منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   التهويدة (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=24196)

مبارك الحمود 08-13-2017 06:31 AM

التهويدة
 
التهويدة

لم أعد أتذكر..
تهويدة أمي الهامسة رحلت.. غادرتني كفراشة ربيع، وأنا مازلت طفلا على فراش النوم..
لا أتذكر سوى أني استيقظت على صباح أزرق لسماء زجاجية, وباب البيت خلفي مغلق، وعملاق النسمات الليلية يقف بجانبي.. كان يحمل مصباحا مطفأ وحقيبة، يقف بوجوم بجانبي، وأدركت حينها أن علي أن أتبعه.. سلكنا طريقا على جانبه تقف هيالم ومخلوقات تارسير, تحملق فينا بعيون واسعة مبحلقة.. مررنا بعدها بجبال مقلوبة على قمتها حتى وصلنا مدينة المرايا بشعبها البشع، ومضينا بدربنا حتى وقفنا عند سكة القطار، حيث نافذة تقبع على قضبان السكة, ففتحها العملاق.. كانت تطل على سماء, شعرت ببرودة تهب منها.. وسمعت تهويدة أمي تنبعث هامسة, بصوتها الهادىء, مشبعة برائحة أعشاب ندية, وحينها استيقظت ولم أعد أتذكر.. لم أعد أتذكر.. صدقا لم أعد أتذكر..
......
دولابي الخشبي أصبح يحمل ثيابا أوسع مني, وغرفتي معلق على أحد جدرانها صورة ذئب شاب يرتدي بزة ملازم, وعلى سريري بعض الشعر المتناثر..
بالخارج لم أعد أتذكر.. كل تلك الأشياء الصغيرة, كالورقة المكورة الملقاة في الشارع, كالموجة الصغيرة, التي من بين ملايين الأمواج ارتمت على أصابع قدمي, كربطة شعرها حينما خطفتها الهبائب, فتعلقت على مقود دراجتي قليلا, لتخطفها هبة أخرى, لتكمل طريقها إلى حيث لا أدري.

....

لم أعد أتذكر..
حتى وردة النار ذات البتلات المشتعلة نسيتها..
وما عدت أستطيع قطفها..
سمعت وقتها أن غيمات من غزل البنات, بللتها ذات يوم فذبلت..
حينما وصلتُ للمكان, وكان ورائي جمع يتبعني، وأمامي يقف المنفيين الى ذاكرتي. اولئك الغرباء المجهولين الذين رأيتهم في الطرقات والامكنة البعيدة.. ذوي الملامح الممسوحة، محبوسين هناك للأبد.. فقط هم ولا أحد غيرهم.
بعد ذلك لم أتذكر سوى ذلك القرصان الأحول، وبيده بندقية في يوم صباح غائم، وهو يحاول إطلاق النار على طفل يقف بجانبي. وحينها استيقظت على صوت غناء أمي الهامس، وهي تمسح بيدها برفق على شعري المقسوم نصفين من جانبه، ونافذة مرصعة بالنجوم تهب منها نسمة حركت الستائر وأطفأت المصباح
.

ايوب صابر 08-13-2017 07:42 AM

خيال سحري وسرد مميز واسلوب فريد وفكرة تستعصي على الفهم فلا شك ان النص غارق في الرمزية ويحتاج الي الكثير لفهم مقاصده وسبر اغواره.
اهلا بعودتك استاذ مبارك

ياسر علي 08-13-2017 01:21 PM

الأستاذ مبارك الحمود


عودة مترعة بالجمال، ونصّ يحمل توقيع ما سبقه من نصوص، جميل أن يبقى الفارس ملازما لفروسيته.
فمرحبا بكم سيدي

ايوب صابر 08-14-2017 10:07 AM


هذه دعوة لكل المهتمين بفن السرد والنقد الادبي لتقديم قراءة تحليلية نقدية لهذا العمل الفني الجميل لعلنا نفهم مقاصده ونسبر اغواره التي تبدو عميقة وغنية

مبارك الحمود 09-29-2017 12:01 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايوب صابر (المشاركة 226211)
خيال سحري وسرد مميز واسلوب فريد وفكرة تستعصي على الفهم فلا شك ان النص غارق في الرمزية ويحتاج الي الكثير لفهم مقاصده وسبر اغواره.
اهلا بعودتك استاذ مبارك

أهلا وسهلا بالأستاذ الرائع أيوب صابر.. أسعدني حضورك وقراءتك للنص.

مبارك الحمود 09-29-2017 12:04 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسر علي (المشاركة 226212)
الأستاذ مبارك الحمود


عودة مترعة بالجمال، ونصّ يحمل توقيع ما سبقه من نصوص، جميل أن يبقى الفارس ملازما لفروسيته.
فمرحبا بكم سيدي

الجمال وجودك هنا مشرفنا ياسر..
لك التحايا أيها الجميل.

ايوب صابر 09-29-2017 03:32 PM

على الرغم انني دائما ما اجد صعوبة في سبر اغوار قصص الاستاذ مبارك الحمود دعونا نحاول تقديم قراءة معمقة لهذه القصة :

عنوان القصة هو " التهويدة " والتهويدة هي اغنية هامسة تغنيها الام عادة للطفل الرضيع حتى تساعده على النوم . ولا شك ان هذه الكلمة الوحيدة التي اختارها القاص كعنوان لقصته تضع المتلقي في جو النص المفترض الذي اختاره الاستاذ مبارك ليقص علينا احداث قصته وهو زمن الطفولة ولو ان السرد جاء على شكل ذكريات وهو حتما عنوان جذاب يدفع القاص ليندفع للتعرف على احداث القصة.
وعلى عكس المتوقع وبدلا ان يتحدث الاستاذ مبارك عن التهويدة نجده يفجر اول قنبلة من قنابله البديعية التي تعطي نصوصه نكهة خاصة وتجعل اسلوبه مميزا ومؤثرا. فنجده يتحدث عن الرحيل وهنا يشبه انقطاع استماع بطل النص الى تلك الاغنية الهامسة بفراشة ربيع رحلت. ومن خلال حديثه عن رحيل الفراشة وانه لم يعد يتذكر كما جاء في عتبة النص نعرف انه يتحدث عن رحيل ام الشخصية الرئيسية في النص. وفي نفس الوقت يخيل للمتلقي ان القاص يصف احداث كابوس لا بد انه شاهده في منامه. خاصة انه يتحدث عن الاستيقاظ ولكن يبدو ان ذلك الاسيقاظ هو جزء من الحلم الكابوس لان المشهد الذي يصفه القاص ويقول انه استيقظ عليه لا يوجد الا في الأحلام فكيف يكون الصباح ازرق والسماء زجاجية وعملاق النسمات يقف الى جانبه دون ان يكون ذلك جزء من حلم او كابوس مخيف؟! وما هذه الطريق المخيفة التي يسلكها بطل النص مع ذلك العملاق والذي تقف على جانبه هيالم ومخلوقات تارسير ؟ وأين نجد جبال مقلوبه سوى في الحلم او عالم على شاكلة عالم الس في بلاد العجائب؟ وما هذه النافذة العجيبة التي كانت تقبع على قضبان السكة, فيفتحها العملاق.. لتطل على سماء؟
ومن تلك النافذه سمع بطل النص تهويدة امه من جديد تلك التي كانت قد رحلت مثل فراشة . ويصف حاله في ذلك الموقف بقوله " شعرت ببرودة تهب منها.. وسمعت تهويدة أمي تنبعث هامسة, بصوتها الهادىء, مشبعة برائحة أعشاب ندية, وحينها استيقظت ولم أعد أتذكر.. لم أعد أتذكر.. صدقا لم أعد أتذكر.."

وهذه كناية عن ان بطل النص يعتقد بان امه في السماء وربما في الجنة من خلال حديثه عن رائحة العشب الندية .
اذا لا شك ان الاستاذ مبارك ابدع في هذا النص بعبقرية نادرة ليست غريبه عليه فهو عودنا في كل قصصه ان يرسم لوحات سحرية لا توجد الا في خيال جامح. وقد احسن باختيار العنوان. وشدنا بقوة الى النص حينما تحدث في عتبته انه لم يعد يتذكر. ثم تحدث عن الرحيل بصورة رمزية غامضة فلم نعرف ان كان يقصد الرحيل الفعلي وانه اختار بطل النص ليكون طفلا يتيما ام انه يتحدث عن كابوس ....

يتبع



ايوب صابر 09-30-2017 03:30 PM

تابع ...
قراءة معمقة في قصة التهويدة

...فمن عتبة النص يسخر القاص احد اكثر الأساليب تأثيرا في دماغ المتلقي وهو تسخير التضاد . فحينما يسرد علينا احداث جرت في الطفولة فهو انما يأتي بها من الذاكرة ولكنه بدا السرد بقوله انه لم يعد يتذكر. وهذا ما ينبه المتلقي الى اهمية الاحداث في القصة ويشده لمتابعة السرد.

ولا ننسى انه باستخدام كلمة الهامسة في وصف تهويدة الام انما يوقظ حاسة السمع في المتلقي ويجعله اكثر انجذابا للقراءة والتفاعل مع النص.

وفي السطر الاول نجده يحشد عنصرين آخرين من عناصر التأثير وهما عنصر الحركة والانسنة حيث يؤنسن التهويدة ويخبرنا انها رحلت! ويزيد على الحركة بذكر الفراشة التي يشبه التهويدة بها ، وليس هناك ما يمنح النص السردي حياة وحيوية اكثر من تضمين النص كلمات توحي بالحركة فكيف اذا كان الحديث عن رحيل على شكل فراشه؟!

وهو بحديثه عن رحيل التهويدة يوحي للمتلقي بموت الام مصدر تلك التهويدة ويتعزز هذا الشعور من خلال استخدامه لكلمة الرحيل والتي يرتبط بها عادة الرحيل الى الدار الآخرة ، والفراشة والتي يعتقد كثير من الناس انها ارواح تأتي وتذهب الى العالم الاخر حيث يمتنع البعض عن طرد الفراشة من البيت خشية ان تكون روح انسان قريب وهذا مؤشر ان الاستاذ القاص حشد أسطورة شعبية في نصه ليزيد من حجم التأثير في المتلقي نظرا لما يرتبط بهذه الأسطورة من مشاعر وعواطف.

وما يلبث ان يعود لتسخير التضاد من جديد فيعود ليكرر انه لا يتذكر رغم انه يروي لنا جزاء من ذكرياته ، وبعد ذكره للنوم في نهاية السطر الاول نجده يتعمد ذكر كلمة الاستيقاظ مباشرة في بداية السطر الثاني وكما قلنا يعتبر تسخير التضاد من اكثر الأساليب تأثير على الدماغ.

وما يلبث القاص ان يلون حديثه باللون الأزرق ويذكر سماء زجاجية وهذا تصوير وتشخيص للمشهد الموصووف وكأنه يرسم لوحة او يصور منظرا عجيبا فتترتسم الصورة في ذهن المتلقي بقوة مهولة وتنطبع بسحريتها البالغة والصورة ابلغ من الف كلمة كما قالوا .

وايضا نجده يتحدث عن صباح ازرق رغم ان عملاق النسمات الليلة يقف الى جانبه وهذا يوحي بان الوقت ليل، وهو بذلك انما يقصد الاستفادة القصوى من اسلوب التضاد لإيقاع اقصى حد من التأثير على المتلقي. والليل يذكرنا باللون الاسود.

وها هو يعود بشخصنة النسمات هذه المرة وليس ذلك فقط بل يجعلها عملاقا فاي خيال جامح هذا الذي يصور النسمات الليلية الرقيقة على صورة عملاق ويجعله يقف الى جانبه في فناء البيت وباب البيت خلفه مغلق ، وهو ينظر الى سماء زجاجية الا ان نورا يشع منها اقرب الى نور الفجر.

ولا يكتفي القاص بصناعة شخصية العملاق من النسمات وهذا لوحده خارج عن المألوف وتعبير بكر لا أظن احد سبقه عليه ، بل يمنحة ايضا صفات وملامح انسانية فهو يقف بوجوم الى جانبه، ويحمل مصباح لكنه مطفأ، وهنا محاولة اخرى للاستفادة من التضاد ، ولا نعرف لماذا جعله ، اي المصباح ، مطفأ فهل بسبب ذلك النور المنبعث من السماء الزجاجية ؟ ام ان الغرض هو لتجسيد المشهد في ذهن المتلقي والاستفادة من التضاد كأسلوب سحري التأثير ؟

كما ونجده يجعل العملاق يحمل حقيبة وهذا يوحي بانه مسافر أيضاً ، وهذا ما جعل بطل النص يدرك ان عليه ان يتبعه والحديث عن السفر والسير في طريق يعني مزيد من الحركة والحيوية والحياة للنص
.

يتبع ..

ايوب صابر 10-01-2017 11:09 AM

تابع ..

وبالحديث عن سير بطل النص في الطريق تابعا العملاق ، عملاق النسمات وليس اي عملاق ، ثم الحديث عن مخلوقات تقف على جانب الطريق يهدف القاص الى الاستفادة من التضاد من جديد مدركا انه احد اهم عناصر التأثير في عقل المتلقي.

والحديث عن مخلوقات غريبة وتكاد تكون منقرضة او من عالم اخر ولها صفات عجائبية مثل العيون الواسعة يحاول القاص ان يضعنا في جو مختلف عن الواقع المعاش، جو عجائبي سحري، وكأنه يريد القول بان ذلك المشهد ينتمي الى عالم اخر ويؤكد على ذلك حينما يتحدث عن الجبال المقلوبة.

وبحديث القاص عن عيون حيوانات التارسير المبحلقة انما أراد ايقاظ حاسة البصر فينا كمتلقين ، وتحفيزنا على النظر الى المشهد الذي يصفه بعيون مبحلقة .

وباستخدام كلمة ( مررنا ) يهدف القاص الى تضمين النص مزيد من الكلمات التي توحي بالحركة وبالتالي الحياة.

ثم يؤكد القاص على غرابة العالم الذي كان يسير فيه برفقة العملاق من خلال حديثه عن مدينة المرايا بشعبها البشع، ولا شك ان اختياره بان يكون شعب مدينة المرايا بشعا امر مقصود ، ويهدف الى تضمين النص اعلى حد من الإثارة وفي نفس الوقت التاكيد على ان تلك المدينة لا تنتمي الى هذا العالم... فاي عالم هذا الذي يصفه القاص هنا !؟

وهل يكون مثل هذا العالم سوى مشهد من حلم عجيب او خيال جامح يصور فيه رحلته الخيالية حيث ياتيه عملاق النسمات الذي اتى اليه لينقله الى العالم الاخر وفي الطريق يجد البطل ويشاهد كائنات وعوالم غرائبية لا تنتمي الى الواقع المعاش وهذا ذكاء حاد من القاص وعبقرية في تسخير عناصر التاثير بحدها الاقصى حيث يستثمر خياله الجامح هذه المرة لمنح نصه مزيد من التأثير والسحرية والقوة.

ومن جديد يستثمر القاص في عنصر التضاد بالغ التأثير حينما يتحدث عن المضي في الدرب ثم الوقوف عند سكة القطار ( ومضينا بدربنا حتى وقفنا عند سكة القطار،) ليشاهد بطل النص هناك على قضبان السكة نافذة تطل على سماء ( حيث نافذة تقبع على قضبان السكة, ففتحها العملاق..) وفي هذه الفقرة أيضاً ما يؤشر الى ان القاص يتحدث عن رحلة فوق عادية رحلة الى ارض فيها نافذة تفتح فتظهر السماء وهو في تلك الرحلة برفقة العملاق الذي فتح النافذة التي تطل على السماء. *
......


منى شوقى غنيم 10-03-2017 02:46 AM

سرد رائع و اسلوب مميز
تحيتي و تقديري

ايوب صابر 10-07-2017 10:44 PM


ويستمر القاص في وصف المشهد مبينا ان تلك البوابة الكائنة على سكة القطار ليست كأي بوابة وانما تطل على سماء تهب منها برودة وتنبعث منها تهويدة والدته التي اخبرنا انها رحلت في بداية السرد، وهي تنبعث لتصل هامسة كما اعتاد ان يسمعها وهو طفل صغير ، ولكنها هذه المرة مشبعة برائحة أعشاب ندية ، وكان الكاتب يوحي بان امه تسكن في مكان جميل في تلك السماء التي تنفتح عليها البوابة....

وهنا يخبرنا بطل النص انه استيقظ من النوم حتما ولكنه لم يعد يتذكر ويؤكد على ذلك وهو بهذه الطريقة يريد ان يوقظنا من غفلتنا ويشدنا لنتابع سرده الجميل حول ما جرى معه ..

ولا شك ان القاص قصد بذكر القطار وسكته تضمين النص مزيد من الكلمات الموحية بالحركة، وبتالي الحياة .

اما وصفه لذلك المكان الذي يقع في السماء خلف البوابة فهو اقرب الى الجنة، وكان بطل النص أراد ان يخبرنا بان امه التي رحلت وهو صغير تسكن في ذلك المكان خلف النافذة السماوية ، ولكنها ما تزال تهمس له بتهويدتها التي تصل مشبعة برائحة العشب الندية ...

وباستخدام كلمة (سمعت وكلمة هامسة وكلمة صوتها والهادي ) ما يوقظ حاسة السمع لدى المتلقي فينشد الى السرد وحواسه قد استنفرت ، فهو لا يوقظ فقط حاسة السمع وانما يوقظ في المتلقي أيضاً حاسة الشم من خلال حديثة عن رائحة أعشاب ندية.

ولا شك ان القاص قد ابدع في وصف المشهد هنا وتصويره وجعل سرده بالغ الأثر من خلال حشد كل ادوات التأثير تلك، والتي تشمل التضاد، والحواس، والتصوير، والحركة، والحديث عن الشعور والاستيقاظ ...

وكانه أراد ان ينبه المتلقي في كل كلمة من كلمات النص الى ما يريد ان يقوله. وبتاكيده على انه لم يعد يتذكر يؤكد على اهمية النص الذي وصلنا منه في وصف لتلك الحادثة التي هي اشبه بحلم راوده وقد اختبر فيه فقد الام وهو صغير حيث رحلت وتركته ومؤشر ذلك انها توقفت عن التهويد له ، لكنه في لحظة من الزمن جاء اليه عملاق وأخذه الى تلك البوابة وهناك وما ان سمع تهويدة امه المنبعثة من السماء حتى استيقظ ....

يتبع

ايوب صابر 10-11-2017 05:38 PM

للاطلاع على القراءة المعمقة لبعض قصص الاستاذ مبارك الحمود الرابط أدناه :

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=4825

ايوب صابر 10-11-2017 05:57 PM

تابع ...

يلاحظ المتعمق في قراءة هذا الجزء من القصة ان القاص رغم حرصه على حشد كم ـهايل من المحسنات البديعية والجمالية التي جعلت نصه سحريا وكانه فصل من فصول الف ليلة وليلة نجده في نفس الوقت قد حرص على تضمين نصه عناصر القصة المتعارف عليها .
فقد بين لنا بان مكان الحدث هو امام منزل بطل النص والباب خلفه مغلق لكنه بحديثه عن الاستيقاظ وان الحدث الذي يرويه لنا هو جزء من ذكريات كان قادر على استرجاعها نعرف ان مكان الحدث السرير حيث كان بطل النص مستغرقا في النوم حيث راوده ذلك الحلم العجائبي. والأماكن الاخرى مثل السماء وسكة القطار والبوابة الخ هي جزء من الحلم فهو بذلك استثمر آلية الحلم والتذكر لجعل الاماكن المتعددة المذكورة تخدم المكان الرئيسي في النص.
والزمان لا بد ان الحدث قد وقع في زمن متأخر من عمر بطل النص ولو اننا في هذه الفقرة لا نعرف تحديدا متى وقع الحدث، لكننا نلاحظ بان القاص بدا في الحديث عن زمن الطفولة ضمن الية التذكر التي لجأ اليها ليروي لنا الحدث وعليه نجده قد احسن استثمار الأزمان الاخرى بما في ذلك زمن الطفولة لخدمة زمن النص. وعليه نقول ان الزمكانية في القصة محدودة ومناسبة.

يتبع




ايوب صابر 10-12-2017 02:34 PM

تابع..
وفما يتعلق بالحبكة نجد ان الاحداث متسلسلة فنحن بصدد بطل النص وهو في شبابه او في سن متقدمة اكثر قليلا يروى لنا بعض ذكرياته التي يدعي بأنها ظلت عالقة في ذهنه على الرغم انه لم يعد يتذكر الكثير مما جرى.
فيعود بنا بداية الى سن الطفولة المبكرة ويخبرنا ان تهويدة امه رحلت كفراشة ربيع. ثم يسرد لنا كيف انه استيقظ من النوم على صباح ازرق وسماء زجاجية، كناية عن صفاء السماء في ذلك الوقت، ليجد نفسه وهو يقف امام منزله والباب خلفه مغلق والى جانبه عملاق النسمات، ثم يسير بصبحة ذلك العملاق في ارض عجائبية حتى يصل الى حيث سكة القطار، وهناك يفتح العلامق بوابة تطل على السماء التي ينبعث منها برودة و رائحة عشب ندية وهناك سمع تهويدة امه الهامسة وعندها استيقظ من النوم.
حيث يبدو الحدث في مجمله عباره عن ذكريات ما علق في الذاكرة من حلم شاهده بطل النص رغم ان السطر الاول يوحي بأن مغادرة الام وتهويدتها حدث قد وقع فعلا وكأن القاص اراد ان يقحمنا في النص ونحن نتعامل مع حدث واقعي وهو موت الام لانه السبب الاكثر احتمالا لانقطاع التهويدة بذلك الشكل. ثم يخبرنا ما جرى معه في وقت لاحق من مشاهدة لذلك الحلم والذي عاد من خلاله ليستمع الى تهويدة امه بعد زمن بعيد تأتي اليه من سماء ندية وباردة مما يوحي بأنها مكان اقرب الى الجنة، وهذا بدوره يؤكد على ان الام قد رحلت في سن مبكرة واصبحت تسكن السماء.

وحيث ان الحلم هو تعبير عن رغبات دفينة نستطيع القول ان القاص لجأ الى هذه الالية من اجل ان يوصل لنا مدى شوق بطل النص لسماع تهويدة امه التي انقطعت ذات يوم وهو طفل صغير وهذا يعني ان القاص لديه معرفه في علم النفس وعالج هذا الموضوع من واقع فهمه لمكبوتات ورغبات النفس البشرية الدفينة التي يعبر عنها بالحلم كثيرا، لكنه في نفس الوقت اراد ان يوصل لنا اثر موت الام في الطفل، وحيث انه استخدم ضمير المتلكم في نصه نستطيع القول بأنه ربما يكون هو شخصيا يتيم الام وهو بهذا النص يعبر عن مكنونات نفسه تجاه الفقد الذي اصابه في سن مبكرة.

يتبع...



صبا حبوش 10-12-2017 08:41 PM

نص خيالي آسر ، بلغته و مشاعره و دقة وصف مشاهده.
" مدينة المرايا بشعبها البشع " ، " نافذة تقبع على قضبان السكة....سمعت تهويدة أمي تنبعث هامسة"
أستاذي أوجزت ، لكنك بحت بالكثير .

دام قلمك

صبا حبوش 10-12-2017 08:43 PM

شكراً لقراءاتك أستاذ أيوب ، أضاءت على النص بشكل كبير..

ايوب صابر 10-13-2017 11:35 AM

شكرًا استاذة صبا على التشجيع .
الصحيح قصص الاستاذ الحمود عميقة المعاني وليس من السهل سبر أغوارها وكشف أسرارها.
لكنها محاولة لعلها تشجع آخرين ليدلوا بدلوهم ويساهموا في استخراج الحلى من هذه المقطوعات المنسوجة بعناية من الخيال السحري.

*

ايوب صابر 10-13-2017 11:46 AM

تابع ...
اما فيما يتعلق بالصراع الذي هو العنصر الاهم في النص القصصي فتظهر الحبكة ان الصراع يتعلق بالموت والفجيعية التي اصابت بطل النص في الطفولة المبكرة وخلفت في نفسه شرخا هائلا ظهر في وقت متأخر على شكل حلم لبى للبطل رغبة دفينة بان يعود ليستمع لتهويدة امه الهامسة .
فهو صراع مع الموت وهو صراع نفسي داخلي ظل يتفاعل منذ لحظة الفقد الى حين حصول هذا الحلم ليعود بطل النص مستمعا لتهويدة والدته ولو على شكل حلم. وحتما مثل هذا الصراع لا يتوقف فدعونا نرى ان كانت الأجزاء المتبقية من النص تمثل استمرار لهذا الصراع ام ان القاص يعالج في نصه صراعات اخرى .

وحتما تعتبر ثيمة او فكرة الموت والحياة من اكثر الثيمات او الأفكار ذات الأثر البالغ لدى المتلقي. وكذلك اختيار اليتيم بطلا للنص. ففي الحديث عن الأيتام والموت والحياة قيمة عالية وسحرية واثر بالغ على المتلقي. وكذلك التعامل مع مكنونات النفس البشرية والصراع النفسي الداخلي. فالنفس البشرية عالم غامض وبحر عميق والتعامل معه اشبه باستخراج الحلى من اعماق البحر ولا شك ان في ذلك سحرية وجمال واثر عظيم.
يتبع ...

مبارك الحمود 10-13-2017 03:42 PM

مدهش أنت أستاذ أيوب.. استمر بامتاعنا كعادتك. أنت من المحفزين لي بكتابة نصوصي بقراءاتك النقدية.
أشكرك جدا.

ايوب صابر 10-13-2017 08:38 PM

اشكرك استاذ مبارك. المدهش حقا هو هذا الخيال السحري الذي تمتعنا به من حين لآخر. ويسرني ان تكون قراءتي المتواضعة تروق لك وتحفزك على مزيد من العطاء. الصحيح انني لطالما اعجبت بنصوصك وارى بانك فعلا صاحب مخيلة مبدعة ومخرجاتها سحرية واتمنى ان تستمر في العطاء. *

ايوب صابر 10-13-2017 09:08 PM

وفيما يتعلق
بالشخوص
نجد ان في القصة شخصية محورية رئيسية واحدة على الاقل وهي الراوي للحدث وبطل النص ذلك الشخص الذي يبدو انه فقد امه في الطفولة المبكرة، وعانى الكثير من ذلك الفقد وعاش في صراع نفسي كنتيجة لتجربة الفقد وتشكلت لديه رغبة عارمة مكبوتة للاستماع الى تهويدية امه الهامسة، وتم له ان استمع من جديد لتلك التهويدة لكن عبر حلم رءآه حيث يخبرنا علم النفس ان الأحلام في معظمها تعبير عن رغبات مكبوتة. ونجد القاص يقدم لنا بعض المعلومات عن هذا البطل فهو يقف امام باب المنزل ثم يتحرك برفقة عملاق النسمات الى سكة القطار حيث البوابة التي تنفتح على السماء ليستمع من جديد بعد انقطاع طويل الى تهويدة امه.
كل هذا يؤشر الى ان القاص يدرك ادوات القص الجميل وقد اهتم في بناء شخصية البطل وجعلها نامية متطورة. خاصة انه يبدأ حديثه عن فترة الطفولة ثم ينتقل بنا الى سن لاحقة شاهد فيها البطل ذلك الحلم، وهذا الوصف والتطور الحاصل في شخصية البطل يجعلنا نقول بان القاص احسن رسم هذه الشخصية المحورية وجعلها دائرية round character .لا بل لقد ارتسمت هذه الشخصية في ذهن المتلقي وكأنه شخص حقيقي واقعي نعرفه ونتعاطف معه ونتفاعل مع ما يكابده من الم الفقد والصراع الداخلي الذي عبر عن نفسه بذلك الحلم العجائبي.
وفي النص أيضاً شخصيات ثانوية وهي شخصية الام وشخصية العملاق ورغم انها تلعب دورا مهما في النص لكنها تظل شخصيات مسطحة لا نكاد نعرف عنها الكثير وليست نامية متطورة على شاكلة شخصية البطل.
وهناك ايضا شخصيات الحيوانات التي شاهدها البطل على جوانب الطريق وهو برفقة العملاق وهي ايضا شخصيات ثانوية لكنها تؤدي دورا حيويا في النص. ولا شك ان القاص نجح في بناء شخوصه وبما يلبي احد شروط الكتابة القصصية الناجحة.
ويبقى ان نتعرف في الأجزاء المتبقية ان كان القاص قد تحدث عن شخوص اخرى ام انه اقتصر في قصته باجزائها الثلاثة على هذه الشخصيات المذكورة .

يتبع

ريم بدر الدين 10-14-2017 04:09 PM

مساء الورد
منذ فترة لم يتسن لي القراءة بسبب ظروفي الخاصة و لكن أن آتي مباشرة إلى نص للأستاذ مبارك الحمود شيء يسعدني حقاً. فمن خلال معايشتي للوسط الأدبي وجدت أن الكثير من الكتاب توقف عند مرحلة معينة لم يتجاوزها و لم يحاول بعدها أن يطور أدواته اللغوية و المعرفية. لكن أسعدني جدا أن أرى أن مبارك الحمود يسعى بكل جهده لتطوير ذاته بدأب يوسع خبراته القصّية و يرفعها إلى درجة عالية حقاً.
مما قرأته هناك مواكبة رائعة لمنحى السرد العالمي الذي اتخذ في معظمه مسار الديستوبيا أو أدب ما بعد الكارثة كانعكاس مباشر للتطورات المتلاحقة على كوكبنا و التي تهدم الحجر و تقوض ما تبقى في دواخل البشر. اللغة مشغول عليها بعناية فهي مقتصدة في غير تقتير و كل كلمة أتت في موضعها لتشغل حواسي الخمس كمتلقي فكأني أرى و أشم و ألمس و أسمع و أحلق..
مما أود التنويه إليه هو القراءة النقدية المميزة التي قدمها الأستاذ الباحث أيوب صابر فشكرا لحارس بوابات منابر ثقافية و سادن عهدتها الكبيرة
تحيتي لك أستاذ مبارك الحمود و تحيتي للأستاذ أيوب صابر

ياسر علي 10-15-2017 01:39 AM

أهلا بالأستاذ أيوب صابر

قراءة كما عودتنا غنية و وافية لنصّ يستحق هذا المجهود لقراءته والتموضع بين أحضانه

حقيقة مفاتيح النص حسب اعتقادي تبدأمن ثلاثية محطاته
فهو نص مركب، وهذه التهويدة لا تحمل موضوعا واحدا بل هي بنية شكلتها تلاث وحدات.
إن كانت البداية سفرا مع التهويدة
فالوحدة الثانية سفر مع الحبيبة
و الثالثة رحلة مع الموت

هذا من حيث التركيب أما من حيث الرمز والإشارة والتناص
هناك عدّة ومضات لكل منها دور في فهم رمزية النص

عملاق النسمات الليلية، مخلوقات تارسير ، مدينة المرايا، ذئب شاب يرتدي بزة ملازم، وردة النار، القرصان الأحول.

ولعل الكلمة المفتاح في النص هي ملابس أوسع منّي، تؤازها لم أعد أتذكر.

خلاصة
أظن الكاتب يعتبر التهويدة هنا هي قصيدة رثاء يتلوها الوطن " الأرض" كل مساء في وجه الإنسان الذي أصبح قردي الملامح و قزميّ المشاعر، و قرصانا أحول.

النص صرخة ضدّ التحول الذي وجد الإنسان نفسه عليه
تحول فيه مسخ و فيه درجة كبيرة من حب البطش ونهم القتل.

شكرا للأستاذين العظيمين
أيوب صابر
و مبارك الحمود

ايوب صابر 10-15-2017 11:57 PM

شكرًا استاذة ريم على استجابتك لدعوتي للمشاركة في سبر اغوار هذه القصة البديعة . إضاءة جميلة ومهمة.
السؤال هو : هل تنتمي هذه القصة الى نمط الديستوبيا كما تفضلت ام هي اقرب الى نمط الخيال السحري؟ على شاكلة أدب مئة عام من العزلة ل غابرييل غارثيا ماركيث .

ايوب صابر 10-16-2017 10:57 PM

اشكرك استاذ ياسر على استجابتك لدعوتي وعلى هذه الإضاءة المهمة والعميقة . الصحيح ان لك نظرة مميزة دائماً تنم عن ثقافة واسعة .

ايوب صابر 10-19-2017 10:52 AM

تابع..
وفيما يتعلق بالتشويق والادهاش والتكثيف نجد ان اللغة المستخدمة مكثفة بشكل محترف وهنا اتفق مع الاخت ريم بان المدقق في النص يجد بأن القاص قد نسج قصته بعناية فائقة وكأنه دقق في كل كلمة اختارها للنص، فكل كلمة لها معنى وهدف واثر مما جعل النص بشكله النهائي ذي اثر بالغ وغاية في الادهاش والتشويق وقد احسنت الاستاذة ريم الوصف اذ قالت بخصوص لغة النص " مقتصدة في غير تقتير و كل كلمة أتت في موضعها لتشغل حواسي الخمس كمتلقي فكأني أرى و أشم و ألمس و أسمع و أحلق.."
ولو ان النص يظل غامض من حيث الفكرة ومكون من ثلاثة اجزاء لا يكاد المتلقي يعرف غاية هذا التقسيم سوى انها ربما تكون ثلاثة كوابيس او احلام رءآها بطل النص وهو يروي ما يتذكر منها وسبب قول ذلك هو تكرار كلمة لا اكاد اتذكر مما جعلها مفتاحا للنص ولا اعرف حقيقة لماذا يرى الاستاذ ياسر ان ملابس بطل النص الاوسع منه مفتاح اخر للنص؟ . كما ان قراءة الاستاذ ياسر للنص من حيث الفكرة والرمز والتناص تظهر بأن النص عميق ويمكن تأويله وفهمه من عدة اوجه.

ايوب صابر 10-23-2017 11:18 AM

اما الادهاش في النص فياتي من جملة المحسنات البديعية التي ساقها القاص لتجعل منه نصا بديعا غاية في التاثير والوقع على عقل وحواس المتلقي فهو يورط المتلقي دفعة واحدة بالحدث من خلال عنوان النص وعتبته الجذابة للانتباه، وما يلبث ان يفجر قنابل من الجمال في كل خطوة يخطوها مستخدما كل ما لديه من ادوات مثل الدراما والحركة واثارة الحواس والتضاد والالوان وحتى اختيار الموضوع وثيمته التي تعالج الموت والحياة واليتم وفقدان الام وهي الاكثر سحرية على المتلقي.
وما زاد من سحرية النص هو قدرة مخيلة القاص على اختراع اماكن وشخوص كانهم من عوالم اخرى مثل عالم الف ليلة وليله. ويتضح من التعمق في النص بأن القاص متأثر كثيرا بالتراث الديني الاسلامي ولو اننا لا نلاحظ تناصا جليا مع نص محدد مكن الاشارة اليه، لكننا نستشف من الفكرة والاسلوب والسرد انها تتناص مع هذا التراث الديني الى حد كبير خاصة فيما يتعلق بعملاق النسمات وبوابة السماء التي تنفتح فيشتم بطل النص منها روائح توحي بوجود مكان جميل خلف تلك البوابة حيث رحلت والدته ومن هناك يستمع لتهويدة امه بعد انقطاع طول. وكأن القاص استوحى فكرتة وسحرية سرده من الاسلوب القصصي القرائني فائق الجمال والتاثير او على الاقل تأثر به ايما تأثير.

ايوب صابر 10-25-2017 02:24 PM

ننتقل الى قراءة الجزء الثاني من هذا النص الجميل والغامض الى حد ما. طبعا ربما لا يمكننا معرفة سر تقسيم النص الى ثلاثة اجزاء. وقد يكون هذا الجزء الثاني من القصة سفر مع الحبيبة كما يقول الاستاذ ياسر وقد يكون حلم اخر في وقت اخر راه بطل النص وسبب قول ذلك هو تكرار كلمة " لم اعد اتذكر".
اقتباس
" ......
دولابي الخشبي أصبح يحمل ثيابا أوسع مني, وغرفتي معلق على أحد جدرانها صورة ذئب شاب يرتدي بزة ملازم, وعلى سريري بعض الشعر المتناثر..
بالخارج لم أعد أتذكر.. كل تلك الأشياء الصغيرة, كالورقة المكورة الملقاة في الشارع, كالموجة الصغيرة, التي من بين ملايين الأمواج ارتمت على أصابع قدمي, كربطة شعرها حينما خطفتها الهبائب, فتعلقت على مقود دراجتي قليلا, لتخطفها هبة أخرى, لتكمل طريقها إلى حيث لا أدري.".


وان اخذنا بقول الاستاذ ياسر بان هذا الجزء من النص بانه سفر مع الحبيبة فهذا يعني ان بطل النص يندب حظه في هذا الجزء من القصة على فقد اخر.

فهو لم يفقد الام فقط في الطفولة المبكرة التي رحلت الى غير رجعة، ولكنه في وقت لاحق فقد الحبيبة ايضا، فايقظ هذا الفقد جرحه من فقده الاول وعمق جرحه وكان له اثر عظيم على بطل النص.

فها هي الملابس صارت اوسع منه وذلك كناية على حالة الكآبة التي اصابت بطل النص على اثر الفقد، فلم تعد له رغبة في الاكل وبالتالي فقد الوزن، وصارت ملابسه اوسع منه كنتيجة لفقدان الوزن.

اما جدار الغرفة فمعلق عليها صورة لشاب في ريعان الشباب يتدفق حيوية ونشاط وعنفوان وكأنه ذئب متحفز في طاقته وحيويته خاصة انه صاحب رتبة ملازم في الجيش او الشرطة، وهذا استثمار جميل للتضاد قصد منه القاص تضخيم حالة البؤس التي اصابت بطل النص كنتيجة للفقد الذي اصابه في حبيبته هذه المرة فصار هذا حاله.

وما يؤكد على حالة الفقد تلك الاشارات التي ساقها القاص وتوحي بان ذلك المنزل كان فيه حبيبة او زوجة ذهبت مع الريح وخلفت خلفها على السرير بقايا شعر متناثر.

يتبع...

ايوب صابر 10-25-2017 11:13 PM

تابع ..
اقتباس " بالخارج لم أعد أتذكر.. كل تلك الأشياء الصغيرة, كالورقة المكورة الملقاة في الشارع, كالموجة الصغيرة, التي من بين ملايين الأمواج ارتمت على أصابع قدمي, كربطة شعرها حينما خطفتها الهبائب, فتعلقت على مقود دراجتي قليلا, لتخطفها هبة أخرى, لتكمل طريقها إلى حيث لا أدري." .

في الفقرة الثانية من الجزء الثاني يعود القاص ليكرر كلمات "في الخارج لم اعد اتذكر " وهذا يذكرنا بانه في الجزء الاول كان يقف في الخارج والباب خلفه مغلق عندما جاءه عملاق النسمات ليصطحبه الى تلك البوابة السماوية، وها هو مرة اخرى نجده في الخارج !؟ فهل هذا مؤشر على تكرار الحلم حيث يجد بطل النص نفسه خارج المنزل مرة اخرى !؟ حيث تدور احداث الحلم الذي لا يتذكر منه الكثير سوى ما يسرده علينا ؟

ولكن ان لم يكن يتذكر فكيف يسرد لنا قائمة الاشياء تلك ، فهل استخدام كلمات لم اعد اتذكر تكتيك يستخدمه القاص للتشويق وجذب الانتباه ؟ هذا ممكن ولكن هناك احتمال اخر ان يكون عدم تذكره ناتج عن حاله مرضيه خلفتها تجارب الفقد التي إصابته في امه اولا ثم في حبيبته.....اذا افترضنا ان المرأة الاخرى هي حبيبته ؟

ومؤشر ذلك انه لم يعد يتذكر سوى تلك الاشياء الصغيره ككرة الورق الملقاة في الشارع والموجة الصغيرة التي أرتمت على اصابع قدميه و ربطة شعرها التي خطفتها الهباهب.

وهنا يكرر القاص موضوع الخطف لربطة الشعر وذلك على الغالب اساقط على تجربة الفقد الثانية حيث يعبر عنها بالحديث على خطف هبات الريح ربطة شعر حبيبته بعد ان تعلقت لفترة على مقود دراجته ثم مضت الى حيث لا يدري.

وفي وصف القاص التفصيلي لهذه الامور دون غيرها ما يؤشر الى الحالة النفسية لبطل النص وكانه وعلى اثر تجربة الفقد لحبيبته التي أيقظت جرحه بفقد امه اصابه ما اصابه من الخلل النفسي حتى انه احس بعزلة شبه تامه عن محيطه وكانه اصبح يعيش في عالمه الخاص، وصار لا يرى سوى تلك الاشياء البسيطة والتي ينصب عليها تركيزه وهي كلها مرتبطة بالحبيبة، ولو ان الشيء الثالث هو الذي يوحي بحديثه عن حبيبة خطفتها الهباهب وفي تكرار كلمة هبة اخرى نفهم ان القاص يقصد في الهباهب الرياح ، وكانه يقول بان حبيبته ذهبت مع الريح الى حيث لا يدري.

وكل ذلك انما يؤشر الى حالة الفقد التي يعاني منها بطل النص.

ورغم قول ذلك لا يمكننا ان نستثني بان هذا الجزء هو حلم اخر يروى لنا بطل النص ما يتذكر منه، ومؤشر ذلك انه وجد نفسه في الخارج، كما حصل معه في الحلم الاول عندما جاءه عملاق النسمات.

وقد يكون هذا الحلم أيضاً تعبير عن مشاعر الفقد الدفينة التي يعاني منها البطل تلك التي سببها موت امه، وهو صغير ، وهذه المشاعر الدفينة تخرج على شكل حلم بسيناريوهات متعددة لكنها كلها توحي بوجود خلل تسبب فيه فقد الام في الطفولة .

ولا يكمننا الا ان نرى رابط مهم بين الجزء الاول من النص والجزء الثاني وهو في حديث بطل النص عن فراش النوم في الجزء الاول والسرير في الجزء الثاني ثم انه في كلا الحالتين وجد نفسه مرة في الخارج وخلفه الباب مغلق وفي الجزء الثاني يقول في الخارج مباشرة وهذا يؤكد على وحدة النص ووحدة الموضوع رغم وجود فاصل يوحي وكانه مركب من سيناريوهات ثلاثة لأحداث ثلاثة منفصلة .او كما اسماها الاستاذ ياسر اسفار ثلاثه والثاني منها والذي نحن بصدده سفر مع الحبيبة .

وهذا الربط يرجح احتمالية ان يكون الجزء الثاني حلم آخر يؤشر الى الحالة النفسية التي يعاني منها بطل النص نتيجة لحالة الفقد التي اختبرها في طفولته وربما تكررت في شبابه من خلال فقد امراءة اخرى لتضاعف الالم لديه ويصير الحلم هو المهرب الذي يعبر عن تلك الحالة المرضية او لنقل على الاقل التي تعتبر ميكانزم يعبر عما يجول في ثنايا اللاوعي من الم وفقد عند بطل النص .


يتبع

ايوب صابر 10-26-2017 11:57 PM

تابع ...

يضاف الى ما قلناه اعلاه حول الجزء الثاني من النص وعلى الرغم من المؤشرات التي سقناها حول العلاقة و الترابط الوثيق بين اجزاء النص الثلاثة وأنها على الأرجح سيناريوهات لثلاثة احلام تفتقت عن عقل عانى الكثير من تجارب الفقد خاصة تجربة فقد الام في الطفولة فكانت هذه الأحلام متنفس لما اختزن من الم في عقل بطل النص، على الرغم من كل ذلك لا يمكننا في الواقع ان نستثني بان هذا السرد ينتمي الى أدب الديستوبيا او أدب ما بعد الكارثة كما رأت الأستاذة ريم بدر الدين وايدها الاستاذ ياسر في ذلك كما ورد في خلاصته حول فكرة النص. وقد تكون الكارثة هنا تجربة البطل الشخصية المرتبطة بالفقد وقد تكون قضية عامة مرتبطة بالحروب والكوارث التي تعصف بهذا الكون هذه الايام خاصة ان وطن الاستاذ مبارك كان قد مر منذ سنوات قليلة بتجربة مريرة وكارثية لا بد انها خلفت اثرا مهولا في ذهن كل من عايشها.

أيضاً لا يمكن استثناء ان يكون السرد هنا من نمط الخيال السحري فالأحداث في النص بعيدة كل البعد عن الواقع المعاش وهي تبدو بشكل جلي من إبداع مخيلة الاستاذ مبارك الحمود الذي يتقن هذا النمط من السرد كما راينا في قصصه السابقة التي وقفت عاجزا عن فهم مقاصده في واحده منها على الاقل.

وهذه القدرة التي يختزنها النص هنا ويجعله قابل للتاويل على عدة اوجه وسيناريوهات هي جزء من عبقرية الاسلوب السردي لدى الاستاذ مبارك الحمود، فهو يضع في نصه مؤشرات وكلمات مفتاحية ليلمس المتلقي وحدة الموضوع، وترابط الحبكة ، لكنه يبقيه غامضا بما فيه الكفاية لتتعدد القراءات والتأويلات. وهذا ما يساهم مساهمة فعالة في جعل النص سحريا. وهو في الغالب يحتاج الى عقل جماعي لفكفكة طلاسمه وسبر اغواره وفهم مقاصده . *
يتبع ...

ايوب صابر 10-27-2017 05:16 PM

تابع ...
ومن حيث المحسنات البديعية في الفقرة وعلى الرغم من غياب الحواس والتضاد والأرقام والألوان في هذا الجزء من النص الا ان المتلقي يستشعر ان الفقرة مفعمة بالحياة، وذلك كنتيجة لما ساقه القاص من كلمات توحي بالحركة ومنها كلمات ( دولاب ولو انه يقصد في الكلمة خزانة ملابس ، والشارع ، والموجة ، و ملايين الأمواج، وارتمت على اصابع قدمي، و خطفتها ، و الهباهب، ومقود ، ودراجتي، و لتخطفها ، هبة ، و طريقها ) كل هذه الكلمات الموحية بالحركة والنشاط جعلت النص مفعم بالحركة والدراما، وبالتالي الحياة .

وهو حتما مشهد تصويري اقرب الى سيناريو فلم سينمائي ولذلك ظل بليغا في اثره ووقعه على المتلقي.

وهذا مؤشر على ان الكتابة لدى القاص مبارك الحمود تعبير تلقائي بعيد عن التكلف والتصنع فهو يكتب ما يستشعر بضرورته ولا يتصنع بإضافة محسنات متكلفة لجعل النص مؤثرا، وانما يهتم في بناء الحبكة مقدما ترابط الفكرة على البناء الشكلي، لكنه مع ذلك يتمكن من جعل الأثر في المتلقي بالغ ، ويظل قادر على ان يسوق عناصر تأثير اخرى ولا يعدم الوسيلة ، وذلك كما هو ظاهر في هذه الفقرة التي اعتمد فيها على جعل النص يضج بالحياة من خلال ما توحي به من حركة وفن سردي تصويري.

يتبع ...

ايوب صابر 10-28-2017 01:24 PM

تابع ...
ننتقل لقراءة الجزء الثالث من هذا النص الجميل :
------
لم أعد أتذكر..
حتى وردة النار ذات البتلات المشتعلة نسيتها..
وما عدت أستطيع قطفها..
سمعت وقتها أن غيمات من غزل البنات, بللتها ذات يوم فذبلت..
حينما وصلتُ للمكان, وكان ورائي جمع يتبعني، وأمامي يقف المنفيين الى ذاكرتي. اولئك الغرباء المجهولين الذين رأيتهم في الطرقات والامكنة البعيدة.. ذوي الملامح الممسوحة، محبوسين هناك للأبد.. فقط هم ولا أحد غيرهم.
بعد ذلك لم أتذكر سوى ذلك القرصان الأحول، وبيده بندقية في يوم صباح غائم، وهو يحاول إطلاق النار على طفل يقف بجانبي. وحينها استيقظت على صوت غناء أمي الهامس، وهي تمسح بيدها برفق على شعري المقسوم نصفين من جانبه، ونافذة مرصعة بالنجوم تهب منها نسمة حركت الستائر وأطفأت المصباح.



اولا نجد ان القاص قد كرر في بداية هذا الجزء كلمات " لم اعد اتذكر" فاكد من ناحية على وحدة النص وفي نفس الوقت اشار الى سر في شخصية بطل النص جعله لا يتذكر الا القليل الذي هو بصدد سرده على المتلقي، واحد تلك الاحتمالات المرتبطه بذلك السر هو ان يكون يسرد علينا ما علق في ذهنه من حلم رأه كما هو الحال في الجزئين الاول والثاني.

وهذا هو الارجح لاننا نجد القاص يخبرنا بصريح العبارة في نهاية هذا الجزء ان بطل النص قد استيقظ من نومه على صوت امه الهامس وهي تغني له كما كانت تفعل وهو طفل صغير.

فلعل احداث هذ الجزء العجائبية ما هي الا جزء من ذلك الحلم الذي ينتمي الى عالم الاحلام وعالم الخيال السحري العجائبي.

ولاشك ان عجائبية السرد هنا بحد ذاتها تؤيد احتمالية ان تكون جزء من حلم راه بطل النص ويرويه علينا القاص ليؤكد على فكرة النص العامة، والتي تتمحور حول اثر الفقد في شخصية بطل النص، وكيف ان الاحلام كانت ملجأ له للتعبير عما يجول في ذهنه من الم الفقد، او هي تنفيس لما احتقن هناك كما يقول علم النفس.

كيف لا وهو يتحدث عن بتلات وردة النار المشتعلة، وهذه المعلومة عكس الواقع، حيث من المعروف بأن وردة النار لا تشتعل لو تعرضت للنار، وانما تصدر لمعانا ازرقا ثم تنطفيء النار وتعود الوردة الى حالها، كما تقول المراجع ، وهو ما اكسبها اسمها " وردة النار" ومنحها سحرية نادرة.

ليس ذلك فقط وانما يخبرنا بطل النص بأنه لم يعد يستطيع قطف وردة النار بسبب اشتعالها طبعا! وهذا بعيد عن الواقع ايضا ويؤشر الى ان الحدث غير واقعي او ربما يعكس حالة نفسية مضطربة وحال اقرب الى الهذيان من الواقع ان لم يكن جزأ من السيناريو الثالث لحلم رأه بطل النص في نومه.

ويفسر لنا بطل النص سر عدم قدرته على قطف وردة النار فيقول ان ذلك يعود لان غيمات من غزل البنات بللتها فذبلت ولم يعد بامكانه قطافها، وهذا ايضا لا ينتمي الى عالم الواقع فغزل البنات مكون من السكر، والسكر مادة مشتعلة وتزيد الاشتعال فكيف تذبل وردة النار اذا وقد بللتها غيمات من غزل البنات؟

واي مخلة هذه التي تبدع مثل هذه الصورة الذهنية فتجعل بطل النص غير قادر على قطف وردة النار المشتعلة لانها تبللت من غيمات مصنوعة من غزل البنات؟!

ونجد هنا ان القاص عاد في هذه الاسطر الاولى لحشد عناصر جمال وتأثير فهو استخدم كلمات تثير الحواس ( قطفها، وسمعت) وفي نفس الوقت اسثتثمر التضاد لايقاع اقصى حد من التاثير على المتلقي فنجده يتحدث مرة عن وردة مشتعلة لكنها ذبلت لانها تبللت...وقد نجح فعلا هنا في ايقاع اثر سحري على انا كمتلقي. وفي الحديث عن اشتعال الوردة وغيمات غزل البنات ما يوحي بالحركة ويجعل المشهد دراميا خاصة ان بطل النص يتحدث عن فشله في قطف تلك الوردة وهذه الحركة والدراما جعلت هذه الاسطر تضج بالحياة، وبالتالي ايقاع اثر عظيم.

يتبع ...

ايوب صابر 10-31-2017 11:55 AM

اقتباس من الجزء الثالث "
حينما وصلتُ للمكان, وكان ورائي جمع يتبعني، وأمامي يقف المنفيين الى ذاكرتي. اولئك الغرباء المجهولين الذين رأيتهم في الطرقات والامكنة البعيدة.. ذوي الملامح الممسوحة، محبوسين هناك للأبد.. فقط هم ولا أحد غيرهم.

بعد ذلك لم أتذكر سوى ذلك القرصان الأحول، وبيده بندقية في يوم صباح غائم، وهو يحاول إطلاق النار على طفل يقف بجانبي. وحينها استيقظت على صوت غناء أمي الهامس، وهي تمسح بيدها برفق على شعري المقسوم نصفين من جانبه، ونافذة مرصعة بالنجوم تهب منها نسمة حركت الستائر وأطفأت المصباح."


ونستمر في قراءة هذا الجزء الثالث ..حينما وصلت الى المكان؟! طبعا الحديث هنا لبطل النص وهو يقول انه عندما وصل الى المكان، ولا بد ان المكان المقصود في حديثه هنا هو مكان وردة النار، عندما وصل الى هناك وجد وراءه جمع من الناس يتبعه، بينما كان يقف امامه حشد من المنفيين في ذاكرته، وهذا ما يؤشر الى اننا بصدد حلم رأه بطل النص، خاصة ان هذا الحشد ممسوحين الملامح، ومثل هؤلاء لا نجدهم في عالم الواقع وانما في عالم الخيال وعالم الاحلام. والقاص هنا يؤكد على انهم ليسوا اشخاص حققين ولكنهم ملامح لاناس مجهولين الهوية كان بطل النص قد شاهدهم في الطرقات والامكنة البعيدة وقد كانوا محبوسين في ذاكرته ربما الى الابد لكنهم في تلك اللحظة تجسدوا امام ناظريه كجزء من حلم قطاف وردة النار. ومن بين هذه الحشود التي وجدها البطل امامه وخلفه في الحلم طبعا لم يتذكر سوى شخص واحد، وكان ذلك الشخص قرصانا احولا، وكان يحمل بندقية في صباح يوم غائم ويصوب بندقيته تجاه طفل كان يقف الى جانب بطل النص.

ولا بد ان مثل هذا المشهد مفزع للغاية ان شاهده الانسان في حلمه، ولهذا السبب استيقظ بطل النص لكن كيف كان استيقاظه؟

استيقظ على صوت غناء امه الهامس، وهي تمسح بيدها برفق على شعره المقسوم نصفين من جانبه، ونافذة مرصعة بالنجوم تهب منها نسمة حركت الستائر وأطفأت المصباح.... ولا بد ان بطل النص يشير في هذه الفقرة الى النافذة التي فتحها العملاق عند سكة القطار، ودليل ذلك انها مرصعة بالنجوم وتهب منها نسمة حركت الستائر واطفئت المصباح، وهذا مؤشر ان استيقاظه هنا هو ايضا جزء من الحلم ولم يكن واقعيا.
اما مغزى هذا المشهد فهو غاية في الاهمية...ذلك لانه تعبير واضح عن مدى الشعور بالفقد لدى بطل النص حتى انه حينما يفزع من مشاهد حلم شاهده لا يجد من يسري عليه الا امه وتهويدتها الهامسة!!

ولا شك ان تركيبة النص تشي ببراعة القاص، ففي عتبة النص يخبرنا البطل ان امه رحلت، ولا بد ان رحيلها كان بسبب الموت، بدليل ان تهويدتها انقطعت ثم ما تلى ذلك من احداث، وتلك الاحداث لم تكن واقعية، بل سيناريوهات لاحلام ثلاثة شاهدها البطل، كونه كان يعاني من الفقد ومن شدة شوقه وهو اليتيم لوالدته تفتق دماغه عن هذه الاحلام:

الاول وقد جاءه عملاق النسمات ورافقه الى بوابة السسماء حيث كانت تسكن امه بعد رحيلها وهناك سمع تهويدتها بعد انقطاع ولا بد ان مغزى ذلك شوق البطل لامه عبر عنه بالحلم.

والثاني ولو انه بدى على شكل فقد لحبيبة او زوجة لكنه ايضا تعبير عن الفقد وما فعل ذلك الفقد بالبطل الذي ذوى من شدة الشوق.

والثالث ويمثل حالة اضطراب قاسية ناتجة عن شدة الشوق ومشاعر الفقد وجاءت على شكل كابوس ابطاله، شخصيات ليس لها ملامح سوى واحد منهم فقط جعله القاص اعورا ويحمل بندقية ويصوب نحو طفل يقف الى جانب بطل النص ...ليكون خلاص البطل من هذاالموقف الرهيب بغناء امه وصوتها الهامس، ويدها تمسح على شعره المقسوم من جانبه ونافذة السماء مفتوحة تهب منها نسمة فينطفيء المصباح...

والصحيح ان في استيقاظ بطل النص من حلمه، حل للعقدة التي بناها القاص اثناء السرد باحتراف ، حيث جعل النص غامضا وقابل لعدة تاويلات لكنه وضع في هذا الجزء ما يكفي من مؤشرات واضحة بان مشاهده ما هي الا جزء من حلم شاهده البطل ويستيقظ في نهايته فزعا من مشهد مرعب ليجد والدته الي جانبه.

وهذا الحلم يؤكد دون مواربة بأن ما كان يعصف ببطل النص هو شوق وفقد لوالدته التي ماتت وهو صغير فانقطعت تهويدتها.

وبحل العقدة يتضح ان هذا النص البديع والمكتوب باحتراف انما هو قائم من فهم ومعرفة بعلم النفس من قبل القاص فقد جعل بطل النص يتيما يعاني من الشعور بالفقد والشوق لوالدته، وعبر عن ذلك الشعور الذي كان يعصف بالبطل بالاحلام التي يقول علم النفس انها تعبير عما يجول في خاطرنا وذهننا من مشاعر مكبوته، ليجعل البطل يلبي رغباته الدفينة في مشاهدته امه وسماع صوتها الهامس واغنيتها في نهاية النص، فتنحل العقدة ونحصل نحن كمتلقين على نص بديع في موضوعه وفكرته وتركيبه ووحدته ولغتة وما ساقه القاص من محسنات بدعية واسلوب سردي معقد لكنه جميل وبديع جعل النص ذي قيمة عالية ربما ندر مثلها في ادبنا العربي.

وفي هذا الجزء استخدم القاص محسنات بديعية سنشير اليها عن عودتنا ان شاء الله.

يتبع...

ايوب صابر 10-31-2017 01:42 PM

تابع

بالاضافة الى جمالية الاسلوب والمشهد التصويري في هذا الجزء نجد ان القاص حشد مجموعة من المحسنات ذات التأثير البالغ . فنجده في عتبة هذا الجزء من النص قد ضمن الكلمات حركة بل جعله مفعم بالحركة بقوله ( حينما وصلتُ للمكان, وكان ورائي جمع يتبعني) فهو يصل الى المكان ويتبعه جمهور من الناس. وفي حديثه عن جمع أمامه وآخر ورائه نجده يسخر التضاد من جديد وهذا التسخير من اهم عناصر التأثير . وفي حديثه عن أولئك الغرباء المنفين الذي راهم في الطرقات مزيد من الحديث عن الحركة فكلمة الطرقات توحي بحركة صاخبة ومستمرة وظروف درامية. خاصة ان القاص يتحدث عن حشد يقف أمامه وآخر يسير خلفه وهؤلاء غرباء ومنفيون وبعضهم من دون ملامح. وآخرين مساجين مما يجعل المشهد شديد الدرامية ويقول الكثير في بضع كلمات ويجعل النص يضج بالحياة .
وفي هذه الاسطر الثلاث الاولى من الجزء الثالث نجده في موقع استخدم كلمة( رايتهم ) وفي ذلك استثارة لحاسة البصر لدى المتلقي كما استخدم الرقم واحد والمعروف ان تسخير الأرقام يعتبر من العناصر بالغة التأثير كون الأرقام لغة الكون .
يتبع

ايوب صابر 11-02-2017 05:54 PM

تابع
وفي الفقرة الاخيرة من الجزء الثالث نجد ان القاص حشد عدد من عناصر التأثير أيضاً فقد استخدم كلمات توقظ عدد من حواس المتلقي .
فهو اولا يسخر الاعداد فلم يتذكر من بين كل الحشود سوى القرصان الأحول، والحول مرتبط بالبصر وحاسة البصر، واليد مرتبطة بحاسة اللمس ، والصباح يذكر بضوء الشمس ولكنه غائم وهذا لعب على التضاد وتسخير له وفي ذلك اثر عظيم على دماغ المتلقي.
وفي مشهد اطلاق النار على طفل دراما صاخبة تحرك المشاعر وهو مشهد تصويري بامتياز.
والحديث عن الاسيقاظ يعني انه كان نائما وفي ذلك لعب على التضاد من جديد. والغناء والصوت والهمس مرتبطة جميعها بحاسة السمع . والمسح باليد يذكر بحاسة اللمس . والنصفين تسخير للأرقام. واستخدام كلمات ( تهب ، ونسمة ، وحركت) تسخير للحركة التي تبعث الحياة في النص. وأطفأت المصباح تسخير للتضاد. وفوق كل ذلك نجد ان القاص حشد عددا ـهايلا من أحرف الهمس فوصل صوته مزلزلا الى حواسي واعماق قلبي كمتلقي.

نص ناجح بامتياز استاذ مبارك وبالغ التأثير اصفق لك بحرارة وانا اقف على رؤوس أصابعي.


ايوب صابر 11-03-2017 10:16 AM

للاطلاع على القراءة المعمقة لبعض قصص الاستاذ مبارك الحمود الرابط أدناه :

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=4825

ايوب صابر 11-03-2017 03:52 PM

رايكم محل ترحيب في القصة و القراءة التي حاولت فيها توضيح نقاط القوة والجمال في النص...

والباب مفتوح لأي قراءة مكملة او مغايرة والاشارة الى اي نقاط ضعف ان وجدت . والغاية الاستفادة من تكتيكات الكتابة المؤثرة وتعلم ادوات السرد الجميل . *

مبارك الحمود 11-05-2017 12:53 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايوب صابر (المشاركة 227295)
تابع
وفي الفقرة الاخيرة من الجزء الثالث نجد ان القاص حشد عدد من عناصر التأثير أيضاً وق استخدم كلمات توقظ عدد من حواس المتلقي فهو اولا يسخر الاعداد فلم يتذكر من بين كل الحشود سوى القرصان الأحول والحول مرتبط بالبصر وحاسة البصر، واليد مرتبطة بحاسة اللمس ، والصباح يذكر بضوء الشمس ولكنه غائم وهذا لعب على التضاد وتسخير له وفي ذلك اثر عظيم على دماغ المتلقي، وفي مشهد اطلاق النار على طفل دراما صاخبة تحرك المشاعر وهو مشهد تصويري بامتياز. والحديث عن الاسيقاظ يعني انه كان نائما وفي ذلك لعب على التضاد من جديد. والغناء والصوت والنمس مرتبطة جميعها بحاسة السمع . والمسح باليد يذكر بحاسة اللمس . والنصفين تسخير للأرقام. واستخدام كلمات ( تهب ، ونسمة ، وحركت) تسخير للحركة التي تبعث الحياة في النص. وأطفأت المصباح تسخير للتضاد. وفوق مل ذلك نجد ان القاص حشد عدد ـهايل من أخرف الهمس فوصل صوته مزلزلا الى حواسي واعماق قلبي كمتلقي.

نص ناجح بامتياز استاذ مبارك وبالغ التاثير اصفق لك بحرارة وانا اقف على رؤوس أصابعي.


بل أنا الذي أصفق وأرفرف أيضا وأرتفع عاليا, أنت مدهش فعلا أستاذ أيوب أشكرك جدا.. استمتعت بالقراءة وبأسلوبك الرائع.
ملاحظة: أنا من السعوية, ووالدي ولله الحمد على قيد الحياة.
قريبا سأضع قصة جديدة إن شاءالله, وأنتظر بشوق قراءتك لها, أنت وبقية الأساتذة الرائعين هنا.

ايوب صابر 11-14-2017 11:43 PM

مرحباً استاذ مبارك الحمود
ظننتك كويتي والله بسبب الاسم ، فهو مشهور في الكويت. تقول ان والدك موجود والحمد لله لكن لم تقل لنا ان كانت الوالدة موجوده ؟ انت في القصة تتحدث عن طفل يفقد امه في الطفولة فهل القصة مستوحاة من الواقع ولو انها كتبت بلغة خيال سحري؟ وهل هي من جعبة صندوقك الاسود اي فترة الطفولة ؟ ام هي قصة شخص تعرفه ؟ وهل توافق على ان السرد ما هو الا سيره ذاتية؟ وان الكاتب غالبا ما ينهل من تجارب الطفولة ؟ وهل توافق على ان الطفولة صندوق اسود للكاتب منه ياخذ كل ما يكتب وان اختلفت السينارويهات ؟ ام هي مجرد قصة خيالية من صنع خيالك الواسع ؟ وهل يمكن للانسان ان يبدع شئ من محض خيال لا يرتبط بالواقع بصلة ؟
وهل تراني اصبت في سبر اغوار قصتك وتمكنت من فكفكة غموضها ؟ ام انني رايت فيها ما لم تقصده ؟


*

مبارك الحمود 11-17-2017 06:54 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايوب صابر (المشاركة 227469)
مرحباً استاذ مبارك الحمود
ظننتك كويتي والله بسبب الاسم ، فهو مشهور في الكويت. تقول ان والدك موجود والحمد لله لكن لم تقل لنا ان كانت الوالدة موجوده ؟ انت في القصة تتحدث عن طفل يفقد امه في الطفولة فهل القصة مستوحاة من الواقع ولو انها كتبت بلغة خيال سحري؟ وهل هي من جعبة صندوقك الاسود اي فترة الطفولة ؟ ام هي قصة شخص تعرفه ؟ وهل توافق على ان السرد ما هو الا سيره ذاتية؟ وان الكاتب غالبا ما ينهل من تجارب الطفولة ؟ وهل توافق على ان الطفولة صندوق اسود للكاتب منه ياخذ كل ما يكتب وان اختلفت السينارويهات ؟ ام هي مجرد قصة خيالية من صنع خيالك الواسع ؟ وهل يمكن للانسان ان يبدع شئ من محض خيال لا يرتبط بالواقع بصلة ؟
وهل تراني اصبت في سبر اغوار قصتك وتمكنت من فكفكة غموضها ؟ ام انني رايت فيها ما لم تقصده ؟


*

بالنسبة للاسم أتفق معك بالنسبة لشهرته بالكويت..
والدي: مثنى:)
أما بقية الأسئلة سأجاوب جوابا عاما مما لايخل (بموت المؤلف);).
فأنا أرى أن هناك أحيانا سطوة للعقل اللاواعي قد لايتضح للكاتب أحيانا سببا لمايكتب, وقصصي غالبها لاأرتكز فيها على أحداث طفولتي أو سيرتي إلا القليل منها من دون تحديد.. وأحاول أشكل فيها مابين رمزية محضة, أو خيالية تميل للسريالية أحيانا, أو مجرد قصة ترتكز على الدراما الكلاسية (الشكسبيرية) أو الدراما الحديثة, أو الأساطير والحكاية الشعبية, وأحاول ببعضها وضع صور أو مفاتيح أقصد بها القارىء المثقف, وهناك غيرها..
وقراءتك لهذه القصة أدهشتني بانتباهك لبعض الأشياء التي لم تخطر ببالي حين كتابتها, والبعض منها أعجبني لصيدك لها, ومقصودة مني.
أشكرك.


الساعة الآن 09:59 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team