![]() |
حبة الكستنا....القنبلة ....وانتصاري على الموت
حبة الكستنا القنبلة التحذير الوحيد الذي اطلقه الطبيب لي قبل ايام وقبل مغادرتي المستشفى الجراحي بعد ان أجرى لي جراحة رئيسية ناجحه استأصل خلالها عشرة سنتيمترات من امعائي الغليظة ( منطقة القولون ) الذي تبين انه تعرض لهجوم من خلايا خارجة على قانون الانقسام الطبيعي هو "ضرورة الابتعاد عن تناول الطعام الذي اعرف انه يتسبب لي بغازات ونفخه " حسب قوله ، خاصة في مرحلة الاستشفاء الاولى التي طلب مني ان اتروى جداً في تناول انواع الطعام المسموح به ، وحتى يلتئم جرحي الداخلي حيث تم اعادة ربط المصران الغليظ بعد ازالة الجزء الذي تعرض للغزو الاجنبي، بتقنية لا زلت اجهل طبيعتها ومتانتها ، وجرحي الاخر الخارجي الممتد من فوق منطقة الصرة الي اسفل البطن ، والذي كان لا بد منه للوصول الي تلك الخلايا اللعينة التي هاجمت جسدي الذي اصدر إشارات جعلتني اعتقد بان عقدي قد انفرط وان ساعتي قد دنت . جلست بعد سماعي لتحذير الطبيب الذي بدى جديا ومخيفا وربما يترتب على تجاوزه عواقب وخيمة ، استرجع وأعدد من صفحات ذاكرتي انواع الطعام الذي كان يتسبب لي بمثل تلك النفحة المزعجة ، وكانت القائمة طويلة وعلى راسها : الفول، والحمص، والفاصوليا البيضاء ، والعدس ، والزهرة اي القرنبيط، و البروكلي، والبصل الذي كنت اعشقه مشويا الي جانب سيخ اللحمة الكباب ، لكنه اصبح منذ فترة يتسبب لي بنفخة قاتله كادت ان تقتلني في اكثر من مناسبة حينما كان يتسبب لي بارتداد مريئي خانق اثناء النوم فأفز من نومي مفزوعا وقد انسدت منافذ التنفس فاجدني اشهق مختنقا واشهق بصورة لا ارادية محاولا استعادت تنفسي ، واعتقدت انها نوع من الحساسية يتسبب بها البصل اللعين لدى عدد من الناس كما تبين لي. تعمقت وتوسعت في البحث في ثنايا الذاكرة ، وأمسيت سحابة تلك الليلة الطويلة التي كنت ارقد فيها في المستشفي منتظرا التئام الجرح وسماح الطبيب لي بالمغادرة ، وانا أحاول حصر الأطعمة التي كانت تسبب لي غازات وانتفاخ ما تلبث ان تتحول الى حموضة والم في خاصرتي اليمين دائما، والذي كان لا يحتمل في بعض الاحيان ، وظل علاجه الوحيد لسنوات طويلة بضعة حبات من دواء المديولون بعد انه شخص الاطباء المرض على انه القولون العصبي وهو المرض الذي يقال انه ينتشر بصورة واسعة في منطقة حوض البحر الابيض المتوسط. ورغم جهدي واجتهادي لم أفطن أبدا لما تفعله حبات الكستنا في امعائي، ربما لانها فاكهة موسمية لا تظهر الا في ايام الشتاء الباردة. وما كانت لتخطر على بالي وانا في حالة كنت اتمنى ان تدخل فمي نقطة ماء واحدة او امسح شفتاي بقطعة ثلج لعلها تمنحني إحساسا منعشا. بعد ايام قليلة وتحديدا بعد ستة ايام على اجراء العملية غادرت المستشفى وكنت قد بدات تناول وجبات طعام كامله غنية بالبروتين خاصة، نظرا لحاجة الجسم اليه لكي تلتئم الجروح كما أوضح الطبيب المعالج لكن المستشفى كان يطلق عليها اسم وجبات خفيفة. وما هي الا ايام اخرى قليلة من تاريخ مغادرتي المستشفى وعودتي الي المنزل حتى بدات بتناول وجبات كاملة دون الاهتمام ان كانت خفيفة ام عادية وحسب تسمية المستشفى، لكنني ظللت حذرا اشد الحذر من احتواء تلك الوجبات على اين من الأصناف التي عرفت انها قد تتسبب لي في النفخة وآلام الامعاء المعهودة وربما في انفجار امعائي هذه المرة التي تعرضت للبتر والقص واعادة التوصيل وذلك في ضوء تحذير الطبيب الجدي والمخيف. وفي اليوم التالي للانقلاب الشتوي ودخول أربعينية الشتاء واشتداد البرودة حيث كان قد مضى على تاريخ أجراءالعملية ثلاثة عشرة يوما بالتمام والكمال، والتي كانت قد تمت تحديدا بتاريخ 2014/12/9 ، فوجئت بابنتي وهي تعرض علي تناول حبات من الكستنا... مددت يدي فعلا لتناول بعضها ولم يكن ابدا من السهل رفض تلك الفاكهة السحرية في ظل تلك الاجواء الشتوية الباردة وقد اكتمل شوائها ونضجت على نار صوبة الكهرباء الهادئة ، التي كانت تملا الأجواء دفئا وحرارة ورومنسية لا ينقصها الا تناول الكستنا وكاس حار من الشاي الاخضر المحلى بالعسل خاصة بعض مضي مدة زمنية ليست قصيرة حرمت فيها من الاكل بكافة اصنافه للضرورة الطبية وفقداني لما يزيد على اربعة وحدات دم اثناء العملية الجراحية لتصبح قوة الدم عندي ١١ بعد ان دخلت المستشفي وهي ١٦.٤ ...لكنني سمعت زوجتي وهي تنهرني و تحذرني من العواقب الوخيمة ان أنا فعلت وتناولت حبة الكستنا الممدوة لي ، مشددة ان الكستنا تقتل الأصحاء فكيف بمن اجري للتو عملية قص مصران؟! للحظات دار صراع رهيب في نفسي، بعضا منها يهون الامور ويدفعني للاقدام على تناول الكستنا على الرغم من العواقب الوخيمة المحتملة والتحذيرات الواضحة والجلية ومعرفتي المسبقة بما كانت تفعله بي، والبعض الاخر من نفسي يضخم العواقب ويمنعني من مجرد التفكير او الاقتراب من تلك الفاكهة الشتوية اللذيذة .... لكن سحرية الأجواء الشتوية ونار المدفئة وشهوتي العارمة للطعام بكافة اشكاله التي وجدتها غير مسبوقة بعد اجراء العملية ، ولا اعرف ان كان ذلك لاعتبارات بيولوجية ام نفسية ، ولذة تناول تلك الفاكهة اللعينة الشتوية الشهية في مثل تلك الأجواء الباردة والطقوس الرومنسية إضعفت موقفي ومقاومتي واغوتني باخذ حبة واحدة فقط اقنعت نفسي بامكانتية اكلها دون ان تتسبب بأية عواقب رغم مخاوفي، وعلى اعتبار انها ستتلاشي حتما في معدتي وامعائي وتذوب بين أصناف الطعام الاخرى ولن يكون لها اثر يذكر حتما ... وكان لا بد من مرور اربعة وعشرون ساعة على تناول حبة الكستنا اللعينة الشهية تلك والتي شعرت حينما أكلتها بلذة تفوق كل اللذة التي صاحبت كل ما اكلته من كستنا طوال عمري مجتمعة، حتى ادركت فداحة الخطأ الذي ارتكبته متجاوزا تحذيرات الطبيب ونهي وزجر زوجتي ومخاوفي ، ولا بد ان تلك الحبة الوحيدة اللذيذة اللعينة كانت السبب في قنبلة غازية تشكلت في امعائي وبدأت تتسبب لي بالم لا يطاق؟! فهي الصنف الوحيد من بين كل ما تناولته من طعام الذي يمكن ان يتسبب في مثل تلك النفحة الرهيبة بموجب تحذير الطبيب ...وكأن مصنعا للغاز قد بدا يعمل بكامل طاقته في امعائي التي أخذت تنتفخ وتنتفخ واصبح الالم الشديد سيد الموقف...حتى انني ظننت بأن قنبلة قد اصبحت على وشك الانفجار داخل أحشائي....وانتابني رعب شديد يفوق التصور بان تتسبب غازات حبة الكستنا بانفكاك الغرز التي تم فيها ربط مصراني الغليظ بعد ازالة الجزء اللعين الموبوء ولكم ان تتصورا عواقب حدوث مثل تلك الكارثة المصيبة... وما هي الا ساعات حتى تبين ان ذلك كان مجرد وهم ومخاوف غير مبررة ، حيث ما لبثت الامور ان فرجت وسارت على خير، وربما كان لتدخل زوجتي باعشابها الطبية وتطميناتها الحثيثة فضلا كبيرا في ذلك وحال دون انهياري الذي بدا في لحظات محتوما .. هذه مجرد صفحة واحدة من صفحات حكايتي الموسوعية مع الالم والخوف وصراعي الطويل مع قولوني العصبي و الممتد تاريخه الى ايام طفولتي ، حيث أنغرست حينها بذرة الخوف المزمن من هذا المرض الخبيث واللعين بعد ان شاهدت ما وقع لجارنا ابو عاطف ذلك الرجل الضخم وصاحب الشخصية الكرزمية والجثة السامقة والذي ظننته عصيا على الكسر والمرض ولكنه تحطم على اثر اصابته بالمرض مثل زجاج له قابلية شديدة للكسر وأخذ يتلاشى شيئا فشيئا الى ان مات فكان لموته وقع صدمة هائلة أصابتني وانا لم اكن قد تجاوزت عندها الثالثة عشرة . لكن الالم الذي كان يصيبني من هذا المرض لسنوات عديدة وطويلة لا يمكن ان يقاس ولا يقارن بتجربة الالم المريرة التي مررت بها منذ شهرين تقريبا وبعد ان اصدر جسدي إشارات واضحة أوحت بحدوث تطور خطير ووجود خلل رئيسي يحتاج لعلاج مختلف واكثر درامية وراديكالية من مجرد تناول حبات الموديولون ... كان الالم منذ ان هاجمتني آلآم القولون العصبي في بدايات عهدي معه وكان ذلك تحدادا في العام الجامعي الثاني مثل قطرات الماء التي تنز من صنبور ماء رفض ان يغلق تماماً ...احيانا ينفتح الصنبور اكثر فيشتد النزف، واحيانا يخف الى أدنى حد ، وكثيرا ما كان يختفي تماما لمدة زمنية طويلة ليعود من جديد لاسباب كثيرة منها غذائية ومنها عصبية مرتبطة بالغضوط النفسية الكثيرة والمتعددة والتي يوجد بلادنا وفرة منها ... لكن الالم صار بعد ان اصدر جسدي الإشارات مثل نهر جاري ثم تحول بعد ايام قليلة الي طوفان جارف غمرني بكل قوته عندما ادخلت الي المستشفى لإجراء عملية ازالة الخلايا الخبيثة التي أبت الا ان تنقسم بصورة غير نظامية.... ثم بدات تخف تدريجيا مع التئام جروحي على الرغم من المخاطر التي تظل قائمة وغموض المستقبل الذي ربما يكون مفتوح على كل الاحتمالات ... سأعود لاقص عليكم حكايتي مع الالم من بداياتها ومنذ ان كانت مجرد بذرة غرست في ذهني كنتيجة لما أصاب جارنا العزيز صاحب الدكان ثم سأحاول قدر استطاعتي ان انقل بصورة اكثر تفصيلا واصور بدقة صفحات الالم الرهيب الذي جرفني كطوفان جارف بعد ان اصدر جسدي إشارات دموية حمراء اشرت الى وجد خطب مخيف يحتاج الى كي ... ولعل حكايتي مع الالم تنتهي عند صفحة حكايتي مع حبة الكستنا هذه لكنني لا استطيع ان اجزم بذلك ...ولن أتردد في نقل صورة ما ستول له الامور اذا ما قررت الخلايا اللعينة المتمردة ان تعود لتهاجم جسدي.... لقد واجهت الهجوم الغادر للمرض والموت بكل صبر وثقة وإيمان وروح معنوية عالية وتجاوزت المحنة بشكل أدهش طبيبي وطاقم الممرضين وكل من شاهدني وانا أسير وأسير في كاردور المستشفي وانا احمل في يدي مجموعة من الأكياس التي كانت تصل الي أعماقي للضرورة الطبية وتستخرج منه سوائل بتشكيلة من الالوان احمر واصفر واسود ... وانتصرت على الخوف وطوفان الالم ، وسوف أظل أصارع الموت بكل قوة وعنفوان وسخرية الى ان يصرعني... لكنني لن استسلم أبدا، أبدا له، ولن اجعل معركته معي سهلة مطلقا...ولن اقف أمامه مكتوف الأيدي، وربما اذا ما عاد ليحشد وسائله وادواته الخبيثة ان أتصرف كما تصرف همنجوي والكثيرين غيره والذين استكثروا على الموت انتصاره المدوي عليهم فاجهضوا فرحته وعذاباته برصاصة في الراس .... انتظروني هنا... |
الحمد لله على سلامتك استاذنا العزيز...ألف سلامة
|
سلامتك
استاذنا الكبير / أيوب صابر أسأل الله ان ينظر اليك والى كل مريض بعينه الراحمة ,ان يمسح عليك بيمينه الشافية وأن يلبسك ثوب العافية عاجلا غير آجل ملحوظة : معذرة لنقل الموضوع الى هنا مع تحياتى |
الحمد لله على سلامتك و متمنياتي لكم بالشفاء العاجل بحول الله .
الالتزام الصارم بما يوصي به الطبيب أولى خطوات العلاج . |
حمداً لله على سلامتك أستاذ أيوب .وشفاء قريب إن شاء الله
|
اشكرك استاذ مازن على تعاطفك
|
اشكرك استاذ ياسر على تعاطفك
|
اشكرك استاذ زياد على تعاطفك وانتظر منك مشاركتك في مسابقة القصة القصيرة .
|
شكرًا استاذ حسام
|
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك يا أستاذ أيوب ...
و ألف الحمدلله على سﻻمتكم ... |
سلامات اخي العزيز أيوب وطهور أن شاء الله تعالى ،
الألتزام بتعليمات الطبيب الجزء الأهم في عملية الشفاء ، حفظك المولى عز وجل وبورك فيك ، |
اشكرك استاذة جليلة ماجد على مشاعرك
|
[TABLETEXT="width:80%;background-color:white;"] | [/TABLETEXT]بزغاريد الفرح وأحلا الأزهار نلاقيك ونقول، مباركة عليك الصحة ومبارك أنت علينا في منابر الحمد لله على سلامتك حضورك بمنابر يجعلها اشد بهجة قلم وروح وعلم وإنسانية لتعويض قلمك أستاذنا الفاضل [marq="6;up;3;scroll"] أيوب صابر[/marq] نحن بحاجة لحزمة كبيرة من الأقلام دمت بخير وبالخير ياطيب |
الاستاذ عبد الحكيم مصلح
اشكرك على تعاطفك ومشاعرك |
استاذ احمد
كم انت رائع اشكرك من كل قلبي |
....
سلمك الله وعافك اديبنا القدير أيوب صابر حتى في لحظات الوجع انساب الحرف بين يديك طيعا كل التقدير |
اشكرك استاذة فاطمة تعليقك أعطاني دفعة قوية لأستمر في استكمال الموضوع |
في البدء كانت الصدمة البذرة
بدايات حكايتي مع الم المصران الغليظ والقولون العصبي ثم ما تطورت اليه الامور بعد سنوات عديدة من خروج بعض الخلايا عن النص ، تعود الي طفولتي او الأصح سنوات شبابي المبكر ، حيث كانت الصدمة المزلزلة التي تحولت شيئا فشيئا الي فكرة انغرست واستوطنت كبذرة في عقلي الباطن اللاواعي والظاهر الواعي واحتلت واستحكمت في كافة حنايا كياني. تمثلت تلك الصدمة المزلزلة والتي بدات كبذرة في اصابة جار لنا اسمه يوسف الحسين ابو عاطف بمرض في المصران الغليظ والاغلب انه المرض الخبيث مما دفع الاطباء الى اجراء جراحي عملوا من خلاله على اجتثاث الخلايا الخبيثة لديه ، ولكن يبدو انهم كانوا قد تأخروا كثيرا في اجراء اللازم، لانه عاش بعد العملية لفترة زمنية قصيرة، وكان خلال تلك الفترة في حالة يرثى لها، واشد جوانب الالم في حالته القاسية تلك والتي فرضت نفسها هي حاجته الي فتحه جانبية كبديل للفتحة الشرجية وهو اجراء يقوم به الاطباء على ما يبدو في حالة ازالة جزء كبير من المصران الغليظ او في حالة إصابة الجانب الأيسر من المصران الغليظ...وما لبث ان ذوى مثل شجرة اجتثت جذورها ثم مات وكان لموته وقعا مزلزلا ،صادما، على كياني وعقلي الواعي، وربما ايقظ في ذهني اللاواعي الم الموت والخوف منه ذلك الذي اختبرته صغيرا جداً حينما ماتت أمي وانا في سن الثانية فقط ....ويعتقد الناس خطأ بان اختبار الموت في تلك السن المبكرة لا يكون له اثر على الانسان، ولكنني اعرف الان ومن خلال عدة شواهد لا مجال لذكرها هنا، بان اثر صدمة الموت انما يكون اعظم واشد وقعا كلما جاء الموت مبكرا. لم يكن جارنا يوسف الحسين هذا رجلا عاديا، فقد كان رجلا ضخما، قوي البنيان، وصاحب ابتسامة ساحرة، ضحوك ، ويحب النكتة، وكان واحدا من وجهاء القرية يعتمر الثوب التقليدي ( الدماية ) والكوفية والعقال ، وكان متعدد النشاطات تاجر ومزارع، ويبدو انه كان احد ثوار ثورة الستة وثلاثين فقد كان صاحب شخصية كرزمية ، مهيوب ، وصاحب عنفوان وحكمة وحنكة كنت استشعرها وهو يتحاور مع ثلة من الرجال اقرانه ومن بينهم والدي، الذين اعتادوا الجلوس في الساحة امام دكانه القريبة من الجامع غالبا في انتظار صلاة المغرب تلك الساحة التي كانت بمثابة ملتقى عفوي لعدد من الرجال الذين كنت أظنهم من معدن اخر وكأن الرجولة ماتت بموتهم. كان يوسف الحسين هذا في نظري رجلا شامخا ، راسخا مثل جبل، وكنت اظنه عصيا على الكسر تماماً فلذلك نزل مرضه، وخاصة حاجته الي فتحة جانبية بدلا للفتحة الشرجية نزل على كالصاعقة، وغرس موته المفاجئ والصادم بذرة خوفي من ذلك المرض الخبيث، وقد نمت تلك البذرة وترعرعت مع الايام واصبح خوفي من مرض المصران الغليظ هاجسا لم يفارقني منذ تلك اللحظة أبدا. ولطالما عبرت عن خوفي وخشيتي ان أصاب بمثل ذلك المرض اللعين، وان يكون مصيري مثل مصير جارنا يوسف الحسين ، ولطالما صرحت عن مخاوفي تلك و كررت خشيتي ومخاوفي تلك امام اهلي وصحبي وكل من عرفني في مسيرة حياتي ، وكنت اشد ما أخشاه اثناء مسيرة الخوف الطويلة تلك ان يأتي يوم احتاج فيه لفتحة اخراج جانبية، فلم استصغ مثل تلك المصيبة ، الكارثة، أبدا ، ولم اكن قادرا ابدا على تقبلها او حتى احتمال ان ابتلى بها ... وحينما اصبت فعلا بالمرض الذي استدعى تدخلا جراحيا بعد سنوات عديدة ، وحتى اثناء وجودي في المستشفي انقسم اهلي و الناس حولي الي قسمين ، فمنهم وعلى راسهم اخي محمود، وهو الاقرب الي نفسي ، من ظن بأنني تبصرت إصابتي بالمرض منذ زمن طويل وقد عرفوا ان لي قدرات تبصرية اتصور ان كل يتيم يمتلك مثلها لكن بتفاوت بين يتيم وآخر ، ومنهم من ظن انني جذبت المرض لنفسي حينما سمحت لفكرة الخوف منه ان تستوطن في ذهني لتصبح هاجسا لم يفارقني أبدا ولطالما تلفظت بكلمات سمعوها مني وعبرت فيها امامهم عن خوفي من ان أصاب بذلك المرض اللعين. وها أنا اليوم في حيرة من امري من هذا الذي جرى لي... فعلى الرغم انني امتلك حقا قدرات تبصرية اختبرتها في مواقف كثيرة وعديدة، وقد اكون قد استشعرت بهذا المرض اللعين مبكرا جداً، لكنني لا استطيع ابدا ان اجزم بذلك وانما ارجح بأنني قمت على جذب المرض لنفسي، وكما يقول المثل الشعبي ( الذي يخاف من الغول يظهر له ) ، فقد اصبحت مع الايام وبعد ان تعرفت الي قدرات العقل الباطن المهولة واللامحدودة ، وما يعرف بقانون الجذب والذي تحدثت عنه الكاتبة الأسترالية لويندا بايرن في كتابها "السر"، اصبحت عل قناعة بان العقل الباطن يقوم وضمن شروط واليات معينة، على ترجمة الأفكار التي تستوطن في الدماغ مصحوبة بالمشاعر الى واقع ملموس. فالعقل الباطن بقوته المهولة مثل جني المصباح المطيع الذي يرقد هناك بصمت ليستمع الي ما نطلبه منه وتكون طلباتنا على شكل افكار تدور في عقلنا الواعي فيعمل العقل الباطن ذلك الجني شديد القوة على تلبيتها دون تفكير او تمحيص، لكن استجابته لما يدور في ذهننا وترجمته الي واقع ملموس انما تكون اكبر كلما استحكمت الفكرة واستوطنت في ذهننا وكانت مصحوبة بالمشاعر ومن ذلك الخوف حتما ... والان اصبحت على قناعة بان ما أصابني من مرض انما كان ثمرة هواجسي التي انغرست كبذرة خوف في ذهني من ذلك المرض اللعين وكنتيجة لما أصاب ذلك الرجل يوسف الحسين ، و الذي ظننته في بداية شبابي عصيا على الكسر، ليخر في ايام معدودات صريعا بذلك المرض اللعين بعد ان أنهكه ألما وحطمه، كنبته تقطعت جذورها فذوت وتحطمت ثم ماتت ... مات يوسف الحسين وكان لموته وقع الصاعقة على نفسي، بل اكثر من ذلك بكثير، ولم يكن موته بالنسبة لي حدثا مأساويا فقط بل خلف موته بذرة الخوف من ان أصاب بما أصيب به وان يكون مصيري مثل مصيره المؤلم وهذا على ما يبدو ما حصل في نهاية المطاف ولا اعرف ان كنت سالقى نفس المصير وضمن الحدود الزمنية رغم اختلاف العصر وظروف اكتشاف المرض وسرعة التعامل معه وتطور وسائل العلاج الخ... ؟! لقد اصبت فعلا بما أصيب به المذكور يوسف الحسين في نهاية المطاف وبعد ما يزيد على خمس واربعين عاما من موته لكن مشاكل وأوجاع المصران الغليظ اللعينة لم تظهر عندي فجأة بعد كل هذه السنوات بل كان لها تاريخ طويل وحكاية الم مبرح احيانا ابتدات تحديدا في السنة الجامعية الثانية وكان لذلك اسباب ربما ساهمت في تحول البذرة الفكرة التي كمنت في نفسي على اثر موته الي وجع والم ومعاناة صاحبني طوال مسيرة حياتي الى ان جاء اليوم الذي اتضح بان الامر لم يعد مجرد الم يمكن احتماله و السيطرة عليه بحبات الموديولون وانما صار لا بد من تدخل جراحي لاجتثاث الخلايا التي ابت ان تنقسم بصورة منتظمة وسوف اقص عليكم بتفصيل قصة الالم الرهيب الذي صاحب الإجراء الجراحي والذي جاء كالطوفان ولكن بعد ان اسرد عليكم قصتي مع القولون العصبي والذي استمر لمدة تشارف او تزيد على الخمسة واربعين عاما ... |
وهكذا بدات حكايتي مع الم المصران الغليظ مرت ثمانية او تسع سنوات على موت جارنا العزيز يوسف الحسين والذي خلف موته في نفسي ألما وحزنا ورعبا من ان ألقى نفس المصير الذي قتله، وان أصاب بما أصيب به، وكنت اثناء تلك السنوات في صحة ممتازة ، حتى انني لا اذكر باني ذهبت الي الطبيب إطلاقا اثناء هذه المدة الا مرة واحدة وانا في الثامنة عشره من عمري بعد ان قمت بزيارة للأردن وكانت تلك اول مرة اغادر فيها فلسطين ، وذلك بعد ان حصلت على شهادة التوجيهي قاصدا التسجيل في الجامعة الاردنية التي كان اخي محمود احد طلابها، وكنت قد اقمت معه اثناء تلك الزيارة في سكنه الجامعي الذي هو عبارة عن غرفة واحدة ملحقه لاحد العمارات وتقع في منطقة الجبيهة القريبة من الجامعة الاردنية، وهي منطقة شديدة البرودة في فصل الشتاء وهو الوقت الذي قمت فيه بتلك الزيارة ، واذكر ان سبب مرضي كان نتيجة لفتحي باب الغرفة الوحيدة المكون منها السكن بعد ان طرق على الباب احدهم لسبب لا اذكره الان ، دون ان أدرك بان درجة حرارة الغرفة كانت جهنمية كنتيجة للتدفئة المبالغ فيها قياسا بدرجة حرارة الجو خارج الغرفة والتي كانت قد انخفضت الي بضع درجات تحت الصفر حتما ، وكانت النتيجة ان اصبت مباشرة بلفحة هواء قاسية وصعبة استعصت على المرور والشفاء دون علاج هذه المرة وكما كان الحال دائماً قبل هذه المرضة ، ورغم إلحاح اخي لكنني اذكر بأنني رفضت الذهاب الي الطبيب الى ان كاد المرض يفتك بي فذهبت الي الطبيب على مضض وكانت تلك اول مرة ازور فيها طبيب بقصد العلاج فقد كنت قبلها اكتفي بالوصفات الشعبية وبتناول العسل والميرميه والبابونج واليانسون الخ من وصفات شعبية ...* |
الحمد لله على سلامتك أستاذ أيوب ، ما تشوف شر إن شاء الله . |
اشكرك استاذة صفاء
|
دعواتي لك دائماً بالصحة والعافية وبارك الله فيك تحية ... ناريمان الشريف |
الساعة الآن 03:16 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.