منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   السقوط المروع (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=12042)

ايوب صابر 09-30-2013 01:13 PM

السقوط المروع
 
السقوط المروع

اسمه يشي بالعظمة والكرزيما والعنفوان رغم حداثة سنه، مفعم بالحيوية والنشاط، مقبل على الدنيا لا مدبر، تراه يتحرك في كل الاتجاهات بسرعة مذهلة، كأنه حصان بري جامح، وأحيانا تكون سرعته فائقة كلمح البصر، وحينما يتحدث تندفع كلماته من بين شفتيه بسرعة البرق، تسمعه حينما تسقط كلماته في صوان أذنيك، لكنك لا تكاد تتبين ما يرمي له، يبدو كأنه في عجلة دائمة من أمره، يكون إلى جوارك بحضوره العجيب والمميز وفي لحظة تجده يختفي، تنظر من حولك فتراه على مسافة بعيدة، فتتبين انه انطلق كالسهم إلى حيث لا تدري.

عرفته شابا يافعا، رايته لأول مرة منذ خمسة عشر عاما تقريبا، حينما كان في الثالثة عشر أو ربما ألرابعة عشر من عمره، كان يسكن على بعد مئات الأمتار من حيث كنت اسكن أنا، ولطالما التقيت به في الشارع المجاور أو في دكان صديقه الشاب، وأحيانا كنت احمله وشلة من أصدقاؤه الطلاب في سيارتي وأنا في طريقي متجه نحو عملي في الصباح، لمساعدتهم وتسريع وصولهم إلى مدرسة عمر بن الخطاب المجاورة ، خاصة في ألأيام التي تشتد فيها الرياح الشرقية العاصفة أو الأمطار الغربية المنهمرة بغزارة والتي تجعل من السير في الشوارع مهمة مستحيلة.

فاروق هذا هو اسمه، والصحيح أنني كنت أتوقع له النجاح والتفوق، وكنت حينما أنظر إليه بسحنته القوية، وهيئته الجذابة، وملامحه الرجولية وشعره القصير جدا، وحيويته اللامتناهيه لا أرى إلا شخصا ناجحا...

كنت أشعر بأنه سيتجاوز حتما كل مصاعب الدنيا ومشاكلها وسيندفع بقوة ألف حصان، وسيفتح بيديه كل الأبواب الموصدة، ليصعد ثم يصعد ثم يصعد إلى الأعلى نحو القمة ليتخذ له موقعا بين النجوم.

أحببت فيه كل شيء إلا سجائره وشراهته في التهامها، وخشيت عليه من سمومها اشد الخشية، وتمنيت لو استطيع دفعه للتخلي عنها، وقد حاولت ذلك باستماتة، وبكل ما أوتيت من حيل وقدرة على الإقناع. حاولت أن أخيفه من الموت الذي يسكن بين لفات التبغ ...لكنني وللأسف فشلت..

ومرت الأيام ونجح فاروق هذا في امتحان التوجيهي وتخرج من المدرسة الثانوية، وعرفت بعدها انه التحق بالكلية الجامعية، وتخرج منها بنجاح أيضا، لينضم فيما بعد لقوات الأمن الوطني...

أصبح جنديا وربما ضابطا مرموقا يعمل في مواقع بعيدة، وما عدت أراه إلا ما ندر، لكنه ظل يبدو لي دائما محتفظا بحيويته ونشاطه واندفاعه نحو العلا والمجد والنجاح...
ودارت عجلة الأيام وانقطعت عن رؤيته تماما لفترة طويلة، لكنني لم اعر ذلك اهتماما أو انتباه، لان وجوده في العسكرية كان بالنسبة لي مبررا كافيا لغيابه الطويل عن الحي، وانقطاعي عن رؤيته.

ومنذ أسبوعين فقط كنت قد انتهيت لتوي من صلاة الجمعة في المسجد المجاور لحينا المشترك، نظرت خلفي صدفة فإذا بشخص يجلس على كرسي بلاستيكي رمادي اللون، ذلك المخصص لكبار السن، يوحي منظره بالإعاقة الجسدية، وقد ذهلت لوجه الشبه بين هذا الشخص وبين فاروق ذلك الشاب الذي طالما عرفته ممتلئ بالحيوية والنشاط...
تفحصته على استحياء وتساءلت في نفسي هل يعقل أن يكون هذا فاروق الذي اعرفه!؟

دفعني فضولي للاقتراب منه لمعرفة إن كان هو فعلا فاروق، وبحركة تلقائية مددت له يدي وسلمت عليه دون أن انطق ببنت شفه... وماذا كان يمكن لي أن انطق في مثل ذلك الموقف الرهيب؟ فمد يده هو الآخر وسلم علي ولم ينطق ببنت شفه، وتركته وأنا اشعر برعب وألم على حال ذلك المسكين ربما لم اشعر بمثله من قبل وقد تصورته فاروق فعلا! فهو يشترك مع فاروقي، ذلك الفتى الذي اعرفه، في ملامحه بنسبة 99% تقريبا، ولولا شعر رأس هذا الإنسان الطويل الذي لم اعتده على رأس فاروق لقلت انه هو، هو فعلا..

تحركت على غير هدى للحظات وفي اتجاهات متعاكسة، اجتاحتني خلالها مشاعر من الحسرة لم يسبق أن شعرت بها، وربما درت حول نفسي مرات ومرات فانا لا اذكر ما حصل تحديدا، لكنني تمالكت نفسي بسرعة و ركنت في زاوية بعيدة من زوايا المسجد أراقبه في ذهول لعل من يكون برفقته يشي بشخصيته! ويجيب على المليون سؤال التي برزت فجأة في ذهني؟! وما هي إلا لحظات حتى ظهر والد فاروق صديقي الأستاذ المحامي ورأيته يقترب منه ويساعده على الوقوف ومن ثم الخروج من المسجد...فزاد ذلك المشهد من مخاوفي وشكي، وكادت روحي أن تقفز مني لشدة الألم الذي أصابني، وكدت أن أسقط على الأرض من هول الصدمة لهذا الذي كنت أرى، لكنني لعنت إبليس وقلت في نفسي ربما أن هذا أخ لفاروق يشبهه إن لم يكن تؤمه ..فلا بد لي أن أتأكد قبل أن اقتل نفسي حسرة وكمدا وألما على مصير فاروق وما آل إليه حاله...

في الطريق إلى المنزل التقيت بجار لنا فسألته أن كان لفاروق أخوة؟ فرد بأن من شاهدته هو فاروق فعلا! وأعلمني كيف انه أصيب مؤخرا بالمرض الخبيث في رأسه، ودمدم في نفسه اللهم عافينا، وكيف انه سافر إلى الولايات المتحدة للعلاج، لكن استئصال جزء من دماغه تركه على ذلك الحال....

تأكدت مخاوفي واشتعل قلبي ألما وحسرة على ذلك الشاب الذي زحف المرض إلي دماغه فجأة فشل حركته وعطل لسانه جزئيا وصار قاب قوسين أو أدنى من القبر..صار اقرب إلى الموت وهو الذي كان ممتلئ بالحيوية والحياة..

لكن هذا الألم الذي اجتاحني لا يقارن بذلك الألم الذي أحسسته في الجمعة التالية...فقد ذهبت إلى نفس المسجد وتصادف وصولي نزول فاروق من سيارة والده عند الباب الأمامي للمسجد وسار لوحده باتجاه المسجد...كان يسير متثاقلا وفاقدا لتوازنه حاله حال من يصيبه ما أصابه...رأيته يمر من بين سيارتين واحدة زرقاء والأخرى حمراء وفكرت أن أتجنبه، وأجنب نفسي الإحراج فلم اعرف كيف أتصرف معه أو ماذا أقول له وقد عرفت انه فعلا فاروق...

وكدت أن أغير اتجاهي وأسير من شارع جانبي لأدخل المسجد من بابه الخلفي مبتعدا عنه، وما هي إلا لحظات حتى شاهدته يفقد توازنه تماما حينما حاول رفع قدمه اليمنى إلى حافة الرصيف الذي لا يزيد ارتفاعه عن 10 سنتيمترات ، فمال جسده نحو الخلف وفقد توازنه...وما هي إلا لحظة حتى هوى إلى الأرض..رأيته وهو يهوي يحاول التشبث باستماتة في أجنحة السيارات الواقفة من هنا وهناك، لكنني سمعت رأسه يرتطم بقوة وبصوت يخرم طبلة الإذن ، ربما ارتطم رأسه في السيارة وربما في الأرض.. ولا بد أنني كنت قد أقفلت عيوني عند تلك اللحظة المرعبة لكي لا أشاهده وهو يسقط..
فكرت جديا ولأقل من ثانية أن ابتعد عنه...فكرت أن اهرب منه ومن ذلك الموقف الرهيب فكرت أن أتجنبه...لقد ارتعبت لهول المنظر وأحسست حينها وكأنني أشاهد كوكبا يهوي من السماء إلى باطن الأرض...

لكنني وجدت نفسي اندفع نحوه بحركة جنونية سريعة لا إرادية ولا واعية...مددت له يدي والتقطه عن الأرض...كان ممدا هناك مثل طفل صغير لم يعتد المشي...تشبث بيدي.. رفعته عن الأرض.. أمسكت به وسرت إلى جواره..وكانت عيون الحشد الداخل إلى المسجد ترمقنا وقد فاضت حسرة وآلما...التصق بي وكانت يده تضغط على يدي.. وكأنه يتحدث من خلالها ويحكي لي قصه ألمه.. حاولت تخليص يدي والابتعاد عنه قليلا لكنه تشبث بها حتى وصلنا إلى داخل المسجد...أجلسته على كرسي وابتعدت عنه قليلا وجسمي لا يزال يرتعد من هول الموقف...

حاولت التماسك...دفعت نفسي للتركيز في كلام الخطيب لعله يقول كلاما يهدئ من روعي...لكنني لا اذكر أنني سمعت منه سوى كلماته التي شبه فيها رحلة الحج برحلة الحياة والموت..وهو الذي اعتاد أن يطيل في خطبه...ولا اعرف حقا إن كان قد قصر موعظته هذه المرة أم أنني فقدت في تلك اللحظات إحساسي بالزمن...

تعجلت الخروج من المسجد مبتعدا عن فاروق ووالده...وكنت اشعر أثناء خروجي بأن قلبي هو الذي سقط مني سقوطا مروعا...في بحر من الألم.

راما فهد 09-30-2013 01:22 PM

حجز المقعد الأمامي فقط
وســ أعود
فقط إنتظرني استاذ أيوب

صفاء الأحمد 09-30-2013 01:43 PM

و أسجل حضوري أيضاً في المقعد الذي يليه راما :)

تحيتي لكم ،

ولي عودة لقراءة متأنية للنص ..


محبتي .

ايوب صابر 09-30-2013 02:11 PM

اهلا ومرحبا راما..

بانتظار عودتك حتما ، ويسرني ان اسمع رأيك في القصة ..

ايوب صابر 09-30-2013 02:37 PM

اهلا ومرحبا استاذة صفاء ..

بانتظار عودتك ويسرني ان اسمع رأيك في القصة ..

ياسر علي 09-30-2013 03:44 PM



أنضم إلى ثلاثي المقدمة وأرحب بكم و لي عودة قريبة بحول الله


ايوب صابر 09-30-2013 04:58 PM

اهلا ومرحبا بك استاذ ياسر

يسرني مرورك وعودتك ايضا..

راما فهد 09-30-2013 07:07 PM

استاذي..لست ناقدة بالتأكيد فأنا مجرد هاوية قلم....
سأقول رأيي بعد أن قرأتها أكثر من مرة....القصة إنسانية من الدرجة الأولى...
تحدثت في البداية عن الحركة الزائدة وعند بعض الأهالي اجدهم يراجعون الأطباء في اولادهم..
القصة فيها كل عناصر القصة الناجحة من سرد وحبكة مقدمة وأيضا تشويق وصراع بين معرفة ما حصل والمسبب....جميلة ومحزنة ...ذكرت فيها مرض العصر نستجير بالله منه...النهاية مؤلمة ...ومتوقعة في مثل حالته شافاه الله وأمثاله....مرور ثاني وربما لي عودة لروحك كل التقدير

مساؤك السعادة

ايوب صابر 09-30-2013 11:40 PM

اشكرك يا راما مرة اخرى

ربما ان التحدي يتمثل في قدرة الكاتب على تحويل حدث واقعي الى قطعة فنية تحكى بصورة صارخة وتكون بالغة التأثير في المتلقي الى حد انها تكون قادرة على احداث تحول في وعي المتلقي وربما تحدث تغيرافي سلوكه وانا لا اعرف حقا ان كنت قد نجحت في هذا التحدي ؟



*

راما فهد 10-01-2013 01:43 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايوب صابر (المشاركة 158283)
اشكرك يا راما مرة اخرى

ربما ان التحدي يتمثل في قدرة الكاتب على تحويل حدث واقعي الى قطعة فنية تحكى بصورة صارخة وتكون بالغة التأثير في المتلقي الى حد انها تكون قادرة على احداث تحول في وعي المتلقي وربما تحدث تغيرافي سلوكه وانا لا اعرف حقا ان كنت قد نجحت في هذا التحدي ؟



*

الشكر كله لك استاذي
وتأكد تماما شهادتي بك وبحرفك مجروحة

نجحت وعن جدارة وإستحقاق
الإبداع حليفك

ياسر علي 10-02-2013 01:13 AM

أستاذي الكبير

أرى في النص عملا محترفا ، أقصد أن لا مجال فيه للعشوائية أو العفوية ، أرى التوظيف المقصود للمفردة ، وبناء الجمل وفق معايير تكاد تكون دقيقة ، مدخل النص فيه انطلاقة قوية مليئة بالحركية حتى أنه أحالني على قصيدة امرئ القيس في حصانه ، مقدمة نجحت في الإمساك بالقارئ ليستعلم عن هذا البطل دون أن يغفل أن هناك سقوطا مروعا مدويا في الانتظار .
بناء شخصية البطل كانت مدروسة بتعرف علاقته بالراوي و معرفة سنه و ماضيه و بعض سلوكاته المرتبطة أساسا بنفسيته القوية و هيئته و ملامحه و قبل الصدح باسمه هناك إشارة إلى مدرسته وذلك لربط فاروق باستحضار علم من أعلام التاريخ الإسلامي وما يحمله اسمه من قوة وتحدي وانضباط و صرامة ، يواصل الراوي إعجابه بهذا الفتى و يتوقع له النجاح و التميز و الوصول إلى القمة والمجد و النجومية ، و بذكاء خارق لم ينس الكاتب زرع سلبية أو عنصرا مشوشا إذ يبدي الراوي امتعاضه وعدم قبوله لإدمان البطل على التبغ وبشراهة غريبة تكاد توازي إقباله على الحياة . هنا يستحضر القارئ مرة أخرى العنوان أيكون السقوط مرتبطا بهذه السلبية .
يذكر الكاتب تدرجات نجاحات البطل بالتوالي و يختار له الجندية وما تمثله من صلابة الشخصية و الانضباط والقدرة على التحدي والتحمل ، بكونها مدرسة من مدارس العظماء و في نفس الوقت واحدة من أكثر المجالات خطورة في ارتباط مع العنوان ليدخل على الخط توقع آخر من توقعات القارئ أتكون نهايته هنا نهاية مؤلمة ، رغم أن الكاتب طمأن القارئ نسبيا بأنه يواصل نجاحاته ويحصد الرتب المشرفة .
يبدأ السقوط الذي لم يستطع الراوي تقبله فاشتغل الكاتب بمهارة كبيرة على المشاعر و الأحاسيس و الصراع المحتدم في نفسية الراوي من جهة لعلاقة إعجاب و رسوخ رابطة قوية بين الراوي و البطل و من جهة أخرى لخيبة توقعاته التي يرى في تحقق مجد فاروق نجاحا معنويا و راحة نفسية ، حتى ليكاد السقوط يتجسد في ردود الراوي .
يقدم الكاتب لقطة إنسانية غاية في التأثير وهي لحظة سقوط البطل و انتشاله من طرف الراوي و هنا يكاد النص ينتهي لولا عبقرية الكاتب الذي حول البطولة إلى الراوي و حالة الارتباك التي عاشها و هو يستمع إلى الخطبة وذهنه مشغول بما ألم به ، وهو يتجرع ويلات سقوطه المروع في بحر الألم .

لست أدري إن كنت قدمت إضافة للنص

لكن طريقة كتابة النص فيها مجهود كبير حتى أنني ظننت أن النص تمت كتابته من الجزء إلى الكل ، إذ يكاد يكون مستحيلا استحضار هذا الكم الهائل من المحسنات دفعة واحدة . أتساءل إن كانت عقلية الناقد حاضرة وبقوة أثناء كتابة النص أستاذي ايوب .
لكن المثير في نفس الوقت هو أن هذا العمل التقني لم يؤثر على انسيابية النص و هنا تظهر كفاءة الكاتب .

دمت مبدعا على الدوام

احترامي سيدي

آية أحمد 10-02-2013 06:11 PM

قصة هادفة ألقاها رحم الواقع، لذا فهي تدعو للكثير من التأمل والاعتبار...
جاءت صياغتها بطريقة متقنة محكمة، فكانت وتيرة السرد المتسارعة مناسبة تماما لأحداث القصة وبخاصة في جزئها الأول حيث كان مجالا لوصف البطل فاروق الممتلئ حيوية وعنفوانا وذكاء مما جعله يرتقي عتبات الحياة صعودا نحو القمة بكل قوة وجسارة ودون هيبة، الأمر الذي جعل الراوي ينتبه لكل ذلك ويتابع البطل بإعجاب لا نظير له، لكن القاص لا يفوته ذكر إحدى الصفات الذميمة لهذا البطل ألا وهي إدمانه على التدخين، ثم يعقبها باستمساكه بهذه العادة رغم علمه بمضارها ورغم نصح الناصحين، كل ذلك توثيقا في اعتزاز البطل برأيه وبقوته، بل إن الكاتب يحاول التلاعب على نفسية القاريء لإقناعه بمدى قوة هذا البطل حتى من خلال الألفاظ غير المباشرة كاسم البطل بـ: فاروق، الذي يحيل الاذهان مباشرة إلى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله والمعروف عنه بالقوة خاصة،ثم وبذكاء يحاول مساعدة القاريء تذكر الفاروق عمر من خلال تسمية المدرسة بمدرسة عمر ابن الخطاب، كي تتكون لدى القاريء صورة نفسية لهذا البطل الذي أراد القاص أن يرفعه إلى القمة في ذهن القاريء لكي يكون السقوط -في ذهنه أيضا- مروّعا، وهذا ما نجح فيه القاص ببراعة، ولكن بعد أن هدّأ الأوضاع، وبطّأ من وتيرة السرد كي يعطي للقاريء متنفسا ليشحنه بطاقة أخرى لاستقبال النهاية المروّعة، ولقد لعب الراوي دورا مهما في تحريك الأحداث والانتقال بها من طور لآخر، فبعد تصعيدها نجدنا أمام البؤرة غير المتوقعة والصدمة التي تلقاها الراوي ومن ثمّ القاريء بهذا المُقعد على كرسي المرض وقد فقد كل شيء كان يدل على قوته بما في ذلك المنصب العسكري، والذي استبدله بتردد البطل على المسجد، وهو الذي كان لا يكاد يُرى في حيّه لانشغاله بمنصبه الراقي ، والمسجد كما نعلم مكان يوحي بانكسار النفس و تذللها، وهي صورة استعان بها القاص ليضاعف من قوة الأزمة ويعزز من صورة السقوط المروّع الذي كللّه بلقطة مباشرة ملموسة كانت في غاية الروعة، الا وهي سقوطه الحقيقي بينما كان يرتقي الرصيف، فهذا الذي ارتقى أعلى المراتب في المجتمع، صارت قدمه عاجزة على نقله بضع سنتيمترات إلى أعلى، لتأتي النهاية هادئة حزينة تلمّ الاحتدام الحاصل في نفس القاريء من خلال الراوي الذي جلس مفكرا وقد اختزل حياة هذا البطل والتي مرت خاطفة كالحلم ما بين القوة والوهن في لحظات من التفكير، تماما كتلك اللحظة الزمنية من خطبة الإمام والتي لا يعرف أكانت طويلة أم قصيرة.

كانت هذه قراءتي المتواضعة لهذا النص المليء بالدلالات التي تحتاج إلى المزيد من الوقوف عندها والنظر في معانيها...

رائع ما قرأت هنا...
بوركت أستاذ أيوب ...

أعطر التحايا...

أسامة نوفل 10-03-2013 12:21 AM

الوقع السريع.. والنبض اللاهث.. والوصف الجامح أسروا عيني فلم تغادر
بورك القلم ومن بيده

ايوب صابر 10-03-2013 12:13 PM

استاذ ياسر

قراءة رائعة استاذ ياسر كأنك كنت معي وانا اكتب النص. فقد قصدت ان ابني نصا محترفا يتضمن كافة عناصر التشويق والتأثير ويكون له وقع مدوي وبالغ الاثر.

اتصور انه عندما يجلس الكاتب لابداع قصة قصيرة عليه ان يستحضر في ذهنه كافة العناصر التي تجعل للنص وقعا هائلا، وان لا يكون النص مجرد فضفضة او تنفيس لما يتحشد في النفس او الذهن بغض النظر عن الاثر الذي سيتركه على المتلقي.

حتما في البدايات يحتاج القاص ان يبذل مجهودا كبيرا عند الكتابة ليصبح نصه ذا قيمة ابداعية عالية ويمتلك عناصر التأثير والخلود ، وربما عليه ان يضع قائمة بالعناصر الواجب ان يتضمها النص ولكن مع تكرار الكتابة يصبح استحضار هذه المحسنات عملية تلقائية وسهلة ..

يقول القاص الجزائري الضيف حمراوي "ان الحركة في النص تمنحه الحياة وكذلك الصراع" ...وانا اتفق مع هذا القول وارى انه لا يجوز ان يخلو نص قصصي من عنصري الحركة والصراع...وكلما برزا في النص اصبح اقرب الى الحياة.

شكرا لهذا الجهد الرائع. قلت لك عندما قرأت لك لاول مرة ان في داخلك يسكن كاتبا عظيما ولكنك ادهشتني مع مرور الايام وغزارة الانتاج والقراءات الجميلة فانت كاتب متعدد المواهب.

ايوب صابر 10-05-2013 02:26 PM

اجمل التحايا واعطرها لك يا استاذة اية احمد وشكرا لك على مرورك الكريم وجهدك الذي اضاف للنص الكثير وكشف فيه ابعاد ربما حتى غابت عني وانا اكتبه. في الحقيقة وجدت قراءتك رائعة كما لاحظت قمت بالاشتغال على الشخصية الرئيسية في القصة شخصية البطل وجعلتها شخصية ديناميكية وهذه ايضا من اهم عناصر الكتابة القصصية ويسرني قولك بأنني كنت ناجحا في رسم شخصية البطل بصورة مؤثرة.

ايضا كما لاحظت من عناصر التأثير المهمة في كتابة القصة هي الاشتغال على الاستحضار للتراث والتاريخ في ذهن المتلقي من خلال استخدام كلمات محددة تؤدي هذا الغرض فيكتسب النص عبقا تاريخا وتراثيا مهما ويصبح وزنه اعظم واثره اكبر وذلك يحدث عادة بصورة غيرو اعية عند المتلقي.

ثم العنصر الثالث الذي تمكنت من رصده هنا هو تسخير التضاد لزيادة وقع النص على ذهن المتلقي ولا شك ان ذلك تم في عدة مواقع في النص لكن كما قلت الاهم هو جعل حياة البطل صعود مبهر ثم سقوط مريع حتى ان الراوي سقط هو ايضا على اثر سقوط البطل.

ايضا حيث ان القصة ولدت من رحم الواقع كما تقولين وهي كذلك فلا بد من جعل الراوي عليم ومن هنا تم اختيار ضمير المتكلم وهو ما يزيد من حجم التأثير على دماغ المتلقي.
استاذة اية احمد

بل هذه قراءة رائعة وعميقة. شكرا لك.

أسرار أحمد 10-06-2013 08:17 PM

سلام الله عليك استاذ ايوب
طبعا أنا عندما أكتب ردا أكتب بعين القارئ و ليس بعين الخبير و المتمرس
كما بقية الركب
القصة جميلة من حيث سبكها و مضمونها و لكن طغى عليها الطابع
التوجيهي فمن العنوان بعد أن قرات السطور الاولى عرفت النتيجة
طبعا مغزاها كبير و لكن سامحك الله
أستاذ ايوب عندنا من الشجن ما يكفي لإهلاك أمة
نريد قصص تنسينا الواقع المرير
بعيد عن الشجن

ايوب صابر 10-08-2013 12:50 AM

الاستاذ أسامه نوفل

كل الشكر على مرورك الرائع . كلماتك منحتني العزم لكي اجرب كتابة المزيد من القصص القصيره
شكرًا *

ناريمان الشريف 10-08-2013 07:55 AM

سقوط مروّع فعلاً
سلمت يمناك أيها الرائع


تحية ... ناريمان الشريف

هند طاهر 10-08-2013 01:10 PM

سرد مشوق لقصه اظنها حقيقيه .. وحسك الانساني فيها مميز

دمت ودام المدااد

ايوب صابر 10-10-2013 12:36 PM

اشكرك استاذة سارة

يعني هل شعرت من خلال قراءتك وكأن الكاتب مراسل صحفي او مرشد اجتماعي؟

يبدو ان 99% من الادب عبارة عن تسجيل للمآسي التي تمر بها البشرية سواء على المستوى الفردي او الجماعي..

ساحاول تجريب الكتابة ضمن ما يعرف بالخيال السحري وعلى شاكلة سلام وضرغام.

شكرا لك على المرور واغناء الصفحة.


ايوب صابر 10-12-2013 12:34 AM

شكرًا لك استاذة ناريمان

هذه اول محاولة جادة لي لكتابة قصة قصيرة وان كانت نجحت في إيصال الفكرة بنسبة 20٪ اتصور يمكنني الافتراض بأنني نجحت ولا بد ان اكرر المحاولة من جديد في الواقع اريد ان اصل الى مرحلة أتمكن فيها من كتابة رواية فكرتها تختمر في ذهني منذ زمن بعيد

ايوب صابر 10-13-2013 07:10 PM

الأستاذة هند طاهر

هي حقيقية فعلا حتى الاسماء هي هي لكنني اخترعت موضوع الدخان وقد يكون السبب النقال او الكثير من السموم الاخرى التي تحيط بنا وتعصف بحياتنا
.

سناء محمد 10-13-2013 08:22 PM

لما يريد الناقد آراء تلاميذه يكون التحدي كبير لكليهما

فما أسهل أن تبدي رأياً أو تعليقاً على عمل مقدم حين تقرأه وخصوصاً حين تراه من جانب واحد

ولكن ما يزيد أهمية عن جميع الآراء والتعقيبات هي الحالة الشعورية التي عاشها الكاتب وحده مهما بلغت من البساطة , وخصوصاً إذا كانت موضوعية وتتسم بالصدق والبراعة .. وهذا ما وجدته هنا ..

لا أخفيك أستاذي ظننت ما كتبته جاء من مذكراتك .. أو من تجربة شخصية بالغة القرب , وكذلك القاص البارع يطوع الكثير مما يمر أمام ناظريه وما يتلمسه بتجربة كهذه ويقدمها كوجبة لذيذة لعيني القارىء

إن عمق المشاعر الإنسانية وعينك المتفحصة لأصعبها هي ما ميزت القصة بامتياز

مزيداً من العطاء أستاذ أيوب صابر .. ودمت بخير

ايوب صابر 10-16-2013 01:21 PM

كل الشكر لك أستاذه سناء
الصحيح انها مداخله جميلة وتنم عن معرفه بادوات النقد والقراءة العميقة . اتصور ان الكاتب ينجح في اسر انتباه المتلقي اذا ما كان صادقا فيما يكتب ولذلك يشكل أدب السيرة النمط الأعظم تأثيرا كما ان هناك إجماع بان حتى الروايات التي تبدو تخيلية هي في الغالب تتمحور حول احداث واقعية ومن واقع التجارب الذاتية.

ولذلك ان ما في جعبة الصندوق الاسود للكاتب وهو مجموع ما تراكم من تجارب الطفولة ثم تجارب الحياة اللاحقة المتحصلة من السفر والبحر الخ يمثل المصدر الأهم للحكايا التي يمكن للقاص ان يرويها ويكون لها وقع واثر خالد .

شكرًا لك على المرور وإغناء الحوار حول القصة هنا وادوات الكتابة الجميلة بشكل عام .

*

سامر العتيبي 11-01-2013 04:02 AM




ستكون لي عوده فالقصه بداياتها مشوقه


الساعة الآن 10:56 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team