![]() |
نافذة على التربية
مقدمة سأحاول بحول الله أن أفتح نافذة على التربية في هذا الركن ، من خلالها سأتناول الموضوع بشكل موسع وبطريقة وأسلوب سلس و مبسط ، سأحاول أن أجعله موضوعا في المتناول ، وكل غايتي أن يستفيد أكبر عدد ممكن من هذا الموضوع من تلاميذ وطلبة و مربين ، و حتى أصحاب الاختصاص . سأحاول أن أتناول الموضوع من جانبه المعرفي النظري و الجانب التطبيقي الممارساتي الإجرائي . سأحاول معالجة الإشكالات المفاهيمية ، و تقديم ما أمكن من الإضاءات والتعاريف ، سأتناول الموضوع من جانبه الفلسفي والنفسي والاجتماعي ، سأوضح الجانب البيداغوجي و المقاربات الجديدة في التربية والديداكتيك وأساليب وطرق التعليم و التعلم . سأحاول أن أتحرى الدقة و الاختصار في معالجة الموضوع و تطعيمه برؤية نقدية . شكرا على المتابعة و لكم جزيل الشكر البداية قريبا . |
و بانتظار ما تقدمه لنا من الثمين و المميز أ. ياسر علي
تحيتي لك |
1 ـ تعريف التربية قد لا تحتاج المصطلحات المتداولة إلى التعريف ، و قد يتبادر إلى الذهن أنها سهلة الاستيعاب ، لكن بالمقابل كلما أصبح المصطلح أكثر تداولا إلا و تقمص أدوارا كثيرة ، واستعمل في مواطن عديدة ، وربما وظف أحيانا في غير محله . مصطلح التربية واحد من المصطلحات المألوفة التي تدخل ضمن فئة السهل الممتنع ، التي تتنازعها التعاريف و يكتنفها الغموض ، كلما تحريت الدقة والشمولية في التوضيح ، والإحاطة بماهية التربية . في معجم روبير تعرف التربية على أنها مجموع الوسائل التي بواسطتها نوجه نمو وتكوين الكائن الإنساني ، و مجموع النتائج المحصلة بواسطة هذه الوسائل . هذا التعريف يبرز أن التربية هي فعل " مجموع الوسائل.... " وهي أيضا " نتيجة هذا الفعل " كما يستشف من التعريف أن التربية مقرونة بسلطة التوجيه . يرى هاربرت أن التربية هي تكوين الفرد لذاته بأن تثير لديه تعددية الاهتمامات تعتبرالحرية أساس هذا التعريف و يرى أن هدف التربية هو خدمة الفرد ومساعدته على النمو ، فهو بذلك يمثل الاتجاه الفردي الذي لا يعطي المجتمع ما يستحق من اهتمام التربية هي العملية التي تمارسها الأجيال الراشدة على الأجيال التي لم تنضج بعد النضج اللازم للحياة الاجتماعية [COLOR="Navy"] هكذا يعرف دوركايم التربية الذي يتبنى أن التربية هي عملية تنشئة اجتماعية . وهي النقطة الوحيدة المضيئة في هذا التعريف، الذي يجعل التربية أحادية الجانب و ممارسة عمودية فيها من التسلط الشيء الكثير ، كما يغفل أن التربية فعل مستمر على مدى الحياة وهي عملية تفاعلية .و ينفي الفرد وجعله منصهرا كليا في الجماعة . [/COLOR5 يعتقد ربول أن التربية هي العملية التي تسمح للكائن الإنساني بتنمية قدراته الجسمية والعقلية و عواطفه الاجتماعية والجمالية والأخلاقية بهدف تحقيق مهمته كإنسان .. وكذلك نتيجة هذه العملية . رغم جاذبيته فهذا التعريف ذو طبيعة مثالية ، لأن مفهوم الإنسان في تطور مستمر ويخضع للسياق التاريخي و الاجتماعي والعلمي . كما سبق ذكر ذلك فالتعاريف تختلف حسب الاتجاهات وداخل الاتجاه نفسه ، كما أن لكل مفكر تعريف للتربية وفق تصوراته و تمثلاته تعرف الرابطة العالمية للتربية الجديدة التربية بكونها تتيح نمو قدرات كل شخص بصورة متكاملة قدرالإمكان كفرد و كعضو داخل مجتمع يحكمه التضامن ، إن التربية غير منفصلة عن التطور الاجتماعي إنها بالتالي تشكل احدى ركائزه و قواه المحددة له في التعريف الأخير يلاحظ أن التربية هي تفاعل بين الفرد والمجتمع و تأكيده على نسبيتها و ارتباطها بتطور الوعي الاجتماعي التربوي و تقدم العلوم . ملاحظة : مرجع هذه التعاريف هو : سلسلة التكوين التربوي العدد الأول أتمنى أن تكون البدابة وضعتنا في الإطار السليم لمفهوم "التربية ". شكرا للأستاذة ريم بدر الدين . |
الاخ الاستاذ ياسر علي -
هذه فكرة جميلة ومفيدة. ارجو لك التوفيق. |
2 ـ تعريف البيداغوجيا إذا كانت التربية في التعاريف المقدمة سابقا تعني عملا و فعلا يساعد الفرد على تنمية قدراته كفرد و كعضو داخل جماعة يحكمها التضامن و نتائج هذا الفعل وهذا العمل . و هي نسبية ومرتبطة بالتطورات التي تحدث في المجتمع . فالبيداغوجيا ترتبط أساسا بالتربية وتعتبر حقلا موازيا لها يغلب عليه الطابع النظري التأملي في الممارسة التربوية و إيجاد الحلول لمعيقات التربية ، وتضع الأهداف والمبادئ و تنتقل إلى التطبيق عبر تشخيص واقع التربية وإيجاد حل للمشكلات التي تعتري عناصر التربية وطرائق التدريس هذا على الأقل من وجهة نظر رونيه أوبير . وميالاري . يرى وليام جيمس كما ليتري أن البيداغوجيا "فن" التربية . ويعتقد هنري ماريون أن البداغوجيا مختلفة عن التربية وعن الفن العفوي للمربي الصالح بل هي علم للتربية . يقدم دوركايم البيداغوجيا بأنها نظرية علمية أي أن موضوعها التفكير في نظم التربية . أما ديوي فيعتبر هذه النظرية العلمية علما حيث يجعل عمليات الفن التربوي أكثر انطباقا مع العقل . في حين كرشنشتاينر يرفض أن يسميها صناعة " عملا فنيا" بل علما لأن العمل التربوي عمل وعي إنساني ، فالبيداغوجيا لديه ليست علما مطبقا على التربية بل علما مستقلا بذاته . حاولت البيداغوجيا أن تكون المنهل الوحيد للتربية في زخمها النظري و اقتراحاتها التطبيقية ، لكنها لم تستطع استيعاب الكم الهائل للعلوم الأخرى مما استدعي ظهور علوم أخرى للتربية سأحاول إلقاء نظرة عليها قريبا . المراجع المعتمدة : ـ كتاب التربية العامة لرونيه أوبير ـ سلسلة التكوين التربوي العدد الأول . شكرا للدكتور زياد الحكيم . |
3 ـ علوم التربية منذ منتصف القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين ، تم تناول الظواهر الإنسانية بكثير من الدقة والضبط حيث تطورت الحركة العلمية ، ولم تسلم الظاهرة التربوية من هذا التحول ، فحاول الدارسون احتواء التربية في علم للتربية ، لكن أمام خصوبة هذا المجال و تشعب أطرافه ، بات مستحيلا أن يتناولها علم واحد ، فكانت النتيجة الحتمية هو تحول علم التربية إلى علوم للتربية ، لكون هذا المصطلح يحتضن لكل الحقول المعرفية التي تتناول كل أبعاد الظاهرة التربوية . نص محمد الدريج من كتاب التدريس الهادف ً 13 و 14" " هناك من يصنف علوم التربية انطلاقا من الجوانب المستهدفة في النشاط التربوي ، أي الجوانب الشخصية التي يتم التركيز عليها في عملية التنشئة تربية خلقية ، تربية بدنية ..تربية فنية .. هناك من يصنف علوم التربية انطلاقا من ترتيبها و وتوزيعها حسب الأطراف المشاركة في العملية التعليمية : ـ المقررون : يعتمدون في اختيار غايات و أهداف التربية على : فلسفة التربية و تاريخ التربية و التربية المقارنة ، .....كما يستفيد أصحاب القرار من العلوم التربوية كسوسيولوجيا التربية ، اقتصاديات التربية ، و التخطيط التربوي . ـ الإداريون : يعتمدون في التسيير الإداري و التربوي للمؤسسات على الإدارة المدرسية ، و التنظيم المدرسي ، و علم النفس الاجتماعي التربوي ـ المدرسون : يستفيدون من أكبر عدد من العلوم كالديداكتيك و علم النفس التربوي و دينامية الجماعة و فيزيولوجيا التربية . " نص محمد الدريج بقدر احتوائه على تعددية علوم التربية قدم صنافة لهذه العلوم وفق معيارين أولهما الجوانب الشخصية التي يستهدفها الفعل التربوي . والمعيار الثاني المتدخلون في الفعل التربوي . فالنص هنا يطرح إشكالية تصنيف علوم التربية و بالتالي ليس هناك صنافة واحدة لعلوم التربية بل تتعدد التصانيف بتعدد الاقتراحات و المعايير . سأقدم صنافة أخرى لعلوم التربية وتنطلق من معيار العمليات المحددة للوضعيات التربوية و هي عوامل ثلاثة أساسية حسب ميالاري وهي : عوامل تتعلق بالشروط العامة للتربية كمؤسسة ، وعوامل تتعلق بالشروط المباشرة للوضعيات التربوية ، و عوامل تتعلق بشروط العلاقة التربوية ذاتها و بناء عليه يتم التمييز بين مجموعات كبرى لعلوم التربية وهي : 1 ـ حقول معرفية تدرس الشروط العامة و المباشرة للتربية و تشمل : تاريخ التربية ـ سوسيولوجيا التربية ـ الديموغرافيا المدرسية ـ اقتصاديات التربية ـ الإدارة المدرسية . 2 ـ علوم تدرس الوضعيات و الأحداث التربوية و هي أربع فئات :................................................. .................................................. .. الأولى : حقول تدرس شروط الفعل التربوي : فيزيولوجيا التربية ـ سيكولوجيا التربية ـ سيكوسوسيولوجيا الجماعات الصغرى ـ علوم التواصل . الثانية : علوم الديداكتيك ونظريات البرامج .................................................. .................................................. ............................ الثالثة : علوم الطرائق البيداغوجية وتقنيات التدريس .................................................. .................................................. ............... الرابعة : علوم التقويم .................................................. .................................................. .................................................. .. 3 ـ علوم التأمل المستقبلية و تشمل ما يلي : فلسفة التربية و علوم مستقبلية .................................................. .................................... هنا يتضح بصورة جلية ضرورة التكامل والتفاعل بين مختلف علوم التربية لإنجاز فعل تربوي سليم . و سأتنوال بعض هذه العلوم بالتعاريف و شيء من الدقة في في الآتي من العرض . المراجع المعتمدة في هذا العنوان : مقررات مدارس التكوين سلسلة التكوين تربوي العدد1 منهج البحث العلمي في التربية والعلوم الإنسانية للاستاذ عبد الكريم غريب . |
4 ـ اهتمامات علوم التربية أ ـ فلسفة التربية : هي ليست بعلم بالمعنى الدقيق للكلمة بل هي تخصص أساسي يساهم في فهم طبيعة الغايات الكبرى للتربية في إطار أنساق تبرر العمل التربوي فلسفيا و تحاول ربطه بالتجربة الإنسانية . هنا سأضع نصا لأوليفي ربول يقول فيه : " إن علم الإنسان يدرس غرض التربية ، وخاصة الطفل من ناحية طبيعته و بيئته وتطوره . ويدرس علم التربية طرائق التربية ، أما الفلسفة ، فتفكر في غاياتها : لم نربي ؟ و ما معيار تربية ناجحة ؟ وعندما يصرح أب لابنه : " هذا من أجل صالحك" ، فإن ذلك اللجوء إلى الصالح هو مسبقا اختيار فلسفي يتعذر على أي علم أن يبينه ، و كل ما يجب معرفته هو ما ينطوي عليه ذلك الاختيار ، فهل نستطيع مثلا أن نعمل صالح أحد بالرغم منه ؟ و عندما يتساءل مرب عن غايات مشروعه ، فإنما يتساءل كفيلسوف ، والأولى أن يكون ذلك عن خبرة " أظن أن هذا النص يجيب على ضرورة فلسفة التربية و اعتبارها بين قوسين علما من علوم التربية رغم وجود مناهضين لهذا التوجه . ب ـ تاريخ التربية : علم يهتم بالدراسات التاريخية "التطويرية " للنظريات و المؤسسات التربوية مع الاهتمام أيضا بتطور طرق التوظيف " توظيف المربين " وآليات التوجيه المهنية للتلاميذ و المحتويات والطرق والتقنيات التعليمية . ج ـ سوسيولوجيا التربية تهتم بتحليل وضع المؤسسات التربوية " المدرسة على الخصوص " في المجتمع ، وبالعلاقات القائمة بين المدرسة والمجتمع ، إضافة إلى اهتمامها بمكانة العاملين في المدرسة من الناحية الاجتماعية ، ويمكن أن تدخل دراسة المدرسة كمجتمع مصغر يختزل مكونات المجتمع الأكبر ن في دائرة اهتمام سوسيولوجيا التربية أيضا . د ـ إثنولوجيا التربية : تهتم بالطرق التي تستعمل اجتماعيا في تربية الطفل ضمن سياقات سوسيوثقافية مختلفة ، هدفها مقارنة هذه الطرق دون حكم مسبق عليها و دون اهتمام أكبر بالناحية التطبيقية . هـ ـ الديموغرافيا المدرسية : تهتم بوصف حالة الأعداد الممدرسة من التلاميذ و الطلبة من خلال سماتهم المختلفة ( سن ، جنس ، الطبقة الاجتماعية الوسط ....) وربط ذلك بالتوجه المدرسي وظاهرة الهدر المدرسي و معدلات التمدرس في المجتمع . وـ اقتصاد التربية : يتحدد مجاله في دراسة المردود العام لمختلف المستويات الدراسية ، وقياس مستوى مساهمة التربية في التطور الاقتصادي " تكلفة التربية ، العلاقة مع سوق العمل ، تمويل التربية .." زـ التخطيط التربوي : هو عبارة عن طريقة عملية لتحضير وتنظيم القرارات المتعلقة بالتربية والعمل على تنفيذها و يتصل ذلك بالعديد من العلوم كالوسيولوجيا والسيكولوجيا والاقتصاد ... ح ـ فزيولوجيا التربية : يتناول هذا العلم التربية من مقاربة فيزيولوجية طارحا مجموعة من التساؤلات من قبل: القوانين البيولوجية المتحكمة في الأساس البيولوجي لعملية النمو ـ نمو الإيقاعات الحيوية (النوم ، التعب ..) وعلاقتها بالتعلم المدرسي ـ الآثار التي تحدثها التغذية على المستوى الكمي والكيفي في النمو المدرسي للطفل . ـ العناصر الكيميائية الضرورية لتنشيط الانتباه و تقوية الذاكرة واستيعاب المعارف . فضلا عن تدخلها في العملية التعليمية التعلمية وذلك باهتمامها بالجانب السيكوحركي و المهارات الحركية في التربية البدنية . طـ ـ سيكوسوسيولوجيا الجماعات الأولية : تركز اهتماماتها على دراسة الشروط العلائقية و السوسيو وجدانية داخل جماعة القسم و أثرها على السلوك " التواصل ، القيادة ، الإدماج .." ي ـ سيكولوجيا التربية : تعد أهم علوم التربية وأكثرها التصاقا بعمليتي التعليم والتعلم ، لأنها تعالج عن قرب الشروط النفسية للتعلم ومختلف الآليات الفكرية و الوجدانية والحسية التي تتحكم في حدوثه وإيقاعاته . ص ـ علم التقييم والقياس : يهتم بدراسة أدوات و وسائل القياس المستعملة في التربية و تحديد شروط صلاحيتها و ثباتها بالنسبة لمختلف القدرات و المهارات التي تستعمل لقياسها . ع ـ الديداكتيك أو علم التدريس : موضوعها يتمحور حول بناء وصياغة الاستراتيجيات التدريسية و تجربتها و تحديد صلاحيتها وتطبيققيتها . هذا و يرتبط الديداكتيك بالوسائل التعليمية و طرق التدريس و تقنيات التدريس و المادة الدراسية . ف ـ علوم الإدارة المدرسية : و تعالج مشاكل تنظيم وتسيير البنيات والعمليات الإدارية و مشكلات التنسيق بين مختلف الوظائف والبنيات والأشخاص ، إضافة إلى مشكلات الفعالية في التسيير والإنجاز المتعلقين بالسياسة التعليمية . مراجع هذا العنوان : منهج البحث العلمي في علوم التربية و العلوم الإنسانية سلسلة التكوين التربوي العدد الأول . |
رائع ايها الجاسر استمتعت بما قرات ولي عوده احتراماتي |
اقتباس:
سعيد بتتبعك للموضوع و تسعدني أكثر عودتك . تقديري . |
5 ـ الفلسفة والتربية الفلسفة ممارسة فكرية مرتبطة بالذات الإنسانية تتوخى البحث عن الحقيقة و من أبرز مميزاتها السؤال الفلسفي ذو الصبغة الشاملة ، إذ لا يمكن الجواب عنه إلا بالإجابة عن الاسئلة الجزئية المتفرعة عنه . و الجواب الفلسفي يقدم رؤية محددة من منظور معين للإشكالية المطروحة للنقاش( المعرفة ، الإبداع ، الحقيقة ...) مما يؤدي إلى تعدد الرأي ، والجواب الفلسفي جواب معلل وبرهاني إذ به يتوخى الإقناع و هذه المهمة تستدعي التماسك والانسجام و الوضوح في الأفكار . الجواب الفلسفي يستند إلى نسق فلسفي عام الذي هو إطارفكري كامل يفسر به الفيلسوف القضايا التي يطرحها ، إنه يشكل بذلك رؤيته الخاصة للعالم ، النسق الفلسفي يشمل مجموعة من النظريات المترابطة ، والنسق الفلسفي يحتوي ثلاثة محاور كبرى ( المعرفة ، الوجود ، القيم ) فنتحدث عن نسق أفلاطون ، نسق أريسطو ، نسق ماركس .... أما الحقيقة الفلسفية فهي لا تخضع لمنطق الصواب والخطأ بل تقدم حقائق متباينة باختلاف الفلاسفة . إدراج فلسفة التربية كعلم من علوم التربية ليس مدعاة ترحيب عند كل الدارسين ، إذ يستند رافضو هذا التوجه إلى عدم علمية الفكر الفلسفي و أيضا كون الظاهرة التربية يتناولها الدارسون بنظريات علمية أكثر دقة لما لها من حساسية ، فهي موضوع لعلم النفس و علم الاجتماع . والتيار المعاكس يجد العلوم الأخرى تتناول القضية التربوية مجزأة ، فكل علم يتناول التربية من اختصاصه " البيولوجيا ، الاقتصاد ، علم النفس ، علم الجتماع .." ومن ثم توجد ضرورة لإيجاد مقاربة تحاول التنسيق بين جميع هذه العلوم ، ولن يقوم بهذا الدور غير الفيلسوف الذي يتجرأ على طرح السؤال و بالتفكير النقدي حيث يقول سبينسر : أن هناك ثلاثة أنواع للمعرفة معرفة غير موحدة وهي المعرفة العامية ، و معرفة ناقصة الوحدة و هي المعرفة العلمية ، و معرفة موحدة وهي المعرفة الفلسفية التي تلم شتات العلوم في إطار تركيبي متسق . طبيعة الطفل بين الخير والشر يقول ابن مسكويه في كتابه تهديب الأخلاق "... ذلك أن الطفل في ابتداء نشوئه يكون على الأكثر قبيح الأفعال إما كلها أو أكثرها ....إنه يكون كذوبا يحكي ويخبر ما لم يسمعه ولم يره ، ويكون طروقا نماما لجوجا ذا فضول أضر شيء بنفسه وبكل ما يلابسه " ، أما الغزالي فيرى الطفل يولد بقلب طاهر ، و يرى الطفل كما يراه أريسطو صفحة بيضاء ، و يعتبر التربية إعدادا للفرد للحياة الأخروية . و أن الطفل أمانة في يد المربي ، إذا عود الخير سار عليه . " يقول روسو : ليس قوام التربية الأولى أن نعلم الفضيلة والحق ، وإنما قوامها أن نجنب القلب الإثم ونعصم الفكر من الخطأ ، وأنت إذا استطعت أن لاتفعل شيئا وألا تدع غيرك يفعل شيئا ، وإذا استطعت أن تقود تلميذك السليم القوي إلى سن الثانية عشر ، دون أن يعرف التفريق بين يمناه ويسراه ، جعلت عيني بصيرته تتفتحان على العقل و حقائقه منذ الدروس الأولى التي تقدمها له بعد ذلك ، إذ مادام بعيدا عن أي فكرة سابقة وعن أي عادة ، فلن يكون ثمة شيء فيه يقاوم آثار رعايتك ." أما سان أوجستان : فيرى أن الطفل الصغير هو في الواقع مخطئ كيير و فند وجود براءة الطفولة . يفترض فرويد غريزتين أساسيتين في الإنسان : الأولى غريزة الحياة وهي مجموعة من القوى الحيوية والدوافع الغريزية التي تهدف إلى الحصول على اللذة الجنسية ، و إلى الحفاظ على النوع و حفظ الذات وهدفها تأليف الأشياء بعضها مع بعض والعمل على بقائها . والغريزة الرئيسية الثانية هي غريزة الهدم أو الموت ، و هدفها تفكيك الارتباطات ومن ثم هدم الأشياء و يفترض أن الهدف النهائي لها هو إعادة الكائنات الحية إلى حالة غير عضوية . يرى هوبز أن المعرفة تنتج عن الإحساس وهكذا لا يكون الخير والشر إلا مرادفين للذة والألم . من جهة أخرى من طبيعة الكائنات الحية البحث عن استمرارية حياتها ، وباختزال الخير والشر إلى مجموعة من الإحساسات لن يتمكن أي شيء من إيقاف هذا الميل الطبيعي والإنساني المتعلق بدفاع كل كائن عن حياته الخاصة . الطفل بين الإيجابية والسلبية يعتبر فرويد الطفل عاجزا تماما ولا يقوى على فعل شيء ، معتبرا الاعتماد على الغير و العجز خاصية من خصائص الطفولة ، و ويضيف إسحاق رمزي أن فرويد يبالغ كل المبالغة ، في سلبية الإنسان ، لكأنه ينكر عليه كل حرية أو قدرة على النشاط الفردي الطليق ، و لا يجعل منه سوى مسرح تنشط فيه عوامل الغريزة الفطرية . يقول واتسون رائد السلوكية " إذا أعطيتني عددا من الأطفال الأصحاء ، فإنني أستطيع عن طريق تنظيم البيئة التي يمكن إحاطتهم بها أن أضمن اختيار أي واحد منهم بطريقة عشوائية و أن أدربه لأجعل منه أي نوع من الاختصاصيين أختاره له : طبيبا أو مهندسا ، أو محاميا أو فنانا أو تاجرا أو حتى شحاذا و لصا . بصرف النظر عن ولعه وإمكاناته أو الجنس الذي ينتمي إليه " في نفس الاتجاه الذي يؤمن بسلبية الطفل يقف الفيلسوف جون لوك صاحب المذهب الحسي التجريبي ، إذ يؤكد أن النفس في الأصل لوح مصقول لم ينقش عليه أي شيء ، وأن التجربة وحدها هي التي تنقش عليه المعاني و المبادئ . بالمقابل هناك تيار آخر يجد الطفل إيجابيا من أبرزهم ليبنتز الذي ضمن تصوراته الفلسفية في كتابه "محاولات جديدة في الفهم الإنساني " حيث تناول بالنقد والتحليل كتاب جون لوك " محاولة في الفهم الإنساني " ، حيث يقول أن الإنسان ليس مجموعة من الأفعال الساكنة المتراكمة ، كما أن الذات ليست مرتعا لهذه الأفعال التي تنطبع عليها بفعل الخبرة والتجربة ، بل الإنسان هو نفسه مصدر هذه الأفعال يخلقها لمواجهة تغيرات وتبدلات الحياة التي تواجه استقراره ، وأن قوة الإرادة والنضال للاحتفاظ على الذات و توكيدها هو سر نمو الشخصية و هو نفس التوجه الذي ذهب إليه سبينوزا . أما كانط و هاربرت فأقرا مبدأ العقل الناشط عندالإنسان و يسير في نفس الاتجاه دوي و هيوم ، كما أن علم النفس الجشطالتي يعتبر أكثر صور الإنتاج العقلي الناشط . في القادم من العرض : انتظروا المزيد وشكرا على المتابعة مراجع هذا العنوان : ـ مقررات الفلسفة في الثانوي ـ مقررات مدارس التكوين في التربية ـ كتاب التربية العامة رونيه أوبير ـ العنف والإنسان كتيب ترجمه الدكتور عبد الهادي عبد الرحمان ـ حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس " منشورات اختلاف " ـ سلسلة التكوين التربوي العدد الأول . |
6 ـ نظريات التعلم هل يولد الإنسان إنسانا ؟ إن كان الجواب بالإيجاب فدور التربية ثانوي للغاية ، لكن كل المؤشرات تؤكد أن الإنسان لا تكتمل إنسانيته إلا بالتربية ، و لعل ظاهرة الأطفال المتوحشين " أطفال عاشوا مع الحيوانات لظرف من الظروف " تؤكد بما لايدع مجالا للشك أن التربية أساسية في أنسنة الإنسان . يقول ج م غازدا : " ومهما يكن الأمر ، فإن السلوك الإنساني ، إما يحدده النشوء والارتقاء النوعي ، وإما أنه سلوك متعلم ، أي سلوك قابل للتعديل و التغيير . والاختلافات الهائلة في سلوك البشر ، ليست جميعها إلا نتاج التعلم . " التعلم هو النشاط الذي بموجبه يكتسب الفرد المعارف و المواقف و المهارات التي بفضلها يشبع حاجاته ودوافعه . و بهذا المعنى يصبح التعلم عملية تغير دائم في سلوك الإنسان و اكتساب من خلال وضعية محددة أثناء تفاعل فعلي بين المتعلم و موضوع التعلم . ملاحظة : " المعارف مرتبطة هنا بالمجال المعرفي ، والمواقف بالمجال الوجداني و المهارات بالمجال الحس حركي " ، و من خلال التعريف يظهر أن بعض أنشطة الإنسان بفعل عوامل النضج والاستجابات الأولية والارتكاسات لا يعتبر تعلما . فمثلا وقوف الرضيع على قدميه نتيجة لنموه الطبيعي لا ينظر إليه بأنه تعلم . لأن التعلم ليس مجرد سلوك بيولوجي يحدث نتيجة اكتمال نمو الفرد ، بل هونشاط تحكمه شروط من بينها : أ ـ النضج والتدريب : و يقصد هنا بالنضج درجة معينة من النمو في أجهزة الفرد الداخلية و بدون هذا النمو لن يتأتى لذلك الجهاز القيام بوظيفته . لكن هذا النضج لا يرتبط بالتعلم مباشرة ما لم يصاحبه التدريب ، لأن النضج يتعلق بالنمو بينما التدريب بالتعلم . فالطيران عند العصافير مثلا مرتبط بالنمو لكن تعلم اللغة عند الإنسان مرتبط بالتدريب ، لأن نضج جهازه الصوتي غير كاف لإحداث التعلم . ب ـ الدافعية : هناك قاعدة سيكولوجية تقول " لا تعلم بدون دافع " لأن التعلم يحدث أثناء نشاط معين للفرد و هذا النشاط نفسه يحدث في وضع سيكولوجي معين يتمثل بوجود توتر و يهدف التعلم إلى إحداث الإشباع و خفض حالة التوتر . ج ـ موضوع التعلم : موضوع التعلم مرتبط بالدافعية ، ذلك أن الفرد يتعلم بسهولة و تبصر حينما يستحضر ما يريد تعلمه بدافع خفض التوتر الذي يحسه ، و يتخذ موضوع التعلم صورا عدة : معارف ، مواقف ، مهارات . د ـ الوضعية التعلمية : هي السياق الذي يجري فيه التعلم ، ويمكن لهذه الوضعية التعلمية أن تكون تلقائية كما يحدث أثناء اللعب ، أو قصدية كما هو عليه في المؤسسات التعليمية المنظمة . لم أبدأ بعد في موضوع نظريات التعلم بقدرما فتحت قوسا لتعرف معنى التعلم وشروطه . سأتناول ثلاث نظريات كبرى في التعلم وهي ، نظرية التعلم السلوكية ثم الجشطلتية و أخيرا البنائية في هذا العنوان ، و سأخصص عنوانا خاصا لمدرسة التحليل النفسي و جماعة القسم ، و عنوانا خاصا للبراديغم المعرفي . فخور بمتابعتكم للموضوع محبتي |
نظرية التعلم السلوكية
السلوكية مدرسة من مدارس علم النفس ، تعتقد أن الظاهرة النفسية سلوكات وأفعال ، فتصرفات الطفل وأفعاله مؤشرات على حالته الداخلية ، و السلوك هو فعل و تصرف ، حيث تفصل هذه المدرسة فصلا قاطعا بين السلوك والشعور فالأول مادي والثاني ميتافيزيقي . يقول واطسون زعيم المدرسة السلوكية الأمريكية : " لقد انتهى السلوكيون إلى أنه لا يمكن أن يقتنعوا بالعمل في اللامحسوسات ، والأشياء الغامضة ، و قد صمموا ، إما أن يتخلوا عن علم النفس ، أو يحيلوه علما طبيعيا " يقصد بالعلم الطبيعي كالفزياء والبيولوجيا و الجيولوجيا ، التي تعمل في الظاهر والملموس . يرى ثورندايك التعلم بأنه عملية إنشاء روابط و علاقات في الجهاز العصبي بين الأعصاب الداخلية التي يثيرها المنبه المثير ، والأعصاب الحركية التي تنبه العضلات ، فتعطي بذلك استجابة الحركة . و يرى التعلم يقوم على قانونين : قانون المران أو التدريب بمعنى أن الروابط تقوى بالاستعمال و تضعف بالإغفال . و قانون الأثر أي أن هذه الروابط تقوى وتكتسب ميزة على غيرها و تؤدي إلى صدور رضى عن الموقف ، إذا كانت نتائجه إيجابية . السلوك عند السلوكين مهما كان جزئيا يتكون من وحدة المثير و الاستجابة مما يقود إلى أن جميع الأفعال التي يقوم بها الفرد ما هي إلا استجابات لمثيرات معينة . يقول واطسون " إن المقياس الذي يضعه السلوكي أمامه هو كالتالي ، هل أستطيع أن أصف هذا الجزء الصغير من السلوك بلغة الحافز والاستجابة " استفادت السلوكية من الأبحاث التي أجراها بافلوف العالم الروسي حول المنعكسات الغددية و الباطنية و فزيولوجيا الهضم و التغذية ، إذ أجرى تجربية ناجحة على كلب وضعه في جهاز لجمع لعابه مباشرة من احدى الغدد اللعابية ، حيث كان يقدم لحما للكلب فيسيل لعابه ، ، لكن بافلوف لاحظ أن الكلب يسيل لعابه أحيانا قبل الأكل ، أي عندما يسمع خطواته أو يرى الصحن ، هكذا استنتج أن وجود الطعام في الفم منبه طبيعي لسيلان اللعاب كاستجابة ، لكن سماع الخطوات أو رؤية الصحن هي مثير شرطي . هكذا سمى بافلوف المنكس الشرطي ذلك الفعل المنعكس الذي يصدر عن الكائن الحي و الذي ترتربط فيه الاستجابة بعلامة مبدئية بديلة عن المنبه الطبيعي الأصلي . تعلم الاستجابة عند بافلوف قد تبنى شرطيا بمجرد اقتران مثيرين شرطيين أو أكثر لا علاقة لهما بمنبه طبيعي بيولوجي ، و هذا ما سماه بافلوف بالإشراط من درجة أعلى و هذا ما يفسر حسب منظور الإشراط في السلوكية الكلاسيكية تمظهرات السلوك في بعده اللفظي التداولي ، أي اللغة و الرموز وأنساق التواصل . درس بافلوف أيضا انبناء الاستجابات الإشراطية في بعدها الانفعالي ، سواء تعلق الأمر بإشراطات الإغراء و بناء الميل ، أو بإشراطات التنفير وبناء موقف الرفض . وأكد أنه كلما اقترن المثير الشرطي بالدافع السكولوجي تكونت بالضرورة استجابة شرطية انفعالية ، علما أن المثير الشرطي الذي يحمل مؤشرات الألم بالنسبة للمتعلم غالبا ما ينتهي بعجز الكائن عن اكتساب استجابة شرطية . فالمثير الشرطي المنفر عائق للتعلم . إذا كان الإشراط الاستجابي يقوم على وجود علاقة السبب بالنتيجة بين المثير والاستجابة إذ تكون الاستجابة نتيجة حتمية للمثير ، فإن سكينر في إشراطه الإجرائي يرى أن الاستجابة يمكن أن تصدر دون مثير واضح ، بل يعتقد أن الكائن الحي يتفاعل مع محيطه بشكل تبادلي ، إذ أنه يتأثر و يتغير من خلال التأثير والفعل في المحيط وتغييره . و يؤكد أن السلوكية الإجرائية جعلت من السلوك ظاهرة علمية موضوعية منفصلة عن أي إفراز غددي أو تفاعل عصبي كيماوي يمكن أن يندرج تحت إطار فزيولوجيا الجهاز العصبي ، أو علم وظائف الأعضاء . لأن هذا المنظور يختزل السلوك إلى سببية تفاعلية بين مركبات مادية جزئية ، تلغي الأثر المادي للسلوك كإجراء فاعل في البيئة ، و ناتج عن مثيراتها . مفاهيم النظرية الإجرائية في التعلم السلوك : السلوك حسب سكينر هو مجموعة استجابات ناتجة عن مثيرات المحيط الخارجي طبيعيا كان أم اجتماعيا ، و يميز سكينر بين ردود الفعل الاعتباطية ، وبين السلوك الذي تتبعه وبناؤه عن طريق التعزيزات المثير والاستجابة : المثير في الأصل هو منبه خارج العضوية البيولوجية من مصدر مادي أو اجتماعي ، والاستجابة هو كل ما ينتج عن العضوية كنتاج للإثارة . إلا أن سكينر لاحظ أن استجابة العضوية تصدر عنها نتيجة تشكل معززا ( تعزيزا إيجابيا أو سلبيا ) لذلك فالاستجابة تنتج مثيرا معززا يؤثر على مسار انبنائها أو انطفائها . الإجراء : استحدث سكينر مهوم الإجراء كتعويض لمفهوم الفعل المنعكس ، للتعبير عن السلوك الذي يبنى بنتائجه و يتحدد بها ، إنه سلوك يؤثر في الكائن نفسه من جهة وكذا في البيئة . فهو إذن استجابة مقترنة بمعزز و ليس بالمثير الذي يصحبها . الإشراط الإجرائي : إن الإشراط الكلاسيكي عند بافلوف يعتبر إشراطا استجابيا لأنه مبني على تعاقب المثيرات ، و الإشراط الإجرائي يبنى على أساس انتاج الاستجابة لمثير آخر . مفهوم التعزيز والعقاب : لاحظ ثورندايك أن الأثر الإيجابي الناتج عن السلوك يبعث على الرضى ، أما الأثر السلبي فيؤدي إلى القلق . و كلا الأثرين يؤثران بعمق في بناء السلوك . و لقد زكى سكينر هذا التوجه ، فالرضى و الإشباع سيزيد من عدد المعاودة الاستجابية ، إذن فهو مثير معزز كنتيجة . أما القلق و الألم فسيشكل مثيرا مطفئا وبالتالي سيؤدي إلى تناقص الاستجابة و عدم انبنائها . مفهوم التعلم يؤكد سكينر أن التعلم هو انبناء الاستجابات السلوكية كأنماط تغير طارئة على سلوك الفرد و التي يمكن أن تدوم بفعل الإشراط الإجرائي ، إنه نتاج التفاعل مع المحيط . مبادئ التعلم في النظرية الإجرائية التعلم نتاج للعلاقة بين تجارب المتعلم و التغير في استجاباته : التجربة تحدث تغيرا في استجابات الكائن فهي تبني العادة والسلوك المراد بناؤه ، فهو إذن ثمرة للعلاقة الجدلية بين التجربة و التغير في الاستجابات . التعلم يقترن بالنتائج : التعزيز عند سكينر نوعان إيجابي وسلبي ، فالمثيرات التي تحملها الاستجابة كنتيجة إيجابية تسمى معززات إيجابية ، لأن الستجابة تتقوى كلما توفرت هذه المثيرات الإيجابية ، أما المثيرات السلبية التي تمنع استجابة الكائن فهي معززات سلبية . إذن فالتعزيز يقترن بالاستجابة و ليس بالمتعلم كعضوية بيولوجية . التعلم يقترن بالسلوك الإجرائي المراد بناؤه : إن سلوكات العملية التعليمية التعلمية هي فئات إجرائية ، وذلك لكونها تركز على مقاطع معينة من سلوكات الطفل المتعلم . التعلم ينبني بتعزيز الأداءات القريبة من السلوك النمطي إن تشكيل السلوك النمطي يقتضي تعزيز الأداءات السلوكية بشكل تقاربي وتعاقبي ، لأنه كلما تقاربت سلسلة الاستجابات من الإجراء النمطي المرغوب فيه تم تعزيز المقاطع التي تتقارب و تتدرج في مستويات التشابه مع السلوك الإجرائي الهدف . التعلم المقترن بالعقاب تعلم سلبي : لاحظ سكينر أن اقتران العقاب باستجابة الكائن المتعلم يقلل من نسبة تكرار تلك الاستجابة ، فإما ينسف انبناءها ، وإما يبني المتعلم مواقف هروبية أو سلوكات عدوانية . ساكتفي بهذا القدر في موضوع المدرسة السلوكية لننتقل إلى المدرسة الجشطلتية . |
نظرية التعلم الجشطلتية
الجشطلتية مدرسة سيكولوجية تأسست ببرلين في ألمانيا بين 1910 , 1920 واهتمت ببحث و دراسة موضوع الإدراك وتنطلق في ذلك من مبدأ الكلية ، إذ لا يمكن تحديد سلوكات بعتاصرها الفردية بل لابد من إدراكها داخل كليات . فليس هناك عناصر معزولة بل كل تجربة تخضع لتنظيم في مجال ما ، فتحليل سلوك الفرد لا يمكن أن يتم إلا من خلال العلاقات بين عناصر المجال . الجشطلت حسب فرتيمر " كل مترابط الأجزاء باتساق وانتظام ، بحيث تكون الأجزاء المكونة له في ترابط دينامي فيما بينها من جهة و مع الكل ذاته من جهة أخرى ، فكل عنصر أو جزء من الجشطلت له مكانه و دوره و وظيفته التي تتطلبها طبيعة الكل " التعلم عند الجشطلتيين لا يتم بالمحاولة والخطأ و ما تقتضيه من ارتباطات ميكانيكية جزئية يقول كوفكا " مبدأ المحاولة والخطأ يعني في المقام الأول أن لاشيء جديدا يمكن أن يتعلم ، هو استبعاد بعض الاستجابات و تثبيث ما بقي منها ، و لكن ليس لهذا السلوك أي غرض أو اتجاه ، و على حيوان التجربة أن يحاول عبثا ، كما أن استبعاد الحركات الخائبة و تثبيت الصائبة ، يجب أن يتقدم دون مشاركة من جانب الحيوان ، إذ ليس للحيوان في وضعية التعلم أدنى فكرة عن السبب الذي من أجله يتحول سلوكه .. " فالجشطلتيون يرفضون فكرة أن السلوك ينحل إلى وحدات استجابة ـ مثير ، فليس هناك وجود لرابطة بين هذين العنصرين ، سواء أكانت هبة من الطبيعة أو مراسا وخبرة ، كما أن الغريزة ليست سلسلة من الأفعال النعكسة ، ، وليس السلوك التعلمي المكتسب نسقا من انعكاسية مرتبطة ببعضها عبر سيرورة إشراط . حيث يقول كوفكا :" إن الطفل لا يبدأ حياته بطائفة من الحركات المنعكسة منفصلة ثم تصبح بالتدريج شرطية و متلازمة في السلوك ، وإنما يبدأ الطفل بسلوك من نوع متدفق و غير منظم تنظيما كافيا ، و تكيفه بالبيئة يضمن هذا التنظيم ، سواء في الجانب الحسي أو الحركي عن طريق انضواء هاذين البعدين في النشاط الكلي للكائن العضوي ، هذا النشاط الكلي يقترن منذ البدء بخاصية الغرضية و القصدية " يرى فرتيمر : " ... وهكذا فإن العملية السيكولوجية للاستبصار ، تشكل جوهر اهتمامات العالم الجشطلتي في سيكولوجيا التعلم ، فالتعلم يكون قد تم عندما يتم الفهم ، وعندما تتم تنمية الاستبصار في الطبيعة الحقيقية للموقف المشكل و عندما يعدل المتعلم بطرق تظهر أن الملامح الهامة للعمل المراد تعلمه قد تم إدراكها ، .......، و أحد الاختيارات التي توضح فيما إذا كان التعلم قد تم فعلا ، هو التحقق من أن ما تم تعلمه يمكن تعميمه على عمل آخر له علاقة بالعمل الأول . " مفاهيم جشطلتية البنية : هي القاعدة الأصل في كل جشطلت ، و هي تتشكل من العناصر المرتبطة بقوانين داخلية ، تحكمها ديناميا و وظيفيا ، فكل تغير في عنصر بالضرورةيؤثر في البنية ككل . الاستبصار : هو الإدراك المتدبر التحليلي الذي يصل بالمتعلم إلى اكتساب الفهم ، أي فهم مختلف ابعاد الجشطلت ، أو الموقف الإشكالي موضوع التعلم ، وضبط ترابط أجزائه و أشكال و صيغ اشتغاله الوظيفي . التنظيم : تتحدد سيرورة التعلم في عملية الكشف عن الصيغ التنظيمية التي تحكم بنية الجشطلت ، فإذا كان مجال الموقف التعلمي يحمل قاعدة بنية تنظيمية تحدد تمفصلاته ، و صيغ انبنائه ، فإن هذه المبادئ المنظمة له تصبح الحقل المباشر لفعل التعلم . إعادة التنظيم : إن بناء التعلم يقتضي الفعل في موضوع التعلم ، أي إعادة هيكلته ، وتنظيمه على ضوء سيرورته ، و من ثم تتغير إدراكات المتعلم السابقة للموقف و لمجاله ، أي أنه يعيد تنظيم مدركاته ومعارفه من خلال تجاوز أشكال الغموض و التناقض السابقة و تحقق الاستبصار و الفهم الحقيقي ، وهذا لا يتأتي إلا من خلال سيرورة إعادة التنظيم . الانتقال: لا يمكن التحقق من حصول التعلم إلا بشرط تعميمه على مواقف مشابهة في البنية الأصلية ، و مختلفة في أشكال التمظهر . إن التعلم يعني قدرة نقل المتعلم لاستبصاره إلى مواقف متنوعة ذات صلة بالمشكلة الأصلية " فالاستبصار الحقيقي هو الذي ينتقل إلى المجالات المرتبطة و الملائمة . الدافعية الأصلية : إذا كانت السلوكية تعتبر التعزيز مرتبطا بمثيرات خارجية هي التي تساهم في ترسيخ السلوك أو انطفائه ، فالجشطلتية ترى التعزيز يكون داخليا . فالسعادة الداخلية تتأتى كلما تمكن المتعلم من فك غموض الجشطلت وتحقق الاستبصار . الفهم والمعنى : سياق التعلم يساوي الانتقال من وضعية تكون فيها عناصرها و وخصائصها لا منعى لها ، أي غامضة و متناقضة ، إلى وضعية تصبح فيها العلاقات بين الأجزاء ذات معنى ، أي قابلة للفهم . فالفهم إذن هو كشف استبصاري لمعنى الجشطلت . مبادئ التعلم الجشطلتية الاستبصار شرط للتعلم الحقيقي : إن المعرفة هي تفكيك للموقف أو الظاهرة و ذلك باستعمال الإدراك والتحليل و تقنيات الكشف عن مكونات البنية الداخلية ، فبناء المعرفة أو اكتساب المهارة ليس إلا نتيجة مباشرة لإدراك الموقف و استبصاره . إن الاستبصار يتعارض مع بناء عشوائي و اعتباطي للمعرفة كالحفظ و التعلم بواسطة التكرار فالبناء الإدراكي يقترن بالتشكل الترمزي للمعلومة في الذاكرة حيث تصبح أثرا راسخا ، فإدراك المعطى جزء من انبنائه و انبناؤه متلازم مع استبصار قواعد تنظيمه و فهم معناه ، وبالتالي ترسبه في عمق الذاكرة . الفهم و تحقق الاستبصار يفترض إعادة البنينة : كل شخص يحمل تصورا "انطباع" عن موقف أو ظاهرة ، لكن أثناء الفعل التعلمي يتم الاشتغال على تفكيك عناصر " الموقف ، الظاهرة " ليحصل الفهم ، وبالتالي إعادة بنينة معطياته في تنظيم استبصاري يعتبر قاعدة السيرورة التعلمية . التعلم يقترن بالنتائج يرى علماء الجشطلت أن نتائج أعمالنا و سلوكاتنا و صيغ تفكيرنا تقود أشكال تعلمنا بشكل تلازمي ، و يرى كوهلر أن النتائج هي صيغ الضبط و التعديل و التقويم اللازم للتعلم . الانتقال شرط التعلم الحقيقي عندما يضبط المتعلم انتظام الموقف و الظاهرة ويكتشف قوانينها وأسسها و القواعد المتحكمة فيها ، يكون مؤهلا للانتقال بهذا الاستبصار إلى مواقف مشابهة و وضعيات جديدة ، فالتعلم الحقيقي هو الذي يفتح أفق ممارسته و استثماره على وضعيات من الواقع الموضوعي خارج المدرسة . الحفظ والتطبيق الآلي للمعارف تعلم سلبي تبين علميا أن المعلومات التي يتم اكتسابها بالحفظ والاستظهار ، يتم نسيانها بشكل سريع عكس التي تم فهمها واستبصارها ، كما يتعذر نقل المعارف التي تم تلقينها آليا بالحفظ و تعميمها في وضعيات جديدة . الاستبصار حافز داخلي قوي ، والتعزيز الخارجي سلبي : إذا كانت السلوكية ترى المكافأة والتعزيز الإيجابي الخارجي فاعلا في ترسيخ الاستجابة و بناء السلوك فإن الجشطلتية ترى أن ذلك التحول من وضعية التصور و الانطباع الذي يسوده الغموض إلى حالة فهم الموقف واستبصاره عند حدوث التعلم ، هو تعزيز قوي ، ذلك أن الغموض يصيب بالقلق و استبصار الموقف يعتبر تجربة سعيدة عند المتعلم . فلذة إنجاز تمرين في الرياضيات مثلا و كشف البرهان المناسب تحقق الرضا عن الذات و يخلق نوعا الانتصار و التحدي على العوائق الخارجية ، وبالتالي هو التعزيز الأصلي النابع من الداخل . الاستبصارتفاعل إيجابي مع موضوع التعلم : إن الإدراك السطحي للوقف يبني معرفة غير صحيحة وهو ناجم عن عدم إعطاء قيمة حقيقية لموضوع التعلم ، لأن الانطلاق من موقف تبسيطي و التقليل من نسبة تعقيد أو صعوبة الموقف من شأنه أن يكرس حالة الغموض والتشويش عند المتعلم ، لأنه بذلك يبتعد عن الموضوع و يبني إدراكا زائفا و مغلوطا . إن الاستبصار تدبر و تعقل للذات في الموضوع ، إنه عملية الكشف التي تمارسها الذات عندما تنفصل عن الموضوع لتعقلنه في قانون أو قاعدة أو رمز أو معلومة كلية . |
موضوع قيم، متابعة بعون الله
بارك الله فيك أستاذي الكريم وأكرمك |
اقتباس:
شكرا جزيلا |
نظرية التعلم البنائية
بكون بياجي مؤسسا للمشروع السيكولوجي حول بنيات و تكوين و سيرورات تطور الذكاء البشري ، ومراحل تكوين المعرفة عند الإنسان ، فهو أيضا اهتم بشكل كبير بقضايا التربية والتعلم حيث أقام أسسا علمية لسيكولوجية تربوية تعليمية ، يصعب الفصل بين المنظور التكويني النمائي لسيكولوجية بياجي و بين نظريته في التعلم ، لأن التعلم جزء من السيرورة التطورية النمائية للطفل ، و لأنه محكوم بالمرحلية السيكوـ زمنية لنمو قدرات الطفل و أجهزته السيكو معرفية . رغم ذلك فالدارسون يميزون بين مقارباته للموضوعين ، إذ يقول دونالدسون أن التعلم بالنسبة لبياجي ليس مرادفا للتطور النمائي ، فإذا كان النمو هو انبناء وتشكل قدرات الطفل على التكيف ، فالتعلم هو نشاطات فعل الذات على موضوع أو ظاهرة بهدف الانتقال إلى استدماجه في الإواليات الوظيفية المعرفية لهذه الذات . هنا في هذا العنوان سأحاول إلقاء الضوء على نظرية بياجي التكوينية " البنائية " حول التعلم وسأترك مقاربته و مقاربة التحليل النفسي حول النمو في عنوان خاص بالنمو سواء "المعرفي" عند بياجي أو "الوجداني" عند فرويد . فالتعلم عند بياجي يختلف عن المدرستين السلوكية والجشطلتية فهو مرتبط أساسا بعمليات الاستيعاب و التلاؤم التي تباشر بها الذات اشتغالها على العالم الخارجي باتجاه خلق التوازن إن التعلم عند بياجي هو سيرورة وعي بنائية بين الذات و موضوع التعلم بغية خلق النسقية التكيفية الإيجابية المقترنة بتحقيق التوازن والحد من حالات التشويش والاضطراب التي تعيق التفاعل الإيجابي مع الواقع . مفاهيم في المدرسة البنائية التكيف : هو غاية التطور النمائي ، و كل التفاعلات المعرفية بين الذات و الواقع ، والتعلم هو تكيف العضوية مع معطيات وخصائص المحيط المادي والاجتماعي . الاستيعاب : عملية استدماج المعارف والمعلومات ضمن أنسجة جهاز العضوية المعرفي لتصبح معطيات مألوفة ، لا تسبب التشويش و الاضطراب . التلاؤم : يقصد به صيغ التبني والاستدماج الرامية إلى مطابقة مواقف وسلوكات الذات مع الموقف الجديد ، فالتلاؤم هو تغيير استجابات الذات بعد استيعابها لمعطيات الموقف ، باتجاه التوازن . التوازن : هي وضعية التناغم و الانسجام التفاعلي مع الوسط ، فالذات تتبنى بعض صيغ التنظيم والضبط باتجاه تجاوز حالة الاضطراب والتشويش بغية الحصول على التوازن و غايته الوصول إلى التكيف . السيرورات الإجرائية المعرفة عند بياجي لا تكتسب كاملة جاهزة من الخارج ، كما أنها ليست نسخا للواقع ، و لا علاقة لها مع الموروث الفطري ، إنها تتأسس على قاعدة العمليلات الإجرائية أي النشاط العملي ، فكل درجات التطور و التجريد في المعرفة و كل أشكال التكيف تنمو في تلازم جدلي و تبنى بالتعلم . فالمعرفة شيء ينبغي بناؤه. مفهوم التمثل والوظيفة الرمزية التمثل هي الخريطة التي يبنيها الفكر عن عالم الناس والطبيعة و الأشياء . إنه بناء للواقع على مستوى أجهزة الذات المعرفية . ويبنى التمثل بواسطة أدوات الوظيفة الرمزية كاللغة . خطاطات الفعل إن كل أشكال التعلم العليا و المجردة عند الإنسان ترتد بشكل أو بآخر إلى مرجعية خطاطات الفعل ، كإيواليات حاسمة في التفاعل بين الذات و الموضوع ، فالخطاطة هي نموذج سلوك يمكن استعماله قصديا ، و تشكل أجزاء الفعل بتناسق مع خطاطات أخرى ، ثم أنساق جزئية لسلوك معقد يسمى خطاطة كلية . فخطاطة الفعل تشكل ذكاء عمليا هاما ، ومن مميزات هذه الخطاطات أنها قابلة للتكرار والتعميم . مبادئ التعلم في البنائية التعلم لا ينفصل عن عن التطور النمائي : التعلم لا يتوقف على اكتساب مفاهيم أكثر بساطة تكون في مجموعها المفهوم الأكثر صعوبة ، بل يتطلب شيئا من التنظيم الداخلي تجاه العمليلات العقلية المشتغلة على الواقع و مواضيعه ، مما يستدعي تطور القدرات العقلية و العصبية المرتبطة أساسا بالنمو . التعلم يقترن باشتغال الذات على الموضوع و ليس باقتناء معارف منه التعلم ليس هو الربط بين موضوع ما و بين الخصائص و المعلومات المرتبطة به بشكل ميكانيكي ، كما أنه لا يتم بالجمع الآلي للمكونات الجزئية لمفهوم فزيائي أو رياضي ، بل يرتبط بالتفاعل بين الذات والموضوع ، فالطفل يصطدم مع الموقف و يشعر بعدم تكيفه معه ، فيلجأ إلى البحث عن إجراءات الحل المطلوب اكتشافها و اختراعها ، فالإجراء الجديد بنبثق من تفكير المتعلم . الاستدلال شرط لبناء المفهوم : إن الطفل يأتي المدرسة مزودا بالحد الأدنى من المعلومات والقدرات و الإجراءات السيكو معرفية الخاصة ، و المحكومة بسنه النمائي ، فالمفهوم يبنى على أساس استنتاجات استدلالية تستمد مادتها من خطاطات الفعل . الخطأ شرط التعلم : إن اشتغال الطفل على المعرفة هو أساسا احتمالات إيجاد الإجراء الإيجابي فهو يمارس سلسلة من من الاختبارات لاكتشاف الوضعية والحل . إن الخطأ صيغة استدلالية من صيغ التعلم ، إذ يقتضي السؤال عن سبب الوقوع في الخطإ المؤدي بدوره إلى الاستدلال كشرط لإبعاد الخطأ . الفهم شرط للتعلم : يختلف بياجي مع البيداغوجيا الكلاسيكية التي تجعل المعلم من يبني السؤال و إجراءات الإجابة ، ومع السلوكية التي ترى بناء الأسئلة كمثيرات للتعلم ، ويختلف مع توليدية سقراط ، التي توجه المتعلم نحو الإجابة الصحيحة ، و يرى بناء المتعلم لأسئلته هو شكل من أشكال الفهم ، إنه تمثل لها ، و تمثل للإجابة في عمق البنية المعرفية للسؤال ، إن السؤال الذي يبنيه التلميذ هو سيرورة تمثل وفهم . التعليم يقترن بالتجربة وليس بالتلقين إن كل تجربة يعيشها الطفل تستلزم هيكلة الواقع ، إي إعمال لميكانيزمات الاستيعاب ، التي هي من صميم نشاطات الذات ، والتلقين لا يأخذ بعين الاعتبار أن المعطيات يجب استدماجها ، و التعلم لا يستوجب الاستيعاب . و التعلم الحقيقي لا يتم إلا عنطريق تجارب النشاط الطفلي الداخلي و كل استيعاب هو هيكة واكتشاف للواقع . التعلم تحقيق للتوازن إن تحقيق التوازن يقتضي تجاوز المتعلم لكل احتمالات حالات التشويش في أبنيته المعرفية ، فالطفل غالبا ما يتوفرعلى على معرفة ما عن وضع أو ظاهرة ، وهي تكون خاطئة أو سطحية ، كما أن إجراءاته التعديلية تكون التشكل و التطور . لهذا يرى بياجي أن الخطأ يؤدي بالمتعلم إلى تعديل قواعده المعرفية . انتهى هذا العنوان أي نظريات التعلم ، الذي ركزت فيه على مرجعين أساسيين و هما: القيم والمواقف " سلسلة علوم التربية " العدد الثامن . سلسلة التكوين التربوي العدد الثاني . |
7 التحليل النفسي وجماعة القسم
إن الانفعالات والعواطف والأهواء تعود إلى عوامل لاشعورية تتمثل في الدوافع الغريزية ، هكذا تؤسس مدرسة التحليل النفسي قواعدها عكس المدارس التي تحاول حصر العمليلت النفسية في الشعور . وفي إطار تصوره للجهاز النفسي توصل فرويد إلى وجود منطقة نفسية سماها " الهو" إلى جانب منطقتي " الأنا " و "الأنا الأعلى" . واعتبر الهو مكمن جميع الدوافع الغريزية ، فالهو يشمل كل يحمله الإنسان منذ الولادة ، و كل ما هو متعين في طبيعته ، أي في المقام الأول الدوافع الغريزية التي هي أول نمط من أنماط التعبير النفسي . من هذا المنطلق لا يمكن التغاضي عن اللاشعور. اللاشعور يتضمن قوى ذات طابع لا عقلي ، غير خاضعة لمنطق الواقع الخارجي ، وتسعى جاهدة للانفلات و الإشباع . و تشكل هذه القوى كتلة غير متمايزة في بدائيتها ، ويمكن تصورها على أنها طاقة كامنة لا ترتبط بموضوع معين ارتباطا نهائيا ، وتتخذ بعد ذلك أشكالا متمايزة تؤدي إلى أفعال جد مختلفة . تخضع جميع قوى اللاشعور لمبدأ اللذة ، إذ أن هدفها إشباع الميول و الحاجات التي تمثلها . تتواجد قوى اللاشعور في استقلال عن بعضها ، و إذا كانت تهدف إلى نفس الهدف فإنها لا تتصارع بل يحصل بينها تواطؤ ، القصد منه اشباع الغرائز المتعارضة قدر الإمكان . مكونات اللاشعور يتكون اللاشعور من عنصرين أساسيين : الأول يشمل ما يلي : الغرائز و الدوافع : الدافع الغريزي أصله داخلي إي أنه صادر عن مثيرات داخل البدن ، إنه قوة مستمرة لا تتوقف ولا يمكن التخلص منه بأعمال هروبية . الحاجات : تتكون الحاجات انطلاقا من الغرائز و قد تكون نفس الغريزة مصدرا لحاجات مختلفة ، ويتوجب تلبيتها لكي لا تكون العضوية معرضة لاضطرابات خطيرة . الأفكار : وهي تشكيلات دينامية تمثل الحاجات والغرائز و قد تكون منطلقا لفعل ما . أما العنصر الثاني المكون للاشعور فيتمثل في الدوافع المضادة ، وهي كل القوى التي تتكون تدريجيا خلال سيرورة الحياة و يتمثل الفرد هذه الدوافع خلال مرحلة الطفولة خاصة ، بفعل قواعد التربية و ضوابطها انطلاقا من تفاعله مع الوسط ، وتصبح بذلك قوى لاشعورية تتحكم في سلوك الفرد و ردود فعله الوجدانية ، و واضح أن الدوافع المضادة تمثل الأنا الأعلى التحليل النفسي و جماعة القسم يتأسس تحليل فويد لوجدان الجماعة على مفهوم الليبدو مسلما أن علاقات حبية " روابط وجدانية" تشكل ايضا مكنون الجماعة . واعتبر أن تماسك الجماعة لا يقوم على وحدة المصالح الفردية بقدرما ينبني على قوة الأيروس ، ومن ثم فماهية الجمع إنما تكمن في الروابط الليبدوية التي تخترقه من أقصاه إلى أقصاه . ويعتبر فرويد الآخر يلعب على الدوام في حياة الفرد دور النموذج أو الشريك أو الخصم . يعرف فرويد التوحد بكونه التظاهرة الأولى لتعلق وجداني بشخص آخر ، و الشكل الأكثر بدائية للتعلق الوجداني بموضوع ما ، ويحدث كلما اكتشف شخص سمة مشتركة بينه وبين الآخر ، وكلما تعددت الصفات المشتركة كان التماهي أكمل . هكذا يمكن مثلا أن يتوحد المتعلم مع المعلم كلما أحس أن بينهما صفات مشتركة ، ويمكن للمدرس أن يدعم نتيجة لذلك طموح التلميذ و يرفع من مستواه . على أساس هذا المعنى للتوحد حاول كل من ريدل و بيون تحليل العلاقات الوجدانية داخل جماعة القسم سواء بين المدرس والتلاميذ أو بين التلاميذ أنفسهم . نمطية ريدل أسس ريدل بحوثه على فكرة الشخص المركزي الذي يكون محور الجماعة ، إذ تتحدد هويتها من خلاله و يستقطب الإسقاطات الوجدانية لأفرادها ، ويؤثر على تماسكها ، وداخل الفصل " القسم" يكون الشخص المركزي إما المدرس ، أو أحد التلاميذ . و يحدد ريدل عدة أنماط للشخص المركزي داخل جماعة الفصل : العامل الأبوي : يجسد نمطا من المدرسين بملامح صارمة ، لكنه طيب وعادل ، فالتلاميذ يحترمونه و يشعرون بالأمان معه . و إن كانوا يتصرفون وفقا لرغباته فإنهم لا يريدون التشبه به ، و يكون التلاميذ جماعة من خلال تمثلهم للأنا الأعلى للشخص المركزي داخل وعيهم الخاص . القائد هو مدرس يثير إعجاب التلاميذ لأنه شبيه بهم و يمتلك مهارات تقنية كبيرة ، لذى يتقمصون شخصيته على مستوى مثال الأنا "القدوة" الذي يكونونه و يتمنون أن يصبحوا مثله . المستبد ك مدرس يهتم بالإنضباط و النظام و النظام و يسعى إلى تحقيقه بطرق و وسائل شتى داخل القسم . وهو يستغل التلاميذ لإشباع ميولاته السادية ، لكن دون أن يثير فيهم التمرد ، و بسلوكاته و تأثيراتها تقل الصحبة والصداقة بين المتعلمين و يتملكهم الشك ، وبسبب الخوف يتقمصون على مستوى أنهاهم الأعلى للمسبد . وهذه ما يعرفه المحللون بالتوحد مع المعتدي . موضوع الحب : هو المدرس الذي تغرم به التلميذات ، ويتصرفن نتيجة لذلك كجماعة ، ويكون المدرس هو بالفعل الشخص المركزي داخل الجماعة ، إلا أنه ليس قائدا ، فالتلميذات لا يتوحدن به و لا يتقمصن معاييره . موضوع العدوانية إنه مدرس مرن في في سيادته ، و أقل ميلا إلى الهيمنة مقارنة مع المستبد ، فالتلاميذ لا يميلون إليه ولكنهم يتحكمون في عدوانيتهم حتى يتحاشوا العقويات ، وتكون العلاقات بينهم علاقات صحبة و زمالة قوية . المنظم هو تلميذ يتيح للآخرين إشباع رغباتهم المكبوثة ، فمثلا يهيء لهم فرص الغش فيجعلهم لا يحسون بالذنب ، إذ أن الخطأ لم يعد خطأهم و يكون شخصا مركزيا من منطلق المشاركة الجماعية في تحقيق اللذة . الفاتن : هو تلميذ يثير عدوى وجدانية عند التلاميذ و يدفعم إلى القيام بفعل بدون إرادتهم بمجرد إقدامه على ذلك الفعل ، وهنا يدعم الشخص المركزي الأنا عند التلاميذ . البطل : و هو التلميذ الذي يتمرد ، ضد سادية أو لا عدالة ، فالتوحد ضد المعتدي الذي كان بالنسبة للتلاميذ وسيلة دفاعية ضد الرغبة في التمرد ، تتحول إلى توحد مع البطل فيدعم هذا الأخير الأنا و يسمح بتكون الجماعة . ذو التأثير السيء وهو التلميذ الذي يتهم بدون مبرر واضح بصفة مستمرة ، فؤثر في التلاميذ دون أن يقصد ذلك ، و إذا كان قريب الشبه بالفاتن فهو يختلف عنه بكونه لا يبدأ الفعل قبل الآخرين . نمطية بيون يعتقد بيون أن داخل جماعة يوجد مستويان : مستوى المهمة : و يقابل مستوى الوعي لدى الفرد ، فأفراد الجماعة يتعاونون من أجل إنجاز عمل ما ، وفق قواعد توزيع الأدوار فيما بينهم . مستوى تكافؤ القوى : له علاقة بالمجال الوجداني الذي يرافق الأعمال الواعية لأفراد الجماعة و يحددها ، والذي قد يعيق إنجاز المهمة أو يسهلها . و تنتظم التفاعلات الوجدانية داخل الجماعة انطلاقا مما يدعوه بيون فرضيات قاعدية و تشكل أطرا تنظم فعليا سلوك الجماعة و هي : التبعية : تهيمن علاقات التبعية بين أفراد الجماعة ، فيتصرف أعضاؤها كما لو أنهم يريدون الاحتماء بالقائد ، الذي يجدون فيه غذاءهم الفكري و الوجداني ، ويمكن للقائد أن يستجيب لرغبة الجماعة في الاحتماء به فيخلق جوا عابرا من الأمان ، أو لا يستجيب فيكون هدفا لهجوم أفرادها . التقارب " التزاوج" : جماعة يسودها الأمل ، و يتجسد هذا الإحساس من خلال روابط التعاطف الوجداني التي تتكون بين عنصرين من أفرادها ، ويعتبر باقي الأفراد هذا التقارب تجسيدا لأمل إيجاد الحلول لجميع مشكلات الجماعة . الهجوم ـ الهروب يتصرف أفراد الجماعة كما لو أن الهدف من اجتماعهم هو مقاومة خطر داهم ، أو مهاجمة شخص ، أو الهروب منه ، فيهملون إنجاز مهامهم ، وفي هذه الحالة وحده الزعيم الذي يكون قادرا على تهييء فرص الهروب والاعتداء يكون مقبولا من قبل أفراد الجماعة . مرجع هذا العنوان هو : القيم والمواقف ، سلسلة علوم التربية العدد الثامن . |
8 ـ البراديغم المعرفي
البراديغم : هو مجموعة من القواعد الضمنية أو الظاهرة التي توجه البحث العلمي في زمن معين ، من خلال تمكينه من أنماط جديدة من المشاكل والحلول ، وفق قاعدة من المعارف العالمية المعترف بها . فإذا كان للبراديغم السلوكي سيطرة في النصف الأول من القرن العشرين ، فإن تطور العلوم المعرفية أنتج توجها جديدا في السكولوجيا بني على التطورات و الاكتشافات التي حدثت بالضبط في مجال المعلوميات ، و هذا التوجه هو ما اصطلح عليه بالسكولوجيا المعرفية . المعرفية : تعني النشاط الذهني الذي يتضمن اكتساب المعارف " تخزينها و تحويلها و استعمالها و هي توظف مجموعة من السيرورات الذهنية "كالادراك ، الذاكرة ، الصور الذهنية ، اللغة ، حل المشكلات ، التفكير و أخذ القرار" السيكولوجيا المعرفية : هي مقاربة نظرية خاصة في علم النفس تعرف بمعالجة المعلومات و هي أيضا تستخدم كرديف للمعرفية التي سبق الإشارة إليها . السيرورات المعرفية : هي مجموع العمليات الذهنية المنضمّة فيما بينها تبعا لمهمة ما و التي يؤطرها نموذج معالجة المعلومات . النظام المعرفي : جهاز لمعالجة المعلومات " الذهن" يتحدد بمكونات و هندسة واشتغال معين . العلوم المعرفية : يقصد بها بالدرجة الأولى : علم النفس المعرفي ـ الذكاء الصناعي ، اللسنيات ، علم الأعصاب ... 1 ـ السيكولوجيا الحديثة في ظل البراديغم المعرفي إن تطور السكولوجيا العلمية مدين بالشيء الكثير للبراديغم السلوكي الذي قطع الصلة بينها وبين السيكولوجيا الفلسفية ، ، فقد اختار أقطابه الدفاع عن الموضوعية العلمية للمنهج التجريبي ضد مخاطر الذاتية ، كما تعتبر النظرية الافتراضية الاستقرائية التي اقترحها هول سنة 1943 انجازا ضخما للسلوكية . لكن تركيز السلوكية على السلوك الحيواني و إغلاق منافذ التحليل أمام أي نشاط إنساني معقد تحكمه التمثلات الذهنية ، واقتصار تفسير النشاط الإنساني بفمهوم التعزيز ، لا يسمح بتوضيح العناصر القصدية والمكونات التمثلية ، و ستشكل اللغة المحك الرئيسي للسلوكية ، فاتضح استحالة الاكتساب والاشتغال اللسانيين للدلالة انطلاقا من الخطاطة مثير ـ استجابة فالسجال بين شومسكي و سكينر وضح ذلك ، لأن التفسير الفعلي للغة يستوجب في واقع الأمر اقتحام هذه العلبة السوداء ، التي أصر وطسون على إغلاقها لأسباب منهجية ، فتوجهت دراسات السلوكية إلى الهامش بدل المركز ، ، أي أنها بدل أن تدرس حلقة الربط بين المثير والاستجابة التي تمثل العلبة السوداء " الذهن" قامت بدراسة المثير والاستجابة من خلال الإشراط والتعزيز . إذاكانت السلوكية عجزت عن تقديم تفسيرا ت مقنعة في اللغة و المهارات المعقدة لكونها مرتبطة أساسا بالذهن والتمثلات و هو نشاط داخلي لا توليه السلوكية أي اهتمام لكونها جعلت السلوك موضوع علم النفس . فالمعرفية ستولد مع ميلر و برينر سنة 1956 و ستولي التمثلات المركزية الأهمية النظرية نفسها التي توليها لمتغيرات السياق والمحيط ، فالفرد بالنسبة لها نظام لمعالجة المعلومات ، إذ عادة ما يقوم بتحويل المعلومات الفزيقية إلى معلومات ذهنية أو تمثلية ، وعليه فإن موضوعها يتحدد في بنية المعرفة و تكونها واشتغالها ، ومنهجها التجريب و الحساب والمحاكاة . فهي تسعى إلى تفسير هندسة الذهن الإنساني و قانون تمثله للمعارف و آليات اشتغاله . |
بورك عطاؤك تقبل مني كل التحايا والاحترام
|
الساعة الآن 04:08 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.