منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=9)
-   -   المأساة من منظور فلسفي (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=28496)

عبد الوهاب جاسم 04-15-2021 09:57 PM

المأساة من منظور فلسفي
 
المأساة حقيقة من حقائق الحياة الإنسانية، وتتبدى في حالات كثيرة تعبيراً ساطعا عن مأزق الوجود الإنساني ذاته ، وقد ذهب البعض من دارسي الفكر إلى القول بأنها الجوهر الأصيل للتجربة الإنسانية، فهي كما يؤكد هؤلاء ميزة تضعه فوق الكائنات الحية وتجعله في مرتبة أعلى منها.
والمأساة عادة ما تستدعي إلى الذهن ثلاثة مفاهيم، فهناك المسرح المأساوي الذي ابتدعه اليونانيون القدماء ونقل لنا التاريخ رموزه الكبيرة، وهناك كذلك التعريف الذي يضفي صفة المأساة على بعض الحوادث المروعة التي تصيب أفرادا على نحو مفاجئ، وهناك مفهوم آخر للمأساة تهتم به الدراسات الفلسفية وهو تحديداً المنظور المأساوي للحياة.

ياسَمِين الْحُمود 04-16-2021 11:33 AM

رد: المأساة من منظور فلسفي
 
انتهيت قبل قليل من رائعتك الشعرية
لأستنهل من فكرك الفلسفي هنا
غير مستغربة أن يحظي البحث في الوجه المأساوي للحياة باهتمام الفلاسفة على اختلاف تياراتهم ومدارسهم الفكرية، ذلك أن التجربة الإنسانية من أهم ميادين البحث والتقصي الفلسفي، وتنتهي فكرة المنظور المأساوي للحياة على عدة مقدمات، من بينها التعامل مع العالم على أنه منظومة أخلاقية متكاملة، أو على النقيض من ذلك النظر إليه بوصفه يرزح تحت وطأة غياب تلك المنظومة الأخلاقية، فالوجود الإنساني تحدد ماهيته إلى درجة كبيرة حضور أو غياب المنظومة الأخلاقية، وذلك تحديداً جعل الكتابات اللاهوتية تسعى لتحقيق توازن أخلاقي، من خلال إقرا ها بأن فكرة الشر ذات وجود أزلي وسرمدي في العالم ومن أن هناك أوقاتا ينمو فيها الشر ويتفشى، والوسيلة المثلى للتصدي له هي في انتهاج وصفة مبسطة تقضي بعقاب مرتكب الشر ومكافأة فاعل الخير وهذه ستشكل فيما بعد تنويعاً آخراً على الفكرة القديمة بارتباط السعادة بالفضيلة.

كُنت هنا أخي أستاذ الفلسفة عبد الوهاب جاسم
وتركت رأيي الخاص بالمنظور الفلسفي للمأساة:30:

عبد الوهاب جاسم 04-16-2021 12:09 PM

رد: المأساة من منظور فلسفي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسمين الحمود (المشاركة 293543)
انتهيت قبل قليل من رائعتك الشعرية
لأستنهل من فكرك الفلسفي هنا
غير مستغربة أن يحظي البحث في الوجه المأساوي للحياة باهتمام الفلاسفة على اختلاف تياراتهم ومدارسهم الفكرية، ذلك أن التجربة الإنسانية من أهم ميادين البحث والتقصي الفلسفي، وتنتهي فكرة المنظور المأساوي للحياة على عدة مقدمات، من بينها التعامل مع العالم على أنه منظومة أخلاقية متكاملة، أو على النقيض من ذلك النظر إليه بوصفه يرزح تحت وطأة غياب تلك المنظومة الأخلاقية، فالوجود الإنساني تحدد ماهيته إلى درجة كبيرة حضور أو غياب المنظومة الأخلاقية، وذلك تحديداً جعل الكتابات اللاهوتية تسعى لتحقيق توازن أخلاقي، من خلال إقرا ها بأن فكرة الشر ذات وجود أزلي وسرمدي في العالم ومن أن هناك أوقاتا ينمو فيها الشر ويتفشى، والوسيلة المثلى للتصدي له هي في انتهاج وصفة مبسطة تقضي بعقاب مرتكب الشر ومكافأة فاعل الخير وهذه ستشكل فيما بعد تنويعاً آخراً على الفكرة القديمة بارتباط السعادة بالفضيلة.

كُنت هنا أخي أستاذ الفلسفة عبد الوهاب جاسم
وتركت رأيي الخاص بالمنظور الفلسفي للمأساة:30:


سعيد بتعقيبك أستاذة ياسمين
الفكرة التي طرحتيها يرتبط بها على نحو وثيق عنصر المعاناة بوصفه صنوا للمأساة، وشرطاً لتحققها فالإنسان حينما يعيش الحياة بطريقة مأساوية إنما يختبر في المقام الأول المعاناة ويكابدها لحظة بلحظة
غير أن هذه الفكرة وجدت بين الفلاسفة من يعارضها؛ إذ يذكر على سبيل المثال فردريك نيتشه بأن المعاناة ليست هي الأساس إذ أن الإنسان الفرد بوسعه مكابدة المعاناة، ويقيم مقارنة بين الإنسان والحيوان ليذكر بأن ما يميز الإنسان عن الحيوان هو بحثه عن المعنى، وبأن عدم وجود معنى للحياة يخلق فراغاً هائلاً تتسلل من خلاله المأساة أو المنظور المأساوي للحياة.

ياسَمِين الْحُمود 04-16-2021 12:20 PM

رد: المأساة من منظور فلسفي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الوهاب جاسم (المشاركة 293545)
سعيد بتعقيبك أستاذة ياسمين
الفكرة التي طرحتيها يرتبط بها على نحو وثيق عنصر المعاناة بوصفه صنوا للمأساة، وشرطاً لتحققها فالإنسان حينما يعيش الحياة بطريقة مأساوية إنما يختبر في المقام الأول المعاناة ويكابدها لحظة بلحظة
غير أن هذه الفكرة وجدت بين الفلاسفة من يعارضها؛ إذ يذكر على سبيل المثال فردريك نيتشه بأن المعاناة ليست هي الأساس إذ أن الإنسان الفرد بوسعه مكابدة المعاناة، ويقيم مقارنة بين الإنسان والحيوان ليذكر بأن ما يميز الإنسان عن الحيوان هو بحثه عن المعنى، وبأن عدم وجود معنى للحياة يخلق فراغاً هائلاً تتسلل من خلاله المأساة أو المنظور المأساوي للحياة.

أستاذي لي وقفة أخرى هنا
أستسمحك عذرا الآن ،سأعود آجلا
فقد حان موعد الإمساك وبعده صلاة الفجر :31:

ياسَمِين الْحُمود 04-17-2021 09:33 AM

رد: المأساة من منظور فلسفي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الوهاب جاسم (المشاركة 293545)
سعيد بتعقيبك أستاذة ياسمين
الفكرة التي طرحتيها يرتبط بها على نحو وثيق عنصر المعاناة بوصفه صنوا للمأساة، وشرطاً لتحققها فالإنسان حينما يعيش الحياة بطريقة مأساوية إنما يختبر في المقام الأول المعاناة ويكابدها لحظة بلحظة
غير أن هذه الفكرة وجدت بين الفلاسفة من يعارضها؛ إذ يذكر على سبيل المثال فردريك نيتشه بأن المعاناة ليست هي الأساس إذ أن الإنسان الفرد بوسعه مكابدة المعاناة، ويقيم مقارنة بين الإنسان والحيوان ليذكر بأن ما يميز الإنسان عن الحيوان هو بحثه عن المعنى، وبأن عدم وجود معنى للحياة يخلق فراغاً هائلاً تتسلل من خلاله المأساة أو المنظور المأساوي للحياة.

إذاً هناك جانب مهم في هذا القول، يتمثل في أن الإنسان يسعى إلى البحث عن معنى للحياة ، وهو بذلك يحاول أن يتواءم مع الواقع في الحياة، ولكن في الوقت عينه فإن المأساة قد تصبح أمراً لا مفر منه.
ذلك أن رغبات الفرد والقيم التي يحملها يحكمها بالضرورة الصراع ، فهي من جانب قد لا تكون متوافقة مع بعضها البعض وكأنها في حالة تضارب وصراع، أو أن تكون من جانب آخر متعارضة مع الواقع والحياة ، فيما يحمله الفرد مبادئ ومفاهيم وما يوجد في الحياة ممارسة،ذلك تعارض بين المبادئ والممارسة.

عبد الوهاب جاسم 04-17-2021 11:55 AM

رد: المأساة من منظور فلسفي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسمين الحمود (المشاركة 293642)
إذاً هناك جانب مهم في هذا القول، يتمثل في أن الإنسان يسعى إلى البحث عن معنى للحياة ، وهو بذلك يحاول أن يتواءم مع الواقع في الحياة، ولكن في الوقت عينه فإن المأساة قد تصبح أمراً لا مفر منه.
ذلك أن رغبات الفرد والقيم التي يحملها يحكمها بالضرورة الصراع ، فهي من جانب قد لا تكون متوافقة مع بعضها البعض وكأنها في حالة تضارب وصراع، أو أن تكون من جانب آخر متعارضة مع الواقع والحياة ، فيما يحمله الفرد مبادئ ومفاهيم وما يوجد في الحياة ممارسة،ذلك تعارض بين المبادئ والممارسة.

هذه اللحظة التي تتصارع فيها الرغبات ع الحياة أستاذة ياسمين ، هي التي تولد المأساة ولعلنا نجد في فكرة المأساة كما صورها ويليام شكسبير تجسيداً مثالياً لذلك، فعلى سبيل المثال نجد أن مأساة روميو وجولييت هي في جوهرها مأساة تمخضت عن الصراع الذي لا مندوحة عنه بين الأشياء التي يعتنقها المرء بداخله والعالم كما يعرفه.

احترامي وتقديري لكِ أستاذة ياسمين

ياسَمِين الْحُمود 04-17-2021 12:15 PM

رد: المأساة من منظور فلسفي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الوهاب جاسم (المشاركة 293652)
هذه اللحظة التي تتصارع فيها الرغبات ع الحياة أستاذة ياسمين ، هي التي تولد المأساة ولعلنا نجد في فكرة المأساة كما صورها ويليام شكسبير تجسيداً مثالياً لذلك، فعلى سبيل المثال نجد أن مأساة روميو وجولييت هي في جوهرها مأساة تمخضت عن الصراع الذي لا مندوحة عنه بين الأشياء التي يعتنقها المرء بداخله والعالم كما يعرفه.

احترامي وتقديري لكِ أستاذة ياسمين

المأساة أستاذي تخرج من بطن اللحظة التي تتعارض فيها الرغبات مع الحياة.
ولعل فكرة المأساة كما تفضلت وصورها ويليام شكسبير تجسيد مثالي على ذلك، فعلى سبيل المثال، سنجد مأساة روميو وجولييت في جوهرها نتاجاً للصراع بين القيم التي يعتنقها المرء بداخله والعالم يعرفه، فالحب يجمع بين روميو وجولييت في حداثة سنيهما وتحركهما الرغبات والمشاعر الداخلية ولكنهما يصطدمان بعالم يعارض ذلك الحب ويتوعده من خلال العداء المرير بين عائلتيهما ويحاول هذا الخب تجاوز هذا الصراع ولكنه ينتهي إلى أن يصبح مأساة .

يبدو أن النقاش سيطول في هذه القضية لذلك سيثبت لحين الانتهاء من النقاش
:20::20::20:




عبد الوهاب جاسم 04-17-2021 03:34 PM

رد: المأساة من منظور فلسفي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسمين الحمود (المشاركة 293679)
المأساة أستاذي تخرج من بطن اللحظة التي تتعارض فيها الرغبات مع الحياة.
ولعل فكرة المأساة كما تفضلت وصورها ويليام شكسبير تجسيد مثالي على ذلك، فعلى سبيل المثال، سنجد مأساة روميو وجولييت في جوهرها نتاجاً للصراع بين القيم التي يعتنقها المرء بداخله والعالم يعرفه، فالحب يجمع بين روميو وجولييت في حداثة سنيهما وتحركهما الرغبات والمشاعر الداخلية ولكنهما يصطدمان بعالم يعارض ذلك الحب ويتوعده من خلال العداء المرير بين عائلتيهما ويحاول هذا الخب تجاوز هذا الصراع ولكنه ينتهي إلى أن يصبح مأساة .

يبدو أن النقاش سيطول في هذه القضية لذلك سيثبت لحين الانتهاء من النقاش
:20::20::20:



النقاش معك يفتح آفاقا لتلك المأساة، كما أن المأساة قد تكون صنيعة صراع رغبات متعددة تمور في دواخل الفرد نفسه فهو قد يرغب في شيء ويتوق إليه في الوقت عينه الذي تكون فيه تلك الرغبة متعارضة مع رغبات أخرى، بحيث ينتهي الأمر إلى أن تصبح بعض أكثر رغباتنا نبلا متعارضة مع رغبات أخرى لاتقل عنها أهمية، وهو ما نجده في الحياة المأساوية لأفراد كانو يسعون وراء قيم رفيعة كالعدل والحرية ولكنهم في مكابدتهم لمشقة الظفر بهذه القيم انتهى بهم الأمر إلى تدمير قيم أخرى لاتقل عنها نبلا فتكون المأساة تتويجاً حزيناً لحياتهم وسعيهم.

حامد العيسى 04-17-2021 03:49 PM

رد: المأساة من منظور فلسفي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الوهاب جاسم (المشاركة 293697)
النقاش معك يفتح آفاقا لتلك المأساة، كما أن المأساة قد تكون صنيعة صراع رغبات متعددة تمور في دواخل الفرد نفسه فهو قد يرغب في شيء ويتوق إليه في الوقت عينه الذي تكون فيه تلك الرغبة متعارضة مع رغبات أخرى، بحيث ينتهي الأمر إلى أن تصبح بعض أكثر رغباتنا نبلا متعارضة مع رغبات أخرى لاتقل عنها أهمية، وهو ما نجده في الحياة المأساوية لأفراد كانو يسعون وراء قيم رفيعة كالعدل والحرية ولكنهم في مكابدتهم لمشقة الظفر بهذه القيم انتهى بهم الأمر إلى تدمير قيم أخرى لاتقل عنها نبلا فتكون المأساة تتويجاً حزيناً لحياتهم وسعيهم.

أستأذن الجميلين وأعمل مداخلة متواضعة في النقاش الجاد والممتع والذي له أبعاد لا يدركه الا من تخصص في هذا المجال، الفرد حينما تضرب المأساة حياته ويهوي على ركبتيه فإنها تتبدى أمامه وكأنها لغز إذ قد يتساءل عن السبب في حدوث المأساة وهذا الأمر على قدر كبير من الأهمية.
شكرا لكما ومتابع جيد معكما .

محمد أبو الفضل سحبان 04-18-2021 01:31 AM

رد: المأساة من منظور فلسفي
 
يرى أرسطو أن التغير في الحال نحو التعاسة والمأساة لا يعود إلى أي خلل أو عيب أخلاقي، ولكن إلى خطأ من نوع ما....كما أنه عكس الاعتقاد الخاطئ بأن هذه المأساة يمكن أن تنتج من قبل سلطة عليا (على سبيل المثال القانون، المصير، أو المجتمع)، بينما إذا كان سقوط شخصية ما في هذه المحنة ناجما عن سبب خارجي، فإنه يصف ذلك بأنه «بلية» وليس مأساة.
و يقول الدكتور نعمان منصور : "إن خارطة الدراما على مر العصور بمختلف المؤلفين والظروف والاتجاهات الأدبية والأشكال الفنية والصيغ الجمالية المبهرة التي تكتسيها نصوص الدراما الراقية والتي صمدت أمام التحولات الكبرى في الحياة، تشير بعمق لفلسفة غائرة في النصوص، بل الأدهى، إمكانية أن نتفهم الحياة من خلال تلك النصوص التي تحمل جنينيا مستقرات متفلسفة للحياة آنذاك. فإن تطلعنا إلى النصوص الكلاسيكية المهمة والمتبقية لمؤلفين عمالقة (اسخيلوس، سوفوكلس و يوربيدس) فإننا نجد مثلما أكدت الدراسات المتعمقة، أن موضوع القدر وغلبته لمن يتحداه من بني البشر، إذ شكل القدر القوة المهيمنة على حيوات الأبطال، ومؤسسا لكل تحركاتهم على الرغم من صلابتهم واستمرارهم بالتحدي ومحاولتهم لخرقه وتجاوز مقدراته..."
تقديري لك أ.عبد الوهاب جاسم على هذا الموضوع الجدير بالمتابعة والنقاش ولكل الأساتذة الأفاضل الذين ساهموا في إثرائه..:43:
تحية

ياسَمِين الْحُمود 04-19-2021 12:04 AM

رد: المأساة من منظور فلسفي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حامد العيسى (المشاركة 293699)
أستأذن الجميلين وأعمل مداخلة متواضعة في النقاش الجاد والممتع والذي له أبعاد لا يدركه الا من تخصص في هذا المجال، الفرد حينما تضرب المأساة حياته ويهوي على ركبتيه فإنها تتبدى أمامه وكأنها لغز إذ قد يتساءل عن السبب في حدوث المأساة وهذا الأمر على قدر كبير من الأهمية.
شكرا لكما ومتابع جيد معكما .

أستاذ حامد استوقفني التساؤل، عن السبب في حدوث المأساة، لاتنسى أن الإنسان يحكمه في الحياة عنصران كبيران اللذة والألم، على النحو الذي يمكن تلخيص حياته بأنها سعي وراء اللذة وهروب من الألم، وعلى النقيض من الألم واختباره، فإن الإنسان حينما يعيش اللذة نادراً ما يسأل نفسه عن السبب في تمتعه بها، لعل الفلسفة الوجودية قد قدمت مساهمة مهمة في هذا الشأن، إذ ذهب " ألبير كامر" إلى القول بفكرة العبث في الحياة والتي تنطوي في داخلها على التأكيد بعدم قدرة المرء على رؤية العالم من خلال الآلهة، ودحض الفكرة القائلة بأن العالم قد صنع من أجل البشر، بل على النقيض من ذلك التسليم بأن الإنسان الفرد هو موجود فقط وعليه أن لا يتوقع معجزات أو أفعالاً خيالية.

عبد الكريم الزين 04-19-2021 01:46 AM

رد: المأساة من منظور فلسفي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الوهاب جاسم (المشاركة 293455)
المأساة حقيقة من حقائق الحياة الإنسانية، وتتبدى في حالات كثيرة تعبيراً ساطعا عن مأزق الوجود الإنساني ذاته ، وقد ذهب البعض من دارسي الفكر إلى القول بأنها الجوهر الأصيل للتجربة الإنسانية، فهي كما يؤكد هؤلاء ميزة تضعه فوق الكائنات الحية وتجعله في مرتبة أعلى منها.
والمأساة عادة ما تستدعي إلى الذهن ثلاثة مفاهيم، فهناك المسرح المأساوي الذي ابتدعه اليونانيون القدماء ونقل لنا التاريخ رموزه الكبيرة، وهناك كذلك التعريف الذي يضفي صفة المأساة على بعض الحوادث المروعة التي تصيب أفرادا على نحو مفاجئ، وهناك مفهوم آخر للمأساة تهتم به الدراسات الفلسفية وهو تحديداً المنظور المأساوي للحياة.

تحية طيبة
ارتبطت المأساة في نشأتها بالصراع بين الآلهة الوثنية، أو بينها وبين البشر ، أو بين البشر أنفسهم ، ولعل ملحمتي الإغريق: الإلياذة والأوديسا خير من يمثل ذلك الموضوع ، وتجلت أيضا في الديانة المسيحية من خلال تضحية المسيح، ابن الله حسب معتقدها الباطل - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- ثم مع عصر النهضة ومابعدها حيث ترسخت فكرة صراع الإنسان مع نفسه ومع واقعه الخارجي باعتباره مركز الاهتمام الأول في الكون.
و إن كان النقاش يدور حول المأساة فلا يعدو أن يكون الأمر نقاشا فلسفيا، فالمسلمون ليس لديهم مفهوم" مأزق وجود إنساني"، كما أن المصائب والمآسي مرتبطة في الإسلام بالعالم الأخروي ، باعتبارها ابتلاء و قدرا، يجب الرضى به ، ويكون جزاء الإنسان في الدنيا أو الآخرة على قدر صبره واحتماله.
جزيل الشكر لطرحك هذا الموضوع الفلسفي المهم.
تحياتي وتقديري.

ياسر علي 04-19-2021 02:21 AM

رد: المأساة من منظور فلسفي
 
مرحبا بالأستاذ عبد الوهاب
وشكرا للأستاذة ياسمين على تثبيت الموضوع
وشكرا لكل المتدخلين الذين أثروا الموضوع
ومداخلتي كالتالي:

المأساة




المأساة في اللغة هي المصيبة، وفي الأدب هي حكاية لها نهاية مؤلمة، ويعتبر نيتشه من المعجبين بالمأساة ويعتبرها باكورة الأدب فهي تجعلنا نحس بالخلاص وهو نوع من التطهير الأرسطي، لكن نيتشه يراها نوعا من التربية على المأساة لاقتحام الصعاب ويتجلى ذلك بجعله الحياة تدفقات للمصائب *وحلبة لممارسة القوة والذي لا يستطيع تحمل المآسي مجرد إمعة يستحق أن يسحق ولا ينتمي للصفوة. لكن بطل المأساة وبدون منازع هو سيوران الذي يعتبر الوجود مأساة حقيقية. ولأن الإنسان كائن واع فمأساته تتجلى في وعيه الذي لا يستطيع صياغة معنى للوجود، بل كل محاولة لصياغة ذلك المعنى تجعله ينفصل عن الدفق الحيوي للحياة ويعتبر الأرق خير تمثيل لتلك المفارقة فكأنك تحاول أن تنام وكلما *اقتربت من القبض على النوم ابتعدت عنه. أظن أن هذه المقاربات للمأساة ليست دقيقة بما يكفي لتنال القبول، وفيها إسقاطات ذاتية للمآسي الشخصية. رغم أنه يصعب الفصل بين الذات والموضوع في القضايا الفلسفية.*

فالمآسي بقدر بشاعتها لها بعض ضرورة لتستمر الحياة، وحتى والحياة تسير بشكل طبيعي فالإنسان يحس أحيانا أنها رتيبة، فالمآسي لها دور في تغيير المشهد. وإلا أصبحت الحياة مأساة بعينها كما عند نيتشه وسيوران. في الحياة كأي إنسان رأيت *مآسي حقيقية وتهدمت أمام عيني قامات لا ينبغي لها ذلك، فهناك من انتحر وهناك من مات في حادثة سير وغيرها من المآسي، لكن كل ذلك لا يؤثر على السير العادي للحياة، نقول في مثلنا الشعبي سواء التحقت بالرقص أو امتنعت فالرقصة مستمرة وقائمة لأنها اجتماعية، فالحياة بشكل من الأشكال لا تبالي، لذلك من الأحسن أن تلتحق بالركب وتعيد صياغة المعنى ولو تعذر استكمال المعنى السابق بذلك وحده تكتسب شرف المشاركة في الحياة، بدل الاكتفاء بدور الملاحظ، لذلك تجد الذي ملكته المأساة لا يستطيع الخروج من زنزانتها، ولنا في الفكر الشيعي بعض عبرة، إذ تم فيه تضخيم المأساة على حساب السير العادي للأمور، ولا يزال البكاء على الأطلال عقيدة فكرية للمظلومية، وتتجلى هذه الظاهرة في العنصرية الصهيونية التي تعيش على مظلومية الهولوكوست. المأساة تجعلك تبرر العدوان والعيش على الفتن. أو تجعلك خارج الدور وتستسلم. لذلك تعتبر مقاربة نيتشه عدوانية ومقاربة سيوران استسلامية. وكلاهما ينطلقان من نموذج الحيوان السامي ويريان الوعي نقيصة، والوعي كما الحياة والغرائز أساليب وجودية تندرج في السياق الكلي للوجود. وبدون وعي لا يستطيع الإنسان التموضع بشكل جيد على خريطة الموجودات وممارسة الوجود بأريحية. فالفرق بين الحيوان والإنسان بين وظاهر فهو التعايش مع الطبيعة والابتكار فيها بعد وعيها. وليس استسلاما خالصا وليس قهرا مضاعفا.*

فالمأساة معطى حاضر كباقي المعطيات ومعالجتها عن طريق الوعي ممكنة.


الساعة الآن 07:31 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team