منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   ** كيف تُصبح فيلسوفا ..!؟ (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=1838)

سحر الناجي 10-13-2010 10:13 AM

** كيف تُصبح فيلسوفا ..!؟
 

** كيف تُصبح فيلسوفا ..!؟
لا شك أن محاولة الإجابة عن هذا السؤال , يستغرق الكثير من العمل لتلخيص الخبرات المستقاه من كتب الزمان لنقف على الحقيقة المطلقة لهذا العلم المتفرد ..
حيث أن أبجدية فضفاضة وكينونة متأرجحة على سفح الذهن والذاكرة الإنسانية التي اعتمدت الفلسفة كعلم إبداعي بحت متسع الرؤية ويتناول القدرات المعرفية والتجارب الفكرية في كافة
مجالات الحياة ..
أو بمعنى أكثر شمولية يبحث لمعاني تترسخ في ذوات وعقول حائرة إزاء المفهوم المخصص لماهية الفلسفة التي تماهت ثوابتها مابين معقول وغير مستساغ ..
ومن البديهي أن بعتبر العلم المحير لكونه يبحث ثمرات ونتاج الذات البشرية والعقول السامية التي شذبتها التجارب وصقلتها الخبرات ..
لهذا نجده على الدوام في حالة تقصي واستنفار قصوى للوقوف على المستجدات الطارئة هنا وهناك ..
ولعل ما يثير الدهشة على الصعيد الإبداعي هو النمطية التي تتوخاه الدراسات بدأب شديد لتقديم هذا المصطلح الفكري بما يتوائم مع دلالات العقل البشري الكامل .
وإن كان وجوده يعتبر ضربآ من المستحيل , إلا أن بعض النماذج الفلسفية المنتقاه استطاعت الوصول أو الاقتراب من هذا التصور إلى حد ما ..
إذن الفلسفة كتحري تاريخي مدروس تغوص دقائق هذا العلم المتداول بين كثير من الرموز بحيث تتفاوت الثقافة حول جدواه ما بين مؤيد ورافض ..
وفي محاولة للوصول إلى نقطة إلتقاء فكرية فندت في هذا الصدد خلال سياق المقالات التالية الجل من التعريفات والمقالات السائدة من ذوي التخصص في هذا العلم المعرفي
الذي اختص بفئة بدون أخرى من بني البشر , بل وجعل لهم خاصية الصفوة والنخبة دونا عن سائر العام ..
ولا شك أن محاولة بلوغ النتيجة النهائية يعد ضربا من المستحيل وذلك لأن الذهنيات البشرية مختلفة بين شخص وآخر ..
ولكننا حاولنا الوصول إلى نتيجة وسطية نستعرض خلالها كافة النظريات المتاحة والشائعة .. وذلك لنصل إلى حقيقة مؤكدة حول الفلسفة .. وذلك في الأطروحات التالية ..
فكونوا معنا خطوة بخطوة ..
ومرحبآ بكم
* سحر الناجي

سحر الناجي 10-13-2010 10:17 AM



* مدخـل للفكر الفلسفي
إن أول من يتعامل مع مادة الفلسفة يثير فيه الفضول الفكري عدة تساؤلات حول طبيعة الفلسفة وأهميتها، ومنفعتها، وما إذا كانت فكرا يمكنه أن يترجم إلى ممارسات عملية، إلى غير ذلك من التساؤلات؛ وهي – في الواقع – تساؤلات حاول الفلاسفة الإجابة عنها. وبتعبير آخر، إن هذه التساؤلات مرتبطة بتاريخ الفلسفة ذاتها .. ولعل محتويات هذا الدرس كفيلة بإظهار ذلك ؛ وهي في نفس الوقت إجابة مباشرة على بعض التساؤلات التي يطرحها المتعلم على نفسه.
فما هي الفلسفة ؟
وما علاقتها بالحياة والمجتمع ؟
من هو الفيلسوف ؟ وما طبيعة شخصيته ؟
ما هي رهانات الفلسفة ؟
* ما هـي الفلسفة ؟
إن الإجابة على السؤال ما هي الفلسفة ؟ ليست إجابة سهلة، لأن طرح السؤال إشعار بالتفلسف ودخول في حبال الفلسفة. فكما يقول هيدغر Heidegger :
إن هدف السؤال "هو الولوج داخل الفلسفة والإقامة فيها والتصرف وفقها، أي التفلسف" ؛
فالسؤال يحتم علينا أن "نتحرك داخل الفلسفة، عوض أن ندور حولها"، لأن السؤال ما هي الفلسفة؟ من طبيعته أنه سؤال ماهوي، وسؤال إشكالي.
أضف إلى ذلك أن الإجابة المباشرة على السؤال ما هي الفلسفة؟ تعترضها عدة صعوبات، بعضها يرجع إلى غير المتفلسفة، وبعضها يرجع إلى الفلاسفة أنفسهم:
فالأوائل تصدر عنهم آراء متضاربة، بعضهم يصف الفلسفة بأنها ثرثرة وكلام فارغ، وبعضهم يعتبرها تفكيرا في الغيبيات، وبعضهم يعتبرها آراء وهمية، إلى غير ذلك من النعوت القائمة على الأفكار القبلية، والمسبقة، التي لا تستند إلى علم بالموضوع..
أما الصعوبات التي يخلقها الفلاسفة فإنها صعوبات تكمن في عدم إجماعهم على تعريف محدد.
فحينما يعرف الفيلسوف الفلسفة، إنما يعرف فلسفته الخاصة. وهذا ما يجعلنا أمام زخم هائل من التعاريف قد يصل عددها إلى عدد الفلاسفة أنفسهم، وذلك يرجع إلى عوامل أربعة رئيسة:
ا) غياب موضوع محدد: فالفلسفة لا تدرس موضوعا بعينه. فكل موضوع صالح لكي يجلب اهتمامات الفلاسفة مادام يتسم بطابع الإشكالية.
لذا يقال إن الفلسفة تدرس كل شيء بما في ذلك نفسها.
ب) غياب منهج موحد: لكل فيلسوف منهجه الخاص، يعتقد أنه موصله إلى اليقين.
وقد يتأثر الفيلسوف ببعض العلوم فيقتبس منها مناهجها (ديكارت مثلا). لكن، في غالب الأحيان الفلاسفة مناهجهم الخاصة (المنهج التوليدي عند سقراط مثلا).
ج) ارتباط الفلسفة بالعصر: إن الفيلسوف مرتبط بقضايا زمانه وعصره، هي التي تملي عليه المواضيع والإشكاليات، وسبل التفكير، وطبيعة المعارف التي سيستخدمها..
ولما كان عصر أفلاطون ليس هو عصر ديكارت، لابد أن نجد اختلافا بين الفيلسوفين سواء في تعريف الفلسفة أو تحديد أهدافها ..إلخ.
د) قناعات الفيلسوف الخاصة: يمكن أحيانا أن ينتمي الفلاسفة إلى نفس العصر (الطبيعيون مثلا) أو لعصور متقاربة،
لكن هذا لا يمنع وجود الاختلاف بينهم. لأن لكل فيلسوف قناعاته الفردية تكون مسؤولة عن تميزه وتفرده، واتسام فلسفته بالجدة والأصالة.
(يتبع ...)

سحر الناجي 10-13-2010 10:20 AM



* القيمة الفعلية للفلسفة
إن الإشكالية التي تضعها الفلسفة من خلال تنوعها، تدفعنا إلى طرح السؤال التالي: ما قيمة الفلسفة؟
يجب أولا أن نعلم أن الفلسفة لا تهتم بالقضايا التي تدخل ضمن اهتمامات العلم، بل – كما يقول برتراند راسل B. Russel –
"إن موضوعا ما يكف عن الانتماء إلى الفلسفة ويصبح موضوع علم قائم بذاته، بمجرد ما يكون تحقيق معرفة مضبوطة ومحددة عنه أمرا ممكنا."
لكن، هل فسر العلم كل شيء ؟ هل وصلت المعرفة العلمية إلى أوجها؟
إن استقلال العلم عن الفلسفة مكنه من أن يحقق تطورا سريعا؛ لكن، ابتداء من القرن التاسع عشر ظهرت في العلم قضايا، وإشكاليات، وأزمات (كأزمة البداهة، وأزمة التجربة مثلا)،
أضحى العلم إثرها في حاجة إلى الفلسفة قصد القيام بدراسة نقدية لمبادئه، ومناهجه واستباق نتائجه. وهذا ما أدى إلى ظهور نوع جديد من فلسفة العلوم يسمى "الإبستيمولوجيا".
قديما كانت المواضيع التقليدية تنحصر في دراسة الوجود (الأنطولوجيا)، ودراسة القيم (الأكسيولوجيا)، ودراسة المعرفة (الغنوسيولوجيا).
وهذا لا يعني أن هذه المواضيع أصبحت متجاوزة، لأن العلم لم يقدم كل الحلول، ولأن العالم سيظل لغزا محيرا للإنسان.
قيمة الفلسفة تكمن - إذن - في كونها تستطيع أن تدرس قضايا يعجز العلم عن حلها، بل قد يحتاج إليها العلم لتفسير تحولاته وأزماته.
كما أن القضايا الفلسفية قضايا أكثر عمومية كالقضايا المصيرية المرتبطة بالوجود الإنساني، كالموت والحرية ..إلخ. وتكمن قيمة الفلسفة كذلك، في كونها فكر إشكالي يرفض ويحارب الاستسلام للأفكار القبلية والاعتيادية؛ لأنها تخضع كل شيء للنقد، وتضع كل شيء موضع تساؤل. ومن ثمة يتبين أن قيمة الفلسفة لا يمكن حصرها في جانب معين، إنها تظهر بقدر ما تنجح في تحويل الموضوعات إلى قضايا إشكالية.
إذا كانت قيمة الفلسفة كذلك، فمن أين نبدأ التفلسف؟ يؤكد إدموند هوسرل E. Husserl أن التفلسف يبدأ بالرجوع إلى الذات قصد تحطيم المعارف المسلم بها والجاهزة، والتي يمكنها أن تكون عائقا إببستيمولوجيا في بلوغ الحقيقة. فعلى الفيلسوف أن ينشئ فلسفة خاصة، قائمة على حدوسه المطلقة، وعلى أسس حجاجية وبرهانية ومنهجية.
وعليه كذلك أن ينزع بفلسفته نحو الكونية. لكن عليه أن يتحلى دائما بالتواضع المعرفي، وأن يؤمن باستمرار بحاجته إلى طلب المزيد من المعرفة. من هذا المنطلق يكون الشك المنهجي – الذي أسسه ديكارت – أسوة لكل فيلسوف مبتدئ، وبهذه الطريقة وحدها تولد الفلسفة.
من خلال ما تقدم، يمكن أن نستشف، أن صعوبة تعريف الفلسفة لا تعني بالضرورة، أن الفلسفة فكر متعال عن الواقع، أو فكر يصعب إدراكه وتمثله. إنما يعني ذلك فقط أن للفلسفة بعض الخصوصيات التي تميزها عن غيرها،وهذه الخصوصيات يمكن اعتبارها في ذات الوقت آليات مشتركة بين سائر الفلاسفة. ويمكن تلخيص بعضها إجمالا في ما يلي:
النسقية: إن مفهوم النسق يفيد النظام والتأليف، ويشير إلى وجود منظومة من العناصر. ومن هذا المنطلق، نقول إن الفلسفة ليست فكرا مرتجلا، وليست شطحات فكرية لا يعرف مصدرها، وليست شذرات من الآراء من هنا وهنالك؛ وإنما هي تفكير منظم، وبنية من الأفكار والنظريات. فقد يتناول الفيلسوف موضوعات متعددة، كالوجود، والمعرفة، والقيم، لكن هذا لا يمنع من اتسام فلسفته بالنظام والتدرج، ولاحتكام إلى صرامة منطقية.
العقلانية والتأمل: إن الفلسفة فكر عقلاني تأملي باعتبارها فكرا بعيدا عن الارتجال، وخصوصا لأن العقل وحده يستطيع أن يبحث في القضايا ذات الطبيعة الفلسفية. كما أن الفلسفة تفكير عميق يبتعد عن العواطف الوجدانية حيث يقول هيدغر Heidegger: "فالعواطف، لا تنتمي إلى الفلسفة، والعواطف، كما يقال، هي شيء لا عقلي. والفلسفة، على العكس من ذلك، ليست شيئا عقليا فحسب، بل المدبر الحقيقي للعقل."
الشمولية: إن الفلسفة - على خلاف العلم – تترفع عن الجزئيات، حيث لا تهتم إلا بالقضايا الأكثر عمومية، وتتسم بالتناول الكلي للموضوعات..
التجريد: قد تكون الفلسفة وليدة واقع معين، لكنها تحتفظ لنفسها بالمقاربة التجريدية،لأنها ابتعاد عن الارتباط العضوي والمباشر بالمحسوس والجزئي، خصوصا وأنها تسعى إلى بناء معارف ذات طابع شمولي وعام.
النقد: إن الفلسفة فكر نقدي لأنها إعادة نظر متواصلة، خصوصا وأنها لا تؤمن بوجود معارف ثابتة ومطلقة. كما أنها تجاوز للاعتقادات الساذجة والبديهية. لذا تتسم بالشك القبلي في وجود معرفة نهائية.
التساؤل: إن الفلسفة فكر تساؤلي باعتبارها فكرا إشكاليا نقديا. فالتفكير الفلسفي يجعل من كل شيء موضوع تساؤل ومناقشة وسجال. لذا قال كارل ياسبرس Jaspers : "الأسئلة في الفلسفة أهم من الإجابات عليها، وكل جواب يصبح بدوره سؤالا جديدا".
إن الخاصية الأخيرة تدفعنا إلى أن نتساءل : ما هي طبيعة السؤال الفلسفي؟ وما هي خصوصياته؟
( يتبع ...)

سحر الناجي 10-13-2010 10:25 AM



* طبيعة التساؤل الفلسفي

يحددها ألان جورانفيل A.Juraville في ما يلي :
(ا) إن السؤال الفلسفي سؤال قصدي، لأنه يروم بناء معرفة تتسم بالشمولية والإطلاقية.
(ب) إن السؤال الفلسفي سؤال يتضمن شكا قبليا في الجواب، على اعتبار أن ليست هناك معرفة جاهزة ونهائية
(ج) إن السؤال الفلسفي يوجه بالخصوص إلى أولئك الذين يعتقدون امتلاك الحقيقة (سلوك سقراط مثلا)، ليظهر له دونية معرفتهم. فالفلسفة فكر يجند نفسه ضد الوثوقية (الدوغمائية).
(د) إن السؤال الفلسفي تساؤل، باعتباره سؤالا يتضمن في الواقع سلسلة متدرجة من الأسئلة: فكل سؤال يستدعي سؤالا آخر؛ وكل سؤال هو بداية لتساؤل جديد (كارل ياسبرس).
إن طبيعة السؤال تتحدد وترتبط بطبيعة الجواب ، وتفسر لماذا تتعدد الخطابات الفلسفية. إن السؤال الفلسفي – في العمق – ليس إلا إشعارا بحدوث الدهشة لدى المتسائل. وكما قال أرسطو :
" إن الدهشة هي التي دفعت الناس إلى التفلسف". فالإنسان هو أكثر الموجودات دهشة، لأن الدهشة تتطلب درجة عالية من العقل."
إلا أن هناك اختلافا بين "الدهشة العلمية" و"الدهشة الفلسفية" ؛ فكما يرى شوبنهاور Schopenhauer : دهشة الفيلسوف هي دهشة أمام الأمور الاعتيادية والتي تكتسي حلة البداهة، وهي دهشة أمام الأشياء ذات الصبغة الأكثر عمومية، وجعلها موضوع التساؤل، وتحويلها إلى قضايا إشكالية.
أما دهشة العالم، فهي دهشة أمام أمور جزئية نادرة ومنتقاة، وهي سعي لربطها بقضايا معروفة لديه سابقا، أو بتعبير أدق هي إرجاع المجهول إلى المعلوم.
وما دامت هناك أمور تؤلم الإنسان كالمرض والموت، والبؤس، والشقاء.. وما دام الوجود الإنساني ووجود العالم يشكلان لغزا محيرا فستستمر الدهشة الفلسفية وسيستمر التفلسف.
( يتبع ....)

ناريمان الشريف 10-15-2010 09:48 AM

سلام الله عليك يا سحر
موضوعك كبير جداً
معك خطوة بخطوة
بانتظار ما تبقى



تحية ... ناريمان

ايوب صابر 10-15-2010 03:47 PM

** كيف تُصبح فيلسوفا ..!؟
لا شك أن محاولة الإجابة عن هذا السؤال , يستغرق الكثير من العمل لتلخيص الخبرات المستقاه من كتب الزمان لنقف على الحقيقة المطلقة لهذا العلم المتفرد ..

يقول ارسطو " تزوج فأن وفقت سرر وان لم توفق اصبحت فيلسوفا". لكن لي وجهة نظر اخرى..ساعود لاطرحها هنا.




سحر الناجي 10-19-2010 07:31 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناريمان الشريف (المشاركة 35148)
سلام الله عليك يا سحر
موضوعك كبير جداً
معك خطوة بخطوة
بانتظار ما تبقى





تحية ... ناريمان

وعليكِ من العظيم ألف سلام
وحضورك كبير غاليتي أيضآ ..
سعيدة بمتابعتك ِ..
تقديري

سحر الناجي 10-19-2010 07:39 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايوب صابر (المشاركة 35263)
** كيف تُصبح فيلسوفا ..!؟
لا شك أن محاولة الإجابة عن هذا السؤال , يستغرق الكثير من العمل لتلخيص الخبرات المستقاه من كتب الزمان لنقف على الحقيقة المطلقة لهذا العلم المتفرد ..

يقول ارسطو " تزوج فأن وفقت سرر وان لم توفق اصبحت فيلسوفا". لكن لي وجهة نظر اخرى..ساعود لاطرحها هنا.




أيوب صابر ..
أيها القدير البارع .. لا يمكنناسيدي أن نختزل مفهوم الفلسفة في هذه المقولة الضئيلة لأرسطو ..أو لسقراط أو غيرهمامن الفلاسفة ..
بالطبع وجودك شرف لمتصفحي ..
وفي اهتمام لا يشوبه سوى الفرح أنتظر وجهة نظرك ..
تقدير كبير لحضورك الرائع

سحر الناجي 10-19-2010 07:42 PM



* الفلـسفة والحيـاة

إن الفلسفة شأنها شأن أشكال الوعي البشري، فهي لصيقة بقضايا المجتمع وهموم العصر الذي أفرزها ؛ وقد قال ماركس Marx في هذا الصدد : "ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، بل إن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم".
إن الفلسفة – إذن – ليست فكرا مستلبا أو متعاليا عن الواقع الاجتماعي وإنما هي خلاصة عصرها، وتاريخ الفلسفة حافل بالنماذج التي تؤكد ذلك: إن تفكير أفلاطون في "مدينة مثالية" (كتاب الجمهورية) لم يكن إلا محاولة منه لإصلاح المجتمع اليوناني الذي أفسده السفسطائيون. وما تفكير الفارابي في "مدينة فاضلة" إلا محاولة لإرجاع الدولة الإسلامية إلى أمجادها البائدة.
لكن الفلسفة تختلف عن السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا. لأنها ليست دراسة علمية موضوعية لقضايا مجتمع معين ؛ وليست مجرد تشخيص لبعض الأمراض الاجتماعية. إن الطابع العام والشمولي للفلسفة يأبى ذلك. إنها لا تدرس ما هو كائن إلا في إطار ما ينبغي أن يكون. إن طموح الفيلسوف إلى تحقيق الكونية يجعله يترفع عن أن يصبح مجرد مصلح اجتماعي، أو أن يكون على الأكثر عالما اجتماعيا فرضته ظرفية تاريخية. فما هو السبب – إذن – في اهتمام الفيلسوف بقضايا الحياة والمجتمع؟
يكمن جواب ذلك في عاملين متداخلين، أولهما أن الفلسفة بحث عن الحقيقة ؛ والأجوبة التي تقترحها، تبين أنها فحص مثابر وراء الإسهام المباشر في حل المشاكل الإنسانية مهما كانت فرص النجاح ضعيفة. وهنا يبزغ العامل الثاني، والذي يتجلى في الأهمية القصوى التي توليها الفلسفة للإنسان وتعتبره مركز اهتماماتها، حيث لا تهتم بالقضايا إلا بقدر ما ترتبط بالإنسان، لذا قال فيورباخ L. Feurbach إن كل فلسفة تؤسس خارج الإنسان وبمعزل عنه لا يمكن اعتبارها فلسفة..
انطلاقا مما تقدم نطرح السؤال التالي : هل الفلسفة إلزام أم إلتزام؟ يقول ديكارت : "لأن يحيى المرء بدون تفلسف هو حقا كمن يظل مغمضا عينيه لا يحاول أن يفتحهما: والتلذذ برؤية كل ما سيكشفه البصر لا يمكن أن يقارن بالرضى الذي ينال من معرفة الأشياء التي تنكشف لنا بالفلسفة". يتأكد إذن – من خلال هذا القول- أن الفلسفة ليست ترفا فكريا وإنما هي ضرورة. ولعل ضرورتها تتجلى في الانسياب الفكري الذي تطلبه؛ وفي رفضها كل حدود للعقل. إن الطابع الإشكالي والنقدي للفلسفة يحتمان عليها إعادة النظر في كل شيء، وفي كل قضايا الحياة، وبالتالي إخضاعها للمساءلة.
والفلسفة، كذلك، التزام لأنها اندماج وانصهار في كل ما من شأنه أن يساهم في سيرورة الحياة، وبالتالي الانطلاق بها إلى فضاء أرحب وأوسع. ومن هذا المنطلق نفهم لماذا تتجند الفلسفة ضد جميع ضروب العنف محاولة منها نشر ثقافة التسامح والانفتاح على الغير. لأن العنف يعتبر من المسارات الخسيسة التي بإمكانها أن تجهض حركية الحياة، وتقتضي على طموح الإنسان في بلوغ غايات نبيلة. فالفلسفة تحارب العنف لأنه ليس مجرد سلوك فردي ينحصر في أخذ ثأر أو إنزال عقوبة أو قصاص؛ ولكنها تحاربه لأن العنف – كما يقول إيف ميشو Y. Michaud – يوجد "عندما يحطم واحد أو عدد من الفاعلين شخصا آخر، مباشرة، أو بصفة غير مباشرة، دفعة واحدة أو بالتدريج، أو يمسهم في كيانهم الجسمي أو النفسي، في ممتلكاتهم، أو في انتماءاتهم الثقافية أو الرمزية المختلفة. ليس العنف فقط مسألة جروح أو قتل، إذ يمكن أن يكون التحطيم سيكولوجيا، بواسطة التعذيب أو النفي، أو الإيذاء في الممتلكات، أو يلحق لغة الجماعة، أو ثقافتها أو معتقداتها، أو يعني الحرمان من العمل ..إلخ".
بناء على هذا، نستطيع القول إن الفيلسوف ضد العنف لأنه، كما يعتقد إريك فايل E. Weil، سلوك لا عقلي يهدف إلى النيل من كرامة الإنسان وبالتالي النيل من إنسانيته. إن الفلسفة ضد العنف لأنه يقوم على كل الأفكار السلبية التي تحاربها كالتسلط، والظلم، والبؤس والشقاء والحرمان ..إلخ.
وعلى الفلسفة أن تتنبه للعنف لأن خطورته، اليوم، تكمن في أنه سلوك ممنهج يهدف إلى إخفاء أبعاده وخلفياته وبالتالي إخفاء أساليبه وآلياته، أو كما يقول إيف ميشو : "… إن ما يميز العنف المعاصر عن أشكال العنف التي عرفها التاريخ، هو التدخل المزدوج للتكنولوجيا والعقلنة في إنتاجه". ولعل ذلك ما يجعلنا نقول إن العنف أصبح اليوم سلوكا لا عقليا أنتجه العقل.
ماهي الفلسفة ؟
الفلسفة لفظ استعارته العربية من اللغة اليونانيّة، و أصله في اليونانية كلمة تتألف من مقطعين:
فيلوس Philos وهو بمعنى (صديق أو محب)، والثاني هو سوفيا Sophia أي (حكمة)، فيكون معناها (محب الحكمة).
وبذلك تدل كلمة (الفلسفة) من الناحية الاشتقاقية على محبة الحكمة أو إيثارها، وقد نقلها العرب إلى لغتهم بهذا المعنى في عصر الترجمة.
وكان فيثاغورس (572 _ 497ق.م) أول حكيم وصف نفسه من القدماء بأنه فيلسوف، وعرَّف الفلاسفة بأنهم الباحثون عن الحقيقة بتأمل الأشياء، فجعل حب الحكمة هو البحث عن الحقيقة، وجعل الحكمة هي المعرفة القائمة على التأمل.
وعلى هذا أضحى تعريف الفلسفة بأنها: العلم الذي يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية.
تجدر الإشارة إلى أن كلمة (الفلسفة) استُعملت في معاني متعددة عبر التاريخ، واتسع معناها في بعض المراحل ليستوعب العلوم العقلية بأسرها،
فيما تقلص هذا المعنى في مراحل أخرى فاستُعمل عند البعض كما في التراث الإسلامي فيما يخص الفلسفة الأولى، التي تبحث عن المسائل الكلية للوجود التي لا ترتبط بموضوع خاص.

سحر الناجي 10-19-2010 07:44 PM



* الأسس الفلسفية وفروعها :
يمكن القيام باستقصاء فلسفي في أي موضوع، لأن الفلسفة تتناول كل ما يوجد في الكون وكل ما له ارتباط بالمعرفة. على أنه من أجل تحقيق أغراض الدراسة، قد جرت العادة أن تُقسم الفلسفة إلى خمسة فروع، وكل فرع ينتظم فيه البحث حول عدد من المسائل المتميزة. هذه الفروع هي:تناولت الفلسفة عبر عصورها الممتدة _ بدءاً بنشأتها إلى عصرنا الراهن _ مسائل كثيرة، استوعبت فيها تمام المعارف البشرية، وان استقلت منها بعض المعارف والعلوم منذ عصر النهضة في أوروبا، ومن أبرز القضايا التي انبسط عليها البحث الفلسفي:
1 ما وراء الطبيعة (الميتافيزيقا):
علم يدرس الواقع والوجود من حيث طبيعتهما الأساسية، كما يدرس ماهية الأشياء. ومن الباحثين من يقسم علم ما وراء الطبيعة إلى ميدانين: علم الوجود، وعلم الكون. فعلم الوجود يدرس الموجودات؛ أما علم الكون فيدرس الكون الطبيعي ككل. كما أن علم الكون يُقصد به ذلك الفرع من العلوم الذي يدرس نظام الكون وتاريخه ومستقبله.
يتناول علم ما وراء الطبيعة مسائل من نوع: ما الواقع؟ ما الفرق بين الظاهر والواقع؟ ما المبادئ والمفاهيم العامة التي يمكن بموجبها تأويل تجاربنا وفهمها؟ هل لدينا إرادة حرة أم أن أعمالنا مُسيرة بأسباب ليس لنا فيها خيار؟
لقد أوجد الفلاسفة عددًا من النظريات في علم ما وراء الطبيعة وهي: المادية، والمثالية، والآلية، والغائية. إن المادية تؤكد أن المادة وحدها هي التي لها وجود حقيقي، وأن المشاعر والأفكار وغير ذلك من الظواهر العقلية إنما هي ناتجة عن نشاط المادة. وتقرر المثالية بأن أي شيء مادي إنما هو فكرة أو شكل من أشكال الفكرة،-وبمقتضاها فإن الظواهر العقلية هي وحدها المهمة والمطابقة للحقيقة. أما الآلية فتؤكد أن كل الأحداث إنما هي-ناتجة عن قوى آلية محضة، وليس عن غاية معينة، بل لا يعقل أن نقول إن الكون في حد ذاته من ورائه غاية معينة. أما الغائية، فهي على العكس، تقرر بأن الكون وكل شيء فيه يتصف بالوجود والحدوث من أجل غاية معينة.
2 المنطق:
يتناول بالدراسة مبادئ وطرائق المحاكمة العقلية؛ فهو يستكشف كيفيات التمييز بين المحاكمة القويمة والمحاكمة السقيمة. ويُسمَّى المثال المستخدم في المحاكمة البرهان أو الاستدلال. يتمثل البرهان في جملة من الحجج تسمى مقدمات، وهذه تقترن بحجة أخرى تسمى النتائج التي من المفروض أن تستند إلى المقدمات أو تنبثق عنها. إن البرهان القوي يكون سندًا للنتائج، بعكس البرهان الضعيف.
3 نظرية المعرفة:
نظرية المعرفة: هدفها تحديد طبيعة المعرفة وأساسها ومجالها، كما تستكشف الطرائق المختلفة المؤدية إلى المعرفة وجوهر الحقيقة والعلاقات بين المعرفة والإيمان. إن نظرية المعرفة تطرح أمثال الأسئلة الآتية: ما العلامات الدالة على المعرفة الصادقة من أجل تمييزها عن المعرفة الكاذبة؟ ما الحقيقة، وكيف يمكن أن نعرف الصواب والخطأ؟ هل هناك أنواع مختلفة من المعرفة؟ وهل لكل واحدة منها حُجج وخصائص؟
وعلى هذا تدرس في نظرية المعرفة المسائل التالية:
أ مصدر المعرفة.
ب قيمة المعرفة.
ج طبيعة المعرفة.
د حدود المعرفة.
4 الأخلاق:
لها علاقة بسيرة الإنسان وشخصيته وقيمه، فهي تدرس طبيعة الصواب والخطأ، وتميّز بين الخيروالشر. فالأخلاق تستكشف خصائص العدل والمجتمع العادل، وكذلك واجبات الإنسان نحو ذاته ونحو غيره ونحو المجتمع.
تطرح الأخلاق أمثال الأسئلة الآتية: ما وجه الصواب في العمل الصائب؟ وما وجه الخطأ في العمل الخاطئ؟ ما الخير وما الشر؟ ما القيم الخاصة بالحياة؟ قد تبرز المشاكل في مجال الأخلاق، لأننا كثيرًا ما نجد صعوبة في إدراك ما يلزم القيام به. وفي العديد من الحالات تتعارض واجباتنا، أو تبدو لنا غامضة فضلاً عن كون الناس كثيرًا ما يختلفون حول ما إذا كان عمل من الأعمال أو مبدأ من المبادئ، صائبًا أو خاطئًا من الناحية الأخلاقية.
5 فلسفة الجمال:
علم الجمال: يبحث في الإبداع، وكذا في المبادئ التي يقوم عليها الفن والجمال، كما أنه يدرس أفكارنا ومشاعرنا ومواقفنا حينما نرى ونسمع ونطالع شيئًا جميلاً قد يتمثل في شيء جميل، كالأثر الفني، مثل الرسم أو السيمفونية أو القصيدة، أو غروب الشمس أو غيره من الظواهر الطبيعية. فضلاً عن ذلك، فإن علم الجمال يستقصي الخبرة التي اكتسبها من يمارس بعض الأنشطة المختلفة مثل الرسم بأنواعه المختلفة والتمثيل السينمائي والمسرحي.
6 فلسفة الدين:
علم يهتم بدراسة وتحليل طبيعة المعرفة الدينية وما تنطوي عليه المعتقدات، ونوع الأدلة والبراهين التي تستند إليها تلك المعرفة وتحاول تحليل التجارب الإيمانية والبحث عن منابعها وتجلياتها وأحوالها.
7 فلسفة العلم:
فلسفة تُعنى بفهم وتفسير ظاهرة العلم فهماً يعمقها، فتبحث في التنظيم الأمثل لمناهجه، ومعرفة خصائصه ومقوماته، ومحاولة حل مشكلاته التي تخرج عن دوائر اختصاص العلماء.
وهناك مسائل أخرى تناولتها الفلسفة من قبيل: فلسفة القانون، وفلسفة التاريخ، وفلسفة التربية، وغيرها.
بقلم : حسن بلقائد

احمد ماضي 10-19-2010 09:43 PM


الرائعة
الاستاذة سحر
مرحبا بك ِ هنا
حيث منبر النقد
من دواعي السرور ان نجد لقلمك ِ الثري نقش كهذا بيننا
سوف اواصل مع الجميع
متابعتي
وحتما بعد اذنك ِ ستكون لي اطروحاتي التي اتمنى ان تنال قبولك ِ والجميع
كوني بخير عزيزتي
مع باقة ورد عراقي

سحر الناجي 10-31-2010 02:06 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد القلعاوي (المشاركة 36693)

الرائعة
الاستاذة سحر
مرحبا بك ِ هنا
حيث منبر النقد
من دواعي السرور ان نجد لقلمك ِ الثري نقش كهذا بيننا
سوف اواصل مع الجميع
متابعتي
وحتما بعد اذنك ِ ستكون لي اطروحاتي التي اتمنى ان تنال قبولك ِ والجميع
كوني بخير عزيزتي
مع باقة ورد عراقي

أحمد القلعاوي ..
بكل سرور سيدي .. دومآ في انتظارك ..
مرورك قصيدة قد توهجت قوافيها لباقة ..
شكرآ كبيرة لك
تقديري

ايوب صابر 10-31-2010 02:11 PM

كيف تصبح فيلسوفا؟؟؟


إن ما طرحه سقراط في قوله بأن تزوج فأن سعدت كان به وان لم تسعد تصبح فيلسوفا يشير دون شك أن علاقة زوجية فاشلة وفيها من المعاناة الكثير كفيلة بأن تثير في نفس الإنسان الكثير من الأسئلة الوجودية بحيث يصبح الإنسان مع مرور الوقت فيلسوفا.

السر يكمن هنا إذا في المعاناة! وهذه المعاناة هي التي تجعل العقل يعمل بطريقة استثنائية....وهذا يشير إلى أن الخيار في أن يكون الإنسان فيلسوفا أو لا يكون ليس بيده وليس له فيه حيلة..وإنما الأمر ناتج عن ظروف نفسية معينة إذ بتعرض الإنسان إلى صدمات وفجائع يعمل عقله بوتيرة عالية هذه الوتيرة وهذه الطاقة تجعل العقل يعمل على توليد أفكار بتسارع عظيم وغالبا ما تكون هذه الأفكار مرتبطة بالقضايا الوجودية...إذ تفتح مثل هذه الفجائع عيون الإنسان المفجوع إلى الكثير من الأمور التي يمر عليها الإنسان العادي مرور الكرام ولا تثير في نفسه أية أسئلة.

وغاليا ما نجد أن الفيلسوف يفكر في ثنائية الموت والحياة والوجود بشكل عام وهو يرى ما وراء الصورة ويقرأ ما بين السطور....وتشغل باله القضايا الميتافيزيقية، فهو في حالة بحث دائم عن الحقيقة...وهو يبحث عن إجابات لكل الأسئلة التي تتوارد في ذهنه..

وهو ثائر لا يسلم بالسائد والمألوف ويقدم تصور حول العالم وقضية الوجود ويحاول من خلال هذا التصور الإجابة على الكثير من الأسئلة التي وجدها تتوارد في عقله فيحاول إيجاد منظومة من الأفكار التبريرية والتفسيرية والتي تشكل بمجموعها تصور فلسفي يرى فيه ذلك الشخص من منظوره هو...وهو ما يجعله فيلسوفا!!!!!

وعليه فأن هناك شروط أساسية لا بد من توفرها لكي يصبح الإنسان فيلسوفا وعلى الأغلب لها علاقة بالموت دائما...فها هو سقراط يقول بأن عقل الإنسان عبارة عن ماكينة لتوليد الأفكار ودور الإنسان مثل دور القابلة يساعد على توليد هذه الأفكار... ولا شك أن سقراط قد اخطأ هنا فالعقل لا يحتاج إلى الإنسان ليساعده لكي يولد أفكار، لكنه يحتاج حتما إلى فجيعة تصفعه فيبدأ العمل بوتيرة عالية وعلى شاكلته تتوالد فيه الأفكار وتتداعى وربما يسمع في ذهنه صوتا، كما سمع سقراط صوتا، أو يرى ما خلف الصورة صورا كما فعل أفلاطون..فيصبح بذلك فيلسوفا...علما بأن الاثنان سقراط وأفلاطون أيتام...

فحتى يصبح الإنسان فيلسوفا لا بد :
-أن يكون يتيم.
-أن يعاني من أمور يكون لها وقع كوقع اليتم.
-أن يقع اليتم في الطفولة المبكرة...وان تستمر المعاناة..
-أن يتناغم مع تدفقات الأفكار التي تبدأ تتشكل وتتولد في الدماغ.....ويستمع لمكنونات عقله.
-أن يمتلك من الشجاعة ما يمكنه بأن يستمر في التفكير.
-أن يتحرر من قيود الفكر والخوف ...
-أن لا يفقد السيطرة على قدرات عقله فيصاب بالجنون...وهذا تحديدا ما يجعله يبتكر طروحات تبريرية أو تفسيريه تشكل في مجموعها طرح فلسفي يشتمل على رؤيا جديدة للوجود والكون وإجابات لكل الأسئلة التي تدور في دماغه عن الحياة ولما بعد الموت...

وهكذا يصبح لدينا فيلسوفا،،

سحر الناجي 12-05-2010 12:16 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايوب صابر (المشاركة 39155)
كيف تصبح فيلسوفا؟؟؟



إن ما طرحة سقراط في قوله بأن تزوج فأن سعدت كان به وان لم تسعد تصبح فيلسوفا يشير دون شك أن علاقة زوجية فاشلة وفيها من المعاناة الكثير كفيلة بأن تثير في نفس الإنسان الكثير من الأسئلة الوجودية بحيث يصبح الإنسان مع مرور الوقت فيلسوفا.

السر يكمن هنا إذا في المعاناة! وهذه المعاناة هي التي تجعل العقل يعمل بطريقة استثنائية....وهذا يشير إلى أن الخيار في أن يكون الإنسان فيلسوفا أو لا يكون ليس بيده وليس له فيه حيلة..وإنما الأمر ناتج عن ظروف نفسية معينة إذ بتعرض الإنسان إلى صدمات وفجائع يعمل عقله بوتيرة عالية هذه الوتيرة وهذه الطاقة تجعل العقل يعمل على توليد أفكار بتسارع عظيم وغالبا ما تكون هذه الأفكار مرتبطة بالقضايا الوجودية...إذ تفتح مثل هذه الفجائع عيون الإنسان المفجوع إلى الكثير من الأمور التي يمر عليها الإنسان العادي مرور الكرام ولا تثير في نفسه أية أسئلة.

وغاليا ما نجد أن الفيلسوف يفكر في ثنائية الموت والحياة والوجود بشكل عام وهو يرى ما وراء الصورة ويقرأ ما بين السطور....وتشغل باله القضايا الميتافيزيقية، فهو في حالة بحث دائم عن الحقيقة...وهو يبحث عن إجابات لكل الأسئلة التي تتوارد في ذهنه..

وهو ثائر لا يسلم بالسائد والمألوف ويقدم تصور حول العالم وقضية الوجود ويحاول من خلال هذا التصور الإجابة على الكثير من الأسئلة التي وجدها تتوارد في عقله فيحاول إيجاد منظومة من الأفكار التبريرية والتفسيرية والتي تشكل بمجموعها تصور فلسفي يرى فيه ذلك الشخص من منظوره هو...وهو ما يجعله فيلسوفا!!!!!

وعليه فأن هناك شروط أساسية لا بد من توفرها لكي يصبح الإنسان فيلسوفا وعلى الأغلب لها علاقة بالموت دائما...فها هو سقراط يقول بأن عقل الإنسان عبارة عن ماكينة لتوليد الأفكار ودور الإنسان مثل دور القابلة يساعد على توليد هذه الأفكار... ولا شك أن سقراط قد اخطأ هنا فالعقل لا يحتاج إلى الإنسان ليساعده لكي يولد أفكار، لكنه يحتاج حتما إلى فجيعة تصفعه فيبدأ العمل بوتيرة عالية وعلى شاكلته تتوالد فيه الأفكار وتتداعى وربما يسمع في ذهنه صوتا، كما سمع سقراط صوتا، أو يرى ما خلف الصورة صورا كما فعل أفلاطون..فيصبح بذلك فيلسوفا...علما بأن الاثنان سقراط وأفلاطون أيتام...

فحتى يصبح الإنسان فيلسوفا لا بد :
-أن يكون يتيم.
-أن يعاني من أمور يكون لها وقع كوقع اليتم.
-أن يقع اليتم في الطفولة المبكرة...وان تستمر المعاناة..
-أن يتناغم مع تدفقات الأفكار التي تبدأ تتشكل وتتولد في الدماغ.....ويستمع لمكنونات عقله.
-أن يمتلك من الشجاعة ما يمكنه بأن يستمر في التفكير.
-أن يتحرر من قيود الفكر والخوف ...
-أن لا يفقد السيطرة على قدرات عقله فيصاب بالجنون...وهذا تحديدا ما يجعله يبتكر طروحات تبريرية أو تفسيريه تشكل في مجموعها طرح فلسفي يشتمل على رؤيا جديدة للوجود والكون وإجابات لكل الأسئلة التي تدور في دماغه عن الحياة ولما بعد الموت...

وهكذا يصبح لدينا فيلسوفا،،

سيدي ..
تثمر نظرياتك في صدري مزيد من الانبهار ..
حيث غرسك متوهج بطائلة الحكمة ..
تقادير كمرورك الذي ينازع الروعة جمالا
عرفاني أيها الرائع .. وتحيتي

سحر الناجي 12-05-2010 12:22 AM



* ما هي حقيقة الفلسفة ؟
بهذا ا لسؤال نمس موضوعا واسعا جدا، موضوعا مترامي الأطراف، ولأن الموضوع واسع فقد بقي بغير تحديد، ولأنه بغير تحديد ففي مقدورنا أن نتناوله من خلال أكثر وجهات النظر اختلافا. ومع ذلك فسوف نعثر دائما على شيء من الحق. ولكن بما أن الآراء الممكنة كلها، في تناول هذا الموضوع المتشعب الأطراف - متداخل بعضها في بعض، فنحن على شفا الوقوع في خطر يفتقد معه حديثنا إلى الإحكام اللازم.
من أجل ذلك يجب أن نحاول تحديد السؤال على نحو أدق. فبهذه الطريقة نوجه الحديث وجهة محددة، وسيسير تبعا لذلك على طريق واحد. أقول على طريق واحد، لأننا نسلم - ونحن على يقين - بأن هذا الطريق ما هو بالطريق الوحيد. والواقع أن ثمة مشكلة لا بد أن تبقى قائمة، وهي ما إذا كان الطريق الذي أود تخطيطه هو في الحقيقة الطريق الذي يتيح لنا أن نضع السؤال، وأن نجيب عنه.
ولنفترض الآن بأننا استطعنا العثور على طريق يؤدي بنا إلى تحديد أدق للسؤال، عندها يظهر على الفور اعتراض خطير ضد موضوع حديثنا وهو أننا عندما نسأل ما هذا - الفلسفة، فنحن نتكلم عن الفلسفة. وتساؤلنا بهذه الطريقة يضعنا - بشكل واضح - في موقف عال على الفلسفة، أي بمعزل عنها. بينما الهدف من سؤالنا هو أن ندخل في الفلسفة، وأن نقيم فيها ، فنسلك وفق طريقتها، أي أن نتفلسف ، لذلك يتحتم على الطريق الذي تسير فيه أحاديثنا ألا يكون واضح الاتجاه فحسب ، بل لابد لهذا الاتجاه أن يعطينا في نفس الوقت الضمان بأننا نتحرك .داخل الفلسفة ، لا أن ندور من الخارج حولها(...).
سؤال : ما الفلسفة ؟ هذا السؤال قد أجاب عنه أرسطو. وعلى هذا فحديثنا لم يعد ضروريا. إنه منته قبل أن يبدأ، وسيكون الرد الفوري على ذلك قائما على أساس أن عبارة أرسطو عن ماهية الفلسفة لم تكن بالإجابة الوحيدة عن السؤال . وفي أحسن الأحوال إن هي إلا إجابة واحدة بين عدة إجابات .
ويستطيع المرء - بمعونة التعريف الأرسطي للفلسفة - أن يتمثّل وأن يفسر كلا من التفكير السابق على أرسطو و أفلاطون و الفلسفة اللاحقة لأرسطو. ومع ذلك سيلاحظ المرء بسهولة أن الفلسفة، والطريقة التي بها أدركت ماهيتها قد تغيرا في الألفي سنة اللاحقة لأرسطو تغييرات عديدة، فمن ذا الذي أراد أن ينكر هذا ؟
وفي نفس الوقت ينبغي مع ذلك ألا نتجاهل أن الفلسفة منذ أرسطو حتى نيتشه ظلت - على أساس تلك التغيرات وغيرها - هي هي لأن التحولات هي على وجه الدقة. احتفاظ بالتماثل داخل الهو هو (...)
صحيح أن تلك الطريقة نتحصّل بمقتضاها على معارف متنوعة وعميقة، بل ونافعة عن كيفية ظهور الفلسفة في مجرى التاريخ ، لكننا على هذا الطريق لن نستطيع الوصول إلى إجابة حقيقية أي شرعية عن سؤال: " ما الفلسفة ؟ "
إن التعريف الأرسطي للفلسفة،محبة الحكمة، له أكثر من دلالة.فالدلالة اللغوية وهي تتعلق بلغة الإغريق التي بها تم تركيب هذه الكلمة والدلالة المعرفية التي كانت في مستوى شديد الإختلاف عما نحن عليه ، ولا شك أن الدلالة الأخيرة هي التي حددت التعريف وحصرته في محبة الحكمة كشكل للإعراب عن عدم توفر المعطيات العلمية والمعرفية للفيلسوف في ذلك الوقت ، فكانت الحكمة أحد أشكال التحايل على المجهول كمادة أولى لكي يصنع منها الفيلسوف نظامه المعرفي مثلما صنع الله الكون من العدم، وفق التصور المعرفي الذي كان سائدا في ذلك الزمن.
أما اليوم وبالنظر إلى ما هو متوفر من المعارف وعلى ما هو متراكم من أسئلة وقضايا مطروحة في العديد من المجالات الى التقدم الذي حققه الفكر البشري في مختلف المجالات ،
فلم يعد دور الفيلسوف فقط حب الحكمة أو الذهاب إليها والبحث عنها بنفس الأدوات الذاتية وفي نفس المناخ من الجهل الهائل بالمحيط الكوني وتجلياته الموضوعية كما كانت عليه الحال سابقا ...
إن الفيلسوف الآن بات مقيدا بالكثير من المناهج والقوانين المنطقية وبالمعطيات اليقينية في إطار من التراكمات المعرفية وتطبيقاتها التكنولوجية التي لا تترك مجالا للشك في مشروعيتها . في هكذا ظروف وأمام هكذا معطيات لم يعد تعريف الفلسفة متوافقا مع الدور الذي يمكن أن يقوم به الفيلسوف المعاصر والذي يختلف كثير الإختلاف عن دور سلفه من العصور الغابرة. بناء على ما تقدم فإنه لا مفر من إعادة النظر في تغيير مفهوم ومعنى الفلسفة بحيث تكون،إنتاج الحكمة.
بقلم : حسن بلقائد

سحر الناجي 12-05-2010 12:25 AM




* قصة الفلسفة
بقلم: محمد زكريا توفيق
قصة الفلسفة الغربية بدأت في اليونان. والمدن اليونانية قديما لم تكن مقصورة على أرض دولة اليونان الحالية. بل كانت تتبعها مدن يونانية في دول أخرى. أيونيا ومالطة وإفسوس في آسيا الصغرى والإسكندرية في مصر، وإيليا في جنوب الساحل الإيطالي.
كلمة "لوجوس" باليونانية تصف نوعا معينا من التفكير. طريقة تفكير تستخدم المنطق والتحليل، لتفسير الظواهر والأشياء التي تعتري الإنسان. هذا النوع من التفكير، غالبا يقود إلى الحكمة.
الحكمة باليونانية تعبر عنها كلمة "صوفيا". إذا أضفنا لكلمة صوفيا، كلمة "فيلو" وتعني حب، أصبحت الكلمة المركبة "فيلو صوفيا". وتعني حب الحكمة. من هنا جاءت كلمة فلسفة. التي تعني حرفيا حب الحكمة. إذا كنت محبا للحكمة والمعرفة، فأنت فيلسوفا.
ماذا كان يوجد قبل الفلسفة, وقبل طريقة "لوجوس" في التفكير؟ كانت توجد طريقة أخرى. هي "ميثوس"، أو الأساطير. لا داعي للتفكير ووجع الدماغ. نترك التفكير للكهنة والمفسرين ورجال الدين، ونأخذ نحن المعلومات على الجاهز.
الأساطير والقصص الموروثة عن الأجداد تفسر لنا كل شئ. البرق والرعد سببهما مقرعة كبير الآلهة "زيوس" على قمة جبل الأولومب. الكرة الأرضية يحملها ثور كبير على قرنيه. عندما يشعر بالتعب، تحدث الزلازل. الأمراض والأوبئة بسبب غضب الآلهة. وهكذا.
معظم الأساطير لها علاقة بالدين وحياة الآلهة. لذلك كانت لها صفة القداسة. حافظ عليها الأجداد وعضوا عليها بالنواجز. كان يسلمها كل جيل إلى الجيل الذي يليه.
أستخدمت هذه الأساطير في خلق نظام إجتماعي متكامل. يفسر كل شئ ويجيب على كل سؤال. لكن عيب هذه الأساطير المقدسة، أنها تخلق مجتمعات ساكنة راكدة تقاوم التقدم والتغيير. العصور المظلمة، إستمرت أكثر من 1000 سنة بسبب سيطرة الكنيسة الكاثوليكية.
لكن شئ مختلف ظهر في اليونان في القرن السابع قبل الميلاد. وجاء أول تفسير فلسفي، بعيدا عن الأساطير. يشرح أسباب حدوث فيضان نهر النيل خلال الصيف من كل عام. بالرغم من أن معظم أنهار الدنيا تجف أثناء فصل الصيف.
فيضان نهر النيل يحدث بسبب "رياح الصحراء". ليس بسبب الصراع بين الآلهة، أو علاقات الحب والزواج بينهم. هنا نجد الظواهر الطبيعية تفسر بظواهر طبيعية أخرى. القوي الخفية الخارقة للطبيعة ليس لها دخل بموضوع فيضان نهر النيل.
لذلك يمكننا القول بأن المدن الإغريقية هي مهد الفلسفة الغربية. إن لم يكن الإغريق نقلوها عن المصريين عن طريق مدينة الإسكندرية التي كانت مدينة يونانية أيام حكم البطالمة. ثم طور اليونانيون الفلسفة وأبعدوها عن الفكر الديني، لكي تصبح فكرا مستقلا.
لماذا الإغريق وليس غيرهم من الشعوب؟ لسبب بسيط. لأنهم لم يكن لديهم نظام كهنوتي ديني مسيطر، يحجر على الرأي ويمنع التفكير المستقل. سبب آخر هو ولع الإغريق بالتفاصيل. فمثلا، قام الشاعر هومير في ملحمة "الإلياذة" بوصف درع البطل "أخيل" في أربع صفحات كاملة.
سبب إضافي هو إدراك الإغريق للتغيير وصراع الأضداد. الشتاء والصيف، البرد والحر، الحب والكره، الحياة والموت، إلخ.
كل ذلك دفعهم للبحث عن الحقائق والأسباب بعيدا عن التفسيرات الدينية. هنا نرى العقل البشري يعمل مستقلا، دون قيود تمنع إنطلاقه إلى آفاق بعيدة.



سحر الناجي 12-05-2010 12:27 AM




* صعوبات لتحديد ماهية الفلسفة
وفي هذا الصدد يمكن القول بأن تحديد ماهية الفلسفة تعترضه عدد من الصعوبات يمكن حصرها اختصارا في ثلاثة أساسية وهي:
1) أن الفلسفة أكثر المباحث عرضة لتحديدات وتعريفات وتمثلاث وأحكام قبلية عامية ساذجة، منها على سبيل التمثيل دون هم الاستنفاد قولهم بان الفلسفة: غموض، ضبابية، صعبة، إلحاد وخروج عن الدين وكلام فارغ لا معنى له… الخ.
لذا يجب علينا أولا أن نطهر أذهاننا من هذه التمثلات العامية الساذجة المجانية إن كنا نتوخى الوقوف على ماهية الفلسفة كما تمثلها الفيلسوف ومريد الفلسفة.
2) أن الفلسفة لا تعرف بموضوعها ولا بنتائجها، ذلك لأنه كما قال القدماء «الفلسفة أم العلوم»، فهي إذن غير ذات موضوع واحد ووحيد كما هو الشأن بالنسبة لباقي العلوم، بل على العكس من ذلك تتخذ الفلسفة من كل شيء في الكون مشخصا (ماديا) كان أو مجردا (معنويا) موضوعا لها،
تستحضره في ذاتها، تفكر فيه وتنتقده، تستلهمه وتلهمه… كما أن نتائجها غير ذات نفع مادي مباشر كما هو حال نتائج مختلف العلوم، ذلك لأن الفلسفة لا تتوخى المعرفة حبا في المنفعة بل حبا في المعرفة ذاتها.
وفي هذا يقول فيتاغوراس (حوالي 572-497 قبل الميلاد) «الفلسفة هي محبة الحكمة لذاتها»،
ويقول كارل ياسبيرز (1883-1969) «كل من يمارس الفلسفة يريد أن يحيا من أجل الحقيقة» إذ أن «كرامة الإنسان هي إدراك الحقيقة» حقيقة الإنسان والعالم والله…
3) أن تعريفات الفلسفة تتعدد بتعدد الفلاسفة أنفسهم ذلك لأن تاريخ الفلسفة يفيدنا بأن الفلاسفة لم يتفقوا قط حول تعريف واحد للفلسفة جامع مانع لها. وهذا الاختلاف ذاته خاصية من خصائص التفكير الفلسفي، إذ أنه أساس خصوبتها واستمرارية عطاءاتها المتمثلة في النظر إلى الإنسان والعالم والله من زوايا وجهات نظر متباينة يمكن مع تعددها وتنوعها الاقتراب أكثر فأكثر من حقيقة الأشياء وبالتالي تكوين رؤية للعالم أكثر مماثلة له ومشابهة لحقيقته.
واختلاف الفلاسفة لتعريفهم للفلسفة ذاته ناتج عن مجموعة من الأسباب نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1) أن تعريف الفلسفة مشروط بفلسفة صاحبه: إذ أن كل تعريف للفلسفة هو بمثابة مرآة تعكس لنا فلسفة صاحبه أو رؤيته الخاصة للإنسان والمجتمع والتاريخ والحياة… وكذا موقفه من كل هذا. وغير خاف عنا أن مثل هذه المواضيع مدعاة لاختلاف وجهات النظر إليها والتموقف منها فمثلا أفلاطون (428-348ق.م) يعرف الفلسفة بأنها «علم الحقائق المطلقة الكامنة وراء ظواهر الأشياء» وهذا التعريف يعكس لنا فلسفة أفلاطون ويسير في اتساق مع رؤيته للعالم. إذ أن أفلاطون يقسم العالم إلى عالمين: عالم مادي سفلي محسوس(يدرك بواسطة الحواس) وهو الذي نعيش فيه فهو عالم المادة المتحركة دوما والمتغيرة باستمرار، ومن هنا فالحقيقة في هذا العالم منعدمة الوجود وإن وجدت فهي لا مطلقة ولا ثابتة بحكم حركته الدائمة تلك. وهناك عالم مثالي علوي معقول (يدرك بواسطة العقل) وهو عالم المثل العليا الثابتة ثباتا مطلقا، وأعلى مثال في هذا العالم هو مثال الخير الأسمى وهو الله. ومن هنا فالحقيقة موجودة في عالم المثل. فالعالم السفلي عالم الطبيعة (الفيزيقا) والعالم العلوي عالم ما وراء الطبيعة (الميتافيزيقا). ومن هنا فالحقيقة التي تستهدف الفلسفة الحصول عليها لا توجد في ظواهر الأشياء بل وراء هذه الظواهر أي في الجوهر لا في المظهر.
وإذا انتقلنا إلى أرسطو Aristote ( 384-322 ق.م) نجده يعرف الفلسفة بأنها « علم المبادئ والعلل الأولى للوجود »أو«علم الوجود بما هو موجود» وهذا التعريف كذلك ينسجم مع فلسفة أرسطو ويعكس لنا صورة عنها.
فأرسطو يرى بان ما من معلول إلا ووراءه علة أي أن لكل نتيجة سببا، فإن نحن أردنا أن نعرف الموجودات كنتيجة متحققة في الكون علينا أن نعرف علة وجودها. والعلل عند أرسطو أربعة وهي: علة مادية وهي ما منه الشيء يكون (كالخشب مثلا)، وعلة صورية وهي ما عليه الشيء يكون (كصورة أو شكل الكرسي مثلا)، وعلة فاعلة وهي ما به الشيء يكون (كالنجار مثلا)، ثم علة غائية وهي ما من أجله الشيء يكون (كالجلوس عليه مثلا). أما علة العلل أو العلة الأولى التي لا علة لها فهي الله ومن هنا كانت الفلسفة عند أرسطو هي العلم بهذه المبادئ أو العلل الأولى للوجود.
2) أن تعريف الفلسفة مشروط بروح عصره وظروف مجتمع صاحبه: وفي هذا قال ماركس (1818-1883) « إن كل فلسفة هي الخلاصة الروحية لعصرها».
فالتاريخ الإنساني ليس متماثلا في تجاربه وحضاراته بل لكل شعب ولكل عصر ظروفه ومعطياته الخاصة ونوع إشكالاته المهيمنة فيه… فالعصر اليوناني-مثلا- لا يتطابق مع العصر الوسيط أو عصر النهضة كما أن المجتمع المسيحي غير المجتمع الإسلامي… فإن نحن أخذنا مثال ابن رشد (1126-1198) وجدناه يعرف الفلسفة أو فعل التفلسف قائلا «فعل التفلسف ليس شيئا آخر أكثر من النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع… فإن الموجودات إنما تدل على الصانع لمعرفة صنعتها، وكلما كانت المعرفة بصنعتها أتم، كانت المعرفة بالصانع أتم». فالفلسفة إذن تأمل في المخلوقات وأخذ العبرة منها من حيث هي دالة على الخالق، وكلما كانت معرفتنا بالمخلوقات دقيقة كلما كانت معرفتنا بالخالق لها دقيقة كذلك. وهنا نجد ابن رشد يسعى جاهدا إلى البرهنة على أن «الحكمة صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة» على حد قوله أي الاستدلال على أن الفلسفة والدين معا يستهدفان تحقيق نفس الغاية ألا وهي معرفة الحق الخالق وإثبات وجوده. فإذا كان الدين يحقق هذا الهدف من خلال مطالبتنا بتدبر آيات القرآن فإن الفلسفة تسعى إلى تحقيق نفس الهدف من خلال اعتبار وتدبر آيات الله في خلقه مصداقا لقوله تعالى «ألم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء؟». وسبب التجاء ابن رشد إلى تعريف الفلسفة باعتبارها وسيلة مثل الدين توصل إلى معرفة الخالق هو أن الإشكال الذي هيمن في المجتمع الإسلامي في العصر الوسيط هو إشكال مدى علاقة الفلسفة (الحكمة) بالدين (الشريعة) وهو ما ينعت بإشكالية العقل والنقل. ومن هنا نستنتج بأن كل فلسفة وبالتالي كل تعريف للفلسفة مرتبط بعصره ومشروط بظروف صاحبه ومعبر عنها.
3) أن تعريف الفلسفة مشروط بتقدم الفكر العلمي في المرحلة التي وضع فيها: إذ أن نشأة الفلسفة ذاتها كانت مرتبطة بالعلوم: فهذا فيتاغوراس يرجع الكون إلى عدد وما اعتبار الفلسفة كبحث عن الحقيقة لذاتها إلا محاكاة لاستدلالات الرياضيات المجردة والمتعالية عن المنفعة المادية والتطبيق المحسوس. وهذا أفلاطون يكتب على باب أكاديميته «لا يدخل علينا من لم يكن رياضيا(أو مهندسا)». وهذا ديكارت (1596-1650) يقول «الفلسفة شجرة جذورها الميتافيزيقيا وجذعها العلوم الطبيعية وأغصانها المتفرعة عن هذا الجذع هي كل العلوم الأخرى… وترجع إلى ثلاثة رئيسية هي: الطب والميكانيكا والأخلاق… وتفترض معرفة كاملة بسائر العلوم». فعلاقة الفلسفة بالعلم إذن علاقة جدلية إذ أن تطور أحدهما يؤدي بالضرورة إلى تطور الآخر والعكس بالعكس. وفي هذا السياق يقول هيجل (1770-1831) «إن الفلسفة تظهر في مساء اليوم الذي تظهر في فجره العلوم» ويقول انجلز (1820-1895) « إن الفلسفة حية دائما في العلوم ولا يمكن أن تنفصل عنها». ومن هذا نستنتج بأن بين العلم والفلسفة إفادة واستفادة متبادلتين.
وإذا كان الفلاسفة قد اختلفوا في تعريفهم للفلسفة فهم كذلك اختلفوا في طرق تفكيرهم فيها وإنتاجهم لها وتعبيرهم عنها: فمثلا سقراط (حوالي 469-399ق.م) يتخذ من الحوار التوليدي أسلوبا في التفكير، في حين أن أرسطو يعتمد على العرض المنطقي الصارم أما نتشيه (1844-1900) فيلجأ إلى اللغة الشاعرية والبلاغة والرمز، في الوقت الذي يرتكز فيه اسبينوزا (1632-1677) على الاستدلال شبه الرياضي…الخ.
ولكن إذا كانت تعاريف الفلاسفة للفلسفة متباينة وكذلك هو شأن طرق تفكيرهم وعرضهم لفلسفاتهم، أفلا توجد بعض الضوابط والخصائص الثابتة في كل فلسفة؟ أليس هناك قاسم مشترك بين جل هذه الفلسفات حتى لا نقول كلها ؟
المصدر :
http://www.profvb.com/vb/t862.html‏

سحر الناجي 12-05-2010 12:29 AM




* محاولات فلسفية أولى
أول محاولة لتفسير ما يجري في هذا الكون بعيدا عن قصص الأساطير، جاء على يدي "طاليس" المالطي (639 – 440 ق م). وهو أول الفلاسفة المعروفين. مالطة التي ينتسب إليها طاليس، تقع في أحد ثغور آسيا الصغرى من بلاد الإغريق القديمة. وهي تختلف عن جزيرة جمهورية مالطة في البحر المتوسط جنوب إيطاليا.
إذا كان هناك تغيير، فذلك لأن شيئا آخر لا يتغير، يسبب هذا التغيير. تعدد الأشياء في الظاهر، وراءه وحدة واحدة، أو شئ يجمعها جميعا.
لقد كان الإعتقاد في زمن طاليس، أن العناصر التي يتكون منها الكون أربعة: الهواء والماء والنار والتراب. كل شئ محسوس، مكون من هذه العناصر الأربعة. لكن طاليس، كان يقول أن هذه العناصر الأربعة، لابد أن يكون لها أصل واحد. فما هو يا ترى؟
يبدو أن الماء هو أصل كل العناصر. ماء النيل يترسب ليكون الطمي، ومن الطمي تتكون أرض الدلتا. الماء يتحول إلى ثلج. الثلج يتحول ثانية إلى ماء. الماء بالحرارة يتحول إلى بخار، ثم إلى هواء ورياح. الرياح تؤجج اللهب. هذا يعني أن كل شئ أصله ماء.
طبعا هذا بالنسبة لمعلوماتنا الحالية كلام فارغ. لكن سبب أهمية أفكار طاليس ليست فيما يقوله، لكن في أسلوب تفكيره. في الطريقة التي يقول بها هذه الأفكار.
فهو يقول: أن كل الأشياء مكونة من الماء. ونحن اليوم نقول كل الأشياء مكونة من الذرات. فكرة مشابهة، لكن ليست بالضبط.
كانت لطاليس إنجازات أخرى غير الفلسفة. كان فلكيا بارعا. تنبأ بكسوف الشمس سنة 585 ق م. ألف سجلا للنجوم ليستخدم في الملاحة. قام بالمساعدة في تحويل مجرى أحد الأنهار. تمكن من قياس إرتفاع الهرم الأكبر، بتطبيق نظرية تشابه المثلثات على قياسين. أحدهما قياس ظل الهرم، والآخر قياس ظل عصا ثبتها عموديا.
ينسب إلى طاليس أيضا، عدد من نظريات الهندسة المستوية، منها: المثلث المتساوي الساقين، متساو الزاويتين. الزاوية المرسومة في نصف الدائرة قائمة. يتطابق المثلثان، إذا تساوي في كل منهما زاويتان وضلع.
لم يقبل بعض معاصري طاليس قوله أن الماء هو أصل كل الأشياء. منهم "أناكسيماندر" (610 – 546 ق م)، تلميذ طاليس، وهو أيضا مالطي ..

سحر الناجي 12-05-2010 12:31 AM




* ما بعد طاليس
كان يقول أناكسيماندر، أنه لو كانت المياة هي أصل كل شئ، لتحول كل شئ إلى ماء مرة ثانية بمرور الوقت. بمعنى أن كل شئ يرجع إلى أصله في نهاية الأمر. كما أنه من غير المعقول أن يتحول الشئ إلى نقيضه. فكيف تتحول المياة إلى نار، والماء أصلا يطفئ النار.
لذلك يعتقد أناكسيماندر أن أصل الأشياء لا يمكن أن يكون الماء. ولا أي عنصر من هذه العناصر الأربعة. ماذا يكون ياترى؟
لابد أن يكون شيئا خفي لا نلاحظه. غير محدد الشكل وغير متناهي.
واحد سرمدي لا يحول. يختلف كل الإختلاف عن الكثرة المتغيرة الفانية. لأنه لو كان شيئا محدد الشكل، أصبح مكونا من العناصر الأربعة المعروفة.
أناكسيماندر يتفق هنا مع فلسفة هيربرت سبنسر التي نشرها عام 1860م.
هذا الشئ الغير محدود يحتوي على كل المتناقضات التي تتصارع داخله. هو أصل الأشياء والحركة. منه وجدت العناصر الأربعة، الماء والهواء والنار والتراب. مآل كل شئ إلى الفناء والتحول إلى هذا الشئ الغير محدود الشكل. مرجع كل شئ إلى أصله.
كان أناكسيماندر عالم في الفلك والجغرافيا. يؤمن بالقياسات والتجربة والتحليل المنطقي للظواهر. يقول بكروية الأرض. قام برسم خريطة لها. كانت له أفكارا متقدمة في نشأة الحياة وتطور الكائنات الحية. تتفق إلى حد بعيد مع نظريات "لامارك" و"دارفون" في القرن التاسع عشر في التطور.
كان أناكسيماندر يقول بأن الأرض كانت كتلة منصهرة سائلة، ثم بردت. الحرارة المتبقية كافية لكي تشكل الكائنات الحية، التي بدأت كحياة بدائية. ثم تدرجت بسبب عوامل البيئة لكي تكون كائنات راقية منها الإنسان. أفكار عجيبة ورائعة قبل الميلاد بستة قرون.
يأتي بعد ذلك "أناكسيمنيس" (585 - 525ق م). مالطي أيضا، تلميذ أناكسيماندر. ليقول بأن أصل الأشياء هو الهواء. من الهواء تنشأ جميع العناصر الأخرى. بالتلطيف تنتج النار, وبالتكثيف تحدث الرياح والسحب والماء والأرض والحجارة. الروح هواء، يمسك أجسامنا. كذلك هواء العالم هو روحه السارية.
هنا يقول أناكسيمنيس أنه بالتلطيف والتكثيف، أي بتغيير كمية الهواء، تتغير نوعية المادة. التغيير في الكمية، يؤدي إلى التغيير في النوعية. هذا ما نقوله نحن اليوم. التغير في عدد البروتونات داخل نواة الذرة، يحول الذرة من عنصر معين إلى عنصر آخر.
نلاحظ هنا حرية الرأي والبحث عن الحقيقة. لا مصادرة لرأي مخالف، وحقه في الإختلاف. طاليس قال بأن الأصل هو الماء. فيعارضه أناكسيماندر ويقول: لا بل أصل الأشياء هو شئ غير محدود. فيأتي اناكسيمنيس ليخالف كلا منهما ويقول بأن أصل الأشياء هو الهواء.
المهم هنا هو حق المفكر في قول رأيه دون حجر أو خوف. هكذا تتقدم البشرية. وهذا سبب أهمية هؤلاء الفلاسفة الأوائل الثلاث، عظمة على عظمة. قيمة كبيرة للفلسفة اليونانية والبشرية.
هؤلاء الثلاثة، طاليس وأناكسماندر وأناكسيمنيس، هم أول الفلاسفة المعروفين. وأول مدرسة فلسفية في العالم الغربي تعرف بالمدرسة الأيونية أو المالطية. بالرغم من إختلاف الفكر بينهم، إلا أنهم يتفقون في شئ واحد.
هو البحث عن تفسير طبيعي بسيط، لفهم الظواهر الطبيعية، وما يحدث في هذا الكون. أي أنهم كانوا يعتمدون على الملاحظة والتفكير المنطقي. وليس النقل والأسطورة. كما أنهم كانوا يرجعون أصل كل شئ إلى شئ واحد. هذه هي أصول الفكر العلمي الغربي الحديث.
طبعا لكل شئ نهاية. جاءت نهاية المدرسة الأيونية بعد أن إجتاحت جيوش الفرس مالطا بعد إتفاقية السلام بين الإغريق والفرس، لم تعد مالطة مدينة إغريقية تتمتع بالحرية التي كانت تتمتع بها من قبل.
بعد المالطيين، جاء "فيثاغورث" (572 – 500 ق م). فيثاغورث هو أول إسم أجنبي غريب يمر علينا في المدرسة ونحن أطفال. فهو صاحب أشهر نظرية في الهندسة المستوية، هندسة إقليدس. النظرية تقول بأن المربع المنشأ على وتر المثلث قائم الزاوية، يساوي مجموع المربعين المنشأين على الضلعين الآخرين.
فيثاغورث، لم يتبع خطا الفلاسفة المالطيين في البحث عن أصل مادي واحد لكل الإشياء. مثل الماء أو الهواء أو الشئ الغير محدود. لكنه جاء بنظرية غريبة بعض الشئ. هي أن الأرقام هي أصل كل شئ.
قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا كلام فارغ. لكن فيثاغورث، لم يكن ساذجا أيضا. فقد كان يعني أن الوصف الصحيح للحقيقة، يمكن التعبير عنه بالأرقام والمعادلات الرياضية.
كانت لفيثاغورث إضافات كبيرة في الهندسة المستوية بعد إقليدس. أوجد العلاقة بين نسب أطوال الأوتار، ونغمات السلم الموسيقي. كان يقول بأن الكون كله في تناغم موسيقي. سيمفونية عظيمة.
تأثير فيثاغورث في الأجيال اللاحقة كان كبيرا. المدرسة الفيثاغورثية إستمرت 400 سنة بعده. أفلاطون نفسه، تأثر بفكر فيثاغورث.

سحر الناجي 01-17-2011 11:31 PM




* فيثاغورس وما بعده
كان فيثاغورث، إلى جانب كونه عالما وفيلسوفا، زاهدا ورئيس جماعة دينية "كلت". أعضاؤها كانوا ملتزمين بالتقشف، وبالبعد عن أكل اللحم، وتقديس الأرقام، وتحريم أكل الفاصوليا. نعم الفاصوليا، لأن حبة الفاصوليا، يوجد بداخلها جزء صغير يشبه شكل الجنين الآدمي. فكيف يأكل الإنسان أخيه الإنسان.
يأتي بعد ذلك الفيلسوف الإغريقي "هيروقليطس" (535 – 475 ق م). كان يعيش في أسيا الصغري (تركيا حاليا)، في مدينة إفسوس. قام بتعليم نفسه بنفسه. تعتبر فلسفته كئيبة متشائمة.
أفكار هيروقليطس جديدة تماما، غريبة بعض الشئ. فهو يقول بأن أصل كل شئ، ليس الماء أو الهواء أو الشئ الغير محدود، كما يقول الفلاسفة الذين سبقوه، إنما أصل الأشياء هو النار.
هناك شئ في طبيعة النار. هي دائمة التغيير والحركة. لذلك الأشياء التي تتكون من النار، لابد أن تكون دائمة التغيير والحركة أيضا.
إنك لا تستطيع أن تغمس قدمك في نفس النهر مرتين. لأن النهر في الحالة الأولى يختلف تماما عن النهر فى الحالة الثانية. النهر دائم الحركة. هناك مياة تبخرت ومياة تسربت وأسماك تحركت، وهكذا.
كان هيروقليطس يؤمن أيضا بوحدة الأضداد. خلق وتدمير، ميلاد ووفاة، حب ونضال، ليل ونهار، خير وشر. كل شئ وضده يكونان وحدة واحدة. لا يستطيع أيا منها أن يوجد بمفرده. نحن نقول اليوم أن الإلكترون له مضاد يسمى البوزوترون، والمادة لها مضادات المادة.
طفولتك البريئة ذهبت ولن تعود. الناس الذين كانوا يحبوك، ماتوا ولم يعد لهم وجود. أصدقاؤك ذهبوا وإنشغلوا بهموم معاشهم. إخوتك وأخواتك تزوجوا وتفرقوا فى البلاد. لم يبق شئ على حاله كما تركته. قمة فى التشاؤم.
لكن هناك شئ إيجابى فى أفكار هيروقليطس. نعم يوجد شئ إيجابي. فهو يقول أنه هناك هدف منطقي، وليست العشوائية، وراء هذا التغيير الدائم للأشياء. هناك "لوجوس"، وليس "ميثوس" أو الأسطورة، يفسر ماذا يحدث. هذه الأفكار كان لها تأثير كبير على أفلاطون لاحقا، وهي أساس مفهوم القوانين الطبيعية حاليا.
الحرب هى أم كل الأشياء. الكون يقوم على الصراع الذى ينتهي بالوحدة والتناغم. هذا ليس غريبا علي فيلسوف عاصر حروب فارس واليونان. قبل وفاته بثمان سنوات، قام داريوس ملك الفرس بالإغارة على بلاد الإغريق، التى إنتهت بمعركة الماراثون وهزيمة الفرس عام 490 ق م.
نحن نعلم أن معظم الإختراعات الهامة مثل تفتيت الذرة وعمل القنبلة الذرية، أتت بسبب الحروب والإستعداد لها. معظم الدول العظمى والإمبراطوريات، ظهرت بعد حروب طاحنة.
إلعصر الذهبى للحضارة المصرية القديمة أيام حتشبسوت وتحتمس الثالث، جاء بعد حروب الإستقلال ضد الهكسوس، بقيادة كامس وأحمس. الحضارة العربية، جاءت بعد حروب الفتوحات الإسلامية.
يأتى بعد هيروقليطس، الفيلسوف "بارمينيدس" (515 – 440 ق م). ولد فى مدينة إيليا اليونانية على الساحل الإيطالي الجنوبى. وكان بارمينيدس شاعرا وكاهنا للإله أبوللو.
بارمينيدس تقدم بالفلسفة اليونانية خطوة إلى الأمام. كان متأثرا بشكل كبير بفيثاغورث. هيروقليطس يقول أنك لا تستطيع أن تغمس قدمك فى نفس النهر مرتين، وبارمينيدس يقول أنك لا تستطيع أن تغمس قدمك فى النهر، حتى ولو مرة واحدة. لأن هذا مجرد وهم.
يبدأ بارمينيدس بالبديهيات. أى بالحقائق التى لا تحتاج إلى برهان. ولا يمكن إنكارها إلا إذا كانت تتعارض مع نفسها. هنا يجب أن نفرق بين الحقيقة التى هى واحدة وثابتة ولا تقبل التناقض، وبين الرأى الذي قد نكونه فى لحظة ما حول قضية معينة.
الحقيقة نأخذ بها بدون تردد. أساس البحث عن الحقيقة، هو الإقرار بوجود الكائن المطلق. وهو الشئ الموجود الذى نستطيع أن نتخيله. وكل شئ نتخيله، يمكن أن يوجد حقا. أما العدم، فلا يمكن أن نتخيله. لأننا لو تخيلناه، أصبح شيئا كائنا. بذلك لايصبح عدما.
لهذا فالعدم غير موجود. ولا يبقى لنا سوى الوجود أو الكينونة فقط. أي ذلك الشئ الذي يوجد فى أصل كل العالم، والذي تنحدر منه وتعود إليه كل الأشياء. هو القوة الميتافيزيقية ..

سحر الناجي 01-17-2011 11:32 PM





* فلسفات الاختلاف، التأويلية والتفكيكية، والعدمية
في السياق التالي سنطرح نماذج للفلسفات التي أثارت جدلا في الأوساط العلمية والأدبية كي نقترب من منهجيتها ..
بدأ القرن العشرون في فاتحته نيتشوياً مع »زرادشت« وانتهى نيتشوياً بامتياز، مع فلسفات الاختلاف، التأويلية والتفكيكية، والعدمية، وتيبولوجية القيمة وإرادة القوة.
ولعل دعوة نيتشه في كتابه اEccehomoب »أقول لكم إنني أنشر هذا الكتاب لأمنع الناس من أن يسيئوا إليّ، فأنا لا أريد أن أكون مقدسا«
تشبه صرخة ماركس الشهيرة »أنا لست ماركسيا«، في اعتراضهما على »النيتشوية« و»الماركسية«.
وميزة فريدريك نيتشه، في قلبه لكل القيم، أنه رفض الصنمية، ونادى »بأفول الأصنام«، فالإنسان الكامل عند نيتشه هو الإنسان الأعلى الذي يجد ذاته بذاته، ويعرف نفسه كسيد لذاته. و»زرادشت« نيتشه لا يفرض تعاليمه على الناس، وأحب الأمور الى قلبه أن يقول لكل إنسان »كن ذاتك« ولا تترك ذاتك إلا لذاتك، وهو يدعو الى اكتشاف الإنسان الأعلى في ذوات البشر أنفسهم »ماذا؟ أتسعى الى أن تتضاعف عشر مرات، مئة مرة؟ أتبحث عن مريدين؟ فتش إذن عن أصفار!« (هذا ما يقوله نيتشه في كتابه »أفول الأصنام«). وهذا ما يقوله في أبيات شعرية أخرى بعنوان »اتبع نفسك تتبعني« في كتابه »العلم المرح«:
هل تتبعني وتأتي ورائي
مُغْوىً بأسلوبي واتجاهي
اتبع نفسك بإخلاص متأنيا
وبهذا فإنك تتبعني..
شجرة المعرفة ليست شجرة الحياة« كما يقول اللورد بايرون، ولأن اليقين أخطر من الكذب في ازاء الحقيقة.
يغلّب نيتشه في فلسفة الحياة الأرضية وأخلاقية الغبطة والمتعة الموقف الانطولوجي على الموقف الابستمولوجي، فيرفض النسقية والتمركز اللوغوقراطي (العقلاطي)، ويميز عالم الحق من عالم الحقيقة، أو بالأحرى حقيقة العالم، ويجرد الأخلاق من أخلاقية الخطيئة والتقليد والعادة.
وقد تناول الفكر العربي الكلاسيكي في مباحثه حول الوحدة والكثرة مسألة الاختلاف في مقالاته ومقولاته (الواحد والوحدة، والمختلف والمؤتلف، والهوية والغيرية، والأيس والليس، والحق والحقيقة) في المنطق، والكلام وعلم الأصول، والتصوف، والأدب. كقول أبي حيان التوحيدي »إعرف حقائق الأمور بالتشابه فإن الحق واحد ولا تستفزك الأسماء وإن اختلفت«. أو كقول النفري »كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة«. وكذلك إشكالية الحق والحقيقة، والناسوت واللاهوت، والحق والخلق، والظاهر والباطن الخ. إلا أن فلسفة الاختلاف الأنطولوجي بمعناه النسقي وإن كانت تدعي أنها فلسفة لا نسقية، لن تظهر إلا في العصور الحديثة.
وحب الحياة والمصير الأرضي، والدفاع عن العالم المحسوس ضد العالم الآخر، هي القضية التي آمن بها نيتشه حتى الثمالة. وقد غالى في هذا الأمرر حتى رفض روح الأخلاق والعلم والفلسفة والعقل..
ويلوح لنا أول هجوم ضد سقراط في كتابه »ميلاد التراجيديا«، وهو يهاجم في الحقيقة العقلية »المنطقية«، »النسقية«، والصورية، (العقلانية السقراطية) التي يرى فيها عقلانية صنمية، كابحة للغريزة لحساب العقل والفضيلة. يقول: هل يمكن لحمار أن يكون تراجيدياً؟... أن يهلك تحت ثقل لا يمكن حمله ولا الإلقاء به؟..
وموقف نيتشه من سقراط، كمواقفه الأخرى الكثيرة، تنضح بالسادية، فسقراط كان ينتمي بنظره، بالولادة، الى أكثر الدهماء دونية، كان منحرفا، وهجينا، ودميما، حتى قال غريب، خبير بالفراسة، لسقراط، مباشرة، إنه قبيح أو إنه ينطوي على أقبح العيوب وأسوأ الشهوات. وقد اكتفى سقراط بأن أجاب: »لشد ما تعرفني جيدا!« ألا ينم موقف نيتشه من سقراط عن أخلاقية الغل والضغينة أيضا؟!
هل كانت سخرية سقراط تعبيراً عن تمرد، كلا يقول نيتشه بل هي تعبير عن ضغينة عامية (أفول الأصنام). والسؤال المطروح،
ألم يدع سقراط الى معرفة الذات (إعرف نفسك)، وألم ينطوِ موقفه من المعرفة السلبية (المايوتيكية) على موقف ما لا يعترف فيه نيتشه لسقراط بحق الاختلاف؟
ومن جهة ثانية، ألم يكن ثمة حاجة ملحة للمفهوم والماهية التي تتعين بها المعرفة قديما وحديثا، وهل يلغي الشعر العلم، والغبطة الأخلاق (بمعناها العلماني، والوجودي)
بقلم : وحيد
http://www.jazan4u.com/vb/showthread.php?t=9978

سحر الناجي 01-17-2011 11:34 PM




* فرويد والتحليل النفسي الذاتي
كالحاخام يحق له ما لا يحق لغيره تخطى فرويد العديد من القواعد التي وضعها هو نفسه للتحليل ولممارسته. من هذه المخالفات قيامه بتحليل إبنته آنا وخوضه في حينه صراعا" حول أهلية غير الأطباء لخوض العلاج التحليلي كممارسين وذلك بهدف ادخال ابنته آنا إلى دائرة المعالجين. لكن المخالفة الأكر كانت تحليل فرويد لذاته ففي حين وضع فرويد شرط خضوع المعالج نفسه للعلاج حتى يسمح له بممارسة التحليل نلاحظ أنه لم يخضع نفسه لمثل هذا العلاج بل اكتفى بتحليل نفسه بنفسه.
حول هذه المخالفة انقسمت آراء المحللين وتباينت مواقف المتخصصين في العلوم النفسية عامة من هذه المخالفة. وبشكل عام فإن هذه الآراء والمواقف توزعت بين التأييد وبين المعارضة. المؤيدون وعلى رأسهم كارين هورني يرون أن التحليل الذاتي قد يكون وسيلة لنشر التحليل تمهيدا" لافادة أعداد أكبر من الناس منه.

المعارضون يرون في مخالفات فرويد خروجا" عن الطريق القويم. وهم ينطلقون من عدم خضوعه للتحليل ليربطوا بينه وبين أخطائه في علاج حالة دورا مثلا". حيث يطرحون السؤال: ماذا كان فرويد يريد من دورا عوضا" عن السؤال التقليدي :ماذا كانت دورا تريد من فرويد؟
هذه الآراء هي موضوع كتاب فرويد والتحليل النفسي الذاتي.
يقسم هذا الكتاب إلى ثلاثة فصول هي:
1-فرويد وتحليل لذاته: وفيه ينابيع التحليل النفسي (البدايات الأولى) ثم ولادة التحليل النفسي وأخيرا" تفسير الأحلام.

2- مبادئ التحليل النفسي: وفيه الجهاز النفسي والغرائز والوظيفة الجنسية وملحق لتفسير الأحلام. يلي ذات المهام العملية وفيه فن التحليل النفسي ونهج العمل التحليلي ومن ثم المحصول النظري حيث يشرح المؤلف علاقة الجهاز النفسي بالعالم الخارجي والعالم الداخلي.
3- تطبيقات التحليل الذاتي: وفيه التحليل الذاتيوحدود قدراته وقواعد التحليل الذاتي ومبادئه ومتى نلجأ للتحليل الذاتي ومثال تطبيقي على التحليل الذاتي وأخيرا" آفاق التحليل الذاتي.
المؤلف أراد فقط أن يقدم للقارئ رأي أحد التيارات التي تعتمد التحليل الذاتي مقدما" لهذا القارئ إمكانيات التعرّف إلى هذا الأسلوب للعلاج الذاتي.
وهو يطرح إشكاليات العلاج التحليلي ومعوقاته طارحا" التحليل الذاتي كواحد من أقرب الحلول لتخطي هذه الاشكاليات. بداية فهو يعتمد تبسيط مبادئ التحليل ومنطلقاته النظرية وصولا
" إلى توضيح أسلوب تطبيق التحليل الذاتي.
بقلم : وحيد

http://www.jazan4u.com/vb/showthread.php?t=9978

سحر الناجي 01-17-2011 11:38 PM





* مهمة الفلسفة الأولى
يقول الكاتب السعودي عبدالله المطيري
تمتاز المعرفة الفلسفية عن غيرها من المعارف بأنها معرفة جذرية برهانية. والمقصود بجذريتها هنا هو أنها تبحث دائما في أصول الأشياء والأفكار ولا تقبل من نص يدعي الفلسفية إلا أن يلتزم بهذا الشرط.
أما برهانية المعرفة الفلسفية فتعني أنها معرفة تقوم على البرهنة المكشوفة على أفكارها وهذا يعني أن تكشف عن أصولها ومنطلقاتها الأولى وأن لا تستند على مسلمات مضمرة مسكوت عنها ، برهانية الفلسفة هي برهانية عقلية باعتبار أنها إنسانية ولا تقبل مصدرا آخر وباعتبار أن عملية البرهان لا بد أن تستند إلى قدرة التدليل والإقناع عند الإنسان وهي القدرة العقلية .
وهنا نصل إلى أن برهانية الفلسفة وجذريتها صفتان متلازمتان لا تتحقق إحداهما إلا بالأخرى.
المعرفة الفلسفية أيضا معرفة ذاتية ، بمعنى أنها المعرفة التي يتوصل لها الفيلسوف انطلاقا من عمله الذاتي الخاص ومن تصوره الخاص للمعرفة وهذا لا يعني ألا يطرح فكره بشروط موضوعية ولكنه يعني أن التجربة الفكرية الأولى والأساس هي تجربة ذاتية ، فالفلسفة معرفة إنسانية ولا مصدر لها من الخارج إلا من خلال تفاعل الإنسان مع ما حوله أي أنه لا مصدر مطلقا ونهائيا للمعرفة الفلسفية من خارج الإنسان ذاته باعتبار أنه مصدر أولي يصادر ويقضي على الشرط الأول للفلسفة وهي أنها فلسفة جذرية ، فالجذرية هنا تعني العود المستمر للبداية، للنقطة الأولى لرسم طريق جديد يسمى فلسفة.
من هاتين المقدمتين يمكننا القول إن المهمة الفلسفية الأولى هي فحص معرفة الذات فحصا جذريا أي إنها العودة إلى المعرفة الذاتية الخاصة وفحصها من جديد من خلال إخضاع ما فيها من معرفة للشك الجذري الصارم. يجب أن ينجز الفيلسوف هذه المهمة ولو مرة واحدة في تجربته الفلسفية، بل إن تجربة الشك هذه ستصبح هي تجربته الفلسفية الحقيقية. هذه العودة إلى نقطة الصفر مع الذات أساسية لعدة أهداف من أهمها أن هذه العملية هي التي ستكفل للفرد أن يتجاوز الحجب التي بينه وبين الحقيقة ، كل الحواجز التي تفصل بينه وبين معرفته الخاصة. هذه الحجب والحواجز هي المعرفة التي أنتجها الآخرون. والحقيقة لا يمكن أن تكون حقيقة إلا إذا كانت حقيقتك الخاصة.ليس شرطا أن تكون أنت من أنتجها ولكن لتكن حقيقة يجب أن تصل معها إلى قناعة ذاتية عالية.وهذه القناعة لا تتحقق إلا إذا انكشفت على أصول الأشياء والأفكار. بيننا وبين الأشياء التي حولنا والأفكار والآخرين حواجز كثيرة.بيننا وبينهم ركام هائل من الأفكار والمعارف والمقولات والعادات الفكرية والتعود الطبيعي ما يجعلنا لا نستطيع أن نراهم بشكل جيد. نحن كمن يعيش داخل غابة كثيفة لن يتحقق له رؤيتها بشكل واضح وكلي إلا بعد أن يخرج منها. يخرج منها ليراها ويتصل بها من جديد.


سحر الناجي 01-17-2011 11:40 PM




* الفلسفات الكبرى
الفلسفات الكبرى في التاريخ هي تلك الفلسفات التي استطاعت أن تنشئ تصورا جديدا للمعرفة وأساسا لها خاصا بهذه الفلسفة. وهذا ما حدث في التاريخ في أكثر من تجربة، نعلم أن أفلاطون قدم للعالم تصورا عن المعرفة والوصول إليها جديدا وكذلك فعل أرسطو وديكارت وكانط وهوسرل وهايدجر وعدد آخر من الفلاسفة. كل من هؤلاء لم يرض بما أسس من قبله وقام بإعادة التأسيس من جديد، ونعلم أن المعرفة البشرية حققت معهم دفعات هائلة للأمام.
من يستطع أن يتصور هذه المهمة يعلم أنها مهمة عسيرة وهائلة ولكنها ممتعة وحقيقية، فانشغال الإنسان بنفسه وإعطائها كل هذا الاهتمام والجهد هو ذو ثمار كبيرة أهمها ثمرة التعرف على الذات ، التعرف الذي يتحقق معه تلك القدرة على الاكتفاء بالذات والاطمئنان إليها ، تلك المعرفة التي تحقق للفرد توازنا يحفظ له القدرة على الاستمرار في مسيرة الحياة ويحميه من الوقوع في براثن الآخرين. أما صعوبة هذه العملية فهي ناتجة بسبب أن الفرد لا يصل إلى الوعي بأهمية هذه المهمة ، أي مهمة العودة إلى لحظة الصفر المعرفية إلا بعد أن يكون قد تشرب المعارف السابقة وتمكنت منه وهو بهذا يواجه كيانه المعرفي كله ، كيانه الذي يرى من خلاله ذاته والعالم من حوله ، كيانه الذي هو وجوده. هذه المهمة إذن تتطلب واجب مواجهة الوجود الخاص ،الوجود الذي هو حتى الآن من صنع الآخرين ، من تشكيلهم هم وأنا فيه كالغريب. إن هذه المهمة هي استعادة السكن في العالم الخاص. المهمة التي تتطلب تفكيك البيت الأول، بيت الآخرين ، وبناء البيت الخاص مكانه.أليست مهمة بناء منزل خاص مهمة أساسية دائما؟!
وإذا كانت المهمة السابقة هي مهمة الفلسفة الأولى فإنها بتصور أخف مهمة الفرد الحر العاقل المتمكن من أدوات المعرفة أيضا. فالفرد الذي يريد أن يعيش بحرية واستقلال لا يمكن له أن يتجاوز هذه المهمة أيضا. باعتبار أنه لا يمكن أن يحقق الفرد تحررا حقيقيا في سلوكه وآرائه وقناعاته دون أن يلتفت أيضا ، بإنصات وبتعمق لما لديه من معرفة سابقة. فالمعرفة السابقة التي اكتسبناها من التربية والدراسة والحياة العامة هي النظّارات التي نرى من خلالها كل شيء ، كل شيء يأخذ قيمته من خلال هذه المعرفة وبالتالي فإن كل عملية تحرر واستقلال لن تكون حقيقة دون نزع هذه النظارات والنظر بالعين الخاصة. العين التي قد لا تكون جاهزة في البداية بشكل واضح ولكنها ستقدر على الرؤية بوضوح مع استمرار الجهد في تشكيلها. في هذه اللحظات تكون لي عيني الخاصة ورؤيتي الخاصة التي أعبر من خلالها عن حريتي الحقيقية.
بالطبع لا يستطيع الإنسان أن يخرج عن مشاركة الآخرين في المعرفة وتجربة الحياة ولا يستطيع أن يشكل تجربة خاصة لا يكونون مشاركين فيها هذا صحيح ولكن المقصود هنا هو أن يتوفر الفرد على وعي أساسي بطبيعة المعرفة التي يمتلكها وعن حاجتها المستمرة والدائمة للمراجعة والفحص ، أن يملك منها وعيا يحدد له باستمرار دوره فيها. هل معارفي التي أعيش بها ، هي معارف أنا أنتجتها أو أخذتها عن قناعة ووعي وفهم إنها تلك التي أدخلت إلى عقلي منذ البداية وما أنا إلا وعاء لها ، أعيش بها وأنا غريب عنها غربة ستنعكس بالتأكيد على تجربة العيش والحياة بالتأكيد.
عملية العودة إلى الذات لمراجعة ما فيها من معارف مهمة تحتاج أساسا إلى شرط الانفتاح ، الانفتاح الذهني والروحي.
هذا الانفتاح هو الذي سيدخل المعرفة الخاصة في سوق المعارف لتبدو شريكة في الساحة وهذا تطور كبير جدا باعتبار أن الفرد يرى أن معرفته الخاصة ..
وهي معرفة تمتاز عن معرفة من يختلف معهم بأنها صادقة تماما وحقيقية وأنها أفضل المعارف وأوثقها ويعجب أن البقية لا يسيرون بهداها.
هذا هو الموقف السائد والدارج وعملية الانفتاح هي عملية تقضي على هذا الحاجز والعائق الكبير فمع الانفتاح تصبح المعرفة الخاصة جزءا من المعرفة الكبيرة العامة
وتحقيق هذا الشعور بالمشاركة سيفتح بالتأكيد فرصة للتواصل مع المعارف الأخرى التي ستتفاعل مع المعرفة الخاصة لتخرجها من حالة الركود والسكون إلى حالة الحركة والتفاعل.
الانفتاح إذن هو الفضاء الذي تتم فيه المهمة الأولى. وعلى قدر وعي الفرد بأن هذه المهمة هي المهمة الأهم والأجمل والأغنى في الحياة تكون النتائج المثمرة عنها.
بقلم : الكاتب السعودي عبدالله المطيري

سحر الناجي 02-05-2011 05:04 PM




* الفلسفة المثالية
الفيلسوف إنسان يستطيع أن يعبر عن أفكاره بشكل منظم ، بعيداً عن الانفعال والفوضى والغوغائية . أما المثقف فهو فيلسوف اتخذ لنفسه رؤية خاصة تجاه الأشياء .
تعد الفلسفة المثالية من أقدم الفلسفات في الثقافة الغربية ، وقد ولدت على يد أفلاطون قبل الميلاد وشاعت في القرنين الخامس والسادس عشر .
- اسمها مشتقٌ من المثال ويعني في الإغريقية الصورة أو الفكرة .
- تركز الفلسفة المثالية على دراسة الأهداف الأخلاقية السامية .
- تقوم على تمجيد العقل والروح معاً ، وتقلل من دور المادة .
- تؤمن بأن العالم الذي نعيش فيه عالم فانٍ ، ويقابله عالمٌ مثالي لا وجود له على الأرض .
- تؤمن بوجود قيم ثابتة لا تتغير ، ولا يجوز الشك في صحتها .
- الحقيقة النهائية في نظر المثاليين هي الحقيقة المطلقة وتكتشف عن طريق العقل الذي يعتبر مصدراً للمعرفة .
- حياة التفكير والتأمل عندهم هي المثل الأعلى للحياة الإنسانية .
- ترى أن المجتمع يتكون من طبقتين هما : المفكرون والعمال .
- تنظر الفلسفة المثالية إلى التربية على أنها إعداد للحياة ، وهذا يميزها عن الفلسفة البراجماتية التي ترى أن التربية هي الحياة ذاتها .
- المادة الدراسية في رأي المثاليين تمثل محور العملية التربوية ، وترى أن الهدف من طرق التدريس هو ملء أدمغة التلاميذ بالحقائق المطلقة .
أبرز فلاسفتها : أفلاطون وهو الأب الحقيقي لها , رينيه ديكارت ، إيمانويل كانت ، سينوزا ، باركلي .
* أفلاطون
هو تلميذ سقراط ، ألف كتاب ( الجمهورية ) ، وكتاب ( القوانين ) .
كتاب الجمهورية
.وصفه جان جاك روسو بأنه أجمل ما كتب في التربية ، ومما جاء فيه :
- الفرد والأسرة مسخران للدولة .
- المرأة مساوية للرجل .
- تحدث فيه أفلاطون عن الرقابة المالية ومحاربة الفساد .
- قسم المجتمع إلى ثلاث طبقات ، هي:
* طبقة الحكماء والفلاسفة ، وهي طبقة عالية الثقافة.
* طبقة المحاربين.
* طبقة العمال.
- اهتم أفلاطون بصحة الجسد وبالموسيقا والرياضة والفن .
- دعا إلى احترام الشعراء وتقديرهم ؛ لأنهم يعبرون عن المشاعر الإنسانية الشريفة .
- يرى أن كل المحسوسات ماهي إلا ظلال زائفة يقابلها حقائق ثابتة في عالم الأفكار ، وهذا
يتضح في حديثه عن الخروج من عتمة الكهف.
- عندما حوكم أستاذه سقراط وأُعدم بتجرع السم كتب مرافعة عنه وخمساً وثلاثين محاورة
احتفظ بها في حديقة أكاديموس خارج أثينا ، وكان المثقفون يرتادون الحديقة لقراءة أفكار أفلاطون ومناقشتها ، ومن هنا جاءت كلمة "أكاديمي وأكاديمية"
كتبه : د. محمد الجاغوب

سحر الناجي 02-05-2011 05:06 PM





** الفلسفة المثالية والدين
يتسائل المرء عن أشياء كثيرة في هذا العالم، ولعل أكثر الأسئلة تتمحور حول ذات الله وحول القدر والحياة والموت وما بعد الموت. وقد يمضي الإنسان حياته يفكر في هذه الأمور ليصل إلى إجابات يقينية محددة .. فهل سنجد يوما من يجيبنا عن تلك الأسئلة؟
بكل بساطة، الجواب: كلا. فإذا كان الإنسان ذو عقل محدود و لم يُتح له من العلم إلا القليل، فكيف سيصل بفكره و فلسفته إلى المعرفة المُطلقة؟ هل سيخترع عقلا جديدا لا تحكمه قوانين الكون (المحدودة) التي وضعها الله تعالى؟
- إذن فالعقل لا قيمة له ?
بالعكس، فاقرأ حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: “ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من العقل” أخرجه الترمذي.
هل هناك ضرورة مثلا لأن يتجلى لك الله لكي تعرف أنه موجود؟ فقد هيّأ الله سبحانه و تعالى للعقل أمورا كثيرة تجعله يستنبط منها دون عناء أن هناك خالق ما للكون.
فالعقل مهما كان بسيطا فإنه يعرف أن لا شيىء يأتي من العدم، و أن لكل شيىء بداية و نهاية، و لا جدال في هذا. إذن ما بداية الكون، و من أين أتى؟
بالطبع قد تقول إن الماء جاء عندما اجتمع الأوكسجين و الهيدروجين، فلابد أن الكون أتى بطريقة مماثلة عند حدوث شيىء ما، كـ Big Bang مثلا. لكن لا تنسى أن قبل وجود عالمنا هذا لم يكن هناك شيىء! أول البداية كانت من العدم.
- العقل برؤية أعمق
يتفق العلماء أن ما نراه في العالم الخارجي من أشياء ناتج عن إنعكاس الضوء إلى شبكة العين. و قد نتج عن هذا الإكتشاف تساؤل مهم: ما الذي يؤكد مادّية العالم الخارجي من حولنا؟ حسنا هذا السؤال لا يمكن الإجابة عليه بهذه البساطة إلا إذا فهمنا آلية عمل العقل.
بداية علينا أن نحدد وسائل الإتصال التي تربطنا بالعالم الخارجي لكي نعي حقيقة هذا العالم. فوسائل الإتصال هي: السمع و البصر و اللمس و الشم و النطق. إذن هي الحواس الخمس. العقل هو الذي يدير تلك الحواس، عن طريق شكبة معقدة جدا من الأعصاب، تربط بين الحواس و بين العقل. لذلك تستطيع أن تقول أن العقل – كفكرة – يمكن تشبيهه باللوحة الأم (motherboard) في الحاسوب، حيث يقوم بكل العمليات الإدارية، و من دونه لا يكون للحاسوب معنى.
تم تحديد وسائل الإتصال بالعالم الخارجي و الآن إسأل نفسك: ما الذي يؤكد لي أن ما تنقله إليّ الحواس حقيقيا؟ فأنت مثلا ترى العصفور، و لكن لو جئت لتدقق في حقيقة ما تراه ستكتشف أن العصفور ليس إلا صورة تراها أنت في دماغك، نتجت عن إنعكاس الضوء المنبعث من العصفور. فالعصفور موجود لكن ليس بالضرورة أن يكون موجودا فعليا، و ليس هناك ما يؤكد ذلك.
هذا بالنسبة للرؤية. و قد تصادف أن تلمس عصفورا بيدك و تسمع صوته و تشم رائحة ريشه … نعم لكن يؤسفني أن أخبرك أن هذا لا يؤكد وجود العصفور. فما تشعر به عندما تلمس العصفور ليس إلا شعورا يُوجده الدماغ نتيجة لإشارات عصبية آتية من الموضع الذي تملس من خلاله العصفور.
إذن كل شيء ناتج عن الإشارات العصبية، سواء ما تسمع أو ما ترى أو ما تلمس … و كل ما تشعر به ناتج عن تحليل الدماغ لتلك الإشارات، و هذا التحليل يحدث داخل الدماغ فقط!
إستنادا على ما يؤكده العلم لنا فيما يخص الدماغ، فإنه ليس هناك ما يؤكد أن العالم الخارجي حقيقي أو موجود حقا. وإن ما نراه ونشعر به هو مجرد أفكار ناتجة عن إشارات يحلّلها الدماغ. لذلك يمكن أن تشبه الواقع بالمنام، لأن كلاهما عبارة عن أفكار تسري في دماغك. و لفهم هذا أكثر، يمكن إجراء التجربة التالية.
هب أنه تم فصل الدماغ عن الجسم، و هُيئت له ظروف العيش، فإنك قادر مثلا أن تبعث إليه -عن طريق الحاسوب- إشارات عصبية شبيهة بالتي تبعثها إليه أعصاب العين و اليد و غيرهما. و سيبدأ الدماغ بتحليل تلك الإشارات تماما كأنه لازال موجودا داخل رأسك يسمع و يرى .. و يمكن تشبيه العملية بالتلفاز الذي يُرسل إليه الطبق اللاقط (dish) إشارات تجعله يبث لك الصور.
هذه التجربة تستدعي الإجابة عن سؤال مركزي. إذا كان الإنسان هو من أرسل الإشارات العصبية من الحاسوب إلى الدماغ أثناء التجربة، فمن يرسلها إلى الدماغ في حياتنا اليومية؟
- هل هناك دماغ؟
بما أن معرفتنا بالدماغ ليست إلا نتيجة لرؤيتنا له بالعين المجردة، فإنه أيضا يقع تحت دائرة الأشياء التي لا يمكن تأكيد وجودها.
الله مصدر الإشارات العصبية
يمكن أن يُعد العقل \ الدماغ مظهرا من مظاهر الروح، و أنه يستمد الإشارات العصبية من الله مباشرة، و أن ليس هناك شيىء إسمه مادة – كما يدّعي الماركسيين و دعاة الفلسفة المادية (materialism) .. وأن العالم الخارجي ليس إلا عالم نشعر به في داخلنا. و يستند البعض في ما طرحته آنفا إلى قوله تعالى: و لقد خلقنا الإنسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب إليه من حبل الوريد (ق 16) و إلى آيات عديدة أخرى تلوّح للمعنى نفسه.
و تستطيع أن تنظر إلى الجنة و النار من هذا المدلول، فإن الجنة عالم تعيشه في خيالك مثلا، وإن النار عذاب ناتج عن إشارات عصبية تحوّل حياتنا إلى جحيم.

المصدر : http://www.aouniat.com/2008/04/06/philosophy-of-idealism.html

سحر الناجي 02-05-2011 05:09 PM




** العقلانية: جدل الفلسفة والدين
د.محمد عثمان الخشت**

التعريف:
يناقش مفهوم العقلانية في الساحة الفكرية عادة تحت وطأة الجدل السياسي حول العلمانية والدين، حيث يحتكر الطرف العلماني الحديث باسم العقلانية في حين يبدو وكأن الطرف الذي يدافع عن الدور الفعال للدين في المجال العام بدوائره المختلفة يقف موقف التحفظ من العقلانية إن لم يكن العداء لها، وفي حين يرفع الفريق العلماني شعارات الاستنارة ويتهم خصومه بالرجعية والظلامية والدوغمائية بل والتمسك بالخرافة، يتهم الفريق المنافح عن الدين معارضيه بالاستهانة بالغيب والوحي وتقديم العقل على النص والرغبة في التحلل من القيم الأخلاقية والقواعد الشرعية.
هذا الجدل يحتاج لكسر حلقته المفرغة، ومفهوم العقلانية المختطف من فريق والمضطهد من فريق آخر يحتاج لاستنقاذ، ولن يمكننا أن نقوم بذلك بدون تحليل فلسفي عميق للمفهوم، وهو ما سنسعى إليه هنا.
وبداية نقول إن العقلانية ليست مذهبًا مغلقاً يضم فريقاً من الأنصار، مثلما الحال مع الماركسية أو الوجودية أو الليبرالية مثلاً، بل هي نزعة ومنهج في التفكير ينحو إليه المفكرون والفلاسفة بل والفقهاء داخل منظوماتهم ومذاهبهم الفكرية أو الفلسفية أو الشرعية، مُولِين العقل مكانة محورية سواء في نظرية المعرفة أو في فهم العالم، أو -في حالة الفلسفة والفقه الإسلامي- في تحكيم الشرع والاجتهاد في فهم الوحي وتنزيله وتطبيق السنة، وتأصيل بعدهما الإنساني والاجتماعي فيما وراء سياقهما التاريخي.
فالعقلانية اقتراب فكري يعتبر العقل مركزيًّا في توليد المعرفة الصحيحة. ويتحدد معنى "العقلانية" المقصود بحسب المجال: نظرية المعرفة، الدين، علم الأخلاق، المنطق، العلم الطبيعي والرياضي. لكن الاستخدام الأكثر شيوعاً للكلمة يتعلق بنظرية المعرفة واقتراب التعامل مع الدين (وحياً ونبوة) كمصدر للمعرفة.
أما معنى العقلانية في مجال نظرية المعرفة فهو ذلك المذهب الذي يرى أن المعرفة اليقينية لا بد أن تكون أولاً: كلية بحيث تشمل القضية جميع الحالات الجزئية، وثانياً: ضرورية بحيث تلزم النتائج عن المقدمات لزوماً ضروريًّا. وترى العقلانية الفلسفية أن الكلية والضرورة كصفتين منطقيتين للمعرفة الحقة لا يمكن أن تستنتجا من التجربة فقط، وأن عموميتها تستنتج من العقل نفسه: إما من التصورات المفطورة في العقل (مثل نظرية الأفكار الفطرية عند ديكارت)، أو من التصورات الموجودة فقط في صورة الاستعدادات القبلية للعقل التي تمارس التجربة تأثيرها المنبه على ظهورها، لكن سمة الكلية المطلقة والضرورة المطلقة تعطى لها قبل التجريب الواقعي، وأحكام العقل والصور القبلية مستقلة بشكل مطلق عن التجربة (كما عند الفيلسوف الألماني كانط Kant). بهذا المعنى تقف "العقلانية" كفلسفة وكمنهج في مواجهة "التجريبية" التي ترى أن المعرفة اليقينية تنبع من التجربة لا من العقل. وهكذا فإن تميز العقلانية يتمثل في كونها تنكر قضية أن الكلية والضرورة تنشآن من التجربة.
وأما فيما يتعلق بالموقف من الدين؛ فيشير وصف العقلانية إلى أصحاب رؤى متعددة وبالغة التفاوت بما يصعب معه -كما ذكرنا- اعتبارهم مذهبا أو مدرسة فكرية متجانسة، فمنهم القائل بأن المذاهب الدينية ينبغي أن تختبر بمحك عقلي. أو يشير الوصف أحياناً للقائلين بأنه لا يجوز الإيمان بخوارق الطبيعة، وهذا المعنى الأخير لا ينطبق على كل العقلانيين؛ لأن منهم من يقبل المعجزات ويسوغها عقلانيا مثل الفيلسوف ليبنتز، وأيضاً يطلق وصف العقلانية على الذين يقبلون المعتقدات الدينية لكن بعد اختبارها اختبارا عقليًّا، كما يطلق على المؤمنين الذين يفسرون الدين في ضوء العقل ويعتبرون أنهما لا ينفكان عن بعضهما البعض.
فالعقلانية ليست بالضرورة ضد الدين، فهي تيار واسع ومتنوع المشارب ومتفاوت فيما ينطلق منه من مسلمات وينتهي إليه من نتائج. وعلى سبيل المثال اعتقد اثنان من العقلانيين اعتقادات متناقضة تماماً وأخذ كل منهما موقفاً مختلفاً عن الآخر بالكلية بشأن علاقة الدين بالعقل، ففي حين رأى لوك Locke (1632- 1704) أن المبادئ الإلهية والأخلاقية قابلة لإقامة البرهان العقلي عليها، فإن هيوم Hume (1711-1776) أنكر ذلك، أي قال بأنها غير قابلة للبرهنة.
فيجب عدم الخلط –كما هو الحال في بعض الكتابات- بين العقلانية والتجريبية واختزالهما معاً باعتبارهما يمثلان المذهب الوضعي بالمعنى الذي يقابل الغيبي أو الديني، إذ إن العقلانية تؤمن بأفكار عن الفطرة العقلية والرشد العام والمشترك في حده الأدنى بين الناس وهي أفكار من قواعد وأسس التكليف في المنظور الشرعي وعليها تنبني المسئولية الفردية عن التزام التوحيد، بل هي مناط العبودية والحساب. فالتصنيف أعقد من ثنائية الوضعي في مقابل الديني التي نجدها في معظم الكتابات الإسلامية السائدة والتي قليلاً ما تدرس المناهج الفلسفية أو تدرك تركيبها وتنوعها بالعمق الذي فهمها به السلف من الفقهاء أو الفلاسفة المسلمين.
فقد أكد بعض علماء السلف على موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول مثل ابن تيمية، بينما انحرف بعضهم بالعقل في موقفه من الدين مثل أبي بكر الرازي.
وجدير بالذكر أن مصطلح العقلانية كان يستخدم في الفلسفة الغربية الحديثة لوصف الاتجاه المعارض للكهنوت المسيحي والدين، ولا يزال البعض يستخدم العقلانية –خطأ- لتعني معنى متماثلا مع العلمانية أو مع الإلحاد. لكن من وجهة نظر علمية بحتة لا تعني العقلانية بالضرورة هذه المعاني المعادية للدين، بل تحدث عن التوفيق بين العقل والنقل فقهاء المسلمين قبل ظهور العلمانية الغربية وأطروحاتها العقلانية التي كان هدفها التشكيك في المعرفة الدينية وتهميش دور الكنيسة المعرفي ودعم التفكير العلمي الطبيعي والوضعي إبان عصر النهضة. ويمكن القول إن موقف ابن تيمية في كتابه "درء تناقض العقل والنقل" دليل أن العقل الصريح والعقلانية الصريحة لا تدل في حد ذاتها على موقف معاد للدين، ودليل على موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول في الفقه الإسلامي.
لا ينفي هذا أن بعض العقلانيين كانوا بوضوح ضد الدين، لكن لا شك أيضا أن البعض الآخر يؤمنون بالدين، ويضعون الله تعالى في قلب منظومتهم الفلسفية، ويؤمنون بالوحي ويسعون للتوفيق بين العقل والنقل بطرق مختلفة. بل نجد فلاسفة يذهبون إلى أن النهضة الفكرية والمدنية والحضارة لا تقوم بدون الدين، فجيمس ميل (والد جون ستيوارت ميل) والذي كان من أقطاب التنوير في أسكتلندا، يؤكد على الربط بين العقل والدين من ناحية والدين والمدنية والفضائل المدنية من ناحية أخرى، ونجد جون لوك يؤكد على أن من لا دين له لا أمانة له، ولا يمكن الثقة به اجتماعيًّا، وغيرهم كثير.
وعلى أساس هذا التمييز بين الرؤى المختلفة سوف نتناول رؤى العقلانية موضحين طبيعة الاختلافات بين المدافعين عنها.

سحر الناجي 02-05-2011 05:12 PM




** نشأة وتطور العقلانية
العقلانية تيار له تاريخ طويل، وهي موقف لقطاع كبير من المفكرين، ولها جذورها في الفكر الشرقي القديم، لا سيما في مصر والهند. وقد بدأت كتيار فلسفي في الفلسفة اليونانية، مع سقراط، وأفلاطون. ولقد حاول بعض الفلاسفة المسلمين توظيف العقل للتعبير عن العقائد والأفكار الإسلامية وللدفاع عنها ضد المهاجمين لها، مثل الكندي والفارابي وابن سينا؛ الذين سعوا للتوفيق بين الدين الإسلامي والعقلانية اليونانية. وقد ذهب ابن رشد إلى أن العقل هو الأساس، وإذا ما وجِد بينه وبين الوحي تعارض، فإنه ينبغي تأويل الوحي بما يجعله متفقاً مع العقل.
وفي العصر الوسيط الأوربي كانت العقلانية تتحرك داخل الدين، واتخذت عقائده مسلمات مطلقة، وصار العقل خادما للاهوت المسيحي، سواء لاهوت الأرثوذكسية اليونانية أو لاهوت الكاثوليكية الرومانية. واعتبر العقل أداة للدين، مثلما هو الحال عند أوغسطين (354-430)، وأنسلم (1033-1109)، وتوما الأكويني Aquinas Thomas (1225-1274)؛ حيث كانوا يوظفون الفكر الفلسفي في تبرير العقائد المسيحية، والدفاع عنها ضد الشبهات والانتقادات.
وفي مطلع العصر الحديث، جاء ديكارت الذي يعده الكثيرون أبا للعقلانية الحديثة؛ لأنه -من وجهة نظرهم- انطلق من الفكر العقلاني الخالص كمقدمة أولى استنبط منها الحقائق اليقينية. لكن من وجهة نظرنا أن ديكارت يعود إلى وجهة نظر القديس توما الأكويني Aquinas Thomas (1225-1274) في موقفه من الوحي المسيحي Christian Revelation بوصفه مهيمنا على العقل.
وقد ذهب سبينوزاSpinoza ( (1677-1632 إلى القول بمذهب وحدة الوجود؛ أي أن الله والعالم جوهر واحد. ووصل إلى ذلك بطريقته الاستنباطية العقلية الهندسية المعروفة عبر سلسلة من الاستدلالات. ومن العقلانيين في القرن السابع عشر: جولينكس Geulincx (1624-1669)، ومالبرانش Malebranche (1638-1715)، وغيرهما من صغار الديكاراتيين.
ومن أهم الفلاسفة العقلانيين في القرن السابع عشر الفيلسوف الألماني ليبنتز Leibniz (1646-1716)، الذي ذهب إلى وجود توافق تام بين الحقيقة الدينية والحقيقة العقلية؛ ولا مجال عنده لأي نــوع من التنافر بين كنههما؛ فالحقيقتان منسجمتان، لكن أسلوب التوصل إلى الحقيقة الدينية مغاير لأسلوب التوصل إلى الحقيقة العقلية؛ فالأسلوب الأول هو الوحي الخارق للأساليب الطبيعية، بينما الأسلوب الثاني هو الاكتساب العقلي المؤسس على طرق طبيعية. وهكذا ثمة طريقان أو أسلوبان، لكن الحقيقة واحدة تأخذ تارة اسم الحقيقة الدينية تبعا لمنهج التوصل إليها، وتأخذ تارة أخرى اسم الحقيقة العقلية تبعا لمنهج التوصل إليها. وانطلاقا من هذا التوافق بين الحقيقتين يؤسس ليبنتز الإيمان على العقل، مع أنه في أحيان كثيرة يرفع الإيمان فوق العقل ويعتبر العقل عاجزا عن فهم العقائد الإيمانية.
وإذا انتقلنا إلى القرن الثامن عشر نجد هيوم وهو نموذج من الفلاسفة الذين تناولوا بالنقد مفهوم الدين، لكنه نموذج معاكس لديكارت، وهو عقلاني في مجال الدين، أما موقفه من نظرية المعرفة فمحل خلاف. ونكتفي هنا ببيان أن موقفه من الدين موقف نفي وإنكار لأي شكل من أشكال الدين.
وظهر في القرن نفسه الفيلسوف الألماني كانط الباحث عن منجى للإيمان، وطور مذهباً فلسفيًّا في الإيمان الأخلاقي، وذلك طبعاً على حساب إيمان الوحي. وعندما جاء هيجل وحد بين موضوع الفلسفة وموضوع الدين، حيث قال: إن الموضوع واحد، وهو المطلق أو اللامتناهي، لكن الخلاف بينهما يكمن في شكل التعبير، ففي حين تعبر الفلسفة بشكل فكري مجرد، يعبر الدين بشكل مجازي. ذلك أن الروح يرتدي في الدين شكلا خاصا يمكنه أن يكون ملموسا، ويتخذ التمثيل أو المجاز مقرا له، بينما الروح في الفلسفة تتخذ الفكر مقرا لها وتعبيرا عنها. وبهذا تختلف الفلسفة عن الدين، رغم أن المضمون مشترك وموحد فيهما.
وفي القرن الـ 19 اتخذت العقلانية شكل المثالية المطلقة عند هيجل Hegel (1771-1834م) الفيلسوف الألماني، وهو من أكبر الفلاسفة في التاريخ، ويذهب إلى أن الوجود في حقيقته روح مطلق يتطور في التاريخ تطوراً جدليًّا. فهيجل يرى أن الروح اللانهائية أو الفكرة المطلقة غير المحدودة حقيقة وأساس الوجود، وليس المادة. لذا فإن هيجل ضد الماديين الذين يعتبرون أن المادة أصل الوجود، فالمادة عند هيجل ما هي إلا تجلٍّ من تجليات الروح. ويرى هيجل أن للكون روحاً واحدا يتجلى في عدة مراحل متتالية؛ حيث تنتقل الفكرة إلى نقيضها، ثم يتصارع النقيضان ويتفاعلان، وينشأ عن هذا فكرة جديدة مركبة من الفكرة ونقيضها، وتستمر الحركة حيث تمر الفكرة الجديدة بالمراحل الثلاث السابقة نفسها وهلم جرا. ومن هنا ففلسفة هيجل مذهب في وحدة الوجود. وقد وحد بين موضوع الفلسفة وموضوع الدين، وهو المطلق أو اللامتناهي. لكن الخلاف بينهما يكمن في شكل التعبير، فالفلسفة تعبر بطريقة فكرية مجردة، والدين يعبر بشكل مجازي. وبهذا تختلف الفلسفة عن الدين، رغم أن المضمون مشترك وموحد فيهما.
ونظرا لاختلاف العقلانيين في تصورهم لطبيعة العقل، ومن ثم اختلافهم في النتائج التي توصلوا إليها خصوصا بشأن الدين فإن معالم وأسس العقلانية متنوعة، فمن الضروري أن نضع دائماً في الحسبان الفروق النوعية بين الفلاسفة العقلانيين، ويلاحظ انشغالهم بقضايا منها:
1-أولوية المرجعية العقلية: الفكرة الأساسية المشتركة بين العقلانيين في نظرية المعرفة إنكار أن القوانين الموضوعية تستمد من الطبيعة، وأن استنباط شروط المعرفة اليقينية والمبادئ والبديهيات يكون من العقل وليس من الطبيعة.
2- ارتباط مشكلة السببية بالعقل ارتباطاً جوهريًّا؛ لأن العقل في نهاية التحليل يرتد بنيويا إلى السببية. وقد انعكس هذا التصور للعقل على اللغات الأوربية، حيث نجد أن كلمة Ratio اللاتينية أو ما اشتق منها، مثل كلمة Raison الفرنسية وReason الإنجليزية – تدل تارة على ملكة العقل، وتارة على علاقة السببية. ومن هنا فإن حديثنا عن السببية هو حديث عن العقلانية؛ لأن السببية بشرطيها الضرورية والكلية، تستنبط عند العقلانيين من العقل الإنساني لا من الطبيعة. وهذا الرأي الجوهري هو الثابت البنيوي الذي يميز كل الفلسفات العقلانية عن الفلسفات التجريبية المحضة التي ترى أن الروابط السببية والضرورة والكلية إنما توجد في القوانين الموضوعية للطبيعة الخارجية، مستقلة استقلالا تاما عن العقل الإنساني.
3- الجدل بشأن خوارق الطبيعة أو المعجزات، وعلى سبيل المثال قد أنكر هيوم المعجزة، لأنها أمر خارق للطبيعة. يقول: "لا يوجد دليل كافٍ على إثبات وقوع المعجزة، إلا ذلك الدليل الذي إذا أثبت بهتانه كان في حد ذاته أكثر إعجازا من الحادث الذي يحاول إثباته.. ولا يمكن البتة إقامة الدليل على معجزة بحيث تكون أساسا لنظام من الدين"، في حين قبلها البعض الآخر، وتوقف أمامها فريق ثالث بغير إنكار ولا إثبات.
المرجع السابق

عبده فايز الزبيدي 02-07-2011 11:27 PM

جميل
و ياليت الخصائص تكون فاعلة
حتى أثبت الموضوع.

سحر الناجي 02-08-2011 01:05 AM



أخي عبده ..
أرجو أن تتبع معي الأجزاء القادمة ..
علك تجد ما تبحث عنه ..
تحية كهذا الليل الذي تنيره الأقمار ..
سلام على روحك ..

سحر الناجي 02-08-2011 01:15 AM



** العقل بين الشرع والفلسفة
إذا أردنا مقارنة ومقاربة قضية العقل بين الفلسفة والشريعة فيجب أن نفرق بدقة بين مفهوم العقل في الشرع ومفهومه في نظرية المعرفة في المدارس الفلسفية.
والإسلام لا يرفض العقلانية بكل أنواعها ومستوياتها، إنه فقط يرفض العقلانية الجذرية (أو العقلانية الأصولية إذا جاز التعبير) والتي ترفض أي مصدر للمعرفة غير العقل. لكنه يدعو إلى التعقل المبني على برهنة محكمة كمرحلة من مراحل التفكير من أجل الوصول إلى الحقيقة. ويتجلى هذا بوضوح في دعوة القرآن الكريم للتفكر، ومخاطبته لأهل العقول. والقرآن نفسه قد سلك طريقة البرهنة المباشرة؛ إذ إن القرآن هو الرسالة وهو نفسه البرهان عليها من حيث كونه معجزا لا يمكن الإتيان بمثله، فهو برهان مباشر. كما أن القرآن يستخدم براهين جزئية على قضاياه الجزئية في كل مرة يطرح فيها قضية من هذا النوع، ويدعو المتلقي لفحص هذه البراهين على أسس عقلانية فحصا موضوعيا محايدا… لدرجة جعلت بعض المحللين يقولون بوجود تشابه بين الاستدلالات القرآنية والاستدلالات المنطقية، مثل الغزالي في كتابه "القسطاس المستقيم" الذي بيّن فيه أن أصول القياس العقلي وأشكاله مستخدمة في الاستدلال القرآني. وهناك كذلك من المحللين من يقول بوجود تشابه بين المادة القرآنية بخاصة وبين الفلسفة العقلية في انتهاج طريق البرهان. وعلى سبيل المثال يقول د.محمد عبد الله دراز: "إن أفضل ما يدل على التشابه بين المادة القرآنية بخاصة، وبين الفلسفة - أن نلحظ أن القرآن حين يعرض نظريته عن الحق، وعن الفضيلة لا يكتفي دائما بأن يذكّر بهما العقل، ويثير أمرهما باستمرار أمام التفكر والتأمل، وإنما يتولى هو بنفسه التدليل على ما يقدم، ويتولى تسويغه".
ويطرح القرآن قضايا تستند إلى حجية العقل المنطقي، مثل إثبات أن الله تعالى واحد، ولو كان له شريك لفسدت السماوات والأرض، وهنا يرتب القرآن قضية شرطية. كما دعا القرآن الكريم إلى استخدام البرهان: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ)، فالعقل حجة وسند يعجز منكر القرآن عن استخدامه بشكل محكم ضد قضايا القرآن. وقد أبطل القرآن ادعاء بعض الفلسفات والأديان التي تقول بأن الإيمان ميدان بعيد عن العقل، ولا بد لمن يريد الإيمان أن يعطل عقله أو يتبع ما عليه الآباء والأجداد.
ولقد أكد القرآن حجية العقل، وأشار إلى العقل والتدبر والتفكر بمترادفات مختلفة عشرات المرات، ومن مترادفات العقل: الحِجر، ويسمى العقل حِجْرًا لكونه يمنع صاحبه من ارتكاب ما يقبح وتضر عاقبته. وأيضا من أسماء العقل: النُهية، والجمع نهى.
وعند ابن منظور: النهى: العقل- يكون واحدا وجمعا، والنُّهية: العقل بالضم، سميت بذلك لأنها تنهى عن القبيح. وفلان ذو نهية أي ذو عقل ينتهي به عن القبائح ويدخل في المحاسن.
وقال بعض أهل اللغة: ذو النهية الذي ينتهي إلى رأيه وعقله. ومن مترادفات العقل في مختار الصحاح: القلب، وهو كذلك في الاستخدام القرآني. ومن أسماء العقل الفؤاد. وقد يعبر عن القلب بالفؤاد. ويسمى العقل لبا؛ لأنه الذي يعلم الحق فيتبعه، فلا يكون للرجل لب حتى يستجيب للحق ويتبعه.
وقد أشار السرخسي في "الأصول" إلى أن العقل عبارة عن "الاختيار الذي يبني عليه المرء ما يأتي به وما يذر مما لا ينتهي إلى إدراكه سائر الحواس، فإن الفعل أو الترك لا يعتبر إلا لحكمة وعاقبة حميدة، والعاقبة الحميدة لا تتحقق فيما يأتي به الإنسان من فعل أو ترك له إلا بعد التأمل فيه بعقله، فمتى ظهرت أفعاله على سنن أفعال العقلاء كان ذلك دليلا لنا على أنه عاقل مميز، وأن فعله وقوله ليس يخلو عن حكمة وعاقبة حميدة. وقد قيل إن العقل أصل لكل علم، وكان بعض أهل العلم يسميه أم العلم، وقد أكثر الناس الخلاف فيه قبل الشرع وبعده".
وقد سعى الفلاسفة العقلانيون من المؤمنين للتوفيق بين الدين والعقل، مثل ابن رشد الذي يقول في كتابه "فصل المقال": "وكان الشرع قد ندب إلى اعتبار الموجودات، وحث على ذلك… فأما أن الشرع دعا إلى اعتبار الموجودات بالعقل، وتطلُّب معرفتها به، فذلك بَيّن في غير آية من كتاب الله تبارك وتعالى... وإذا تقرر أن الشرع قد أوجب النظر بالعقل في الموجودات، واعتبارها، وكان الاعتبار ليس شيئا أكثر من: استنباط المجهول من المعلوم، واستخراجه منه.. وإذا كان الشرع قد حث على معرفة الله تعالى وسائر موجوداته بالبرهـان، كان مــن الأفضل، أو الأمر الضروري، لمن أراد أن يعلم الله تبارك وتعالى وسائر الموجودات بالبرهان، أو أن يتقدم أولاً فيعلم أنواع البراهين وشروطها…".
وقد تنبه أهل السنة لمدى مخالفة فهم الفلاسفة اليونان لفهم الإسلام للعقل، ولا سيما ابن تيمية، حيث بيّن فساد آرائهم وفساد منطقهم، وقام بتفنيد هذا المنطق. والملفت للنظر أن المناطقة الغربيين المحدثين ساروا على طريق ابن تيمية نفسه في رفض المنطق الأرسطي. وقد بيّن ابن تيمية أنهم يصيبون في الحساب والطبيعة وكثير من علم الفلك، لكن فلاسفة المسلمين كما وصفهم "خير وأدق، وقلوبهم أعرف، وألسنتهم أنطق، وذلك لما عندهم من نور الإسلام".
ومع هذا الموقف الناقد بشدة للعقلانية اليونانية، فإن ابن تيمية بيّن أن الفلسفة ليست كلها ضلالا؛ فالفلاسفة الذين استناروا بنور النبوات، واستقلوا بالنظر العقلي دون تقليد أعمى للفلسفة اليونانية، أصوب رأيا وأدق قيلا، مثل أبي البركات البغدادي في كتابه "المعتبر في الحكمة"؛ حيث إنه كما وصف ابن تيمية: "أثبت علم الرب بالجزئيات ورد على سلفه ردا جيدا، وكذلك أثبت صفات الرب وأفعاله".
نقد وتقويم
لعل أبرز نقد يمكن تقديمه هو أن العقلانية كتيار في نظرية المعرفة لم تنتبه إلى أهمية التجربة في تكوين المعرفة إلا مع الفيلسوف الألماني كانط. وقد بالغت في البحث عن اليقين خارج التجربة، وأغلب العقلانيين، لا سيما غير المعاصرين، نظروا إلى العقل باعتباره كيانا نهائيا ثابتا ومغلقا. ولا شك أن انغلاق العقل على ذاته يؤدي إلى الوقوع في الأوهام؛ إذ لا بد من مصادر أخرى للمعرفة مثل الواقع، والطبيعة، والوحي، والعلم التجريبي والرياضي، والبصيرة (وفيها كلام كثير في الفكرين الغربي والإسلامي).
والثغرة الأساسية في موقف كثير من العقلانيين هي الاعتقاد في ثبات العقل وواحديته أيضاً. وقد وقع أفلاطون وأرسطو وديكارت وسبينوزا وليبنتز وكانط في هذه الثغرة بإضفائهم الثبات المطلق على صورة العقل ومقولاته ومبادئه. وهذا التصور أثبتت نظرية المعرفة الحديثة قصوره؛ لأن العقل كأي ظاهرة تاريخية قابل للتغير والتطور، وفى كل مرحلة تاريخية جديدة يتجاوز ذاته حيث يعيد بناءها بشكل جديد.
أيضاً من التسرع إصدار حكم واحد على جميع العقلانيين في موقفهم من الدين كأنهم زمرة واحدة؛ فالعقلانية تيار واسع ومتشعب، والمنتمون إليها لم ينتهوا إلى نتائج واحدة بشأن الدين؛ لأن العقلانية تيار ليس بالضرورة ضد الدين، فهي تركيبة متنوعة تضم المؤمن وغير المؤمن؛ لأن العقل بطبيعته نسبي فيما ينتهي إليه من نتائج. وبعض العقلانيين لا يجوّز الإيمان بخوارق الطبيعة مثل هيوم وكنت، لكن بعضهم يقبلها ويسوغها عقلانيا مثل ليبنتز. وكذلك بعضهم يقبل الدين وعقائده لكنه يفهمها في ضوء العقل ويبرهن عليها بأدلة عقلانية. وعلى سبيل المثال اعتقد لوك أن المبادئ الإلهية والأخلاقية قابلة لإقامة البرهان العقلي عليها، أما هيوم فأنكر ذلك، أي رفض أنها قابلة للبرهنة.
وقد أثبت بعض العلماء المسلمين موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول مثل ابن تيمية، بينما انحرف بعضهم بالعقل في موقفه من النبوة مثل أبي بكر الرازي. ولا شك أن كثيرا من العقلانيين يتخذون من الدين موقفا نقديا جزئيا أو شاملا، لكن بعضهم يقبله كله كما جاء في نصوصه الأصلية. ومن ثم ينبغي الحكم عليهم فردا فردا وليس كلهم جملة واحدة. وإجمالا نقول: إن الإسلام يرفض العقلانية المتعصبة للعلمانيين والملحدين وغيرهم من الذين جعلوا العقل معصوما لا يخطئ، والذين أنكروا الوحي والمصادر المعرفية الأخرى. كما يرفض الإسلام موقف الذين يتسرعون برفض العقائد الدينية استنادا إلى عقل نسبي، أو الذين يتسرعون بتأويل العقيدة لتوافق آراء غير يقينية، أو الذين يعتبرون العقل هو الوسيلة الوحيدة لمعرفة الحقيقة المطلقة. وفي الوقت نفسه يرفض موقف الذين لا يستخدمون عقولهم بل ويشبههم القرآن بالأنعام، أي أن العقل هو مناط الاستخلاف وميزة الإنسانية وسمة البشرية وبه يتحقق الاستخلاف.مراجع مقترحة للباحثين
المرجع السابق

سحر الناجي 02-08-2011 01:17 AM

* الفلسفة الاسلامية
مصطلح عام يمكن تعريفه واستخدامه بطرق مختلفة، فيمكن للمصطلح أن يستخدم على انه الفلسفة المستمدة من نصوص الإسلام بحيث يقدم تصور الإسلام ورؤيته حول الكون والخلق والحياة والخالق.
لكن الاستخدام الاخر الأعم يشمل جميع الأعمال والتصورات الفلسفية التي تمت وبحثت في إطار الثقافة العربية الإسلامية والحضارة الإسلامية تحت ظل الإمبراطورية الإسلامية من دون أي ضرورة لأن يكون مرتبطا بحقائق دينية أو نصوص شرعية إسلامية.
في بعض الأحيان تقدم الفلسفة الإسلامية على أنها كل عمل فلسفي قام به فلاسفة مسلمون[1]. نظرا لصعوبة الفصل بين جميع هذه الأعمال ستحاول المقالة ان تقدم رؤية شاملة لكل ما يمت للفلسفة بصلة والتي تمت في ظل الحضارة الإسلامية.
- مفهوم الفلسفة في الإسلام
أقرب كلمة مستخدمة في النصوص الإسلامية الأساسية (القرآن والسنة) لكلمة فلسفة هي كلمة (حكمة)، لهذا نجد الكثير من الفلاسفة المسلمين يستخدمون كلمة (حكمة) كمرادف لكلمة ( فلسفة ) التي دخلت إلى الفكر العربي الإسلامي كتعريب لكلمة Philosophy اليونانية. وإن كانت كلمة فلسفة ضمن سياق الحضارة الإسلامية بقيت ملتصقة بمفاهيم الفلسفة اليونانية الغربية، فإن عندما نحاول ان نتحدث عن فلسفة إسلامية بالمفهوم العام كتصور كوني وبحث في طبيعة الحياة : لا بد أن نشمل معها المدراس الأخرى تحت المسميات الأخرى : وأهمها علم الكلام وأصول الفقه وعلوم اللغة (راجع : تمهيد في تاريخ الفلسفة الإسلامية، مصطفى عبد الرازق ).
و أهم ما يواجه الباحث أن كلا من هذه المدارس قد قام بتعريف الحكمة أو الفلسفة وفق رؤيته الخاصة واهتماماته الخاصة في مراحل لاحقة دخل المتصوفة في نزاعات مع علماء الكلام والفلاسفة لتحديد معنى كلمة الحكمة التي تذكر في الأحاديث النبوية وكثيرا ما استخدم العديد من أعلام الصوفية لقب (حكيم) لكبار شخصياتهم مثل الحكيم الترمذي. بأي حال فإن لقب (فيلسوف/فلاسفة) ظل حصرا على من عمل في الفلسفة ضمن سياق الفلسفة اليونانية ومن هنا كان أهم جدل حول الفلسفة هو كتابي (تهافت الفلاسفة للغزالي وتهافت التهافت لابن رشد.)
- بدايات الفلسفة الإسلامية
إذا اعتبرنا تعريف الفلسفة على أنها محاولة بناء تصور ورؤية شمولية للكون والحياة، فإن بديات هذه الأعمال في الحضارة الإسلامية بدأت كتيار فكري في البدايات المبكرة للدولة الإسلامية بدأ بعلم الكلام ، ووصل الذروة في القرن التاسع عندما أصبح المسلمون على إطلاع بالفلسفة اليونانية القديمة والذي أدى إلى نشوء رعيل من الفلاسفة المسلمين الذين كانوا يختلفون عن علماء الكلام.
علم الكلام كان يستند أساسا على النصوص الشرعية من قرآن وسنة وأساليب منطقية لغوية لبناء أسلوب احتجاجي يواجه به من يحاول الطعن في حقائق الإسلام، في حين أن الفلاسفة المشائين، وهم الفلاسفة المسلمين الذين تبنوا الفلسفة اليونانية، فقد كان مرجعهم الأول هو التصور الأرسطي أو التصور الأفلوطيني الذي كانوا يعتبرونه متوافقا مع نصوص وروح الإسلام. و من خلال محاولتهم لإستخدام المنطق لتحليل ما إعتبروه قوانين كونية ثابتة ناشئة من إرادة الله، قاموا بداية بأول محاولات توفيقية لردم بعض الهوة التي كانت موجودة أساسا في التصور لطبيعة الخالق بين المفهوم الإسلامي لله والمفهوم الفلسفي اليوناني للمبدأ الأول أو العقل الأول.
تطورت الفلسفة الإسلامية من مرحلة دراسة المسائل التي لا تثبت إلا بالنقل والتعبّد إلى مرحلة دراسة المسائل التي ينحصر إثباتها بالأدلة العقلية ولكن النقطة المشتركة عبر هذا الإمتداد التأريخي كان معرفة الله وإثبات الخالق [2]. بلغ هذا التيار الفلسفي منعطفا بالغ الأهمية على يد ابن رشد من خلال تمسكه بمبدأ الفكر الحر وتحكيم العقل على أساس المشاهدة والتجربة [3]. أول من برز من فلاسفة العرب كان الكندي الذي يلقب بالمعلم الأول عند العرب، من ثم كان الفارابي الذي تبنى الكثير من الفكر الأرسطي من العقل الفعال وقدم العالم ومفهوم اللغة الطبيعية. أسس الفارابي مدرسة فكرية كان من أهم اعلامها : الأميري والسجستاني والتوحيدي. كان الغزالي أول من أقام صلحا بين المنطق والعلوم الإسلامية حين بين أن أساسيب المنطق اليوناني يمكن ان تكون محايدة ومفصولة عن التصورات الميتافيزيقية اليونانية. توسع الغزالي في شرح المنطق واستخدمه في علم أصول الفقه، لكنه بالمقابل شن هجوما عنيفا على الرؤى الفلسفية للفلاسفة المسلمين المشائين في كتاب تهافت الفلاسفة، رد عليه لاحقا ابن رشد في كتاب تهافت التهافت.
في إطار هذا المشهد كان هناك دوما اتجاه قوي يرفض الخوض في مسائل البحث في الإلهيات وطبيعة الخالق والمخلوق وتفضل الاكتفاء بما هو وارد في نصوص الكتاب والسنة، هذا التيار الذي يعرف "بأهل الحديث" والذي ينسب له معظم من عمل بالفقه الإسلامي والاجتهاد كان دوما يشكك في جدوى أساليب الحجاج الكلامية والمنطق الفلسفية. و ما زال هناك بعض التيارات الإسلامية التي تؤمن بأنه "لا يوجد فلاسفة للإسلام"، ولا يصح إطلاق هذه العبارة، فالإسلام له علماؤه الذين يتبعون الكتاب والسنة، أما من اشتغل بالفلسفة فهو من المبتدعة الضَُّلال" [4].
في مرحلة متأخرة من الحضارة الإسلامية، ستظهر حركة نقدية للفلسفة أهم أعلامها : ابن تيمية الذي يعتبر في الكثير من الأحيان أنه معارض تام للفلسفة وأحد أعلام مدرسة الحديث الرافضة لكل عمل فلسفي، لكن ردوده على أساليب المنطق اليوناني ومحاولته تبيان علاقته بالتصورات الميتافيزيقية (عكس ما أراد الغزالي توضيحه) وذلك في كتابه (الرد على المنطقيين) اعتبر من قبل بعض الباحثين العرب المعاصرين بمثابة نقد للفلسفة اليونانية أكثر من كونه مجرد رافضا لها، فنقده مبني على دراسة عميقة لأساليب المنطق والفلسفة ومحاولة لبناء فلسفة جديدة مهدت للنقلة من واقعية الكلي إلى اسميته.
كلام الطفل في المنام حق وكلام الميت حق وكلام الطير حق ومبشر بنيل سلطان من راى انه يكلم الملك او الرئيس فأنه ينال مرتبة عالية وشرف كبير..
فلما كلمه قال انك اليوم لدينا امين مكين صدق الله العظيم ومن رأى ملك الموت يجرى وراءه يريد ان يلحق به فهو هالك لا محالة..
ومن راى ان الشمس عن يمينه والقمر عن يساره او امامه وخلفه فهو هالك ايضا وجمع الشمس والقمر يقول الانسان يؤمئذ اين المفر...صدق الله العظيم—
السمك رزق حلال واذا عرف عدده فهو بنون وبنات للرائى والصغير منه رزق يحتاج إلى بعض التعب صفوت عبد القهار الدردير احمد عبد المنعم عاشور -ساقلته ....

تابع ...

سحر الناجي 02-08-2011 01:21 AM




** التناقض مع الفلسفة اليونانية
كان مفهوم الخالق الأعظم لدى الفلاسفة اليونانيين يختلف عن مفهوم الديانات التوحيدية فالخالق الأعظم في منظور أرسطو وأفلاطون لم يكن على إطلاع بكل شيء ولم يظهر نفسه للبشر عبر التاريخ ولم يخلق الكون وسوف لن يحاسبهم عند الزوال وكان أرسطو يعتبر فكرة الدين فكرة لاترتقي إلى مستوى الفلسفة.
- طاليس أو تاليس يعتبره البعض أول الفلاسفة اليونان
يمكن تقسيم الفلسفة اليونانية القديمة بصورة عامة إلى مرحلتين:
مرحلة ماقبل سقراط التي إتسمت برفضها للتحليلات الميثولوجية التقليدية للظواهر الطبيعية وكان نوع التساؤل في حينها ( من أين أتى كل شيء ؟) وهل يمكن وصف الطبيعة بإستعمال قوانين الرياضيات وكان من اشهرهم طاليس الذي يعتبره البعض أول فيلسوف يوناني حاول إيجاد تفسيرات طبيعية للكون والحياة لاعلاقة لها بقوى إلهية خارقة فعلى سبيل المثال قال ان الزلازل ليس من صنيعة إله وإنما بسبب كون الأرض اليابسة محاطة بالمياه وكان أناكسيماندر ايضا من ضمن هذا الرعيل وكان يؤمن بالقياسات والتجربة والتحليل المنطقي للظواهر وكان يعتقد ان بداية كل شيء هي كينونة لامتناهية وغير قابلة للزوال وتتجدد بإستمرار، من الفلاسفة الآخرين في هذا الجيل، بارمنيدس، ديمقراطيس، أناكسيمين ميلتوسي ..
مرحلة سقراط ومابعده والتي تميزت بإستعمال طريقة الجدل والمناقشة في الوصول إلى تعريف وتحليل وصياغة أفكار جديدة وكان هذا الجدل عادة مايتم بين طرفين يطرح كل طرف فيهما نظرته بقبول او رفض فكرة معينة وبالرغم من ان سقراط نفسه لم يكتب شيئا ملموسا إلا ان طريقته أثرت بشكل كبير على كتابات تلميذه أفلاطون ومن بعده أرسطو.من وجهة نظر أفلاطون فإن هناك فرقا جوهريا بين المعرفة والإيمان فالمعرفة هي الحقيقة الخالدة أما الإيمان فهو إحتمالية مؤقتة أما أرسطو فقد قال إنه لمعرفة وجود شيء ما علينا معرفة سبب وجوده ووجود او كينونة فكرة الخالق الأعظم حسب أرسطو هو فكرة التكامل والمعرفة على عكس فكرة المخلوق الباحث عن الكمال ولتوضيح فكرته أورد أرسطو مثال التمثال وقال ان هناك 4 أسباب لوجود تمثال :
اسباب مادية مرده إلى المادة التي صنع منها التمثال.
اسباب غرضية مرده إلى الغرض الرئيسي من صنع التمثال.
اسباب حرفية مرده الشخص الذي قام بصنع التمثال.
اسباب إرضائية مرده الحصول على رضا الشخص الذي سيشتري التمثال
إستفاد أرسطو من نظرية سقراط القائلة إن كل شيء غرضه مفيد لابد ان يكون نتيجة لفكرة تتسم بالذكاء وإستنادا إلى هذه الفكرة إستنتج أرسطو ان الحركة وإن كانت تبدو عملية لا متناهية
فإن مصدرها الثبات وإن هذه الكينونة الثابتة هي التي حولت الثبات إلى حركة وهذه الكينونة الأولية هي إنطباع أرسطو عن فكرة الخالق الأعظم ..
لكن أرسطو لم يتعمق في كيفية وغرض منشأ الكون من الأساس ...

سحر الناجي 02-08-2011 01:26 AM




* الفلسفة اليونانية في الفلسفة الإسلامية المبكرة
في العصر الذهبي للدولة العباسية وتحديدا في عصر المأمون بدأ العصر الذهبي للترجمة ونقل العلوم الإغريقية والهلنستية إلى العربية مما مهد لانتشار الفكر الفلسفي اليوناني بشكل كبير وكانت المدرسة الفلسفية الكثر شيوعا خلال العصر الهلنستي هي المدرسة الإفلاطونية المحدثة Neoplatonism التي كان لها أكبر تأثير في الساحة الإسلامية في ذلك الوقت. تحاول الفلسفة الإفلاطونية المحدثة التي أحدثها أفلوطين اساسا الدمج بين الفكر الأرسطي والأفلاطوني والتوفيق بينهما ضمن إطار معرفي واحد وتصور وحيد لعالم ماتحت القمر وما فوق القمر. الأفلاطونية المحدثة أيضا ترتبط ارتباطا وثيقا بالمفاهيم الغنوصية التي تتوافق مع بعض أفكار الديانات المشرقية القديمة. أهم تجليات هذه الأفلاطونية المحدثة والغنوصية تجلت في أفكار أخوان الصفا في رسائلهم والتي شكلت الإطار الفكري المرجعي للفكر الباطني.
لاحقا بدأت تظهر من جديد عملية فصل للمدرستين الإفلاطونية والأرسطية، حيث ظهر العديد من العجبين بقوة بناء النظام الفكري الأرسطي وقوة منطقه واستنتاجه وكان أهم شارحيه وناشري المدرسة الأرسطية هو ابن رشد، لم تعدم الاسحة الإسلامية أيضا انتقال بعض الأفكار الشكوكية التي عمدت إلى نقد الأفكار الميتافيزيقية الإسلامية وكانت تبدي الكثير من الأفكار التي توصف بالإلحاد حاليا اهمهم : ابن الراوندي ومحمد بن زكريا الرازي.
- الهرمسية والإ _ فلاطونية المحدثة
أول ما وجد في منطقة الشرق الأدنى (سوريا والعراق ومصر) بعد دخول الإسلام من دراسات فلسفية كانت الثقافة الهيلينية التي كانت تسيطر عليها الإفلاطونية المحدثة إضافة إلى الهرمسية التي كانت مختلطة بجماعات الصابئة في حران وعقائد وأفكار المانوية والزرادشتية. تشكل الهرمسية والإفلاطونية المحدثة مجموعة رؤى هرمسية وإطار فلسفي لرؤية كونية غنوصية أو تدعى احيانا يالعرفانية. تنسب الهرمسية كعلوم وفلسفة دينية إلى هرمس المثلث بالحكمةالناطق باسم الإله.غير ان العديد من البحاث الحديثة (أهمها دراسة فيستوجير) تؤكد أن تلك المؤلفات الهرمسية ترجع إلى القرنين الثاني والثالث للميلاد وقد كتبت في مدينة الإسكندرية من طرف أساتذة يونانيين. وبشكل عام تقدم الرؤية الهرمسية تصورا بسيطا عبارة عن إله متعال منزه عن عن كل نقص ولا تدركه الأبصار ولا العقول. بمقابله توجد المادة وهي أصل الفوضى والشر والنجاسة. أما الإنسان فهو مزبج جسم مادي غير طاهر، يسكنه الشر ويلابسه الموت، وجزء شريف أصله من العقل الكلي الهادي هو النفس الشريفة. تتصارع في الإنسان جزءاه الطاهر والنجس وتتصارع فيه الهواء بين رغبة بالالله ورغبة في الشر لذلك جاء الإله هرمس ليقوم بالوساطة بين الإنسان والإله المالله بتوسط العقل الكلي الهادي ليعلم الناس طريق الخلاص والاتحاد بالاله المالله (و هنا يحدث الفناء في مصطلح الصوفية). لكن هذا الطريق صعب لا يتحمله إلا النبياء والأتقياء والحكماء. النفس كائنات إلهية عوقبت بعد ارتكابها إثم لتنزل وتسجن في الأبدان ولا سبيل لخلاصها إلا بالتطهر والتأمل للوصول إلى المعرفة، هذه المعرفة لا تتم عن طريق البحث والاستدلال بل عن طريق ترقي النفس في المراتب الكونية والعقول السماوية.
عدم الفصل بين العالم العلوي والعالم السفلي، وقدرة النفس على التواصل مع العقول السماوية والإله المالله، إلهية النفس البشرية وشوقها للاتحاد والاندماج في الاله او حلول الاله في العالم، وحدة الكون وتبادل التأثير بين مختلف الكائنات (نباتات، حيوانات، إنسان، اجرام سماوية سبعة أو الكواكب )، الدمج بين العلم والدين وعدم الاعتراف بسببية منتظمة في الطبيعة، دراسة العناصر وتحولاتها بشكل ممتزج مع السحر والتنجيم (أصول الخيمياء) : كل هذا يشكل مباديء الهرمسية والعرفانية وتشكل الأفلاكونية المحدثة عن طريق العقول السماوية العشرة ونظرية الفيض التي تنتقل من خلالها المعرفة من العقل الأول إلى الإنسان وبالعكس الإطار الفلسفي لهذه الأفكار.
- فلسفة أرسطو
لم يدخل أرسطو إلى الساحة العربية الإسلامية إلا بعد حملة الترجمة التي قام بها الخليفة المأمون. وتذكر المصادر ان أول كتب تمت ترجمته لأرسطو كان كتاب "السماء والعالم" من قبل يوحنا البطريق عام 200 هـ لكن حنين بن اسحاق اضطر إلى إعادة ترجمتها عام 260 هـ
ويمكن اعتبار بداية دخول أرسطو الحقيق تمت على يد حنين وابنه اسخاق سنة 298 هـ. أما أرسطو المنحول فقد دخل عن طريق كتاب "أتولوجيا" الذي ترجمه ابن ناعمة الحمصي عام 220 هـ.
ويبدو أن ابن المقفع وابنه محمد قد قاما أيضا بترجمة بعض كتب أرسطو مثل كتب الأرغانون وكتاب التحليلات الأولى وكتاب المنطق لفورفوريوس.
ويؤكد بول كراوس أنه لم يتم خلال الفترة الأولى قبل المامون ترجمة أي شيء عدا الأجزاء الثلاثة الأولى من الأرغانون التي تتناول المنطق فقط دون الفلشفة الولى والطبيعة على عادة المسيحيين السريان، لكن حركة الترجمة في عصر المأمون مددت ذلك لتشمل كتب أرسطو غير المنطقية.
ويكفي أن نعرف ان كتاب التحليلات الثانية او البرهان لم يترجم للعربية إلا في القرن الرابع الهجري على يد أبي بشر متى عام 328 هـ ..

سحر الناجي 02-08-2011 01:30 AM




** تاريخ تطور الفلسفة
Bildunterschrift: الفسيفساء أحد رموز الثقافة العربية- الإسلامية من القضايا المتداخلة في الجدل الفلسفي اليوم هو أن البحث في تاريخ الفلسفة بحث فلسفي، ويعد فلسفة أيضا، بينما ينبري فصيل آخر ليعارض هذا الأمر من أن البحث في تاريخ الفلسفة ينتمي لعلم التاريخ وليس للفلسفة، فالتصدي لتاريخ الشعر لا يعُد أدبا أو شعرا مثلا، وربما هذه القضية تأخذ بعدها الفاعل والحقيقي للمتتبع للنقاش الفلسفي في المشهد الثقافي العربي، فيما يخص الفلسفة اليوم.
البروفيسور اولريش رودولف يؤكد في مقدمة الكتاب بأنه يعد مخططا أوليا لتاريخ الفلسفة في العالم الإسلامي، أي اننا نواجه منذ البداية إشكالية البحث الفلسفي أو البحث في تاريخ تطور الفكر الفلسفي في العالم الإسلامي، إلى جانب أن المؤلف يبدأ مع تاريخ الفلسفة الإسلامية منذ بدايات الترجمة الأولى للنصوص الإغريقية القديمة إلى اللغة العربية، وليس التصدى لبدايات الفكر الفلسفي التي كانت بذورها متناثرة قبل الإسلام وزرعها وأظهرها الإسلام ثم أخذ هذا الفكر ملامحه العلمية بعد تطور المجتمعات العربية واتساع رقعة الدولة الإسلامية واحتكاكها مع شعوب وأديان وأفكار أخرى.
الكتاب يؤرخ لبدايات الترجمة منذ القرن الثامن وتطورها في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وانتقالا الى القرن العشرين، من حيث أن النشاط الفكري- الفلسفي في العالم الإسلامي كان قد توقف منذ القرن الثالث عشر، ولم يبدأ بالتحرك إلا في القرن العشرين. لكنه، وبملاحظة لماحة جدا يؤكد بأن هذا التوقف تم في العالم الإسلامي العربي الذي خضع الى الدولة العثمانية، من حيث أن النشاط الفكري والفلسفي في ايران وما خلفها كالهند وباكستان وآسيا الوسطى كان قد استمر، وبالتالي فإننا يمكن ان نتحدث عن الفلسفة الإسلامية بثقة أكبر مما يمكننا أن نتحدث عن الفلسفة العربية الإسلامية التي كانت قد توقفت بالكامل منذ هيمنة الأتراك على مقاليد السلطة في العالم الإسلامي العربي.
غوربين واوبرفيغ ... والفلسفة الأسلامية
عند استعراضه لدراسات الفلسفة الإسلامية وتاريخها من قبل المستشرقين الأوربيين يتوقف المؤلف عند هنري غوربين الذي كان يختلف في نظرته للفلسفة الإسلامية وتاريخها عن جميع من بحث في هذا المجال من العلماء الغربيين، حيث كان هنري غوربين يعتبر الفترة منذ القرن الثاني عشر هي الفترة التي استطاع خلالها الفكر الإسلامي أن يشكل خطابه الفلسفي الخاص به، سواء من خلال المتصوفة أو من خلال تطور الفكر الشيعي، الذي أنشأ لنفسه خطابا روحانيا خاصا به، أكثر مما كان يتجلى في رؤية الدولة الإسلامية وأحكامها آنذاك، رغم أن ذلك لا يعني القطيعة مع الفكر الإغريقي الذي وصل الى العالم الإسلامي عبر الترجمة آنذاك. ( يمكن العودة لكتاب غوربين المهم عن الفلسفة الإسلامية، وحواراته مع الشيرازي في هذا المجال).
ثم يتوقف المؤلف عند فردريك اوبرفيغ الذي ألف كتابا مهما من عدة مجلدات بعنوان (مجمل تاريخ الفلسفة) حيث خص الفلسفة في العالم الإسلامي بثلاثة مجلدات منه، استعرض جميع المراحل والعصور، متوقفا عند الكتاب والمؤلفين المسيحيين واليهود الذين أثروا في الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية بشكل عام.
وبالتالي يعترف المؤلف بتواضع ما يقدمه في كتابه مقارنة بما قدمه من مؤلفات بهذا الصدد، لكنه يؤكد بأن ما يقوم به هو تخطيط أولي يساعد الطلبة الدارسين للفلسفة الإسلامية، كما يمهد لدراسات طويلة وتفصيلية للفلسفة الإسلامية وتاريخها والتي يعتكف المؤلف عليها والتي قد تكون في مجلدات عديدة، رغم أنه يؤكد بأنه يستبعد من كتابه الموجز هذا كل المؤلفين والمفكرين المسيحيين واليهود الذين أسهموا في الفكر الأسلامي والثقافة الإسلامية بشكل عام كما جاء ذكرهم عند أوبرفيغ.
من الكندي وحتى مدرسة أصفهان
Bildunterschrift: Gro?ansicht des Bildes mit der Bildunterschri: الفيلسوف والطبيب ابن سينا
عدا المقدمة يضم الكتاب خمسة عشر فصلا مكثفا هي: استقبال العلوم الأغريقية، أبو يعقوب البيروني والتخطيطات الفلسفية الأولى، أبو بكر الرازي والتخطيطات الفلسفية الثانية، أبو نصر الفارابي والتخطيطات الفلسفية الثالثة، انتشار المعرفة الفلسفية، ابن سينا: النموذج الجديد، الغزالي ورد الفعل الديني،ابن باجة والاستقرار الفلسفي في أسبانيا، ابن طفيل ومحاولة التركيب الفلسفي، ابن رشد والعودة الى أرسطو، السهروردي: الفلسفة كنور إيماني، الشروط والظروف المتغيرة، الفلسفة ما بعد ابن رشد والسهروردي، الملا صدر الدين ومدرسة أصفهان والبداية الجديدة. التحدي من خلال الفكر الأوربي.
يمكن القول إن هذا الكتاب رغم صغر حجمه إلا انه يشكل إضافة منهجية مهمة للبحوث والدراسات حول الإسلام والفلسفة الإسلامية، ليس على الصعيد الأوروبي وانما على الصعيد العربي والإسلامي، وياحبذا لو تتم ترجمة هذا الكتاب الى العربية، لكانت فائدته أكبر، من حيث منهجيته العالية وموضوعيته.
بقلم : برهان شاوي

عبده فايز الزبيدي 02-09-2011 12:00 AM

أختي سحر
يا ليتك قرأت النص بضم ألف -أُثّبِّت -و فتح ثائه و تضعيف بائه
فأنت نحلة لا تقعين إلا على طيب و لا تأتين إلا بالغذاء و الدواء للنفوس.
و شكرا للطفك.

سحر الناجي 02-20-2011 03:18 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبده فايز الزبيدي (المشاركة 59989)
أختي سحر
يا ليتك قرأت النص بضم ألف -أُثّبِّت -و فتح ثائه و تضعيف بائه
فأنت نحلة لا تقعين إلا على طيب و لا تأتين إلا بالغذاء و الدواء للنفوس.
و شكرا للطفك.

أخي فايز ..
لا عليك أخي الرائع .. فالشتات أحيانآ يكون سيد الموقف ..
وأنت لبق تجيد عزف المعاني بأصابعك اللبقة ..
شكرآ كأنفاس حورية جميلة تعتلي رابية البحور ..
سلام على روحك ..

سحر الناجي 02-20-2011 03:21 AM




* تاريخ الفلسفة في العالم الإسلامي
- علم الكلام والمعتزلة :
كان علم الكلام مختصا بموضوع الإيمان العقلي بالله وكان غرضه الإنتقال بالمسلم من التقليد إلى اليقين وإثبات أصول الدين الاسلامي بالأدلة المفيدة لليقين بها.
علم الكلام كان محاولة للتصدي للتحديات التي فرضتها الالتقاء بالديانات القديمة التي كانت موجودة في بلاد الرافدين أساسا (مثل المانوية والزرادشتية والحركات الشعوبية)
وعليه فإن علم الكلام كان منشأه الإيمان على عكس الفلسفة التي لا تبدأ من الإيمان التسليمي، أو من الطبيعة، بل تحلل هذه البدايات نفسها إلى مبادئها الأولى .
هناك مؤشرات على إن بداية علم الكلام كان سببه ظهور فرق عديدة بعد وفاة الرسول محمد ،ومن هذه الفرق :
المعتزلة (القدرية) لإنكارهم القدر.
الجهمية (الجبرية) أتباع جهم بن صفوان كانوا يقولون إن العبد مجبور في أفعاله لا اختيار له.
الخوارج
الاشاعرة و الماتريدية و الصوفية و المرجئة يحرفون الأسماء و الصفات
الإمامية والزيدية والاسماعيليةوالعلوية والروافض بصفة عامة
الاباضية وهي فرقة من الخوارج
كان نشأة علم الكلام في التاريخ الإسلامي نتيجة ما إعتبره المسلمون ضرورة للرد على ما إعتبروه بدعة من قبل بعض "‏الفرق الضالة" وكان الهدف الرئيسي هو إقامة الأدلة وإزالة الشبه ويعتقد البعض إن جذور علم الكلام يرجع إلى الصحابة والتابعين ويورد البعض على سبيل المثال رد ابن عباس وابن عمر وعمر بن عبد العزيز والحسن بن محمد ابن الحنفية على المعتزلة، ورد علي بن أبي طالب على الخوارج ورد إياس بن معاوية المزني على القدرية والتي كانت شبيهة بفرضية الحتمية. كان علم الكلام عبارة عن دراسة "أصول الدين" التي كانت بدورها تتمركز على 4 محاور رئيسية وهي: الالوهية: البحث عن اثبات الذات والصفات الالهية.
النبوة: عصمة الأنبياء وحكم النبوة بين الوجوب عقلاً، وهو مذهب المعتزلة والجواز عقلاً، وهو مذهب الاشاعرة.
الامامة: الآراء المتضاربة حول رئاسة العامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الاشخاص نيابة عن النبي محمد.
المعاد: فكرة يوم القيامة وإمكان حشر الاجسام. ويدرج البعض عناوين فرعية أخرى مثل "العدل" و"الوعد" و"الوعيد" و"القدر" و"المنزلة" ..

سحر الناجي 02-20-2011 03:25 AM




* دور الكندي في الفلسفة
كان يعقوب بن اسحاق الكندي (805 - 873) أول مسلم حاول استعمال المنهج المنطقي في دراسة القرآن، كانت أفكار الكندي متأثرا نوعا ما بفكر المعتزلة ومعارضا لفكر أرسطو من عدة نواحي.
نشأ الكندي في البصرة وإستقر في بغداد وحضي برعاية الخليفة العباسي المأمون، كانت إهتمامات الكندي متنوعة منها الرياضيات والعلم والفلسفة لكن إهتمامه الرئيسي كان الدين بسبب تأثره بالمعتزلة كان طرحه الفكري دينيا وكان مقتنعا بأن حكمة الرسول محمد النابعة من الوحي تطغى على إدراك وتحليل الإنسان الفيلسوف هذا الرأي الذي لم يشاركه فيه الفلاسفة الذين ظهروا بعده. لم يكن إهتمام الكندي منصبا على دين الإسلام فقط بل كان يحاول الوصول إلى الحقيقة عن طريق دراسة الأديان الأخرى وكانت فكرته هو الوصول إلى الحقيقة من جميع المصادر ومن شتى الديانات والحضارات كان الخط الفكري الرئيسي للكندي عبارة عن خط ديني إسلامي ولكنه إختلف عن علماء الكلام بعدم بقاءه في دائرة القرآن والسنة وإنما خطى خطوة إضافية نحو دراسة الفلسفة اليونانية وقام بإستعمال فكرة أرسطو والتي كانت مفادهاان الحركة وإن كانت تبدو عملية لا متناهية فإن مصدرها الثبات وإن هذه الكينونة الثابتة هي التي حولت الثبات إلى حركة فقام الكندي بطرح فكرة مشابهة ألا وهي إن لا بد من وجود كينونة ثابتة وغير متحركة لتبدأ نقطة إنطلاق حركة ما. كان الكندي لحد هذه النقطة موافقا لأرسطو ولكنه ومن هذه النقطة أدار ظهره لفكر أرسطو ولجأ إلى القرآن لتكملة فكرته عن الخلق والنشوء وإقتنع بأن الله هو الثابت وإن كل المتغيرات نشأت بإرادته لكن الفلسفة التقليدية اليونانية كانت لاتعترف بهذه الفكرة على الإطلاق وعليه فإن الكندي حسب تعريف المدرسة الفكرية اليونانية لايمكن وصفه بفيلسوف حقيقي ولكنه كان ذو تأثير على بداية تيار فكري حاول التناغم بين الحقيقة الدينية والميتافيزيقيا

و في عصره (عصر المعتصم) سيحاول الكندي أن ينخرط في معركة "نصرة العقل" ضد أفكار الهرمسية والأفلاطونية المحدثة لذلك سنجده يؤلف "الرد على المنانية والمثنوية" وسيرفض نظرية الهرمسية والأفلاطونية المحدثة عن وجود جملة من العقول السماوية (و هي الطريقة التي تجعل بها الهرمسية وسائط بين العقل الكلي أو العقل العاشر الفعال والإنسان ) وهي أساس نظرية الفيض التي تجعل معرفة الإنسان قابلة للحصول عن طريق الفيض أو الغنوص . يرفض الكندي هذا الاتصال ويميز بين "علم الرسل" الذي يحدث عن طريق الوحي (الوسيلة الوحيدة بين الله والإنسان ) و"علم سائر البشر" الذي لا يحدث إلا عن طريق البحث والاستدلال والاستنتاج. في مجال الوجود وعلى عكس الفلاسفة اللاحقين سيتنى الكندي فكرة "حدوث العالم" مستندا إلى مجموعة من المفاهيم الأرسطية : فجرم العالم متناه والزمان متناه أيضا والحركة متناهية، إذا العالم متناه ومحدث : حسب تعبير الكندي : " الله هو العلة الأولى التي لا علة لها الفاعلة التي لا فاعل لها المتممة التي لا متمم لها، المؤيس الكل عن ليس والمصير بعضه لبعض سببا وعلة ". وواضح هنا أن أثر الثقافة الإسلامية واضح في كلام الكندي الذي لم يصله الكثير بعد من ترجمات كتب أرسطو.
إضافة لذلك يقرر الكندي أن الحقيقية الدينية والحقيقة الفلسفية واحدة فلا تناقض بينهما، غير أن ظاهر النص قد يوحي ببعض الاختلاف إذا لم يعمل العقل في مجال تأويل معقول.
بالمقابل سيؤلف الكندي "رسالة في الفلسفة الأولى" ليهديها إلى الخليفة المعتصم وهي بمجملها تخطئة لموقف الفقهاء والمتكلمين من علوم الأوائل (الفلسفة) والدعوة إلى الاستفادة لما ورد في علوم الأوائل من علوم مفيدة.
الرسالة بمجملها تعتبر دفاعا عن الفلسفة وسط حالة الرفض لكل ما هو أجنبي لكنها لاترقى إلى تأسيس فهم وترسيخ الفكر الأرسطي بشكل واضح ..

سحر الناجي 02-20-2011 03:29 AM




** دور الرازي في الفلسفة
تميز الجيل الذي ظهر بعد الكندي بصفة أكثر حزما وراديكالية، فكان أبو بكر الرازي (864 - 923) الذي وصف بكونه ذو تيار فكري رفض إقحام الدين في شؤون العقل ورفض في نفس الوقت نظرة أرسطو للميتافيزيقيا وكان فكره أقرب إلى الغنوصية أو (العارفية) حيث قال الرازي إن من المستحيل ان يكون منشأ المادة عبارة عن كينونة روحية ورفض الرازي ايضا فكرة والتي كانت مفادهاان الحركة وإن كانت تبدو عملية لا متناهية فإن مصدرها الثبات ورفض في نفس الوقت تحاليل علماء الكلام عن الوحي والنبوة كان الرازي مقتنعا إن التحليل العقلي والمنطقي هي الطريقة الوحيدة للوصول إلى المعرفة وعليه فإن الكثير من المؤرخين لايعتبرون الرازي مسلما بالمعنى التقليدي للمسلم ويرى الكثيرون انه كان الإنعطافة الحقيقية الأولى نحو الفلسفة والفيلسوف كما كان يعرف في الحضارة اليونانية. كان الرازي طبيبا بارعا ومديرا لمستشفى في الري في إيران وكان جريئا في مناقشة التيار الفكري الذي سبقه وكان مؤمنا إن الفيلسوف الحقيقي لايستند على تقاليد دينية بل يجب عليه التفكير بمنآى عن تأثير الدين وكان مقتنعا إن الإعتماد على الدين غير مثمر لإختلاف الأديان المختلفة في وجهات النظر حول الخلق وماهية الحقيقة أكبر نقد تم توجيهه إلى الرازي كان نقدا عميقا جدا بالرغم من بساطته والنقد البسيط العميق كان إذا كانت الفلسفة الطريقة الوحيدة للوصول إلى الحقيقة فماذا عن عامة الناس او الناس البسطاء الغير قادرين على التفكير الفلسفي هل يعني هذا بأنهم تائهون للابد، يأتي أهمية هذا النقد بسبب كون الفلسفة في المجتمع الإسلامي ولحد هذا اليوم مرتبطة بطبقة النخبة وباشخاص إتسموا بذكاء عالي وهذا كان مناقضا لمفهوم الأمة الإسلامية الواحدة والأفكار الروحية المفهومة من قبل الجميع وليس البعض ...


الساعة الآن 05:50 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team