المأساة من منظور فلسفي
المأساة حقيقة من حقائق الحياة الإنسانية، وتتبدى في حالات كثيرة تعبيراً ساطعا عن مأزق الوجود الإنساني ذاته ، وقد ذهب البعض من دارسي الفكر إلى القول بأنها الجوهر الأصيل للتجربة الإنسانية، فهي كما يؤكد هؤلاء ميزة تضعه فوق الكائنات الحية وتجعله في مرتبة أعلى منها.
والمأساة عادة ما تستدعي إلى الذهن ثلاثة مفاهيم، فهناك المسرح المأساوي الذي ابتدعه اليونانيون القدماء ونقل لنا التاريخ رموزه الكبيرة، وهناك كذلك التعريف الذي يضفي صفة المأساة على بعض الحوادث المروعة التي تصيب أفرادا على نحو مفاجئ، وهناك مفهوم آخر للمأساة تهتم به الدراسات الفلسفية وهو تحديداً المنظور المأساوي للحياة. |
رد: المأساة من منظور فلسفي
انتهيت قبل قليل من رائعتك الشعرية
لأستنهل من فكرك الفلسفي هنا غير مستغربة أن يحظي البحث في الوجه المأساوي للحياة باهتمام الفلاسفة على اختلاف تياراتهم ومدارسهم الفكرية، ذلك أن التجربة الإنسانية من أهم ميادين البحث والتقصي الفلسفي، وتنتهي فكرة المنظور المأساوي للحياة على عدة مقدمات، من بينها التعامل مع العالم على أنه منظومة أخلاقية متكاملة، أو على النقيض من ذلك النظر إليه بوصفه يرزح تحت وطأة غياب تلك المنظومة الأخلاقية، فالوجود الإنساني تحدد ماهيته إلى درجة كبيرة حضور أو غياب المنظومة الأخلاقية، وذلك تحديداً جعل الكتابات اللاهوتية تسعى لتحقيق توازن أخلاقي، من خلال إقرا ها بأن فكرة الشر ذات وجود أزلي وسرمدي في العالم ومن أن هناك أوقاتا ينمو فيها الشر ويتفشى، والوسيلة المثلى للتصدي له هي في انتهاج وصفة مبسطة تقضي بعقاب مرتكب الشر ومكافأة فاعل الخير وهذه ستشكل فيما بعد تنويعاً آخراً على الفكرة القديمة بارتباط السعادة بالفضيلة. كُنت هنا أخي أستاذ الفلسفة عبد الوهاب جاسم وتركت رأيي الخاص بالمنظور الفلسفي للمأساة:30: |
رد: المأساة من منظور فلسفي
اقتباس:
سعيد بتعقيبك أستاذة ياسمين الفكرة التي طرحتيها يرتبط بها على نحو وثيق عنصر المعاناة بوصفه صنوا للمأساة، وشرطاً لتحققها فالإنسان حينما يعيش الحياة بطريقة مأساوية إنما يختبر في المقام الأول المعاناة ويكابدها لحظة بلحظة غير أن هذه الفكرة وجدت بين الفلاسفة من يعارضها؛ إذ يذكر على سبيل المثال فردريك نيتشه بأن المعاناة ليست هي الأساس إذ أن الإنسان الفرد بوسعه مكابدة المعاناة، ويقيم مقارنة بين الإنسان والحيوان ليذكر بأن ما يميز الإنسان عن الحيوان هو بحثه عن المعنى، وبأن عدم وجود معنى للحياة يخلق فراغاً هائلاً تتسلل من خلاله المأساة أو المنظور المأساوي للحياة. |
رد: المأساة من منظور فلسفي
اقتباس:
أستسمحك عذرا الآن ،سأعود آجلا فقد حان موعد الإمساك وبعده صلاة الفجر :31: |
رد: المأساة من منظور فلسفي
اقتباس:
ذلك أن رغبات الفرد والقيم التي يحملها يحكمها بالضرورة الصراع ، فهي من جانب قد لا تكون متوافقة مع بعضها البعض وكأنها في حالة تضارب وصراع، أو أن تكون من جانب آخر متعارضة مع الواقع والحياة ، فيما يحمله الفرد مبادئ ومفاهيم وما يوجد في الحياة ممارسة،ذلك تعارض بين المبادئ والممارسة. |
رد: المأساة من منظور فلسفي
اقتباس:
احترامي وتقديري لكِ أستاذة ياسمين |
رد: المأساة من منظور فلسفي
اقتباس:
ولعل فكرة المأساة كما تفضلت وصورها ويليام شكسبير تجسيد مثالي على ذلك، فعلى سبيل المثال، سنجد مأساة روميو وجولييت في جوهرها نتاجاً للصراع بين القيم التي يعتنقها المرء بداخله والعالم يعرفه، فالحب يجمع بين روميو وجولييت في حداثة سنيهما وتحركهما الرغبات والمشاعر الداخلية ولكنهما يصطدمان بعالم يعارض ذلك الحب ويتوعده من خلال العداء المرير بين عائلتيهما ويحاول هذا الخب تجاوز هذا الصراع ولكنه ينتهي إلى أن يصبح مأساة . يبدو أن النقاش سيطول في هذه القضية لذلك سيثبت لحين الانتهاء من النقاش :20::20::20: |
رد: المأساة من منظور فلسفي
اقتباس:
|
رد: المأساة من منظور فلسفي
اقتباس:
شكرا لكما ومتابع جيد معكما . |
رد: المأساة من منظور فلسفي
يرى أرسطو أن التغير في الحال نحو التعاسة والمأساة لا يعود إلى أي خلل أو عيب أخلاقي، ولكن إلى خطأ من نوع ما....كما أنه عكس الاعتقاد الخاطئ بأن هذه المأساة يمكن أن تنتج من قبل سلطة عليا (على سبيل المثال القانون، المصير، أو المجتمع)، بينما إذا كان سقوط شخصية ما في هذه المحنة ناجما عن سبب خارجي، فإنه يصف ذلك بأنه «بلية» وليس مأساة.
و يقول الدكتور نعمان منصور : "إن خارطة الدراما على مر العصور بمختلف المؤلفين والظروف والاتجاهات الأدبية والأشكال الفنية والصيغ الجمالية المبهرة التي تكتسيها نصوص الدراما الراقية والتي صمدت أمام التحولات الكبرى في الحياة، تشير بعمق لفلسفة غائرة في النصوص، بل الأدهى، إمكانية أن نتفهم الحياة من خلال تلك النصوص التي تحمل جنينيا مستقرات متفلسفة للحياة آنذاك. فإن تطلعنا إلى النصوص الكلاسيكية المهمة والمتبقية لمؤلفين عمالقة (اسخيلوس، سوفوكلس و يوربيدس) فإننا نجد مثلما أكدت الدراسات المتعمقة، أن موضوع القدر وغلبته لمن يتحداه من بني البشر، إذ شكل القدر القوة المهيمنة على حيوات الأبطال، ومؤسسا لكل تحركاتهم على الرغم من صلابتهم واستمرارهم بالتحدي ومحاولتهم لخرقه وتجاوز مقدراته..." تقديري لك أ.عبد الوهاب جاسم على هذا الموضوع الجدير بالمتابعة والنقاش ولكل الأساتذة الأفاضل الذين ساهموا في إثرائه..:43: تحية |
رد: المأساة من منظور فلسفي
اقتباس:
|
رد: المأساة من منظور فلسفي
اقتباس:
ارتبطت المأساة في نشأتها بالصراع بين الآلهة الوثنية، أو بينها وبين البشر ، أو بين البشر أنفسهم ، ولعل ملحمتي الإغريق: الإلياذة والأوديسا خير من يمثل ذلك الموضوع ، وتجلت أيضا في الديانة المسيحية من خلال تضحية المسيح، ابن الله حسب معتقدها الباطل - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- ثم مع عصر النهضة ومابعدها حيث ترسخت فكرة صراع الإنسان مع نفسه ومع واقعه الخارجي باعتباره مركز الاهتمام الأول في الكون. و إن كان النقاش يدور حول المأساة فلا يعدو أن يكون الأمر نقاشا فلسفيا، فالمسلمون ليس لديهم مفهوم" مأزق وجود إنساني"، كما أن المصائب والمآسي مرتبطة في الإسلام بالعالم الأخروي ، باعتبارها ابتلاء و قدرا، يجب الرضى به ، ويكون جزاء الإنسان في الدنيا أو الآخرة على قدر صبره واحتماله. جزيل الشكر لطرحك هذا الموضوع الفلسفي المهم. تحياتي وتقديري. |
رد: المأساة من منظور فلسفي
مرحبا بالأستاذ عبد الوهاب
وشكرا للأستاذة ياسمين على تثبيت الموضوع وشكرا لكل المتدخلين الذين أثروا الموضوع ومداخلتي كالتالي: المأساة المأساة في اللغة هي المصيبة، وفي الأدب هي حكاية لها نهاية مؤلمة، ويعتبر نيتشه من المعجبين بالمأساة ويعتبرها باكورة الأدب فهي تجعلنا نحس بالخلاص وهو نوع من التطهير الأرسطي، لكن نيتشه يراها نوعا من التربية على المأساة لاقتحام الصعاب ويتجلى ذلك بجعله الحياة تدفقات للمصائب *وحلبة لممارسة القوة والذي لا يستطيع تحمل المآسي مجرد إمعة يستحق أن يسحق ولا ينتمي للصفوة. لكن بطل المأساة وبدون منازع هو سيوران الذي يعتبر الوجود مأساة حقيقية. ولأن الإنسان كائن واع فمأساته تتجلى في وعيه الذي لا يستطيع صياغة معنى للوجود، بل كل محاولة لصياغة ذلك المعنى تجعله ينفصل عن الدفق الحيوي للحياة ويعتبر الأرق خير تمثيل لتلك المفارقة فكأنك تحاول أن تنام وكلما *اقتربت من القبض على النوم ابتعدت عنه. أظن أن هذه المقاربات للمأساة ليست دقيقة بما يكفي لتنال القبول، وفيها إسقاطات ذاتية للمآسي الشخصية. رغم أنه يصعب الفصل بين الذات والموضوع في القضايا الفلسفية.* فالمآسي بقدر بشاعتها لها بعض ضرورة لتستمر الحياة، وحتى والحياة تسير بشكل طبيعي فالإنسان يحس أحيانا أنها رتيبة، فالمآسي لها دور في تغيير المشهد. وإلا أصبحت الحياة مأساة بعينها كما عند نيتشه وسيوران. في الحياة كأي إنسان رأيت *مآسي حقيقية وتهدمت أمام عيني قامات لا ينبغي لها ذلك، فهناك من انتحر وهناك من مات في حادثة سير وغيرها من المآسي، لكن كل ذلك لا يؤثر على السير العادي للحياة، نقول في مثلنا الشعبي سواء التحقت بالرقص أو امتنعت فالرقصة مستمرة وقائمة لأنها اجتماعية، فالحياة بشكل من الأشكال لا تبالي، لذلك من الأحسن أن تلتحق بالركب وتعيد صياغة المعنى ولو تعذر استكمال المعنى السابق بذلك وحده تكتسب شرف المشاركة في الحياة، بدل الاكتفاء بدور الملاحظ، لذلك تجد الذي ملكته المأساة لا يستطيع الخروج من زنزانتها، ولنا في الفكر الشيعي بعض عبرة، إذ تم فيه تضخيم المأساة على حساب السير العادي للأمور، ولا يزال البكاء على الأطلال عقيدة فكرية للمظلومية، وتتجلى هذه الظاهرة في العنصرية الصهيونية التي تعيش على مظلومية الهولوكوست. المأساة تجعلك تبرر العدوان والعيش على الفتن. أو تجعلك خارج الدور وتستسلم. لذلك تعتبر مقاربة نيتشه عدوانية ومقاربة سيوران استسلامية. وكلاهما ينطلقان من نموذج الحيوان السامي ويريان الوعي نقيصة، والوعي كما الحياة والغرائز أساليب وجودية تندرج في السياق الكلي للوجود. وبدون وعي لا يستطيع الإنسان التموضع بشكل جيد على خريطة الموجودات وممارسة الوجود بأريحية. فالفرق بين الحيوان والإنسان بين وظاهر فهو التعايش مع الطبيعة والابتكار فيها بعد وعيها. وليس استسلاما خالصا وليس قهرا مضاعفا.* فالمأساة معطى حاضر كباقي المعطيات ومعالجتها عن طريق الوعي ممكنة. |
الساعة الآن 07:31 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.