبيلة كالدو الآرامية (الكلدانيون في العهد القديم) في الثورة على الآشوريين ووفقت في الوصول إلى الحكم بعد أن عقدت تحالفاً مع الميديين، وأسست الدولة البابلية الجديدة.

وقد تفاعل الآراميون مع الحضارات القائمة: العموريين والفينيقيين والحيثيين، فأقبلوا عليها واقتبسوا منها وتخلصوا من طابع البداوة. إلا أن الأمر الفريد في هذه الظاهرة هو أن الآراميين، رغم اقتباسهم من الحضارات القائمة، احتفظوا بلغتهم ولم يستبدلو بها غيرها كما فعل العبرانيون والفلستيون.

وأدَّى تأثير الآراميين في الإمبراطورية الآشورية إلى انتشار الآرامية بين الناس الذين عاش الآراميون بين ظهرانيهم مثلما حدث في بلاد الرافدين وفلسطين. كما نشر الآراميون حروف الكتابة التي نقلوها عن الفينيقيين، وعلموها لعالم الشرق القديم كله (وقد تعلم العبرانيون حروف الكتابة منهم).
وفاق توسُّعهم التجاري والاقتصادي توسُّعهم السياسي والفكري، كما بلغت حضارتهم ذروتها، في القرنين الثامن والتاسع قبل الميلاد. ووسع الآراميون نطاق التجارة واحتكروا طرق المواصلات حتى أصبحت الآرامية لغة التجارة.

وديانة الآراميين تقوم على عبادة آلهة سامية قديمة. فكانت آلهتهم كنعانية وبابلية وآشورية. وكانت للإله إيل عند الآراميين المكانة نفسها التي يتمتع بها عند الكنعانيين، وكان لهم إله خاص بهم هو هدد أو رامون إله العواصف والزوابع مرسل المطر الذي يخصب الأرض. وقد امتزجت عبادته فيما بعد بعبادة الشمس. وعُبدت معه زوجته آتارخابتس وهي إلهة الخصوبة والأمومة.

ولم يتفـوق الآراميــون كثـيراً في الفنــون الجمـيلة بل تأثــروا بالشعــوب المحيــطة بهــم، فكانوا يقلدون الأساليب البابلية والحيثية في العمارة والزخرفة ويستخدمون النحاتين والنقاشين الكنعانيين.

،،

عبير جلال الدين 08-10-2010 11:19 PM

رد: الأدب العبري
 
الإبادة وتفكيك الإنسان كإمكانية كامنة في الحضارة الغربيـة الحديثة
Extermination and Deconstruction of Man as a Potentiality in Modern Western Civilization


لابد أن نؤكد ابتداءً أن التحولات الاقتصادية والسياسية في أي مجتمع لا تتم في فراغ مهما يكن مستوى هذه التحولات عمقاً أو ضحالة. فالمناخ الفكري والثقافي والنفسي يساعد على تحقيق بعض الإمكانات الكامنة في الواقع المادي وإجهاض البعض الآخر، وعلى تحديد المسار النهائي لهذا الواقع إلى حدٍّ كبير.
وتبني ألمانيا النازية لسلاح الإبادة كوسيلة لحل بعض المشاكل التي واجهها المجتمع الألماني لم يكـن لينبع من الاعـتبارات الاقتصـادية أو السـياسية وحدها، فهو أمر مرتبط تماماً بإطار ثقافي وحضاري ونفسي أوسع.

ويمكننا القول بأن ثمة عناصر تسم التشكيل الحضاري الغربي الحديث جعلت الإبادة احتمالاً كامناً فيه وليست مجرد مسألة عَرَضية، وولَّدت داخله استعداداً للتخلص من العناصر غير المرغوب فيها عن طريق إبادتها بشكل منظم ومخطط.
وتحـققت هذه الإمكانية بشكل غير متبلور في لحظات متفرقة، ثم تحققت بشكل شبه كامل في اللحظة النازية النماذجية. وقد قام الإنسان الغربي بعملية الإبادة النازية وغيرها من عمليـات الإبادة لا رغم حضارته الغربية وحداثته، وإنما بسببها.

ولكن قبل أن نتوجه لقضية النزعة الإبادية في الحضارة الغربية، لابد أن نشير إلى وضع اليهود داخل الحضارة الغربية حتى عصر النهضة.
فالمسيحية الغربية لم تُطوِّر مفهوماً واضحاً خاصاً بالأقليات في المجتمع الغربي ولم تُشرِّع لهم ولم تحدد وضعهم القانوني، واكتفت بمفهوم المحبة إطاراً عاماً.
وقد صنَّفت الكاثوليكية الغربيـة اليهـود باعتبارهم شـعباً شاهداً، يقف في تدنيه وضِعَته « شاهداً » على عظمة الكنيسة وانتصارها. ولم يكن الأمر مختلفاً كثيراً على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، حيث تحوَّل اليهود إلى جماعة وظيفية، وهي جماعة تُعرَّف في ضوء وظيفتها وفائدتها ونفعها (فهي مادة استعمالية) لا قداسة لها.
وهذه الرؤية تعني «حوسلة» اليهود، ولكنها في الوقت نفسه تعني ضرورة الحفاظ عليهم وحمايتهم من الهجمات الشعبية.
فالكنيسة الكاثوليكية كانت تحتاج إلى هذا الشاهد الأزلي على عظمتها.
كما أن الطبقات الحاكمة (النبلاء الإقطاعيون والملوك) كانت في حاجة إلى اليهود كأداة طيعة من أدوات الاستغلال وامتصاص فائض القيمة من الجماهير (كان يُطلَق على اليهود كلمة «الإسفنجة»، لأنهم يمتصون فائض القيمة من الجماهير ثم يقوم الحاكم الإقطاعي باعتصار ما جمعوه من ثروة من خلال الضرائب).
ولذا، وعلى عكس ما يتصور البعض، كان العداء لليهود حركة شعبية موجهة ضد الطبقات الحاكمة وضد الكنيسة مُمثَّلين في الرمز المحسوس المباشر اليهود، وكانت الكنيسة الكاثوليكية ومعها النبلاء هم حماة اليهود.

وتغيَّر الوضع مع ظهور عصر النهضة وبداية التشكيل الحضاري الغربي الحديث بشكل جوهري.
إذ ظهرت البروتستانتية التي رفضت فكرة الشعب الشاهد ولكنها تبنت بدلاً منها العقيدة الألفية الاسترجاعية التي ترى أن المسيح سيعود مرة أخرى للأرض ويؤسس مملكته على الأرض لمدة ألف عام، وكان كل هذا مشروطاً بعودة اليهود إلى أرض الميعاد وتنصيرهم.
فكأن اليهودي ظل مجرد أداة (كما هو الحال في الرؤية الكاثوليكية) ولكنه أداة لا يتم الحفاظ عليها وإنما لابد من نقلها (ترانسفير) إلى فلسطين وتذويبها في المنظومة المسيحية. وتزامن هذا مع ظهور البورجوازيات المحلية والدولة القومية التي اضطلعت بكثير من وظائف الجماعة الوظيفية اليهودية التي لم يعد لها نفع.
ولذا، كانت المسألة اليهودية في أوربا تُناقش في إطار مدى نفع اليهود، فكان أعداء اليهود يبينون أنهم لا فائدة لهم، أما المدافعون عنهم (ومنهم المتحدثون باسم اليهود) فكانوا يركزون على « فائدة » اليهود ونفعهم.
وطُرح تصور مفاده أنه يجب زيادة حقوق اليهود زيادة طردية مع زيادة نفعهم، فإن زاد الواحد زاد الآخر (وهو ما يعني أن تَناقُص نفعهم يعني تفاقم مشاكلهم). وقد قُسِّم اليهود إلى أقسام مختلفة تم تنظيمها بشكل هرمي.
ففي أعلى الهرم كان يوجد أكثر اليهود نفعاً، وهؤلاء كانوا يتمتعون بكافة الحقوق التي يتمتع بها أي مواطن ألماني، وفي قاعدة الهرم كان يوجد اليهود غير النافعين الذين لا يتمتعون بأية حقوق ولذا كانوا يُصنَّفون ضمن من يجب التخلص منه وذلك بترحيلهم
(بالإنجليزية: ديسبوزابل ترانسفيرابل disposable transferable).

وساهمت كل هذه العناصر ولا شك في خلق الاستعداد الكامن والتربة الخصبة والتبادل الاختياري (بالإنجليزية: اليكتيف أفينيتي elective affinity في مصطلح ماكس فيبر) بين الحضارة الغربية وعملية إبادة اليهود. ولكن العنصر الحاسم ـ في تصورنا ـ في ظهور النزعة الإبادية (ضد اليهــود وغــيرهم من الأقليــات والجمــاعات والشعوب)
هـو الرؤيــة الغربيــة الحديثــة للكــون.
وهي رؤية يمكن وصفها بإيجاز شديد بأنها رؤية مادية واحـدية (حلوليـة كمونية) تعـود جذورها إلى عصر النهضة في الغرب.
وقد اتسع نطاقها وازدادت هيمنتها إلى أن أصبحت هي النموذج التفسيري الحاكم مع منتصف القرن التاسع عشر، عصر الإمبريالية والداروينية والعنصرية.
وقد بدأت هذه الرؤية بمرحلة إنسانية هيومانية وضعت الإنسـان في مركز الكـون وتبنت منظومات أخلاقية مطلقة، تنبـع من الإيمان بالإنسـان باعتـباره كائناً مختلفــاً عن الطبيعــة/المــادة، ســابقاً عليهـا، لـه معياريتـه ومرجعيته وغائيته الإنسانية المستقلة عنهـا (وهـذا شكـل من أشكال العلمانية الجزئية).
ولكن هذه الرؤية الإنسانية المادية تطورت من خلال منطق النسق المادي الذي يساوي بين الإنسان والطبيعـة ومن خـلال تَصـاعُد معدلات الحلولية والعلمنة وانفصـال كثــير من مجــالات النشاط الإنساني (الاقتصاد ـ السياســة ـ الفلسفة ـ العلم) عن المعيارية والمرجعية والغائية الإنسانية إلى أن فقد الإنسان مركزيته ومطلقيته وأسبقيته على الطبيعة/المادة وتحوَّل إلى جزء لا يتجزأ منها وأصبح هو الآخر مادة، منفصلة عن المرجعية والغائية والمعيارية الإنسانية (وهذه هي العلمانية الشاملة).

وفي هذا الإطار ظهرت الأخلاق النفعية المادية التي تُعفي الإنسان من المسئولية الأخلاقية، فهي مستمدة من الطبيعة/المادة ومن قوانينها المتجاوزة للعواطف والغائيات والأخلاقيات الإنسانية.
ومن ثم تَحرَّر الإنسان الغربي من أية مفاهيم متجاوزة مثل مفهوم «الإنسان ككل » أو «الإنسانية جمعاء» أو « صالح الإنسانية »، كما تحرر من القيم المطلقة مثل «مستقبل البشرية» و « المساواة » و«العدل»، وجعل من نفسه المركز والمطلق المنفصل تماماً عن كل القيم والغائيات الإنسانية العامة، وأصبح هو نفسه تجسيداً لقانون الطبيـعة ولحركة المادة وتحـول إلى مرجعية ذاته، وقانون ذاته، ومعـيارية ذاته، وغائية ذاته، ومن ثم أصبح من حقه أن يحوسل العالم كله وجميع شعوب الأرض لخدمة صالحه كما عرَّفه هو. وبذا تحوَّلت الإنسانية (الهيومانية) الغربية إلى إمبريالية وأداتية ثم إلى عنصرية، وانقسم البشر إلى سوبرمنsupermen إمبرياليين يتحكمون في كل البشر والطبيعة، وإلى سبمنsubermen دون البشر أداتيين يذعنون لإرادة السوبرمن ولقوانين الطبيعة والمادة. وهذا ما نسميه «النفعـية الداروينية» وهي المنظومة التي تذهب إلى أن من يملك القوة له «الحق» في أن يوظِّف الآخرين لخدمة مصالحه، مستخدماً في ذلك آخر المناهج العلمية وأحدث الوسائل التكنولوجية، متجرداً من أية عواطف أو أخلاق أو أحاسيس كلية أو إنسانية باعتبار أن الإنسان إن هو إلا مادة في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير، ومن ثم فمثل هذه الأحاسيس هي مجرد أحاسيس ميتافيزيقية أو قيم نسبية مرتبطة بالزمان والمكان، وليس لها أية ثبات أو عالمية.


عبد الوهاب المسيري

،،

عبير جلال الدين 08-16-2010 11:30 PM

الآشـوريون
Assyrians

النسبة في كلمة «الآشوريون» إلى آشور.
وهم قوم يرجع أصلهم إلى القبائل السامية التي استقرت خلال الألف الثالثة قبل الميلاد شمالي وادي الرافدين.
نجحت في إقامة إمبراطورية حكمت أجزاء من غرب آسيا واتخذت مدينة آشور الواقعة في أعالي نهر دجلة عاصمة لها، وفيما بعد اتخذت كالح
(التي تُعرَف في الوقت الحالي باسم «نمرود») عاصمة لها، ثم جُعلت العاصمة فيما بعد في نينوي.
ويمكن تقسيم تاريخ الآشوريين إلى المراحل الثلاث التالية:

1 ـ المرحلة القديمة (2000 ـ 1500 ق.م): وقد خضع الآشوريون إبانها لسلطان بابل ثم لسلطان دولة ميتاني التي أسسها الحوريون.

2 ـ المرحلة الوسيطة (1500 ـ 911 ق.م): وقد ازدادت إبّانها قوة الآشوريين، فسيطروا على طرق التجارة في غرب آسيا.

3 ـ المرحلة الآشورية الجديدة (911 ـ 609 ق.م): وقد شهدت آشور في نهايات الفترة الوسيطة هجمات الأخلامو (الآراميين) التي استمرت زهاء ثلاثة قرون. وظهرت في هذه المرحلة أيضاً الدويلات الآرامية والعبرانية المختلفة. والواقع أن المرحلة الثالثة، أي المرحلة الآشورية الجديدة، هي وحدها التي تهمنا، فهي التي تؤثر في مصير العبرانيين. ويمكن تقسيم هذه المرحلة بدورها إلى ثلاث فترات:

أ) الفترة الأولى (911 ـ 824 ق.م): وقد شهدت ظهور القوة الآشورية مرة أخرى.
فأوقف شلمانصر الثالث (853 ـ 824 ق.م) هجمات الآراميين، ثم هاجم تحالفاً عبرياً آرامياً بين آخاب العبراني وبن هدد ملك دمشـق في معـركة قـرقـر عام 853 ق.م.
ولم تكن المعركة حاسمة، ولكنها مع هذا أدت إلى ظهور حزب آشوري قوي داخل المملكة الشمالية.
وبعد سقوط آخاب عام 852 ق.م، دفعت المملكة الجنوبية الجزية لآشور. وتظهر أول صورة لملك عبراني في التاريخ على مسلة شلمانصر الثالث، فنراه يقوم بتقديم فروض الطاعة والولاء للملك الآشوري.
ولم يكن الآشوريون يهدفون إبان هذه المرحلة إلى احتلال المناطق التي يفتحونها، وإنما كانوا يهدفون إلى تحييد التهديد الخارجي وإبطال أثره والاستيلاء على المغانم والأسرى لاستخدامهم في المشاريع الإنشائية الكبرى.

ب) الفترة الثانية (825 ـ 744 ق.م): شهدت الإمبراطورية الآشورية بعد موت شلمانصر الثالث تراجعاً بسبب ازدياد قوة جيرانها في الشمال وبسبب النزاعات الداخلية.
وقد انتهزت المملكتان الجنوبية والشمالية هذه الفرصة وزادتا من مساحة الرقعة التابعة لهما، وبعثتا الحلف المعادي للآشوريين الذي ضم كلاًّ من يربعام الثاني وعزيا.

جـ) الفترة الثالثة (743 ـ 609 ق.م): عاد النفوذ الآشوري حينما قام
آشور ناصر بال الثاني (884 ـ 759 ق.م) بثورة في التكتيك العسكري للجيش الآشوري، وبدأت الحقـبة الآشورية الجديدة بأبطالها تيجلات بلاسر الثالث (745 ـ 727 ق.م) وشلمانصر الخامس (726 ـ 722 ق.م) وسرجون الثاني (722 ـ 705 ق.م) وسناخريب
(705 ـ 681 ق.م) وأسرحدون (680 ـ 669 ق.م) وآشور بانيبال (668 ـ 630 ق.م).

تمكن هؤلاء الملوك من تدعيم قوتهم في الداخل، وأسسوا جيوشاً نظامية قوية نجحت في ضم الشرق الأدنى القديم بأكمله بما في ذلك بابل التي احتفظت دائماً بشيء من الاستقلال. ولم يكن الهدف في هذه الفترة جمع المغانم وإنما الهيمنة الدائمة وتأسيس إمبراطورية مكوَّنة من أقاليم ودول تابعة تساندها عمليات تهجير للشعوب المهزومة وتديرها بيروقراطية مركبة تضم عناصر غير آشورية أغلبها آرامية سادت لغتها بالتدريج.وقد شهدت هذه الفترة زيادة ملحوظة في عظمة وأبهة المدن الآشورية.
وقد سيطر تيجلات بلاسر الثالث سيطرة كاملة على البابليين وتلَّقب بملك بابل،وأعاد الهيمنة على فلسطين،فوقع تحت نفوذه عمون وأدوم ومؤاب ويهودا. وأخذ مناحيم ملك المملكة الشمالية في دفع الجزية مرة أخرى.

ولكن كان ثمة ضعف أساسي في الإمبراطورية الآشورية إذ كانت تعتمد على الجزية من الشعوب المغلوبة وعلى العناصر البشرية المهجَّرة من المناطق المهزومة، ولهذا فقد كانت الشعوب المقهورة دائمة الثورة. وقد ظهر في المملكة الشمالية، بإيعاز من مصر، حزب معاد لآشور سيطر على الحكم في نهاية الأمر، وكان فاقح ممثل هذا الحزب، فحاول أن يُرغم آحاز ملك المملكة الجنوبية على دخول الحلف. ولكن آحاز فضل أن تظل مملكته دولة تابعة، وطلب العون من آشور ضد هذا التحالف العبراني الآرامي الذي انضم له الفلستيون والأدوميون.
فهب تيجلات بلاسر لمساعدته.
وسقطت أمامه دمشق في عام 732 ق.م، ثم خلع فاقح عن العرش وأحل محله هوشع عام 726 ق.م.

ونتيجةً لذلك، فقدت المملكة الشمالية ممتلكاتها في شرق الأردن والجليل، وأصبحت فلستيا وصور ومؤاب وأدوم أقاليم آشورية.
وحينما حاول هوشع عام 726 ق.م أن يتخلص من هيمنة الآشوريين، حاصر شلمانصر الخامس السامرة، ثم استولى عليها خلفه سرجون الثاني.
فاختفت المملكة الشمالية إلى الأبد بالاستيلاء عليها وتم ترحيل زعمائها ورؤوس قبائلها إلى آشور وميديا (شرقي العراق) وإحلال آراميين (من سوريا) وبابليين محلهم بحسب المدونات الآشورية. وهذا ما يُسمَّى «السبي الآشوري» أو «التهجير الآشوري» الذي اختفت على أثره القبائل العشر « المفقودة ».

استمرت يهودا في دفع الجزية. و في نهاية الأمر، اندلعت ثورة فيها بتأييد من مصر. وقد كان ردّ سناخريب حاسماً، فأخمد الثورة، ولكنه سمح ليهودا أن تستمر كدولة تابعة.
وحينما عاود اليهود الكرَّة، حاصر سناخريب القدس ولكنها لم تسقط إذ اضطر إلى فك الحصار بسبب الوباء على أن يدفع اليهود الجزية.

وقد أرهقت مثل هذه الثورات الإمبراطورية الآشورية، وولَّدت التوترات داخل النخبة الحاكمة، وانتهى الأمر باغتيال سناخريب عام 681 ق.م.
ونشبت بين آشور بانيبال وأخيه حاكم بابل حرب انتصر فيها الأول. وقام مناشي ملك المملكة الجنوبية بثورة ضد آشور بانبيال عام 652 ق.م فنفاه هذا إلى آشور.

ثم اندلعت الثورات، بشكل أكثر وضوحاً، في أطراف الإمبراطورية الآشورية، فأكدت المملكة الجنوبية استقلالها تحت حكم هوشع، واستقلت بابل تحت حكم الأسرة الكلدانية البابلية الجديدة. ثم اندلع الصراع بين أعضاء النخبة في آشور على ما تبقَّى من قوة، فهاجمهم البابليون (تحالف الكلدانيين والحوريين) وسقطت في أيديهم العواصم الآشـورية في الفـترة
(614 ـ 612 ق.م). أما الجيش الآشوري، وكان دائماً يشكل دولة داخل الدولة، فقد صمد بعض الوقت في حران بمساندة المصريين.
ولكن، في الفترة (610 ـ 609 ق.م)، نجح الكلدانيون (بمساعدة هوشع الذي خرَّ صريعاً في المعركة) في تأخير زحف القوات المصرية، وبذلك اختفت الدولة الآشورية وظهرت الدولة البابلية الجديدة.


عبد الوهاب المسيري

عبير جلال الدين 08-16-2010 11:32 PM

الإبــــادة النازيــــة للغــــجر
Nazi Extermination of Gypsies


ارتبطت عبارة «الإبادة النازية» بكلمة «اليهود» بحيث استقر في الأذهان أن النازيين لم يبيدوا سوى اليهود.
وقد ساعد الإعلام الغربي والصهيوني على ترسيخ هذه الفكرة حتى أصبح دور الضحية حكراً على اليهود.
بل تطور الأمر إلى حد أنه إذا ما أراد باحث أن يبيِّن أن الإبادة النازية لم تكن مقصورة على اليهود، وإنما هي ظاهرة شاملة ممتدة تشمل الغجر والسلاف والبولنديين وغيرهم، فإنه يصبح هدفاً لهجوم شرس.

ونحن نرى أن ثمة اتجاهاً كامناً نحو الإبادة في الحضارة العقلانية المادية الحديثة، وأنه تحقق بدرجات متفاوتة من الحدة والتبلور واتخذ أشكالاً مختلفة.
وإحدى لحظات التحقق المتبلورة هي الإبادة النازية للغجر، التي ورد الوصف التالي لها في إحدى منشورات اليونسكو.

كانت إبادة الغجر مُدرجة في برنامج ألمانيا النازية.
وكان لدى شرطة إقليم بافاريا الألماني منذ عام 1899 قسمٌ خاص « بشئون الغجر» يتلقى نسخاً من قرارات المحاكم المكلّفة بالبت في المخالفات التي يرتكبها الغجر.
وتحوَّل هذا القسم عام 1929 إلى « مركز وطني»مقره ميونيـخ، وحُظر على الغـجر منذ ذلك التاريخ التنقل بدون تصريح الشرطة.
وكان الغجر الذين يزيد أعمارهم على السادسة عشرة ولا يعملون يُجبرون على العمل لمدة سنتين في مركز من مراكز التأهيل.
وابتداءً من عام 1933، وهو تاريخ وصول هتلر إلى الحكم، زادت تلك القيود شدة وصرامة. وطُرد الغجر الذين لا يحملون الجنسية الألمانية، وزُجّ بالباقين في المعتقلات بحجة أنهم
«غير اجتماعيين ».

ثم بدأ الاهتمام بالبحث في الخصائص العِرقية للغجر، فأعلن الدكتور هانز جلوبكه
ـ أحد المساهمين في صياغة قوانين نورمبرج ـ عام 1936 ـ
أن الدم الذي يجري في عروق الغجر « دم أجنبي ».
ثم صنَّفهم الأستاذ هانز ف. حينثر في فئة مستقلة تمثل مزيجاً عرْقياً غير محدَّد (إذ لم يستطع نفي أصلهم الآري). وبلغت الخصائص العرْقية لدى الغجر من الأهمية درجة أهلتها لأن تصلح موضوعاً لرسالة دكتوراه. ومما قالته إيفا جوستين مساعدة الدكتور ريتّر في قسم الأبحاث العِرقية بوزارة الصحة (عند مناقشة رسالتها) إن الدم الغجري « يُشكِّل خطراً بالغاً على صفاء الجنس الألماني ».

ووجَّه طبيب يُدعَى الدكتور بورتشي مذكرة إلى هتلر يقترح فيها فرض الأشغال الشاقة على الغجر وتعقيمـهم بالجملة نظراً لأنهم "يُشكِّلون خطراً على نقاء دم الفلاحين الألمان".

وفي 14 ديسمبر عام 1936، صدر قرار أدى إلى تفاقم أوضاع الغجر إذ وصمهم بأنهم
« مجرمون معتادون على الإجرام». وفي نهاية عام 1937 وخلال عام 1938 شُنت حملات اعتقال جماعية عديدة ضد الغجر وخُصِّص لهم جناح في معتقل بوخنولد،
وكانت قوائم الوفيات في كثير من المعسكرات تحوي أسماء غجرية يُذكَر منها:
ماوتهاوسن وجوسن وداوتمرجن وناتلزفايلر وفلوسنبورج. وفي رافنسبروك،
راحت كثيرات من نساء الغجر ضحايا لتجارب أطباء الشرطة العسكرية الهتلرية
الإس. إس. (ss).

وفي عام 1938، أصدر هملر بنفسه أمراً بنقل مقر المركز الوطني لشئون الغجر إلى برلين. وفي السنة نفسها اعتُقل ثلاثمائة غجري كان قد استقر بهم المقام في قرية مانفويرت حيث كانوا يملكون الحقول والكروم. وقد أمر هملر بتصنيف الغجر في الفئات التالية:
غجري صرف (Z)،
وخلاسي يغلب عليه العرْق الغجري (ZM+)،
وخلاسي يغلب عليه العرْق الآري (ZM-)،
وخلاسي يتساوى فيه العرْقان الغجري والآري (ZM).

ويميِّز المؤرخ ح. بلِّنج في كتابه ألمانيا وإبادة الجنس بين أساليب مختلفة لإبادة الجنس تتمثل في الإبادة عن طريق إزالة القدرة على الإنجـاب واخـتطاف الأطفال، والإبادة عن طريق الزج في المعتقـلات، والإبادة عن طريق الإفناء.

وقد عُقِّمت في مستشفى برسلدورف - لبيرنفلد نساء غجريات متزوجات من غير الغجر، ومات بعضهن على أثر تعقيمهن وهنَّ حوامل.
وفي رافنسبروك، قام أطباء الإس. إس. بتعقيم مائة وعشرين فتاة غجرية صغيرة.

وكان من أمثلة الإبادة الجماعية عن طريق الاعتقال ترحيل خمسة آلاف غجري من ألمانيا إلى جيتو لودز في بولندا، وكانت ظروف المعيشة في هذا الجيتـو من الفظاعـة بحيث لم ينج أحد من هؤلاء الغجر من الهلاك. ومع ذلك فإن الطريقة التي كان يؤثرها النازيون هي طريقة الإفناء المباشر.

ويُعتقد أن قرار إبادة الغجر بالإفناء اتُخذ في ربيع عام 1941 عندما شُكِّل ما عُرف باسم «فرق الإعدام». ولكي يتحقق ذلك كان يتعيَّن جمع الغجر في أماكن محددة. فمنذ صدور قرار هملر في 8 ديسمبر 1938، كانت أماكن سكنى الغجر قد أصبحت معروفة لدى الشرطة، ثم جاء قرار 17 نوفمبر 1939 ليحظر عليهم ترك منازلهم أو ليضعهم تحت طائلة الحبس في معسكرات الاعتقال. ورُحل ثلاثون ألف غجري إلى بولندا فلاقوا حتفهم في معتقلات الموت في بلزك وتربلينكا وسوبيبور ومايدانك، شأنهم شأن آلاف آخرين رُحلوا من بلجيكا وهولندا وفرنسا إلى معتقل أوشفيتس.

ويروي هويس، قائد المعتقل، في مذكراته أنه كان بين المعتقلين شيوخ يناهزون المائة سنة من العمر ونساء حوامل وأعداد كبيرة من الأطفال. كذلك يروي بعض السجناء الذين نجوا من الهلاك، كما يسرد كولكا وكرواس في كتابهما المعنون مصنع الموت، قصة مذبحة الغجر الرهيبة التي وقعت في ليلة 31 يوليه عام 1944.

وفي بولندا، كان الغجر يُقتلون في معسكرات الموت أو يُعدمون في البراري. وامتد نطاق القتل إلى الاتحاد السوفيتي عندما اندلعت نيران الحرب بين الألمان والسوفييت، فكانت فرق الإعدام التابعة للإس. إس. تسير مع الجيوش الألمانية، وكانت القبور الجماعية تملأ مناطق البلطيق وأوكرانيا والقرم.
وفي ليلة 24 ديسمبر 1941 أُعدم رمياً بالرصاص في سيمفيروبول ثمانمائة غجري من الرجال والنساء والأطفال. وحينما زحفت الجيوش النازية، كان الغجر يُعتقلون أو يُرحلون إلى المعسكرات أو يُقتلون. وفي يوغسلافيا، كان الغجر واليهود يُعدمون في غابة باجنيس.

ومن الصعب تقدير عدد الغجر الذين كانوا يعيشون في أوربا قبل الحرب العالمية الثانية وعدد ضحايا هذه الحرب. ويُقدِّر المؤرخ راؤول هيلبرج عدد الغجر في ألمانيا قبل الحرب بأربعة وثلاثين ألف نسمة؛ أما عدد من بقي منهم على قيد الحياة بعدها فغير معروف. ويتبيَّن من تقارير فرق الإعدام أن عدد الضحايا في روسيا وأوكرانيا والقرم بلغ ثلاثمائة ألف غجري، بينما تُقدر السلطات اليوغسلافية عدد القتلى من الغجر بثمانية وعشرين ألفاً في الصرب وحدها.
أما عدد الضحايا في بولندا، فمن الصعب تقديره وإن كان المؤرخ تيننباوم يؤكد أن الشعب الغجري فقد على الأقل خمسمائة ألف من أبنائه. هذا، مع العلم بأن الشعب الغجري شعب عريق وكثير النسل (على عكس اليهود).
وعلى كل حال، ومهما اختلفت النسب، فإن نسبة من أُبيد من الغجر (إلى عددهم الكلي) يفوق نسبة من أُبيد من اليهود.

عبير جلال الدين 08-16-2010 11:35 PM

الإبــادة الصامتــة
Silent Holocaust

«الإبادة الصامتة» مُصطلَح شائع في الولايات المتحدة (في الأوساط الصهيونية)
يُستخدَم للإشارة إلى معدلات الاندماج والزواج المُختلَط المرتفعة باعتبارهما عناصر ستؤدي إلى إبادة اليهود وإلى «موت الشعب اليهودي».

الإبادة النازية ليهود أوربا: مشكلة المصطلح
Nazi Extermination of Western Jewry: The Problem of Terminology


يُستخدَم مصطلح «الإبادة» في العصر الحديث ليدل على محاولة القضاء على أقلية أو طائفة أو شعب قضاء كاملاً. ويُطلَق مصطلح «إبادة اليهود»
(بالإنجليزية: إكستيرمينيشن أوف ذا جوز extermination of the Jews) في الخطاب السياسي الغربي على محاولة النازيين التخلص أساساً من أعضاء الجماعات اليهودية في ألمانيا وفي البلاد الأوربية (التي وقعت في دائرة نفوذ الألمان) عن طريق تصفيتهم جسدياً (من خلال أفران الغاز).
وتُستخدَم أيضاً كلمة «جينوسايد genocide» وهي من مقطعين «جينو» من الكلمة اللاتينية «جيناس genus» بمعنى «نوع» و«كايديس caedes» بمعنى «مذبحة».

وتُستخدَم أيضاً عبارة «الحل النهائي» للإشارة إلى
«المخطط الذي وضعه النازيون لحل المسألة اليهودية بشكل جذري ونهائي ومنهجي وشامل عن طريق إبادة اليهود، أي تصفيتهم جسدياً».

ويُشار إلى الإبادة في معظم الأحيان بكلمة «هولوكوست» وهي كلمة يونانية تعني «حرق القربان بالكامل» (وتُترجم إلى العبرية بكلمة «شواه»،
وتُترجم إلى العربية أحياناً بكلمة «المحرقة»).
وكانت كلمة «هولوكوست» في الأصل مصطلحاً دينياً يهودياً يشير إلى القربان الذي يُضحَّى به للرب، فلا يُشوى فقط بل يُحرق حرقاً كاملاً غير منقوص على المذبح، ولا يُترك أي جزء منه لمن قدَّم القربان أو للكهنة الذين كانوا يتعيشـون على القرابين المقدمة للرب.
ولذلك، كان الهولوكوست يُعّدُّ من أكثر الطقوس قداسة، وكان يُقدَّم تكفيراً عن جريمة الكبرياء. ومن ناحية أخرى، كان الهولوكوست هو القربان الوحيد الذي يمكن للأغيار أن يُقدِّموه.

ومن العسير معرفة سر اختيار هذا المصطلح، ولكن يمكننا أن نقول إن المقصود عموماً هو تشبيه « الشعب اليهودي » بالقربان المحروق أو المشوي وأنه حُرق لأنه أكثر الشعوب قداسة. كما أن النازيين، باعتبارهم من الأغيار، يحق لهم القيام بهذا الطقس. أو ربما وقع الاختيار على هذا المصطلح ليعني أن يهود غرب أوربا أُحرقوا كقربان الهولوكوست في عملية الإبادة النازية ولم يبق منهم شيء، فهي إبادة كاملة بالمعنى الحرفي.
ولكن حينما تستخدم الجماعات المسيحية الأصولية (الحرفية) في الولايات المتحدة كلمة «هولوكوست» فهي تركز على جريمة الكبرياء، إذ ترى أن الإبادة عقاب عادل حاق باليهود بسبب صلفهم وغرورهم وكبريائهم.

ويُشار إلى الإبادة أحياناً بأنها «حُربان» وهي كلمة عبرية تُستخدَم للإشارة إلى «هدم الهيكل»، فكأن الشعب اليهودي هنا هو الهيكل، أو البيت الذي يحل فيه الإله، والإبادة هي تهديم بيت الإله. وهذه الكلمة تُدخل حادثة الإبادة التاريخ اليهودي المقدَّس.

وفي الوقت الراهن، تُستخدَم كلمة «هولوكوست» في اللغات الأوربية للإشارة إلى أية كارثة عظمى. فيشير الصهاينة، على سبيل المثال، إلى «الزواج المختلـط» بين اليهـود بأنـه «الهولوكوست الصامت» (بالإنجليزية: سايلانت هولوكوست silent Holocaust). وحينما يُصعِّد العرب من مقاومتهم للمستوطنين الصهاينة فإنهم ـ حسب المصطلح الصهيوني ـ يهددونهم بالهولوكوست.
واستخدمت إحدى الصحف هذا المصطلح للإشارة إلى إحدى صفقات أسلحة الميراج بين ليبيا وفرنسا.
كما استخدم أحد المتحدثين الصهاينة كلمة «هولوكوستي »
وهي اسم صفة مشتق من هولوكوست فأشار إلى أحد الأفلام بأنه ليس
«هولوكوستيHolocausty » بما فيه الكفاية.
وهذا الاستخدام المستمر والممجوج للمصطلح يؤدي إلى نتائـج كوميدية أحياناً.
إذ تسـاءل أحد دعاة حماية البيئة في نبرة جادة قائلاً: « كيف يمكن أن نستنكر الهولوكوست ضد اليهود، ونحن نذبح ستة مليون دجاجة يومياً؟»،
أي أنه ساوى بذلك بين الطبيعي والإنساني، وبين الدجاجة واليهودي، ودفع بالنموذج العلماني الشامل إلى نتيجته المنطقية وأطلق استنكاره هذا.

ويتم في الوقت الحاضر الاتجار بالهولوكوست وتوظيفها بشكل ممجوج لخدمة الأهداف الصهيونية والتجارية. وقد ظهرت مجموعة من المصطلحات المشتقة من كلمة «هولوكوست» والتي تُعبِّر عن الاستياء العميق من عملية التوظيف هذه.
فنحت أحد الكُتَّاب كلمة «هولوكيتش Holokitsch» لوصف الكُتب والأفلام عن موضوع الهولوكوست والتي تُنتَج وتُنشَر بهدف تحقيق الربح، حيث إنها تحاول إثارة العواطف واستغلالها على أسوأ وجه.
وكلمة «كيتش» في اللغة الألمانية تعني الأعمال الفنية الشعبية الرديئة. كما ظهرت عبارة «هولوكوست بيزنس Holocaust business» أي «مشروع الهولوكوست التجاري»، بمعنى توظيف الهولوكوست تجارياً لتحقيق الأرباح العالية. ومن العبارات الأخرى المتواترة عبارة «هولوكوست مانيا Holocaust mania»، أي «الإنشغال الجنوني أو المرضي بالإبادة».

ومن المعروف أن هناك عدة شعوب قامت من قبل بإبادة شعوب أخرى أو على الأقل بإبادة أعداد كبيرة منها.
ووردت في العهد القديم أوامر عديدة بإبادة سكان أرض كنعان وطردهم. ولكن من الثابت تاريخياً أن العبرانيين والكنعانيين تزاوجوا، وأن معظم ادعاءات الإبادة قد تكون من قبيل التهويلات التي تتواتر في كثير من الوثائق القديمة أو تكون ذات طابع مجازي. وربما يكون قد تم فعلاً إبادة سكان مدينة أو اثنتين، لكن هذا لم يكن النمط السائد نظراً لتدني المستوى العسكري لدى العبرانيين، كما أن استيطان العـبرانيين لم يتم عن طـريق الغزو دفعة واحـدة وإنما عن طريق التسـلل أيضاً. ويسـتند الاسـتعمار الاسـتيطاني الإحلالي الغربي إلى الإبادة، فهذا ما فعله سكان أمريكا الشمالية البيض بالسكان الأصليين، وهي عملية استمرت حتى أواخر القرن التاسع عشر.

وفي تصوُّرنا أن ما يميِّز تجربة الإبادة النازية عن التجارب السابقة أنها تمت بشكل واع ومخطط ومنظَّم وشامل ومنهجي ومحايد، عن طريق استخدام أحدث الوسائل التكنولوجية وأسـاليب الإدارة الحديثـة (أي أنها تجربة حديثة تماماً، منفصـلة عن القيمة).
وهذه السمات مرتبطة بتزايد معدلات الترشيد والعلمنة الشاملة وتحييد الواقع كله (الإنسـان والطبيعـة) وتحويلـه إلى مادة استعمالية ليسـت لها قداسـة خاصة، وذلك حتى يمكن التحكم (الإمبريالي) فيه وإخضاعه للتجريب بلا تمييز بين الإنسان والحـيوان أو بين الألماني واليهودي، وهو ما نسميه في مصطلحنا «الحوسلة»، أي تحويل كل شيء، وضمن ذلك الإنسان، إلى وسيلة.
ومن ثم فهـناك فارق ضـخم بين الإبادة (الحـديثة) وبين المذابح في المجتمعات التقليدية،
إذ كانت المذابح تتم عادةً بشكل تلقائي غير منظم وغير منهجي وغير مخطط.

عبد الوهاب المسيري

عبير جلال الدين 08-16-2010 11:38 PM

بابل


كلمـة «بابل» من
العبـارة الأكـادية: «باب إيلي» أي «بوابة الإله».
وتُطلَق كلمة «بابل» على عاصمة
إمبراطورية بابل القديمة. وتقع أنقاضها على مقربة من مدينة الحلة في وسط العراق،
على بعد خمسة وخمسين كيلو متراً من بغداد، وعلى نهر الفرات حيث تقترب من نهر دجلة.
وقد كان لموقعها أثر كبير في تَحكُّمها في التجارة. وقد بلغت بابل ذروة مجدها في
عهد حمورابي، ثم دُمرت في عهد سناخريب، لكن أُعيد بناؤها في الدولة البابلية
الجديدة. واشتهرت بابل بمبانيها وقصورها وحدائقها المعلقة التي تُعَدُّ إحدى عجائب
العالم القديم.
تُعرَف بابل في العهد القديم باسم «أرض شنعار» أو «كيديم»، وقد كان اسم «بابل» يشير إلى المنطقة المعروفة بهذا الاسم وإلى العاصمة.
وتُعَدُّ بابل رمزاً للوثنية بالنسبة إلى أنبياء
اليهود،ولكن مضمون الكلمة تـغيَّر فيما بعـد بحيث أصـبحت تعادل لدى اليهود كلمة
«منفى» في معناها. وقـد ارتبط اسم بابل كذلك بكلمة «زقورة بابل»، ومعناها «برج».

وتستخدم بعض الكتابات الصهيونية،وأحياناً اليهودية، مصطلح «بابل» للإشارة إلى العراق وإلى بلاد الرافدين حتى بعد أن ظهر اسم العراق مصطلحاً يشير إلى هذه المنطقة،
وحتى بعد أن ظهر العراق بوصفه جزءاً من الكيان العربي والإســلامي بعد الفتح العربي.
وهذا استخدام يُذكِّر بالإشارة إلى فلسطين باعتبارها إرتس يسرائيل.


بارجيورا (منظمة)
منظمة عسكرية


صهيونية سرية أسسها في فلسطين عام 1907 كل من: يتسحاق بن تسفي، وإسرائيل شوحط،
وغيرهما من المسـتوطنين الصـهاينة الأوائل، وكان شـعارها "بالدم والنار سقطت يهودا،
وبالدم والنار ستقوم يهودا"، وقد استلهمت اسمها من اسم شيمون بارجيورا ـ
قائد التمرد اليهودي الأول ضد الرومان في فلسطين ما بين عام 66 وعام 70.

تولت المنظمة أعمال حراسة المستوطنات الصهيونية في الجليل، كما عملت على خلق قوة مسلحة يهودية في فلسطين.
واستمرت تعمل حتى 1909 حيث أتاح تطورها فرصة تأسيس منظمة أكثر اتساعاً


الساعة الآن 08:07 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team