منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الحوارات الثقافية العامة (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   تعلم كيف تنظر فى المرآة (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=2856)

محمد جاد الزغبي 12-29-2010 09:07 PM

تعلم كيف تنظر فى المرآة
 
تعلم كيف تنظر فى المرآة
رسالة إلى كل مثقف

هناك مقولة لجوبلز .. وزير إعلام الحزب النازى فى الحرب العالمية الثانية " 1939 ـ 1945 " .. مقولة عبرت عن مدى القدرات الشيطانية لهذا الوزير الفذ الذى كان بوق الحرب الخرافي لأدولف هتلر .. والقائد الإعلامى للروح المعنوية التى وقفت خلف انتصارات ألمانيا المذهلة على مدى الثلاث سنوات الأولى من بدء الحرب بالرغم من أنها خاضت الحرب منفردة وعلى ثلاث جبهات إلا أنها تمكنت من تركيع أوربا بإسقاط فرنسا وحبس الأسد البريطانى فى جزيرته ..
يقول جوبلز ..
كلما سمعت كلمة مثقف .. تحسست مسدسي
والعبارة تعكس مدى الإدراك العميق عند جوبلز لمدى خطورة الدور الذى يمكن أن يلعبه المثقفون فى حياة الأمم والشعوب .. وهو اعتقاد حقيقي دون شك .. لأن تربية الرأى العام تقع على كاهل المثقفين .. وما هانت أمة إلا بهوان مثقفيها ومفكريها أو بتحجيم نشاطهم ومنعهم من التواصل مع العامة
ولهذا كان التخوف رهيبا من جميع أنظمة الحكم الديكتاتورية تجاه المثقفين بمختلف العصور كما رأينا مع جوبلز .. لأن المثقفين بما لهم من فكر فى جو ديمقراطى كان كفيلا بإجلاس هؤلاء الحكام فى بيوتهم

وهو الأمر الذى فضلته ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية واليابان العسكرية فتسبب هذا فى سقوطهم التام الحرب العالمية الثانية وانتصرت الدول التى تقدر مفكريها وتستمع لهم وتأخذ قرارها من شعوبها بالرغم من فارق التفوق الكاسح الذى كان لصالح المحور على الحلفاء فماذا عن حال المثقفين وأزمتهم فى العالم العربي .. تلك الأزمة التى عالجها أو حاول معالجتها مختلف المفكرين ؟!
لو أننا أخذنا بمنهج جوبلز وفلسفته لكان لزاما علينا تغيير عبارته قليلا لتناسب مثقفي العالم العربي فتصبح العبارة
" كلما سمعت كلمة مثقف .. تحسست معدتى ! "

وهى حقيقة مرة .. لأن الثقافة والمثقفين لا يثيرون بقلوب العامة الآن إلا الإشمئزاز بعد أن تباعدت المسافة إلى درجة هائلة بين المثقف وإرادته من ناحية , وبينه وبين وجمهوره من ناحية أخرى .. مع عهد طويل من الانهيار الفكرى ترك العقول جوفاء فارغة إلا من النظر تحت أقدامها
وعوامل الانهيار شاملة وترتكن إلى عشرات الأسباب التى يصعب تناولها ..
لكن السبب الذى يستحق النظر إليه والتركيز حول وجوده ..
هو دور المثقفين أنفسهم فى انهيار الثقافة ! ..
هذا الدور الذى ينحصر فى التنازلات التى قدمها المثقفون تنازلا تلو الآخر عبر العصور الأخيرة ..
ولو أخذنا الأمثلة على التنازلات لكشفنا فى بساطة سبب التراجع الذى بدأ مع الإستقلال الظاهرى للوطن العربي بداية من منتصف القرن الماضي .. وإنّــا وإن كنا نحمل كل التقدير لتلك الأسماء اللامعة من قادة الفكر .. إلا أن تقديرنا هذا لن يمنعنا من تحميلهم مسئولية تسليمهم إيانا راية الفكر منكسة !
وسيأتى في هذا الموضوع ذكر لأسماء لامعة لها على الفكر العربي فضل عظيم بلا شك , وهم كانوا ـ ولا زالوا ـ أساطينا في عالم الثقافة , وليس عتابنا لهم اليوم إلا لدواعى الدراسة والفهم لمشكلة الثقافة في العصر الحديث ودور الأجيال السابقة في غياب دور المفكرين عن قيادة وتربية الرأى العام اليوم ,

ففي مصر ..
وبعد عهد كبير من حرية الفكر فى عصر الثورات الشعبية التى قادها أهل الثقافة المحترفون على الوضع السياسي والاجتماعي .. دخلت مصر النفق المظلم بانتهاء تلك المرحلة التى تألق فيها أحمد أمين والرافعى ومصطفي كامل ولطفي السيد وقاسم أمين وسعد زغلول وعلى يوسف وحسن البنا وعشرات غيرهم ,
ليبدأ العهد العسكري الذى كان له أبلغ الأثر في تكوين الأرضية الحقيقية لثقافة النفاق والمداهنة وأهل الثقة وأهل الخبرة !

ومع بدايات الحكم الجديد ورسوخه عام 1954 م بتغلب جمال عبد الناصر وخروجه كاسبا للجولة الأخيرة بينه وبين محمد نجيب فى أزمة مارس من نفس العام .. كان حال المثقفين وقادة الفكر كالتالي :
قسم صدمه الواقع الذى فوجئ به مانعا حقيقيا أمام أى اعتراضات جوهرية .. فآثر الابتعاد عن مفسحا المجال للسادة الجدد لعلمهم يقينا بما سوف يلاقيه أيا منهم إذا دار بذهنه القيام بنفس الدور الذى اعتاد عليه قديما ..
مثل الدكتور عبد الرازق السنهورى وعبد الحميد بدوى وعبد الرحمن الشرقاوى والدكتور محمد حسين هيكل و عباس العقاد ومن تلامذتهم فيما بعد خالد محمد خالد ومصطفي محمود وغيرهم
والشاهد أن هذا القسم من المفكرين تعلموا من رأس الذئب الطائر قبل أن يطير فعلا ! , وصدقت تنبؤاتهم وتعرض المفكرون المعارضون لأبشع أنواع التعذيب والقهر
وكان العقاد هو الذى بدأ فى التقوقع بأبحاثه ودراساته الأدبية والإسلامية مكتفيا من الغنيمة بالإياب نائيا بنفسه عن المعركة التى علم أن كلا طرفيها مهزوم بالرغم من سابقة نضاله الكبير فى تجربته مع الملك فؤاد عندما دخل السجن تنفيذا لحكم على جريمة العيب فى الذات الملكية فى البرلمان الذى كان عضوا به فى الثلاثينيات , وتجربته مع الألمان فى الحرب العالمية الثانية وشرحه الكامل لخطورة النازية على أرض مصر دافعا بشدة وجهة نظر الذين أملوا فى الألمان على النحو الذى دفع روميل القائد الألمانى الشهير إلى إعلان حكمه المسبق بالإعدام على العقاد فور دخوله إلى مصر منتصرا
واكتفي العقاد بأن ترك نفسه تغلى فى صمت وهو يرضخ صاغرا لرياسة ضابط صغير فى المجلس الأعلى للفنون والآداب دون أن يفتح فمه بكلمة لا هو ولا طه حسين ولا توفيق الحكيم على حد تعبير هذا الأخير [1]

وقسم ثان وقع أسيرا لغيبة الوعى بالرغم من قدراته الفكرية فتصور خيرا فى هذا الحكم فصار مؤمنا بآماله وبالتالى أصبح بوقا له .. وإن كان البوق هنا دوره عن اقتناع لا عن نفاق .. ومنهم إحسان عبد القدوس وكامل الشناوى ولطفي الخولى وفتحى غانم والمفكر الكبير توفيق الحكيم
وكان توفيق الحكيم هو صاحب تعبير غيبة الوعى وعودته بعد ذلك , عندما كشف عن مأساة صمته طيلة السنوات السابقة قبل عام 1970 م وحرر بذلك وثيقة ضمنها كتابا شهيرا هو " عودة الوعى "



لهوامش :
[1] ـ عودة الوعى ـ توفيق الحكيم ـ دار الشروق

محمد جاد الزغبي 12-29-2010 09:10 PM

وقسم ثالث رهن فكره وجنده كاملا للتجربة وعن اقتناع تام .. ووقف إلى جوارها داعما ومتناسيا وغافرا لكل خطاياها فى نظير قدسية الرسالة القائمة على فكرة القومية العربية التى حلت محل فكرة الخلافة مثل أحمد بهاء الدين وصلاح حافظ وكامل زهيري ومحمد عوده ومحمود السعدنى ومحمد التابعى وصلاح جاهين وتلامذتهم مثل يوسف القعيد وجمال الغيطانى وجلال عارف وغيرهم
وعلى رأس هؤلاء يقبع مفكرنا الكبير محمد حسنين هيكل .. والذى كانت علاقته الشخصية بعبد الناصر وإخلاصه له سببا مباشرا فى تعميق التجربة الناصرية بدون أدنى مبالغة .. فهو مُبشرها وصانع خططها وصائغ نظريتها وهو الذى جعل من الناصرية مجالا فكريا قبل أن يكون سياسيا
لأن وقوف هيكل إلى جانب عبد الناصر أتى لاتفاق خلفيته وقناعاته مع مبادئ التجربة وهى الخلفية التى أدت فيما بعد إلى ابتعاد هيكل ورفضه التام للتعاون مع السادات فى إستراتيجيته الجديدة القائمة على هدم الثوابت الناصرية
فكان هو الكاتب الأوحد لخطب عبد الناصر فضلا على أنه صائغ ( الميثاق ) وبيان ( 30 مارس ) وهو الكاتب الحقيقي لكتاب ( فلسفة الثورة ) , ثم كان هو أخيرا صاحب الموسوعات السياسية والتاريخية التي أرخت للناصرية مثل كتبه ( قصة السويس ـ ملفات السويس ـ سنوات الغليان ـ الإنفجار ) [1]

وقسم رابع .. جعل ولاءه الأول لأيديوليجيات مختلفة رهن لها قدراته الفكرية ودافع عنها غاضا النظر عن الثوابت المتمثلة فى النهوض بالأمة .. أى أنه اهتم بالنظرية وأهمل فشل التطبيق !
مثال هؤلاء قمم المفكرين التى رهنت نفسها للمذاهب الماركسية والتى شغلت نفسها طوال الوقت بالدفاع عن معتقدات لا تثمن ولا تغنى من جوع فكانت حربها حرب ديوك لا هدف منها إلا المناطحة
مثال هؤلاء لويس عوض ومحمود أمين العالم و مفكر قدير مثل الدكتور فؤاد زكريا .. والذى وقف منتقدا ومفندا للتجربة الناصرية فى بداية السبعينيات داعيا إلى اليقظة الواجبة لحال الأمة .. لكن دعوته وللأسف الشديد لم تكن لعودة الوعى للأمة بل لليسار الذى يُعتبر أحد أقطابه
وكانت دراساته تلك مركزة وموجهة لليساريين للنهوض والإفاقة من فكرة التحالف مع الناصرية والالتفات إلى أنفسهم خوفا من اليمين المتشدد الذى يوشك أن يأكل بساط الساحة بعد سقوط الناصرية .. وليس أدل من ذلك أن دراساته تلك التى احتضنتها صفحات جريدة روز اليوسف فى معركة فكرية مطولة كانت بعنوان " عبد الناصر واليسار المصري "

وكم يدمى القلب أن ينطق تلميذ مخلص لأساتذته الكبار بتعبير قاس كالذى استخدمته معبرا عن خطيئتهم تجاه الثقافة والمثقفين وأجيال الفكر .. فهؤلاء بالرغم من قدراتهم وفضلهم وبالرغم من أية عوامل كانت حاكمة لهم عند اتخاذهم مواقفهم السابقة .. كانوا هم الذين سلموا الراية للأجيال التالية منكسة الرأس مريرة الحماسة .. وكل منهم له دور فى تلك الأزمة
فالذين ابتعدوا كالعقاد فضلوا حفظ أنفسهم بعيدا عن دوائر الإهانة أو النفاق وليس دون الاثنتين سبيل كما قدروا الموقف وقتها
فمواصلة المقاومة كانت ستنتهى حتما بإخراس اللسان المتحدث وبأبشع وسيلة ممكنة ..
والمبادرة إلى التأييد بدون اقتناع حقيقي كانت حتما ستجره إلى النفاق .. لكن هذا الإبتعاد كان ثمنه غاليا فيما بعد عندما ضاعت الأسس التى أسسها العقاد وأمثاله فى الفكر العربي مع انسحاب جموع الشباب والمثقفين إلى الجانب الآخر دون راد لهم لغياب التوجيه ..
وهكذا خسر العقاد مثلا .. كثيرا من أثره الفكرى و الذى أصبح حكرا على نوعيه معينة من المثقفين وكان لزاما له أن يقود الأمة كلها من المحيط إلى الخليج مع رفعه لراية التوحيد والإدراك والتأمل فى التاريخ الاسلامى وإسناد الكتف إلى مرجعية قادرة على انتزاع التشتت الذى نعانيه الآن .. وذنب الأستاذ العقاد هنا يقع أنه سلم الراية مبكرا جدا وكانت الصورة رمادية فقط مما يؤمل معه محاولة إدراك الحقيقة وممارسة الرسالة ولو من خارج مصر
أما الذين غاب وعيهم .. واستعادوه متأخرا .. فقد كان أثرهم أعمق فى التأثير .. فقد جاءوا منكرين لما سبق أن أيدوه .. وبغض النظر عن مختلف الأعذار فالتراجع عن المواقف من الخطأ إلى الصحة أمر محمود ما لم يكن فى عقيدة أو رسالة كاملة .. عندئذ يكون التراجع أمرا مدمرا لا سيما إن جاء منكرا لسابق المبادئ بلا استثناء
وهذا ما حدث فى تجربة توفيق الحكيم .. والذى لم يبرئ نفسه كمفكر يتحمل مسئولية غياب وعيه عندما انقلب موقفه من غياب للوعى إلى عودة مفاجئة على حد تعبير الكاتب وفى ظروف قاسية تلت أحداث النكسة مما تسبب فى انهيار تام لثوابت كان الشباب يؤمنون بها إيمان العقيدة وقد تشكلت فى وعيهم عبر كتابات هذا القسم من المفكرين وردد العشرات خلف توفيق الحكيم كلمات اللبنة الذهب واللبنة الفضة التى تتشكل من كفاح الشعب العامل وهى الكلمات التى وردت فى روايته الشهيرة " الأيدى الناعمة"

فكان طبيعيا أن يكون أثر الصدمة مخلفا وراءه شظايا متفجرة لأفكار سقطت وسقط معها مؤيدوها بعد أن هانت عندهم كل قيمة وكل قمة .. تماما كما حدث بالإتحاد السوفياتى عندما فوجئ الشعب كله بمدى عمق الخدعة التى وقعوا فيها سنوات طوال وهم يأملون فى كل عام أن تتحسن أمور الدولة وتبدأ عهود الرفاهية فإذا بالرئيس السوفياتى السابق " ميخائيل جورباتشوف " يفاجئهم فى بداية الثمانينيات بسياسة البروسترويكا والجلاسوسنت التى تعنى المصارحة وإعادة البناء وكشف لهم دهاليز الأحداث فثارت ثورتهم وقاموا هادمين مخربين على خلاف التوقعات التى كان يأملها جورباتشوف الحالم بتأييد شعبه إذا صارحه بكل الحقائق ..
لأن الحقائق هدمت نصف قرن تقريبا من الشظف والمعاناة اكتشف الشعب فجأة أنها ذهبت فى الهواء وثمنا لأسطورة كلامية
والذنب هنا أوقع وأشد ..
لأن عودة الوعى جاءت غير منطقية لا سيما وأن التأمل نفسه كان غائبا عن إدراك ما تم إدراكه فيما بعد .. وبالتالى فمن الصعب قبول أى مبرر لغيابه فعليا عندما كانت الأحداث تجرى على أرض الحاضر
وبالنسبة للقسم الثالث من المفكرين وهو الذى يتزعمه أسطورة السياسة والصحافة محمد حسنين هيكل .. والذى رهن قدرته للرسالة العربية وهى بلا شك كانت دعوة لها أهميتها فى ظل عالم متغير وملئ بالأحداث طمعا فى تثبيت الهوية قبل ضياعها
لكن المحزن هنا
أن صمت هيكل وتجاوزه عن أخطاء النظام الناصري تقديرا منه لعمق تجربته كان صمتا وتجاوزا زائدا بأكثر مما هو مسموح فى أحيان كثيرة .. لأن الأخطاء تختلف عن الخطايا ..
أخطاء النظام الناصري التى كان من الممكن التجاوز عنها أقل بكثير من الخطايا التى كانت تضرب أمل التجربة الناصرية نفسها فى مقتل وهو ما حدث بالفعل وصمت عنه هيكل وعلى سبيل المثال ..
أزمة قانون الصحافة الشهير بتأميم الصحافة وانتشار الرقابة على الصحف وهو القانون الذى اعترض عليه هيكل وسمح له عبد الناصر بتعديل بعض بنوده إلا أن هذا التعديل لم يجن فائدة حقيقية وكان بداية لعهد الإعلام الرسمى الذى أصبح قاصرا على صوت النظام ومؤيديه .. ومفكر بحجم هيكل كونه يتقبل هذا بالرغم من عمق فكره الذى كان يعرض أمامه الأثر الفادح لمنهج الصمت إلا عن ما هو مسموح فتلك جريمة ما كان عليه أن يشارك فيها وقد رأى بعينيه نهاية التجربة النازية الألمانية بالرغم من قوتها لأنها كانت تجربة رجل واحد
ومن الغريب أنه أدرك خطورة تركيز القرار فى يد واحدة عندما أحال إليه عبد الناصر مسئولية دار أخبار اليوم إلى جوار مسئوليته عن الأهرام فقام هيكل بتعديل القرار وجعل له نائبا فى أخبار اليوم يتولى العمل المباشر كما التمس من عبد الناصر سرعة إنهاء هذا الوضع لأن جمع زمام المؤسستين فى يد واحدة هو تركيز للقوة الإعلامية بأكثر مما هو ضرورى .. على حد تعبيره فى كتابه الشهير ( بين الصحافة والسياسة ) [2]

فان كان هذا هو رأيه القاطع فى العمل الاعلامى ــ بالرغم من كفاءته المطلقة وقدراته التى تكفل له إدارة المؤسستين ــ فما باله سكت عن تركيز مصير أمة رهنا رجل واحد لا يقبل المراجعة أو النقد
وتأتى مسئولية هيكل هنا لمكانه ومكانته فى هذا العصر وهى المكانة التى كانت تسمح له بالصمود أو الإبتعاد عن مجرى الحوادث والكتابة إلى جماهيره محذرا طالما استشف برؤيته الثاقبة عواقب تلك الأمور وهو الأمر الذى فعله بعد ذلك مع حصار السادات له بعد عام 1974 م ..
لكنه فضل المكوث مع التجربة لنهايتها بالرغم من تحذيراته التى كانت لا تأتى بنتيجة حول قرارات بعينها أدت إلى النهاية المؤلمة مثل قرار حرب اليمن والصدام مع السعودية والعراق وتجربة الوحدة التى كانت برأى عبد الناصر نفسه تجربة سابقة لأوانها ومع ذلك نفذها منفردا بالقرار استجابة لنوازع عاطفة بحته من مجموعة الضباط السوريين الذين هبطوا عليه بمصر ملحين فى قبول الوحدة فاستجاب لهم لأجل ذلك وكذلك قرار التحرك العسكرى المظهرى فى أزمة خليج العقبة التى أدت إلى النكسة وقرار ترفيع رتبة عبد الحكيم عامر من الصاغ " رائد " إلى اللواء دفعة واحدة وتعيينه قائدا عاما للقوات المسلحة وبقاؤه رغم ثبات فشله ثلاث مرات على الأقل قبل كارثة النكسة .. وهلم جرا ..



الهوامش :
[1] ـ صدرت هذه الكتب كلها عن مركز الأهرام للترجمة والنشر ـ عدا الكتاب الأول صدر عن شركة المطبوعات بلبنان
[2] ـ بين الصحافة والسياسة ـ محمد حسنين هيكل ـ شركة المطبوعات

محمد جاد الزغبي 12-29-2010 09:14 PM

إن ابتعاد هيكل عن مسرح الأحداث معترضا فى تلك الفترة كان كفيلا بتحقيق إحدى الحسنيين ..
إما تراجع عبد الناصر لما يمثله هيكل من قلب وعقل فى جسد التجربة بأكملها .. وإما إيقاظ النائمين بقلمه صاحب الشعبية الخرافية والمكانة النادرة

وإنا وإن كنا نتفق مع أستاذنا القدير هيكل فى شأن عقدة الهزيمة التى تمكنت إسرائيل من بثها بأعماق الشعوب العربية حتى بعد حرب أكتوبر .. إلا أننا لا نملك أن نؤيد وجهة نظره كاملة
لأن هزيمة معركة وخسارتها هى بالطبع لا تمثل مبررا للبقاء رهنا لثقافة الهزيمة على حد تعبير أستاذنا الكبير
لكن من قال إن هزيمة يونيو كانت هزيمة معركة .. لقد كان احتلال الأراضي العربية هو أهون أثر فى تلك الهزيمة لأن الضربة الحقيقية كانت متمثلة فى وضوح الضباب الذى ظل حاجبا حقيقة القوة الفارغة وساق خلفه الملايين تأييدا فإذا بالهزيمة تأتى مدمرة وعلى نحو غير متوقع ليس بسبب تفوق الخصوم وإنما ـ من باب أكبر ـ بسبب هوان الأساس القائم على الكذب
وبالتالى كانت الهزيمة هزيمة مبادئ التجربة وانكشاف عريها وهو الدافع الحقيقي لليأس

ولم تكن الأرض المحتلة لتسبب تلك العقدة أو تكرس لهذه الثقافة إذا كانت الهزيمة لفارق تفوق الخصوم فقط .. كما حدث مع فرنسا مثلا بالحرب العالمية الثانية فقد سقطت فى قبضة هتلر كاملة وهى إمبراطورية ذات شأن فى تلك الآونة .. ودخل الألمان العاصمة الفرنسية الشهيرة وشاهدهم الفرنسيون أمام قوس النصر يمزقون معاهدة فرساى التى وقعتها ألمانيا المنهزمة بالحرب العالمية الأولى لفرنسا المنتصرة بها
وبالرغم من كل هذا الهوان لم تستسلم فرنسا وتفجرت المقاومة وقادها الجنرال شارل ديجول من الخارج حتى استعادت حريتها وكل هذا كان بسبب قيام الدولة الفرنسية على أسس حقيقية بين الحكم والشعب وبالتالي فلا يوجد مبرر لليأس وتكريس ثقافة الهزيمة طالما أن الخسارة جاءت لتفوق الخصم الذى تمكن من تحطيم القدرة الفرنسية مرحليا
وفعلتها ألمانيا عندما قامت من كبوتها وإهانتها بإرغامها على توقيع معاهدة الإستسلام فى الحرب العالمية الأولى فى فرساى ورضخت لشروط المنتصرين ولكنه كان رضوخا لمرحلة وقام الممثل الألماني بالتوقيع على المعاهدة وهو يقول للفرنسيين فى حزم " سنتقابل هنا مرة ثانية بعد عشرين عاما "
وقد كان .. لأن الهزيمة هنا أيضا لم تكن هزيمة تجربة أو مبادئ أو روابط بل هزيمة جيوش

أما بالنسبة للقسم الرابع من المفكرين وهو أشدهم إثما فى نظرى فهم أولئك القادة من المفكرين الذين سقطوا أسري لعدم المنطقية حتى مع أنفسهم ..
ومثالهم الماركسيين الذين ركزوا قدراتهم على الماركسية كمذهب وغضوا الطرف عن هموم أوطانهم حتى لو كانت تلك الهموم غير قابلة للحل بالطريق الماركسي ..
فصاروا يدافعون عن الوسيلة وأهملوا الغاية فى سبيل ذلك !!
فالمفروض أن أى مذهب أيديولوجى قائم على أساس الإرتقاء بالوطن تبعا لنظريات يؤمن بها فإن وقعت مصلحة الوطن فى مفترق طرق مع المذهب فمن الطبيعى أن يدير المفكرون رأسهم عنه لصالح الغاية وهو الوطن ويهملوا الوسيلة التى ثبت فشلها وهى المذهب
كما فعلت معظم البلاد الشيوعية بعد فشل تجاربها فى مواطنها الأصلية ..
لكن ومن باب الغرائب المألوفة لعالمنا العربي تمسك الشيوعيون العرب بالمذهب الماركسي أكثر من تمسك الماركسيين أنفسهم به !!
ولم يتوقف أحدهم ليسأل نفسه عما يبحث وعن أى شيئ يدافع .. وهل يدافع عن الفكرة لكونها ضرورة للتطبيق أم يدافع عنها حتى لو ثبت فشلها فى التطبيق ؟!
وكان منهم وللأسف واحد من أعظم مفكرى مصر مثل الدكتور فؤاد زكريا الذى أثار الإنتقادات حول تجربة عبد الناصر فقط لكونها تجربة ضربت اليسار لصالح اليمين مع تطبيقها الخاطئ لنظرية الاشتراكية
وهكذا ضاع مفهوم الوطن بين يمين ويسار ولم يتوقف أحد من المؤيدين أو المعارضين ليسأل عن مصير أمة تفككت بينهما ,
وفى نفس الوقت
ظل عداء اليسار واليمين معا للتجربة والتاريخ الإسلامى واعتبار الحديث فى هذا الجانب أمرٌ من أمور التخلف ينبغي الإبتعاد عنه !
واليوم وبعد أن حدثت نقطة فصل بين الأجيال السابق ذكرها من المفكرين وبين ما تلاهم من أجيال .. عاشت مصر ومعها العالم العربي انحدارا مستمرا وتراجعا مطردا فى الفكر وما زال مستمرا إلا من قليل

محمد جاد الزغبي 12-29-2010 09:15 PM

معركة السبعينيات وآثارها على المثقفين

مع إطلالة السبعينيات وبالتحديد مع انفراد السادات بالحكم عقب انتصاره الشهير فى معركة مراكز القوى فى 15 مايو من عام 1971 م ..
دخلت أزمة المثقفين بعدا جديدا ..
ولأنه ومع بداية عهد الثورة صار المثقفون أداة للسلطة بدلا من أن يكونوا مرجعية .. فقد تفجرت معركة عنيفة بين فريقين رئيسيين نتجا من الاتجاهات الأربع السالف ذكرها ..
فقد انطلق الاتجاه الأول المعادى للتجربة الناصرية وتلاميذهم و الذى كان منطويا فى عهدها إلى رفع سقف النقد والتناول للعهد الناصري ودمغه بطابع السواد وذلك بعد أن تشكل نفس الاتجاه إلى فرعين ..
الفرع المناصر للسادات على طول الخط مثل موسي صبري وأنيس منصور ومصطفي أمين والفرع الثانى وكان فرع التيار الإسلامى الذى تنوعت علاقته بالسادات بين مد وجذر وإن كان عداؤه للعهد الناصري ظل قائما طيلة تصادمات معركة المثقفين ثم عادى كلا التيارين بعد ذلك
ويلاحظ فى هذا الإتجاه أنه كان ينتقد ويُسفه الاتجاه الناصري ويناصر فى ذات الوقت الرئيس أنور السادات بأسلوب عقد المفاضلة بينهما , والذى اتسعت هوته كثيرا بخروج السادات من حرب أكتوبر منتصرا ومؤسسا لشرعية جديدة مانعة
والإتجاه الثانى كان اتجاه المدافعة عن تجربة عبد الناصر وبمنتهى القوة والعنف لمواجهة التيار الأول وكان يستند هذا الاتجاه على ركيزة شعبية عبد الناصر فى العالم العربي وبين قطاعات عديدة بالشعب المصري وتزعم هذا التيار محمد حسنين هيكل والذى طاله من نار الإساءة الكثير نظرا لعداوات سابقة وتوازنات حالية بينه وبين نظام السادات وباعتبار هيكل الرجل الثانى بلا منازع فى تجربة عبد الناصر

وقد انضم إلى الإتجاه الأول نوعية المثقفين الذين فقدوا وعيهم حسب شهادتهم فى عصر عبد الناصر واستعادوها مع أيام السادات , غير أن عداء هذا التيار لم يكن مناصرا لتجربة أمام تجربة بل كان مركزا فى تفنيد تجربة عبد الناصر تفنيدا موضوعيا بغض النظر عن الفائدة التى جناها السادات والمدافعون عنه ..
وفيما بعد تسبب الناصريون ــ بعنف تناولهم فى الردود على هذا الإتجاه المحايد نوعا ما ــ إلى زيادة حدته وعداوته كنتيجة طبيعية للإتهامات الشنيعة التى طالتهم وكان أولهم توفيق الحكيم الذى كان نقده لعبد الناصر فى عودة الوعى نقدا رهيبا فى وقعه وأسلوبه لكونه جاء من كاتب بحجم الحكيم معروفة قيمته إضافة إلى أنه لا يمثل أحد ضحايا عبد الناصر ولم ينله من عهده شيئ ولهذا خسر المدافعون عن عبد الناصر معركتهم مع الحكيم كما خسروها مع د. فؤاد زكريا لنفس الأسباب

أما اليسار فقد انقسم على نفسه فبعضهم انضم إلى مهاجمة التيار الناصري تبعا لرؤية الدكتور فؤاد زكريا عن الأثر السلبي الذى عاناه اليسار من تجربة الناصرية ومنهم من انضم إلى فريق الدفاع نظرا لأن عصر عبد الناصر وإن كان محتويا على اضطهاد للتيار اليسارى إلا أنه كان اشتراكيا على أية حال وهو ما لم يتوافر بعصر السادات الذى اتخذ السبيل المضاد لليسار بكل قوة ..
فمناصرة اليسار لعبد الناصر هنا لم تنبع عن اقتناع بقدر ما كانت تعبيرا عن مخالفة للتيارات السياسية المناوئة
وهكذا تفجر الصراع بين التيارين على مدى سنوات السادات وما بعدها بقليل من عام 1971 م وحتى عام 1985 م وهو العام الذى شهد ضربة هيكل القاضية لمصطفي أمين عندما طرح كتابه " بين الصحافة والسياسة " وكان هذا الكتاب هو آخر طلقة فى الحرب الذى تباينت نتيجة معاركها بين التيارين نصرا وهزيمة
أما الهزيمة الساحقة فقد كانت من نصيب الثقافة والمثقفين بأكملهم على نحو ما سنرى

فبالنظر إلى تلك المعركة المؤسفة بكل المقاييس سنكتشف التالي من النتائج
أولا ..
كانت المعركة بين فريقين من جيل الأساتذة بمعاونة تلاميذهم من الجيل التالى لهم والذى يُعد آخر جيل ارتبط بمن قبله فى الأفكار فنقطة الفصل هنا حدثت كنتيجة مباشرة للمعركة التى اشتعلت بين الكبار من الجانبين باتهامات فادحة هدمت المثل العليا لدى جميع الأجيال التالية لهم وبالتالى خلت الساحة من المعلم الرشيد والتلميذ العارف لفضل أستاذه
ثانيا ..
كان هَمُ الفريق المدافع عن عبد الناصر هو الرقي بصورته فوق أى محاولة للنقد مهما كانت بساطتها .. وجاء الدفاع فى بعض الأحيان أو معظمها فاقدا لكل منطق بالرغم من عظمة الأقلام التى ترد وتكتب .. ومنها رد هيكل فى مقالاته المختلفة فى الجرائد العربية والعالمية وفى إصداراته المختلفة فى تلك الفترة ومنها كتابه " الطريق إلى رمضان " الذى احتوى على غير قليل من التعرض لمدى ما بذله عبد الناصر بعد النكسة من جهود لاستعادة قدرات الجيش المصري وقال فيما قاله أن السادات كان له فضل القرار للمعركة بينما الصانع الحقيقي لمعجزة أكتوبر هو الجندى المصري !!
وهى كلمة حق نعم .. لكن مرادها كان باطلا للأسف لأن تلك النظرية لم يأخذ بها الأستاذ عندما تحدث عن عبد الناصر ودوره السابق على المعركة
فقال عن عبد الناصر أنه أسس الجيش من جديد وتم وضع الخطة جرانيت 1 فى عهده وهى الخطة التى تطورت فيما بعد إلى جرانيت 2 والتى خاضت بها مصر المعركة .. وهو الخبر الذى ثبت عدم دقته فيما بعد , بشهادة الفريق الشاذلى رئيس أركان الحرب فى أكتوبر عندما قرر أنه لم يتسلم من الفريق فوزى وزير الدفاع فى أول أيام السادات أى نوع من أنواع الخطط بأى مسمى , وخطة حرب أكتوبر كاملة نفذتها القيادات التى تولت مع الفريق صادق بعد ذلك[1]
كما تعرض الكتاب لمدى عظمة جنازة عبد الناصر وأثرها على الأحداث !!
وما إلى ذلك من محاولات فرض صورة الرئيس الراحل فرضا بأكثر مما يقتضيه الواقع فى مشهد المعركة مما بدا للجميع أنه تأكيد لنظرية أن الهزيمة يتيمة والنصر له ألف أب !!


الهوامش :
[1] ـ الفريق الشاذلى ( شاهد على العصر ) ـ قناة الجزيرة

محمد جاد الزغبي 12-29-2010 09:16 PM

وكان هناك كتاب " لمصر لا لعبد الناصر " وهو الكتاب الذى أفلح فى رد الإتهامات عن عبد الناصر ..
لكنه لم يكفل له البراءة !
لأن هيكل نجح بقدرته الفذة فى استغلال غباء المهاجمين الذين تناولوا سيرة عبد الناصر باتهامات فى الذمة المالية مثلا وهو أبعد ما يكون عن هذا الجانب وغير ذلك من اتهامات ركز عليها هيكل لوضوح افترائها لكنه تفادى التعرض للاتهامات الأصلية بدفاعات من عينة " وأين كان السادات وقتها ألم يكن شريكا فى الحكم ؟! "
وهى عبارة تفلح أمام مناصري السادات لكنها لا تصمد أمام الحق المجرد عندما نسأل بوضوح ـ كما سأل أستاذنا توفيق الحكيم ـ هل حدثت تلك الوقائع أم لم تحدث ؟!
ثالثا ..
كان الفريق المهاجم للعهد الناصري ـ خاصة فريق السادات ـ بادى الغرض فى الهجوم حيث أن هجومهم هذا ليس لوجه الله والوطن إضافة إلى وضوح خضوعه لتوجيه السادات والذى حشد كل ذى قلم حتى فى مجال الرياضة لنقد سلبيات عبد الناصر " منها كتاب لعبد الرحمن فهمى الناقد الرياضي تناول أثر السلطة الناصرية سلبيا على كرة القدم " وهو أمر طبيعى فضراوة الهجوم على عبد الناصر كان من المستحيل قبولها على أنها نتاج لفتح عهد الحرية كما تردد , فذلك القول لا يمكن انطباقه على نظام حكم كان ولا زال يمسك بقبضته مقاليد الأمور , كما كان هذا الإتجاه غافلا عن حقائق كفلت للناصريين حسن الرد وذلك عند تناولهم سيرة الرئيس الراحل بكثير من الافتراءات طالبين فى ذلك أقصي قدر من التشويه بغض النظر عن الحقائق
وهم هنا أشبه بالجيش المسلح بأحدث الأسلحة لكنه كان مفتقدا لحسن التدريب عليها كما كان فاقدا للقيادة الواعية .. فنقد العهد الناصري سلبا كان سيتحقق بمنتهى اليسر لهم لو أنهم ركزوا على ما هو معلوم وقائم من أخطاء .. كما أن السادات للأمانة .. لم يحسن تقدير خصومه كما أنه لم يحسن اختيار رجاله ..

وكان يجدر به ــ وهو السياسي الداهية ــ أن يدرك مدى الفارق الضخم بين محمد حسنين هيكل مثلا وبين موسي صبري .. وهيكل وحده بكل ما له من قدرات خرافية مضافا إليها أن يده كانت فى عمق لعبة السلطة أدرى من غيره بمراحل بما خفي من حقائق استخدمها أحسن استخدام لرد الصاع صاعين لفريق السادات بل والسادات نفسه عندما تناوله هيكل فى كتابه خريف الغضب وشرحه تشريحا ..
كما استعان السادات بمن لا يصلح لنقد عبد الناصر لظروف خاصة به ..
مثل مصطفي أمين والذى ارتكب غلطة عمره عندما شرع فى نشر مذكراته عن فترة السجن التى امتدت من منتصف الستينات إلى عام 1974 م .. وهى المذكرات التى اشتهرت باسم " سنة أولى سجن .. حتى سنة خامسة سجن " وحوت من انتقاد عبد الناصر وهيكل نفسه الشيئ الكثير ..
فصبر هيكل كثيرا حتى كان عام 1985 م خرج برده الصاعق على مصطفي أمين فى كتابه الشهير " بين الصحافة والسياسة " وهو الكتاب الذى فضح قصة مصطفي أمين مع تجربة السجن بسبب التجسس لصالح الولايات المتحدة وحوكم بسببه فى القضية رقم 1 مخابرات عامة ـ 1965 م وهو الأمر الذى أنكره مصطفي أمين على طول الخط وكان من الممكن أن يفلح إنكاره هذا لو لم يستعدى عليه هيكل .. لأن مذكرات مصطفي أمين التى نفت الاتهام وصورته أحد ضحايا النظام كانت ستؤدى ـ مع مناخ العداء الشديد للناصرية ـ إلى طمس الحقائق ..
فجاء هيكل بكتابه الوثيقة " ين الصحافة والسياسة " فاضحا الملفات الخافية بالأحداث والوقائع والأسماء الصريحة على غير العادة فى تلك الكتابات التى يلجأ الكتاب فيها إلى التعمية هربا من الملاحقة القضائية .. إلا أن هيكل روى التفاصيل بوثائق دقيقة كعادته وبأدلة دامغة وكافية .. بل انه صرح فى مقدمة الكتاب أنه تعمد الإسراع برواية القصة حتى ينشرها وأبطالها جميعا على قيد الحياة ويملكون حق الرد إن شاءوا ..
وانتظر هيكل أن يلجأ مصطفي أمين إلى القضاء واستعد لهذا الأمر جيدا ولذلك احتفظ بعدد من الوثائق بحوزته تمهيدا لإظهارها فى المحكمة دليلا على أقواله .. إلا أن مصطفي أمين لم يلجأ للقضاء وفضل السكوت تماما خاصة وأن الإفراج عنه أيام السادات كان إفراجا بتسوية سياسية ومن ضمن دفعة من نزلاء السجون من جواسيس إسرائيل والولايات المتحدة !! وهو الأمر الذى تعمده السادات بغرض السيطرة على مصطفي أمين فيما بعد إذا خطر له التمرد عليه بعد ذلك !

ولكن كيف كانت الهزيمة الساحقة من نصيب المثقفين والثقافة على خلفية تلك الحرب المستعرة ..
أظن أن الصورة وضحت بما مضي من تحليل وظهر أن المثل العليا من قمم المفكرين سقطت من عيون المستقبلين من الأجيال الجديدة نظرا لما رأوه من تبادل اتهامات بلغت حد الخيانة والعمالة إضافة إلى انشغال أهل الفكر بتلك المعركة مهملين فى طريقهم ممارسة مهمتهم الأساسية فى تربية الرأى العام وتبصيره بوقائع تاريخه .. وخرج التاريخ بالغ التشوه نتيجة لأغراض القائمين على كتابته ..
فتلك الفترة من منتصف الخمسينيات إلى منتصف السبعينيات بالتحديد سال فيها مداد يكفي عشرة عهود وكل ما كتب كان متناطحا ومتصارعا بالرغم من تعرضه لفترة واحدة " حوالى أربعين كتابا بين الدفاع والهجوم عن عبد الناصر فضلا على عشرات المقالات والأبحاث "
فضلا على أن تلك الحرب العنيفة لم تكن تهدف من ورائها إلى شيئ من الحق ..
فمن دافع عن العبد الناصر لم يصبر لكى يواجه مسئوليته فى دفاعه هذا والذى تسبب فى تلوين وتجميل الحقائق بأصباغ خادعة أعطت انطباعا مؤكدا عن زيف العهد كله ومن ثم تركت الأجيال الجديدة العهد برجاله وخرج المثقفون بلا مرجعية وبلا انتماء ..
ومن ناصر السادات لم يجعل الحق عند منتهى بصره بقدر ما ركز بصره على توازنات ومكاسب وأهواء وتصفية خصومات ..
وسبب التأثير الشامل لتلك المعركة على الثقافة والمثقفين برغم أنها كانت صراعا سياسيا فى المقام الأول .. أن الأساتذة الذين خاضوا تلك التجارب واختلفت آرائهم حولها كانوا أعمدة الفكر والثقافة فى جميع ألوانها سياسيا وأدبيا واجتماعيا ..
وبانهيار الأخلاق الفادح عقب النكسة .. وازدياد الانهيار عقب الانفتاح الاقتصادي فى السبعينيات خرجت أجيال المثقفين كافرة بكل ما سبقها ومن سبقها وتقلب شباب المثقفين بين متجنسين بالطابع الغربي وبين مؤمنين بأنفسهم رافضين لما قبلهم ..
فظهرت الإتجاهات الشاذة فى الأدب والفكر والفنون تارة تحت مسمى الحداثة وتارة تحت مسمى اللامعقولية وما إلى ذلك من خطوط موضة ثقافية إذا جاز التعبير تتغير وتتبدل بتعاقب الفصول !!

وازدادت غربة الثقافة عن المثقفين لا سيما وأن كل جاد فى هذا المجال آثر الابتعاد عن الساحة المليئة بالغث دون الثمين مع انهيار المستوى واضمحلاله إلى درجة لا تنبئ بأى خير وأصبحت أغلب الأعمال التى ترى الإهتمام بين شيئين كلاهما من فلسفة المخالف لأجل الشهرة باعتداء على المقدسات أو بالتناول الجنسي الفاضح ليتكرر الجدل والمراء عن التناقض المدعى به بين القواعد والحرية فى الأعمال الفكرية ..
وزادت الصورة فى قتامتها بفعل تدخل السلطة التقليدى فى الإتجاه الثقافي لتضمن للثقافة دورا محددا لا تتجاوزه درءً للصداع المتوقع منهم إذا تم دعم الثقافة بالشكل الذى يكفل ظهور مواهبها بمظهر المؤدى لدور أساسي فى المجتمع !!
فأين يا ترى السبيل الحقيقي للثقافة والمثقفين فى تلك الأيام المشوهة الألوان .. وهل هناك أمل نتمسك به ليعود للثقافة بعضا من رونقها القديم والارتفاع بالمسيرة الوطنية إلى أفق طال انتظارها ؟!
دعونا نحاول



محمد جاد الزغبي 12-29-2010 09:17 PM

تعلم كيف تنظر فى المرآة


الوقوف أمام مرآة النفس أصعب تجربة من الممكن أن يمر بها الإنسان عامة والمثقف بشكل خاص ..
لأنها تجربة تقييم الذات بالذات ومواجهة النفس بالنفس خارج حدود المكابرة المألوفة إذا جرى الوقوف أمام الغير .. لأن الوقوف أمام الغير وقوف من الممكن الهروب منه باختلاق صور ومبررات تكفل للمرء هروبا نفسيا من مواجهة قد تكشفه أمام الناس .. لكن هذا المعيار غير قابل للتواجد فى مواجهة النفس بالنفس لأن الوقوف أمام المرآة يكون وقوفا أمام صورة حقيقية بدون رتوش ..
وإذا كان لزاما على المثقفين الإنتباه والتبصر بضرورة الوقوف للحظات أمام المرآة .. فالأكثر لزوما هو ضرورة أن يكون هذا الوقوف فى الجانب الصحيح لأن معظم من يتحدث سواء باليأس أو بالدفاع عن حال الثقافة فى هذا العصر ..
تراه غالبا وقف أمام مرآة غير مناسبة فإما أنه يقف أمام مرآة محدبة تُصغّر له صورته وحجمه ودوره , فيكون الناتج الطبيعى هو اليأس والإنغلاق .. وإما تراه واقفا أمام مرآة مقعرة تُضخم له صورته بأكثر من واقعيتها وتعظم له دوره بغير أساس من المنطق .. فتتولاه عقدة العظمة التى تدفعه للإيمان الزائد بقدراته فان لم يجد المدح والثناء المطلوب ممن حوله يكون تبريره أمام نفسه أنه أكبر من الناقدين له بالسلب وأنه الوحيد والفريد وما إلى ذلك ..
وما بين الصورتين ترى المجتمع الثقافي الحالي حافلا بكثير من المتناقضات همّشت دوره بل وجعلت من مجتمع المثقفين مظهرا للإمتهان والسخرية فى مختلف الأوساط
وهذه نتيجة طبيعية للخلفية التاريخية التى درسناها عن حرب السبعينيات .. فمعظم الأجيال الجديدة من المثقفين فى الثمانينات والتسعينات وحاليا بأوائل القرن الحادى والعشرين يمكن اعتبارهم مخلفات تلك الحرب !

والمخلفات الحربية عبارة عن أسلحة جزء منها صالح للإستخدام بحالته أو بعد إصلاح بسيط وهم أولئك المثقفون الذين حافظوا على هويتهم وسط ظروف عاتية من التجاهل والتهميش وهو كـمُعوّق أشد أثرا بكثير من مواجهة الحرب على الثقافة مع السلطة أو مع غيرها وهذا طبيعى لأن التجاهل يقتل ويدمر بينما الصراع يزيد المثقف تمسكا بهويته ودوره
وجزء منها يلزم له تدخل بقطع غيار حتى يمكن أن يكون ذى فائدة وهم أولئك المثقفون الذين انهارت إرادتهم نوعا ما فى مواجهة روح العصر الجديد فيلزم لهم دفع خارجى غير متوافر فى الأعم الأغلب نتيجة لخلو الساحة من المفكرين الجادين من جيل الأساتذة الذين ابتعدوا عقب معركة السبعينيات لأسباب متباينة
والجزء الأعم من تلك المخلفات عبارة عن ركام يضر أكثر مما يفيد !! وحالهم كحال الألغام المنتشرة على أرض المعركة وتم إهمالها لأسباب مختلفة فإذا تم الاقتراب منها لأى سبب كان الإنفجار !
والصورة بتلك القتامة استمرت خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين حتى جاء القرن الحادى والعشرين بشكل جديد يدفع بعضا من حرارة الأمل داخل عروق الثقافة التى كسدت فيها الدماء وتجمدت ..

والشاهد أن القرن الجديد أتى بحراك سياسي مفاجئ وقف خلفه مجموعة من المثقفين متابينة الأجيال لكنها اتفقت على الهدف بغير ترتيب مسبق .. وكانت مظاهر تلك الصحوة متمثلة فى عدة مشاهد ..

الأول ..
ظهور عدد من الجرائد المستقلة أعادت عهدا مجيدا فى الصحافة المصرية واكتسبت شعبية حقيقية بين جموع الشباب الذين أقبلوا عليها مشاركين هاتفين وغاضبين فى أغلب الأحيان .. وحفلت تلك الجرائد والمطبوعات بحقائق وانتقادات طال انتظارها .. ومما ينبئ عن ايجابية تلك الصحوة أن هذه الجرائد فى معظمها لا تحتوى على الأساليب التافهة المألوفة فى الإثارة سعيا للربح.. بل انها لم تعتمد على صورة السبق الصحفي المألوف بقدر ما اعتمدت على المقالات والدراسات الفكرية البحتة لمختلف الأوضاع فى المجتمع ولم يكن المقال الصحفي خلال العقدين الأخيرين بمشجع على المطالعة من جموع القراء مهما بلغت قيمته , فأصبح أساسيا اليوم
وظهرت الأقلام التى تقف خلف هذه الصحف فإذا بها شابة فتية بارعة فى التعبير قادرة على استخدام اللغة الصحفية الراقية وكانت بنزولها إلى الأسواق وارتفاع نسبة التوزيع لبعضها فوق ربع مليون نسخة إيذانا بفتح جديد فى نشاط الثقافة والمثقفين وتغير عنيف وجذرى فى عقلية القراء الذين أقبلوا بشكل مكثف على الخدمة الصحفية الحقة المتمثلة فى التحليلات والدراسات والتحقيقات التى تتناول حق الشعب فى التغيير وهى كلها أشياء نسيتها مصر من عهود طويلة
هذا بالإضافة إلى ظهور المعارك الفكرية الجادة من جديد بين الرأى والرأى الآخر وهى الأمور التى ذكرتنا بنجوم تلك المواجهات قديما
وتلك الظاهرة الجديدة حمل لواءها الجيل الثالث ـ إن صح هذا التعبير ـ وهم مجموعة الصحفيين والكتاب والمفكرين الشبان من الجيل الذى استقل بوعى سياسي غير خاضع فى توجهاته لنزعات تيار سياسي معين بقدر ما نزع إلى الحقيقة فى وجهها العارى من أى رتوش
وهذا الجيل هو أمل المثقفين فى مصر والعالم العربي بدون مبالغة لأنهم من ناحية ثبتوا فى مواجهة التغريب والإهمال وعدم وضوح الهوية عندما اشتقوا لأنفسهم طريقا يتحدث عن العالم الديمقراطى وفقط .. بغض النظر عن أى قناعات حكمت النخبة المتسلطة على مقدرات المجتمع , وذلك عندما رفضوا قبول المقارنة بين مبارك وبين من سبقه ومحاولة مناصري النظام إظهاره فى صورة النظام الأكفأ بالمقارنة بمن سبقه .. واكتفي الجيل الجديد بالمطالبة بدور المجتمع بالمقارنة إلى المجتمعات الديمقراطية الحقيقية وأهملوا ما دون ذلك
وظهر التيار الجديد مُوظِفا لكل مجالات الفكر والثقافة فى خدمة هذا الغرض النبيل فى الارتفاع بمستوى الأعمال الأدبية شعرا ونثرا والكتابات السياسية تحليلا وتأريخا على نحو عـمـَـق الألوان وزاداها ظهورا بعد طول شحوب
وتتزعم هذا التيار صحف الدستور [1] وصوت الأمة والكرامة والمصري اليوم وبعض الصحف الحزبية التى جددت شبابها مثل العربي الناصري والوفد وجريدة الشعب الاليكترونية التى تحدت قرار الإيقاف لنسختها المطبوعة
إضافة إلى ثورة المدونات والمواقع الثقافية على شبكة الانترنت التى أصبحت انقلابا فى تاريخ الإعلام بما يمارسه الشباب من تعبير عن أفكارهم كان الانترنت هو مجال تفريغها الطبيعى وكلها حفلت بعشرات المواهب الجادة من شباب فى عمر الزهور يرتكزون إلى خلفية ثقافية متينة ومبشرة قياسا إلى الظروف التى نشئوا فيها وكانت كفيلة بقتل معنى الثقافة فيهم
ومن نجوم هذا الجيل الفريد إبراهيم عيسي الروائي والصحفي النابغ والذى يعد نسيج وحده وسط أبناء جيله بما تمرس عليه من قدرات فذة فى التناول الصحفي والأفكار يعاونه فى ذلك خلفيته الثقافية الجبارة بالتاريخ قديمه وحديثه ويعد إبراهيم عيسي النسخة الروائية من الشعراء أحمد مطر ومظفر النواب لأنه اتبع سبيل هؤلاء المتفردين فى قصر نشاطه الروائي والفكرى على قضايا الوطن وإليه يرجع الفضل فى سيطرة جريدة الدستور على الشعبية بين مختلف الصحف بأسلوبها الجديد الذى تبدو معه أقرب إلى الكتاب منها إلى الجريدة
كما يبرز مجدى مهنا الصحفي الهادئ حتى فى ثورته والكاتب القدير فى التعرض لمختلف الموضوعات وبقلم شديد التمسك باستقلاليته فى مواجهة الظروف وقد لفت النظر إليه بعموده الشهير " فى الممنوع " عندما استمر لفترة فى إدارة تحرير جريدة الوفد ثم انتقل إلى المصري اليوم ليحمل لواء أول صحيفة مستقلة ترفع سقف النقد وتطول به الخط الأحمر عند مؤسسة الرياسة , وهو ما لم يكن معهودا أو مألوفا طيلة عهد مبارك فقبل المصري اليوم لم تخرج جريدة إلى وعى الجماهير بتلك الدرجة من الصراحة والتناول ,
كما يحسب لمجدى مهنا قدرته على انتهاج خط شديد الاستقلال عن كل التيارات فعلى صفحات الجريدة تجد كل طرف يدافع عن توجهه بما شاء دون تحيز من إدارة التحرير لطرف ضد طرف آخر على الرغم من قرب الجريدة إلى خط المعارضة إلا أن معارضتها لا تعتبر كسرا لحياديتها بل هى تعارض وتنتقد دون الإرتكان لهدف حزبي أو غرض فى تسليط النقد على الحزب الحاكم ورجاله لصالح حزب أو مجموعة أخرى ..
وأيضا يحتل وائل الإبراشي المذيع والصحفي اللامع مكانا متميزا بين أبناء هذا الجيل من خلال صوت الأمة التى يتولى رياسة تحريرها ويعد برنامجه على إحدى القنوات الفضائية المنتشرة هو خير معوض لبرنامج الإعلامى القدير حمدى قنديل الذى ترك التليفزيون المصري إلى برنامج آخر ودول أخرى
وعشرات من هؤلاء المثقفين البارزين منهم بلال فضل وعبد الحليم قنديل وإبراهيم منصور وغيرهم

الثانى
أما المشهد الثانى من شاهد الصحوة فيتمثل فى ظاهرة جديدة على المجتمع المصري وهى حركة جماهيرية بلا حزب معين كما هو مألوف وتمثلت فى حركة " كفاية " والتى أشرف عليها عدد من المثقفين البارزين وأعطوها هذا الاسم المعبأ بالإيحاءات وهى حركة سياسية بثوب ثقافي حقيقي ولذلك حققت نجاحا وتواجدا رهيبا خلال فترة قياسية وبلغت من الجرأة حدا عجزت عنه الأحزاب المعارضة التقليدية كما عجزت عنه جماعة الإخوان المسلمين بالرغم من تمرسها فى النضال وامتلائها بالكوادر الفكرية والسياسية ويكفي أن تلك الحركة على رأسها مفكر عملاق مثل الدكتور عبد الوهاب المسيري ومناضل كفء مثل جورج اسحاق
وقد تبعت حركة كفاية عد حركات تحررية مشتقة منها تمثلت فى صحوة النقابات النائمة وزيادة نشاط النقابات التى كانت تحركت من قبل بشكل ضيق لا سيما فى مجموعة أساتذة الجامعات الذين استيقظت همتهم وتضامنوا مع الطلبة فى مختلف توجهاتهم وهو مشهد لم يدر بخلد أشد الناس تفاؤلا أن يراه بعصرنا الحالى مثل الدكتور محمد أبو الغار والدكتور أسامه الغزالى حرب قطب الحزب الوطنى سابقا مع عدد من أبرز نجوم الحياة السياسية فيما مضي مثل الدكتور عزيز صدقي رائد الصناعة المصرية والدكتور يحيي الجمل الفقيه القانونى الشهير
كما تحركت جموع القضاة واجتمعت كلمتهم على قلب رجل واحد ويلاحظ فيهم أنهم جميعا من الكوادر المثقفة القادرة والتى مارست نشاطها من خلال ناديهم العريق ومن خلال الصحف ووسائل الإعلام وهم رجال فقدهم ميدان الفكر بحق .. مثل المستشار زكريا عبد العزيز أول مستشاري الاستئناف الذين غيروا قاعدة رياسة نادى القضاة من محكمة النقض وتحت رعاية النظام وكذلك المستشار الجليل محمود الخضيري رئيس نادى قضاة الاسكندرية وصاحب الطلقة الكبري فى رفض الوصاية الحكومية على الشأن القضائي وغيرهم من شيوخ القضاة الذين تركوا صوامع اليأس وهبوا على قلب رجل واحد من مختلف الدوائر القضائية معيدين انتفاضات العهود السابقة فى عام 1969 م وانتفاضة عصر السادات فى نهاية السبعينيات
هذا بالطبع إلى جوار انتفاضة أهل القلم والأدب الذين عانوا ـ ربما أكثر من غيرهم ـ من جرائم هذا الجمود فخرج بالمثل أهل الشعر والزجل والرواية القدامى معيدين عهودهم الماضية فى عصري عبد الناصر والسادات ليقودوا انتفاضة جديدة بعصر مبارك وتحت لوائهم أباطرة المواهب الشابة من الجيل الثالث فى تاريخ مصر بعد يوليو وبرز من نجوم الجيل القديم أحمد فؤاد نجم وعلى سلامه وعبد الرحمن الأبنودى وغيرهم
بل إن مجال التمثيل بالمسرح والسينما لم يخل من نوابغ المدافعين وتربع على عرشهم المخرج العملاق الراحل يوسف شاهين الذى أعاد اكتشاف نفسه فى مواجهة ساخنه مع النظام بعدد من التأثيرات الفعالة له اعتمادا على مكانته الاعلامية ..
ويجلس إلى جواره فى نفس الخط الممثل المصري المثقف عبد العزيز مخيون النسيج المتفرد فى قطاع التمثيل كله بما له من قدرة خارقة على انتقاء أدواره التى انغلقت تقريبا فى أدوار الكفاح ضد السلطة الغاشمة فى مختلف العهود منذ قيامه بأشهر أدواره " طه السماحى " فى العمل التليفزيونى الشهير " ليالى الحلمية "
وقد خرج عبد العزيز مخيون من دائرة الكفاح برسالته عبر مجاله إلى مجال النضال الفعلى فى حركة كفاية على نحو جلب للنظام الحاكم صداعا لم يتخلص منه بالرغم من مختلف الوسائل التى اتبعها مع النجم القدير

والملاحظ بالطبع أن كل هذا الحراك هو حراك ثقافي وبقيادة مثقفين تمكنوا من إرساء دعائم رسالتهم الأصلية فى تربية الرأى العام وتمكنوا أكثر من بسط شعبيتهم بين الجماهير التى كانت راكنة صامتة ولا تفرغ حماسها إلا فى كرة القدم !!



الهوامش :
[1] ـ هذا قبل أزمة إبراهيم عيسي ورحيله عن الدستور

محمد جاد الزغبي 12-29-2010 09:17 PM

الثالث
أما المشهد الثالث فيمكن اختصاره فى اسم واحد " محمد حسنين هيكل " ..
والذى خرج من صومعته التى شهدت درر كتاباته فى الفترة من بداية الثمانينات وحتى بداية القرن الجديد .. خرج بوجه آخر زادت خبرته وحنكته عشرات المرات عما كانت عليه فى آخر مشهد أطل فيه على الناس من خلال معركة السبعينات
خرج مراجعا للعشرات من سابق مواقفه وأفكاره ومحللا العديد والعديد من ظواهر العصر الحالي ملتفتا فى كل لحظة إلى واقع العصر حتى وهو يتحدث عن الماضي وزادت إسقاطاته من الماضي على الحاضر بشكل مكثف ..
ويعد هو المفكر الأول من جيل العمالقة الذى خرج من صراعه القديم لشباب اليوم محدثا ومعلما مرتفعا عن صراع الأيديولجية القديم . محاولا ـ فيما أظن ـ تصحيح المسار لذنبه القديم فى حق الثقافة والمثقفين وهو ذنب غير متعمد على أية حال
وتعد أحاديثه على قناة الجزيرة والتى تنوعت بين معالجة الماضي والحاضر والتعرض للمستقبل .. تعد نافذة لا غنى عنها لتصحيح توجهات أجيال الثائرين من المثقفين وعمل هيكل الآن معهم أشبه بعمل ضابط المدفعية الذى يصحح ضربات الواقفين خلف المدافع من خلال موقعه القريب من الهدف
وتكمن عبقرية هيكل فى انتقائه لتوقيت خروجه وإدراكه وتوقعه لما يمكن أن يواجهه به النظام أو خصومه القدامى لمنعه من أداء رسالته الجديدة ولهذا فقد سحب البساط من تحت أقدامهم ببراعته المعهودة
فابتدر الحديث باعترافه المسبق بوجود الهوى الناصري فى دمه وأقر فى ذات الوقت أن هذا الهوى لن يكون له تأثير فى تحليلاته أو سيكون له تأثير ضعيف .. إضافة إلى أنه سحب البساط مرة أخرى بإعلانه فى أشد حلقاته تميزا أنه لا يعنيه الدفاع عن جمال عبد الناصر فمن شاء أن يشرحه على مائدة النقد فليتفضل إنما فى موضوع مستقل لكنه الآن بصدد معالجات تخص واقعا مؤسفا ووقائع أكثر مدعاة للأسف فمن شاء أن يتحدث فيها وفى موضوعها فهو معه ومن شاء العودة إلى الماضي فلديه كتبه القديمة ليصارع فيها كيفما شاء
وهو بهذه المبادرة سحب مقدما من خصومه ومن النظام أى مدخل إلى النقد خارج الموضوع عن طريق اتهامه بميله القديم لعبد الناصر وكبت الحريات فى عصره والذى لا يقارن بكبت الحريات الذى ينتقده هيكل فى العصر الحالي
ولم يقتصر دور هيكل الجديد على حلقاته بشاشة الجزيرة بل تمكن من إثبات رغبته العارمة فى التغيير عندما صنع تواصلا طال انتظاره بينه كعميد للصحافة العربية وبين شباب المهنة الذين لم يروه ولم ويحتكوا به لأسباب مختلفة .. وكانت تجربته الأولى بهذا الشأن فى نقابة الصحفيين ثم ترسخت ممارسته الجديدة بإنشاء مؤسسة هيكل للصحافة العربية والتى تتولى تدريب الوجوه الشابة فى الصحافة المصرية بترشيح من مختلف المؤسسات الصحفية ويخضع الشباب لأصول المهنة والتزاماتها ودافع وجودها وحقيقة دورها عبر الإحتكاك المباشر بهيكل وبغيره من عمالقة الصحافة والسياسة فى العالم أجمع والذين تكفل هيكل بدعوتهم عن طريق علاقاته واتصالاته الشاسعة
ومنذ فترة بسيطة احتفل هيكل بتخريج الدفعة الأولى من مؤسسته والتى مثلت تجربتها إعادة تأهيل وتأصيل معنى ودور الثقافة والصحافة فى قيادة الرأى العام وكانت كلمات هيكل التى ينثرها فى خلال فترات حضوره تمثل قيادة حقيقية لتغيير المفاهيم المغلوطة التى تربي عليها شباب المهنة .. ومنها كلمته التى قالها فى وجود الصحفي البريطانى العملاق أندرو نايت ردا على سؤال لأحد الشباب عن مفهوم السبق الصحفي فرد هيكل سريعا
" أنا أعلم أن رؤساءكم الذين تعملون معهم يطالبون بالسبق الصحفي باعتباره هو مقياس القدرة الصحفية ولكن دعونى أصحح لكم مفهوم القياس لقدرات الصحفي فالصحفي الحقيقي هو الذى يملك مصادرا لا من يحقق سبقا "
ومثال ذلك من العبارات التى تؤسس معارفا وترسي دعائما قادرة على خلق عبقريات إذا أتقن الشباب استيعابها
وخلف هيكل برزت عدد من الوجوه القديمة لأبطال معركة السبعينات تنتهج نفس نهجه وترتفع فوق الخلافات القديمة وتؤدى دورها فى تأسيس طريق الجيل الثالث ولو بالمشاركة المادية معهم كما حدث من المفكر الكبير الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري عملاق الدراسة الصهيونية العتيد .. والذى لم يمنعه كبر سنه إلى درجة الكهولة من النزول فى المظاهرات الأخيرة بمصر جنبا إلى جنب مع كتل الشباب قبل وفاته رحمه الله
هذا المزيج الرائع بين جيل العمالقة وبين الجيل الحالي يمثل الفرصة الأخيرة أمام تلك البلد لاستعادة بعضا مما ضاع قبل الانهيار الكامل ومما يحسب للجيل الحالي تمكنه من الظهور والإنتفاض إلى الدرجة التى لفتت إليه نظر الكبار من الأجيال السابقة فساندوه وأيدوه .. وتمكنوا من تصحيح مسار الوعى الفكرى عن طريق تصحيح هدف دراسة التاريخ المعاصر ودراسة أحواله وأخطائه بغرض البحث عن تجارب للإستفادة منها لا بغرض الدفاع عن قناعات شخصية واعتقادات مذهبية عفا عليها الزمن وهو الهدف الذى دعا إليه الكثيرون من العمالقة فى كتابات مختلفة منها كتاب " معركة بين الدولة والمثقفين " للروائي الشهير فتحى غانم والذى تعرض فيه للعهدين السابقين بنظرة تأمل داعيا لتركيز الإستفادة من أخطاء الماضي بدراسة موضوعية لا بأغراض تصفية الحسابات !


محمد جاد الزغبي 12-29-2010 09:18 PM

دور كل مثقف

الجيل الثالث من أهل القلم يعتبر هو الحزب الذى حمل طموحات كل موهبة أدبية وفكرية فى العصر الحالى وهو كما سبق القول الأمل الوحيد لنفض غبار الإهمال عن دور الثقافة والمثقفين والذى تسبب فيه العصر الحالى ..
لأن عصر عبد الناصر كان فيه للمثقفين دور حتى لو اتسم بنوع من الخطأ .. وكذلك عصر السادات ..
أما العصر الحالى فقد سقط كُـتَابه من حساب التاريخ من الأصل لأنهم عبارة عن صورة سلبية " نيجاتيف " من أصحاب القلم دون فاعلية حقيقية ..
ولهذا لا يمكن حساب كتــَاب العصر باعتبارهم جيلا ثالثا فى الثقافة المصرية بعصر الجمهورية .. والأسباب أكثر من أن نعددها بعد أن امتلأت الصحف القومية والمؤسسات الرسمية بأقلام تشغل حيزا ماديا من الفراغ لكنها لا تشغل سنتيمترا واحدا من مساحة الفكر !
وكانوا هم الموانع الحقيقية أمام الجيل الثالث الذى انتفض من سطوة الكتاب الرسميين فمنعوا المواهب من التنفس بالإبداع حتى حانت اللحظة المنتظرة منذ زمن طويل من خلال الصحف المستقلة الحافلة بشباب الكتاب إضافة إلى شبكة الانترنت
ولا يوجد سبيل أمام كل قلم من المثقفين الشباب الآن ليس عليه واجب وفرض عين بضرورة الإنتباه لنفسه والنظر إلى المرآة المستقيمة لتحديد مكانه مهما كانت المعوقات والصعوبات التى تمثلت فى احتكار أصحاب المال لسبل النشر والطبع
ودور كل قلم شاب هنا يتمثل فى عنصرين لا ينفصلان ..
الأول
العودة إلى الأصول القديمة لتمنية المواهب وهى القراءة والمطالعة النهمة التى تكفل تأسيس الموهبة على أساس صلب لا سيما القراءة فى مجال التاريخ قديمه وحديثه لمطالعة مدى الثراء الذى يبسطه أمامنا نتاج فكر الأقدمين .. والقراءة هى السبيل الوحيد لزيادة الوعى وزيادة الثروة اللغوية التى تكفل لكل قلم ثراء فى الأسلوب يمكنه من التواصل مع جمهور القراء
أما بالنسبة للإنتاج الأدبي والفكرى فيجب التركيز على قضايا الوطن والحرية ومختلف هموم الثقافة والمثقفين وإعطائها أولوية المعالجة لتتسق الجهود فى إطار واحد وهو استعادة الدور اللازم للثقافة فى قيادة شعوبها
الثانى
العمل على طرق سبل النشر والانتشار من خلال المشاركة الفاعلة فى مختلف أنواع الحضور الثقافي من ندوات ومؤتمرات ومسابقات وعدم اليأس فى طلب الإنتشار والإحتكاك بمشاهير الكتاب والمفكرين الحقيقيين الذين استيقظت همتهم اليوم لإفراغ كل ما لديهم من خبرات للأجيال البازغة .. يضاف إلى ذلك التواصل المستمر مع الصحف المستقلة والإستعانة بهذا الجيل المتفرد من الكتاب والصحفيين ومحاولة تخصيص صفحات فى مختلف الصحف تهتم بالأقلام الكاتبة من خارج الجريدة ذاتها ..
وبالنسبة للنشر والطبع فهى المعركة الحقيقية للأدباء والمفكرين الشبان للتغلب على الظروف المحبطة ومحاربة تسلط دور النشر التى أحالت عملها إلى نوع من الاستثمار جريا على طابع هذا العصر وهو طابع الأوليجاركى " وهى مصطلح كما وصفه هيكل حالة من الحكم تعرف باسم حالة حكم أصحاب المصالح المالية عند تحالفهم مع السلطة وهى حالة فريدة تخالف الأوصاف المألوفة لنظم الحكم كالديمقراطية والديكتاتورية والبيروقراطية وحتى الأتوقراطية التى تعد حالة فريدة خاصة بفترة حكم يوليوس قيصر "
والسبيل لذلك موجود وفاعل وقام به العديد من الأدباء وهو النشر الجماعى للتغلب على مصاعب وتكاليف النشر المنفرد .. يضاف إلى تلك الجهود أيضا النزوع إلى المشاركة الكثيفة فى مختلف دور وقصور الثقافة التابعة للدولة ومحاولة السيطرة عليها لكسر حالة احتكار الموظفين البيروقراطيين القائمين عليها لما تمثله تلك المؤسسات من منفذ مؤثر للنشر بدون تكاليف
بالإضافة لدور الإعلاميين الشبان الذين يفتحون الباب أمام غيرهم من المواهب بقدر طاقتهم
بهذا الهدف وحده وبأساليب متعددة خلاف ما تم ذكره يمكننا القول أن الثورة الثقافية الحادثة فى مصر الآن من الممكن أن تؤدى دورا بارزا فى إحياء الموات الذى استبد بدور الثقافة والمثقفين فجعلهم على هوامش المجتمع وهم قادته الحقيقيون ..
ولا تبقي من الكلام بهذا الشأن شيئ إلا أن يتأمل كل مثقف ثم يختار لنفسه فى أى موقع يقف ومن أى مكان يمارس ..
المصادر
· سقوط نظام ـ محمد حسنين هيكل ـ دار الشروق
· ملفات السويس ـ محمد حسنين هيكل ـ مركز الأهرام للترجمة والنشر
· حرب أكتوبر .. السلاح والسياسة ـ محمد حسنين هيكل ـ مركز الأهرام للترجمة والنشر
· بين الصحافة والسياسة ـ محمد حسنين هيكل ـ دار المطبوعات اللبنانية
· وقائع تحقيق سياسي أمام المدعى الاشتراكي ـ محمد حسنين هيكل ـ دار المطبوعات اللبنانية
· خريف الغضب " الطبعة الكاملة ـ محمد حسنين هيكل ـ الأهرام
· سلسلة سنة " أولى ـ خامسة " سجن ـ مصطفي أمين ـ دور نشر مختلفة
· هيكل وأزمة العقل العربي ـ د. فؤاد زكريا ـ نسخة اليكترونية
· عبد الناصر واليسار المصري ـ د. فؤاد زكريا ـ روزاليوسف
· معركة بين الدولة والمثقفين ـ فتحى غانم ـ دار أخبار اليوم
· عودة الوعى ـ توفيق الحكيم ـ دار الشروق
· وثائق عودة الوعى ـ توفيق الحكيم ـ دار الشروق
· ملفات ثورة يوليو بشهادات رجالها ـ طارق حبيب وحوار مع 122 شخصية ـ مركز الأهرام للترجمة والنشر
· عبد الناصر المفترى عليه والمفترى علينا ـ أنيس منصور ـ دار الشروق
· فى صالون العقاد ـ أنيس منصور ـ طبعة مكتبة الأسرة
· مذبحة الأبرياء فى خمسة يونيو ـ وجيه أبو ذكرى ـ المكتب المصري الحديث
· مجموعة متنوعة من الصحف والمجلات العربية والمصرية

سحر الناجي 12-31-2010 04:22 AM



محمد جاد الزغبي ..
طرح في غاية الرقي سيدي .. وموضوع يستحق أن نقرأه بإمعان ..
هي بادرة تصفيق لفكرك المشوب بالبهاء .. أبادر بها هاهنا على عجالة ..
ولي عودة بحول العظيم لتفنيد المحاور ومن ثم نقاشها مع قلمك الباهر ..
تحية تقدير وإكبار فاضلي لوعيك الباهظ ..

محمد جاد الزغبي 12-31-2010 01:10 PM

مرحبا بك شقيقتنا الفضلي سحر الناجى
وأسعدنى مرورك
وفى انتظارك دائما ..

بشير حلب 12-31-2010 01:44 PM

المبدع الحبيب محمد جاد ...

كالعادة طرح موشح بألف قمر ، وبيان يتراقص بأحضان الحقائق ومعطياتها .

يهمنا جميعاً - شئنا أم شئنا - المشهد الفكري والسياسي المصري في تلك الحقبة ، لحمله

مفاتح التأثير الأساسية بالمنطقة كلها، والتي ما زلنا نعيش نتائجها ، ونقتات من - علقمها غالباً - حتى اليوم .

رائعة كانت اللفته حول الهزيمة - النكسة - الكارثة .


اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد جاد الزغبي (المشاركة 50303)
من قال إن هزيمة يونيو كانت هزيمة معركة .. لقد كان احتلال الأراضي العربية هو أهون أثر فى تلك الهزيمة لأن الضربة الحقيقية كانت متمثلة فى وضوح الضباب الذى ظل حاجبا حقيقة القوة الفارغة وساق خلفه الملايين تأييدا فإذا بالهزيمة تأتى مدمرة وعلى نحو غير متوقع ليس بسبب تفوق الخصوم وإنما ـ من باب أكبر ـ بسبب هوان الأساس القائم على الكذب [/COLOR]





صدقت ..سيدي

كان وضوح الضباب الذي ما فتئ (هامانات ..وغوبلزات ) المرحلة

يزرعون به الأفق ، حتى أعمى الجميع عن رؤية الشمس ، التي كانت

تتبدى في إستعدادات صامته جبارة مع الكثير من الشكوى والأنين ترسلها تل أبيب للعالم ، في حين أصم صخب أحمد سعيد

سمع الدنى بينما نستعد بزنزانات تفتح وأفواه تكمم ...وجحافل ترسل إلى هضاب اليمن السعيد ، و و- وو-..

*
*
هيكل مرة أخرى ...
رائع - أستاذي الكريم - عندما تحلل هيكل ، وقد يميل البعض لتفكيكه على

طريقة (سيار الجميل ) ، لكن تجردك عن الميل والهوى فعلاً جدير بالتقدير .

هل تسمح لي بالإختلاف - قليلاً - في حكمك على تصحيحه للمسار ، وبراعته في سحب

البساط من تحت أقدام خصومه ..في عودته الحالية .

المشكلة أظنها بفقدان المصداقية ، فأنت لن تملك فرصة قيادة الدفة وشرف

الإمساك بالمجداف كل يوم ، بعد أن غمرت العواصف مركبك

وتركتك شريداً على سواحل النكبات والكوارث .

أما مسألة مصطفى أمين وعلى إفتراض صحتها - وهي صحيحة - فالأمر

يكشف أكثر وأكثر عن مدة التيه الذي كانت تتخبط فيه الأمة، وقياداتها

الفكرية تغوص في مستنقعات الرذائل والنفاق والخيانات .

ثم إن القصة يمكن أن تؤخذ من مصادر

أكثر مصداقية من (بين الصحافة والسياسة ) كرائعة جلال كشك ...

(كلمتي للمغفلين ) أو توسعتها في (ثورة يوليو الأمريكية ) .

كونها موضوعاً شخصياً بين أمين وهيكل ، قد يدين هذا ويكذب الآخر

..لكنه بجميع الأحوال - وهو ما يهم من يكتوي بنيران الهم القومي اليوم - يدين فكراً ومفكرين ، بعد

العسكر والسياسيين ، ليثبت أن لكل مقدمة نتائج مرة أخرى .
*
*
معك أستاذنا الكريم ، ننتظر فجراً جديداً موشحاً باليقين ، تحمله الأقلام الغضة

المخلصة ، تكنس فيه كل ظلمات الفكر والنفوس والتاريخ .

محمد جاد الزغبي 12-31-2010 10:15 PM

أهلا بالأخ الحبيب بشير ,
شكرا جزيلا لتقديرك ..
اقتباس:

هيكل مرة أخرى ...
رائع - أستاذي الكريم - عندما تحلل هيكل ، وقد يميل البعض لتفكيكه على
طريقة (سيار الجميل ) ، لكن تجردك عن الميل والهوى فعلاً جدير بالتقدير .
بارك الله فيك
وللأسف ..
رغم أن التجرد عن الهوى كان أحد ثوابتنا كمجتمع إسلامى إلا أنه أصبح اليوم نادرة العصر التي يحتفي بها المرء إن وجدها
وهذه أخى الحبيب سر أزمتنا الحقيقية ,
لقد قبلت الأجيال السابقة أن تُساق , مع تقديرنا لهم طبعا , قبلوا الإنسياق وتعاملوا مع الجماهير بنظرية الثقافة الهرمية من أعلى إلى أسفل
فعلى القمة يقبع الرئيس ونظامه ويقررون ويرسمون ,
وتحتهم يتشرب المفكرون وأصحاب القلم ما يجب أن يبثوه للشعب بغض النظر عن قناعاتهم أو الحقيقة !
ومن تحتهم تتقبل الجماهير ما تبثه وسائل إعلامهم لتردده كالببغاء !

اقتباس:

هل تسمح لي بالإختلاف - قليلاً - في حكمك على تصحيحه للمسار ، وبراعته في سحب
البساط من تحت أقدام خصومه ..في عودته الحالية .المشكلة أظنها بفقدان المصداقية ، فأنت لن تملك فرصة قيادة الدفة وشرف الإمساك بالمجداف كل يوم ، بعد أن غمرت العواصف مركبك وتركتك شريداً على سواحل النكبات والكوارث .أما مسألة مصطفى أمين وعلى إفتراض صحتها - وهي صحيحة – فالأمر يكشف أكثر وأكثر عن مدة التيه الذي كانت تتخبط فيه الأمة، وقياداتها الفكرية تغوص في مستنقعات الرذائل والنفاق والخيانات .
ليس بيننا اختلاف .. اطمئن
فلم أقصد أن قام بتعديل مساره كلية ,
بل كنت أعنى فقط ما هو خاص بالشأن المصري الحالى ,
ولو كنت أعنى أنه تراجع عن جميع منهجه السابق لما تكبدت عناء نقده في موضوعات ( حرب رمضان ) و ( قصة النكسة ) وغيرها ..
فهيكل لم يتراجع عن أفكاره القومية , وإنما تراجع عن معادلة السلطة وأصبح مصدرا مهما جدا لفهم أحداث اليوم على الساحة المصرية , وعن طريقه تمكنا من فهم العديد من المسائل المغماة ,
وهذا هو السبب في تنبيهى لهذا الأمر

أما بالنسبة لقصة مصطفي أمين ..

اقتباس:


ثم إن القصة يمكن أن تؤخذ من مصادر أكثر مصداقية من (بين الصحافة والسياسة ) كرائعة جلال كشك ...(كلمتي للمغفلين ) أو توسعتها في (ثورة يوليو الأمريكية ) .
كونها موضوعاً شخصياً بين أمين وهيكل ، قد يدين هذا ويكذب الآخر
ومن قال إن جلال كشك في كتابه ( كلمتى للمغفلين ) أو في طبعته المتطورة ( ثورة يوليو الأمريكية ) قد أنكر القصة أو دافع عن مصطفي أمين ؟!
بل على العكس ..
لقد أيد جلال كشك كل ما ذهب إليه هيكل في عمالة مصطفي أمين بل وأقام على تلك العمالة أدلة جديدة أيضا من عنده , وأضاف إليها اتهام هيكل نفسه بأنه كان أحد عملاء الإعلام للمخابرات المركزية ,
بناء على ما ورد في كتاب ( حبال الرمال ) الذى أخرجته المخابرات الأمريكية في الستينات
والموضوع متشعب , وإن أحببت أن نناقشه فلا بأس
لكن ما يهمنى الإشارة إليه هنا هو اتهامك لمصداقية لهيكل وتشجيعك لمصداقية جلال كشك
وفى نظرى ـ كما قلنا في الموضوع نفسه ـ أنه لا يجب أن يمنعنا إختلافنا مع هيكل من إقرار صدقه عند وجود المصداقية , كذلك لا ينبغي أن يحفزنا اتفاقنا الفكرى مع جلال كشك في قبول كل أقواله
والصحيح أنه يجب أن نضع كل كُتاب هذا الجيل ـ بلا استثناء ـ في بوتقة واحدة بحكم واحد وهو وجود الصدق ووجود الهوى في نفس الوقت بجميع كتاباتهم ,
ونقر أيضا بحقيقة راسخة ـ ثبتت من التجربة ـ أنهم جميعا ليس من بينهم من كتب بتجرد كامل حتى يومنا هذا ,
وهذا ليس عيبا فيهم أو تهمة ,
فالأمر يتفاوت ..
فمنهم من يكذب ويلفق على طول الخط ومنهم من يذكر أغلب الحقيقة لكنه يخضع لهواه في بعض الأحداث ,
لكن لا يوجد من بينهم من يمكن أن يتصف بالحيادية الكاملة قطعا
وهذا باعترافهم أنفسهم , وهو أمر منطقي , لكونهم يكتبون عن تجربة عاشوها وعايشوا أبطالها فكيف يتمتعون بالحيادية !
فجلال كشك في مقدمة كتابه أقر بأنه ليس حياديا فيما يكتب والتمس العذر من قارئه في هذا نظرا لعنف التجربة وقسوتها
وهيكل في برنامجه أقر بالهوى الناصري واعتذر عنه أيضا
أما نحن الجيل الحالى ,
فليس أمامنا إلا أن نقرأ الجميع ونقارن ..
وهى أى نعم مهمة صعبة جدا , لكن هكذا شهد الحقيقة دونه إبر الجهد والتحقيق
يجب أن نقرأ جميع أحداث تلك الفترة من خلال وجهات نظر الجميع مهما بلغ تضاربها ,
ولا نقبل شيئا إلا بدليل وثيقة أو شهادة مقبولة ,
وعندما يتفقون على رواية واحدة لحدث ما نقبله , لأن اتفاقهما دليل على صحة الواقعة ,
وعندما تختلف الروايات نرجح صاحب الدليل لا صاحب الرأى ,
وفى جميع الأحوال ـ وهذه نقطة المفصل ـ لا نقبل في هذه الفترة تحليلات أى طرف من الأطراف
لأن التحليل يختلف عن الوقائع , فالوقائع نقبلها بأدلتها ولا نشكك في مصداقيتها , لكن لا نقبل أبدا ما يبنيه هذا الجيل من التحليل على تلك الوقائع , لأن التحليل حتما سيكون مرهونا بالهوى ,
وكمثال للإيضاح ,
هيكل في كتابه بين الصحافة والسياسة أقام بالتوثيق الكامل قصة مصطفي أمين , هنا نقبل هذه الحقيقة ولا نقبل الدفاع المسرحى لمصطفي أمين لأنه سكت ولم يرد إلا بالكلام المرسل ,
لكن في نفس الوقت لا نقبل ما يبنيه هيكل على تلك الواقعة وهو أن التعذيب لم يكن معروفا على عهد عبد الناصر لمجرد أن مصطفي أمين لم يتعرض له ,
لماذا ؟
لأن التعذيب تم بحق آخرين أقاموا الدليل على ذلك ,
ونحن نقبل أن النكسة كانت مؤامرة دولية قادتها الولايات المتحدة , ونصبت بها الفخ لمصر , لكننا لا نقبل تحليل هيكل على ذلك من أن السبب الرئيسي في النكسة هو محض المؤامرة !
وهكذا ... يتضح الفارق بين قبولنا للحقيقة الموثقة من أى طرف , وبين قبولنا للتحليل
كذلك عند جلال كشك ..
أقبل منه وقائعه وتحليلاته التي أقام عليها الدليل لكن من الصعب أن أعتمد النتيجة , فقد أقام مثلا الدليل على وجود علاقات شخصية بين هيكل وبين بعض رموز السياسة الأمريكية ,
لكن لا أقبل منه اتهام هيكل بالعمالة بناء على ذلك , لأن هذا لا يمثل دليلا أو حتى شبهة دليل على اتهام بالغ الخطورة مثل هذا , وهو الإتهام الذى أثبته هيكل من واقع اعترافات مصطفي أمين ومن واقع تسجيلاته السابقة على القبض عليه , ثم أخيرا من واقع ملفات المخابرات المركزية التي تم الإفراج عنها قبل عامين
وأقبل من جلال كشك قوله في كتابه عن علاقة حماية بين الولايات المتحدة وبين نظام عبد الناصر , وأنها حمته من بريطانيا وفرنسا , ودعمت حكمه ضد محمد نجيب
لكن لا أقبل أن يكون هذا دليلا على عمالة عبد الناصر للولايات المتحدة !
فالعمالة شيئ , وعلاقات التعاون والتآمر المشترك ـ رغم فداحتها ـ شيئ آخر تماما ,
فالعميل مأجور بالكامل لا ينفذ إلا ما يملي عليه , أما الإستجابة للضغوط والخضوع للإغراءات بين الدول وبعضها البعض فهى أمر تحتمله أوصاف العلاقات الدولية لا أوصاف التجسس ,
وأمر أخير ..
أنه مع تقديرنا الكامل لجلال كشك , إلا أننا لا نقبل هجوم المعادين لعبد الناصر , كما لا نقبل الهجوم من المعادين للسادات ,
لأن هذا الهجوم ليس فيه بيان للحقائق بقدر ما هو هجوم مغرض يهدف للتشويه في المقام الأول , وليس همه هو إبراز الحقيقة في ثوبها الصريح
مثال ذلك أننا لا نقبل كلام هيكل عن السادات في خريف الغضب لأنهما خصمان , وكذلك كلام السادات في هيكل , وشهادة كليهما على الآخر كشهادة اللصوص على بعضهم البعض عندما يختلفون
وأيضا كلام وشهادة جلال كشك مجروحة إلى حد ما ,
فالرجل كان في الستينات من أقطاب اليساريين قبل أن ينقلب عليهم ويتخذ التوجه الإسلامى , فضلا على أنه كان في عصر عبد الناصر من رموز الإتحاد الإشتراكى والمهللين للتجربة !
هذا فضلا على حقيقة أشد أهمية ,
وهى أن الهجوم المغرض غالبا ما يكون ترجمة لمناصرة أطراف بعينها , وقد رأينا في كتاب جلال كشك مدحا لنظم عربية قائمة , وهو مدح غريب جدا , لأن أفاعيل هذه الأنظمة ومؤامراتها وتحالفاتها مع الولايات المتحدة ليست محل شك أصلا
ومع ذلك فقد غض الطرف عنها جلال كشك وركز فقط على عبد الناصر ,
من هنا أخى الحبيب نقول أن القراءة لهذه الفترة ولهذه الأقلام يجب أن تكون بالحرص الكامل , فمع الأسف الشديد كانت الحقيقة هى آخر هدف يهدف إليه من كتبوا ,
والله المستعان

اقتباس:

معك أستاذنا الكريم ، ننتظر فجراً جديداً موشحاً باليقين ، تحمله الأقلام الغضة

المخلصة ، تكنس فيه كل ظلمات الفكر والنفوس والتاريخ .
عفوا أخى الحبيب , أنا مجرد قارئ للتاريخ لا أكثر
وهذا لا يقوله من كان بمثل ثقافتك , والحمد لله هناك العديدون من جيلنا يفهمون ذلك ويعرفونه ولديهم الهمة مثلك للمعرفة ولديهم من أدواتها الكثير
وما كتبته لا يعدو كونه تعبيرا عنهم



محمد جاد الزغبي 01-06-2011 04:40 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عدت إلى هنا لإيضاح فقرة كتبتها فى ردى السابق وهى قولى
اقتباس:

عفوا أخى الحبيب , أنا مجرد قارئ للتاريخ لا أكثر
وهذا لا يقوله من كان بمثل ثقافتك , والحمد لله هناك العديدون من جيلنا يفهمون ذلك ويعرفونه ولديهم الهمة مثلك للمعرفة ولديهم من أدواتها الكثير
وما كتبته لا يعدو كونه تعبيرا عنهم
ومقصدى منها هو أننى أصغر من أكون ممثلا لخط فكرى يتبعه الآخرون
لا سيما من كانوا فى زمرة المثقفين الكبار كأخى الفاضل بشير حلب
ولهذا نوهت بتلك الفقرة ردا على إشادته ووصفه ,
وله ولكم كل التقدير

سحر الناجي 01-25-2011 12:51 AM






محمد جاد الزغبي ..
مررت ذات بدء سيدي على طرحك في عجالة حيث كنت أتحسس بحدقي رؤوس الأقلام لأصل إلى الجوهر والمضمون ..
وأعيد الكرة اليوم ولكن بتأني أشد .. لألم بأبعاد الفكرة التي أردت مناقشتها ضمن سياق مقالك الرائع ..
ولعل أول ما لفت انتباهي هو المقولة التي جعلتها مدخلا لحديثك عن الثقافة والفكر ..
والحقيقة أن عبارة جويلز القائلة : "كلما سمعت كلمة مثقف .. تحسست مسدسي ".. قد استحوذت على انتباهي لدرجة قصوى ..
حتى أنني وقفت لديها مطولا في محاولة تسخيرها وربما تعميمها لما يجري اليوم من تناقضات فكرية وثقافية أدت بنا إلى الشتات والحيرة ..
وبالطبع لن أنسى قبل التطرق إلى إحدى هذه المعضلات الوخيمة في أن أشيد بقلمك الراسخ وفكرك الراقي الذي جعل للقضية بعدآ آخر حيث أسهبت فيه بانطلاقة رائعة .. ثم سأحاول أن أجتهد بما ستظفر به ذاكرتي من مكنون الخبايا الفكرية للدخول إلى جوانب الموضوع وباختزال قد يعبر على نحو ما عما يجول بخاطري ..
وسأبدأ تحديدآ من القسم الرابع في طرحك المتعلق بمن سخر فكره لتبني أيدولوجيات غريبة وشعارات مستوردة لخدمتها والترويج لها ..
حقيقة أن هذه الظاهرة لطالماأثارت حفيظتي بشدة وذلك لما آل إليه حال بعض أصحاب الفكر المتحرر والمتجرد من أي تقنيات أيدولوجية أو أخلاقية ..
أولئك الذين أقصوا الثوابت .. وهمشوا الرواسخ العلمية التي قامت عليها نهضتنا التاريخية من أجل أهواء .. وشعارات حملوها بكل عزم كي يهدموا بها ما تبقى شموخ لهذه الأمة ..
أذكر أنني خضت حوارا مع شخصية من ضمن الأسماء النسائية المرموقة فكريا قبل مدة , حيث كان محور الجدل الدائر بيننا يدور حول الأسباب التي أدت إلى تراجع الفكر العربي والإسلامي
على الساحات الدولية وبالتالي نضوب معايير المنافسة بين عمالقة الفكر والثقافة .. وكذلك تدهور الحضور العلمي على كافة الأصعدة ..
فكان أول عبارة تفوهت به محدثتي أن قالت :
" أجل .. السبب في ذلك يعود إلى حرص بعض الأقلام على تطويع الثقافة العامة من خلال الدعوة إلى الأيدولوجية الإسلامية
التي تسببت بانهيار الأسس الفكرية والإبداعية الحضارية الآنية والتي أعتبرها غير ملائمة لها ألبتة لأنها جاءت وليدة أزمان وقيم عفا عنها الدهر .. وجعلتنا نتراجع كثيرا إلى الوراء حيث أصبحنا في مكانة متأخرة من الركب الحضارة "
في الواقع صدمت لهذه القناعة أيما صدمة وحاولت بشتى الطرق التحاور معها بعقلانية من خلال استعراض النجاحات التاريخية للثقافة الإسلامية عبر الزمان ..
ولكن دون جدوى .. فلا هي اقتنعت بوجهة نظري .. ولا أنا ارتضيت من قولها ما أثار حيرتي واستهجاني ..
المشكلة سيدي .. حين يتبنى أمثال هؤلاء مسؤولية التثقيف بين الأجيال الحالية ويبثوا قناعاتهم الملوثة من خلال التنظير لشعارات لا تمت لفكرنا بصلة ..
هنا تقع الكوارث ..وتتهدم المثل والأخلاقيات .. ويعم مجتمعاتنا الفوضى الفكرية والأخلاقية من جراء ذلك ..
وقد صدق المصطفى عليه الصلاة والسلام في قوله :
«ان أخوف ما أخاف على هذه الأمة كل منافق عليم اللسان»
سلام عليك فاضلي كيفما شئت ..

ناريمان الشريف 01-25-2011 02:58 AM


أخي محمد
سلام الله عليك
الموضوع كبير وعميق ويحتاج لأكثر من قراءة
ولكنني وقفت عند هذه المقولة طويلاً ..
( كلما سمعت كلمة مثقف .. تحسست مسدسي )
فهي وحدها درس عميق
وتكفي جوعاً ثقافياً لعشر سنوات قادمة أو اكثر
فأنت هنا كمن علم المواطن كيف يزرع القمح بدلاً من أن يعلمه كيف يصنع الخبز

أشكرك أخي محمد .. وسأعود بإذن الله لما تبقى



تحية ... ناريمان

محمد جاد الزغبي 01-26-2011 04:04 PM

الصديقة العزيزة سحر الناجى
لقد أبدعت ولخصت الموضوع كله فى فقرة واحدة , وهى
اقتباس:

في الواقع صدمت لهذه القناعة أيما صدمة وحاولت بشتى الطرق التحاور معها بعقلانية من خلال استعراض النجاحات التاريخية للثقافة الإسلامية عبر الزمان ..
ولكن دون جدوى .. فلا هي اقتنعت بوجهة نظري .. ولا أنا ارتضيت من قولها ما أثار حيرتي واستهجاني ..
المشكلة سيدي .. حين يتبنى أمثال هؤلاء مسؤولية التثقيف بين الأجيال الحالية ويبثوا قناعاتهم الملوثة من خلال التنظير لشعارات لا تمت لفكرنا بصلة ..
هنا تقع الكوارث ..وتتهدم المثل والأخلاقيات .. ويعم مجتمعاتنا الفوضى الفكرية والأخلاقية من جراء ذلك ..
وقد صدق المصطفى عليه الصلاة والسلام في قوله :
«ان أخوف ما أخاف على هذه الأمة كل منافق عليم اللسان»


بالفعل ,
وما أكثر المنافقين ,
والأزمة الحقيقية ليست فيهم , فما هم إلا شراذم فكرية بائسة ليس لها أدنى تأثير فى الرأى العام ,
وهم ورثة للجناة الحقيقيين الذين أضلوا وضلوا فى الخمسينات ونشروا أفكار المذاهب الغربية وجعلوها مرجعيتهم
ولكن ..
المشكلة فى الأنظمة المتسلطة فى عالمنا العربي وأبواقها الإعلامية وصحفها وسينماتها وقنواتها التى جعلت من كل مسلم إرهابي , ومن كل مفكر رجس من عمل الشيطان !!
لكن حركة الكون لا تتوقف ,
ومن سنن الكون أنه دوار دائما ,
وقد حانت اللحظة التى دارت فيها عقارب القرون دورة كاملة , وحانت العودة للأصول ,
والله المستعان

محمد جاد الزغبي 01-26-2011 04:07 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناريمان الشريف (المشاركة 56280)

أخي محمد
سلام الله عليك
الموضوع كبير وعميق ويحتاج لأكثر من قراءة
ولكنني وقفت عند هذه المقولة طويلاً ..
( كلما سمعت كلمة مثقف .. تحسست مسدسي )
فهي وحدها درس عميق
وتكفي جوعاً ثقافياً لعشر سنوات قادمة أو اكثر
فأنت هنا كمن علم المواطن كيف يزرع القمح بدلاً من أن يعلمه كيف يصنع الخبز

أشكرك أخي محمد .. وسأعود بإذن الله لما تبقى



تحية ... ناريمان

بارك الله فيك شقيقتنا الفضلي ,
وعبارة جوبلز تستحق التوقف بالفعل , فقد استوردها العرب مع الأسف
وفى انتظار عودتك ..


الساعة الآن 12:52 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team