منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   المتنبي - سر بقائه وخلوده؟: أوراق ساخنة ( 10 ) (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=1693)

ايوب صابر 10-04-2010 03:54 PM

المتنبي - سر بقائه وخلوده؟: أوراق ساخنة ( 10 )
 
المتنبي : سر بقائه وخلوده؟

لا شك أن من أُطلق عليه لقب "مالئ الدنيا وشاغل الناس" ما يزال يملأ الدنيا ويشغل الناس، وعبقريته وخلوده وبقاؤه رغم مرور أكثر من ألف عام على مولده وإبداعه، أمور ما تزال غامضة ويحاول النقاد والدارسين تقديم تفسير لها. ولا شك أن استمرار محاولات فهم سر بقاء المتنبي وخلوده ناتج بشكل أساسي عن عجز كل ما قيل عن تقديم التفسير الشافي والكافي والوافي بهذا الخصوص، ويجد الدارس المتعمق أن كل نظرية قيلت بهذا الخصوص ما هي في الواقع إلا مجرد محاولة يسوق صاحبها مبررات ويقتطف من حياة وشعر المتنبي ما يحلو له لدعم طرحه وتصوره، فيقوم على تأويل ما قيل لإثبات طرحه وهو حتما يحتمل تفسيرات كثيرة أخرى ولهذا تعددت التفسيرات والنظريات التي استخدمت نفس المسوغات أحيانا لطرح وجهات نظر مختلفة ومتعددة بخصوص خلود المتنبي وسر بقائه.

سأحاول هنا أن أسوق عدد من هذه النظريات والطروحات التي تحاول تفسير سر بقاء المتنبي، والتي أرى بأنها عجزت عن تقديم الجواب الشافي، ومن ثم أقوم على طرح نظريتي حول سر بقاء المتنبي وخلوده هذه النظرية التي تقوم على فهمي لسر الإبداع لديه، فهي نظرية غير تقليدية، وتتبنى منهجية جديدة تعتمد على نظريتي في تفسير الطاقة الإبداعية، وتعالج سر بقاء المتنبي من جانب جديد ومختلف، فسر خلود المتنبي وبقائه يكمن في سر إبداعه تحديدا وقدراته العقلية الخارقة.

لاشك أن المتنبي أدهش الناس جميعا في قدراته على القول ونظم الشعر وأذهل العقول كما يقول العكبري بسبب قدرته على الإتيان بنوادر لم تأت بشعر غيره، حيث يقول العكبري انه لو لم يكن في ديوان المتنبي إلا هذا البيت لكفاه:

أتتهن المصيبة غافلات ..................فدمع الحزن في دمع الدلال

ومن الذين أذهلهم المتنبي الشعراء أنفسهم، حتى الذين عاصروه، فنجد أن أبو العلاء المعري مثلا يصف ديوان المتنبي بـ" معجز احمد" وهو تعبير صارخ عن قدرات المتنبي الإبداعية الفذة والعبقرية التي تصل إلى حد الإعجاز، ونجد أن أبو العلاء المعري عندما كان يريد أن يستشهد بأحد أبياته فأنه يقول " قال الشاعر " دون أن يذكر اسمه أو لقبه وكأنه لا يرى شاعرا سواه.

وأظن أن عدد الذين حاولوا تقديم شرح وتفسير لديوان المتنبي منذ أبدعه عقله إلى اليوم هو عدد غير مسبوق في تاريخ الأدب ككل حتى العالمي منه وهو مؤشر حتمي على عمق وإعجاز وقدرات فذة أبدعها عقل المتنبي... فما يا ترى سر هذه القدرة الإبداعية الفذة التي خلدت المتنبي ليظل شاغل الناس عبر الأزمان ويبقى شاعرا عظيما بالغ التأثير حتى يومنا هذا؟ وربما يستمر الى مستقبل غير منظور!


سنركز هنا على احدث النظريات التي حاولت الإجابة على سر بقاء وخلود المتنبي والتي عالجت الموضوع من خلال استخدام المنهاج البنيوي والموضوعي و تلك التي عالجت الأمر من الجانب النفسي تحديدا نظرا لان هذا المنهاج هو الوحيد القادر على سبر أعماق النفس البشرية ويقدم تصور حول القدرات الإبداعية.

فمثلا يقول محمد كمال حلمي بك في مقال له عام 1986 أن سبب خلود المتنبي يكمن في "انه شارك الناس آمالهم وآلامهم وصور علل أخلاقهم وأمراض قلوبهم ووصف لهم علاج لكل ذلك وكأنما اخذ على نفسه أن يترجم ما في نفوسهم في كل ظروف الحياة". أما المستشرق بلاشير فقد قال في مقال له عام 1985 أن سبب خلود المتنبي "كونه ممثل للعبقرية العربية المتعصبة في وجه العبقرية الأعجمية". أما شراره فيقول في مقال له عام 1990 "أن شعر المتنبي فرض نفسه على محبيه وأعدائه لما يحمل في قراراته من صحة الفكر وقواعد السلوك المنشود في حياة الافراد والمجتمع". أما منير البعلبكي فيقول في قاموسه المورد عام 1990 "إن المتنبي أصبح أشهر شعراء العرب لأنه فهم أسرار النفس البشرية وصاغ تجاربه حِكَمًا جرت مجرى الأمثال". أما احمد عباس صالح في مقاله له عام 1994 فيقول "نحن إلى اليوم نعجب بشعر المتنبي ونحفظه ونتأمل بعض أبياته بدهشة لأنها تجسد أمامنا تجربة فكرية أو انفعالية على أعلى مستوى من حيث الصياغة والتجربة فهو حينما يقول:

كفى بك داء أن ترى الموت شافيا.... وحسب المنايا أن يكن امانيا

فهو ينقل المتلقي فجأة إلى تجربة مخيفة قد يكون مر بها، ويجعله يتوقف عند هذه الصياغة العجيبة وعند ثراء الشاعر بالتجارب العميقة ويتأملها في دهشة ويرددها بإعجاب ورضا، والسر في رأي احمد صالح كَمُنَ في الصدق والمشاركة والإنسانية في الشعور". أما عبد السلام نور فيقول "إن ما اكسب شعر المتنبي قيمة تاريخية وجمالية توالت عبر العصور هو أن شعر المتنبي تضمن إحساسا قويا بالزمن فقد استبطن المتنبي عصرا بكامله بكل تناقضاته وعبر عن إحساسه الدقيق بالزمن واتجاهاته مما جعله خالدا". أما المستشرق الاسباني غومث فيرى انه الشاعر الابقى حياة حتى في أحاسيس الشعب العربي لأنه "من أعظم الشعراء عبقرية فهو محلق في السماء ملتهب الكبرياء نبوي النظرة أحيانا مما يبرر إطلاق اسم المتنبي عليه فلقد تنبأ أبو الطيب بالامتداد الجغرافي غير المحدد شرقا وغربا لشهرته" وذلك حين قال:

وتعذلني فيك القوافي وهمتي..كأني بـــمدح قل مدحــــــــك مذنب

ولكنه طال الطريق ولم ازل ...افتش عن هذا الــــكلام وينــــــهب

فشرق حتى ليس للشرق مشرق...وغرب حتى ليس للغرب مغرب

إذا قلته لم يمتنع من وصوله...جدار معلى او خباء مــــــــــــــطنب.


أما علي كامل والذي نشر مقال له بعنوان "المتنبي والنفس" في مجلة آفاق عدد 4 عام 1977 فيرى "إن سر خلود المتنبي يكمن في شخصية المتنبي التي كانت تعاني من عدم توازن واستقرار وهي تجمع بين الأضداد فهو انبساطي وانطوائي في نفس الوقت"، ويبين علي كامل أن هذا التناقض في نفسية الشاعر مكن من التعبير عن عبقريته وحركته الروحية بحيوية وفاعليه شعرية جعلته خالدا.

أما يوسف اليوسف وهو ناقد آخر حاول تقديم تفسير نفسي لسر بقاء المتنبي وخلوده في مقالة له في مجلة المعرفة السورية عدد 119- 200 عام 1978 فقد حاول الإجابة على سؤال الصمود والاستمرارية من خلال استخدامه للتحليل النفسي حيث حاول اليوسف الوقوف على العوامل التي جعلت شعر المتنبي يستمر عبر التاريخ ولم يلحقه البلى، بمعنى انه حاول تحديد العوامل النفسية التي أكسبت شعر المتنبي البقاء والخلود وسلكته في عقد الشعراء الخالدين من خلال تشريح هوية المتنبي ومساءلة الذات الشاعرة والكشف عن آليات اشتغالها حيث يقول اليوسف "إن اهتمام الناس بشعر المتنبي قديما وحديثا ليس محض صدفة وإنما يعود لوجود عناصر نفسانية وفنية في شعره تشد إليه هذا العدد الهائل من القراء". ويرى اليوسف أن من بين هذه العناصر القيم التي يجسدها شعر المتنبي والتي تشكل بالنسبة للعربي مثلا أعلى، وتحديدا اتخاذ أبو الطيب المتنبي لمقولة القوة أو الرجولة أطروحة أساسية يتمحور حولها معظم إنتاجه الشعري إضافة إلى تنوع شعره ووفرة اللون الوجداني فيه. كما يرى اليوسف أن المتنبي ظل خالدا "لأنه ذلك المبدع الفذ الذي استطاع أن يعكس رؤية العالم لعصر بأكمله". ويشير اليوسف أن المتنبي "كان يعاني من نرجسية وهي بمثابة آلية تعويضية عن فقدان حنان الامومة جعلته يحس بتفوقه وسط محيط كان يشعر فيه بنقص اجتماعي، ومن ثم أصبحت نرجسيته تعويضا عن هذا النقص وتعويضا عن الإحساس بالاضطهاد" ، إلا أن هذه النرجسية ليست سلبية كما يرى اليوسف خصوصا وان مفهوم الرجولة يتصدر قائمة القيم الاجتماعية والعربية والاعتزاز بالأنا هو موضوعة يتواتر بشكل كبير في الشعر العربي". ففي رأي اليوسف لقد جسد المتنبي نرجس الأسطوري في ارض الواقع العربي وقد أفضى هذا التجسيد بالأنا إلى حد التضخم وهذا تحديدا احد جوانب ارتباط العرب بشاعرهم المفضل حسب اليوسف. كما يشير اليوسف أن المتنبي "كان يعاني من سادية مجاورة للنرجسية أيضا حيث أن هاتين النزعتين تتعايشان في كيان واحد وذلك نتيجة التعامل المزدوج تجاه الإحباط الذي مس الشاعر فهو مرة يتعالى عليه ومرة يحس بالعبث واللاجدوى. وقد تولد في شخصية المتنبي وكنتيجة لهاتين النزعتين حب الحياة كنتيجة للنزعة النرجسية وحب الموت والفناء وتدمير الذات وهي نزعة سادية ومن ابرز ما يشير إلى هذه النزعة السادية في شعر المتنبي كما يشير اليوسف قوله:

كفى بك دائنا أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن امانيا.

ويرجع اليوسف استمساك المتنبي بذاته إلى الإحساس القوي باليتم والى وهن العلاقة بينه وبين الآخرين ويعتبر نرجسيته تعويضا عن هذا الوضع المربك فحين تتناقص كمية العطف من الآخرين يعمد الفرد إلى تعويض يتلخص في أن يقوم بإغداق الحنان على نفسه.

ويرى اليوسف أن المكون الفني هو نتاج المكون النفسي، وعليه يرى اليوسف أن تلك النزعات النفسية لدى المتنبي من نرجسية وسادية هي التي شكلت الطاقة الدافعة وهي التي أغنت المكون الفني وصبغت شعر المتنبي بعدة ظواهر مميزة مما جعله خالدا باقيا ومميزا، ومن هذه الظواهر: تواتر المبالغة وتضخيم الصورة، ومنها نزوع المتنبي نحو القوة فهي الطابع الملحمي خصوصا في وصف الحرب والقتال وهذا نابع من تفرده في وصف الأشياء المتحركة مما يضفي على شعره الحيوية والنشاط وهذه النوعية الملحمية تستأثر باهتمام القارئ لأنها تشبع فيه جنوحا نحو القوة من اجل إثبات الذات. أما الظاهرة الثالثة فهي ظاهرة التقابل وهذا التقابل هو نتيجة لازدواجية حادة في شخصية المتنبي تمثلت في التقابل بين التسامي الحيوي والتشاؤم ألعدمي مما عمق حس التضاد في وعيه الفني، وبما أن كل تضاد يعكسه الفن يغذي العقل ويشده إليه نظرا لان العقل لا يمكن لشيء أن يجتذبه أكثر من التضاد نجد أن إنتاج التضاد والتقابل عمقت لدى المتنبي حس الأزمة والتوتر وجعلته يقيم مبالغات أدبية على مبدأ المفارقة حيث تواتر في شعره الطباق كعامل شعوري للتضاد ليؤدي وظيفة اجتذاب المتلقي مع تحقيق عنصر التنوع التعبيري، وقد عمق وعي التضاد حس الحركة في شعر المتنبي ويعتبر عنصر الحركة في شعر المتنبي علامة مايزة ولفتت انتباه القدامى والمحدثين حيث يؤكد اليوسف على دور الألفاظ الدالة على الحركة في التأثير على المتلقي وهو ما يسميه اليوسف المستوى الباطني في التأثير الشعري. ومن الأمور الفنية الأخرى التي تميز شعر المتنبي، تقديم المفعول به على الفاعل، والفصل بين الفعل والفاعل بشبه جمله غالبا ما تكون جار ومجرور، وأرجاء الخبر إلى مواقع بعيدة، والفصل بين الجار والمجرور وبين ما يتعلق بهما بفاصل لفظي قد يطول وقد يقصر.


وقد توصل اليوسف أيضا إلى أن المتنبي هو المعادل الموضوعي لعصره وهو مرآه عكست الشرخ الحضاري لعصره ، وان استمرارية المتنبي وصموده جاءا نتيجة لتجذر المتنبي في عصره أو تجذر العصر فيه، وانه استطاع أن يعكس العصر بكل تناقضاته فشعره يتضمن رؤى سياسية عميقة ، كما انه تمكن من التعبير عن القلق الوجودي والصراع الداخلي لدى الإنسان بين الوجود والعدم، وهي من الأسباب التي حمت شعر المتنبي من الاندثار والنسيان وجعلته يظل قادرا على استنفار أجهزة التلقي عند القراء المفترضين. ويرى اليوسف أيضا أن من أسباب خلود شعر المتنبي هو تعامله مع القضايا الأكثر ارتباطا بالقيم الإنسانية والأكثر تأثيرا في النفس وهو أمر متأصل في النفس العربية خاصة فيما يتعلق بالأنفة والرجولة وتمجيد الأنا. بمعنى أن المتنبي كما يرى اليوسف استطاع أن يضع يده على جوهر الكينونة العربية مجسدا بذلك قيمها الكبرى وبذلك ظهرت قوته لأنه يستثير في داخلنا حاجة ويشبعها ويعزز في أعماقنا تلك القيمة الأساسية وهي قيمة القوة، فقد جسد المتنبي المطلق بتجاوزه للظرفي والمرحلي فشعره لم يكن فقط إنتاجا لزمنيته الصغرى في لحظاته القوية وبذلك أصبح شعره نصا جامعا يشتمل على تجارب الشعر العربي السابقة ويمثل شحنة وجدانية وأملا متجددا خصوصا أن الأمة العربية الحديثة منيت بهزائم ونكسات وإخفاقات سياسية كبرى وهي أوضاع مأزومة تستدعي صوت المتنبي بما يمثله من قوة وعنفوان ورجولة.

في الواقع نجد أن كل هذه النظريات والتفسيرات رغم عمقها وتنوعها ورغم كل ما حشدته من مبررات وأدلة وتأويل لدعم ما تطرحه ظلت قاصرة عن تقديم فهم لسر خلود المتنبي وبقائه، وهي في الواقع ليست سوى وصف لعبقرية المتنبي المذهلة من عدة جوانب، حيث ظلت هذه العبقرية سر محكم حتى هذا الحين... فما الذي جعل المتنبي إذا كما وصفه الكثيرون داهية، مر اللسان شجاع؟ ومن أين جاءه ذلك السمو، والرفعة، والغرور، والطموح، والزهو، والكبرياء، والشموخ والخيلاء؟ ما الذي ابرز شخصيته بتلك الطريقة القوية ودفعه ليقول من الشعر ما يشير إلى ادعائه النبوة؟ مثل :

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي... وأسمعت كلماتي من به صمم
وقوله:

أمط عنك تشبيهي بما وكأنه.....فما احد فوقي ولا احــــد مثلي

وقوله :

إن أكن معجبا فعجب عجيب.....لم يـجد فوق نفسه من مزيد

وقوله:

أنا في امة تداركها الله................ غريب كصالح في ثمود

وقوله :

ما مقامي بأرض نخلة إلا..............كمقام المسيح بين اليهود


ثم من أين جاء المتنبي بكل هذه القدرة على التعبير اللغوي المهول والمميز الذي جعله سيد الشعراء بل "آخر الشعراء" كما يقول البرقوقي في مقدمة كتابه "شرح ديوان المتنبي"؟ ما الذي جعله رب المعاني الدقاق كما يقول هو؟

ودع كل صوت غير صوتي فإنني .....أنا الصائح المحكي والآخر الصدى

وقوله :

وما الدهر إلا من رواة قصائدي....إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا

وقوله :

أمط عنك تشبيهي بما وكأنه ...فما احد فوقي ولا احد بعدي

وقوله :

أنا السابق الهادي إلى ما أقوله ..إذا القول قبل القائلين مقول


وما سر أن يطلق عليه احدهم عندما رثاه بالنبي حيث قال أبو القاسم مظفر بن علي الطبسي:

هو في شعره نبي ولكن....ظهرت معجزاته في المعاني


وما الذي جعل شعر المتنبي ليس كمثل الأشعار رغم انه يستخدم نفس المفردات وربما أيسر المفردات؟ وما سر اختلاف طريقته في التوليد؟ وما الذي جعل شعره مميزا وأعظم بلاغة حتى حينما يقول ما سبقه إليه الآخرون أو حينما تتوارد الأفكار أو تتطابق مع الآخرين؟ ما سر مهارة المتنبي ونبوغه وهذه القوة المهولة التي ينهل منها أشعاره وصفاته الشخصية الاستثنائية؟

واضح أن المتنبي نابغة يمتلك ذهن استثنائي وهذا الذهن يتلقى قدرته الخارقة من قوة لم يمط احد حتى الآن عنها اللثام ...أحيانا يطلق عليها البعض وحي الشعر وآخرون يطلقون عليها شيطان الشعر وغيرهم يسمونها بالبصيرة...والبعض الآخر يظن أنها من الجن والجنون .

أن سر عبقرية المتنبي ونبوغه وبالتالي خلوده وبقائه يكمن في يتمه المكثف، ومأساوية طفولته ثم تكرار الفجائع في حياته، فهو وكما يقول طه حسين يتيم الأم ويتيم الأب تربى في البادية في سنوات طفولته الباكرة، فهو غير معروف النسب حتى أن طه حسين يعتقد أنه عاش حياة شاذة ، ثم نجده قد أصبح يتيم الوطن في حداثة سنه، ثم فجع بموت جدته التي كانت له بمقام الأم وعملت على تربيته دون أن يراها، ثم أصابته محنة السجن، ويبدو أن قدرته المهولة وتميزه وعنفوانه وتفاخره أثار الناس من حوله فحسدوه وحاربوه وناصبوه العداء فكان يتيما اجتماعيا أيضا.

ولقد أكدت دراستي حول "العلاقة بين اليتم والشخصيات الخالدة " والمنشورة هنا، إلى أن معظم الخالدون المائة أفراد العينة الواردة أسمائهم في كتاب مايكل هارت وترجمة أنيس منصور هم أيتام وبنسبة 53% يتمهم مؤكد، وهي نسبة تتجاوز عامل الصدفة وإذا ما اعتبرنا أن المجهول طفولته من بين أفراد نفس العينة يتيم أيضا فتكون النسبة 98% ، ويبدو واضحا أن اليتم وهو العامل المشترك الأعظم عند أفراد العينة هذه، هو دون شك السبب لخلودهم وهو حتما السبب وراء خلود كل عبقري فذ عبر التاريخ والمتنبي ليس استثناءً.

هذا اليتم الشخصي واليتم الاجتماعي والفجائع والمحن المتكررة وعلى رأسها الموت هو الذي فجر لدى المتنبي طاقات عقله الخارقة وجعلت عقله يعمل بوتيرة عالية جدا واستثنائية، وقد أكدت دراستي المذكورة أن العلاقة بين الفجائع والمحن التي يمر بها اليتيم تتناسب طرديا مع مستوى الطاقة المتولدة في الدماغ وبالتالي كلما كانت الفجائع أعظم ومآسي الحياة أعمق وأكثف ومتكررة كلما كانت نسبة الطاقة المتدفقة في الدماغ أقوى وبالتالي تكون العبقرية أعظم، وهذه العبقرية هي المسؤولة عن البقاء والخلود عند كل شخصية خالدة عبر التاريخ والمتنبي ليس استثناء أيضا.

هذه الطاقة هي التي تعطي الشخص صفاته الشخصية وهي التي تَصبِغ قدراته الفنية والإبداعية بصفتها المحرك الذي ينهل منه العقل، وكلما زاد دفق الطاقة هذه في الدماغ كلما انعكس ذلك على كافة صفات الفرد المبدع وقدراته الإبداعية، فكل تصرفات وسمات وصفات وإبداعات الفرد هي عبارة عن مظهر من مظاهر تلك الطاقة المتفجرة في الدماغ..ولا شك أن التدقيق في مسلسل حياة المتنبي يظهر انه كان عبارة عن مأساة متصلة متواصلة أدت إلى تفجر طاقات مهولة في عقل المتنبي تجلت لاحقا على عدة أشكال فنية وسمات شخصية مميزه.

إن سر خلود المتنبي يكمن في طاقة عقله ألخارقه والتي فجرتها ظروف حياته المأساوية والشاذة، حسب رأي طه حسين، فلا وحي للشعر عنده ولا شيطان ولا جني اسمه عبقر مسئول عن عبقرية المتنبي وبالتالي خلوده، وإنما المسئول الأول والأخير والوحيد هو هذه الطاقة الخارقة التي تفجرها المآسي والفجائع في الذهن، ولو أن ما أصاب المتنبي بكل تفاصيله أصاب شخص آخر، وعلى افتراض أن ذلك ممكنا، لحصلنا على نسخة أخرى من المتنبي.

وكما تشير نظريتي في تفسير الطاقة الإبداعية فأن يتم المتنبي ومجموع مآسي حياته قد تسبب في دفق هائل من الطاقة في دماغه وبغض النظر عن الطبيعة والكيفية التي يحدث فيها ذلك بمعنى، هل يتسبب الفقدان بزيادة في الطاقة كنتيجة لزيادة في إفرازات هرمونيه معينة تم التعرف عليها طبيا مثل هرمون الأدرنالين؟ أم أن هناك إفرازات هرمونه أخرى ما يزال الطب يجهلها وهي التي تفرز كنتيجة لتجربة الفقدان وتكون هي المسبب بتولد تلك الطاقة؟ أم أن الطاقة الزائدة تكون كنتيجة لزيادة في كهرباء الدماغ أو أنها طاقة كهرومغناطيسية؟ فأن عبقرية المتنبي وقدراته الفذة وكافة السمات الإبداعية والشخصية لديه على اختلاف أشكالها ما هي في الواقع إلا ترجمة وتجلي لهذه الطاقة الذهنية المهولة التي تتفلت وتتولد في أوقات لاحقة إلى مخرجات متعددة الأشكال والتركيز، ويمكن أن تكون إبداعية creative وهي بارزة عند المتنبي في قدرة على نظم الشعر أو مدمرة destructive خارجية أو ذاتية وهي موجودة عند المتنبي أيضا وتظهر في حبه وتمجيده للقتال والقتل حتى أن بيت شعر قتله في نهاية المطاف كما تقول الرواية.

فالطاقة التي تتدفق في الدماغ كنتيجة للفجيعة الناتجة عن اليتم أو حالة الفقد الوالدي تمثل أعلى حالات الدفق من الطاقة والتي تؤدي إلى أن يعمل الدماغ بأعلى وتيرة ممكنه وتترجم هذه الطاقة إلى أبداع استثنائي متميز وفي أعلى حالاته إذا ما ترجمت هذه الطاقة بصورة ايجابية خلاقة، أو ربما التدمير في أعلى حالاته (الخارجي تدمير الآخرين، والداخلي تدمير الذات ) إذا ما ترجمت هذه الطاقة بصورة سلبية.

إن هذه الطاقة هي المسئولة تحديدا عن عبقرية المتنبي وهي السر وراء هذه العبقرية، وهي التي جعلته يظل شاغل الناس ومالئ الدنيا وجعلت شعره اعجازيا في معانيه، وهي حتما التي جعلت من لغته وتراكيب أشعاره وعمق موضوعاتها أمرا نادرا وخالدا، فهذه الرموز اللغوية تعكس وتحمل في ثناياها طاقة خارقة هي طاقة ذهن المتنبي الخارقة والمتفجرة، ولذلك يظل لها وقع على المتلقي المفترض عبر الزمن تسبب له الذهول والإدهاش لأنها تعمل بتردد عالي غير مألوف عند المتلقي وهذه السمة هي التي تجعل العبقري كرزميا قادرا مميزا، يبدو وكأنه من زمن آخر ومستوى آخر ويكون لقوله ولغته اثر يشبه السحر ويتطلب فك رموزها قدرة عقلية تعمل بمستوى طاقة عالي أيضا لا تتوفر عند الكثيرين، وأحيانا كثيرة يتم اكتشاف هذه العبقرية وفهم مظاهرها الإعجازية بعد مرور زمن طويل حيث يكون للتراكم الثقافي والتقدم العلمي دور في فكفكة أسرارها.

وهذه الطاقة الخارقة التي فجرها يتم المتنبي هي المسئولة عن تضخيم الأنا لديه فمن الطبيعي أن يحس المتنبي وقد امتلك مثل تلك الطاقة الاستثنائية أن لا احد فوقه ولا احد أحسن منه وانه بمقام الأنبياء. وهذه الطاقة هي المسئولة عن قدرة المتنبي على الإتيان بنوادر لم تأت بشعر غيره، وان يمتلئ شعره بالحكم والأمثال وحتى استقراء المستقبل والتنبؤ به، وكأن زيادة نسبة الطاقة في الدماغ تفجر منابع ومستويات أعمق من المعرفة وتحسن القدرة على الوصف والربط بين الكلمات والمعاني والصور البلاغية، وكل ما إلى ذلك من صفات ومميزات فنية مؤثره، فيكون الكلام ليس كباقي الكلام، فيظن المتنبي، وقد حصل ذلك حتما حينما وجد بأن طريقته في القول والتي كأنها فرضت عليه فرضا، أنه شخص ملهم، فذ، خارق، ضخم ، أفضل وأحسن وفوق كل من يعاصره... فينساق لادعاء النبوة ...فحتى هو نفسه تدهشه هذه القدرة غير المفهومة التي تسيطر علي كيانه، ونجد عندها من ينعته بآخر الشعراء وأمير الشعراء وما إلى ذلك من نعوت وصفات تصل إلى حد الانبهار والشغف والتقديس .

إن هذه الطاقة المتدفقة في ذهن المتنبي هي التي جعلته قادرا على أن يشارك الناس آمالهم وآلامهم وان يتمكن من تصوير علل أخلاقهم وأمراض قلوبهم وان يصف العلاج لها وحينما يتبنى مقولة العزة والكرامة والقوة يتمكن من عرضها بقوة ذهنه وطاقاته المتفجرة بصورة لم يسبق لأحد أن عرضها فتظل تحمل في ثناياها الإدهاش.

والأيتام والمتنبي احد روادهم اقدر على تقديم صياغة عجيبة وثرية يملؤها الصدق والمشاركة الإنسانية في الشعور وذلك بمقاييس عقل الإنسان العادي وحتى عقل الإنسان الذي يعمل عقله بوتيرة اقل فالمعاناة من اليتم عنده في أعلى حالاتها ولذلك يظل المتنبي في القمة لازمان طويلة قادمة.


واليتم وتلك الطاقة المتفجرة في ثنايا الدماغ كنتيجة له هي المسئولة عن عدم الاستقرار في الشخصية بشكل عام ، فالحيوية والفعالية في الشعر انعكاس لمستوى عالي من الطاقة إذا ظلت ضمن حدود السيطرة، والنرجسية والساديه والتي يعتبرها اليوسف المحرك للطاقة الإبداعية عند المتنبي ما هي إلى مظهرًا من مظاهر الشخصية، عند شخص يمتلك طاقة ذهنية هائلة تخرج أحيانا عن السيطرة فالسادية والنرجسية حالات مرضية وليستا حالات إبداعية ، فنجد النرجسي والسادي يحب ويحيا بعمق ويكره ويموت بعنف بفعل الطاقة التي يمتلكها...والصحيح أن السر عند المتنبي في حبه المتطرف لنفسه وعشقه للموت يكمن في تلك الطاقة المتفجرة في ثنايا الدماغ فهي ليست بالضرورة حالة مرضية فقد امتلك المتنبي وسائل تفريغ لتلك الطاقة جعلته يحقق التوازن في الغالب من خلال قدرته الفذة على القول. أيضا نجد أن القلق والصراع الوجودي يتضخم لدى مالك تلك الطاقة الذهنية الاستثنائية والمتنبي ليس استثناءً.

وان كان موت الأم وتوقيته يصنع الشعراء المرهفين الذين يتميزون بقدرتهم على القول فأن موت الأب وتوقيته هو الذي يصنع القادة العظام، كما أشارت دراستي حول اليتم والشخصيات الخالدة، فالمتنبي شاعر فذ وقائد امتلك كل الصفات القيادية وظل يطمح ويسعى طوال حياته في أن يتولى ولاية فعلية ولم يرضى أن يكون أميرا للشعراء بل إمبراطورا للشعر، فطاقاته المتفجرة في دماغه كانت أعظم من أن يتم ترويضها بولاية الشعر فقط فجاء سعيه من اجل الولاية الفعلية كمظهر آخر من مظاهر تجسيد تلك الطاقة المتدفقة في ذهنه، وما عشقه للقتال والفروسية وتخليده لمقولة القوة إلا انعكاس لسمات الشخصية القيادية التي تملكته.

خلاصة القول إن سمة الخلود والبقاء هي في الواقع احد مقاييس العبقرية وهي مؤشر على مدى ما يتمتع به المبدع من طاقة تفجرت في دماغه كنتيجة لمآسي طفولته وعلى رأسها اليتم إضافة إلى محنه المتكررة والتي استمرت عبر زمانه ليظل نبع الطاقة يتجدد في ذهنه ويتكثف، وبالتالي فأن العبقرية هي مقياس لكثافة تلك الطاقة أيضا التي قد تدفع الدماغ الخارق في قدرته كما يقول د. احمد توفيق في كتابه " أيقظ قوة عقلك الخارقة" ليعمل بصورة خارقه مهولة وخارج النواميس والأطر المعروفة وكأنها قدرات سحريه تحاكي قدرات العقل الكوني، وهي بالتالي مقياس للمآسي التي تصيب الشخص المبدع عبر حياته فيتوتر دماغه ويعمل بطاقة فوق عادية وتحرك قوى العقل الخارقة الدفينة، والنصوص والأعمال الإبداعية والقيادة الفذة تتضمن حينما تتولد في ثناياها وتعكس نسبة تلك الطاقة المهولة المتفجرة في دماغ المبدع أو القائد، وكلما كانت نسبة الطاقة مرتفعة كنتيجة لتلك المآسي كلما خلدت النصوص الإبداعية وطال بقاؤها.

ولا شك أن مآسي حياة المتنبي هي التي فجرت في ذهنه قوى العقل المهولة، الخارقة، فعمل عقله خارج الأطر المعروفة، فجاءت إبداعاته خارقه سحرية لأنها تحمل في ثناياها طاقة هائلة، وبقي المتنبي وخلد وخلدت أعماله لأنها تحمل في طياتها انعكاس لتلك الطاقة المهولة التي فجرتها مآسي حياة المتنبي...فكانت السر وراء بقائه وخلوده والذي هو استثنائي بكل المقاييس كما هي طفولة وحياة المتنبي.


ملاحظة : يمكن نقل هذا المقال شرط ذكر اسم الكاتب.

ساره الودعاني 10-05-2010 10:28 AM

اقتباس:

أمط عنك تشبيهي بما وكأنه ...فما احد فوقي ولا احد بعدي
كل ما أقتربنا من محاولة معرفة سر خلوده

كلما تضاعفت المسافة وعصي الوصول!

برأيي ان في قلبه جرح وفي كبده كمد

وفي رأسه عقل أعياه ما فيهما..

الأستاذ أيوب صابر

سر بقاء المتنبي عائد الى من فهموه واحبوه

ايوب صابر 10-05-2010 12:40 PM

الاخت سارهـ الودعاني


اشكرك على هذه المداخلة المفيدة ...وهل هناك جراحا اشد الما واعمق من جراح اليتم والسجن والغربة والوحدة؟

دومي بخير

وشكرا

خالد الزهراني 10-05-2010 01:15 PM

الأستاذ القدير والرائع أيوب صابر
جهد جهيد وعمل مثمر رائع
بارك الله فيك وزادك علما وبصيرة
مقال غني ببصمتك الجميلة
الف شكر لك
تقبل احترامي
خالد الزهراني

ايوب صابر 10-05-2010 01:21 PM

الاخ خالد الزهراني

اراك نشيط ولك حضور في كل زاويه ومكان..
اشكرك على مرورك الرائع وثناءك ..

الصحيح حينما تكتب عن شخص مثل المتنبي فذلك يتطلب جهد جهيد بحق..
ويسرني ان اعرف بأن هذا الجهد قد لاقى استحسانكم ولم يذهب ادراج الرياح




ايوب صابر 10-12-2010 10:19 AM

مقولات ساخنة (51)

حتى نفهم المبدع...الأديب والفنان والقائد الفذ والعبقري...عليناحتمًا التعرف على مآسيه وفجائعه، وأثرها على تكوين شخصيته وقدراته... فما هذه الطاقة المهولة التي تتشكل في ذهنه التي تعادل طاقة مفاعل نووي أحيانًا إلا نتيجة لتلك الفجائع والمآسي...وكلما اشتدت المآسي، وتعددت غذت تلك الطاقة المتدفقة...فتكون المخرجات الإبداعية مهولة في الشكل والمضمون والتأثير والشمولية والخلود...لذلك نجد الأيتام أكثر إبداعًا وتأثيرًا وسحرًا وعبقرية... وأغلبهم قادة ذو و شخصيات كرزمية...


* من مقولاتي الساخنة والتي ستصدر قريبا ضمن كتابي "فلنهدم اصنام القرن الحادي والعشرين"

سحر الناجي 10-14-2010 06:01 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايوب صابر (المشاركة 34156)
مقولات ساخنة (51)
حتى نفهم المبدع...الأديب والفنان والقائد الفذ والعبقري...عليناحتمًا التعرف على مآسيه وفجائعه، وأثرها على تكوين شخصيته وقدراته... فما هذه الطاقة المهولة التي تتشكل في ذهنه التي تعادل طاقة مفاعل نووي أحيانًا إلا نتيجة لتلك الفجائع والمآسي...وكلما اشتدت المآسي، وتعددت غذت تلك الطاقة المتدفقة...فتكون المخرجات الإبداعية مهولة في الشكل والمضمون والتأثير والشمولية والخلود...لذلك نجد الأيتام أكثر إبداعًا وتأثيرًا وسحرًا وعبقرية... وأغلبهم قادة ذو و شخصيات كرزمية...
* من مقولاتي الساخنة والتي ستصدر قريبا ضمن كتابي "فلنهدم اصنام القرن الحادي والعشرين"

القدير أيوب صابر ..
أتابع بالطبع وبكل جدارة سيدي كل ما يصدر عنك من أقوال تصب في خانة نظريتك حول مفهوم الطاقة الإبداعية ..
وأتفق معك تمامافيما يتعلق بتأثير الفجائع والمحنعلى البشري لبلورة الطاقة الكامنة في أعماقه والمتجسدة بومضات إبداعية سرعان ما تتحول إلى ذهول يغشى الأبصار والعقول ..وإن كانت طرقنا تتقاطع في بعض النقاط القليلة الأخرى ..
دمت متألقآ على سفح النقد الرائع ..
تقديري

ايوب صابر 10-14-2010 03:28 PM

سحر الناجي

اشكرك على مرورك وعلى هذه المداخلة التي تظهر اهتمامك بما اقوله عن موضوع الابداع ..نعم كما تقولين ان كل عمل ابداعي هو في الواقع شيء مذهل لانه ينبع من مصدر قوة هائله خارقة هي قوة العقل وهذا العقل يكون اعجازي في قدرته اذا عمل بوتير عالية ولذلك يحتوى كل عمل ابداعي في ثناياه اسرار كونية قد لا يدركها عقل المتلقي بسهولة او في زمن المبدع.

لقد اثبتت دراستي حول الخالدون المائة انهم في معظمهم ايتام من هنا جاءت فكرة ربط اليتم مع الخلود ومن هنا تم ربط خلود المتنبي بيتمه ومآسي حياته.

الان وبعد ان تعرفت عليك اكثر وعرفت انك من هواة الفلك والفلسفة وانك مبدعه بقدرات فذه اقول انه لا بد ان احداث جسام، لا اعرف طبيعتها، قد فجرت طاقات ذهنك في سن العاشرة او الحادية عشره تحديدا....فمعظم عباقرة الفلك مروا بأحداث جسام في هذه السن...وفقدان احد الوالدين في وقت لاحق كما سبق ان اخبرتينا يُفَعّل تلك الطاقة المتفجرة فيعمل العقل بقدرات ابداعية فذه.
لقد اظهرت الدراسة المذكورة بأن السن الذي تحدث فيها الاحداث الجسام ( الفجائع ) مهم من ناحية المخرجات الابداعية ومن الفلكيين العظام الذين تيتموا في سن العاشرة كوبرنيكس...وهو اضافة الى انه فلكي فيلسوف ومبدع.

ايوب صابر 11-10-2010 09:08 AM

شاعر الروح القلقة والترحال الأبدي
في نقد 'نقد الظاهرة الشعرية عند المتنبي':
عبدالحق ميفراني

2010-11-09
عن جريدة القدس العربي

http://www.alquds.co.uk/images/empty.gif

عندما تساءل يوما ما، أحمد آمين ' هل كان المتنبي فيلسوفا؟' فإنه ضمنيا أراد أن يصف سر هذا الاهتمام الباذخ بظاهرة شعرية شغلت النقد العربي قديمه وحديثه. الشاعر المتنبي، الذي خلده شعره وقدرته البيانية، بشكل جعل منجزه الشعري متناً مفتوحا على التأويل، متجددا ومتعددا برؤى سرمدية حولته الى نص شعري يختبر الظاهرة النقدية بكل حمولاتها ومرجعياتها لا العكس، نص يروض الخطاب النقدي على ترك مسلماته جانبا وإعادة صياغة مقولاته من داخله. لذلك ظل شعر المتنبي ' ظاهرة إبداعية' قوية لافتة بزخم ما تطرحه من إشكالات تسعف القراءة، أي قراءة، على إعادة بناء تصوراتنا حول الشعر كظاهرة تسمو بالنص الشعري الى متعة القراءة.
كتاب الناقد محمد آيت لعميم الصادر حديثا ( 2010) عن المطبعة والوراقة الوطنية ' المتنبي: الروح القلقة والترحال الأبدي' ( 388 صفحة) محاولة للإجابة عن أسرار الاهتمام بشعر المتنبي، وضمنيا نتساءل مع الناقد، كيف يمكننا الإجابة على هذا السؤال في ظل محاولة الإجابة عن سر اهتمام الناقد محمد آيت لعميم بالمتنبي؟ لا كظاهرة شعرية أفضت بمتن نقدي مهم، بل كخطاب يفكر في ذاته وسط هالة من ' الإعجاب' والقلق الذي تحكم في انشغالات النقاد قديما وحديثا.
لقد خصص الناقد محمد آيت لعميم كتابه لدراسة المتنبي، بفحص السبل التي تمثلت بها المناهج النقدية الحديثة عند العرب. ولو أن الجوهري في الموضوع، يظل يصب في عمق الإشكالية المنهجية التي تتعلق بطبيعة الصورة التي كونها الناقد حول الموضوع المدروس، وهذه المرة ليست صورة من صنع القارئ المفرد بل بصيغة الجمع!!، إذ يستقصي الناقد آراء النقاد الى جانب رؤيته الخاصة التي تحكمت في القراءة ككل. وهو ما يفضي في النهاية الى سؤال شبيه بالأسئلة التي تحكمت في مقولات النقاد الذين قاربوا عوالم المتنبي الشعرية كل من زاويته النظرية. زد على هذا، أن الناقد محمد آيت لعميم اختار منهجا وصفيا تحليليا انتقائيا والأكيد أن مسوغاته لن تخرج عن نتائج ستشكك وتعدل من التصور النقدي الأساسي.
وهكذا يعيدنا الناقد محمد آيت لعميم لمفهوم ' المتاهة'، وبذلك يكشف عن جزء من تصوره للأدب. فبعد تقديمه لكتاب حول ' بورخيس' قام بترجمة مقالاته وفصوله وأبحاثه وحواراته ينتقل الى المتنبي. بورخيس ظاهرة أدبية كونية انشغل بها الخطاب النقدي العربي والكوني الى حد التخمة، بموازاة المتنبي الظاهرة الشعرية التي أفضت الى تشكيل خطاب نقدي جديد حول شعر المتنبي عموما، والنص الشعري على وجه الخصوص.
هذا التدرج محسوب بعناية، ويعبر عن انشغالات محمد آيت لعميم النقدية التي تعمق في المشهد النقدي في المغرب، من سؤال مركزي ثاو ٍ داخل هذه الممارسة، هو كيف يمكن رصد تطور التفكير في الأدب المغربي الحديث؟ ناهيك عن القيمة المضافة التي يكشف عنها كتاب ' المتنبي: الروح القلقة والترحال الأدبي' عن ولع خاص بالشعر، علما بأن الناقد محمد آيت لعميم منشغل بأطروحته حول قصيدة النثر، هو القادم من عوالم السرد الروائي والقصصي والذي قدم فيه أعمالا إبداعية مغربية وعربية. وهذا الترحال الشبيه بـ ' المتنبي' موضوع الكتاب يعمق من الدعوة الى جعل خطابنا النقدي يروم تعميق انشغالاته والمغامرة في الطرح.
كتاب الناقد محمد آيت لعميم ' المتنبي: الروح القلقة والترحال الأبدي' لا ينشغل فقط بشعر المتنبي، بل بسؤال المنهج الملائم لاستخلاص المكونات المنهجية التي توصل بها النقد ليضيء الجوانب المعتمة في شعر المتنبي وشخصه، وهو هنا ينتقي عينات تتمثل في:
منهج تاريخ الأدب: طه حسين ' مع المتنبي'.
منهج التحليل النفسي: يوسف سامي يوسف ' لماذا صمد المتنبي؟'
المنهج البنيوي: جمال الدين بن الشيخ ' تحليل بنيوي تعريفي لقصائد المتنبي'.
نظرية التلقي: حسين الواد ' المتنبي والتجربة الجمالية عند العرب'.
فأمام هذا الاستئثار الكبير بالمتنبي تشكلت حركة نقدية أثمرت جملة من الدراسات ذات أهمية في نقد الشعر عند العرب، وهي جزء من تاريخ النقد الأدبي في العصر الحديث. إن كل دراسة تمثل منهجا نقديا مستقلا برؤيته وأدواته ومفاهيمه كما أن النماذج المختارة جامعها توحدهم في الاهتمام بالمسألة المنهجية. طه حسين ركز في مشروعه النقدي بإثارة مسألة المنهج وإشكاليته كتجاوز للمناهج السائدة في عصره، ومرورا باليوسف الذي اختار المنهج النفسي محاولا تطبيقه على الشعر الجاهلي، وجمال الدين بن الشيخ الذي تبنى المنهج البنيوي وصولا الى حسين الواد. رغم أن الناقد محمد آيت لعميم يشير الى أن النصيب الأوفر للدراسات التي أنجزت حول المتنبي كان من نصيب منهج تاريخ الأدب، حيث انصب الاهتمام على توثيق شعره، وتصحيح نسبه واستخلاص مذهبه العقائدي.
استقر الناقد محمد آيت لعميم على تقسيم بحثه الى أربعة أبواب، الباب الأول وسمه بـ ' المتنبي من منظور منهج تاريخ الأدب: نموذج طه حسين' قسمه الى فصلين: الأول تناول مكونات المشروع النقدي عند طه حسين والثاني حلل فيه كتاب ' مع المتنبي' مركزا على إبراز المفاهيم الأساسية عند طه حسين كمفهوم الجبرية التاريخية والتطور والمسار التقدمي للتاريخ ومفهوم الشخصية والنص/ الوثيقة والقراءة المزدوجة، وانتهى الناقد محمد آيت لعميم الى أن قراءة طه حسين اتسمت بالانطباعية والتجاوب التأثري بحكم أن طه حسين صادف في هذا النوع من الشعر متنفسا لمحنته.
الباب الثاني حمل عنوان ' المتنبي من منظور التحليل النفسي' اشتمل على فصلين الأول الأدب والتحليل النفسي أما الثاني فيعرض فيه الناقد مقالتين إحداهما ليوسف سامي يوسف والأخرى لعلي كامل. لقد خلص محمد آيت لعميم الى أن أسباب صمود المتنبي تكمن في أن هذا الأخير قد تجذر في عصره وتجذر العصر فيه، فعبر عن رؤية للعالم تشكلت لدى العرب في عصره، وهي رؤية السقوط والانهيار هذا الى جانب ارتباط المتنبي بأسئلة الوجود وبالقلق الوجودي/ الأنطولوجي.
في الباب الثالث ' المتنبي في المنهج البنيوي' يتوقف الناقد آيت لعميم عند مستويات التحليل التي خطها جمال الدين بن الشيخ في دراسته لنص شعري للمتنبي ينتمي الى مرحلة الصبا، ليخلص الى مناقشة نتائج التحليل مبرزا طبيعة الإضافات التي أضافها هذا المنهج للدراسات المتنبئية والتي عكست أن المتنبي شاعر مجدد في العلاقات داخل النص الشعري إذ أن مسار حياة المتنبي سيتشكل منذ طفولته لنجد أن شعره هو توسيع لهذه البنية وللموضوعات التي ألحت عليه في حياته، فحضور الأنا والقيم والمثل ( الشهامة والمروءة والفتوة والجود) ستتركز في شعره بأساليب مختلفة.
يخلص الناقد محمد آيت لعميم الى نظرية التلقي في الفصل الرابع، من خلال دراسة حسين الواد للمتنبي، وقد انقسمت هذه التمثلات بين معارض للمتنبي ومعاضد، وهو دليل على أن المتنبي شاعر كبير، إذ الفكر القوي والعميق غالبا ما يولد قراءات قد تكون متضاربة أحيانا، وهذا هو حال الناس مع الشاعر المتنبي الذي جاء فملأ الدنيا وشغل الناس...ولا يزال.
يصل الناقد محمد آيت لعميم الى فكرة أساسية، محاولة في فهم سر الاهتمام بالمتنبي قديما وحديثا، إذ يشير الى النقاد الذين تناولوا المتنبي بمناهج غربية، في محاولة منهم للتوفيق بين المنجز النقدي العربي القديم والمنجز النقدي الغربي رغم أن النصيب الأوفر لهذه الدراسات كان لمنهج تاريخ الأدب. ويستأثر الاهتمام بهذه ' الفردانية' المتفردة الذي حاول الكتاب أن يشكلها حول صورة المتنبي، والتي امّحت لظروف سياسية من جهة، وسوسيوثقافية من جهة ثانية. إلا أن هذه التصورات المختلفة، بما فيها تصور الناقد محمد آيت لعميم، يعكس طبيعة الخطاب النقدي ' حديثه وقديمه' حول الأدب عموما لا ' الأدب القديم' ولعل هذا الحوار النقدي المفتوح كفيل بصياغة تمثلات جديدة للأدب والشعر خصوصا.

المتنبي: الروح القلقة والترحال الأبدي
محمد آيت لعميم
المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش
الطبعة الأولى/ 2010


حاتم الحمَد 11-15-2010 02:36 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرحبا أستاذنا الفاضل / أيوب صابر

تحية طيبةنرسلها مع عبق هذا اليوم الفضيل


موضوع قيم ومهم وتكمن أهميته في

أنك طبقت نظريتك على بعض نصوص

المتنبي لتكشف لنا عن كنه عبقرية

هذا الرجل الذي دارت حوله الكثير

من الدراسات وتعددت مشاربها ومآربها

ووصل بعضها إلى بعض حقيقة المتبني

وبعضها جانبه الصواب ، ولعل نظريتك

كان لها نصيب من التحليل المنطقي

السليم لعبقرية المتنبي.


شكرا مرة أخرى أستاذنا الفاضل.

ايوب صابر 11-17-2010 01:58 PM

الاستاذ حاتم الحمد

بمرورك الكريم هنا منحتني عدة اوسمة

- اولا كانت هذه الزيارة اجمل معايدة
- ثانيا الموافقة على اعتبار الموضوع مهم اثلج صدري فرحا فالكتابة فيه لم يكن سهلا.
- ثالثا موافقتك على تفسير عبقرية المتنبي بناء على نظريتي في تفسير الطاقة الابداعية اعتراف بها وبأهميتها.
- رابعا اعتبار ان ما طرحته حول المتنبي واعتمادا على نظرتي له نصيب من التحليل المنطقي بقولك "نظريتك كان لها نصيب من التحليل المنطقي السليم لعبقرية المتنبي" لهو في غاية الاهمية عندي خاصة انك من محبي المتنبي...وهو يقوي من عزيمتي ويشجعني للاستمرار بقوة في اعادة النظر في الكثير من المسلمات بناء على نظريتي في تفسير الطاقة الابداعية.


شكرا جزيلا وكل عام وانتم بخير





ايوب صابر 12-09-2015 01:38 PM

ويظل المتنبي يملأ الدنيا ويشغل الناس والسر يكمن في ؟ تعرف على سر خلود المتنبي هنا ؟؟؟!!


الساعة الآن 02:42 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team