منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   رواية ساق البامبو لـ سعود السنعوسي ...دراسة تحليلية (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=11087)

ايوب صابر 05-02-2013 11:52 AM

رواية ساق البامبو لـ سعود السنعوسي ...دراسة تحليلية
 
قرأت حتى الان 139 صحفة من هذه الرواية التي فازت بجائزة البوكر...ولطالما قلت بأن اي نص حتى يفوز لا بد ان يكون قد كتبه يتيم او يروي قصة يتيم فالسحر موجود في كل ما يتعلق بالايتام دائما.

وقد وجدت بان الرواية تحكي قصة ايتام فوق العادة....بل هو يسوع او بوذا او تجسيد لهما...او ربما تناسخت ارواحهم في روحه...وقد اسماه الراوي (عيسى) ويسوعه وهي (ميرلا) التي لم تعرف لها اب...

والرواية من اولها حتى هذه الصحفة التي وصلت ( 139 ) تقطر الما ..وهي تبدو واقعية وشديدة الصدق واستغرب ان يكون راوي قادر على تصوير ما مر به ابطال هذه الرواية من الم ومعاناة ما لم يكن هو واحد منهم! فهي اقرب الي السيرة الذاتية! ويبدو ان سعود هو (عيسى) وان لم يكن فلا بد ان السنعوسي هذا ابدع رواية غاية في الاتقان والصدق والتصوير الواقعي.

انطباعي الاولي عن هذه الرواية هو انها ...رواية ساحرة .

سوف احاول تسجيل انبطاعات اولية هنا ثم اعود للتعليق على الرواية ككل بعد انجاز قراءتها....

وادعو المهتمين بالدراسات الادبية مشاركتي الدراسة التحليلية لهذه الرواية المدهشة.

اهلا وسهلا،،

ايوب صابر 05-02-2013 12:27 PM

هذه الفقرة المطبوعة على الغلاف الخلفي واحدة من بعض الفقرات السحرية العديدة المنتشرة في النص وربما ان هذه الفقرة تقدم تفسيرا لسر اختيار الاسم للرواية...خاصة ان المتلقي يجد نفسه يتساءل عن سر تسمية الرواية بذاك الاسم " ساق البامبو"..خاصة ان كاتبها من الكويت وربما ان احدا لم يتوقع ان يكتب روائي كويتي رواية بهذا الاسم ابدا..وعلى افتراض ان بيئة الكويت محصورة في الصحراء والبحر والحر والطوز والنفط ...اما ان يكتب عن ساق البامبو فلا بد ان وراء ذلك حكاية..


"لماذا كان جلوسي تحت الشجرة يزعج امي؟ اتراها كانت تخشى ان تنبت لي جذور تضرب في عمق الارض ما يجعل عودتي الى بلاد ابي امرا مستحيلا؟ ربما. ولكن، حتى الجذور لا تعني شيئا احيانا.

لو كنت مثل شجرة البامبو، لا انتماء لها نقتطع جزءا من ساقها نغرسه ..بلا جذور في اي ارض لا يلبث الساق طويلا حتى تنبت له جذور جديدة..تنمو من جديد.في ارض جديدة..بلا ماض..بلا ذاكرة.. لا يلتفت الى اختلاف الناس حول تسميته..كاوايان في الفلبين..خيزران في الكويت..او بامبو في اماكن اخرى..".

طبعا هذه الفقرة وغيرها من الفقرات المنتشرة في ثنايا النص تشير الى ان الروائي صاحب ثقافة عميقة وواسعة وهو مطلع على ثقافات الشعوب الاخرى وتمكن من استثمار هذه المعرفة والثقافة في كتابة روايته السحرية هذه.

فحتى اختيار الاسم لبطل الرواية لم يكن صدفة ( عسى ) فالراوي اراد حتما ان يبرز النقاط المشتركة بين بطل الرواية وبين عيسى اليسوع واهم هذه النقاط انهما من غير اب...

كذلك يجعل الروائي بطل روايتة عيسى يحب ممارسة طقس كان يمارسة بوذا قبل ان يصبح نبيا حسب الديانة البوذية وهو الجلوس تحت شجرة التين لساعات طويلة...

اذا سعود السنعوسي لم يكتب عن بطل عادي وانما عن بطل اشبه بالانبياء...بطل صنعه الالم، الم اليتم او العيش بلا اب، ثم بلا ام بسبب الظروف والزواج والعمل، والم العوز، والشعور بالوحدة، والم ضياع الهوية الناتج عن عدة اسباب...

وفي ذلك تسخير ذكي للموروث الديني..

وقد شدني جدا قدرة الروائي على التصوير وسرد التفاصيل بدقة عجيبة في اماكن عديدة من الرواية وتحديدا في بعض الفقرات الى حد انك كمتلقي تنسى انك تقرأ نصا روائيا...فهو بذلك يبعث في النص روحا وحياة لا يمكن الا ان تأسر المتلقي ...

ايوب صابر 05-04-2013 10:25 AM

ملخص الحبكة رواية ساق البامبو لـ سعود السنعوسي

الرواية عبارة عن سيرة حياة بطلها الرئيس واسمه هوزيه ميندوزا في الفلبين واسمه عيسى الراشد في الكويت. ابن خادمة فلبينية وهي فتاة متعلمة ساقتها حياة الفقر في الفلبين لتلاحق حلم المال على شاكلة ابطال غسان كنفاني في روايته رجال في الشمس، في احدى بلاد النفط، فتكون الكويت هي تلك الدولة.

هناك تعمل تلك الخادمة جوزافين لدى عائلة كويتية ( عائلة الطاروف ) وهي من العائلات ذات الوضع الاجتماعي المرموق، حيث تلتقي براشد ابن العائلة الوحيد في ثنايا الليل والناس نيام، وهو ذلك الشاب الرومنسي اليتيم الذي يميل الى الكتابة والتعاطف مع الكادحين، ويبدو مصدوم لعدم موافقة والدته ( غنيمة) على الزواج من فتاة التقاها في الجامعة وحتما يكون السبب الفرق في المستوى العائلي.

المهم ان ظروف اليتم وبمساعدة الشيطان الذي كان ثالثهما في ساعات الليل المتأخرة والناس نيام نشأة علاقة حب بين راشد وتلك الخادمة جوزافين، وفي احدى الليالي يقرر راشد الزواج من جوزافين طبعا بشكل سري وبموجب عقد زواج عرفي يشهد عليه اثنين من اعز اصدقاؤه ( وليد وغسان ) .

ويكون عيسى ثمرة ذلك الزواج حيث تحمل جوزافين وما يلبث امر حملها ان يظهر فتقوم والدة راشد ( غنيمة ) بطردها من المنزل بعد ان يعترف راشد ان من تحمله جوزفين هو ابنه من زواج عرفي، طبعا خوفا من الفضيحة ليخرج راشد من منزل اهله كنتيجة لغضب والدته عليهما ، ويسكن مع جوزافين في شقة منفصلة.

يولد عيسى ويحمله راشد الى والدته لعل قدوم الطفل يحنن قلبها خاصة انه الذكر الوحيد الباقي من عائلة الطاروف، لكنها ترفضه وبطلب من والدته تخلى راشد لاحقا عن جوزافين لتعود الى الفلبين بعد انجاب عيسى.

هناك في الفلبين تربى عيسى، لدى عائلة جده ميندوزا حيث تدور معظم احداث الرواية وتغطي تلك الاحداث كامل طفولة عيسى، وتحكي قصص الاشخاص الذين ارتبط بهم خالته ايدا وابنتها ميرلا وخاله بيدرو وجده وتلك العجوز التي اسكنها جده في طرف الارض التي كان يعشقها ويقضي فيها وتحت اشجارها الكثير من الوقت مثل بوذا. ولا ننسى اخاه من امه الذي غرق في مياه المجاري المجاوره الى البيت ليصاب باعاقه دائمه في الدماغ اثناء وجود خوسيه ( عيسى ) فقط عنده وهو ابن خمس سنوات وشعوره الدائم بالذنب على ما حدث له.

تمر الايام ويصبح عيسى شاب قادر على السفر ويسافر الى الكويت ارض والده - بلاد العجائب - والتي كانت امه جوزافين تقول له انه لا بد ان يعود اليها في يوم من الايام وكانت تهيئوه لذلك الغرض باستمرار.

طال انتظاره وتأخر اتصال والده ليكشف لهم صديق والده غسان بأن والده كان قد وقع في الاسر اثناء مقاومتة للاحتلال العراقي وعثر على جثته في قبر جنوب العراق.

ويقوم غسان على مساعدته في الوصول الى الكويت وتعريفه على عائلته الطاروف، لكن ملامحه الفلبينية شكلت عائق لقبوله ضمن افراد العائلة فعاش على الهامش في غرفه جانبيه وكأنه واحد من الخدم... ولا يكاد احد يتواصل معه الا اخته من اباه لكن حتى تواصلها كان منقوصا...فقام على شراء سلحفاة ليناجيها عندما يشعر بالوحشه والوحدة.

ودفعه صراعه الداخلي ورفضه الى الاستمرار في العيش بتلك الصفة الى مغادرتة المنزل خوفا من الفضيحة بعد ان بدأت ام جابر احدى الجارات تتساءل عن ذلك الخادم الفلبيني وتطلب ان يساعدها في خدمة ضيوفها...

وعلى اثر ذلك اجبر الى ترك العائلة والاستقلال عنها ليسكن في شقة منفصلة، ليعمل في احد المطاعم، ونتعرف اثناء ذلك على واحدة من الشخصيات المهمة في حياته وهو فلبني مسلم اسمه ابراهيم ويلعب هذا الابراهيم دورا محوريا في الرواية.

لكنه في لحظة ضعف وربما بسبب فقدان السيطرة كنتيجة لشرب الخمر وحالة الانفعال التي احس بها بعد علمه من خلال الشلة الكويتية التي كان يتسكع معها بعد ان تعرف اليهم اثناء رحلة لهم الى الفلبين والتقاهم في الكويت صدفه، بأن عمته ( هند ) هي احدى المرشحات للانتخابات البرلمانية، مما دفعه لكشف سر علاقته بعائلة الطاروف، فافتضح امره عن طريق جابر ابن ام جابر جارة العائلة احد افراد الشلة ، لتقوم جدته غنيمة بقطع المال الذي كانت تخصصه له شهريا.

وكنتيجة لحالة الضياع التي ظلت مسيطرة عليه وفي لحظة ضعف احس فيها بحاجته الى العائلة عاد الى الفلبين مجبرا تاركا ارض والده ليعيش الى جوار عائلته في ارض ميندوزا، حيث تزوج ابنة خالته التي لم تعرف لها اب مثله ولكن في ظروف مختلفة، وكان قد احبها على الرغم انها تكبره باربع سنوات.

وتنتهي الرواية بعد ان نعرف بأنه انجب طفلا ذكرا لم يكن يشبه والدته ذات الملامح الاوروبية، وانما جاء بملامح كويتية فاسماه راشد على اسم والده.

ولا شك ان هذه النهاية المفتوحة تمكن الراوئي من تتبع راشد الحفيد في رواية لاحقة.

الرواية غاية في الجمال والشد والادهاش الى حد انني لم اتمكن من تركها الا بعد ان انتهيت من قراءتها خلال يومين تقريبا.

وربما ان احد الاسباب هو انني سكنت في الكويت وعرفت عن قرب الاماكن التي دارت فيها احداث الرواية في الكويت، الجابرية والسرة وشارع دمشق الخ...كما ان الرواية ايقظت فيّ شعور الغربة القاسية وحياة العزوبية القاتلة التي عانيت منها اثناء عملي في الكويت..

اما السبب الاخر الذي شدني الى الرواية هو انها تعالج سيرة حياة اكثر من يتيم ، عيسى، وميرلا، وحتى مندوزا الجد والذي يتبين في النهاية انه لم يعرف له اب وان تلك العجوز الذي قام على اسكانها في ارضه هي والدته، ويبدو انها حملت فيه اثناء عملها في النوادي الليلية وهي نفس الظروف التي ادت الى ولادة ميرلا حفيدته من ابنته ايدا التي دفعها للعمل في مثل تلك النوادي لجلب المال الذي انفقه مندوزا على مصارعة الديوك...

واتصور ان الروائي نجح في بناء شخصياته بصورة غاية في الاتقان والحرفية حتى اننا نجد حوزيه ( عيسى ) الذي كان يمارس طقوس الجلوس تحت شجرة في حديقة جده على طريقة بوذا ينطق بالحكمة مثله مثل بوذا في اكثر من موقع في نهايات الرواية...

ولا ننسى بأن الروائي اغنى روايته بشكل كبير حينما اختار ان يضمنها سيرة حياة بطل الفلبين القومي ويستخدم عدد من مقولاته واسمه ايضا خوسيه ريزال.

وكأن الروائي اراد القول بأن المعاناة والفقر والالم والاستعمار هي التي تصنع الابطال...

واتصور بأن اختياره للاسماء ( خوسيه، وعيسى )، لم يكن صدفة فقد اراد من خلال ذلك ان يصور تلك المعاناة التي عاشها ابطال روايته ( خوسيه ريزال، وخوسية مندوزا، وميرلا مندوزا، ومندوزا الجد التي اتقن الروائي بناءها بشكل مذهل ) والذين تألموا كثيرا كل بطريقته بسبب غياب الاب، وحالة الفقر والضياع باستثناء ريزال الذي قتله الاستعمار الاسباني بسبب مقاومته له لتنفجر ثورة في الفلبين، بعد ان ضحى ذلك البطل بنفسه لتستقل بلاده على اثر ذلك.

هذه الرواية عن الفلبين وعن بطلها القومي، عن ظروف الفقر التي تعاني منها شعوب جنوب شرق اسيا، واضطرارها للعمل في ظروف قاسية وغير انسانية للحصول على ما يسد الرمق، وما يترتب على ذلك مثلما هي عن الكويت وحياة الكويت بكافة تفاصيلها ( من ظاهرة الخدم وما يترتب على ذلك، ثم اثر الضغوط الاجتماعية في التأثير على البناء الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية، عن ظاهرة البدون، وعن الظروف السياسية التي كانت مسيطرة اثناء الثمانينيات والتسعينيات ثم الاحتلال العراقي وكيف اثر على المجتمع، ولكن الاهم من كل ذلك هو قدرة الروائي على تصوير ما يدور في البيت الكويتي وطريقة تعامل الاسرة الكويتية مع الخدم وذلك من خلال عيون رجل كويتي بملامح فلبينية، جعله الروائي يعيش حياة الفلبيني العادي في شقه منفصلة يسكنها العزاب) .

حيث تمكن الراوئي وبذكاء شديد من تعريفنا على طبيعة الحياة التي تعيشها الاسرة الكويتية وبتفصيل شديد يتعلق بكل ما يتصل بالعلاقة مع الخدم واثر ظاهرة الخدم على المجتمع، ومن ناحية اخرى اثر العادات والتقاليد على تلك العائلة وعلى المجتمع الكويتي بشكل عام، وكل ما يتصل بحياة الانسان الكويتي واثر المال والنفط في تشكيل العلاقات الاجتماعية، حتى انه يتطرق بذكاء الى قضايا حقوق الانسان ويفرد لمشكلة (البدون) مساحة واسعة من الرواية من خلال جعل احد ابطالها ( غسان ) من هذه الفئة المهمشة في المجتمع والذي يلعب دورا محوريا في الرواية حيث يقوم على تبني عيسى حسب وصية صديقه ابن عائلة الطاروف.

كان انطباعي الاولى بأن هذه الرواية (ساحرة) وهنا اؤكد على ذلك الانطباع بل هي مذهلة.

ولا شك انها متقنة البناء بشكل استثنائي وقد تمكن الروائي من استثمار ثقافته الواسعة على ما يبدو ومنح الرواية بعد عالميا من خلال حديثه عن بطل الفلبين القومي ومقاومته للاستعمار..

والحديث عن عيسى، وبوذا، وكذلك الحديث عن اليس في بلاد العجائب تلك الرواية العالمية المعروفة واستثمارها لاغناء حبكة الرواية.. حيث جعل عيسى ابن راشد يحلم بأن ذلك الارنب لا بد ان يوصله في يوم من الايام الى بلاد العجائب كما صورتها له والدته، بلاد والده راشد- الكويت-، وكان عازما ان يستقر هناك لانه مثل ساق شجرة البامبو يمكن ان ينبت في اي بقعة من الارض ليخلص بعد كل ما واجهه في الكويت من غربة واغتراب بأن بعض الاشجار لا تعيش في الصحراء؟!

طبعا إن اهم ما يميز الرواية هو اتقان بناء الشخصيات فقد تمكن الروائي من جعلها نامية دينامكية متطورة، غنية، ومكتملة البناء round characters بل ان حياة كل شخصية تكاد تمثل حبكة منفصلة متكاملة البناء.

واشد ما سحرني اتقانه لبناء شخصية مندوزا الجد...الذي يدفعك لتكرهه بشدة كنتيجة لمجموعة تصرفاته ثم تكتشف لاحقا انك كنت مخطأ في حقه فهو لا يستحق سوى العطف وانما هو ضحية لمجموع ظروف حياتة...وان ادمانه على مصارعة الديكة مثلا كان له اسباب عديدة...فهو جندي سابق حارب في فيتنام ومصارعة الديكية تنفيس عن مآسية التي تعتمل في داخله.

جميلة هذه الرواية جدا بل هي سحرية ومذهلة بحق. ويبقى الكثير ليقال عنها.

ايوب صابر 05-08-2013 11:15 AM

طبعا ملاحظة او كلمة المترجم ( ابراهيم سلام ) وهو احد الشخصيات المحورية في الرواية شيء لافت للانتباه خاصة ملاحظته او تنويهه الذي يخلي فيه مسؤوليته عن كل ما جاء في هذا النصمن آراء واسماء وتفاصيل واسرار تمس الحياة الشخصية لاصحابها ولم يقل (قد تمس) وانما قال تمس وذلك يعني بأن القصة واقعية وان ابطالها هم اشخاص حقيقيون .

وإن لم يكن فأن الروائي يكون قد اخترع هذه الاضافة العبقرية ليجعل الرواية تبدو واقعيه بشخوصها واقرب الى الحياة.

ايضا تشير الملاحظة الى ان الرواية لم تكتب باللغة العربية وانما ترجمت عن النص الاصلي والذي هو باللغة الفلبينية ( ang tangkay ng kawayan ) وذلك يشير الى ان كاتب النص عاش فعلا في الفلبين طفولته حتى انه ظل قادر على التعبير بلغتها اكثر من اللغة العربية. ..وما يشير الى ان النص مترجم هو استخدام كلة ( يفه ) وهي كلمة غير متداولة وفقط مرة واحدة كتب ولم (ينبس ببنة شفة) وهو التعبير المتداول عن الكاتب باللغة العربية.

وان لم يكن فلا شك ان الكاتب كان عبقريا في ملاحظة حياة شخص او شخوص بدقة متناهيه الى حد انه كتب عنها بتلك التفاصيل وربما انه كتب قصة حياة بطله في بداية الرواية وهو اسماعيل فهد اسماعيل فهي نسخة طبق الاصل عن قصة عيسى بطل الرواية لكنه جعله فلبينيا بدلا من عراقيا لحساسية الامر وخاصة ان اسماعيل عاش في الفلبين..وهو ما يعني ان الكاتب تعرف على ظروف البيئة الجغرافية هناك ولا بد ان اسماعيل ساعده في ذلك. وهذا هنو في الغالب ما حصل؟!

وخلاصة القول انه لا بد ان هذه الرواية اقيمت على اساس احداث واقعية ولم يكن الكاتب ان ينجح بهذه البراعة لولا انه استند على مثل تلك الاحداث الواقعية .

وهذه شيء عن حياة اسماعيل "

اسماعيل فهد اسماعيل:أنا ابن الاثنين العراق والكويت

الكويت ـ إيمان حسين - الاسبوعية

اسماعيل فهد اسماعيل:
أدباء وشعراء ومثقفو محافظة البصرة احتفلوا بمناسبة مرور سبعين سنة على ولادة الكاتب والروائي الكويتي المعروف اسماعيل فهد اسماعيل.
ولد اسماعيل في العام 1940 في البصرة وعاش فيها لأكثر من ثلاثين عاما، كون والدته عراقية ومن البصرة، وفي الكويت احتفى الوسط الثقافي، كذلك، بهذه المناسبة. ويعد اسماعيل المؤسس الحقيقي لفن الرواية في الكويت، وقد قدم لروايته الأولى «السماء زرقاء»، التي كشفت عن موهبته المتميزة، الأديبُ المصري المعروف صلاح عبد الصبور في العام 1970، وقال عنها: أجد أن هذه الرواية هي رواية القرن، وكانت مفاجأة كبيرة لي كونها جديدة في فكرها وطرحها، وقادمة من أقصى المشرق العربي.
تميز هذا الروائي بإحتضانه المواهب الأدبية الإبداعية الشابة من خلال الملتقى الذي أنشأه وسماه ملتقى الثلاثاء، أو من خلال طباعة روايات وكتب تحمل أفكارًا جديدة ومهمة بالنسبة الى القصة والرواية كتشجيع ودعم لتلك المواهب. «الأسبوعية» التقته لتسجل معه هذا الحوار:
هل أنت ابن البصرة، أم ابن الكويت، أم ماذا؟
أنا ابن الاثنين، فوالدي كويتي ووالدتي عراقية من البصرة؛ تلك المدينة التي شكلت فكري وانتمائي وحبي وعشقي للأدب والقصة. كل أهل البصرة أهلي وأصدقائي وأحبتي، هناك كونت مجموعة من الأصدقاء الذين لم يبقَ منهم إلا القليل بعدما شردت الحروب والاضطهاد والظلم والموت القسم الأكبر منهم، ولم يبق لي إلا الذكرى. كانت أيام لا يمكن أن تنسى بكل ما تحمل من شقاوة وعطاء واختلاف. ولدت في البصرة وبقيت هناك. درست وكبرت وترعرعت وتعلمت الكثير من مدينة السياب، الفيحاء الباسقة، بجمالها، على ضفاف النهر، وهذه المدينة تركت بصماتها الجميلة والرائعة على كل جوانب حياتي.
ما ذكرياتك عنها، وماذا تحمل الى الآن منها؟
كوّنا مجموعة من أدباء البصرة وكنا نلتقي في مقهى «هاتف» وهو مقهى معروف في المدينة، نتبادل الاحاديث ويقرأ بعضنا على البعض ما كتبناه لنستمع الى آرائنا في ذلك ونتناقش بكل ما نقرأه. الحقيقة كان هذا اللقاء اليومي يشبه المنتدى الفكري الذي انضم إليه فيما بعد عدد آخر من أدباء وشعراء البصرة. وفي أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات ضغطت الأسرة عليَّ بأن أعود الى الكويت. وكان ظهور صدام حسين وحزب البعث، ما دفعنا الى أن نتفرق؛ كل يذهب الى جهة بعيدة عن الآخر. أنا عدت الى الكويت، وفي بداية عودتي شعرت بنوع من الملل والضجر، لأن إيقاع الحياة اختلف كثيرًا عما كنت أعيشه وأحياه مع أهلي وأصدقائي، لكنني تأقلمت بعد فترة طويلة وليست بقصيرة، بل كنت أسافر الى البصرة كل أسبوع، إلا أن الحياة هناك أخذت تتغير كثيرًا، وأغلب أصدقائي سافروا وهاجروا للتخلص من الظلم والدكتاتورية، وبدأت أبحث وأسأل عنهم وجدت أنني كل يوم أفاجَأ بموت أحدهم، أو بسجنه نظرا لصراحة رأيه.
وكيف كان شعورك بعد غزو صدام حسين للكويت؟
كان شعورًا مليئا بالحزن والحسرة والقهر، لأن الكويت لم تؤذه يوما، ولا حتى الكويتيون، وكذلك الشعب العراقي لم يؤذه، لكن للأسف كان أسوأ شخص حكم العراق، وأضر بكل شيء ينبض بالحياة. اللطيف في الموضوع هو انه بعد تحرير الكويت كان كل من يستمع إلي يضحك ويسخر من لهجتي لكوني أتحدث اللهجة العراقية، ومن هنا بدأت قصة أخرى وهي الدفاع عن العراق والعراقيين كونهم لم يكن لهم يد في موضوع الغزو بقدر ما كان صدام حسين هو الذي خطط ورسم ونفذ للهجوم والغزو. فعلاً الأيام بعد ذلك أثبتت ما كنت أقوله وأدافع عنه، وبعد سقوط صدام حسين ونظامه البائد ظهرت الحقائق للجميع سواء في الوطن العربي أو في العالم؛ أن الشعب العراقي ظلم مئة ألف مرة على يد الطاغية أكثر من ظلمه للكويت.
نحن اليوم نعيش أجواء الأشقاء والأخوة بشكل صادق، كيف تعمل أنت في هذا الجانب؟
منذ ولادتي وأنا أعمل على استمرار أجواء روح الأخوة بين الكويت والعراق، وعلى فكرة وليس دفاعًا عن الكويتيين، انهم أكثر شعب يشعر بإرتياح وسهولة في التعامل مع الشعب العراقي دون غيره، فالعلاقة التاريخية الطويلة والعمق الجغرافي، والمصاهرة الموجودة بين الشعبين، لها دورها في تفعيل العمل ونقاط التلاقي بين الطرفين. واذا كنت أنا حالة ونتاجاً عراقياً- كويتياً فهناك آلاف غيري هم في الحالة نفسها، لذا يجب أن لا نلتفت الى الأصوات النشاز التي تعلق من هنا أو هناك لأنها سرعان ما تنتهي كالفقاعة التي تنفجر بعد صعودها في الجو من دون أن تؤثر أو تضر بأحد. وأود هنا أن أذكر شيئا مهمًا جدًا وهو أن مؤسسة عبدالعزيز البابطين أسست لمرحلة غاية في الأهمية بين الشعبين العراقي والكويتي على صعيد الثقافة، ونأمل أن يتكرر الشيء ذاته في جوانب أخرى كثيرة، لا سيما الجانب الاقتصادي الذي يجب علينا، ككويتيين، أن نبادر ونعمل في هذا المجال كي يعود علينا وعلى العراقيين بالنفع والفائدة.

ويقول في احدى المقالات عن ازمة الهوية "البحث عن الهوية شكل محورا في اغلب أعمالك الروائية ما سبب ذلك ؟

الإنسان لا يمكنه ان ينفرد عن هويته وانتمائه مهما ابتعد عن مكانه الاصل ومهما حاول الآخرون أن يقلعوه من جذوره،وعليه فأن موضوع الهوية هي من أكثر القضايا الروائية بالنسبة إلي جدلا،وقد تحدث أصدقائي في الاصبوحة عن الهوية وعن انقسامها وانا وربما توارد خواطر فقد كتبت ورقة عنوانها (الهوية صندوق عجب) قلت فيها: ورد في المجلد الأربعين من معجم تاج العروس للسيد محمد مرتضى الحسيني ان الهوية عند أهل الحق هي الحقيقة المطلقة كذلك ورد في المنجد ما مفاده ان الهوية حقيقة الشيء او الشخص عندما تطلق مجتمعة على صفاته الجوهرية وباشتمال التعريفين أي الحقيقة والإطلاق وهو ما منح الأنظمة أي الحكومات حق ان يطلقوا لفظ الهوية على البطاقة المحددة لانتماء الفرد الى بلد معين ضمن مسميات متفق عليها كالبطاقة المدنية وغيرها (الجنسية) (وثيقة السفر) وصولا الى (البطاقة التموينية) وإذا أخذنا الهوية بمعناها السائد نجدها مفرغة من تلك المرين اي (الحقيقة) و(الإطلاق) ما دامت تتعاطى مع الإنسان بصفته كائن ينتمي لمكان معين قبل انتماءه لوثيقة رسمية معترف بها او غير معترف بها.

لذا فقد حاولت ومن خلال أعمالي الروائية والأدبية ان اطرح فكرة الوطن بشكلها الجميل والذي فقدناه وسط هذا الكم من الاغتراب والضياع الذي لامس حياتنا.

* انت تقول ان الذاكرة هي الهوية ماذا تحمل ذاكرتك عن البصرة؟

- تقول أيميل جوثان وهي كاتبة بلجيكية معاصرة (متى نعود إلى الديار) غالبا ما كنت اسأل ابي والديار هنا تعني (اليابان) ابدا لن نعود يجيبني ابي وكان القاموس أي المعجم يؤكد لي فضاعة تلك الإجابة.

أميلي عاشت طفولتها في اليابان وابيها يعمل في السلك الدبلوماسي تقول (أبدا) كانت هي البلد الذي اقطنه اليابان هي بلدي الذي خسرته لا كنه لم يخسرني ابدا كانت سمة لي بوصفي إحدى رعاياها ولان ذاكرة الفرد تجلد صاحبها تواصل أميلي سكان أبدا لا رجاء لهم واللغة التي يتكلمونها هي الحنين والعملة التي يتداولونها هي الزمن العابر هذا عن يابانية الهوية بالمعنى ألعرفاني بلجيكيتها بالتبعية الرسمية.

في روايته الأخيرة المعنونة (سرايا انتربول) يردد أميل حبيبي بين صفحة وأخرى ومشيت في درب الآلام والإحالة هنا على سيدنا المسيح (ع) والمراد لدى حبيبي انه بصدد ارتياد المكان واستعادة هل الذاكرة لان أميل حبيبي كان فرد من عائلة تتفكك متكونة من أب وأم وأخوة حين كتب سراياه جاوز سبعيناته حينما تركه الأخوة والأخوات والأولاد والبنات ليتكاثروا في بلدان أخرى أوربية او عربية.

لذا فيمكنني القول ان البصرة لم اخسرها ولم تخسرني لأني اعترف بفضلها وهي تفخر بكوني احد أبناءها البارين.فانا لا زلت احن للأيام التي كنا نقضيها في مقهى(هاتف) وهو مقهى معروف في المدينة يرتاده الأدباء والمثقفين نستمع لبعضنا حتى أصبح هذا المكان أشبه بمنتدى ثقافي يضم الكثير من الأدباء والشعراء.

ايوب صابر 05-09-2013 10:10 AM

الاهداء ايضا والذي هو مدون الى مشعل وتركي وجابر وعبد الله ومهدي ...وهم شخوص مهمة في الرواية مؤشر آخر بأن القصة واقعية، وهم اشخاص حقيقيون... وان الرواية اقرب الى السيرة الذاتية وهي تسجيل لاحداث وقعت بالفعل.

ايوب صابر 05-11-2013 11:24 AM

يفتتح الروائي روايتة بمقولة لبطل الفلبين القومي " خوسية ريزال " تقول " لا يوجد مستبدون حيث لا يوجد عبيد"، وهي عبارة موحية لما يدور في الرواية حيث نجد ان الاحداث تدور حول صراع من اجل لقمة العيش عند العديد من ابطال الرواية وهو ما يجعلهم مثل العبيد عند الطبقة الميسورة.

ونجد ان الروائي قد اختار عنوان مثير للجزء الاول من روايته " عيسى ...قبل الميلاد" وهو ما يعطي الانطباع بأن الحديث ربما يدور حول احداث تمت قبل الميلاد نظرا لارتباط التاريخ الميلادي بعيسى ليكتشف المتلقى ان الحديث يدور عن احداث وقعت قبل ولادة ( عيسى ) بطل الرواية والذي تطلق عليه والدته اسم خوسية تيمننا باسم البطل القومي الفلبيني ( خوسية ) ...

فهو في الكويت عيسى وهو الاسم الذي اعطاه اياه والده ( راشد الطاروف ) وفي الفلبين ( خوسيه ) وهو الاسم الذي اعتطه اياه امه (جوزفين) التي انجبته من راشد وهي تعمل خادمة لدى عائلة الطارووف في الكويت.

ايوب صابر 05-14-2013 11:07 AM

من العبارات العجيبة التي تشملها الرواية هي ما ورد على لسان البطل عيسى في مدخل الرواية ص. 18 حيث يقول

" هناك من يمارس الرذيلة لاشباع غريزته وهناك مع الفقر من يمارسها لاشباع معدته! والثمن في حلات كثيرة ، ابناء بلا اباء..
تتحول الفتيات هناك الى مناديل ورقية، يتمخط بها الرجال الغرباء...يرمونها ارضا ..يرحلون..ثم تنبت في تلك المناديل كائنات مجهولة الاباء " .

طبعا في مدخل الرواية نسمع صوت البطل، بطل الرواية عيسى ، وهو موجود في الكويت وقرر على ما يبدو كتابة قصة حياته فيعود ليقص على المتلقي كيف جاء الى هذه الدنيا ،ويصف تلك الظروف التي جاءات به، ولكن التركيز ينصب على ازمة الهوية التي احسن الروائي ابرازها في مدخل الرواية حيث تشعل هذه الازمة فضول المتلقي ليتعرف على القصة بكاملها.

ونجد البطل يقول " اسمي Jose ،، ينطق في الفلبين كما في الانكليزية هوزيه وفي العربية يصبح كما في الاسبانية خوسيه وفي البرتغالية بالحروف ذاتها يكتب ، ولكنه ينطق جوزيه..اما هنا في الكويت فلا شا، لكل تلك الاسماء باسمي حيث هو عيسى!".

اذا الروائي يطرح قضية اشكالية في مطلع الرواية حيث يقول على لسان البطل كيف ولماذا؟ اسمي هكذا ..لا اعرف السبب وان كل ما يعرفه بأن العالم كله اتفق على ان يختلف على اسمي؟

وتلك الاسماء ليست نهاية المطاف فنجد الراوي يقول بأن اسمه في الفلبين Isa ومعناها هناك واحد، ولذلك امه لجأت لتسميته خوسيه تيمنا باسم بطل الفلبين لكن الناس هناك كانت تسميه Arabo وفي الكويت اخذت تناديه الفلبيني.

كل ذلك يشير الى ان الروائي ابرز في مدخل رواية ازمة الهوية التي فرضت على بطل الرواية ، مما يجعل الرواية قصة لشخص يعاني من ازمة هوية كنتيجة لطبيعة الظروف التي ولد ونشأ فيها.

وظني ان اختيار الاسم عيسى وهو اسم غير مألوف في الكويت جاء بقصد توظيف التراث الديني في قصة ولادة سيدنا عيسى من غير والد..

كذلك لم يكن اختيار الاسم خوسية صدفة وانما هو لتوظيف التراث المقاوم لذلك البطل في اغناء النص الروائي. ونجد ان بطل الرواية يتخذه قدوة ويقتبس من اقواله اثناء الرواية الكثير.




ايوب صابر 05-16-2013 12:13 PM

اذا نجد ان الكاتب في هذه الرواية يوظف مجموعة من العناصر التي شكلت الروعة حتى منذ اللحظة الاولى:
- هو يقتبس مقولة للكاتب الكويتي اسماعيل فهد اسماعيل والمعروف ان اسماعيل عاش بعيدا عن والده ولكن في العراق تماما مثل بطل الرواية وسافر الى الفلبين لعيش هناك في وقت لاحق.

- يوظف مقولة للبطل القومي الفلبيني خوسيه ريزال وبذلك فهو يوظف التراث النضالي لذلك البطل الذي بقيادة للنضال الوطني ضد الاستعمار ثم باعدام ( التضحية بنفسه ) تحقق حلم الفلبين في الاستقلال.

- يوظف التراث الديني من خلال استخدام اسم ( عيسى ) وما يرتبط مع الاسم من تراث، ولم يكن ذلك صدفه حتما وانما في ذلك استثمار لما يرتبط مع ذلك الاسم خاصة ان النبي عيسى عليه السلام من دون اب.

- وكأن الكاتب اراد القول بأن تضحيات بطله في رواية ساق البامبو ومعاناته لا تقل في عن فضاعتها عن معاناة وتضحيات اؤلئك الثلاثة.

سر الروعة في رواية موسم الهجرة الى الشمال:

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=9559

ايوب صابر 05-29-2013 12:58 AM

عن القدس العربي بقلم رشيد العناني
سعود السنعوسي، وهو كاتب شاب لم يتجاوز الحادية والثلاثين من العمر وروايته الفائزة هي الثانية من ، قرر أن يفعل شيئا لا نحب نحن العرب أن نفعله عادة: أن نجابه الأشياء مجابهة مباشرة، وأن نسميها بأسمائها مهما قبحت، أن ننظر إلى أنفسنا فنرى عيوبنا فلا نتستّر عليها بل نصارح أنفسنا والآخرين بها باعتبار ذلك أول خطوة على طريق الإصلاح. كل هذا لا نحب أن نفعله، مختارين غالبا الاعتقاد الآمن المطمئن بأننا خير أمة أُخرجت للناس وأنه ليس في الإمكان أحسن مما كان، وأن القذي دوما في عيون الآخرين وحدهم، أما نحن فمنه براء. لكن الكاتب الكويتي الشاب اختار أن يستقيل من عضوية هذا النادي الذاهل المرتاح، وأن يسمح للأدب أن يقوم بوظيفته المرتجاة، وهي الكشف والتعرية، الصدم والمجابهة للفرد والمجتمع، كخطوة على درب الفهم والتغيير. ولأن هذا شيء جدّ نادر في أعرافنا الاجتماعية والأدبية والإعلامية، فكان حتما أن يُلاحظ جهده وشجاعته، وأن تلتفت إليها لجنة تحكيم ‘البوكر العربية’ فتسبغ عليها من التكريم والتنويه ما يأتي في سياق الفوز بهذه الجائزة.
تثير الرواية قضايا عديدة لصيقة بالتركيبة الاجتماعية الخليجية وبالعلاقة بين المجتمعات الخليجية الوطنية وملايين العاملين الذين تستضيفهم في بلادها لتسيير شؤونهم المعاشية، خاصة في مجالات العمالة الدنيا مما يستنكفون عن القيام به بأنفسهم وتيسّر لهم قوتهم الاقتصادية الاستعانة عليه بالغير. وتكشف الرواية عن النظرة المتعالية المُحتقِرة، العنصرية في جوهرها، التي ينظر بها الكويتي، والخليجي بالتعميم، إلى الطبقات العاملة في خدمته من آسيا وغيرها. وتكشف عن أن المبدأ الديني الأخلاقي الذي تعتنقه تلك المجتمعات من أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، إنما هو شعار مثالي نظري، وأن الفضل من الناحية العملية المطبّقة إنما يكون بالقوة والمال والعصبية العرقية والأسرية والقبلية.
تكشف الرواية عن كل هذا مما يعرفه الجميع ولكن لا يتحدث فيه أحد عن طريق قصة شاب نصف كويتي نصف فيلبيني نتج عن زواج سري بين شاب كويتي من أسرة مرموقة وخادمة فلبينية تعمل في منزل الأسرة. وعلى الرغم من نبالة الشاب، فإن الأسرة والتقاليد ترغمه على تطليق زوجته وإعادتها مع رضيعها إلى الفلبين، ولا يلبث الأب أن يلقى حتفه على يد الغزو العراقي للكويت. ينشأ الصغير في ظروف فقر وبؤس في الفلبين حتى يصير شابا يافعا ويقرر أن يرحل إلى الكويت ويحصل على الجنسية التي هي من حقه ويحاول الانتماء إلى أسرة أبيه. لكن المجتمع الكويتي يرفض تقبله والاعتراف به. حقا أنه ينال الجنسية الكويتية بموجب القانون كون أبيه كويتيا، ولكن هذا الاعتراف القانوني يبقى مجرد ورقة رسمية لا تنفع بشيء أمام أسرة أبيه المتوفى والمجتمع بأسره الذي يلفظه ويرفض انتمائه له رفضا صريحا. ولا يشفع له في شيء اعتناقه الإسلام، دين أبيه، على الرغم من نشأته مسيحيا في الفليبين. ولكن تبقى ملامحه الآسيوية و’وصمة’ الجزء الفليبيني ‘الوضيع′ من دمه عائقا منيعا أمام تقبله على قدم المساواة في الأسرة والمجتمع.
يُحسن السنعوسي صنعا إذ يعطي وجهة النظر في السرد الروائي للشاب التعس الذي نسمع القصة من منظوره، فنرى عذابه وحيرته، شوقه للانتماء، محاولاته لأن يُحبّ، لأن يُقبل، والتي تنكسر كلها على صخرة التقاليد والأعراف الاجتماعية والعصبية العنصرية. ومما يُحسب للروائي أنه لا يُصوّر القضية تصويرا مبسّطا بالأبيض والأسود، وإنما هو واعٍ تماما بأهمية الظلال الرمادية، بالتداخل بين النقيضين، بالمنطقة الوسط بين حركة بندول النوازع البشرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. فالأسرة الرافضة من جدّة وعمّات الخ ليست بلا قلب، وليس رفضها مطلقا أعمى، وإنما هي أيضا فريسة للعرف الاجتماعي والعصبية المتوارثة جيلا عن جيل، والذي يثبت أنه أقوى من أي نوازع للقبول والاعتراف لدى بعض أفرادها. لا تسعى الرواية للإدانة والحشر في خانات الطيّب والشرير، وإنما تسعى لأن تقول: لدينا مشكلة اجتماعية وأخلاقية خطيرة، كفانا تجاهلا لها، دعونا نتصارح بها ونفكّر فيها.

ايوب صابر 09-20-2013 10:17 AM

‘[OVERLINE]
ساق البامبو’ لسعود السنعوسي: عندما تدير لي الكويت ظهرها أهرب الى الفليبين
[/OVERLINE]!
د. محمد بن مسلم المهري
SEPTEMBER 19, 2013


… انتهيت من قراءة رواية ساق البامبو لمؤلفها سعود السنعوسي ، ولا أنكر الشعور الذي انتابني عند آخر صفحة قرأتها لقد أدخلني المؤلف جوا من الحزن والأسى كان آخر العهد به حين فرغت من قراءة رواية البؤساء .
لم يكن عيسى أو هوزيه أو جوزيف كاجان فولجان، ولكنهما ينطلقان من زاوية واحدة وهي ظلم المجتمع، ولست هنا للمقارنة بين الروايتين ولكن شيئا ما ذكّرني برواية هوجو العالمية .
لقد استطاع المؤلف أن يشكل شيئا من عقلية ‘ السيد’ في الخليج العربي ويأخذ بها إلى جانب طالما ألح علينا كمواطني مجلس التعاون النظر أو إعادة النظر إليه، وهو مسألة الجاليات الوافدة من أقطار العالم للعمل في هذه المنطقة الغنية من الأرض، سيما وما تحمل هذه الجاليات من ثقافات تأصلت لديها، وما تراه من ثقافة تخالف الموروث لديهم ، بل إنهم ملزمون بكل هذه العادات الدخيلة عليهم ، ناهيك عن الأخلاق التي يقابلون بها في الكثير من المرافق الخدمية التي يتعاطونها.
لقد استطاع السنعوسي بشخوصه القلائل وتقسيمه العجيب بين بلدين وثقافتين متباعدتين أن يبعث روحا خفية ما كان لها أن تحيا لو أنها ظلت حبيسة سجلات الأحوال المدنية التي دونت في أغلبها الأعمال المخلة التي ترتكبها بعض الجاليات الوافدة، متناسين المعاملة السيئة التي تتعرض لها الكثير من هذه الجاليات ، وكذلك الأحوال التي رمت بهم إلى تلك البلدان التي تختلف كل الاختلاف عن بيئتهم ومعتقداتهم ، كما أنه من الملاحظ عدم تدخله في حوارات شخوصه إلا في أضيق الأحوال وهو ما يلاحظه القارئ حين تحدث عن الإسلام والأديان وما يفعله الاتباع في استقطاب الآخر ص299
لقد جالت الرواية بكل أجزائها الخمسة وصفحاتها التي اقتربت من ( 400) صفحة بمأساة قل من التقطها في عالم الرواية الخليجية على الأقل بهذه التقنية الجميلة ، وبهذا الإخراج المبدع، والحق أن المؤلف تجاوز في روايته مرحلة القراءات المؤقتة ، حيث إنه لم يترك الفسحة للقارئ حتى يجزئ الرواية للأوقات المناسبة ، إنه يمارس سطلة سحرية تجبر القارئ بسبب ولسبب أن يتم القراءة إلى نهاية الجزء والأجزاء إلى نهاية الرواية.
فالرواية تسير بطريقة سلسلة في تصوير الأحداث إلى درجة أن القارئ يخرج بحصيلة مفادها أن الآباء لا يعلمون حجم الذنب الذي اقترفوه حين يلقون بتلك النطف في حالة من حالات النشوة أو الانتقام، فما حدث لجوزافين في شاليه آل الطاروف أنبت إنسانا يقبل بأكثر من أم وبالتالي أكثر من اسم .. ووطن .. ودين .
عيسى عبدالله الطاروف الذي ولد في الكويت لأب كويتي وأم فلبينية كان حظه أن يتخلى عنه والده لاعتبارات اجتماعية ؛ فعاش عيسى العربي وjose بالإنكليزية وهوزيه بالفلبيني وخوسيه بالإسباني، طفولة متناقضة بداية بالأصحاب والأقران في قريته، فكانوا ينادونه Arabo رغم أنه لا يشبه العرب في شيء إلا نمو شاربه وشعر ذقنه بشكل سريع ، وعند أمه ‘آيدا’ ذلك الكاثوليكي الذي يعمد ، وعند أمه مسلم بالوراثة ، وفي عقله بوذي متأمل.
هوزيه ذو السحنة الفلبينية المتجذر في بلد المنشأ حتى لامس جذوره أعماق الأرض كشجرة البامبو أو الخيزران ما لبث أن اقتلعته الأيام إلى موطن الأجداد.
هنا يشاهد عيسى المجتمع الذي عاند والده في القدم فورّثه ذلك العناد بواقعه المرفوض جملة وتفصيلا ‘ الأمر ليس سهلا ‘ هكذا قالت ‘خولة’ أخته، إذن الدخول إلى طبقة كهذه ليس كنزهة في كهوف بياك- نا باتو مع (ميرلا محبوبته وابنة خالته) إنها عقدة الاسم وما يجب أن يقدم له من القرابين ليبقى كالنجم لا يستطع الوصول إليه أحد، عائلة الطاروف لا تقبل إلا من يليق بها اسما ومكانة لأنها تحيا تلك العقدة الطبقية التي تميزها عن غيرها ، فالمجتمع يعيش صراعا طبقيا يبدأ بالفرد وينتهي بما يحويه من طبقات.
‘ شيء معقد ما فهمته في بلاد أبي. كل طبقة اجتماعية تبحث عن طبقة أدنى تمتطيها ، وإن اضطرت لخلقها، تعلو فوق أكتافها ، تحتقرها وتتخفف بواسطتها من الضغط الذي تسببه الطبقة الأعلى فوق أكتافها هي الأخرى’ ص279
المجتمع ليس سهلا .. الديانة التي ورثها عيسى كانت ثقلا يضاف إلى الأعباء التي وجدها في أرض الوطن خاصة وأنه يحمل في ذهنه الطقوس الكاثوليكية والتأملات البوذية والصور الجهادية المظلمة ، عليه لن ولم يتخلص منها بهذه السهولة، وإن قابل إبراهيم سلام وحادثه عن الدين الإسلامي وأتى له بالخوارق والمعجزات ‘ لأن الأديان أعظم من معتنقيها’299ص .
الديانة لم تك سوى مرحلة من مراحل التغيير المجتمعي الذي حدث لعيسى بدليل أنه لم يتحمل الذهاب إلى المسجد خمس مرات وما أن حذرته هند من الاقتراب من إبراهيم سلام وأصدقائه حتى لاذ بالفرار عن بقايا موروث ديني خالط جيناته .
لم يكتف السنعوسي بالطبقة المخملية فراح يهبط ببطله إلى مطعم للوجبات السريعة وكأنه يبحث عن نبض الشارع الكويتي وما يحدث من تصادم بين تلك الطبقات والفئة الوافدة وما يدور بينهما من معارك في ساحات ( البورجر) حين يتلقون الشتائم لأتفه الأسباب و’ لكن أوغاد ينتقمون من أوغاد’ ص333
مما يلاحظ في سياق التشكيل السردي تسارع الأحداث، إذ تصل الذروة حين يتداخل والطبقة الوسطى التي قد تتفهم ما يعانيه كونهم ينادون بالتغيير للكثير من المفاهيم العالقة بالمجتمع خاصة فيما يتعلق بالنظرة للآخر إن كان من ( البدون) أو الطائفية البغيضة فكان الاعلان للانتخابات هي الخلطة السحرية التي تجمع القلوب على مشاربها المختلفة، وإن شئت فقل المصالح هي جامعة القلوب والعقول ، نتج عنها تلك الحوارات الساخنة التي تأتي على كل صغيرة وكبيرة وخلال تلك النشوة العابرة فاه عيسى بالسر الذي لم يطلع عليه أحد وإن كانت أم جابر الجارة الثرثارة ، ولكن جابرا كان من الحاضرين بقوة خلال الحوار.
- المرشحة هند الطاروف هي عمتي.
- أنت تمزح !! تركي
- هند عيسى الطاروف .. شقيقة عبدالله عيسى الطاروف أبي.
- جابر: أنت تكذب !!!
بهذا الخبر الذي انداح في الكويت ( لأنها صغيرة كما يقول البعض) الذي يمثل الذروة في الحبكة لا من حيث الجانب الدلالي فحسب وإنما من الناحية العاطفية للمتلقي الذي يطالع بدوره ذلك الزيف المستشري في مجتمع يدعي الإسلام ويعامل أبناءه من خلال اللون، والشكل، والاسم، مجتمع يقوم بطرد أبنائه في الداخل والخارج :
‘ الكويت .. كلما أحكمت قبضتي على طرف ثوبها فلتت من يدي .. أناديها .. تدير لي ظهرها .. أركض إلى الفلبين شاكيا’ ص304
لم تعد الشكوى في هذه المرحلة مجدية بل أصبح من الضرورة الرحيل والعودة إلى وطن لا يلفظه، وطن يبحث عنه ويعتز وروحه التي سكنت هناك إلى الأزل بالرغم من انقسامها وميلها إلى تربة الأجداد التي لم يأخذ منها إلا تلك الذكريات العجيبة
‘ بلاد العجائب .. صورة مغايرة لصورة كنت أراها طيلة حياتي في الفلبين .. صورة خاطئة مطابقة لأحلامي .. لا شبه بين البلاد في مخيلتي القديمة وواقعي الجديد سوى أن هذه وتلك .. كلاهما .. بلاد العجائب ‘ص367.
مما لا شك فيه أن السنعوسي حين كتب ساق البامبو كان يستحضر في مخيلته أكواما من الأحداث التي جرت في أرض الخليج عامة والكويت على وجه الخصوص أقلها من خلال اللقاء بهم في مخافر الشرطة فقد مارسها عيسى ( المؤلف ) حين أضاع الأوراق الثبوتية فطالع الوجوه الخائفة على لقمة العيش وتلك التي تمارس الغواية على ضعيفي النفوس والثالثة التي لا تبالي في أي وادٍ هي.
في الختام لم يخرج عيسى من الفلبين إلى جنة وارفة، وإنما خرج ليطالع بنفسه تلك الوجوه التي سافرت في سماء الأحلام ، وقرر أن يرى مجريات الأمور وما يحدث لها خلف البحار ، لم يك عيسى الطاروف حالما بالثروة بقدر التعرف على مالكيها الذين يحسبون كل صيحة أو اسم قد يدمر بنيانهم الذي بنوا عبر أجيال ، والتي لم تك في حقيقة الأمر قبل الطفرة شيئا يذكر.
عيسى الطاروف ( المؤلف ) كشف الأوراق بصورة ممتعة من خلال كويتي من أصل فلبيني أو العكس إذ إن شهادته لن تقبل في مجتمعه وكذلك الوافد الغريب وهنا عليه ( المؤلف ) أن يخلق من يجمع الغربة والجذور ، ولتأصيل وتعميق تلك الفكرة عمد إلى لغة ذلك الكائن الغريب واستدل له بقول المناضل الفلبيني خوزيه ريزال ‘ إن من لا يحب لغته الأم ، هو أسوأ من سمكة منتنة’ 388 والقصدية من وراء ذلك تمرير الحقيقة بصورة تبعد عنه التحيز لفئة بعينها ، ثم ما لبث أن صنع ذلك الإنسان الأمين الذي تعلم في المعهد الديني في الكويت ليكون المترجم الوفي لكل وقائع الرواية .. ‘ تصل إلى إبراهيم محمد سلام هاتف رقم :009655253545

أكاديمي من سلطنة عُمان

ايوب صابر 09-20-2013 12:10 PM

‘[OVERLINE]
ساق البامبو’ لسعود السنعوسي: عندما تدير لي الكويت ظهرها أهرب الى الفليبين
[/OVERLINE]!
د. محمد بن مسلم المهري
SEPTEMBER 19, 2013


… انتهيت من قراءة رواية ساق البامبو لمؤلفها سعود السنعوسي ، ولا أنكر الشعور الذي انتابني عند آخر صفحة قرأتها لقد أدخلني المؤلف جوا من الحزن والأسى كان آخر العهد به حين فرغت من قراءة رواية البؤساء .
لم يكن عيسى أو هوزيه أو جوزيف كاجان فولجان، ولكنهما ينطلقان من زاوية واحدة وهي ظلم المجتمع، ولست هنا للمقارنة بين الروايتين ولكن شيئا ما ذكّرني برواية هوجو العالمية .
لقد استطاع المؤلف أن يشكل شيئا من عقلية ‘ السيد’ في الخليج العربي ويأخذ بها إلى جانب طالما ألح علينا كمواطني مجلس التعاون النظر أو إعادة النظر إليه، وهو مسألة الجاليات الوافدة من أقطار العالم للعمل في هذه المنطقة الغنية من الأرض، سيما وما تحمل هذه الجاليات من ثقافات تأصلت لديها، وما تراه من ثقافة تخالف الموروث لديهم ، بل إنهم ملزمون بكل هذه العادات الدخيلة عليهم ، ناهيك عن الأخلاق التي يقابلون بها في الكثير من المرافق الخدمية التي يتعاطونها.
لقد استطاع السنعوسي بشخوصه القلائل وتقسيمه العجيب بين بلدين وثقافتين متباعدتين أن يبعث روحا خفية ما كان لها أن تحيا لو أنها ظلت حبيسة سجلات الأحوال المدنية التي دونت في أغلبها الأعمال المخلة التي ترتكبها بعض الجاليات الوافدة، متناسين المعاملة السيئة التي تتعرض لها الكثير من هذه الجاليات ، وكذلك الأحوال التي رمت بهم إلى تلك البلدان التي تختلف كل الاختلاف عن بيئتهم ومعتقداتهم ، كما أنه من الملاحظ عدم تدخله في حوارات شخوصه إلا في أضيق الأحوال وهو ما يلاحظه القارئ حين تحدث عن الإسلام والأديان وما يفعله الاتباع في استقطاب الآخر ص299
لقد جالت الرواية بكل أجزائها الخمسة وصفحاتها التي اقتربت من ( 400) صفحة بمأساة قل من التقطها في عالم الرواية الخليجية على الأقل بهذه التقنية الجميلة ، وبهذا الإخراج المبدع، والحق أن المؤلف تجاوز في روايته مرحلة القراءات المؤقتة ، حيث إنه لم يترك الفسحة للقارئ حتى يجزئ الرواية للأوقات المناسبة ، إنه يمارس سطلة سحرية تجبر القارئ بسبب ولسبب أن يتم القراءة إلى نهاية الجزء والأجزاء إلى نهاية الرواية.
فالرواية تسير بطريقة سلسلة في تصوير الأحداث إلى درجة أن القارئ يخرج بحصيلة مفادها أن الآباء لا يعلمون حجم الذنب الذي اقترفوه حين يلقون بتلك النطف في حالة من حالات النشوة أو الانتقام، فما حدث لجوزافين في شاليه آل الطاروف أنبت إنسانا يقبل بأكثر من أم وبالتالي أكثر من اسم .. ووطن .. ودين .
عيسى عبدالله الطاروف الذي ولد في الكويت لأب كويتي وأم فلبينية كان حظه أن يتخلى عنه والده لاعتبارات اجتماعية ؛ فعاش عيسى العربي وjose بالإنكليزية وهوزيه بالفلبيني وخوسيه بالإسباني، طفولة متناقضة بداية بالأصحاب والأقران في قريته، فكانوا ينادونه Arabo رغم أنه لا يشبه العرب في شيء إلا نمو شاربه وشعر ذقنه بشكل سريع ، وعند أمه ‘آيدا’ ذلك الكاثوليكي الذي يعمد ، وعند أمه مسلم بالوراثة ، وفي عقله بوذي متأمل.
هوزيه ذو السحنة الفلبينية المتجذر في بلد المنشأ حتى لامس جذوره أعماق الأرض كشجرة البامبو أو الخيزران ما لبث أن اقتلعته الأيام إلى موطن الأجداد.
هنا يشاهد عيسى المجتمع الذي عاند والده في القدم فورّثه ذلك العناد بواقعه المرفوض جملة وتفصيلا ‘ الأمر ليس سهلا ‘ هكذا قالت ‘خولة’ أخته، إذن الدخول إلى طبقة كهذه ليس كنزهة في كهوف بياك- نا باتو مع (ميرلا محبوبته وابنة خالته) إنها عقدة الاسم وما يجب أن يقدم له من القرابين ليبقى كالنجم لا يستطع الوصول إليه أحد، عائلة الطاروف لا تقبل إلا من يليق بها اسما ومكانة لأنها تحيا تلك العقدة الطبقية التي تميزها عن غيرها ، فالمجتمع يعيش صراعا طبقيا يبدأ بالفرد وينتهي بما يحويه من طبقات.
‘ شيء معقد ما فهمته في بلاد أبي. كل طبقة اجتماعية تبحث عن طبقة أدنى تمتطيها ، وإن اضطرت لخلقها، تعلو فوق أكتافها ، تحتقرها وتتخفف بواسطتها من الضغط الذي تسببه الطبقة الأعلى فوق أكتافها هي الأخرى’ ص279
المجتمع ليس سهلا .. الديانة التي ورثها عيسى كانت ثقلا يضاف إلى الأعباء التي وجدها في أرض الوطن خاصة وأنه يحمل في ذهنه الطقوس الكاثوليكية والتأملات البوذية والصور الجهادية المظلمة ، عليه لن ولم يتخلص منها بهذه السهولة، وإن قابل إبراهيم سلام وحادثه عن الدين الإسلامي وأتى له بالخوارق والمعجزات ‘ لأن الأديان أعظم من معتنقيها’299ص .
الديانة لم تك سوى مرحلة من مراحل التغيير المجتمعي الذي حدث لعيسى بدليل أنه لم يتحمل الذهاب إلى المسجد خمس مرات وما أن حذرته هند من الاقتراب من إبراهيم سلام وأصدقائه حتى لاذ بالفرار عن بقايا موروث ديني خالط جيناته .
لم يكتف السنعوسي بالطبقة المخملية فراح يهبط ببطله إلى مطعم للوجبات السريعة وكأنه يبحث عن نبض الشارع الكويتي وما يحدث من تصادم بين تلك الطبقات والفئة الوافدة وما يدور بينهما من معارك في ساحات ( البورجر) حين يتلقون الشتائم لأتفه الأسباب و’ لكن أوغاد ينتقمون من أوغاد’ ص333
مما يلاحظ في سياق التشكيل السردي تسارع الأحداث، إذ تصل الذروة حين يتداخل والطبقة الوسطى التي قد تتفهم ما يعانيه كونهم ينادون بالتغيير للكثير من المفاهيم العالقة بالمجتمع خاصة فيما يتعلق بالنظرة للآخر إن كان من ( البدون) أو الطائفية البغيضة فكان الاعلان للانتخابات هي الخلطة السحرية التي تجمع القلوب على مشاربها المختلفة، وإن شئت فقل المصالح هي جامعة القلوب والعقول ، نتج عنها تلك الحوارات الساخنة التي تأتي على كل صغيرة وكبيرة وخلال تلك النشوة العابرة فاه عيسى بالسر الذي لم يطلع عليه أحد وإن كانت أم جابر الجارة الثرثارة ، ولكن جابرا كان من الحاضرين بقوة خلال الحوار.
- المرشحة هند الطاروف هي عمتي.
- أنت تمزح !! تركي
- هند عيسى الطاروف .. شقيقة عبدالله عيسى الطاروف أبي.
- جابر: أنت تكذب !!!
بهذا الخبر الذي انداح في الكويت ( لأنها صغيرة كما يقول البعض) الذي يمثل الذروة في الحبكة لا من حيث الجانب الدلالي فحسب وإنما من الناحية العاطفية للمتلقي الذي يطالع بدوره ذلك الزيف المستشري في مجتمع يدعي الإسلام ويعامل أبناءه من خلال اللون، والشكل، والاسم، مجتمع يقوم بطرد أبنائه في الداخل والخارج :
‘ الكويت .. كلما أحكمت قبضتي على طرف ثوبها فلتت من يدي .. أناديها .. تدير لي ظهرها .. أركض إلى الفلبين شاكيا’ ص304
لم تعد الشكوى في هذه المرحلة مجدية بل أصبح من الضرورة الرحيل والعودة إلى وطن لا يلفظه، وطن يبحث عنه ويعتز وروحه التي سكنت هناك إلى الأزل بالرغم من انقسامها وميلها إلى تربة الأجداد التي لم يأخذ منها إلا تلك الذكريات العجيبة
‘ بلاد العجائب .. صورة مغايرة لصورة كنت أراها طيلة حياتي في الفلبين .. صورة خاطئة مطابقة لأحلامي .. لا شبه بين البلاد في مخيلتي القديمة وواقعي الجديد سوى أن هذه وتلك .. كلاهما .. بلاد العجائب ‘ص367.
مما لا شك فيه أن السنعوسي حين كتب ساق البامبو كان يستحضر في مخيلته أكواما من الأحداث التي جرت في أرض الخليج عامة والكويت على وجه الخصوص أقلها من خلال اللقاء بهم في مخافر الشرطة فقد مارسها عيسى ( المؤلف ) حين أضاع الأوراق الثبوتية فطالع الوجوه الخائفة على لقمة العيش وتلك التي تمارس الغواية على ضعيفي النفوس والثالثة التي لا تبالي في أي وادٍ هي.
في الختام لم يخرج عيسى من الفلبين إلى جنة وارفة، وإنما خرج ليطالع بنفسه تلك الوجوه التي سافرت في سماء الأحلام ، وقرر أن يرى مجريات الأمور وما يحدث لها خلف البحار ، لم يك عيسى الطاروف حالما بالثروة بقدر التعرف على مالكيها الذين يحسبون كل صيحة أو اسم قد يدمر بنيانهم الذي بنوا عبر أجيال ، والتي لم تك في حقيقة الأمر قبل الطفرة شيئا يذكر.
عيسى الطاروف ( المؤلف ) كشف الأوراق بصورة ممتعة من خلال كويتي من أصل فلبيني أو العكس إذ إن شهادته لن تقبل في مجتمعه وكذلك الوافد الغريب وهنا عليه ( المؤلف ) أن يخلق من يجمع الغربة والجذور ، ولتأصيل وتعميق تلك الفكرة عمد إلى لغة ذلك الكائن الغريب واستدل له بقول المناضل الفلبيني خوزيه ريزال ‘ إن من لا يحب لغته الأم ، هو أسوأ من سمكة منتنة’ 388 والقصدية من وراء ذلك تمرير الحقيقة بصورة تبعد عنه التحيز لفئة بعينها ، ثم ما لبث أن صنع ذلك الإنسان الأمين الذي تعلم في المعهد الديني في الكويت ليكون المترجم الوفي لكل وقائع الرواية .. ‘ تصل إلى إبراهيم محمد سلام هاتف رقم :009655253545

أكاديمي من سلطنة عُمان

ايوب صابر 12-28-2013 08:06 PM

في ساق البامبو لسعود السنعوسي: نموذج مثالي للتنوّع السيميائي
د. إبراهيم خليل
DECEMBER 27, 2013


تستوعب الرواية على الرغم من هيمنة أسلوب معين على المؤلف تنوعا في اللغة يبلغ حد التنوع في الشخوص.
وهذا ما تقوم عليه الفكرة التي شرحها باختين Bakhtin فيما يعرف بالمبدأ الحواري، أو البيلفونية، فلكل شخصية من شخصيات القصة أو الرواية نهجها الخاص في الكلام، والتحدث، فإن كانت مثقفة فهي تتكلم كلام المثقفين، وإن كانت أدنى ثقافة دل كلامها على هذه الرتبة. أما الأسلوب العام الذي هو أسلوب الكاتب؛ فيظهر ويختفي، ولا يتجلى إلا فيما ينسب للوصف، أو التحليل الذي تستبطن فيه الشخوص، أو في تعقيب الراوي على مواقف الشخصيات من موضع لآخر. لهذا فإن القصة، والرواية، كلتيهما تمثلان طيفا من الأساليب، لا أسلوبا متجانساً واحداً(باختين، شعرية دستويفسكين،ترجمة جميل نصيف التكريتي، ط1، الدار البيضاء: طوبقال للنشر، وبغداد: دار الشئون الثقافية، 1986 ص266- 267).
ولا يغيب عن البال أن المزية اللافتة في الفنون الأدبية السردية من قصة، ورواية، إفراطها في الاعتماد على التخييل الحكائي، بمعنى أنها في المقام الأول تهتم بالمروي، وثانيا: قربها الشديد من فكرة محاكاة الواقع، وهذه المحاكاة تتطلب- فيما تتطلب- أن يكون الأسلوب عاملا مسانداً ومساعداً على جعل المتخيل يبدو في نظر المتلقي مطابقاً للواقع، فإذا كان الشعر يعتمد وفرة المجاز، والاستعارة، والانزياح، والحرص على السلاسة، والوزن، والإيقاع، واللجوء بسبب ذلك للتقديم والتأخير، والحذف والتكرير، والاعتراض، والالتفات، والمطابقة والتجنيس، والمساواة والإطناب، وغير ذلك من أساليب، فإن الرواية، والقصة، لا تتوخى من ذلك إلا القليل في أوضاع مشهدية خاصة تقتضي الجنوح إلى الشاعرية.
يقول أحد شخوص رواية زينب لمحمد حسين هيكل ما يأتي:
- من حق يا خليل، إنت بدّك تجوز حسن؟
فأجابه خليل بصوت هادئ
- والله يا سلامة بدي، لكن مش عارف أجوزه مين. ابني يا خويه ما يحبش البنات اللي كلهم دوشة. ويعملولهم الصبح غارة والمغرب قتلة. ويا معجل ما يغضبوا. وأهي حيرة يا سلامة يا خوية.
فقال له صاحبه بصوت ملآن أدعى ما يكون للثقة والاطمئنان
- يا الله يا خويه بلا كلام. إنت اللي محيّر روحك من غير حيرة. طيب ولما مش عاجبك دول، ما غيرهم كتير. أقول لك على وحدة من اللي فاتوا دول، وحدة ما عليها كلام؟ زينب. زينب مالها؟ أوعَ تقول عليها حاجة. (زينب، ط5، القاهرة: دار المعارف، 1992 ص 160 ) ‘ .
ففي هذا الحوار يحاكي الكاتب أصوات المتحاوريْن، وهما من عامة فلاحي مصر الذين يتكلمون على سجيتهم في هذا الحوار ، ونرى دليل ذلك في العامية التي تتجلى في الاسم الموصول اللي، واسم الإشارة دول، وكسر همزة الضمير أنت، وكلمة بدّي أي: أريد، وهي عامية قد ترجع في أصلها للجذر بدّ، من قولهم لا ‘ بدّ ‘ وأداة النفي مش، وطريقة السؤال: زينب مالها، وإسقاط بعض الأصوات من الكلمات، مثل وَحْدة بدلا من واحِدة. والقلب المكاني في أصوات الكلمة، فكلمة أزوّج تصبح أجوّز مما يذكرنا بقاعدة القلب المكاني.. واستبدال الثاء من التاء في كتير. وأسلوب التحذير ‘إوعَ’ وهو بديل (إياكَ ) التي للتحذير. ومثل هذا الحوار يمثل أسلوباً سائداً في الرواية لكنْ ثمة عبارتان تمثلان أسلوب المؤلف، وهما: فأجابه خليل بصوت هادئ، و’فقال له صاحبه بصوت ملآن أدعى ما يكون للثقة والاطمئنان’. فهو يصفُ الصوت بالمُمْتلئ، وهذا مجاز، لأن الصوت ليس وعاءً يمكن أن يكون فارغا أو مملوءاً ولكنّهُ قصد بذلك القوة التي تنم على الثقة بما يقول، وقد فسر ذلك السياق، عندما أضاف: أدعى ما يكون للثقة، والاطمئنان. فلكل من خليل وسلامة والراوي- الذي هو قناع المؤلف- أسلوب في الكلام يختلف، أو يقترب به- من الآخرين. وإذا فإنّ الأسلوب في الرواية يختلف باختلاف الشخوص، ويتنوع بتنوع المواقف والأغراض.
ساق البامبو
وفي رواية ساق البامبو لسعود السنعوسي يجد الباحث نموذجاً جيداً يمكنه أن يتخذ منه مادة لدراسة اللغة السردية كاشفا عن قواعد اللعبة الخفية حين يجيد الكاتب ممارستها بدقة. فبطل الرواية (هوزيه) الذي له من الأسماء اثنان، ومن الأوطان اثنان، ومن الأديان اثنان، ومن اللغات ما يشاء: الفلبينية، والإنكليزية، والعربية التي يفترض بها أن تكون لغته، ولغة أبيه راشد الطاروف، يعدّ نفسه جاهلا باللغات. على الرغم من أنه البطل الذي يضطلع مرارا بدور السارد المشارك في الحكاية، وبدور المسرود له المروي عليه مرارا، فهو يسمع عددا من اللغات بعضها يترجمه معانيَ وأفكارا، وبعضها يظل غامضا مبهماً، وإن كان الإحساس بدلالاته لا يخفى. فهو يُصغي لوشوشة الصخور، ولحفيف الأشجار، ولخرير الماء، ويشعر بأن هذه الأشياء كلها تهمس له بشيء يجهل لغته، وهو على يقين من أن لكل شيء روحاً، وأنَّ منْ هذه الروح ما يتفتق عن دلالات، فمشهد النمل الذي يتسلق الجدار هارباً تستدل منه ميرلا عن قرب سقوط الأمطار على الرغم من خلوّ السماء من السحب ‘أسرع . سوف تمطر. انظر كيف اختفت الطيور . وانظر هنا نمل كثير على الجدار . أنت لا تفهم شيئا. (ص115)
لغة الجسد
هذه المسألة تؤرق هوزيه، لأنه يضطرّ في كثير من الأحيان لاستبدال لغة الأشياء من جسد، ومن كائنات، ومن أزياء، ومن موسيقى، باللغة الطبيعية، فلبينية كانت أم إنجليزية، أم عربية، يفترض أنها لغة أبيه. فعندما روت له أمه حكاية الزواج المَمنوع الذي ربط بينها وبين أبيه راشد بشهادة غسان ووليد، أشارت له بسبابتها على موضع في أسفل الورقة، قائلة: هذا توقيع غسان. ثم تنقل إصبعها إلى الإمضاء الثاني مشيرة ‘إمضاؤه مجنون. كم يُشبهه؟! حدقتُ في الإمْضاء الثاني، وسألت: إمضاءُ من ماما؟ ابتسمتْ، وهي تطوي الورقة : وليد ‘ (ص46)
فهو، إذاً، يعاني ما يعانيه الأخرس في تواصله مع اللغة، فلا يجري هذا التواصل، لا بالقراءة، ولا بالاستماع، وإنما بالإشارة.
وقد اتسمت حياته اللغوية باعتماد الإشارات عوضاً عن الأصوات، والإبماءات عوضاً عن الكلمات، أداةً للتلقي، وأداةً للتعبير. فعندما توفي جده مندوزا كانت الأدوات اللغوية التي عبر بها عن هذا المشهد بعض الإشارات مثل عواء الكلب وايتي، وصياح الدّيَكَة. والشموع التي تشي رائحتها بانطفائها من وقت قصير. وبتوقف التيار الكهربائي. وبهيئة مندوزا المستلقي على أحد جانبيه بوضعيّة جنين، ووجهه بين كفيه كمنْ يتقي مواجهة منظر. (ص167) فعباراته هذه، مثلما يتضح، إيماءاتٌ يعوزها التحديد بكلمات ذات مدلول معجمي. والإيماء في هذه الرواية يتسع ليستوعب ما يعرف بلغة الجسد، فهي شائعة فيها شيوعاً ملحوظا، فعندما قابل عددا من الكويتيين في منتج بوراكاي، واحتسى معهم كأسا من الرد- هورس red horse وأخبرهم في ذروة النشوة بأنه كويتي، وأنه سيذهب يوما ما للكويت، وإنْ طالَ الزمن، وجَّه له أحدهم تهديداً بإيماءَة، وهي الضغط بقدمه على الأرض، كأنه يسحق عقب سيجارة، وفهم من تحريك سبابته، وهو يهز رأسه من وراء زجاج السيارة، أن تلك الإشارة بمعنى ‘إياك أن تفعل’ (ص163). وفي السياق نفسه يترجم ما يراه من حركات الشبان الكويتيّين وهم يرقصون ويصفقون على وفق إيقاع معين، ومن حركة الأجساد، وملامح الوجوه، ومن تمايل الراقص على الجانبين، والاندفاع بصدره للأمام وكأنه يسحب حبلا خفياً، تتشكل لديه هويَّة مميزة للكويتيّين ‘أصبحتُ أميِّزُ الكويتيين، ثيابهم، قبعاتهم، نظارتهم الشمْسيّة ..’ (ص151)
ولبطل هذه الرواية قاموسُه الخاص الذي يحرر لغة الجسد من محتواها الانطباعي الوصفي إلى دلالات، فملامح الوجه، واحمرار العينين، لهما معنىً حين يقدم لخالته آيدا مبلغا من المال، ويرجوها أن تعده بألا تنفق ذلك المبلغ في تدخين الماريجوانا، فتعدهُ، معلقا على ذلك ‘كيف لي أنْ أصدق وعيناها الحمراوان، وملامحها الجامدة، تشهد بأنها في عالم آخر لحظة الوَعْد الذي قطعته لي؟’ ص (145) أما نظرة الشخصية الروائية للساعة، فتعني انتهاء وقت الزيارة ‘ نظرت للساعة في يدي لتفْهم أمّي بأنَّ وقت زيارتي قد انتهى’ ص 145 ووضع السبابة على الشفتين تعني التزام الهدوء (ص 234) وبهزة من الرأس، بصورة معيّنة، يُقدم البطل رداً إيجابياً على سُؤال ‘تحدثتْ مع غسان بالعربية. ثم التفتتْ إليّ تقول بوَجْه ملؤُهُ السعادة:
- أنت عيسى؟
ابتسمتُ لها، هازاً رأسي إيجاباً
- تفضلا.. ‘ (ص 217)
فالساردُ يكتفي بتلك الحركة من رأسه، ولا يتكلم، كأنّ هزة الرأس تنوب مناب الكلمات في التعبير. أما رفعُ الحاجبين إلى أعلى في أثناء الحديث بالعربية، التي لا يفهمها بَعْدُ، فتعني لديه الدهشة ‘هزت رأسها بشيء يشبه الابتسامة. تحدثا وغسان بالعربية، في حين كنتُ أراقب تعبيرات وَجْهها الحادّة .. حاجباها مرفوعان للأعلى.. حين كانت تتحدث إلى غسان. ترمقني بنظرة خاطفة. وتعيد تثبيت نظارتها الطبية، ثم تعاود الحديث مع غسان. كنت أنقّل نظري بينهما كأنني أشاهد فيلماً بلغة أجهلها من غير ترجمة. رحْتُ أترجم ما سمعته من حديثهما مثلما أشتهي’ سوف نُعدُّ له غرفة خاصّة ليعيش هنا معنا. نحن سعداءُ جدّا بعودته إلى بلادهِ، وأهله ‘ (ص 218) وتذكّرهُ حركة اللسان في فم المرأة الكويتية مطلقة بعض الأغاريد بطريقة الهنود الحمر في الهتاف’ قطَعَ تأملاتي شيءٌ غريبٌ، امرأة تضع كفها بالقرب من فمها، تحرك لسانها بسرعة، فتصدر صوتا يشبه ذلك الذي يصاحب هتافات، وأهازيج، الهنود الحمر ‘. (ص 205) ولو أن الصوت- ها هنا – يمتزج بحركة اللسان، وراحة اليد، إلا أن الحركة تستدعي أيضاً الرقصَ الذي يقوم به الهنود الحمر تعبيراً عن الابتهاج، أو التحدي. أما تحول الوجه من لون لآخر؛ الأحمر مثلا ، فيعبر عن الخجل تارة، وعن الغضب طورا، فعندما دفع للشرطي في المطار بجوازه الكويتي الأزرق – على الرغم من أنه يتمتع بملامح فلبيني – تحول وجه الشرطي بسبب الغضب للون الأحمر’ زرقة جوازي أحالتْ لون وجههِ إلى الأحْمَر. التفت إليَّ زميله، والابتسامة على وجهه، مشيرا بقبْضة يده رافعاً إبهامه ‘ (ص186) وتلك إشارة باليد، والإصبع، للدلالة على أنه يؤيده، زراية بزميله الذي انصاع أخيراً، وختم الجواز مرغماً لا حرّا، ولا مختاراً. موقفٌ يبلغ حدَّ الشماتة بالشرطي الذي رفض بادئ الأمر ختم جواز عيسى كونه يظنه فلبينياً، ويصطفّ ضمن رعايا الخليج. وتبدو بعض الوجوه خالية من الملامح، صامتة، بلا تعابير، وهذا إنْ كان يعني شيئا في لغة الجسد، فإنه يعني الحزن. يقولُ البطل: لو سئلت يوما كيف يبدو الحزن؟ لأجبتُ ‘وجه غسان’. (ص187) فهو لا يفتأ يرى في الوجوه، وفي الأيدي، وفي الأعين، علاماتٍ، وهذه العلاماتُ تنم على معان شأن الكلمات، والعبارات، في دلالتها على المعاني.
لغة الأشياء
فاللغة وحدها لا تكفي، بدليل ما يجري بينه وبين غسّان، فقد طلب منه ذات مرّة أن يقرأ له شيئا مما يكتبُ، فوافق هذا الأخيرُ، على أن يقوم- أولا – بترجمة القصيدة للغة الإنجليزية، لأنَّ عيسى (هوزيه) لا يعرف العربية. وبعد أن أخذ ورقة وقلماً، وترجم ما يعتزم قراءته، لم يلبث طويلا حتى أشعل سيجارة كدأبه كلما شرع في الحديث، وبدأ يُلقي الأبيات ‘ بالإنجليزية، بصوت جميل ينخفض تارة، ويعلو تارة أخرى. يحرك ذراعه بطريقة تمثيلية مدهشة. وعلى وجهه إيحاءاتٌ تعبيريَّة مؤثرة. تأثرتُ كثيراً بأداء غسان التعبيري، حتى أوشكتْ الدُموع تفرّ من عينيّ ‘ ص195- 196 فهو يقع تحت تأثير الأصوات، على الرغم من أنه لم يفهم شيئا ممّا سمع، فقد تملكه الخجلُ عندما سألهُ غسانُ: ما رأيك؟ فقال متردّداً لمْ افهم شيئا. ذلك أنّ كلمات غسان إنجليزية بالفعل غير أنها جميعاً لا تشكلُ جملة مفيدة واحدة. وواقع الحال أنَّ هذا السارد الذي يعاني من الحيرة على المستوى اللغويّ، لا يفتأ يعزّزُ اعتقادنا بأنه يستعيضُ عن الكلمات بالأصْوات، والألوان، والأشياء.
فمن الأشياء التي تنبئُ عن سلسلة من المعاني المُضمرة في لغة السارد الصخور مثلما مرَّ، والأمواج. ففي المشهد الذي حاول فيه الصلاة قرب تمثال السيدة مريم العذراء، يستقي الخشوع من أصوات الأمواج المتكسّرة حوله على صخور الشاطئ، فهي ‘تبثّ في داخلي شيئاً من الهدوء. ترتطم الأمواج بالصخرة. ترشّ قطراتها المالحة على وجهي. أمسحُها بظاهر كفي: أنا لا أبكي يا أمنا مريم. قطرات من مياه البحر، لا تقلقي. سمعت صوتا يخالط أصوات الأمواج كأنه صوت الغوزهينغ. ‘ (ص153) والغوزهينغ آلة موسيقية لا يفتأ صديقه تشانغ يعزف عليها كل ليلة لحنا قبل أن يذهب للنوم. وقد لاحظ هوزيه أنّ هذه الآلة تقول بموسيقاها ما لا تقوله الكلمات، وتعبّر عما لا تعبر عنه العبارات. فعندما سمع من تشانغ مقطوعة بعنوان ‘ عطرُ زهْر الياسَمين ‘ وتأثر بها تأثر شديداً، وانقلب تشانغ على أحد جانبيه متجهاً للنوم، سألهُ عما تقوله تلك القطعة، فأجابه: كل ما لدي عنها قلته في الموسيقى. ثم يتساءَلُ هوزيه ‘أن تصدر تلك الآلة نغمات موسيقية، فهذا بديهيّ، لكن أنْ تنثَّ الأوتار عطر الياسمين، فهذا ما لا أجدُ له تفسيراً’. (ص139)
ومما يلفت النظر، في تتبع هوزيه- عيسى لمُعاناته مع اللغات، اكتشافه المتكرر للموسيقى سواءٌ تلك التي تصدر عن الآلة مثل الغوزهينغ، أو عن اللسان مثل الأغاريد، أو عن الأيدي مثل التصفيق الإيقاعي، وقد اضطرّ توضيحاً لهذا إلى مُحاكاة الأصوات كتابة بالحروف، فهو يقول بالإنجليزية لركاب القارب ‘أنتم أي الكويتيون- تصفقون هكذا.. تك. تك. تك. بهذا الإيقاع. ويلتفت إلى الركاب عن يساره. وأنتم تصفقون بهذا الإيقاع.. تك. تك. تك. تك… هل هذا واضح؟ ‘ ص 161. وبما أن الأزياء والملابس تمثل نظاما من العلامات في مجتمع ما يميزه عن نظم أخرى في مجتمع آخر، فقد رأى هوزيه- عيسى، عندما عاد إلى الكويت، ما يخالف مدلول العلامة في الفلبّين، من ذلك أن الراية الوطنية مثبتة في أسفل السارية لا في أعلاها ‘ قلت (لغسان) طريقتنا مختلفة في رفع الأعلام، في الفلبين تكون الأعلام في أعلى السارية. هزَّ غسان رأسه، وقال بالإنجليزية، وفي الكويت، وفي كل مكان، ولكن الدولة في حالة حداد.
- حِداد؟
- الأعلام منكَّسة، مات أمير البلاد فجر اليوم.(ص187- 188)
هذه هي الصدمة الأولى التي يتلقاها عيسى- هوزية عند وصوله لما يفترض أنه بلده، غير أن هذه الصدمة تمثل له اكتشافا جديداً، وهو طريقة التعبير عن الحزن على من يُتوفى، لا سيما إذا كان أميراً . وبذلك تنفتح له طريق لرَصْد المختلف والمؤتلف من العلامات. فعندما تجوَّلَ في المدينة تبدَّدتِ الصورة التي ترسخت في ذهنه عن الكويتيين، فمن الملابس يستدل على التنوع الهائل للسكان في الكويت، بعد أن كان يظنهم من لون واحد ‘البعض يرتدي ثيابا تحاكي آخر صيحات الموضة والبعض بالثياب التقليدية (الدشاديش) أناس بالشورت والتي شيرت.. وآخرون يرتدون الجينز. ثياب ضيقة رغم نحافة مرتديها.. آخرون يعتمرون قبّعات والبعض بغطاء الرأس؛ أبيض؛ أو أحمر . ملابس جذابة.. تنانير قصيرة وأخرى طويلة.. ألوان زاهية.. وجلابيب سود داكنة. وأخريات يغطّينَ رؤوسَهُنّ بالأحْجبة’ (ص204) فمثل هذا المونولوج يتضمّن الكثير من الدلالات التي عبرت بها تلك الأشياء من ملابس وأزياء عن مستويات متباعدة منَ المعنى. فقد اضطر لتغيير الفكرة التي ترسخت لديه عندما قابل الشبان السائحين في منتجع بوراكاي. علاوة على هذا يتواتر في الرواية التعبير بالصور المؤطرة المعلقة على جدران غرفة راشد، وتلك التي يحتفظ بها في ألبوم كبير، فواحدة من تلك الصور تمثل الكاتب الشهير ليو تولستوي.. وأخرى تمثل شاعراً كويتيا معروفاً وهو فهد العسكر.. وأخرى تمثل الشيخ عبدالله السالم الصباح، فالصور تشف عن المستوى الثقافي للأب من جهة، وعن هويته الوطنية من ناحية أخرى. وهو في تأمله للصور.. وبحديثه عنها، يسبر غور الحياة الثقافية لموطنه الجديد إذا ساغ التعبير، فقد توقفَ طويلا إزاء الملابس، والذقون، والشوارب، وغطاء الرأس (العترة) والعقال، الذي سماه الحلقة السوداء المُثبّته، وأدهشه أنها لم تكن حلقة في صورة الشخ عبد الهه السالم، بل هي ‘مربعات سوداء متصلة بخيوط صفراء عريضة تربط بينها وتبدو في شكلها كالتاج’ (ص 236) فهو لا يفتأ يعبّر بمثل هذه الأشياء عن اكتناهه لواقع الحياة في بيئته الجديدة بعيداً عن استخدامه الكلمات.
الاختلاف اللغوي
والحقّ أن سؤال التواصل بين عيسى- هوزيه والآخرين في الرواية لا يقتصر على لغة الجسَد، ولغة الأشياء، والتعامل بإشارة الإصبع، أو بصوت الموسيقى، وخشخشة الأشواك، ووشوشة الصخور، وما في الصور من خطوط وظلال، وإنما لا يفتأ يحاول التغلب على عقدة الاختلاف اللغوي. لكن هذا السارد، وهو بطل الرواية، يظلُّ يعاني من ازدواجية المدلول، فعلى سبيل المثال يستخدم كل من هوزيه وغسان كلمة صغيرة بمعنىً مُختلفٍ، لكن هذا الاختلاف ليس نابعاً من جهل المتلقي بمحتوى اللفظة، وإنما من السياق المقامي الذي يشتقّ منه المعنى. فإذْ يعجب هوزيه من خشية عائلة الطاروف بسبب انضمامه إليهم، وأثر ذلك على زواج بناتهم، يقول له غسّان: حكايتك هي حكاية عائلة الطاروف، الكلُّ سيعلم بالأمر؛ فالكويتُ صغيرة. قاصداً بكلمة ‘صغيرة’ سرعة ذيوع الإشاعة، وانتشارها الانتشار الشامل الذي لا يدع صغيرا ولا كبيرا إلا ويعرف بحكاية هوزيه، لكن هوزيه يعلق في نفسه مؤكداً: نعم، صغيرة حتى أنها ضاقت بي.(ص211) فالسياق- ها هنا- يوحي بازدواجية المدلول مع وحدة الدال. والموقف ذاته يتكرّر في الحوار الذي يدور بين نوريّة، عمّة عيسى، وشقيقتها عواطف ‘الكويت صغيرة، والكلام ينتشر بسرعة. لو علم فيصل زوجي- وأهله بأمر هذا الولد ستهتزُّ صورتي أمامَه، وأصبح أضحوكة لأخواته، وزوجات إخْوته..’ (ص 223) وفي مثال آخر نكتشف موقفا معاكساً، فالتجانسُ الصوتي بين كلمة (تعالَ) العربية التي خاطبه بها الخادم الهندي( بابو)، وكلمة (تا- آل) وهي اسْم بركان شهير في باتانغاس يفجّر في ذهنه تساؤلات عن البركان، فيبقى واقفاً إلى أن يشير له الخادم بيده فيفهم أن معنى الكلمة come فيتجه خلف (بابو) إلى المَطبخ. (ص239)
والثنائية هاجسٌ يتخلل نسيج الرواية، فكم من موقف اضطرّ فيه الكاتب لاستخدام كلمات بالأصوات اللاتينية، مكتوبة أو غير مكتوبة، فقد قرأ هوزيه على صناديق الموز المُصَدَّر من الفلبين اسم كويت Kuwait فما كان منه إلا أن انتبه لذلك الاسم، فلاحظ عليه التاجر ذلك قائلا أين تقعُ هذه البلد؟ وبلهجة العارف المتأكد من دقة الجواب، قال هوزيه: قريبة من السعودية. فيعلق التاجر: ‘هم لا يزرعون المَوْزَ هناك، ولهذا يستوردونه من هنا. لو كنتَ موزةً لتمكَّنتَ من الذهاب إلى بلدك’. (ص134- 135) فمثل هذه الإشارة Kuwait استدعت عددا من الإشارات التي تحمل هي الأخرى إشاراتٍ تنم عن توق السارد للذهاب إلى موطن أبيه. والساردُ حائر، وهو يروي الحوادث بلغة فلبينية ينشدُ ترجمتها للعربية، فحين يذكر اسم مكان مُعيّن يكتبه تارة بالأحرف اللاتينية، وتارة بالأحرف العربية، تصريحاً دَوْرا، وتمويهاً وتلميحاً طوراً آخر. فهو بعد أن تحدث مطولا عن معبد سان غوان ذكره بالحروف اللاتينية Sang Guan Temple (ص136) وكثيرا ما تتحول تعبيراتُه لخليط من اللغتين العربية والإنجليزية دون أنْ ننسى العقد المبرم بيننا وبين الكاتب، وهو أن الرواية كتبتْ أصلا بالإنجليزية، ثم جرت ترجمتها للعربية. فعلى سبيل المثال يروي لنا لقاءَه الأول بالشبان الكويتيين عند صخرة ويلز، فيذكر اسم الصخرة بالإنجليزية: ويليز- روك، ثم يلقي التحيّة عليهم بالعربية ‘السلام عليكم’ وهي تحية علمته أمه النطق بها من غير أن يكون على دراية بمعناها، فجوبه بإجابة بصوْتٍ واحد: وعليكم السلام. (ص155) ولكنه ما يلبث إلا قليلا حتى يتحول إلى.. stop.. stop.. قلتُ لهم، سأكشفُ لكم سراً. أنا كُوَيْتيّ. انفجروا ضاحكين. نعم أنت على حقّ، كويتيّ، ولكن made in Philippines (158- 159). ومثل هذا الموقف يتكرَّرُ في أثناء وجوده في الكويت عندما تتصل أخته خولة بغسان، وتخبره بأنّ ماما (غنيمة) وافقت على إقامته معهم في البيت ، فما كاد يسمع حتى اندفع صائحا بتهوّر yes..yesôyes (ص226). وهذا الخليط اللغوي ظاهرةٌ تواجه القارئ من البداية. فعنوان الرواية المؤلَّفُ من كلمتين اثنتين إحداهما عربية، والأخرى (بامبو) ليست عربية bamboo ومن هنا نجد السارد مضطرا ليذكرَ ما الذي يطلقه الفلبينيون على البامبو: كاويان، وفي كثير من البلاد العربية، ومنها الكويت، يسمونه خيزران(ص18). وهذه الإشارة نستطيع أنْ نعدَّها مفتاحاً للمسألة اللغوية والتواصلية في هذه الرواية المحكمة. فالثنائية اللغوية تلوحُ منَ الأسْماء، لا التي اختارها في مرْوياته حَسْبُ، بل من وضع يصفه بكلمة لا تخلو من دلالة، وهي ‘شتاتُ الأسْماء’ (ص 241): جوزفين، وآيدا، وميرلا، وبيدرو، والبومباي، وهم هنود يقيمون في الفلبين ويتعاطون الربا (ص27) ومندوزا، وهو الاسم الأخير لجدّه (ص55) وتشيلنغ ولقبها المقدم على اسمها إينانغ، وألبرتو الذي اقترنت به جوزافين بعد طلاقها من راشد (ص77) وأدريان، وخوزيه ريزال، أحد أبطال الفلبين القوميين(ص114). ومن الأسماء الأعجمية بينياPinya وهو اسم شخصية أسطورية منها اشتق اسم الأناناس Pineapple تضاف لهذا اسم ماريا، وهي صديقة ميرلا، والوشم على ذراع ميرلا mm ويستخدم أوصافا أعجمية في نعته للنساء، مثل المستيزا Mestiza (ص108). وهذه الكلمة ظهرت في الرواية غير مرة بالعربية، والإنجليزية. والصحيح كتابتها بحركة أخيرة ضيقة mistizo وهو لقب يطلق على الشخص الناتج من تزاوج رجل أوروبي بأخرى آسيوية، أو هندو- أمريكية.
والبطل السارد نفسه له أسماءٌ بعدد اللغات التي لها حضورها في الرواية، فهو في الفلبينية هوزيه، وفي الإسبانية خوسيه، وفي الإنجليزية Isa ، وفي العربية عيسى، وهو اسمُ جدّهِ لأبيه، واسم المسيح(يسوع)، ولكنه، مع غناه الفائض بالأسماء، لا يذكر إلا أنّهم ينادونه: أرابوArabo .(ص18)
ولعل هذا ما يدفع به دفعاً للتصريح، من حين لآخر، بأنه يتعذب نتيجة لهذا الوضع التواصلي الذي عانت منه أمّه طويلا قبل أن تكتسب عادة التكلم ببعض الكلمات العربية، مثل: سلام عليكم، وشاي. قهوة. وواحد. اثنان. ثلاثة (ص29) قبل أن يعاني منه هو. مصداق ذلك ما يذكره المؤلف على لسان جوزافين من أنها حين سألت راشداً عما دار بينه وبين غُنَيْمة والدة راشد- فور قدومه للبيت، وعلى يديه طفله حديث الولادة عيسى، فقالت لهوزيه تروي ما كان: ‘ كان أي راشد- يعيد تمثيل المشهد أمامي مترجماً ما دار فيه من حوار كيْ أفهم. بكيت. بكيت كثيرا على والدك يا هوزيه’ (ص44) والموقف نفسه يتكرر مع الابن، فعندما دلف إلى المسجد للمرة الأولى قيل له أن يفعل مثل الذي يفعله الإمام، ولكنه ندم على ذلك لاحقا، وتمنّى أن يكون كويتياً حقا، وأن يذهب مثلما يذهبون للجامع، ويستمع للإمام الذي يقف في المنصة، ويفهم ما يقوله، بدلا ‘من رفع كفيّ مقلداً الرجال من حولي مردّداً كالبَبّغاء آآآآآآمين . آآآآآآآمين ‘ (ص64) ويتكرّر الموقف ذاته مرة أخرى، عندما يعودُ بصحبة غسّان للكويت، ويزوران البيت الكبير للمرّة الأولى، ويتقابل هوزيه- عيسى وعمّته، وأخته خولة، وجدته غنيمة. فهو يراقب أحاديثهم- بعضهم مع بعض بالعربية، فينتبه لتعابير الوُجوه، والأيدي، والحواجب، وحركة السبابة تثبت النظارة على أرنبة الأنف، مشبِّهاً نفسه بمن يشاهد فيلماً بلغة يجهلها، ومن غير ترجمة (218). والطريف في الأمر هو أن هوزيه يتمنى التكلم بالعربية بدلا من الإنجليزية، أو بدلا من لغته الأم الفلبينية، في حين أن الآخرين يحاصرونه، ولا يسمحون له بتجاوز حاجزه اللغوي، فأخته خولة لا تكلمه بالعربية على الرغم من أنه اكتسب الدراية ببعض العبارات والكلمات، وعندما سألها: لمَ تفضّل التحدث بالإنجليزية، أجابتْ: ‘أحبها في المُحادثة أكثر من العربية’ عنئذ قال لها ‘الذي لا يُحبّ لغته الأم أسوأ من سمكة نتنة ‘(ص258). والسمكة النتنة الواحدة تفسد السمك كله في رأي خوسيه ريزال. وحين يتوجّه لبيت جدته (غنيمة) لتهنئتها بعيد الأضحى، وقد تدرب طويلا على النطق بعبارة عيد مبارك يا ماما غنيمة، ساءه أن تدعوهُ إليها بكلمة come .. come وبعد أن دسَّتْ في يده ورقة من فئة عشرين ديناراً قالت له بإشارة من يدها goôgo .. وعندما قرر ترك البيت العائلي، والإقامة وحدَهُ في شقة مستأجرة، طلبت (غنيمة) من خولة أن تترجم لهُ ما تقوله، وهو رفع حظه من الجراية الشهرية مائتي دينار ليصبح مجموع ما يتلقاه كل شهر أربعمائة دينار لا مئتين. فالترْجَمَة تعني أنَّ من حوله يرفضون له أن يتأقلم مع محيطه اللغوي، ويذكّرونه دائماً بأنه غريبُ الوجه واليد واللسان. وعندما قابل الفلبيني إبراهيم سلام، وتعارفا، وتحدثا معاً بالفلبينية، سرعان ما يزل لسان إبراهيم – ظنا منه أنه لا يعرف معنى الكلمة – فيشرح له بطريقة عفوية أنّ سلام تعني peace وهذا هو معنى التحية السلام عليكم.(ص 304)
العبارة المجزأة
ومن الملاحظ أنّ هذا التضايُفَ اللغوي، والتراكُم اللساني، لم يحل دون ظهور الطابع المُحكم للغة السرد، لا سيما غلبة النسق اللغوي الذي تنماز به لغة القصة القصيرة أكثر من الرواية. فهو يجنح إلى العبارة المجزأة التي تُعْرفُ بها كتابة القصة، فها هو يصفُ مشهد غرق أدريان’ هنا. هنا. تصرخ زوجة خالي بيدرو. صراخ ميلا يتبع الـ هنا .. نواح خالتي آيدا. أضواءُ المصابيح اليديوية تتجه نحو مكانٍ واحدٍ.. الكلُّ يجري.. بين بيتنا وبيت جدي.. تبعتهم.. قفز خالي بيدرو في مجرى الماء.. يحمل شيئا. يضعه على حافة المجرى. بريق يضيءُ المكان.. تفرق الجميع. وجه أدرْيان بين كفّيْ خالي.. أزرق. داكن.. سائل أسود كثيف يسيلُ من فمهِ ومنْخَريْه. خالي بيدرو يضغط على صدره .. يضغط. يضغط. يضغط. (ص84-85) فمثل هذه العبارات المجزأة تشي بأنّ الكاتب يروي الحدث على لسان السارد في هيئة لقطاتٍ مُسْتخدماً ما يعرف بتقنية الكاميرا. وهذا النسَق لا يفتأ يتكرر في الحوار الثنائي الذي يدور بين جوزافين وبيدرو الذي أعلمها بتوصيل بضاعة لشركة يملكها رجل أعمال كويتي، نظرت أمي باهتمام إلى وجهه، بعينين نصف مغمضتين، واصل.
- تعود ملكيتها لرجل أعمال كويتي
فتحتْ عينيها على اتساعهما
- أكملْ ، وماذا بعد؟
لم يبعد عينيه عن وجهها، قال
- يقول أحد الموظفين أنه رجلٌ معروفٌ في الكويت
تفرَّستْ أمي وجه خالي، أتمَّ حديثه
- كاتب روائي، أو شيءٌ من هذا القبيل.
انتصبت أمي واقفة قبل أن تقول:
- هل تعتقد..
فبالعبارة الأخيرة، غير المكتملة، عباراتٌ مضمرة، كأنما تقول له هل تعتقد أن لهذا الرجل علاقة براشد، أو يعرف عنه شيئا يمكن أن يفيدنا؟ هيا بنا لمقابلته بسرعة. وهذا كله استغنى عنه الكاتب بالبياض الذي انتهت به العبارة ‘هل تعتقد؟…. ‘ وفي الحوار الذي يجري بين إسماعيل وجوزافين عبارات مجزأة:
- اسمي إسماعيل.
أجابته أمي
- أنا جوزافين سيدي. وهذا عيسى ابن..
واضحٌ أن العبارة لا تكتمل لأنَّ الابن يقاطعُ:
- هوزيه.
صحَّحَتْ والدتي:
- هوزيه، ابني (ص97)
وهذا الاجتزاءُ في العبارة يخفي نوايا جوزافين التي كانت تودُّ لو تقول: ابن راشد الطاروف. ثم استعاضت عن ذلك بعبارة تخفي ذلك الذي كانت تود التصريح به، حين قالت: ابني. ففي الحوار تتجلى العبارة المقتضبة، الموجزة، والناقصة، التي يجنح إليها أكثر كاتبي القصص القصيرة لما تتسم به من تكثيف، وتركيز، يؤثرون معه مثل هذه العبارة. وفي مقام آخر تعاود جوزافين الحوار، مع إسماعيل الكويتي، فتسأله إن كان يعرف كويتيا باسم راشد، فيجيب:
- آلاف في الكويت يحملون هذا الاسم.
- راشد الطاروف سيدي
ارتفعَ حاجبا الرجل إلى الأعْلى ، واصلتْ أمي:
- كاتبٌ، يسكن في ..
- قرطبة؟
فوجئت والدتي
- نعم. نعم سيدي!
- هل تعرفه؟
هز الرجل رأسَه إيجاباً، سألته أمّي
- معرفة شخصية؟
واصل الرجل هزَّ رأسه (ص98)
واضحٌ أنَّ الكاتب يقوم باختزال الحوار عن طريق العبارات الناقصة المُجْتزأة. يسكن في … قرطبة.. ثم الاكتفاء بهز الرأس مرتين، وهي تعني ردا إيجابيا على السؤال المتكرر: معرفة، ومعرفة شخصية. أما الإشارة لكومة الأوراق على المكتب، وادعاء الكويتي أنَّ راشداً موجودٌ فيها، فتلك عبارة أيضاً مجتزأة تفي بمتطلبات الكلام الكثير عن أنه يكتبُ روايةً راشدٌ أحدُ أبطالها، وأن الرواية على وشكِ أنْ تنتهي، لأنَّ بطلها وقع أسيراً في أيدي العراقيين. على أنَّ جوزافين، التي لم تفهم ذلك في أول الأمر، ظنت في الرجل أنَّه مجنون، فالتفتت لابنها هوزيه وقالت له بالفلبينية: تباً لبيدرو. يبدو أن هذا الرجل مجنون. فقاطعها إسماعيل قائلا: لستُ مجنوناً(ص99) ثم أوضح لها ما عناهُ حين أشار للأوراق قائلا راشدٌ موجودٌ هنا.
واستخدام العبارة المُجزّأة في كتابة الرواية هي آخر التقاليع في السرد، والكتابة السردية، وقد لجأ إليها محمود الريماوي في ‘حلم حقيقي’. وها هو سعود السنعوسي لا يفتأ يستخدم هذه الطريقة في السرد تارة، وفي الحوار تارة ، يشهد على ذلك الحوار التالي بين ميرلا وهوزية:
- بماذا تفكّر؟
وكمنْ يُدافعُ عنْ تهمة
- لا شيء
- لا تظنّ أنني لا أفهمك. منذ فترة. نظراتك. تصرفاتك. مستحيل ما تفكر فيه.. هوزيه.
- نعم . نعم مستحيل
- أين تكمن الاستحالة؟
- ابنة خالتي أنتِ
- سببٌ تافه. لن يحول بيني وبين رغبتي، لو رغبت. سبب آخر يمنعني. لو لم تكن رجلا’. ( ص117)
واضح جداً أن ما ذهبنا إليه في الحديث عن تأثر الكاتب بلغة القصة القصيرة، ولا سيما الجنوح للعبارة المجتزأة، يُضفي على الرواية- بصِفةٍ عامّة- طابع التجانس الشكلي، على الرغم من كثرة ما فيها من تراكم لغوي، ومن وسائل تعبير متعدّدة، منها لغة الجسد، ولغة الأشياء، ولغة الموسيقى، والألوان، والمَلابس، والأزياء، والحركات التي تتجلى في الرقص تارة، وفي التعبير عن الحزن تارة، وإمارت الوجه، والعينين، والحاجبين، واليدين، واللغة التي تفسر على غير وجه، وتترجم على احتمالات عدة. مما يؤكد الفكرة التي يذهب إليها بعض الدراسين السرديّين- كميخائيل باختين- من أن الرواية تمثل، بحكم ما فيها من نظام سيميائي، عدداً غير قليل من مُسْتويات اللسان، وأوْضاع الكلام، وتحرّرُ الدوالَّ من مدلولاتها العُرْفيّة الاصْطلاحيّة لأخْرى سياقيّة أوْ ذاتيّة.

*ناقد وأكاديمي من الأردن

ايوب صابر 08-31-2016 12:32 PM

يسرنا اضافة اي تحليل لهذه الرواية الجميلة

ايوب صابر 09-09-2016 12:24 AM

May 01, 2016Mohamed Al Marzooqi rated it really liked it

كل شيء في هذه الرواية مختلف: التكنيك، الأسلوب الأدبي البسيط -والعميق في آن-، الحبكة الروائية المتقنة..إلخ وهي رواية مرشحة للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، وسواء ظفرت بها أم لا فإن ساق البامبو ستظل أحد أهم النصوص الروائية في المشهد الثقافي الكويتي لسنوات عديدة قادمة


الجديد في الرواية هو كسر السنعوسي للشكل الفني السائد للرواية، إذ يعمد من البداية إلى إرباك القارئ، فالرواية تبدأ بكلمة للمترجم تجعلك تتساءل ببلاهة "هل الرواية مترجمة؟" لماذا لم يضع اسم الكاتب الأصلي على غلاف الرواية إذا؟ وما هو موقعه من الإعراب بالضبط؟

لا يدوم الإرباك كثيرًا فمبجرد الانتهاء من كلمة المترجم، وسيرته الذاتية الموثقة له وكأنها سيرة حقيقية نكتشف أنه ليس سوى شخصية روائية! وأن السنعوسي خدعنا كقراء، خدعة تشبه ربما تلك التي تعرض لها بطل الرواية عيسى وهو يتخيل -لسنوات- الكويت قطعة من الفردوس سقطت من السماء!

وعيسى أو هوزيه شاب فلبيني كويتي من زواج كاتب كويتي بخادمته الفلبينية، يعيش طفولته وصباه ومراهقته مع أمه في الفلبين ثم يعود إلى الكويت بحثا عن الجنة الموعودة كما كانت تصفها له أمه، فماذا يجد؟ الرواية تكشف ذلك في سرد متدفق يثير دهشة القارئ بقدرة السنعوسي على الإحاطة بالتفاصيل النفسية والاجتماعية لشخصيات روايته، عدا عن التفاصيل الزمانية والمكانية لأحداث الرواية!

ايوب صابر 09-09-2016 12:26 AM

Jan 07, 2013بثينة العيسى rated it liked it

تقول هيلين كيلر: الحياة إما أن تكون مغامرة جريئة أو لا شيء.

الرواية أيضاً - من وجهة نظري - إما أن تكون مغامرة جريئة أو لا شيء، ومن هنا يجب أن نشيد بهذه الجرأة المغامِرة للكاتب في اختياره الرائع للموضوع، واشتغاله على النص فنياً وبعناية لافتة.

حرصه على التفاصيل، تكبده عناء السفر إلى بلاد أجنبية لكي لا "يفوته" شيء. النقد الثقافي المباشر للخطاب المجتمعي، كل شيء بهذا العمل يدل على مدى جدية الكاتب، والأهم: على تعصب هذا العمل للإنسان أولا، وثانياً، وأخيراً، ودائماً.

أنحاز إلى الموضوع تماماً، وسعيدة جداً بقدرة الرواية على توجيه انتقادات صارمة إلى أماكن حساسة في السيكولوجية الكويتية، قدرتها على فضح مدى تورط هذا المجتمع بالعنصرية منذ الأمتار الأولى في المطار الدولي وحتى صالون العائلة، بدون أن أشعر للحظة بأنه قد تورط في المبالغة أو التقصير.

التحفظ الوحيد لديّ هو في الإسهاب غير الضروري في الحكاية، كان بالإمكان اختصار الكثير من الفقرات.
موفق يا سعود

ايوب صابر 09-09-2016 12:29 AM

Dec 07, 2012Odai Alsaeed rated it really liked it
.عامدا متعمدا أجدني أتلكأ في قراءة رواية كهذه لما فيها من متعةوابداع ...........مزهوا أتباطأ في خطوات الحرف منتشيا بموهبةهذا (السعود) الذي أبدع في تخطي مرحلة القبول اذا ما أحسن القارئ الظن بذائقتي المتواضعة
هذه الرواية التي حدثتنا عن هوية الانتماء بأنواعه ترفع الستار عن هذا المجتمع الذي يقبع بروح العنصرية رغم صغر مساحته وقلة قاطنيه، يقول السنعوسي في روايته "يصبح الإنسان منا كويتيا وقت الأزمات...ثم سرعان ما يعود
للتصنيفات البغيضة ما إن تهدأ الأمور...أراد الكاتب أن يوصل الرسالة بموضوعية زاجا موضوع الهوية بأشكال متعددة تشعبت من قصة الفلبيني الذي كان بذرة علاقة عابرة بين الخادمة التي جاءت من أقصى الشرق لتخلق قصة معقدة مع ربيبها ...جاء حديثه الذي أراد أن يعالج شي فتفجرت أشياءا لا يمكن أن تكون نهايتها إلا علامات إستفهام أعيت أعرافناالمتوارثة أن تجد لها حلا ..رواية كتبت بقلم فاخر أهديه نجماتي الأربع وأضيف لها نصفا.

ايوب صابر 09-09-2016 02:16 PM

قراءة بقلم الأديب الكبير ايمن العتوم


غيمةٌ ماطرة ٌتستحضرُها أرضٌ بِكرٌ

تقدِمة:
كما لو كنتَ مُهيّأً لدمعةٍ قادِمة بفعل شوقٍ داخليّ وحنين جارف. وكما لو كان القلب ليس في مدى اختلاله مُلكًا لك فيهتزّ مثل جناح عصفورٍ في ليلةٍ شتويّة قارسة. وكما لو كان الوجع حاضرًا في كلّ حينٍ، ومرتسمًا في ثنايا كلّ عبارة، ومختبئًا تحت رفّة كلّ حرف. وكما لو كنتَ مستعدًّا لأن تتخلّى عنك لتتشكّل بوجوهٍ عدّة، وأرواحٍ متعدّدة، وهيئاتٍ مُتباينة. وكما لو كنتَ غيمةً ماطرة تستحضرها أرضٌ بِكرٌ مُجدِبة فيحدث التّلاقي الّذي يُعيد الحياة إلى الأرض بفِعل الكرم الفِطريّ في الغيمة... مثل هذا كلّه هو ما يحدث لِمَنْ يقرأ رواية الكويتيّ: (سعود السنعوسيّ) البديعة: (ساق البامبو).

مُلخّص:
الرّواية تتحدّث عن شخصيّة بطلها: (هوزيه) أو (خوسيه) أو (عيسى) الّذي يُولَد في الكويت لأبٍ كويتيّ هو (راشد)، وأمّ فلبّينيّة هي (جوزافين) كانت تعمل خادمةً في بيتِ أهل زوجها، تنشأ بينهما علاقة المُستمِع بالمتُحدّث، تُصغي المرأة ويبوح الرّجل بما لم يتمكّن ربّما من البوح به حتّى لأقرب النّاس إليه: (أمّه)، فتنشأ بينهما علاقة حُبّ صامتة، تتُوّج بزواجٍ عرفيّ، ينتج عنه إنجابٌ لم يكن في الحُسبان لولا تلك اللّحظة العابرة في مركبٍ قديم بعُرض البحر يقضي فوقه الأبوان الليلة الّتي ستشهد على ولادة شخصيّة البطل (عيسى).
يُخفي الأب (راشد) عن أمّه (غنيمة) خبر زواجه العرفيّ بــ (جوزافين)، ولكنّ الأمّ تعرف أنّ الخادِمة حاملٌ من انتفاخ بطنها، تُباغِتها بالسّؤال مُقرّرة سلفًا أنّ الخادمة قد مارست الفاحشة مع واحدٍ من الخدم، يتدخلّ (راشد) في لحظةٍ فارقة فيعترف أنّ الجنين الّذي في بطن (جوزافين) عائدٌ له، تُنكر الأمّ (غنيمة) بفعل الصّدمة... الإنكار يستمرّ لسنواتٍ وربّما لا ينتهي حتّى ولو انتهت الرّواية... تُنجِب (جوازفين) ابنها (عيسى)، ثمّ تحدث المصادمات بين الابن (راشد) وأمّه، وينتهي الأمر بحجز تذكرة طائرة لامرأته الفلبّينيّة ليرحّلها هي وابنهما إلى الفلبّين، واعِدًا أنّ (عيسى) سيعودُ يومًا ما إلى وطنه أو إلى جنّته المفقودة؛ الكويت... تظلّ الأمّ على حبّها الجنونيّ الصّامت لراشد وهي في الفلبّين، وتتلقّى منه الرّسالة تلو الأخرى، وتقرأ بعضها لـ: (هوزيه) أو (خوسيه) أو (عيسى) وتستمرّ في تمْنية ابنها بالعودة إلى بلاد الأحلام... في الفلبيّن تظهر شخصيّات جديدة، مثل جدّ (عيسى) وهو (ميندوزا) الّذي كان ضابِطًا في الجيش وتقاعد، وأمضى بقيّة حياته في المراهنة على صِراع الدّيكة، وخالته (آيدا) الّتي كانت بغيًّا وأنجبت ابنتها (ميرلا) الّتي وُلِدت يوم ماتتْ جدّته؛ (ميرلا) الّتي استقرّتْ نُطفتها في رحم أمّها الفلبّينيّة كانت قد انتزعتْ ملامحها من أكثر من يدٍ عابِثة من تلك الأيدي الّتي طافتْ بأمّها؛ غير أنّ وجهًا أوروبّيًا واحِدًا استطاع أن يحتلّ موضع السّيادة ليُشكّل مظهرها الخارجيّ في العينين الزّرقاوَين والوجه الأبيض. تظهر الميول المِثليّة عند (ميرلا) أو هكذا كانت تتظاهر لتصرف عنها (هوزيه) الّذي عشقها عِشقًا أسطوريًّا... تحدث بعض المفاجآت... تستمرّ رتابة الحياة في الفلبّين... تبحث الأمّ (جوزافين) عمّن يُساعد ابنها (عيسى) في العودة إلى الكويت، تستعين بـ (إسماعيل فهد إسماعيل) الرّوائيّ الكويتيّ الّذي استقرّ في الفلبّين بعد تحرير الكويت لستّ سنوات ليكتب روايةً تؤرّخ لزمن الاحتلال... يُخبرهما إسماعيل أنّ (راشد) قد وقع في أسر قوّات الاحتلال... فيما بعد يكتشفان ما هو أبعد من هذه الصّدمة الأوّليّة؛ فلقد استُشهد (راشد) ودُفِن في مقابر جماعيّة مع مجموعةٍ من المُقاوِمين في جنوب البصرة... يظهر (غسّان) صديق أبيه القديم، ويستخرج له أوراقًا ثبوتيّة يستطيع من خلاله العودة إلى وطن أبيه... في الكويت يعيش (عيسى) غربةً مُضاعفة في وطنه، وهناك تحدث سلسلة مُتشابكة من المتناقِضات، يعيشها البطل بكامل تفاصيلها، ومن خلال هذه المتناقِضات يُوجّه الكاتب سِهام انتِقاده إلى المجتمع الغاصّ بها... يلفِظ الوطن أبناءه، يقرّر (عيسى) في النّهاية العودة إلى الفلبّين، لم يكنْ يحمل من إرث الكويتيّين غير صوتِ أبيه، حتى جدّته (غنيمة) الّتي بكتْ يوم سمعتْ صوتَه الّذي يُشبه صوتَ ابنِها راشد لم تتمكّن من الاحتِفاظ بحفيدها من ابنها الغالي لأنّ المجتمع لا يتقبّل أن يندمج فيها ابنُ الخادِمة... يعود (هوزيه) إلى الفلبّين بعد أن يتزوّج من حبيبته (ميرلا) ابنة خالته، وتنتهي الرّواية بهذا، تارِكةً عددًا من التّشابكات والفلسفات الّتي يُمكن استخلاصُها من الرّواية...

خطايا المُجتَمع:
تحفل الرّواية بالنّقد الّذي يوجّهه الرّوائي (سعود السّنعوسيّ) إلى جملةٍ من القيم السّائدة في المجتمع، ويُقابِلها بالسّخرية حينًا، وبالمرارة أحيانًا أخرى، وتارِكًا المساحة حُرّة ثالِثةً للقارئ نفسه ليحكم على هذا المجتمع الّذي تسود فيه هذه المُعتَقدات.
أولى خطايا مجتمع عائلة (الطّاروف) وهي العائلة الّتي ينتمي إليها (راشد) والده للبطل، أنّ هذه العائلة لا تقبل بأن تتزوّج من عائلةٍ أخرى، أو تُزوّج بناتها إلاّ حسب تقاليد صارمة: (قبل أن تقع في الحبّ يجب أن تختار الفتاة الّتي تُحبّها. الرواية ص 37)، تقاليد قد تجرّ الويلات على الأطراف جميعها، فمثلاً راشد نفسه الّذي أحبّ فتاةً في الجامعة لم تقبل أمّه (غنيمة) أن تُزوّجه إيّاها ربّما لأنّ عائلة هذه الفتاة ليست بمستوى عائلة (الطّاروف) مِمّا اضطرّ (راشد) المُثقّف والواعي والقارئ أن ينحو بعاطفته تُجاه خادمةٍ لم يكنْ لها من ميزةٍ – كما تذكر الرّواية – إلاّ أنّها أجادت الإصغاء إليه. هذه الخطيئة لم تتوقّف هنا، بل أدّت إلى طرد الأمّ الفلبّينيّة، واضطرار (راشد) الزّواج من (إيمان) الّتي لم يعرفها ولم يُحبّها، وأنجبتْ له (خولة) الّتي كانت هي الأخرى ضحيّة هذه التقاليد، ومحكومة بقوانين العائلة الظّالمة، فلم تستطع – مثلاً – أن تُساعد أخاها البطل على الاندِماج في العائلة الممتدّة، واستسلمتْ أخيرًا للأعراف الّتي هي أقوى منها، وهربتْ باتّجاه عائلة أمّها، وأمّها (إيمان) تخلّت عن بيت الطّاروف، وتزوّجت بآخر ونسيتْ فيمن نسيتْ حتّى ابنتها (خولة) هذه!!!
من الخطايا كذلك، ما كانت تعتمده الأم الكبيرة (غنيمة) جدّة البطل من التّطيّر، كانت تؤمن بكثيرٍ من الخُزعبلات وتبني على أساسها حياتها، هذه الخُزعبلات استطاع الكاتب أن ينفذ من خلالها لنيتقد هذه الفئة من الجدّات المُترَفات اللّواتي يُنفقن الأموال والسّاعات في تفسير حلم أو مشهدٍ أو موقف...
يختزل الرّوائي البديع (سعود السّنعوسيّ) هذه المشاهد القاتِلة في عبارات مُقتضبة، ربّما سيكون من المفيد الإشارة إلى بعضها:
- "تعرّفتُ من خلال غسان على نوعٍ جديدٍ وفريدٍ من البشر. فصيلة جديدة ونادرة" ص192: هو هنا ينتقد أولئك الصّنف من الكويتيّين الّذي يرون أنفسهم بشرًا لا كسائر البشر.
- "إن كان الشّرطيّ سارِقًا... ماذا يفعل اللّصوص إذًا؟" ص 198: هو هنا ينتقد شريحة من اللّصوص الّذين ينتكّرون بزيّ شرطة ويقومون بسرقة نقود النّاس بادّعائهم التّفتيش على هُويّاتهم.
- "أبو سيّاف أو جماعته الّذين يموّلون نشاطهم عن طريق السّلب والنّهب وابتِزاز الشّركات ورِجال الأعمال الأثرياء..." ص209: ينتقد الجماعات الجِهاديّة الّتي تقوم بالتّفجيرات في أكثر من مكان، وتقتل – مثلاً – مُخرج فيلم (الرّسالة) الّذي تعرّف البطل من خلاله على شيءٍ من الإسلام، ويتساءل حين يُقارن بين القاتل (الجماعات الجهاديّة) والمقتول (مخرج فلم الرّسالة) من هو الإسلام منهما أو فيهما؟!
- "إذا ما سألكَ أحدُ الجيران أو خَدَمهم... أنتَ الطّبّاخ الجديد" ص 230: هذا ما قالتْه خولة له نقلاً عن جدّتهما (غنيمة)، انظر مستوى الازدِراء الّذي ينظرون به إليه، مع أنّه ابن عائلة الطّاروف، والوحيد الّذي يحمل اسم العائلة: عيسى راشد عيسى الطّاروف.
- "لم تكنْ جدّتي توافق على احتِكاكي ببقيّة أحفادها، ولا أن يعرفوا شيئًا من أمري؛ لأنّ السّمكة الفاسِدة كما تقول تُفسِد بقيّة الأسماك" ص 245: انظر إلى هذا المستوى من الدّونيّة الّتي تُعامله جدّته بها.
والمقام لا يتّسع لمزيدٍ من الشّواهد على سلسلة من الاحتِقارات والمظالم الّتي تعرّض لها وهو يعيش في الكويت..



خِلاف المُتوقّع:
أتقن السّنعوسيّ في هذه الرّواية اللّعب بمشاعر القارئ، والانتِقال بتوقّعاته من فضاءٍ إلى آخر، وحبسَ الأنفاس في أكثر من موقعٍ انتظارًا لنتيجةً ظلّ خيالُ القارئ يُطاردها دون أن يُمسِكَ بها، وهذا يُحسَب له في منزلة التّشويق الّذي هو أحد العناصر المهمّة في التّقنيات المُستخدمة في فنّ الرّواية، وحسبُنا أن نذكر مثالين أو ثلاثة للتّدليل على هذه النّقطة:
- الأوّل: حينَ مات (ميندوزا) ماتت بعده بأسبوع (إينانغ تشولينغ)، وطوال الرّواية من أوّلها حتّى صفحة 176 ظللنا نظنّ أنّ (إينانغ) ما هي إلاّ امرأةٌ طيّبة عند بعضهم، وساحِرة عند آخرين كان النّاس يُشفِقون علها أحيانًا بوضع بعض أطباق الطّعام أمام باب غرفتها دون أن يدخلوا الغرفة إمّا خوفًا أو تطيُّرًا، ولم يَدُرْ في خَلَدنا البتّة المُفاجأت الّتي صُعِقنا بها في نهاية هذه المرأة، فأوّل المفاجآت أن جدار غرفة (إينانغ) ظلّ طيّ الكتمان حتّى ماتت، وحينَ دخل بعض الجيران غرفتها رأوا صور الجدّ (ميندوزا) تزيّن هذه الجدران بأشكال مختلفة، وأوحى لنا الكاتب أنّ (ميندوزا) الجدّ الّذي خدم في سِلك العسكريّة له مُعجَبات ومن ضمنهنّ (إينانغ)، وهذا ما وقَر في ذهن (ميرلا) أيضًا، ولكنّ المفاجأة الّتي أطلقتْها (آيدا) كانت صاعقة؛ إذ تبيّن أنّ (إينانغ تشولينغ) هي أمّه لـ (ميندوزا)، وحينها لن تستطيع أن تُمسِكَ العبرات الذّارِفات من عينِك وأنتَ تتخيّل مدى قساوة الابن الّذي عزل أمّه في غرفةٍ لا يراها فيها أحدٌ ولا ترى أحدًا طوال هذه السّنين وكيفَ كتم عن الجميع تقريبًا خبر أنّه هذه العجوز الّتي تُزدَرى هذا الازدِراء هي أمّه. غير أنّ المفاجأة الأكبر ستكون حينَ يسأل البطل خالته (أيدا): (تلك العجوز والدة ميندوزا... من يكون والده) فيأتي الجواب الصّافِع: (ليس له أب...) وكأنّ الجواب يريد أن يُذكّر البطل بأنّه لا أب له، وإن كان في الحقيقة موجودًا إلاّ أنّه أبٌ غائبٌ أو مقتولٌ أو مفقودٌ أو سمّه ما شِئت.
- الثّاني: حينَ كانت (ميرلا) تصعد مع ابن خالتها البطل (عيسى) أو (هوزيه) أو (خوسيه) أحد المرتفعات الجبليّة الشّاهِقة السّاحرة في الفلبّين اشتعلتْ في نفس البطل الرّغبة الجِنسيّة، فحاول أن يقترب من (ميرلا) الّتي منعتْه من أن يحقّق رغبته، في تلك اللّحظة كُنّا نظنّ نحن القرّاء كما استطاع الكاتب أن يُوحي لنا أنّ (ميرلا) رفضتْ (عيسى) ولم تُمكِّنْه من نفسها لأنّ اختلاف الدّين بين الاثنين حال دون ذلك، ولكنّ المفاجأة أنّها قالت له: (سبب تافهٌ كهذا لن يحول بيني وبين رغبتي لو رغبتُ) (الرّواية ص117) فكانت المُفاجأة تختبئ خلف المقولة الأخرى لها: (لو لم تكُنْ رجلاً...) وهذا وضعْنا أمام ما توهّمْنا في تلك اللّحظة أنّها حقيقة وهي أنّ (ميرلا) مِثليّة... ولكنّ هذه الفاجأة ذاتها تضمحلّ في نهاية الرّواية إذْ تصعقنا مفاجأةٌ مُغايرة لها تمامًا، ونكتشف أنّ (ميرلا) ليستْ مِثليّة، وأنّ الحبّ كان مُتبادلا بينها وبين البطل، ولكنّه كان صامِتًا من جهتها، وصارِخًا من جهة بطلها.
- الثّالث: أنّ الكاتب أوحى لنا عبر صفحات طويلة في الثّلث الأخير من الرّواية أنّ (ميرلا) غابت عن الوجود فترةً طويلة، وانقطعتْ رسائلها، وووقعْنا في وَهْم أنّها انتحرتْ، وجاء الكاتب لنا بقصّة (إبراهيم سلام) الّذي يُترجم أخبار الفلبّينيّن من العربيّة إلى الفلبّينيّة، ورمى بين أيدينا بخبر فتاة فلبّينيّة تنتحر، فينصرف الذّهن إلى أنّها (ميرلا)، وتموت بالفعل (ميرلا) من ناحية الظّهور في هذا الثّلث الأخير من الرّواية، إلاّ أنّها تعود للظّهور بشكلٍ مُفاجِئ وصاعِق في النّهاية، وهي تنعم بالدّفء والأمان مع زوجها وابنهما، فيقول على لسان البطل: (سأترك ورقتي الأخيرة هذه لأتفرّغ لمشاهدة وجه صغيري المطمئنّ في نومه بين ذراعيّ أمّه) (الرّواية ص396).

السَّبْك الهرميّ والأفقيّ:
الرّواية بِناء، والبناء يحتاج إلى مهندسٍ لبيب، وبانٍ حكيم، ومعماريّ ساحر؛ هكذا صنع (السّنعوسيّ) في روايته؛ هذا الحشد من الشّخصيّات، على اختلاف أجناسِها وأعمارها وأمكنتها وأزمانها، وهذه العلاقات المُتشابِكة بينها كان يُمكن أن تصبح مقتلاً للرّواية لولا أنّها وجدتْ لاعِبًا مُحترفًا قادها في ملعبه الخاصّ عبر ما يقرب من (400) صفحة دون أن يُصيبها الشّلل أو النّمطيّة. ففي السّبك الهرمي انتظمَ الرّوايةَ عمودٌ مِحوريّ دارتْ حوله الأحداث، وانفرجتْ من حوله العُقَد. وفي السَّبْك الأفقيّ انتظمَ الرّواية خيطٌ ممتدّ كنهرٍ ممتدّ نبتتْ على جانبيه أفكار تلك الشّخصيّات وأوهامها وأحلامها وتناقضاتها. ومِمّا يُحسَب للكاتب أنّه اعتمد فِكرة العُقَد المتعدّدة، والذُّرا المتنوّعة، فأنتَ تجد لكلّ مجموعةٍ من الأحداث عُقدتَها الخاصّة، مِمّا يعني أنّ الرّواية لم تقم على عُقدةٍ واحدة، مِمّا يعني أكثر أنّ (السّنعوسيّ) أراد أن يُبقي عنصر الدّهشة قائمًا عبر مسيرة الرّواية بأكملها، وهذا يعني أنّنا أمام حَبْسٍ للأنفاس يتكرّر كلّما صعدْنا ذروةً جديددةً من ذُرا الرّواية!!

العبارات المُكثّفة:
حفلتْ الرّواية بالعبارات المكثّفة الّتي تلخّص موقفًا، أو تختزل فِكرةً، وبعضُ هذه العبارات تسرّبتْ إلينا من أجل أن يُسرّب من خلالها الكاتب مُعتَقداته وأفكاره، وهو – وإن بدا موضوعيًّا في كثيرٍ من الحالات هنا أو هناك – إلاّ أنّه قادَنا إلى منطقته المُضيئة الّتي يُريدنا أن نراها سواءً أكان ذلك بمعرفتنا أم من دونها.
من العبارات المُكثّفة الّتي تصلح أن تكون عنوانًا لمضامين واسِعة:
- "ليس المؤلم أن يكون للإنسان ثمنٌ بخس، بل الألم كلّ الألم أن يكون للإنسان ثمن" ص20.
- "قبل أن تقع في الحبّ... يجب أن تختار الفتاة الّتي تقع في حبّها". ص37.
- "إذا صادفْتَ رجلاً بأكثر من شخصيّة فاعلمْ أنّه يبحث عن نفسه في إحداها؛ لأنّه بلا شخصيّة". ص61.
- "مَنْ كان بوُسعه أن يقبلَ بأن يكون له أكثر من أمٍّ سوى مَنْ تاه في أكثر من.. اسم.. أكثر مِن... وطن... أكثر مِن... دين؟!" ص102.
- "نحنُ لا نكافئ الآخرين بغفراننا ذنوبهم، نحن نُكافِئ أنفسنا ونتطهّر من الدّاخل". ص167.
- "كلّما شعرتُ بالحاجة إلى شخصٍ يُحدّثني.. فتحتُ كتابًا" ص259.
- "اليد الواحدة لا تُصفّق، ولكنّها تصفع، والبعض ليس بحاجةٍ إلى يدٍ تُصفِّق له، بقدْر حاجته إلى يدٍ تصفعه، لعلّه يستفيق". ص277.
- "العُزلة زاويةٌ صغيرةٌ يقف فيها المرء أمام عقله، حيثُ لا مفرّ من المواجهة" ص302.
- "هو الحبّ الّذي يجعل للأشياء قيمة" ص 304.
- "لا يُقدِم على الانتِحار سِوى إنسانٍ جبانٍ فشل في مواجهة الحياة، وإنسانٍ شُجاع تمكّن من مواجهة الموت". ص 321.
- "المرأة بعاطفتها إنسانٌ يفوق الإنسان". ص 322.
- "بعضُ المشاعر تضيقُ بها الكلمات فتعانِق الصّمت". ص 350.
- "الكلمات الطّيّبة لا تحتاج إلى ترجمة، يكفيكَ أن تنظر إلى وجه قائلها لتفهم مشاعره وإنْ كان يُحدّثك بلغةٍ تجهلها". ص 354.
- "إنّ الّذي لا يستطيع النّظر وراءه؛ إلى المكان الّذي جاء منها لن يصل إلى وجهته أبدًا" ص383.

وبعدُ..
فإنّ الرّواية أوسع من أن تُحيطَ بها مراجعة عابرةٌ مثل هذه؛ عوالمها الممتدّة والمتداخلة في آنٍ واحدٍ تحفّزك على أن تكتب المزيد، غير أنّه يكفيكَ من السِّوار ما أحاط بالمِعصم، وعليه فهذه تحيّة وتهنئة أُزجيها إلى هذا الرّوائيّ الّذي استطاع أن يُمسِك بخيوط الحكاية، وينثر بيلسانها أمام أيدينا لننظر أيّها أزكى منظرًا، وأبهى جوهرًا، وأبلغ دلالةً.

ايوب صابر 09-13-2016 04:20 PM

قالوا عن رواية ساق البامبو

" أتقن السّنعوسيّ في هذه الرّواية اللّعب بمشاعر القارئ، والانتِقال بتوقّعاته من فضاءٍ إلى آخر، وحبسَ الأنفاس في أكثر من موقعٍ انتظارًا لنتيجةً ظلّ خيالُ القارئ يُطاردها دون أن يُمسِكَ بها، وهذا يُحسَب له في منزلة التّشويق الّذي هو أحد العناصر المهمّة في التّقنيات المُستخدمة في فنّ الرّواية"

الاديب الكبير ايمن العتوم

ايوب صابر 09-14-2016 11:25 AM

عبقرية السنعوسي في "ساق البامبو"
منال الخلايلة
23/6/2015

رواية "ساق البامبو" الحائزة على جائز البوكر العربية لعام 2013 كتبها الكاتب والصحفي الكويتي "سعود السنعوسي"، والذي صدر له سابقاً رواية "سجين المرايا ".

الرواية واقعية خيالية رائعة ومتكاملة من حيث اللغة والحبكة والأحداث والمواضيع المطروحة، حيث تتناول الرواية موضوع العمالة الأجنبية والطبقية والزواج المختلط في المجتمع الكويتي، بالإضافة إلى رسائل غير مباشرة دينية وتاريخية وسياسية. اقرأ أيضًا:*رحلة عقل؛ من الإلحاد إلى الإيمان.

تدور أحداث "ساق البامبو" بين الفلبين والكويت في رحلة للبحث عن الذات، بطل الرواية (هوزية الفلبيني أو عيسى الكويتي) ثمرة زواج مؤقت بين راشد الكويتي المسلم ابن عائلة الطاروف الكبيرة والخادمة الفلبينية المسيحية جوزافين، وقد تم رفض هذا الزواج من قبل المجتمع الكويتي وما نتج عنه من ذرية، ليعيش هوزيه في الفلبين مع والدته في الفقر والعوز حتى سن النضج، ليعود إلى الكويت للقاء عائلته الكبيرة الثرية بعد وفاه والده في حرب الخليج، حاملاً معه وجهه الفلبيني الملامح والذي كان سبباً في رفضه وعدم تقبله مما أدى في النهاية إلى عودته للفلبين لا يحمل معه سوى حفنة من تراب قبر أبيه. اقرأ أيضًا:*الفيلسوفة جوديث بتلر؛ حول أهميَّة الإنسانيَّات ولمَ نقرأ.

*



*

قام السنعوسي بتجسيد عدة أفكار ذكية في هذه الرواية، منها خدعة الصفحة الأولى للرواية التي قام بها لاقناع القارىء بواقعية أحداث الرواية وشخوصها، حيث أوحى بأن الرواية هي سيرة ذاتية كتبت بقلم "هوزيه ميندوزا" باللغة الفلبينية بعنوان "ang tangkay ng kawayan" وترجمت إلى اللغة العربية بواسطة إبراهيم سلام ودققت من قبل خولة راشد.

*

وقد أحكم خدعته هذه من خلال الكلمة التوضيحية للمترجم، والذي أخلى فيها مسؤوليته عما جاء في الرواية من آراء وأسماء وتفاصيل وأسرار تمس الحياة الشخصية لأصحابها، إضافة إلى وضع الحواشي التوضيحية داخل الرواية بالاشتراك مع المدققة، ليتبين فيما بعد أن إبراهيم وخولة هما من الشخوص المحورية داخل العمل. اقرأ أيضًا:*قراءة في "شجون مصرية".

*



*

كما أنه في صفحة التعريف عن المترجم ذكر منجزاته والمواضيع التي قام بنشرها، والتي تبين فيما بعد إنها النقاط الرئيسية في الرواية.*وهي كالتالي:

1- 10 أعوام في الكويت:*شرّح الكاتب المجتمع الكويتي بإيجابياته وسلبياته موضحاً الطبقية وتقسيم العائلات وتصنيفها، كما جعلنا نشعر بالحب والانتماء الرائع لبلدهم وتفاعلهم في حالات الفرح والحزن.

*

2- الدين ليس كما نفهم:*تطرق الكاتب إلى فهم الناس للدين بشكل خاطئ من خلال معامله الناس بتمييز في العرق واللون والجنس، والذي نهت عنه الديانات المسيحية والبوذية والإسلام.*مرر الكاتب تلك الرسائل الرائعة بطريقة بسيطة من خلال رحلة هوزيه في البحث عن الإله.

*

3- الثقافة الإسلامية للمهتدين الجدد:*من خلال علاقة إبراهيم بالبطل هوزيه طرح الكاتب فكرة محاولة هداية الآخرين للإسلام عن طريق ذكر معجزات باطلة كقراءهة اسم محمد النبي على ثمرة بطيخ، وتشبيهه لما يحدث في الفلبين من رؤية العذراء في مكان ما تبكي فيتم تحويل المكان إلى مزار، فيطالب إبراهيم بالاكتفاء بقراءة نصوص القرآن بدلا من استعراض براهين واهية تضعف الدعوة، مؤكدا على أن مكان الإيمان هو القلب.

*

4- العمالة الأجنبية:*من خلال علاقة العائلات بالخدم، والزبائن بعاملي المطاعم، ركز الكاتب على أسلوب التعامل مع العمالة الأجنبية وكأنهم ليسوا بشرا ولا أهمية لهم، بالإضافة إلى تحرش البعض بهم أيضاً.

*

*



*

*

أما بالنسبة لغلاف الرواية وعنوانها “ساق البامبو” فقد كان متفقا مع المحتوى بشكل رائع فالتشابه واضح بين البامبو وهوزية الفلبيني/ عيسى الكويتي وقد كان ذلك واضحاً في المقطع التالي من الرواية:*"لماذا كان جلوسي تحت الشجرة يزعج أمي؟ أتراها كانت تخشى أن تنبت لي جذور تضرب في عمق الأرض ما يجعل عودتي إلى بلاد أبي أمراً مستحيلاً؟ ربما. ولكن، حتى الجذور لا تعني شيئاً أحياناً.*لو كنت مثل شجرة البامبو، لا انتماء لها، نقتطع جزءاً من ساقها نغرسه، بلا جذور في أي أرض لا يلبث الساق طويلاً حتى تنبت له جذور جديدة.. تنمو من جديد.في أرض جديدة.. بلا ماض.. بلا ذاكرة.. لا يلتفت إلى اختلاف الناس حول تسميته.. كاوايان في الفلبين..خيزران في الكويت..أو بامبو في أماكن أخرى". اقرأ أيضًا:*في استخدام الراوي العليم: أورهان باموق وميشيل ويلبيك أمثلة.

*

أما بالنسبة لاختيار الإسمين (عيسى/ هوزيه) أيضاً لهما دلالة كبيرة وليسا مجرد صدفة، فعيسى كان مرتبطاً بوالدته التي ربته كما أنه سمع عن والده منها واحبه واشتاق إليه دون أن يراه كالمسيح. أما هوزيه فهو مأخوذ من اسم البطل القومي الفلبيني هوزيه ريزال الذي كان يتصف بالتأمل وبالمثابرة والمقاومة.

*



*

*

جلوس البطل متأملاً تحت الشجرة لم يكن مصادفة أيضاً فقد كان بوذا يجلس تحت شجرة التين، لممارسة التأمل والتفكر والاستنارة.*لقد طرح السنعوسي أفكاراً عديدة يطول الحديث عنها، فالرواية غنية جداً فقد طرح أيضاً قضية البدون من خلال شخصية غسان الذي خدم في الجيش الكويتي ومع ذلك لا يمتلك الجنسية الكويتية، وقضايا حقوق الإنسان من خلال هند الناشطة في حقوق الإنسان والتي لم تستطع أن تدافع عن حق ابن أخيها على أرض الواقع، بالإضافة إلى قضية الشذوذ في شخصية ميرلا والتفكير في الأسباب التي قد تؤدي إلى هذا السلوك. اقرأ أيضًا:*الأدب في رمضان: 4 مسلسلات تتقدّم المشهد.

*

من الأشياء اللطيفة التي لفتت نظري في "ساق البامبو" دقة التفاصيل من قبل الكاتب حيث يجعل القارىء يشعر بأنه في الفلبين فعلاً، فتارة يذكر قطعة موسيقية شهيرة وتارة نستمع إلى أغنية مشهورة، بالإضافة إلى تعريفنا على البطل القومي الفلبيني "ريزال" والسلطان المسلم "لابو_ لابو" وديانة الريزاليستا مما أعطانا بعدا ثقافيا للفلبين.أعتقد أن الكاتب نجح في إيصال رسائله للقارىء ببساطة وجمالية وبراعة.

*

من ساق البامبو المليئة بالاقتباسات الرائعة اخترت لكم :*

"إنه قدري، أن أقضي عمري باحثا عن إسم ودين ووطن."
* * * *هوزية

*

*

*

*"كل شيء يحدث بسبب ولسبب"
* * * * * جوزافين.
*
مؤخرًا تمّ تحويل رواية ساق البامبو إلى مسلسل تلفزيوني رمضاني، اضغط لمزيد من التفاصيل حول مسلسل ساق البامبو.
الصور الواردة في المقال من المسلسل.
*
منال خلايلة
23-06-2015

ايوب صابر 09-22-2016 12:05 AM

Mar 19, 2013
mai ahmd rated it really liked it
Shelves: روايات

الغربة ليست أن تعيش بعيدا عن وطنك ولكن أن تعيش غريبا فيه
الروايات التي تعري المجتمع وتعرينا وتشير إلى التناقضات التي نعيشها هي تلك الروايات التي لا يمكن أن تمر مرورا عابرا بل هي الرواية التي يجب أن يقرأها الجميع ،يبدو السنعوسي وكأنه يضغط على الجرح بشدة يؤلمنا بشدة أيضا
فالكتابة عن الأمور المسكوت عنها المحرم تجاوزها يحتاج لجرأة ، لا تبدو المشكلة أزمة هوية وإنتماء بل أكبر من ذلك المشكلة فينا وفي ثقافة المجتمع في التقاليد البالية التي نتمسك بأطراف ثوبها على الرغم من إنها قد تدوس على أجمل وأعظم المعاني الإنسانية

حين بدأتُ قراءة الرواية كنتُ أخشى من أن تدور الرواية في فلك رثاء النفس كروايات عربية عديدة تقع في هذا الفخ غير أن الرواية تجاوزت هذا الأمر وإن لم يخلو الأمر منه بدرجة مقبولة

الراوي على الرغم من إنه الجزء الهام في الرواية وفي محاولة منه لفهم المجتمع قام بدور المراقب الإجتماعي أيضا .. الكاتب رسم شخصياته بجدارة وكأنها حقيقية وهذا أكثر مالفت انتباهي في هذه الرواية لا يمكن أن تكون قرأت هذه الرواية دون أن ترسم شخوص الرواية في ذهنك وكأنك رأيتها شخصية عيسى التائه ما بين ثقافة وأخرى ما بين دين وآخر الجد مينوزا الملعون بماضيه والغائب عن حاضره إيدا المتمردة و ابنة الخالة ميرلا غسان المكلوم بحبه وهويته الضائعة والأم غنيمة الجبل الذي هزته ريح عاصفة
يمكن أن أقول أن الأمر تجاوز معي حد الشكل لقد كنتُ أرى تحركات الشخصيات تعابيرهم وإنفعالاتهم وأمضي بعيدا في خيالي للدرجة التي كنت أعرف ما هي ألوان ملابسهم :)

لامستني جدا هذه الرواية أحيانا كنتُ أشعر وكأن هناك من يهيل عليّ التراب
بكيت لأنني على يقين أن قصة عيسى موجودة بأشكال عدة ووجوه كثيرة قد لا تحمل وجه الفلبين .. وجوه تخلى عنها الآباء والأمهات كصفحة مزقت من كراسة وطارت في الهواء أينما تمضي بها الريح ستمضي

حبكة الرواية في رأيي ناضجة على إن الرواية لا تخلو من بعض العيوب فهناك حشو بين الصفحات زوائد لا تحتاجه الرواية كقصة لابو لابو وأبو سياف وغيرها وإن ظن الكاتب إنها تخدم الرواية شخصيا لا أظن ذلك وأعتقد إنها مقحمة في النص بلا داع

أخيرا هذه الرواية مرشحة للبوكر العربي ضمن القائمة القصيرة وهي الرواية الوحيدة من ضمن ما قرأت أتمنى فوزها
قال فيها الكاتب تلك الأشياء التي لا تُوّد أن تُسمع

هذه الرواية مثالية لأن تثير حزنك وربما إستفزازك

ايوب صابر 12-15-2016 11:04 AM

كيف تقيم اداء السنعوسي في روايته فئران أمي حصة مقابل ساق البامبو؟



اقتابس من الرواية " فئران أمي حصة
by سعود السنعوسي (Goodreads Author), Saud Alsanousi
4.21 *·* Rating Details*·* 5,832 Ratings *·* 1,520 Reviews
ما عادت الفئران تحومُ حول قفص الدجاجاتِ أسفل السِّدرة وحسب. تسلَّلت إلى البيوت. كنتُ أشمُّ رائحةً ترابية حامضة، لا أعرف مصدرها، إذا ما استلقيتُ على أرائك غرفة الجلوس. ورغم أني لم أشاهد فأرا داخل البيت قط، فإن أمي حِصَّه تؤكد، كلما أزاحت مساند الأرائك تكشف عن فضلاتٍ بنيةٍ داكنة تقارب حبَّات الرُّز حجما، تقول إنها الفئران.. ليس ضروريا أن تراها لكي تعرف أنها بيننا! أتذكَّر وعدها. أُذكِّرها: "متى تقولين لي قصة الفيران الأربعة؟". تفتعل انشغالا بتنظيف المكان. تجيب: "في الليل". يأتي الليل، مثل كلِّ ليل. تنزع طقم أسنانها. تتحدث في ظلام غرفتها. تُمهِّد للقصة: "زور ابن الزرزور، إللي عمره ما كذب ولا حلف زور..". (less)

ايوب صابر 12-15-2016 11:07 AM

وهذا ما تقوله الكاتبة والناقدة الأستاذة بثينه العيسى عن الرواية :

Mar 06, 2015بثينة العيسى rated it it was amazing
Recommends it for: every body

فئران أمّي حصة رواية مكتوبة بقسوة، ولكنّها قسوة المحبّ.. قسوة كلّها حنوّ.

الرواية تحذيرية بامتياز، وسؤال "وين رايحين" لم يعد سؤالاً ترفيًا.

الرواية تضعك في مواجهةٍ صريحة ومباشرة مع نفسك، ولأنّها حقيقية جدًا، تشبهنا جدًا، فهي رواية لا تحتمل.

النّص كتب بحرفية عالية، ولكنّها ليست الحرفية الساطعة التي تأخذك بعيدًا عن عفوية الحكاية. في قراءتي الثانية، الأكثر تأنيًا، استطعت أن أتلمّس أكثر الجهد المبذول في سبكِ البناء وحبكِ القصة. أحببتُ التفاصيل التي يفضي بعضها إلى بعض، والكلمات التي ترتجع في الحكاية بما يعمّق سؤالها، وأحببت الرمزية متعددة الدلالات للفئران.

أقول؛ النّص مكتوب ببراعة أستاذ، ولكنّ ليس هذا ما أريدُ الحديث عنه، إذ سيتصدّى لهذه المهمة نقادٌ أكثر مقدرة مني، ولكنني أريدُ الحديث عن الموضوع. عن رواية تضمُّ مخزونًا بصريًا وسمعيًا هائلاً لتاريخ وطن؛ عن الكويت منذ 1985 وحتى الزمن الافتراضي الذي تتحرّك فيه الرواية في 2020.

جزءٌ كبير من القيمة الموضوعية لهذا العمل يجيء من خصوصية البيئة المكانية. الرواية تتلمّس بوادر خطابات الكراهية في بيوتنا التي كانت، للأسف الشديد، محاضن راعية لها منذ أكثر من عشرين عامًا. الرواية تتطرّق لذاكرة الاحتلال سنة الـ 90 وكيف تحوّل الإنسان الكويتي من إنسان عروبي إلى إنسان مستغرب، وكيف صار السوبرمان الأمريكي هو بطله المحرّر الوحيد. الرواية تحكي غصة وطن ذهب ضحية الشعارات، وطن رغم ضآلة حجمه كان له موقفٌ وثقل. من يصدق أن وزير الخارجية الكويتي يقول "للأمريكان".. اغربوا عن سمائنا وبحرنا؟ كيف أصبح المانشيت في جرائدنا يمجد "بو عبدالله" و "بو حسين" في إشارة إلى جورج بوش وباراك أوباما؟ الرواية أيضًا تتطرّق للعلاقة القديمة والمتجذرة بين الإنسان الفلسطيني والإنسان الكويتي.. الرواية، باختصارٍ شديد، تجيبُ على أكثر أسئلتنا إلحاحًا؛ كيف أصبحنا على ما نحن عليه؟

ولكنّ الأهم، بعد أن نفهم الكيفية، أن نطرح سؤالاً استشرافيًا؛ ما العمل الآن؟ ما هي الخيارات المطروحة أمامنا للتصدي للطاعون؟

أعتقد بأن السنيّ سيجد نفسه مخيّرًا بين ثلاثة نماذج (صالح، فهد، والراوي)، والشيعي أيضًا سيجدُ نفسه مخيّرًا بين ثلاثة نماذج (عباس، صادق، أيوب).. وسيكون على كل واحدٍ منا، بعد الانتهاء من العمل، أن يعرف؛ أيهم أقرب إليه، وأيّهم يريد؟

من المخيف أن يتحوّل الدين من تجربة روحية تنظم علاقة الإنسان بالإله، إلى أيديولوجيا سياسية تستخدم لتفتيت الأوطان إلى دويلات طائفية دموية. الرواية، بناءً عليه، ورغم محليّتها الواضحة، ليست للقارئ الكويتي فقط، إنها للقارئ العربي الذي يرزح تحت تهديد الخريف الطائفيّ منذ أربع سنوات.

كلمة أخيرة أحبّ أن أقولها عن هذا العمل.

لو خرج هولاكو من صفحات التاريخ لكي يضرم نارًا ضخمة في كل ما أنتجه الأدب الكويتي. تخيّل الآن هذا الهولوكوست الثقافي المؤلم الذي سيقضي على كلّ شيء. لو طلبَ مني أن أختار كتابًا واحدًا لأنقذه، كتاب واحدٌ فقط أنقله إلى أجيالنا القادمة، لاخترتُ "فئران أمّي حصّة"..

طبعًا أنا أذكر هولاكو هنا تحيّة للرقيب، ومحرقته.

ايوب صابر 12-15-2016 11:11 AM

Apr 11, 2015❁ بــدريــه ❁ rated it it was amazing
Shelves: favorites, نسخ-ورقية, 2015, في-مكتبتي

رابط الرواية ي أصدقاء

http://ketab4pdf.blogspot.com/2015/04...

---------------------------------

خبر منع رواية .. !!



هذا خبر بحد ذاته مخزي و مؤسف ، للأسف
وصلنا هذا المرحلة ، الكتاب اللي بوعي الناس
على حقيقة فعلية بالمجتمع تُمنع ، بالمقابل
لا بأس أن ينشروا بعض الكتب التي تصور
مجمتع بصورة دونية و مليئة بكلمات البذيئة
" وين رايحين "
و إلى أن سنصل في مستوى الثقافي !
من انحدار إلى أخر
كاتب مثل سعود السنعوسي رفع أسم الكويت
ترفع له قبعة الأحترام على صراحته على مدى ثقافته و ألممه
بدل ما الدولة تحتويه و تشجعه . تحاربه ؟
منعت روايته لأن تكلم عن الطائفية و حذرنا منه
و نبهنا لو استمرت على هذا الحال الكويت
بتروح والله بتروح !!!!

سأحكي عن موقف حقيقي:
" أختي و صديقتها علاقة من أولى متوسط حتى
بدايه هذه سنة و هي الأن في 11 ، صداقة
دامت 5 سنين و كانت علاقة أكبر من صداقة
بذاته تجمعهم مودة و حب كبير ، حتى ذاك اليوم
الذي تدخل فيه البيت و هي تبكي تترجى
أبي أن يتحدث مع أب صديقتها
و لبى أبي طلب أختي و تحدث معه
صدمنا أبي بإن علاقة بينهما انتهت
سألناه عن سبب ؟ تحفظ بالبداية
لكن أصررنا على أن نعرف السبب فكان جوابه
و هو رد ذاته الذي حصل عليه أبي من محادثة ..
" أنتوا غير و أحنا غير !!!!! " "



فئران أمي حصة :



الغلاف شدني كثيراً ، سيدة بعباءة سوداء هي
حصة تمتلك ثلاثة أعين وواحدة منهم مغمضة
و هكذا كان موتها عين مفتوحة تتحرى أبنها
صالح الذي كان أسير في البصرة في أيام الغزو العراقي
و عين مغمضة مطمئنه على أهل بيتها
و عين الثلاثة هي افتراضية بأن الأم حصة
ترى كل شئ . الفتاة على شمال لمن لا يعرفها
هي شخصية فؤادة عبدالعزيز في مسلسل على
الدنيا السلام و عبارتها هي " الفئران آتيه ..
احموا الناس من الطاعون " و الطاعون هي أفة
الفتنة الطائفية التي لا تخلف إلا حرب و دمار
و الصبي الذي يتوسط الصورة هو الرواي كتكوت

أبكيتني ، أبكيتني ي سعود
كشفتُ جروحاً ، أيقضت كوابيس و هواجس
التي كنا نغطيها تحت كلمة " أشاعة " و "
ليس حقيقي " و " كذب " . هذه رواية قنبلة موقوتة
موجعة ، حساسة ، صريحة ، مبكية !

و لان هذه رواية ستهزك و توقظك من سباتك
على ما حال له وطننا ، ستوجعك ، و هذا مطلوب
أن نتوجع و نتألم لنصحح مسارنا ! قبل فوات الأوان !!

ي سعود : " يجيب الله مطر .. يجيب الله مطر "
وفالك البوكر ي سعود ..

ايوب صابر 12-15-2016 11:19 AM

ياسمين ثابت

هاقد انهيتها...وادرك الآن لماذا منعت...كان لابد من تمنع...بل من المستحيل ألا تمنع
أتدرون لماذا؟

اني استطيع ان اتخيل وجه الرجل الذي قرأها في اللجنة...بل اتخيل تعابير وجه كل اعضاء اللجنة وهم يضطلعون على الرواية قبل ان يبتوا في منعها..
استطيع ان اثر الصفعات التي وضعها السنعوسي على ارواحهم بقلمه
ولأنه يعريهم أمام انفسهم...ولأنهم ادركوا بعد ان انتهوا منها قبح الحقيقة...لم يتحملوها..
لأن الصفعات كانت مؤلمة...لشدة ما كانت فاضحة..
كان لابد أن يمنعوها


بدايتي مع السنعوسي كانت مع ساق البامبو
ذاك الكاتب الشاب في سنه العجوز جدا في ابداعه الأدبي والمخضرم في فكره والطفل في احاسيسه
والتي عشقتها جدا وتأثرت بها


فقررت أن أقرا له عمله الاول سجين المرايا...والتي أحببتها ربما اكثر من ساق البامبو!

فحين سمعت بوجود كتاب اخر عليه اسم سعود السنعوسي كدت ان اجن!...حرفيا اني من اشد اشد اشد اشد محبي هذا الكاتب كابداع وكانسان
ارتطمت اذني بسماع العنوان...ولم احبه قط

ثم صدمت حين رأيت الغلاف...غلاف مشوه يسخر من الرواية ويجعلها تبدو ككتاب ساخر رخيص!

ولكن لا شئ سيوقفني من التهام هذا الكتاب
تفرغت لقراءته خصوصا انه 440 صفحة...ضخم...وكانت صدمتي اكبر حتى انهيت النصف الاول من الرواية

انهيته على مدار ثلاثة ايام لشدة ما كان ممل وغير مستساغ...وذلك لاني لم استطع تحديد الراوي ولم استوعب الشخصيات ولا تداخل الفصول مع بعضها تحت اسماء ارث النار والسرد بالتوقيت يحدث الان

وكلما سالني احد اجبت بخيبة امل ان السنعوسي اخفق في هذه الرواية...

ولكن السنعوسي لم يمهلني....النصف الثاني من الرواية بدأت افهم واستوعب...بدأت اشد الخيوط وارتبها واشعر انها ترسم خطوطا لها معنى...بدأت احس بتفرد الشخصيات...بدأت اتعاطف معها...بدأت احزن لأجلها...هنا امسك السنعوسي بي...وجعلني اخط بيدي خمس نجوم...وانا التي كنت حتى منتصفها ادرك اني ربما من خيبة املي لن اكتب فيها مراجعة ولن اعطيها أكثر من ثلاث نجوم.

الرواية دائرة تمر فيها حول الأزمنة الثلاث....المستقبل عام 2020 وهو الزمن الحقيقي للرواية الذي يقع فيه الرواي والمكتوب بصيغة يحدث الآن...والماضي ويقع في رواية الرواي أرث النار التي كتبها وكتب فيها من حياته وماضيه الحقيقي والتي يترتب عليه الزمن الثالث الحاضر ويشكل المستقبل. في اربع فئران هم شرر و لظى و جمر ورماد

يتداخل السرد في بناء محكم جدا وادرك لكوني اكتب حقيقة الجهد المضني الذي بذله السنعوسي ليخرج لنا الرواية بهذا الشكل مع الوان مختلفة من السرد مضفرة بشكل يجعلك تتخيل أنها كتلة واحدة.

آفة الادب الكويتي التكرار...فلا تجد كتاب كويتي يخرج في قضاياه عن البدون او حرب الخليج...شعرت بخيبة امل كبيرة حين تفرجت على حرب الخليج مجددا في رواية السنعوسي...كنت اريد ان اقول يكفي لقد مللت...أليس عندكم سوى هاتين القضيتين....لكن السنعوسي كان في منتهى الذكاء...فهاهو يتناول موضوع لم يسبق ان تناوله احد بهذه الحرفية...موضوع شائك يمس واقعنا الحالي...وبدأ من جذوره...الفتنة الطائفية

كيف كان العدو واحد قبل حرب الخليج...وكيف تحول الكويتي إلى عبيد الغرب لأن امريكا دخلت وأنقذته...بعد ان كان انا واخويا على ابن عمي...صار انا والغريب على ابن عمي....رجع السنعوسي الى البداية...الى التعليم....الى التربية...الى اصل الطاعون...الذي نشر السم بين مجتعاتنا...كيف نربي اولادنا على الاختلاف والكره

لشدة ما شعرت بمدى الحمق الذي نرتكبه في افكارنا العنصرية المتطرفة وانا اقرا الرواية...لشدة ما شعرت بالتفاهة...ولقد كان السعنوسي حقا في شدة الحيادية في تناول مثل هذا الموضوع الشائك

لكم كان رقيقا ان يحب فهد السني حوراء الشيعية ويتزوجها...ويصير اولادهم حيرة بين مذهب ابيهم ومذهب امهم...يتساؤلون على اي مذهب كان الرسول (ص)...على اي مذهب كان الله! جل جلاله

شخصية حصة...وحصة الصغيرة...شخصية الرواي وهو طفل...وكيف يتناول الماضي بعد ان غيره الحاضر...الاصدقاء الاربع الذين كونوا جماعة اولاد فؤادة المناهضة للفتنة...بالرغم من اختلافاتهم الفكرية والطائفية...

لكم هي رائعة جدا التفاصيل الصغيرة التي اعتبر السنعوسي استاذا في رسمها...كيف يصير التاريخ بين يديه مكتوبا ومسموعا..ومرئيا!

طرد الفلسطنيين من الكويت بعد حرب الخليج...لم اكن اعرف بهذا ...كان تصوير السنعوسي لهذه الحادثة في قمة البراعة...فلقد رسم لك مدينة صغيرة...شارع وجيران...من مختلف الجنسيات...وكيف كان التعامل فيما بينهم ونظرتهم لبعض قبل الحرب...وكيف صارت بعدها...وكيف اصبح التعامل
ليس هناك شخص يمكن ان يكتب مثل هذه الرواية سوى السنعوسي

كنت قد بدأت اتشكك فيه...بسبب زيادة الحشو في الرواية كثرة تغير السرد الذي شل عقلي عن الربط بين الحكايات...هذه الرواية ثقيلة وصعبة تحتاج الى تركيز في قراءتها...

ولكن من العيب ان اقلل من مقدار تعب السنعوسي في كتابتها وبناءها وجمع المعلومات عن كل المناطق والشوارع والامور التي تغيرت اسماءها بعد حرب الخليج...كثير من التفاصيل لن توجد في كتب التاريخ...مثل مشهد شطب العلم العراقي في الكتب الدراسية


امر مذهل


تصفيق حار ايها السنعوسي
I Am your biggest fan

ايوب صابر 12-16-2016 02:38 PM

Aug 14, 2016Ahmed Ibrahim rated it it was amazing
Shelves: favorites, pdf, 2015, مكتبتى, نثر, روايات, ديستوبيا, تاريخي
لا أعرف كيف تسير الامور السياسية فى الكويت
لكن عندما تُمنع رواية مثل هذه من قِبل الرقابة فأعلم انك فى حضرة نظام عقيم
فهى روايه للتوعية ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه
--------

الطائفية والعنصرية هى طاعون هذا الزمن وكل زمن
هى ليست مأساه الكوبت فقط بل مأساه الوطن العربى بأكمله مع أختلاف الطوائف
هذه الآفة اللذى تتوغل وتتأصل فى أغلب الدول العربية واللذى تؤدى إلى الانقسامات اللتى تؤدى إلى ضياع الدولة نهائياً

لكن يبقى الطاعون الاكبر هو الخلاف الواقع بين السنة والشيعة
الطاعون اللذى اصاب العديد من الدول إلى أن ماتت
-----------------

روايه ابكتنى على الحال اللذى وصلنا إليه ,رواية اوعتنى على ما يدور فى الجوار على موت الوطن العربى بالبطىء
وكل شىء يربط دائماً بكلمة " إشاعة " ,والشعوب العربية فى غفلة
هذا الحوار اوجز ما يمكننا الوصول إليه



ارتجفت وبكيت عند هذه الفقرة وانتابتنى نوبه من الخوف
هذا هو حال الاطفال عندما ينمون فى مجتمع طائفى ,مجتمع يدس السم فى عقولهم
هذا هو مستقبلنا إن لم نمنع الفئران
" الفئران آتية , إحموا الناس من الطاعون "

هل تعرف قصه الفئران الاربعة ؟
شرر - لظى - جمر - ورماد
لن اخوض فى تفاصيل لا يمكننى أن أصفها لانها تُحس لا تُحكى

حِصّه هذه المرأه اللذى أحببتها جداً وأنضمت إلى قائمة المفضلين لدى

رواية رائعة فى كل شىء
أسلوب رائع وسرد أكثر من رائع ولغة قوية جداً ولم أشعر للحظه واحدة بالملل منها
رواية لا بد أن تقرأها

وندمت لعدم قرائتى ساق البامبو إلى الآن

حقاً لا تكفيها البوكر

ايوب صابر 12-17-2016 01:10 PM

دعوة
هذه دعوة لتقديم دراسة مقارنة لروايتي السنعوسي "ساق البامبو " و "فئران أمي حصة "...

ايوب صابر 05-22-2017 02:58 PM

سعود السنعوسي.. روائي من زمن العروبة
حاوره : أنس أزرق
9 مارس 2015
بفضل الجوائز التي نالتها روايته "ساق البامبو"، أصبح سعود السنعوسي (1981) أحد أبرز الأسماء الروائية في جيله. وقد أعلن منذ أيام عن نشر رواية جديدة بعنوان "فئران أمي حصة"، تتناول آثار ونتائج الاحتلال العراقي على المجتمع الكويتي، لا سيّما على تبني "فكرة العروبة وقضية فلسطين". "العربي الجديد" حاورته حول إشكاليات أعماله وما تطرحه.
نشر السنعوسي مؤخراً مقطع فيديو عبر صفحته على فيسبوك بعنوان "الفئران آتية.. احموا الناس من الطاعون" وهي عبارة يستقيها من المسلسل الكويتي "على الدنيا السلام". في هذا المقطع يعلن الكاتب عن روايته الجديدة ويحذّر من خطر "طاعون الطائفية البغيضة الذي ينهش في جسد البلد المعتل بسقمه، فتحيله إلى فرق متنازعة تبحث عن تمكين رأيها وأهوائها".
بالمقارنة مع روايته السابقة "ساق البامبو"، يقول السنعوسي لـ "العربي الجديد" عن روايته الجديدة: "إذا كانت "ساق البامبو" ترصد علاقتنا بالآخر، فعملي الجديد يرصد علاقتنا ببعض، في الداخل. العلاقات بين مكوّنات المجتمع الكويتي، ولا سيّما التحولات التي طرأت على هذا المجتمع وعلاقته بالعروبة والعرب، خاصة الفلسطينيين بعد الاحتلال العراقي للكويت عام 1990".
"
أحياناً تعاني من أزمة الهوية وأنت صاحب المكان
"
رصد الروائي تطوّر الفكرة العروبية في الكويت، ويقول "أنا من آخر الأجيال التي شهدت وعاشت ذلك الزمن. كنا في المدرسة، يومياً وقبل الحصة الدراسية الأولى، ننشد "تحيا الأمة العربية". كان هناك شغف بقضية فلسطين، وكان الحضور العربي والفلسطيني موجوداً من خلال المعلمين، ومن خلال الصحافة. وكان الحضور الفلسطيني قوياً جداً، ولا تستطيع أن تنتزعه من نسيج المجتمع الكويتي. ولكن، وخلال سنة واحدة، اختفى هذا الحضور، وتغيّرت الكويت". ويضيف "شخصياً، أعتبر أن جيلي، بالذات، تلوّث كثيراً".
تذهب بنا رواية السنعوسي الجديدة إلى مشكلات كويتية أخرى، إذ يطرح قضايا كالطائفية والقبلية، وهو يشير إلى أنه لا يريد أن يكون "تقليدياً في الانتقاد، كما كنا في التسعينيات، بإلقاء أي مشكلة على الغزو".
يتزامن صدور رواية "فئران أمي حصة" مع ظهور ترجمة "ساق البامبو" للإنجليزية والتي أنجزها جوناثان رايت؛ وهو مترجم بريطاني قام بترجمة روايات عربية أخرى مثل "تاكسي" للخالد الخميسي، ورواية "عزازيل" ليوسف زيدان. وعن سؤاله عن هذه الترجمة قال: "يهمّني أن يُترجم العمل إلى لغات أخرى غير العربية، حتى ولو كان موضوع العمل محلياً بشكل أو بآخر".
من زاوية نظر مغايرة، نلاحظ انفتاح الآخر على الآخر عبر تركيبة شخصيات رواياته، فبطل "ساق البامبو" عيسى الطاروف كويتي-فيليبيني. يقول الكاتب عنه "إن هذا الولد المتشظي الهوية بين الفيليبين والكويت يوجه رسالته إلى الكويت، وكيف رأى الكويت والكويتيين. وبعد احتكاكي مع الآخرين في الفعاليات والمهرجانات الأدبية في أوروبا وجدت أنه كما تُقرأ "ساق البامبو" بصوت الفيليبيني-الكويتي، يمكن أن تقرأها في أميركا عن المكسيكي-الأميركي، وهي حالة يمكن أن تسقطها على أكثر من مكان، حيث الآخر في مكان لا ينتمي إليه".
هنا نسأله "هل هناك أزمة هوية في العالم، أم أن العولمة قفزت على هذا السؤال؟"، فيجيب "يُفترض أن العولمة أذابت الفوارق، ولكن يبدو أنه ليس بهذه السرعة، ما زلنا نعيش هذا المأزق. أحياناً تعاني من أزمة الهوية وأنت صاحب المكان. المكان، اليوم، يتغير، الشعور بالغربة وأسئلة كثيرة تفرض نفسها، بالذات، على جيلنا، جيل التطورات السريعة".
فهل يعاني السنعوسي من أزمة هوية؟ هو لا يعتقد ذلك، بل يشعر "بغربة في كل مكان. ليس أزمة هوية، لكن شيئاً يشبه ذلك. عندي هذا الحنين إلى المكان، ولنقل الماضي النسبي، ماضيّ أنا، وليس ماضي الغوص من أجل اللؤلؤ".
"
في عملي الأول أردت أن أقول كل شيء فظهر العمل غير واضح المعاني
"
يلاحظ أنه "في كل خمس سنوات تتغير الكثير من الأمور، تتغير الثقافة ويتغير المكان والأسماء، تتغير حتى أسماء الشوارع. هذا بشكل أو بآخر يدخل في نطاق الهوية. يعني مكاني ما عاد مكاني. أشعر بغربة في مكاني، وهذا طبعاً موضوع غير متعلق بالكويت والخليج فقط، بل يحصل في العالم ككل، نتيجة التطور السريع والمتلاحق، وهذا مزعج جدا".
عادة ما يواجه الكتّاب الشباب تضييقات من الأوساط الاجتماعية والثقافية التقليدية، خاصة حين يخضون في قضايا مثل الزواج بخادمة فيليبينية أو قضايا جنسية أو ملامسة قضية البدون. سعود السنعوسي يرى أن جيله استفاد من تطرّق مثقفين سابقين له لمواضيع مشابهة.
يقول: "في كل هذه الموضوعات، لم آت بجديد، يمكن أن يكون أسلوب المعالجة مختلفاً. إذا تحدثنا عن زواج الكويتي من الأجنبية فالمسرحي صقر الرشود، رحمة الله عليه، عالج هذا الموضوع في الستينيات في عمله "ضاع الديك". أيضا مسألة البدون، كتبت عنها الروائية الكويتية بثينة العيسى وناصر الظفيري وإسماعيل فهد إسماعيل".
لكن السنعوسي يعترف من جهة أخرى أن "جيل الشباب ومن هم أصغر تقبلوا رواية "ساق البامبو" بصدر رحب، وتعاطفوا مع بطلها عيسى الطاروف تعاطفاً كبيراً، أما كبار السن فبعضهم قد تحسّس من الأمر، على أساس أنه يشكل دعوة للزواج من الخادمات، ممّا يعني تخلياً عن عاداتنا وثقافتنا".
سألنا الروائي الكويتي هل أن "عيسى الطاروف شخصية حقيقية؟" فأجابنا "أنا، عادة، لا أجيب عن هذا السؤال. أتصوّر أن كل روائي عندما يكتب يريد، قدر الإمكان، أن يقنعك بأن الشخصية التي ابتدعها حقيقية. لا أريد أن أقول إن عيسى الطاروف شخصية حقيقية، فأبخس حقي في البحث وتشكيل الشخصية والعجن والخلق. ولا أريد أن أقول إنه شخصية خيالية بعدما آمن القارئ بأن عيسى الطاروف شخصية حقيقية، ولذلك لن أجيب عن هذا السؤال".
على عكس الكثير من الكتاب الذين يخجلون من أعمالهم التي سبقت وصولهم إلى صوتهم الأدبي، لا يخجل السنعوسي من عمله الأول" سجين المرايا" رغم أنه لم يأخذ نفس صدى "ساق البامبو". يقول بأنه "عمل أحبّه كثيراً، برغم الكثير من التحفظات التي بدأت أعيها الآن، حول شكل العمل والأسلوب والأدوات". وهو يرى أنه "لولا "سجين المرايا" والانتقاد الذي وصلني لا أتصوّر أنني كنت سأكتب "ساق البامبو". وكذلك ما وصلني من انتقاد لـ"ساق البامبو" سيجعلني أتجنّب الأخطاء التي وقعت فيها في عملي المقبل".
"
الديمقراطية تحوّلت اليوم إلى سبب من أسباب تدهور الثقافة في الكويت
"
وتُحدثنا "سجين المرايا" عن شخص يعاني اضطرابات نفسية بسبب ماضيه، فقد استشهد والده وماتت أمه وهو في سن صغيرة، وظل يبحث عن حب ولا يدري هل يبحث عن أم أو عن حبيبة. وحين يتعرف على فتاة يعيش معها قصة حب يتضح من خلالها أنه كان يبحث عن أمه.
يشير السنعوسي "أردت أن أقول كل شيء في "سجين المرايا"، ولذلك ظهر العمل غير واضح المعالم والمعاني. كل ما كان يشغلني رميته في هذا العمل، بعكس "ساق البامبو" حيث كان عندي خط معيّن وحدود لا أستطيع أن أقول فيها أكثر مما يقوله عيسى الطاروف".
يرى ملاحظون للشأن الثقافي العربي بأن الكويت قد سجلت تراجعاً في دورها الثقافي، بعد أن كانت رائدة في السبعينيات والثمانينيات، وخصوصاً عبر المجلات الثقافية والإصدارات المختلفة. يتمنى السنعوسي أن تستعيد الكويت عافيتها وتلعب هذا الدور مجدداً. يقدم قراءته قائلاً "الديمقراطية، مع الأسف، تحوّلت اليوم إلى سبب من أسباب تدهور الثقافة في الكويت، من حيث المنع والحجب والرقابة ومطاردة الأمسيات، إذ تأتي هذه المضايقات اليوم في الغالب من داخل مجلس الأمة". هذا الوضع يقلق السنعوسي، خاصة وأنه يلاحظ "عدم وجود خطة واضحة على عدة مستويات أولها التدريس والعمل على تنمية الإنسان".
تطال السنعوسي اتهامات كثيرة بخصوص فوزه بجائزة البوكر 2013، حيث قيل بأنه حاز عليها لاعتبارات جغرافية، حيث أن الجهة القائمة عليها كانت تريد فائزاً خليجياً. لا ينفعل السنعوسي من هذا الاتهام بل يقول "سمعت ما هو أقسى من ذلك، قيل إنني اشتريت الجائزة، وأنها منحت لي لأنني انتقدت الخليج. والبعض يقول إن لجنة التحكيم من غير المتخصصين ومن غير الأكاديميين، وهذا الكلام صحيح، ولكن إذا أخذنا الاعتبارات الأساسية أو الأصلية للجائزة التي هي ابنة الجائزة الأساسية في بريطانيا، لوجدنا أن هذه الجائزة تعتبر جائزة شعبية. في إحدى السنوات، كان عضو لجنة التحكيم سائق تاكسي".
كما يشير السنعوسي إلى أن حجّة التوزيع الجغرافي واهية "فمن فاز في السنة الأولى 2008 مصري، وفي السنة الثانية 2009 مصري، بل من دار النشر نفسها. فلو كان هناك اعتبارات جغرافية لما فاز بها مصريان، وهما بهاء طاهر ويوسف زيدان، لا أريد أن أدافع عن جائزة بوكر، ولكنها أكثر الجوائز العربية حيادية حالياً".
مشاركة Google + print
دلالات:فئران أمي حصة ساق البامبو سجين المرايا جائزة البوكر للرواية العودة إلى القسم

ايوب صابر 09-04-2017 03:20 PM

رواية ساق البامبو رواية ساحرة وهذا ما خرجت به شخصيا من انطباع عند قراءتها ادعو المهتمين بالأدب بشكل عام والأدب الخليجي بشكل خاص لتقديم مزيد من القراءات والدراسات لهذه الرواية ... وباقي روايات سعود السنعوسي
اهلا وسهلا بكم

صبا حبوش 09-04-2017 11:14 PM

من أجمل الروايات التي قرأتها ساق البامبو.
أسلوب السنعوسي البسيط السلس يدفع القارئ لقراءة الصفحة تلو الأخرى دون ملل
أو ربما التهام الصفحات ..
استحق البوكر عن جدارة ، نقلنا من الفيلبين للكويت ، من الغرفة إلى الجسر، إلى المعبد، إلى كل ركن كان يمر به هوزيه..
أحب أيضاُ المقابلات الصحفية وما يقوله خلالها ، كما قلت أستاذ أيوب شاب بعمر صغير وإبداع كبير ..

صبا حبوش 09-04-2017 11:17 PM

لا زلت أذكر تلك اللحظة حين كنت أقرأ الرواية ..حين توقف قلبي واقشعر جلد يدي عندما أظهر حقيقة الجد التي بقيت غامضة على طول الرواية ..مبدع السنعوسي، أتمنى أن نصبح سنعوسييين في الكتابة يوما ما :)

ايوب صابر 09-09-2017 12:38 PM

مرحباً استاذة صبا

نعم تلك اللحظة كان لها وقع مزلزل على أنا أيضاً لكني وجدت في الرواية الكثير من اللحظات التي تركت اثرا مدويا .
لا شك ان اسلوب السنعوسي في هذه الرواية كان فائق الروعة وقدرته على ان يسوق الاحداث بصورة متسلسلة منسجمة تساند بعضها بعضا رغم اتساع رقعة المكان الذي جرت فيه الرواية والزمان أيضاً بذلك التأثير والادهاش والشد والانسجام يؤشر الى عبقريته الابداعية .
كما ان الرواية تتميز بشخوصها وقدرة السنعوسي على بناء شخوصه بصورة فذه.

الدعوة مفتوحة لتقديم مزيد من القراءات والدراسات لهذه الرواية ومعالجتها من زوايا متعددة ...


ايوب صابر 03-25-2018 07:18 PM

رواية "ساق البامبو" للكاتب الروائي سعود السنعوسي../ روضة غنايم
مجلة الكترونية - عرب 48
تاريخ النشر: 12/09/2013 - 13:39


الرواية الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر العربية" لعام 2013
تحرير : عرب 48


"ساق البامبو" - رواية للكاتب الروائي الكويتي سعود السنعوسي. في الأسبوع المنصرم ناقشنا هذه الرواية في "نادي الكتاب" التابع للمجلس الملّي الأرثوذكسيّ الوطني في مدينة حيفا، حيث نلتقي، مرّة كل شهر، لمناقشة رواية أدبية. وقد حضر اللقاء مجموعة من المثقفين وعُشاق الأدب والقراءة بمبادرة وتنظيم المحامي فؤاد نقارة.

تروي الرواية قصة شاب "عيسى" ولد من أم فيليبينية "جوزافين" ولأب كويتي "راشد" ينتمي لعائلة معروفة في الكويت، حيث عملت والدته كخادمة عند هذه الأسرة.

الرواية مقسمة لخمسة أجزاء، وكل جزء معنون بحكمة جميلة من أقوال الكاتب. يستحيل عليك ترك الكتاب بعد قراءة فقرته الأولى، فهو يجذبك ويثير شغفك لقراءته ولمعرفة ما يحمل. رواية جميلة جدا، ومؤلمة حد الوجع! مشاهدها مُصورة بكلمات الكاتب بشكل فني رائع.

في الجزء الأول تسرد الأم لعيسى قصتها في الكويت، وما الذي اضطرها لمغادرة الفيليبين. والابتعاد عن الوطن والأهل.. "عيسى قبل الميلاد".

والجزء الثاني "عيسى بعد الميلاد وعن تخلي والده عنه، وإرساله مع أمه إلى بلادها قبل أن يبلغ شهره الثاني، نتيجة رفض جدته لهذا الزواج الذي يهدد سُمعة العائلة الأرستقراطية في الكويت! كبر الطفل وبدأ يواجه صعوبة الحياة والفقر في الفيليبين، لذلك كان يُمني نفسةُ العودة إلى بلاد أبية الجنة كما صورتها له والدته منذ كان طفلا.

الجزء الثالث "عيسى .. والتيه الأول" وهو بحثه عن هويته الدينية، حيث بدأ يبحث عنها في الكنيسة والمسجد والمعبد (بوذا)، وشعور الغربة بوطن والدته.

الجزء الرابع "عيسى والتيه الثاني، سفره لبلاد أهل والده وبحثه عن جذوره ورفضهم وخجلهم به.

أما الجزء الخامس "عيسى على هامش الوطن" فقال فيه: "لماذا كان جلوسي تحت الشجرة يزعج أمي؟ أتراها كانت تخشى أن تنبت لي جذور تضرب في عمق الأرض ما يجعل عودتي إلى بلاد أبي أمرأ مستحيلاَ؟ ربما، ولكن، حتى الجذور لا تعني شيئاَ أحياناَ. لو كنت مثل شجرة البامبو، لا انتماء لها نقتطع جزءا من ساقها، نغرسه، بلا جذور، في أرض، فلا يلبث الساق طويلا حتى تنبت له جذور جديدة. تنمو من جديد في أرض جديدة، بلا ماض.. بلا ذاكرة..، لا يلتفت إلى اختلاف الناس حول تسميته؛ كاوايان في الفيليبين، أو خيزران في الكويت، أو بامبو في أماكن أخرى.

وأخيرا "عيسى... إلى الوراء يلتفت... ويودع اصدقاءه، و يترك الكويت، ويعود للفيليبين مع قنينة زجاجية تحمل تُراب والده الذي جمعه من تُربة قبره... والده الذي لم ولن يرى ملامحه قط. عاد لبيته في ميندوزا".

ملف خاص | يوم الأرض

ايوب صابر 03-25-2018 07:26 PM

ساق البامبو في ندوة مقدسية

السبت 3 آب (أغسطس) 2013، بقلم جميل السلحوت

القدس:4 تموز 2013 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدةرية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية"ساق البامبو" للأديب الكويتي سعود السنعوسي عام 2012 ، الصادرة عن الدار العربيّة للعلوم ناشرون في بيروت. وتقع في 396 صفحة من الحجم المتوسط. وفازت بجائزة البوكر العربية هذا العام 2013.

ومؤلف الرّواية سعود السنعوسي (مواليد 1981) كاتب وروائيّ كويتيّ، عضو رابطة الأدباء في الكويت ورابطة الصحفيين الكويتيين. فاز عام 2013 بالجائزة العالمية للرواية العربية عن روايته ساق البامبو. وهي رواية تتناول موضوع العمالة الأجنبية في دول الخليج. وقد اختيرت من بين 133 رواية مقدمة لنيل الجائزة. ويكتب في جريدة القبس الكويتية. وقد سبق أن نشر قصة "البونساي والرجل العجوز" التي حصلت على المركز الأول في مسابقة القصص القصيرة التي تجريها مجلة العربي الكويتية بالتعاون مع بي بي سي العربية. وقد سبق أن نشر رواية "سجين المرايا" التي فازت بجائزة ليلى العثمان لإبداع الشباب في القصة والرواية في دورتها الرابعة.

بدأ النقاش مدير الندوة ومشرفها ابراهيم جوهر فقال:

رواية البحث عن الذات الفردية والجمعية

البحث عن الذات الفردية والاعتراف بها، والبحث عن ذات الوطن العامة بانسجامها وعدلها، هو منطلق رواية سعود السنعوسي (ساق البامبو). وعائلة (الطاروف) في سكنها وأبنائها وأقاربها هي المجتمع الكويتي.

وفي سبيل الوصول إلى هذه الذات الضائعة المغتربة عن ذاتها ومحيطها يكشف الكاتب لقارئه بفنيّة عالية وتقنية محكمة ذوات شخصيات عديدة في بيئتين متقاطعتي القيم والظلم ، متشابهتي الإظلام والفقر الروحي والتنكّر والاستعمار.

الصراع والتناقض مجبولان بشعور إنساني أليف، يقابله شعور قاس منكر معتدّ بنفسه وفق ما أنتجته ثقافة اجتماعية، تظلم في قوانينها وإفرازاتها، رحلة عذاب وشقاء نفسي عبّر عنها الكاتب على لسان الشخصية المركزية (عيسى):(أنا حفيدها عيسى الطاروف؛ اسم يجلب الشرف، ووجه يجلب العار. أنا عيسى ابن الشهيد راشد... وفي الوقت نفسه أنا عيسى ابن الخادمة الفلبينية) ص214.

الحيرة والتناقض والاغتراب في أقسى درجاته، مشاعر وصفات رافقت الشخصيّة في حلّها وترحالها، والرواية قامت على هذه الدعائم الثلاث ، حيث نجد الوحدة والمعاناة والخوف والمشاعر الإنسانية المتناقضة. ((لم أقل في حياتي كلمة "بابا") ص202 .

هنا يسجل للكاتب رويه الخارجي والداخلي، للمكان والناس والثقافة الاجتماعية والسياسية والحروب والتجارة ...وللعالم الداخلي الجوّاني للشخصيّات التي أوضحت صفاتها ودواخلها وحلولها الإبداعية بالحوار والمؤانسة مع السلحفاة والسيارة (محبوبة غسان) ، وحفنة من تراب ضريح الأب ، والدموع...(أنا وحيد ، أنا ضعيف) ص202 .

ولعلّ في الأسماء ما يضيف بعدا آخر للمعاناة وهي تحمل ذاكرة تاريخية أو جغرافية .(عيسى . غنيمة . غسان. لوزفيمندا. خولة...)

الرواية مكتملة العناصر تنقل الحياة برؤية كاتبها وفلسفته.

تقوم الرواية في بحثها عن الذات على فكرة الإلغاء والفوارق الطبقية في المجتمع الإنساني من خلال ما هو قائم في المجتمع الكويتي.

بنى الكاتب عمارته الفنيّة على التناقضات والأضداد ؛ في المواقف والشخصيات والعواطف والأسماء والصفات (كيف يخرج الدولفين وسمكة القرش من رحم واحد؟) ص220.(بدا البامبو في غير محله في تلك المزهريات الفاخرة، مثلي تماما في بيت الطاروف.) ص217.
يقارن بين أصحاب جنسية ال(بدون) وبطل الرواية المرفوض . ويقابل بين طعام الفقراء والأغنياء منحازا إلى الحميميّة التي تشكل بهارا للطعام، في حين أن طعام الأغنياء لا طعم له مع الوجوه الصامتة الواجمة"ص247."

لم يغفل الكاتب النكتة اللطيفة التي تسرّي عن القارئ وتخفف وطء الموقف التراجيدي. وقد جاءت هذه اللطائف على أنواع؛ نكتة لغوية ، ونكتة موقف ، ونكتة وصف .
التشبيهات حضرت ببلاغة وثقة وخدمت الفكرة. (ضحكة تشبه البكاء) ص192 .

لغة الكاتب فصيحة سلسة وفّر لها الكاتب عنصر التشويق من خلال الانسياب في السرد والحوار الواقعي والتشبيه والوصف. واتكأ الكاتب على المجاز والرمز في لغته. (لا أحد سوانا ،أنت وأنا، يعيش في الأسفل) ص227. و(الأسفل) هنا بمعنى موقع السكن ، والموقع الاجتماعي.

الفكرة الإنسانية أيضا ورغبة القارئ بمعرفة المخفي المتوقع، والموقف المنتظر أسهمت في التشويق واستجلاء عناصر الظاهرة "الأبناء غير الشرعيين نتيجة علاقة مع الخادمات الوافدات."
قدمت الرواية الثقافة الكويتية من الملابس والعادات والنظرة إلى ما يقوله الناس وطرق الحزن والفرح والطعام ومعاملة الخدم .

وبنى الكاتب أفكاره على الترويج لثقافة القراءة ودور الكاتب في التغيير معليا من قيمة اللغة التي يدعو للاعتزاز بها منتقدا الحديث بلغة أجنبية .

وأسلوب الكاتب وحيلته الفنية كما ظهرا في الرواية أضفيا متعة وأثارا إعجابا كبيرين .
هذه رواية تستحق الدراسة والتحليل والاستفادة من تقنيتها ولغتها وأفكارها الاجتماعية والفلسفية والدينية والتربوية .

وقال جميل السلحوت:

اسم الرواية: ساق البامبو، والبامبو في العربية هو الخيزران، ومن صفاته بأنه ينمو في بيئات مختلفة من خلال قطع غصن وزرعه في الأرض، وهي ليست ميّزة له خصوصا في البلدان الزراعية، فهناك التين والعنب وغيرها يزرع بهذه الطريقة، أي دون الاعتماد على بذور النبتة عند زراعتها. ومن ميزات الخيزران"البامبو"أيضا أنه ينثني ولا ينكسر.

مضمون الرواية: تتحدث الرواية عن مشكلة العاملين والعاملات الوافدين الى الكويت، والمشاكل التي يواجهونها، والتي يخلّفونها أيضا في البلاد، وبطل الرواية عيسى أو"هوزيه"هو طفل حملت به أمّه جوزافين الخادمة الفلبينية سفاحا من مستخدمها الصحفي والكاتب الكويتي راشد عيسى الطاروف، لكنه كتب عليها عقد زواج عرفي بعد أن ظهر حملها، وسط معارضة والدته خوفا من العادات الاجتماعية والبعد الطبقي للعائلة، وقام بتسفيرها الى بلادها بعد أن أنجبته عام 1988، وألحقها ورقة طلاق، وبقي يبعث لها نقودا الى أن اختفت آثاره أثناء احتلال العراق للكويت، ليظهر جثمانه لاحقا في مقبرة جماعية قرب كربلاء في العراق، وليعيش" خوزيه" في كنف والدته عند جدّه لأمّه الذي كان مدمن كحول ومقامرا، ويهوى صراع الديكة. وبعد حياة ضنك وعوز وحرمان وزواج والدته ثانية من بحّار فلبينيّ، يعود الى الكويت بمساعدة من غسّان صديق والده، وهو أحد شهود عقد زواج والديه، لكن جدّته لأبيه غنيمة وهي أمّ لثلاث بنات، والتي كانت تحلم بأن يكون ولد لابنها الوحيد راشد يحمل اسم العائلة لم تتقبله، خوفا من العادات التي قد تكون سببا في عدم زواج بناتها، لو انكشف أمر حفيدها ابن الشهيد راشد من الخادمة الفلبينية جوزافين، في حين تباينت مواقف عمّاته، فعواطف قبلته وأشفقت عليه، بينما رفضته نورية بعنف خوفا من أن يكون سببا في طلاقها لو انكشف أمره، في حين أن هند قبلته على مضض، والذي قبله برضا تام هو أخته خولة من أبيه من زوجته الثانية ايمان، التي تركت طفلتها برعاية جدّتها لأبيها وتزوّجت من آخر، ولقي مصاعب كثيرة في الكويت أجبرته على العودة الى الفلبّين.

البناء الروائي: اعتمد الكاتب على عشرات الحكايات والقصص لخدمة نصّه الروائيّ، وشخوص الرواية متعدّدون سواء في الفلبّين أو في الكويت، وإن كان البطل فيها هو عيسى بن راشد بن عيسى الطاروف، إلّا أنّ هناك شخوصا كان لهم دور البطولة بصورة أقلّ، ليخدم كلّ منهم الدور الذي لعبه، وقد كانت سيطرة الكاتب على شخوص الرواية لافتة، وكانوا يتحركون بحرّيّة تامّة، دون تدخّل الكاتب، وبلغة فصيحة بليغة انسيابية يطغى عليها عنصر التّشويق الذي يجبر القارئ على متابعة الرّواية.

الأسلوب: لجأ الكاتب الى الايحاء منذ الصفحة الأولى أن العمل الروائيّ مترجم الى العربية، من قبل ابراهيم سلام، بل إنّه وضع تقديما للرّواية باسم هذا المترجم، ليكتشف القارئ أنّ هذا المترجم هو أحد شخوص الرّواية، واختتم الرّواية أيضا بأن بعث عيسى"خوزيه"أوراقه من الفلبّين الى هذا المترجم ليترجمها الى العربيّة، وليعطيها لخولة بنت راشد أخت عيسى، وهذا الأسلوب ليس جديدا على الرّواية العربيّة وإن كان غير شائع.

هدف الرواية: اصطاد الأديب السنعوسي أن يصطاد عشرات العصافير بحجر واحد في هذه الرّواية المتميّزة شكلا ومضمونا، فقد طرح المشاكل التي يواجهها المستخدمون الوافدون الى الكويت كنموذج لدول الخليج العربيّ خاصّة، وكذلك المشاكل التي يخلّفونها، فهم يُستغلون بطريقة لا انسانية، ويتعرّضون لإهانات لها أول ولا آخر لها، مثل ساعات العمل الطويلة والازدراء، والاستغلال الجنسيّ للإناث وبعض الذكور أيضا حتى من قبل الشرطة التي يُفترض أن توفّر لهم الحماية، وهذا ينعكس على الأسر التي تستخدمهم، مثل قتل بعض الأطفال على أيدي الخدم، أو سرقة الأموال وغيرها.

*العادات والتقاليد: مثل عدم قبول المجتمع للزواج من خادمة، وعدم القبول بأبنائها إن أنجبت سفاحا أو بعقد زواج، وقارئ الرواية سيجد أن عيسى بن راشد بن عيسى الطاروف ضحيّة عادات وتقاليد المجتمع، فجدّته غنيمة كانت تحبّه، وكان أمنية لها أن يحمل اسم والده وعائلته لعدم وجود غيره من سلالة الذكور، لكنها لم تجرؤ على مواجهة المجتمع.

*البدون: والبدون هم كويتيون لا تعترف بهم الحكومة الكويتيّة كمواطنين، ولا تمنحهم الجنسيّة الكويتيّة، علما أنّهم مولودون أبا عن جدّ في الكويت، ويخدمون في الجيش الكويتي، وقاوموا الاحتلال العراقي للكويت عام 1990، مثل غسّان صديق الشهيد راشد، ويعانون جرّاء ذلك، حتى أنّ غنيمة والدة الشهيد راشد الطاروف رفضت تزويج ابنتها هند من غسّان، لأنها لا تريد أن يكون أسباطها أبناء هند بدون جنسيّة.

*حقوق الانسان والفصام النفسيّ: ورد في الرّواية أن هند بنت عيسى الطاروف التي كانت تعمل في مجال حقوق الانسان، لم تعمل في هذا المجال لإيمانها بذلك، بل أملا في تجنيس"البدون"لتستطيع الزواج من غسّان، وعندما ترشّحت لمجلس النوّاب ردّت على إحدى السائلات في إحدى اللقاءات الانتخابية بأنها لن تطالب بتجنيس"البدون" وذلك طمعا بأصوات الناخبين، لكنّها مع ذلك لم تفز، كما أن موقفها من عيسى بن شقيقها راشد لم يكن إنسانيا معلنا، ولم تساعده للبقاء وسط الأسرة، وهذا يتناقض مع نشاطاتها بالدفاع عن حقوق الإنسان.

*الدين والواقع: عيسى هو ابن راشد بن عيسى الطاروف بيولوجيا، لكنه من ناحية شرعيّة ابن علاقة محرّمة، لأنّ عقد زواج أبيه الكويتي المسلم، على جوزافين الفلبّينية المسيحيّة جرى بعد الحمل، وكان العقد عرفيّا، وفي كلّ الأحوال سيحرم من ميراث والده.
*الاختلاف الديني: عيسى بن راشد تربّى على المسيحية وعُمّد في الكنيسة في الفلبين، كما صلّى في معابد بوذية، وفي الكويت ذهب الى المسجد للصلاة وفي عنقه صليب يخبئه تحت قميصه، وتلقى دروسا في الاسلام على يديّ صديقه ابراهيم إسلام، وكان حائرا بين اتباع دين أمّه أو دين أبيه، مع أنه كان يرى الخير في الديانتين وحتى في البوذيّة.

دولتان: عيسى بن راشد بن عيسى الطاروف مولود في الكويت ويحمل جنسيتها غادرها في أيامه الأولى، وعاد اليها في السابعة عشرة من عمره، وشاهد فيها الثراء وحياة البذخ، لكن أسرته لم تتقبله، تحت ضغط العادات، ولم يستطع العيش في هذا البلد وغادره مضطرا الى الفلبّين حيث نشأ وترعرع وانتسب الى ميندوزا جدّه لأمّه، وعاش الفقر والحرمان والاضطهاد في هذا البلد الفقير.

ويسجّل للكاتب معرفته للأماكن التي عاش وتنقل فيها عيسى في الفلبين قبل عودته غير الدائمة الى الكويت، فوصفها ووصف حياة أهلها وأبدع في ذلك، كما يسجل له استعمال الأسماء الفلبّينية وتحريكها بما يخدم النّص الروائي.

الأسباب والدّواعي: تردّد في الرواية مرات عدّة عبارة"كل شيء يحدث بسبب ولسبب" وهذا ليس عفويا، بل يكمن هنا الفكر والفلسفة، فعمل أيّ شيء هو بسبب معين، وللوصول الى نتائج معينة، فعلى سبيل المثال كانت جوزافين تريد ابنها هوزيه"عيسىى" أن يعيش في الكويت لأكثر من سبب، وجدّته لأبيه غنيمة كانت ترفض عيشه في الكويت هي الأخرى لأكثر من سبب أيضا.

وماذا بعد: نحن أمام رواية رائعة بكل المقاييس، وهي تشكّل إضافة نوعيّة للمكتبة العربيّة، وهذه القراءة السّريعة لها لا تغني عن قراءتها، ولا تغني عن القيام بتحليلات ودراسات لها، فتحيّة لكاتبها.

وقال جمعة السمان:

ساق البامبو رواية متعددة الأهداف.. فيها العبرة والعظة والمعرفة.. ونوافذ يطلّ منها القارئ على حياة شعوب أخرى جعلنا الكاتب نتعرف عليها ونعيش معها حياتها.. أفراحها وأتراحها.. وغرابة تقاليدها وعاداتها.. وتعدد دياناتها ومعتقداتها.

* عالج الكاتب في هذه الرواية مشكلة الأبناء الذين يولدون من أبوين مختلفي الديانة.. وقد أجاد حين أشركنا في مشكلة بطل الرواية "عيسى".. حين جعلنا نعيش معه همومه وعذاباته وضياعه.. بحيث جعلنا نشفق على كل ولد جاء من أبوين مختلفي الديانة.. حين قال "أنا أبحث عن إسم.. عن دين .. عن وطن.. وأيّ عذاب يعيشه هذا الذي لا يعرف لنفسه إسما.. ولا دينا.. ولا وطن..؟؟

* بعد أن أنهيت قراءة ساق البامبو.. شعرت أنها ليست رواية.. بل هي بوح وتوثيق لحياة جميع شرائح مجتمع الشعب الكويتي ممثلة ببطل الرواية .. أينما وجد .. وحيثما كان في أرض الله الشاسعة الواسعة.. أو في أيّ مجتمع يعيش فيه بعيدا عن أرض وطنه.. تغلب عليه طبيعة العربي .. أخلاقه.. عاداته .. تقاليده.. عصبيته.. الحرص على نقاء دمه.. حسبه نسبه.. للدرجة التي أدّت بالجدّة غنيمة الى التضحية بولدها الوحيد راشد.. والتخلّي عن حفيدها أخر ذكر تبقى من عائلة الطاروف.. وذلك من أجل الحفاظ على سمعة العائلة أصيلة العرق.. نقيّة الدّم.. ذات المركز والمكانة بين عائلات المجتمع الكويتي الراقية.

كان لسان الكاتب لسان صدق في كل ما رسم بالكلمات عن المجتمع العربي الكويتي الذي ما زال متمسكا بما ورث عن آبائه وأجداده، من أخلاق وأصالة وشدّة إنتماء للعائلة من أجل الحفاظ عليها سليمة معافاة متماسكة.

وأبدع الكاتب حين حملنا على جناح كلماته الى الفلبّين.. نعيش أفراحها وأتراحها ومعتقداتها وتعدّد دياناتها.. والخرافة التي تسود مجتمعها.. كنيسة المسيحي .. معبد البوذي .. مسجد المسلم.. الفقر المدقع الذي يعيشه أبناؤها.. بحيث أنه يبيح التفريط بالعرض.. والسماح لفتياته بالخدمة في بلاد بعيدة عن العين والأهل والوطن .. من أجل رغيف العيش.

أعجبني:-

*أعجبني رسم الكاتب لشخصية العجوز مندوزا الأناني المتسلط المتطفل كثير الطلبات.. حيث أن الأنانية والجحود وصلت به الى حدّ أن يطلب من الموت الذي هيأت له نفسه أنه آت لقبض روحه.. فطلب منه أن يتركه ويقبض روح حفيده، في الوقت الذي كان حفيده هو الوحيد الذي كان يعطف عليه ويلبي طلباته.

*أعجبني وصف الغني السيّد.. والفقير المعدم.

*أعجبني دقة وصف الجدّة غنيمة وهي تنزل السلم.

*أعجبني وصف القلق والخوف والحيرة التي كانت تعتري "عيسى" فترة قبل الموعد المحدد للقاء جدته غنيمة.

*الرواية لا تخلو من خفة الظل.

*كان الحلم يتناسب مع شدة وقسوة أحمد زوج عمّته عواطف وعمته نورية.

حِكَم:-

ص 282 .. آمن بنفسك يؤمن بك من حولك .. وإن لم يؤمنوا.. فهذه مشكلتهم هم.. وليس مشكلتك.

ص 304 هو الحب الذي يجعل للأشياء قيمة.

ص 304.. الوطن يكون ناقصا إذا ما تجمّل بأهله.

ص 368.. أبدع الكاتب في رسم حيرة البطل.. إذا كان هو لعنة على عائلته..
أو أن عائلته لعنة عليه.

ص 372.. كلمة قالتها العمّة نورية.. كانت أقسى من كل ما ورد في الرواية
"إذا كنت ابن راشد قانونا.. فإنك ليس كذلك شرعا.

ص 374.. كان الحوار قويا وشيّقا بين العمّات الثلاثة.. وابن أخيهم "عيسى"
كان الحوار بين العاطفة والعقل.. التخلّي عن جزء أصيل من جسد العائلة.. أو الحفاظ على إسمها وسمعتها ومظهرها.

وتنتهي الرواية قبل أن تنتهي مباراة كرة القدم بين الفريق الكويتي.. والفريق الفلبيني.. حين نهض بطل الرواية عيسى ابن راشد مع الحيرة لا يعرف له حتى تلك اللحظة إسما.. ولا دينا.. ولا وطنا.. ودليلي أنه حزن حين دخل هدف في مرمى الكويت.. وشعر أنه هو الذي ادخل الهدف في مرماه.. وأيضا حزن حين دخل هدف في مرمى الفريق الفلبيني.. وشعر أنه هو الذي ادخل الهدف في مرماه.

فأيّ حيرة هذه التي يتوه فيها إنسان عن نفسه.... نصفه يحاور نصفه الآخر.. دون أن يعرف لمن ينتمي.. أو لمن ينحاز..؟؟

وقال موسى أبو دويح:

الغلاف الأوّل عليه صورة لجدار من سيقان البامبو الّذي يشبه الخيزران إلى حدّ ما، وعلى الغلاف الأخير فقرتان من الرّواية، تبيّن إحداهما أنّ شجرة البامبو تسمّى (كاوايان) في الفلبّين، و(خيزران) في الكويت.

بطل الرّواية (عيسى) المولود، من أب كويتيّ وأمّ فلبّينيّة، تعمل خادمة في بيت أهله، يعقد عليها عقد زواج عرفيّ، يَشهد عليه رجلان من أصدقائه، ويبني بها على ظهر قارب صيد وسط البحر، وتحمل ببطل الرّواية، وتغضب والدة الزّوج من فعلة ابنها المخزية في نظرها، حيث يتزوج ابن عائلة مرموقة، لها اسمها ومكانتها في الكويت من خادمة فلبّينيّة، فلا تقبل الأمّ ابنها ولا مولوده ولا امرأته، وتأمره أن يلقي بها وبابنها إلى الجحيم.

لكنّ الزّوج يرى في ذلك ظلمًا، ويقنع زوجته الفلبّينيّة أن ترحل مع ابنها من الكويت إلى الفلبّين، على أن يقوم بنفقتها وبنفقة ولدها الّذي هو ولده، إلى أن يصبح بإمكانه أن يصحّح الأخطاء ويعيدهما إلى الكويت، وأقنعها بأن هذا الحلّ هو أهون الشّرين.

قسّم الكاتب روايته إلى خمسة أجزاء وفصل أخير، أمّا الأجزاء الخمسة فقسّم كلًّا منها إلى أرقام متسلسلة، وجعل لكلّ جزء عنوانًا.

تناول الكاتب في كلّ جزء من هذه الأجزاء سيرة عيسى في فترة زمنيّة دلّ عليها عنوان الجزء، مثل قبل ميلاده منذ جاءت أمّه خادمة إلى الكويت، فرارًا من قسوة والدها، وبعد ميلاده في الكويت وترحيله إلى الفلبّين مع أمّه، وعيشه في بيت جدّه، ورحيله عن بيت جدّه وعمله بالتّدليك والعلاج الطبيعيّ، وتعرّفه على شباب كويتيّين، وتدبير سفره وعودته إلى الكويت، وعيشه في غرفة ملحقة ببيت جدّته، وتنكّر جدّته له حتّى بعد عودته؛ لخوفها على بناتها من الطّلاق إذا علم أزواجهنّ بوجوده في بيتها. وخروجه من بيت جدّته، وسكنه وحيدًا في الجابريّة في الكويت، ومعاناته كثيرًا من الوحدة الّتي عاشها، وعمله في أحد المطاعم في الكويت، وهذا العمل غير مقبول للكويتيّ عند الكويتيّين، واضطراره إلى الرّحيل عن الكويت لتنكر عائلته له، وعدم قبولهم لأنّ يعيش في الكويت بل أغلظت له عمّته نوريّة بالقول، ووصفته بأقذع الأوصاف، وأمرته أن يغادر الكويت، بل بلغ بها الحقد أن طلبت من مسؤولي المطعم الّذي يعمل فيه أن يطردوه من العمل فطردوه. وطلبت من أمّها، الّتي هي جدّته، أن تمنع عنه الرّاتب الشّهريّ فمنعته.

لغة هذه الرّواية لغة عربيّة فصيحة بليغة.

ومن أهم ما تميزت به هذه الرّواية هو الوصف الدّقيق والمتقن، الّذي يصل إلى أدّق التّفاصيل، فتكاد ترى ما يجول في نفس الموصوف من خواطر ومشاعر. بل أقول إن الوصف في هذه الرّواية يطرح أمام ناظريك صورة واضحة جليّة لكلّ ما وصف فيها من إنسان ونبات وحيوان وبناء وأثاث. فيصف في الإنسان مثلًا: ثيابه، ومشيته، وعيونه، ووجهه، وحاجبيه، ويصف طلاقة الوجه، وعبوسه، وحزنه، وسروره، وما يفكر به. فجاء الوصف كفيلْمٍ سينمائيّ يتحرّك أمام ناظريك. والوصف في هذه الرّواية قلّ أن تجد مثله في أيّ رواية أخرى، وأنا لم أجد مثله في أيّ رواية عربيّة قرأتها، لا قديمًا ولا حديثًا. فهو وصف يصل إلى أدّق التّفاصيل، أو قلْ هو وصف يستعصي على الوصف.

فوصف الكويت مثلًا بقوله في صفحة (324): للكويت وجوه عدّة.. هي أبي الّذي أحببت.. عائلتي الّتي تتناقض مشاعري تجاهها.. غربتي الّتي أكره.. انتمائي الّذي أشعر به إذا ما أساء أحدهم إلى أبنائها بصفتي واحدًا منهم.. الكويت هي خذلان أبنائها لي بنظرتهم الدّونيّة.. الكويت هي غرفتي في ملحق بيت الطّاروف.. مقدار كثير من المال.. وقليل من الحبّ لا يصلح لبناء علاقة حقيقيّة.. الكويت شقّة فارهة في الجابّرية يملؤها الفراغ.. الكويت زنزانة ظالمة مكثت فيها يومين من دون ذنب.. وأحيانًا تكون أجمل.. أراها بصورة عائلة كبيرة يحيّي أفرادها بعضهم بعضًا، في الأسواق والشّوارع والمساجد (السّلام عليكم.. وعليكم السّلام).. أو بصورة رجل عجوز طيّب.. يسكن في بيت كبير مقابل البناية حيث أسكن.. أشاهده دائمًا من شرفتي الصّغيرة يقف أمام باب بيته كلّ يوم بعد صلاة الفجر".

ومع كلّ الميّزات الجيّدة في هذه الرّواية لم تخلُ من أخطاء؛ وممّا لاحظته منها:

1. في صفحة (19): (ثمانينيات القرن الماضي)، والصّحيح: ثمانينات بحذف الياء الثّانية.

2. في صفحة (35): (كل الرجال أوغاد إلا راشد)، والصّحيح: إلا راشدًا لأنّها مستثنى منصوب.
وتكررت في صفحة "81"

3. في صفحة (85): (في حقّ الغير زمن الطّفولة)، والصّحيح: في حق غيرك لأنّ غير لا تحلّى بأل.

وشارك في النقاش بعض الحضور منهم: محمد عليان، عماد الزغل، ديمة السمّان، راتب حمد وطارق السيد.


الساعة الآن 04:02 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team