![]() |
صفات الناقد الأدبي
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله أخوتي في هذا المنبر الكريم , لطالما أحببت النقد الأدبي والفني , لذلك أحببت أن أكتب بعض المواضيع في هذا الجانب إن وسعتني صدوركم . عمل الناقد الأدبي جليل , له خطره ووزنه , إنه يشبه عمل القاضي الذي يفصل بين المتقاضين , ومن هنا كان لا بد للناقد الأدبي من أن يلم إلماماً كاملا ً بالنص الأدبي وبكل ما يحيط به من ظروف , وبالأديب نفسه , وبكل ما يتصل بحياته من ظروف نفسية أو اجتماعية , حتى تتهيأ المعرفة الدقيقة بالنص الأدبي وبصاحبه , فإذا ما أصدر عليه حكما ً بعد تلك الدراسة المتعمقة كان حكماً مبنيا ً على العلم والمعرفة مستندا ً إلى العديد من الإدلة والبراهين . ولهذا تعارف العلماء على صفات معينة لا بد أن تتوفر في الناقد الأدبي ليستطيع ممارسة النقد الأدبي , ممارسة البصير القادر على النظر الصحيح الصائب . وعندما نظرت في هذه الصفات التي تعارف عليها العلماء في الناقد الأدبي , أمكنني أن أردها إلى نوعين من الصفات : صفات ترجع إلى ما منح الله هذا الناقد من مواهب واستعدادات فطرية , وأخرى ترجع إلى ما حصله هذا الناقد من علم ومعرفة وثقافة عامة . أما الصفات الخاصة بالمواهب الذاتية والاستعدادات الفطرية فمنها : - أن يكون الناقد للنص الأدبي متنبه الذهن مرن التفكير . أما تنبه ذهنه فلكي يدرك إدراكا ً سريعا ً ما في النص الذي بين يديه من مزايا أو عيوب , نتيجة لما توفر في هذا النص من خصائص فنية , أو نتيجة لما فقد من هذه الخصائص . وأما مرونة تفكيره فلكي يدرك تلك الخصائص الفنية وهذه المزايا أو تلك العيوب , يدركها بعقل مفتوح وتفكير مرن , لا يحول بينه وبين فهمها حائل من جمود الفكر أو تحجر العقل . - وأن يكون الناقد حاد النظرة , فاحص التأمل , عميق الإدراك لأغوار ما يقرأ وما يتذوق لا يغفل عن عيب , ولا ينخدع عن ميزة كائنة ما تكون من الخفاء تلك الميزة أو هذا العيب , فذاك النظر الثاقب هو الذي يمكنه - كما يجب على كل ناقد - من أن يدرك ما وراء الكلمات ويلتقط بلمحاته ما توحي به العبارات والأساليب . فليس أضر على الناقد من أن ينظر إلى النصوص الأدبية نظرة عابرة , أو يدرك ما فيها إدراكا ً سطحيا ً قشريا ً لا يتعمق اللباب ولا يغوص إلى الجوهر , وليس أضر على النقد الأدبي من أن تقوده تلك النظرات العجلى إلى اصدار أحكام أدبية على انتاج الأدباء وللحديث بقية إن شاء الله .. |
وأن يكون الناقد سريع الاستجابة للتأثيرات التي تثيرها نفسه قراءة النص الأدبي , شفاف النفس رقيق الحس , قادرا ً على أن ينفعل ويتأثر بما يقرأ , دون أن يحجبه عن هذه الاستجابة وذاك الانفعال والتأثر أي حاجب من تبلد في المشاعر أو جمود في الأحاسيس إذ أن تبلد المشاعر أو جمود الأحاسيس يحول دائما ً بين الناقد وبين معايشة النص الأدبي والدخول في دائرة جذبه وتأثيره , وهو أمر لو حدث أصاب عملية النقد ذاتها بالقصور , وأصاب الأحكام الأدبية الصادرة على النص بمجانبة الصواب في أغلب الأحيان . كما لا بد أن يكون الناقد قادرا ً على أن يرى الأشياء كما هي في الواقع والحقيقة , دون أن يخدعه عن هذه الرؤية خادع يزيغ في ضباب الميل أو الهوى أو الأفكار المسبقة , أو الأحكام المحفوظة المتوارثة . بمعنى أن الناقد الأدبي يجب أن يتجرد من كل ميل في دراسته للنص الأدبي , وهناك ميول كثيرة يقع بعض النقاد في شِراكها , فيجافون بذلك سواء السبيل , كميل الذوق الفردي , أو ميل لون الثقافة المعينة , أوميل الحزبية أو الطبقية أو العنصرية لأن كل ميل من هذه الميول يضل الناقد ويضلل القارئ وتطيش به الأحكام الأدبية في الطريق الصحيح . |
وأن يكون الناقد ذا ذوق أدبي خاص ... وربما كانت هذه الصفة محل نزاع دائم بين العلماء والنقاد - وربما كان الخلاف والنزاع له ما يبرره - لأن الذوق الأدبي من الأشياء التي يصعب الاتفاق على تحديدها . وإذا استطاع العلماء أن يتفقوا في كثير من مسائل العلم ومسائل الأخلاق , فإن الذي يسهل عليهم هذا الاتفاق في مسائل العلم , هو أن العلم يتميز عن الذوق بوضوحه ووضوح تجاربه , والذي يسهله عليهم في مسائل الأخلاق هو أن الأخلاق مرتبطة بالمنفعة التي يمكن أن يتمسك الناس بها في زمن من الأزمان . أما الذوق الأدبي فمن الصعب الاتفاق على تحديده , لأنه يرتبط بالفن , والفن يرتبط بالجمال , والجمال يصعب حده أو الاتفاق على معاييره , أو ربطه بالمنفعة بصورة دائمة . ومع كل هذه الصعوبة فلا بد أن يكون للناقد الأدبي ذوق أدبي خاص يتمكن به من الاحساس بالنص وما فيه من قيم جمالية , ليدخل ذلك في حسابه عند أصدار أحكامه الأدبية . وأن يكون الناقد الأدبي ذا نزعة إنسانية في نقده , تدعوه دائما ً إلى الالتقاء مع أصحاب النصوص الأدبية التي ينقدها , التقاء يجعله متقبلا ً لهذا الانتاج الأدبي مادام جيدا ً , مهما حالت بينه وبينهم الأزمنة والأمكنة , فعلى الناقد الحق أن يقبل على دراسة النص الأدبي الذي قيل في العصر الجاهلي بنفس الرغبة التي يقبل بها على نقد نص أدبي قيل في العصر الحديث , وألا يأنف من هذا التجاوب مع نقد النص لطول الفاصل الزمني بينه وبين قائله , وكذلك الأمر في تقبله . ومن فضل الله على الناس أن خلق فيهم النزوع إلى التعارف والتآلف واللقاء . هذا عن الصفات الخاصة بالمواهب الذاتية والاستعداد الفطري , أما الصفات التي ترجع إلى ما حصله الناقد من علم ومعرفة وثقافة فهي كثيرة , سنذكرها فيما بعد إن شاء الله . |
اقتباس "حتى تتهيأ المعرفة الدقيقة بالنص الأدبي وبصاحبه , فإذا ما أصدر عليه حكما ً بعد تلك الدراسة المتعمقة كان حكماً مبنيا ً". إن سمة الإبداع لهي سمة غامضة تنبع من طاقة خارقة تتشكل في ثنايا العقل الباطن الذي هو بدوره غامض بقوته اللامحدودة، ويمكن لذلك السبب أن يكون العمل الإبداعي إعجازي وفيه أسرار اعجازية وان ما يشكل إضافة غير مستساغة أو مقبولة لعقل الناقد قد يكون يمثل قمة الإبداع قد لا يفهمها الناقد المعاصر أو الناقد الذي يعمل عقله بوتيرة اقل من عقل المبدع...لذلك أقول إن سلطة الناقد في إصدار الأحكام على الأعمال الإبداعية يجب أن تتوقف...لان مخاطر أن يكون الناقد في نقده يمارس عملة قتل للسمة الإبداعية تصبح واردة بل هي الغالبة. إن دور النقد يجب أن ينحصر في محاولة فكفكة أسرار العمل الإبداعي وكشف الجوانب الاعجازية والجمالية فيه والتي تتفلت من عقل المبدع الخارق في قوته أثناء العملية الإبداعية والتي غالبا لا يدركها المبدع نفسه. و دور الناقد كمثل دور المنقب في منجم أو الغطاس الباحث عن اللآليء في قعر المحيط. ويجب أن لا يمتلك احد السلطة على رفض مخرجات عقل مبدع مهما بدت هزيلة أو مختلفة أو معقدة أو جديدة في شكلها ومضمونها أو لأنها ضد السائد والمألوف أو لأنها ضد قوانين ومدارس نقدية تم وضعها من منطلقات فكرية أو فلسفية أو نفسية أو انطباعات شخصية....فالعملية الإبداعية تظل عصية لان مصدرها قوة خارقة هي العقل بقوته اللامحدودة. ولا شك أن تاريخ الحركة الإبداعية، في مختلف المجالات، مليء بما يشير إلى أعمال تعرض لها النقاد بالرفض وحتى محاولة الوأد ومن ثم ظهرت ملامحها العبقرية في أجيال لاحقة...وقد تم فعلا إحراق إبداعات وأجساد مبدعين عبر التاريخ لعجز المعاصرين من إدراك عمق وعبقرية ما كان يطرح ليعود العالم ليستدرك ويعبر عن أسفه ويقدم الأوسمة كما حدث مع جاليليو مثلا وسقراط وغيرهم الكثير.. إذا فليتوقف وأد الأعمال والعقول الإبداعية فورا!!!! ملاحظة : هذا هو محور نظريتي في مجال النقد والذي سيأتي ضمن سلسلة أوراق ساخنة بعنوان" الغرض من النقد- نظرة مغايرة" والذي اعمل على إعداده هنا. |
الأخ الكريم أيوب صابر كلام جميل ودقيق , لكن سؤالي هو كم هي نسبة المبدعين بالنسبة للأعمال الأدبية والفنية ؟ ثانيا ً : الأديب أو الشاعر أو الفنان , هل وجود المبدعين بينهم ينفي وجود المبدعين بين النقاد ؟ ثم من يرتقي في أدبه وثقافته ويحاول أن يتجرد إلا من كونه ناقدا ً نزيها ً ألا يستطيع أن يعي أن النص الذي أمامه يمكن أن يحمل بين طياته إبداعا ًيسبق عصره وبالتالي يتحفظ أو ينوه على ذلك ؟ وبذلك يكون قد برئ ذمته وجعل الزمان هو الحكم على العمل ؟ |
صفات الناقد الأدبي موضوع مهم بالنسبة لي فكثيرا ما احاول ان أبدي رأيي بموضوع ما وتعجزني القدرة الأستاذ عبدالسلام حمزة يسلم عمرك.. |
صباح الخير أخت سارة يسعدني أنك أبديت رأيك هنا , سألت ربي أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يكون فيها الفائدة المرجوة , كما إني أسأله أن يبارك لك في عمرك والعمل . سلامي لك والتقدير أخت سارة . |
اقتباس " كلام جميل ودقيق , لكن سؤالي هو كم هي نسبة المبدعين
بالنسبة للأعمال الأدبية والفنية ؟" - كل من ينتج عمل فني او ادبي فهو مبدع بغض النظر عن وزن وجدوى العمل الفني وان قلنا ان هذا العمل غير مبدع وقعنا في دائرة اصدار الاحكام. اقتباس آخر" ثانيا ً : الأديب أو الشاعر أو الفنان , هل وجود المبدعين بينهم ينفي وجود المبدعين بين النقاد ؟". - للاسف اغلبية العمل النقدي يقوم على اصدار الاحكام وغالبا ما تكون احكام سلبية تظهر نقاط ضعف العمل الفني ربما لان الناقد يريد ان يظهر قدرة افضل من صاحب العمل الفني المبدع...وهنا تكمن الخطورة ربما ان العمل الابداعي والذي هو نتاج عقل المبدع اعلى في مستواه ووزنه من عقل الناقد فماذا ستكون النتيجة؟ حتما وأد العمل الفني او الابداعي. اقتباس "ثم من يرتقي في أدبه وثقافته ويحاول أن يتجرد إلا من كونه ناقدا ً نزيها ً ألا يستطيع أن يعي أن النص الذي أمامه يمكن أن يحمل بين طياته إبداعا ًيسبق عصره وبالتالي يتحفظ أو ينوه على ذلك ؟ وبذلك يكون قد برئ ذمته وجعل الزمان هو الحكم على العمل ؟ " - ومن يستطيع ان يتجرد الى ذلك الحد؟ ثم الا يجوز ان العمل الفني المبدع من شخص يعمل عقله بوتيرة عالية يفوق قدرات الناقد هنا حتى لو تجرد فكيف يمكنه ان يقدم نقد؟ او الاصح ان يصدر حكم والعمل اكبر من قدرته على اصدار الاحكام. |
استاذي عبد السلام الموقر سأكون من المتابعين وأدون بعد فيضك الادبي الرائع ما يجول في خاطري ورأس قلمي لك التحية |
أخي الأستاذ أحمد القلعاوي صباح الخير , شكراً لحضورك وأتمنى أن يروق لك الموضوع , المرض هو الذي أخرني عن سرعة إتمام الموضوع سلامي لك والتحية . |
الأستاذ الفاضل أيوب صابر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي الفاضل , لدراسة النصوص الأدبية وظيفة جليلة عظيمة القدر تعود بالفائدة على النصوص الأدبية من جانب وعلى الأدباء والنقاد من جانب آخر . فدراسة النصوص الأدبية تفسيرها وتحليلها وتعليلها واظهار قيمتها , تمهد السبيل إلى التعرف على مظاهر القوة وأسباب الضعف في النص الأدبي , فيكون ذلك عونا ًللأدباء المنتجين على أن يقولوا فيحسنوا , إذ قد بدت لهم أسباب القوة والجمال في التعبير ووضحت لهم وسائل الضعف والركاكة . وما دام الأدب نقدا ً للحياة , وتقويما ً لها .. وما دام النقد تقويما ً للأدب وتوجيها ً له .. فإن عملية نقد النصوص الأدبية وتقويمها ستظل معينة للأثار الأدبية على أن تخطو في الطريق الصحيح تعبيرا ً وأداء ً , وغاية وهدفا ً , ومن هنا يرتقي الأدب كلما ارتقت عملية النقد الأدبي , بل لا أعدو الحقيقة حين أقول : يرتقي المجتمع سلوكا ً وحضارة كلما ارتقت علمية النقد وكلما تعددت طرقه ومناهجه . تلك هي كما أتصور وظيفة النقد والدرس للنص الأدبي في مجال الآثار الأدبية ذاتها . أما وظيفة النقد وأثره في الأديب والناقد , فأستطيع أن أقول فيها : وظيفة النقد في الأديب هي أنه يوجه الأديب إلى أروع الصور الفنية في التعبير , ويعرض أمام ناظريه مشاهد مختلفة لآثار أدبية بعضها جيد وبعضها رديء , مع تعليله لأسباب الجودة ولعوامل الرداءة , وليس أنفع للأديب من هذا العمل الذي يمكنه من أن يرى الحق حقا ً فيتبعه والباطل باطلا ً فيجتنبه , عندئذ ٍ تصقل قدراته ويتسع مجال خبراته فتكون حينئذ ٍ جودة وإجادة , فيرتقى بذلك أدب الأدباء وتصبح آثارهم الأدبية أقدر على اجتذاب اهتمام القارئ أو السامع ويعيش النص الأدبي ثريا ً حاليا ً بكل جمال , ممتدا ً في عصور الأدب القادمة , قادرا ً على أن يطاول مرور الليالي والأيام . خلاصة : أستطيع القول بأن النقد إذا مارسه ناقد موهوب مستجمع لوسائل العلم والمعرفة تمكنه أن يدخل في عداد أصلاء الأدباء والمبدعين وكبار أصحاب النصوص الأدبية الرائعة . ختاما ً لك سلامي أستاذ أيوب وأرجو أن تكون الصورة قد اتضحت , فليس الموضوع عداء ولا تنافس , ولكن حرص الطرفين على إبراز عناصر الجمال والنهوض بالمجمتع إن وُجدت النزاهة والحرص على الأدب الراقي عند الطرفين . |
أما عن الصفات التي ترجع إلى ما حصله الناقد من علم ومعرفة وثقافة فهي كثيرة نستطيع أن نعد منها الصفات الآتية : أن يكون الناقد الأدبي قد حصَّل قسطا ً كافيا ً من العلم المنظم الذي يكون لدى صاحبه ثقافة عامة تعينه على القيام بعمله النقدي , قيام الفاهم الواعي لكل بعد من أبعاد العملية الفنية للنقد . ولقد دعا هذا الشرط بعض العلماء إلى رفض الأحكام الأدبية التي يصدرها ناقد ليس له هذا القدر من العلم المنظم , والصدفة وإن أصابت في مرة من المرات إلا أنها معرضة للخطأ في مئات المرات , وهي في الوقت نفسه ليست أساسا ً علميا ً تنبني عليه الأحكام . وأن يكون الناقد قد حصَّل قدرا ً من الثقافة الخاصة إلى جوار ما حصَّل من ثقافة عامة , يستطيع بها أن يكون ملما ً بتيارات الفكر السائدة , وإنما تكون الثقافة خاصة إذا استطاعت أن تُكسب صاحبها المعرفة من جانب , وأن تهذب عقله من جانب آخر , إذ المعرفة تعطي مكتسبها سعة النظرة وعمقها , مما يهيء للناقد أساسا ً قويا ً , وفهما ً عميقا ً للخصائص التي يجب أن تتوفر في النص الأدبي من عمق فكر وجودة صياغة وروعة خيال , وصدق فني يطرز كل هذا وينظمه في سمط واحد , فيصدر بناء على ذلك أحكاماً أدبية صائبة . ثم إن الثقافة الخاصة تهذب العقل كذلك , بأن تجعل هذه المعرفة التي اكتسبها الناقد قابلة لأن ينتفع بها في كل حين وتلك من أوضح سمات العمل النقدي البناء , المتعالي بنفسه عن الوقوع في أحابيل التعصب والهوى . ونستطيع بناء على ذلك أن نحكم على الناقد الأدبي بأنه صالح لأداء وظيفة النقد أو غير صالح لها , بمقدار ما يتوفر له من ثقافة خاصة في مجال علمه . وأن تكون لدى الناقد الأدبي معرفة تمكنه من النقد المنظم بمعنى أن يبني نقده على أسس وأصول وقواعد تتصل بعمله النقدي وهذا النقد المنظم المطلوب منه , يجب أن يخلو من أي قدر من الارتجال أو العفوية أو الصدفة , لأن ذلك لو وُجد ضلل الأحكام وخرج بها عن طريقها الصحيح , ولن يتمكن الناقد من هذا العمل النقدي المنظم إلا بعد تربية طويلة شاقة لعلمه ولذوقه . وأن يكون للناقد الأدبي رصيد من المران والدربة وممارسة النقد الأدبي ممارسة عملية زمنا ً يمكنه من أن يقدر على تفسير النص الأدبي وتحليله وتقويمه تقويما ً يكشف عما يحيط به من ملابسات ليصدر عليه من بعد الأحكام الصائبة السديدة المبنية على الخبرة والمران . ولعل من فاتته من النقاد بعض الصفات الخاصة بالموهبة والاستعداد الفطري يستطيع أن يستعيض عنها أو عن شيء منها بمزيد من المران والدربة وإطالة الممارسة .. حقا ً أن الصفات الخاصة بالموهبة لا تغني عن الصفات الخاصة بتحصيل العلم والمعرفة , وإنما يمكن أن تعوض إحداها شيئا ً مفقودا ً في الثانية , إذ الأصل أن يتوافر النوعان من الصفات فمع الموهبة صنعة وكسب , وهما متلازمان أبدا ً في الناقد الأدبي الأصيل . وللحديث بقية إن شاء الله ... |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يسرني أن أتمم ما انتهينا عنده من هذا الموضوع الشيق . وأن يكون الناقد الأدبي ملما ً بأدب آخر بجانب أدب لغته يستهدي به في إصدار أحكامه , إذ آداب اللغات المختلفة متقاربة في غاياتها وفي نقدها للحياة والأحياء , لكنني أحذر من أن يذوب الناقد الأدبي - كما حدث لبعض نقاد الأدب العربي من العرب - في مقاييس هذا الأدب الأجنبي وينسى نفسه وأدبه ولغته فينخلع بذلك عن ذاتيته , ويعيش عالة على ذلك الأدب الثاني , وقلما يحقق فيه نجاحا ً يضاهي نجاح أبنائه وذويه , وهي آفة وقع فيها كثيرون من نقادنا العرب المعاصرين الذين استهوتهم الآداب الأوربية وملأت عليهم أفكارهم ونفوسهم , فاصطنعوا مقاييس تلك الآداب وتبنوا كثيرا ً من معاييرها وقضاياها , ثم راحوا يطبقون هذه المقاييس والممعايير - وربما القضايا - على الأدب العربي , ويصدرون بعد ذلك الأحكام الجائرة على الأدب العربي كقول بعضهم : ( إن الأدب العربي فيه قصور لخلوه من القصص الأسطوري ) . أو قولهم : ( إن الأدب العربي يعاب بخلوه من المؤلفات المسرحية ) . أو قولهم : ( إن الأدب العربي قاصر بخلوه مما سوى المديح والهجاء والرثاء ) . إلى غير ذلك من الأحكام التي أصدروها على الأدب العربي متجاهلين خصائص كل أدب وكل أمة , معطين بذلك للآداب الأوربية سلطانا ً وهيلمانا ً على الأدب العربي . ولست هنا في مجال مؤاخذتهم أو الكشف عن نواياهم وعما لذلك من صلة وثيقة بحرب تشن على اللغة العربية وأدبها تمثل حقلة من سلسلة تنتهي عند مخططيها بحرب القرآن الكريم والدين الإسلامي الحنيف - أقول : لست هنا في مجال الكشف عن ذلك - لأن لذلك بحوثا ًربما تخرجنا عن الموضوع - ولكنني في مجالي هذا أستطيع أن أحصي عليهم خطأين : الأول : خطأ تطبيق القياس مع اختلاف طبيعة المَقِيس . الثاني : الانبهار بالآداب الأوربية إلى الحد الذي جعلهم يعطون لهذه الآداب سلطانا ً على الأدب العربي . ولهم بعد ذلك أخطاء أخرى لا أحب أن أفيض فيها في هذه العجالة من القول . وللحديث بقية إن شاء الله ... |
كما يجب على الناقد الأدبي أن يصدر أحكامه باتزان وتعقل ورويّة , وأن يبتعد ما أمكنه الابتعاد عن الانفعال وفورة الإعجاب وهو يصدر أحكامه . ولن تقبل أبدا ً - في عرف العلماء والنقاد - من ناقد أدبي أحكام جزافية مغرقة في المبالغة , كتلك التي تطالعنا بها الصحف والمجلات , من مبالغات غير مقبولة في خلع صفات الثناء والحمد على بعض الأعمال الأدبية أو على بعض الأدباء .. فمثل هذه الأحكام توصف بأنها جزافية تحسب من باب المديح والمجاملة إن أحسنا الظن بمصدريها , وهي في الحقيقة لون رخيص من ألوان الملق والنفاق والرياء , لا تمت إلى النقد الأدبي البنّاء الهادف بأدنى صلة . وبحسبنا أن نتصور نتيجة هذا الملق في نفوس الأدباء المنتجين , إنه سوف يفسدهم بنشوة الإتقان والتفوق , ويحول بالتالي بينهم وبين التطلع إلى الكمال أو محاولة التجديد , لأنهم خُدعوا عن أنفسهم بهذا النقد المنافق الرخيص . وكذلك لا تقبل - في عرف العلماء والنقاد - في مجال النقد تلك الأحكام الأدبية المجازِفة في الزراية بإنتاج أدبي ما , أو الحط من شأن أديب بتلك الصورة الحاقدة الهدامة التي تحركها الضغائن , ويوجهها المرض النفسي في أغلب الأحيان , لأنها والحالة هذه لا تخرج عن كونها شتائم وسبابا ً لا تمت إلى النقد الأدبي بصلة . ولقد وقع في هذا المأزق عدد عديد من الكتاب والشعراء والنقاد في عصرنا هذا , ولم تكن تلك معارك أدبية بين الأدباء تثري الأدب وتنمي أجناسه كما يتوهم بعضهم لأنها لم تستهدف الحق والعدالة ولم تلتزم منهج النقد الأدبي البناء الراغب في التطوير والتنمية لفنون الأدب , وإنما أسف فيها أصحابها وغمسوا أقلامهم في أعراض إخوانهم وخاضوا فيما لا يجوز أن يخوضوا فيه , ولا هو مما يتصل بعملية النقد الأدبي من قريب أو بعيد . كما يعد من الضرورة أن يكون الناقد الأدبي على علم تام ووعي كامل بوظيفة الناقد الأدبي وطبيعة عمله النقدي , وهي وظيفة أو طبيعة لا تجعل من هذا العمل النقدي تسلطا ً أو تجبرا ً على الأدباء أصحاب الإنتاج - كما يحلو لبعض قصار النظر أن يتصوروا - وإنما وظيفة النقد الأدبي هي التعاون والتآزر بين الناقد والأديب للوصول إلى صورة جيدة في نقد الحياة وتوجيه الأحياء نحو ما يصلحهم ويدفعهم بأعمالهم الأدبية نحو الخير لأنفسهم ولغيرهم من الناس . وليس صحيحا ً بحال من الأحوال قول بعض قصار النظر في وظيفة النقد : ( أن المؤلف قد جاء أمام الناقد بحبل على عنقه , وأن الناقد قد عفا عنه , فلم يشأ أن يشنقه بهذا الحبل ) وبعد .. فتلك هي الصورة المتكاملة - كما أفهمها وأراها - لشخصية الناقد الأدبي الذي يتخذ من النص الأدبي مجالا ً لعمله وتطبيقا ًلعلمه . تم بحمد الله . |
الغرض من النقد الأدبي- نظرة مغايرة: أوراق ساخنة (11) الدارس لموضوع النقد وتطوره يجد أن النقد كان في بداياته يعتمد على الذوق وكان بسيطا ساذجا انطباعيا، لكنه مع مرور الزمن تطور إلى مناهج تقوم على أسس محددة، ومع ذلك ظل يعني كما في اللغة تمييز الجيد من الرديء، والبحث عن أسباب الاستحسان والاستهجان، واستخلاص عناصر الجمال، وتبين سمات القبح، بغرض تقويم العمل الأدبي وتقييمه، وإصدار الحكم عليه، وذلك من خلال دراسته والنظر في كل عنصر من عناصره واكتشاف محاسنه وعيوبه، وقد تتوسع الدراسة النقدية لتشمل جو النص أي العصر الذي قيل فيه، وصاحب النص، ومناسبة قوله، إضافة إلى القضايا التي يحويها النص، والأفكار الرئيسية التي يتضمنها، كما قد يتطرق النقد إلى الأسلوب الذي اتبعه المؤلف والذي يشتمل بدوره على المشاعر والانفعالات التي تظهر في النص إضافة إلى الصياغة الخارجية، ويتضمن الألفاظ والتراكيب، والصنعة الأدبية، والإيقاع، والألفاظ ودلالاتها. وعلى الرغم أن مفهوم النقد قد تطور تطورا كبيرا لكنه ظل محصورا إلى حد بعيد في أصول أربعة أساسية وهي القراءة ، والفهم ، والتفسير، والحكم...ونجد أن وظيفة النقد النهائية وغايته ظلت تتمحور حول التفسير وإصدار الأحكام. ومع أن الكثير من المحدثين قد تبدلت نظرتهم إلى وظيفة النقد الأدبي فلم تعد عملية إصدار الحكم هي الأساس عندهم بل أصبحت تتمحور حول تقدير النص الأدبي تقديرا صحيحا وبيان قيمته، لكننا نجد بأن إصدار الحكم على النص الأدبي المراد نقده بل وتخطئة العمل الأدبي الإبداعي، وكشف عيوبه تظل غاية النقد الرئيسية عند الأغلبية. بل إننا ما نزال نجد من بين النقاد من يظن بأنه يمتلك الحق المطلق في تنصيب نفسه حاكما مطلقا يصدر أحكاما نقدية تؤدي أحيانا إلى وأد العمل الأدبي الإبداعي برمته وموته سواء لأسباب انطباعية مزاجية أو ربما لان النص لا ينسجم مع المنهج النقدي الذي يتبناه الناقد في تناوله للعمل الأدبي أو الفني والذي قد يكون قائم على أسس فكرية معينة أو قناعات وقواعد محدده خاصة بعد انتشار مناهج النقد الأدبي القائمة على مدارس فكرية أو سياسية على نطاق واسع، أو ربما لان عقل الناقد لا يترقي لمستوى عقل المبدع من حيث القدرات الإبداعية أو الثقافة والمعرفة. ونجد انه حتى من يؤمن بأن مهمة الناقد يجب أن تقتصر على الكشف عن مضامين النص الأدبي وأسلوبه فأنهم يتركون مسألة الحكم على النص للقارئ. وكل ذلك يشير دون لبس أن الغرض من النقد لم يتبدل كثيرا منذ بدايات ولادة النقد، بل أن الغاية والغرض والهدف ظلت دائما إصدار الحكم في نهاية المطاف على النص الخاضع للنقد مهما تعددت التسميات ومهما تم فلسفة الموضوع وكأن النص ومبدعه يخضعان للمحاكمة والتقييم وفي الغالب ضمن معايير الناقد نفسه. فهل هذا هو الغرض من النقد؟ وهل هناك ما يستدعي إعادة النظر في الغرض من النقد؟ وما الغرض الذي يجب على النقد السعي من اجله؟ في الواقع إن غموض العملية الإبداعية في كل المجالات وليس فقط في المجال الأدبي واستمرار العجز عن فهم كافة إبعادها وأسرارها وكنهها ومصدرها بشكل كامل، والإعجاز المذهل الذي يمكن أن تحتويه المخرجات الإبداعية غير المفهومة في عصر ولادة العمل الإبداعي والذي كثيرا ما اشتملت عليه الأعمال الإبداعية، إضافة إلى تطور فهمنا للعملية الإبداعية كسمة إنسانية معقدة، حيث أصبح ينظر إليها على اعتبار أنها عمليات عقلية معقدة ناتجة عن عقل خارق في قوته اللامحدودة ويمتلك مقومات خارقة، يسميه البعض العقل الباطن والبعض الآخر يسميه اللاوعي ويقارنه عالم النفس فرويد بالجزء المغمور من جبل الجليد بالنسبة للوعي، وانه في حالة أذا ما عمل هذا العقل الخارق بوتيرة عالية كنتيجة لمرور الشخص المبدع في ظروف مأساوية، كما تقول نظريتي في تفسير الطاقة الإبداعية والتي أشارت إلى أن القدرة الإبداعية مصدرها طاقة ذهنية متفجرة تتناسب طرديا مع كثافة المآسي التي يمر بها المبدع وعلى رأسها اليتم الذي يمكن أن يصنع العباقرة الأفذاذ الخالدون كنتيجة لما يمتلكوه من طاقه إبداعية هائلة وفي أعلى حالاتها، وعليه فأن المخرجات الإبداعية الناتجة عن هذا العقل يمكن أن تكون خارقة وإعجازية، قد تأتي بجديد، ثوري، وغير مسبوق، الذي يصبح يعمل بوتيرة عالية وقد لا يتم فهم كافة أبعاد هذا العمل الإبداعي حتى من قبل صاحب النص الإبداعي نفسه أو معاصريه مهما امتلكوا من العلم والثقافة والتأهيل، وأحيانا كثيرة يتطلب الأمر مرور أزمان طويلة لفهم أبعاده ومعانيه وإشكالاته وسبر أغواره بشكل حقيقي واسع وعميق. ويمكن لكل تلك الأسباب أن يكون العمل الإبداعي عبقري وإعجازي وفيه أسرار اعجازية هائلة وأبعاد غير مرئية أو ظاهره، ويصعب كشفها بسهولة من قبل المتلقي وأحيانا المبدع نفسه، وبحيث يكون ما يمكن أنه يشكل إضافة غير مستساغة أو مقبولة لعقل الناقد أو الجمهور أو المؤسسات التي دائما تدافع باستماتة عما هو قائم وسائد ومألوف، قد يكون يمثل حالة إبداعية عبقرية اعجازية فذة ونادرة وينتمي في معطياته لازمان قادمة، قد لا يفهمها الناقد المعاصر للعمل الإبداعي مهما ارتقى في قدرته على التفسير وسبر أغوار النصوص وخاصة إذا كان عقله يعمل بوتيرة اقل من عقل المبدع نتيجة لعدم تفجر طاقات دماغه على شاكلة المبدع وعلى اثر عدم مروره بتجارب مأساوية مفجعة على شاكلة المبدع صاحب النص كما اشرنا سابقا وحسب شرح نظرية تفسير الطاقة الإبداعية للعملية الإبداعية. أيضا تظهر الكثير من الحالات التي تم فيها رفض مخرجات عقول بعض العباقرة الأفذاذ المبدعين المجددين في أزمانهم، وتراكمات ما حصل للكثير من الأعمال والنظريات والأفكار الإبداعية المجددة والتي جاءت بجديد غير مسبوق وغالبا ما كان يتناقض في طرحه ومعطياته مع السائد والمألوف أو يطرح بديل إبداعي وغير مسبوق سواء من حيث الشكل أو المضمون، تشير كل هذه الحالات بأن هناك سجلا حافلا يشير إلى تعرض مثل هذه الأعمال الإبداعية إلى الرفض والقتل أحيانا كثيرة، لا بل تجاوز ذلك في الكثير من الأحيان لمحاكمة صاحب العمل الإبداعي والحكم عليه بأقصى عقوبة وصلت في أحيان كثيرة إلى السجن والحرق والقتل وهي أحداث مسجلة عبر التاريخ بشكل بارز. وكثيرا ما نجد أن أسباب وأد هذه الأعمال الإبداعية وأصحابها كانت تحدث لأنها كانت تأتي بجديد غير مألوف ثوري ومغاير لما كان سائدا، مما ظل يعتبر انقلابا حادا يستدعي الحكم على صاحبة بأقصى العقوبات التي قد تصل إلى الموت أحيانا في محاولة لطمس العمل الإبداعي ومعطياته لنجد فقط انه وبعد قرون يعود العالم لاكتشاف عظمة مثل تلك الأعمال الإبداعية ويقوم على رد الاعتبار لهذه الأعمال وأصحابها. كل ذلك يستدعى دون أدنى شك ضرورة إعادة النظر في الغرض من عملية النقد، لان العملية الإبداعية تظل غاية في التعقيد وقد تأتي بمخرجات مهولة مذهلة قد لا يتنبه لها حتى المبدع نفسه وعليه أرى بأن سلطة الناقد في إصدار الأحكام على الأعمال والمخرجات الإبداعية يجب أن تتوقف والى غير رجعه، مهما كان موقع هذا الناقد وسواء كان فردا أو مؤسسة. ويجب أن لا يمتلك احد السلطة على رفض مخرجات عقل مبدع أو إصدار أحكام مطلقة عليه مهما بدت هذه المخرجات هزيلة أو مختلفة أو معقدة أو جديدة أو مجنونة في شكلها ومضمونها أو لأنها ضد السائد والمألوف أو لأنها ضد منهجيات وقوانين ومدارس نقدية تم وضعها من منطلقات فكرية أو فلسفية أو نفسية أو انطباعات شخصية، فلا شك أن العملية الإبداعية قد تظل عصية على عقول النقاد لان مصدرها قوة خارقة هي العقل بقوته اللامحدودة. وبدلا من ذلك يجب أن ينحصر دور الناقد في محاولة فكفكة أسرار وأبعاد وأعماق العمل الإبداعي ومحاولة كشف الجوانب الاعجازية والجمالية فيه والتي غالبا ما تتفلت وتخرج من عقل المبدع الخارق في قوته أثناء العملية الإبداعية، وأحيانا كثيرة يحدث ذلك بصورة تلقائية غير واعية لا يدركها المبدع نفسه. كما أن دوره يجب أن يكون مثل دور المنقب في منجم أو الغطاس الباحث عن اللآليء في قعر المحيط وان يجتهد في عمله ذلك، لكن عليه أن لا يجزم برؤية واستنتاج مطلق بل عليه أن يبقى الأبواب والاحتمالات مفتوحة فهما أبدع في عمله فربما يكون قد عجز عن فهم الكثير من الأعماق والأبعاد الاعجازية أو بعضها في النص، وان ذلك يتطلب ناقد من زمن قادم وحتى هذا الناقد القادم من زمن آخر عليه أن يبقى الأبواب مفتوحة لاجتهادات أخرى تظل قائمة. إذا فليتوقف وأد الأعمال والعقول الإبداعية فورا!!!! |
الساعة الآن 07:20 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.