![]() |
هل يسكن الوحي بين جدران السجن؟
هل يسكن الوحي بين جدران السجن؟
وذا السجن جامعة الجامعات... وذا القيد استاذها المعتبر إذا كانت القدوة الحسنة من أفضل الجامعات، فأن السجن هو حتما جامعة الجامعات، وليس الكون، وأن القيد هو أستاذ هذه الجامعة المعتبر، وليس الدهر كما سبق أن قال الشاعر فيما مضى. حيث يندهش الباحث من ضخامة عدد الأعمال الإبداعية العبقرية التي ولدتها عقول أناس ذاقوا مرارة السجون، واكتووا بنيران العزلة، والحرمان، وسلب الحرية التي تفرضها بيئة السجون. ولا نكاد نجد إنسان يدخل السجن إلا ونجد بأن قريحته قد تفجرت عن أعمال إبداعية مدهشة وذات اثر عظيم أثناء السجن أو بعد الانعتاق من ظلمته. والمعروف أن عشرات السجناء الذين لم تكن لهم قبل دخولهم السجن أية صلة بالكتابة تحولوا إلى كتاب بعد مرورهم بالتجربة، وعبروا عنها شعرا أو قصة أو رواية أو خاطرة. ومنهم من دخل السجن أُميا لا يقرا ولا يكتب وخرج منه مفكرا مبدعا أو أديبا. حتى ليكاد الباحث يظن بأن اثر السجن في صنع العبقرية لا يقل في أهميته عن اثر اليتم والذي يقع بلا منازع على رأس سلم المسببات في ولادة العبقرية كما سبق شرحه. ولو تعمقنا في البحث والتنقيب لوجدنا أن كثيرا من أعظم الأعمال الإبداعية ولدت من عقل يتيم أو من عقل سجين حصرا، ولكن إذا ما اجتمع اليتم والسجن والتأهيل والقدوة الحسنة لدى شخص، فتكون النتيجة امتلاك ذلك الشخص القدرة على توليد نصوص عبقرية، مهولة، وخالدة، وذات اثر سحري، وكأنها ألهمت لصاحبها إلهاما ووحيا. ولا شك أن ذلك تحديدا ما دفع الفيلسوف المبدع جان جينه إلى القول بأن "الوحي يسكن بين جدران السجن" ، وأيده في ذلك الكثير من الأدباء المبدعين الذين تخرجوا من جامعة السجن، وان كانوا قد عبروا عن ذلك المعنى بصور مختلفة. فأذا كان الشاعر الألماني ( ريلكه ) يرى بأن الأفكار تهبط على الفنانين كما تهبط الأمطار من السحب، فأن الشيخ القرضاوي يقول في قصيدته النونية الشهيرة التي أبدعها أثناء سجنه بأن ملاكا أوحى له بقصيدته تلك: واليوم عاودني الملاكُ فهزني.....طربًا إلى الإنشادِ والتلحينِ أُلهمتُها عصماءَ تنبُع مِن دَمِي......ويَمُدُّها قلبي وماءُ عيوني والصحيح أن الإنسان ليعجز عن رصد، وعد الروائع التي أبدعتها عقول أناس كُثر غيبتهم السجون واحترقوا بنيران عزلتها قديما وحديثا وأنتجوا أعمال إبداعية كثيرة ورائعة في السجون. فتاريخ الأدب العالمي حافل بالعديد من الأعمال الأدبية التي أبدعتها عقول سجناء، ابتداء من العصور القديمة وحتى الزمن الراهن سواء في الشرق أو في الغرب. لكننا سنذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر للتدليل على الدور الذي تلعبه جامعة السجن في خلق العبقرية: فالمعروف أن أبي فراس الحمداني كان من بين أقدم الناس الذين عُرف عنهم بأنهم سجنوا وأبدعوا قصائد رائعة أثناء السجن، وهي تلك التي تعرف بالروميات، ومنها قصيدته الشهيرة المغناة "أراك عصي الدمع شيمتك الصبر". كذلك فعل المعتمد بن عباد ملك اشبيلية، حيث صور عذابه وألمه وتجربته في السجن بلغة شاعرية مؤثرة وصور فنية غنية ودلالات عميقة وأسلوب شفاف كما قيل عنه. وفي القرن السادس عشر أبدع الروائي الاسباني ميغيل دي سيرفانتس، روايته الشهيرة "دون كيشوت" والتي تحتل المرتبة الأولى في سلم أفضل 100 رواية عالمية، وأصبحت تشكل مرجعية لكل من أراد الخوض في مجال كتابة الرواية . ولاحقا أبدع جون بونيان رواية "تقدم رحلة الخلاص ، أو "رحلة الحج Pilgrimage Progress " كما يترجمها البعض، والانجليزي دانييل ديفو ابدع رواية "روبنسون كروزو" ، وتتصدر الروايتان قائمة روائع الأدب العالمي إلى جانب رواية سيرفانتس. كما ألف الروائي الروسي ديستوفيسكي روايته الشهيرة " منزل الأموات". وألف الروائي الفرنسي هنري شاربير روايته "الفراشة" وهي الرواية التي أشعلت النار في العالم عند صدورها كما يقول النقاد، وحققت نجاحا واسعا فور صدورها. كذلك ألف الروائي الصيني زانغ كزليانغ روايته الشهيرة " نصف الرجل امرأة". كما ألف الروائي النيجيري كين سارو ويوا روايته "الفتى سوزا". كذلك بدأ الفيلسوف والشاعر الفرنسي فولتير كتابة ملحمته الشعرية بين جدران السجن. أما الزعيم الهندي نيهرو فقد أبدع خلال سنوات سجنه الطويلة كتابه " لمحات من تاريخ العالم". كما كتب هتلر كتابه " كفاحي" وهو في السجن. كما الف الشاعر الانجليزي رالي كتاب عن تاريخ العالم. وألف الفيلسوف برتراند راسل كتابه " مبادئ في الرياضيات". كما أبدع عباس محمود العقاد كتابه " السدود والقيود" أثناء سجنه في ثلاثينيات القرن الماضي. وأبدع عبد الرحمن منيف الروائي النجدي روايته الشهيرة " شرق المتوسط" وروايته الأخرى " الآن هنا – أو شرق المتوسط مرة أخرى". وكتب الروائي المصري صنع الله إبراهيم روايته الشهيرة " تلك الرائحة" وهو يعتبر بأن السنوات التي قضاها خلف القضبان هي التي عملت منه روائيا متميزا. كما يرى البعض بأن كتاب عائشة عودة " أحلام بالحرية" نص أدبي عن عالم السجون لا يقل قيمة عن نص شرق المتوسط. كذلك ألف الروائي الأردني أيمن العتوم روايته " يا صاحبي السجن"، وهي رواية تمتاز بالشعرية وتحلق في عالم النفس البشرية، ويرى احدهم أن الوصف فيها مفاجئ حد الفجيعة وجميلا حد الدهشة. ومن السجناء الذين أبدعوا أعمالا خالدة أيضا، فريدة النقاش وألفت " السجن ، الوطن"، والطاهر بن جلود وألف " تلك العتمة الباهرة"، وفاضل الغزاوي وألف القلعة الخامسة"، وشريف حتاتة وألف "العين الزجاجية"، ومليكة اوفثير والفت رواية "السجينة"، وسمر المقرن والفت رواية " نساء المنكر"، وامجد حسونه وألف " خارج الزمن". وقد انعكس اثر السجن على أعمال الكثير من الشعراء المعروفين أمثال أبو الطيب المتنبي الذي يقول : أنا الذي نظر الاعمى إلى أدبي ....وأسمعت كلمات من به صمم. ويرى طه حسين أن تجربة السجن كان لها أثرا مهولا على المتنبي وعلى تطوير ملكاته الإبداعية. وكان للسجن أثرا واضحا على شاعر تركيا العظيم ناظم حكمت، وشاعر تشيلي العظيم بابلو نيرودا، والشاعر المصري احمد فواد نجم، ومحمد الماغوط، والشاعر الكبير محمود درويش والذي يقول في قصيدته التي أبدعها وهو في السجن وهي بعنوان" آخر الليل" : وطني يعلمني حديد سلاسلي عنف النور ورقة المتفائل ما كنت اعرف أن تحت جلودنا ميلاد عاصفة وعرس جداول سدوا علي النور في زنزانة فتوهجت في القلب شمس جداول. ولا يفوتنا أن نذكر اثر السجن على بعض رجال الدين والأئمة ومنهم الإمام احمد بن حنبل الذي كتب الشعر في السجن أيضا، والشيخ بن تيمية والذي اعتبر أن سجنه خلوة، والشيخ سيد قطب الذي ألف في سجنه عدة مؤلفات منها في "ظلال القرآن" وكتاب "معالم في الطريق"، والشيخ عايض القرني والذي ألف في سجنه كتاب لا تحزن والذي أصبح واسع الانتشار، كما ألف كتاب آخر يعالج في جانب منه اثر محنة السجن على السجين، وهو بعنوان " أعظم سجين في التاريخ" وهذا الكتاب يروي قصة سجن سيدنا يوسف عليه السلام، والذي ربما يكون أقدم سجين عرفه التاريخ. و في الواقع، ما هذه الأعمال التي ذكرت هنا إلا نماذج قليلة ومحدودة من إبداعات ولدت في السجون أو أن أصحابها ذاقوا مرارة السجون واثر السجن على ملكاتهم الإبداعية. وقد اختيرت هنا بصورة عشوائية، وتم ذكرها للتدليل فقط على مدى اتساع دائرة المبدعين الذين صنعتهم جامعة السجن. فهم وجدوا أينما وجدت السجون وفي كل الأزمان، والقرون، والأماكن، وجاءوا من كل الجنسيات وتحدثوا كل اللغات. كما أنهم أبدعوا في كل المجالات خاصة المجالات الأدبية والفكرية والقيادية وجلهم أنتج أعمالا خالدة ثرية، عميقة، بليغة، ومؤثرة، أو خرج من السجن ليصبح قائدا وحاكما كرزميا. يتبع،،، |
وذا القيد أستاذها المعتبر: هل القيد أستاذ في السجن، يعلم المسجونين كيف يبدعون؟ أم أن في السجن منجم للأفكار؟ أم هو رحم للإبداع؟ أم أن وحي الإبداع يسكن هناك؟ يعتبر أنيس منصور السجن انطلاقة وإبداع، وهو يقول في مقال له عن أدب السجون " كأنهم كانوا في حاجة إلى السجن لكي ينطلقوا، كأنهم كانوا بحاجة إلى عزلة تامة ليكملوا الصورة العقلية الناقصة، وعندما خرجوا من السجن لم يهاجموا الذين حبسوهم وإنما شكروهم على أنهم أعطوهم هذه الفرصة السعيدة بأن يكونوا وحدهم بعيدين عن الناس وشوشرة الحياة". ويرى البعض أن السجن منجما مذهلا للأفكار، فيقول أيمن العتوم مثلا في كتابه " يسمعون حسيسها"، أن ما من فكرة مستحيلة في السجن، وما من فكرة لم تخطر على بال. بينما نجد الكاتب المصري صنع الله إبراهيم يقول في لقاء صحفي له " انه غير نادم على الفترة التي قضاها في السجن، وهو يرى بأنه مدين لها بالكثير، فهي التي أتاحت له التعرف على عوامل ثرية، ما كان ليتعرف عليها لولى السجن، وهو يضيف انه لو عاد به الزمن إلى الوراء وخير فسوف يختار تجربة السجن مرة ثانية دون تردد". كما نجد أن بعض الذين سجنوا ربما تلذذ بالسجن مثل عباس محمود العقاد الذي سجن في الثلاثينيات من القرن الماضي، وهو يقول انه وجد في السجن حلاوة ولذة، كما ويقول انه في سجنه خطرت له أفكار كثيرة. وهو يعتبر السجن رحمٌ للإبداع حيث كتب في إحدى قصائده يقول: وكنت جنين السجن تسعة أشهر فهانذا في ساحة الخلد أولد وفي كل يوم يولد المرء ذو الحجى وفي كلي يوم ذو الجهالة يلحد . وما أن خرج من السجن حتى أعلن بأن لديه الكثير ليقوله، مشيرا إلى انه أصبح جاهزا للتطرق إلى أمور مهمة بعد تخرجه من جامعة السجن وكان في نيته وضع تفسير حديث للقران الكريم لكن القدر عاجله. وهناك من يذهب ابعد من ذلك بكثير ويرى بأن وحي الإبداع يسكن في السجن، وهو يتقمص الكثير من المسجونين فيبدعون، وتكون إبداعاتهم سحرية غاية في التأثير وكأنها من وحي الابداع. ومن هؤلاء الشيخ القرضاوي والذي يقول في قصيدته النونية والتي أبدعها خلال فترة سجنه بأنه أنما اُلهم قصيدته النونية إلهاما حينما عاوده الوحي هناك في السجن فهزه وكان ثمرة زيارة الوحي له تلك القصيدة الرائعة. اما مؤسسس الديانة البهائية فقد ذهب بعيدا ليدعي بأنه تلقى ما خطه من الوحي اثناء وجوده في السجن. ومنهم جان جينه صاحب المقولة الشهيرة أعلاه والذي أبدع أعماله العبقرية في السجن مما دفع الفيلسوف جان بول سارتر أن يؤلف عنه كتاب وقد رأى فيه شخصية القديس بعنوان " القديس جينيه ممثلا وشهيدا" . والمعروف ان جينيه كان يعتبر السجن المكان الأمثل للكتابة والمهبط الذي يؤثره وحي الإبداع. وهو يقول عنه إنه مكان للصفاء الروحي والعبادة والوصول إلى جوهر الأشياء. وفي ذلك المكان كتب رائعته «معجزة الوردة» وهي رواية تزخر بالرموز المستمدة من حياة القرون الوسطى، وتصور الأغلال التي رسف فيها السجين، وهي تتحول إلى أكاليل غار وورود. وكتب واحدة من أفضل قصائده كما يقول النقاد، والتي هي بعنوان "الرجل المحكوم عليه بالموت". فلا شك أن اثر السجن واضح في توليد مخرجات عبقرية بالغة القيمة والأثر، والنصوص التي تولد بين جدران السجن أو من عقل سجين سابق غالبا ما تكون مدهشة وذات وقع مزلزل وكأنها مكتوبة بلغة كودية وتختزن في داخلها عناصر تأثير سحرية. وهي استشرافية في طبيعتها وكأنها ثمرة لحظات وجد استثنائية تلتقي فيها الأزمنة في لحظة واحدة وتلتقي فيها الأمكنة في نقطة واحدة. وجامعة السجن لا تكتفي بتخريج الأدباء والشعراء وأصحاب الفكر فقط، بل هي مكان لصناعة القادة العظماء والتاريخ يقول لنا أن عددا كبيرا جدا من القادة إنما وصلوا إلى الحكم من بوابة السجن، وبعد أن التحقوا بجامعته لسنوات. فتشكلت لديهم الصفات والسمات القيادية وعلى رأسها امتلاكهم لتلك الكرزما السحرية التي هي من أهم عناصر الشخصية القيادية. ولقد افرد القران الكريم سورة كاملة للحديث عن محنة سيدنا يوسف عليه السلام في سجنه والذي سجن لفترة طويلة وهناك من الله عليه في تعبير الرؤى فكانت محنة السجن بالنسبة له عاملا إضافيا لمحنه الأخرى لتأهيله للقيادة كما يقول الشيخ عائض القرني في كتابه " أعظم سجين في التاريخ" وخرج من السجن ليتولى أعلى وظيفة يمكن أن يتولها إنسان عند العزيز الذي سجنه ابتداء حيث أصبح مسئولا عن خزائن مصر في ذلك الزمان. ومن القادة المعاصرين الذين انتقلوا من السجن ليحكموا وعلى سبيل المثال لا الحصر: نيلسون مانديلا واردوغان ومحمد مرسي. يتبع،،، |
وخلاصة القول،،، أيّنْ كان ذلك الدور الذي يلعبه السجن في توليد العبقرية، وسواء كان السجن منجما للأفكار، أو هو رحم للإبداع، أم أن الوحي يسكن هناك، فكل ذلك يؤكد حقيقة لا مراء فيها، وهي أن السجن جامعة الجامعات، وكل من يلتحق فيها يكون لديه فرصة لتوليد نصوص إبداعيه والوصول إلى العبقرية في الكتابة أو القيادة الفذة، إضافة إلى امتلاكه قدرات ذهنية هائلة منها استشرافية ومنها القدرة على تعبير الرؤى. والسجن مثله مثل اليتم يفرض على الإنسان فرضا، ولا احد يختار أن يدخل السجن، لما فيه من الم ومشقة ومعاناة وعزلة، ويشهد بذلك كل من جرب السجن. يصف الأسير حسام خضر الأسر مثلا بقوله" هو حبس للروح في زجاجة، الزجاجة في صندوق معتم، الصندوق في قعر بحر متلاطم الأمواج، فلا قرار ولا إمكانية للاستقرار" فأي الم يمكن ان يصيب الانسان اشد من الم السجن؟! ولا شك أن الأدلة التي سقناها أعلاه ما هي إلا جزءا يسيرا مما تحويه المكتبة عن اثر السجون في صنع العبقرية، وتشير إلى أن محنة السجن ربما تأتي في المرتبة الثانية بعد اليتم من ناحية التأثير في خلق العبقرية وتوفير الفرصة لتوليد نصوص عبقرية فذة. وذلك يؤشر بدوره إلى أن الم ومرارة محنة السجن، لها دور مشابه لمحنة اليتم، وهي حتما تؤدي إلى زيادة حادة في نشاط الدماغ، ربما بسبب ذلك الألم الرهيب الذي يعانيه السجين في غيابة السجن، فيصبح مثل اللؤلؤة التي قال جبران خليل جبران عنها بأنها "هيكل يبنيه الألم حول حبة رمل". وربما أنها العزلة التي هي خلوة إجبارية تشبه خلوة الصوفيين وتوصل إلى لحظات الوجد والالهام. ذلك إن تحدثنا بشكل عام، لكن لا بد أن تجربة السجن وألمه تتسبب في تنشيط الدماغ من خلال ربما التغير في كيمياء الدماغ، الذي يؤدي بدوره إلى زيادة منسوب طاقة البوزيترون فيه، فيعمل على غير شاكلته، ويصبح قادرا على توليد نصوص إبداعية قد تصل إلى حد العبقرية تماما كما يحدث في حالة مرور الشخص في محنة اليتم. المهم أن الوقائع والتاريخ تؤكد وبما لا يدع مجالا للشك بأن كل سجين، وخاصة سجين الرأي، يصبح مشروع عظيم، لان وحيا للإبداع يسكن إلى جواره بين جدران السجن، يتقمصه ويوحي له بمخرجات إبداعية قد تصل إلى حدود العبقرية، ويرتبط ذلك بظروف السجن، ومستوى الألم الذي يكابده السجين، وطول المدة التي يعزل فيها ذلك السجين عن العالم ويخلو فيها مجبرا إلى نفسه، اضافة الى تعليمه ومستواه الثقافي، وقدرته على استثمار الوقت للاطلاع على المعارف في امهات الكتب، ثم تخلصه من مشاعره السلبية والنظر الى سجنه على انه منحه وليس محنه وتمسكه بالامل والتفكير الايجابي رغم كل ما هو فيه. وعلى كل من يمر عبر بوابة السجن ليقبع هناك أسيرا، أو سجينا، أن يتذكر دائما بأنه ورغم الألم والعزلة والقهر والمعاناة والبعد عن الأحبة فأنه في أسره إنما التحق إلى أعظم جامعة لتخريج العباقرة العظماء، بل هي جامعة الجامعات. وعليه أن يتخلص بسرعة من كل مشاعر الحزن والألم ويبعد عنه مشاعر الكآبة والتفكير السلبي، وينكب على القراءة والكتابة، وان يترك الوحي الذي يسكن إلى جواره يساعده في توليد نصوص عبقرية. على كل سجين أو سجين سابق أن يتذكر بأن السجن فرصة، وليس غصة، وهو طريق معبد وقصير يوصل إلى العبقرية والقيادة الفذة. على كل سجين أن يدرك بأنه بدخوله السجن فقد امتلك أدوات توليد النصوص العبقرية وهو في طريقه لترك بصمتة على صفحات التاريخ. === اطلع على الرابط ادناه على كامل قوانين اكتساب العبقرية وأخرها اثر السجن في صنع العبقرية: |
|
استاذ ايوب صابر لفت انتباهي وانا هنا بالصدفه تاريخ نشرك للموضوع كيف لم تكن له ردود ومشاركات تليق به . اما انا سيدي فاسرت بغياهبه مسرورً بمعرفتك |
الاستاذ سامر العتيبي لكم سعدت بمرورك وتعليقك الجميل وسوف اعده بعشرة الاف مرور. |
نموذج من ادب السجون
============ تراتيل لآلامها’ لرشيدة الشارني: على أجنحة الألم لا خارج القضبان مسعودة بوبكر August 23, 2013إذا كان البعض يؤمن بالانفصال بين السّرد ‘ باعتباره فنّا ونشاطا قوليا وتخييليا ‘لعبا’ كما يقول بعض الفلاسفة وبين الواقع وقضاياه والتاريخ واكراهاته والمستقبل ومحاولات استشرافه’ (1) فإنّ الكثير من الأعمال الأدبية التي استلهمت الواقع واستقرأت أبعاده واستدرّت لبّ وقائعه استطاعت بقدرة فنيّة راقية أن تتصدّر سدّة المدوّنات التي آمن أصحابها أنّ الكتابة فضلا عن كونها خلقا فنيّا هي قضيّة، قضيّة الإنسان عبر المكان والزّمان في كلّ مراتب المعاناة.. وما رواية ‘تراتيل لآلامها’ للكاتبة التونسية رشيدة الشارني (2) إلا نموذجا على ذلك. من العتبة الأولى يتهيّأ القارئ لرحلة في مفاصل الألم يستوقفه وجه امرأة سادر في ألم تشي به خطوط الوجه، تصرخ ملامحه بحدّة الوجع الذي تكتمه الشّفاه وتطبق عليه في كبرياء وصبر معلن.. بين لونين داكن وباهت خجول عند البرزخين يظهر خط أحمر يتقاطع مع الخطوط الرّفيعة السوداء التي تسوّ ر الوجه… تشرق الأحرف سوداء غليظة في الجانب المضيء مثل صرخة تعبر من عتمة الأحشاء إلى ضوء الوعي… حروف تحول إلى نغمة حزينة قادمة من عمق الذات المدركة للألم والضعف… منذ اهتدت حنجرة الإنسان إلى الآهة والأنين فرتّل أوجاعه بكل الإيقاعات وأنشدها في ملمّاته على مقام شجيّ في أصوات مقرئي الكلم المقدّس تواكب الطقوس العبادتية بكل أشكالها وانتماءاتها تختلف إيقاعاتها ونغماتها وتتفق في مهابتها وتقديس النفوس لها مذ عرف الإنسان الألم الجوّاني واحتاج للتعبير عنه في تجلّياته الروحيّة… منذ الأزمنة السّحيقة وهو بين يدي القوى الغيبية بين كينونته الضّعيفة وإشراقة روحه تهفو إلى ظلال الخالق الأعظم. ‘تراتيل لآلامها’ عنوان يسري في رواق السّمع بصدى ترانيم خافتة هي صوت الرّوح المكلومة. نغمات ليست كالنغمات تكتسي من القداسة إهابا جللا…وهي في العنوان تراتيل موصوفة بوجهتها: ‘لآلامها’ تبدو بمقام قربان يهدى على شرف آلام موصولة بضمير المؤنث الغائب. ولسائل أن يسأل من تكون صاحبة ‘الهاء’؟ وسرعان ما يدرك أنّها على قدر من القداسة والمهابة ولا شك حين تبلغ عتبة الإهداء: ‘ إلى روح أمي إلى أمّهات الشهداء ومساجين الرأي سنوات الجمر’ الأم والشّهيد والرأي والسجن والموت والنضال، هي ذي إذن المفاتيح المعلنة لهذا النص الروائي بامتياز والصادر سنة 2011 والحائز جائزة الكريديف في السرد سنة 2012. تنطلق الرواية من المقبرة حيث تقف الراوية دنيا الحاج لتنتقي مكانا لجثمان أمّها، مكانا يليق بالراحلة، خليق بضمّ رفات امرأة استثنائيّة ستسعى الراوية في إبراز ذلك من خلال صفحات تأبينيّة تراوح بين حرقة الحاضر ورواح الذّاكرة الخصبة… نصّ تأبيني بامتياز تحفره الكاتبة في صخر الوجع ومرارة الواقع لتنطلق عبره حفيّة بالحياة والصّراع، رافعة لواء التحدي والانتصار للرأي الحرّ. ‘ بين سنديانة ونخلة عثرت على مكان قبرك’.. هكذا تستهل الكاتبة تراتيلها، فندرك أنّ الفقيدة عملاقة هي الأخرى بما ستكشف عليه مفاصل الأحداث. ينغلق القبر على الرّاحلة خضراء.. لتظلّ ذكريات حياتها خضراء نضرة مشرقة في صدر ابنتها دنيا الحاج ذكرى غير باهتة فيها من القوة والإيحاء والرمز والحكمة والصبر الكثير… ذكريات تتوزع وتتخلل النص التأبينيّ الطّويل الذي تختمه الكاتبة بما سعت إليه دنيا الحاج من مواصلة الانتصار للرأي الحر والصراع من أجله، كلّفها ذلك ما كلّفها والحرص على أن تجعل الراحلة تنعم بالهدوء في قبرها بالسعي لأن يغادر أخوها السّجن… شقيقها الذي يقبع خلف القضبان من أجل جهره برأي مخالف لسدنة السياسة … شقيقها الذي كان حلقة شائكة في سلسلة عذابات عاشتها خضراء. فلا تذر بابا تطرقه بين المحامين والجمعيات الإنسانية.. بل لا تتوانى في الالتجاء إلى صديق قديم (توفيق العايب) في وزارة الداخلية. تخرّج قاضيا وهي لا تزال طالبة بالسنة الثانية كان من المدافعين في صفوف الطلاب ‘على حق الشعوب في العيش الكريم وعن حرية الرأي وحرية المعتقد ومنددا بالرئاسة مدى الحياة….فوجئت باسمه يتردّد في نشرة أخبار الساعة السابعة صباحا وهي في سرا الريح كواحد من أهم الشخصيات التي أسندت لها مهام مرمووقة في البلاد ‘ص135 فيصدمها الواقع وتكتشف أنّ صديقها قد غيّر انتماءه الحزبي وصارا عضوا في الحزب الحاكم ويصارحها من موقعه أنّ ‘ لا مجال لتحقيق هذا الطلب، هناك أوامر صارمة بشأن هؤلاء السجناء’ وتنتهي المقابلة بعد أن يميل الحوار إلى مواجهة إلى إيقاف دنيا الحاج وسجنها هي الأخرى. تهرّب الرّاوية / دنيا الحاج صورة الأم من طبقات التراب حيث غيّبتها طقوس جنائزيّة، إلى صورة امرأة مات جسدها لكن روحها ثابتة ووهجها يشحن الرّوح، ومن خلفهما الكاتبة التي تخلّد صورة امرأة استثنائية بوجود استثنائي عبر الكتابة والتخليد الفنّي.. امرأة صبورة تواجه قدرها بكبرياء وهي المنحدرة من جذع صلب لقبيلة عاشت بين صخور الجبال مثل نسورها، واجهت ضيم المحتل عبر العصور بشجاعة فتوارثت عرق الاصرار والمواجهة وأورثته، وما القابع في السجن وما دنيا الحاج إلا صورة عن العرق الثوري الدسّاس.. تعيش المرأة ظروف اعتقال ابنها الذي استله البوليس من بين أهله… تهاتف ابنتها المدرّسة بقرية سرا الريح الريفيّة من أقصى الشمال الغربي التونسي: ‘ دنيا، اعتقلوا غيثا يا بنيتي، داهموا البيت وأخرجوه من الحمام، الأوغاد لم ينتظروا حتى يرتيدي ثيابه ويضع حذاءه، قادوه وهو ملفوف بالبشكير وشعره يتقاطر ماء وألقوا به وسط سيارة الباقا مع كلابهم الشرسة التي أحاطت بالبيت وأغلقت الشارع، ياليعتي يا بنيتي ناري شاعلة وأنت ساكنة ‘سرا الريح’ ص 67 من خلال معاناة خضراء تزيح الكاتبة الستار عن صورة المرأة التي تصبح وتمسي وقلبها معلّق في الطريق إلى السجن، حيث يقبع خلف القضبان بعض أهلها، إما زوج أو ابن أو شقيق أو قريب أو حبيب… المرأة حمّالة الوجع، مكلومة الكبد..لتتجلّى مآسي كثيرات يعشن خارج القضبان صحيح، ولكن في الوقت نفسه داخل قضبان أشرّ وأمرّ لسجن كبير من اللاحول واللاقوة… العجز عن افتكاك الأسير وتنامي الخوف على التنكيل بالتعذيب الجسدي والقهر النفسي، من الانتظار الطويل المضني تحت عين الحرّاس وفي أروقة المحاكم وتحت رحمة الربّ. لا ينعمن بنوم ولا بطيب لقمة ولا بانفراج خاطر. تكون الأمّ غالبا أشدّهن معاناة .. ليس مثلها معاناة، تقضم من كبدها ما طلعت شمس لم يشهدها السجين… يصبح الألم المكتوم والصبر داء ينخر العظم شيئا فشيئا، تعمل قوارضه في الخفاء لتعلّ الجسد، وتدنيه من قبره. تقول الكاتبة على لسان دنيا الحاج ص 93: ‘ أتأمّل أمي القابعة على مقعد حذو نافذة قاعة الانتظار وقد لوّحت الشمس سحنتها التي تفحمّت حتى صارت بلون القرنفل المحروق، أعمد إلى الحديث معها ولكنها لا تردّ بكلمة تسبح عيناي في غيهب روحها ن كأنّ نارا خبت في جوفها وراحت تنهشها من الدّاخل، أحملق فيها بمرارة متأمّلة حزنها الوحشيّ وأبكي في صمت لحالها…’ تحتلّ رواية ‘تراتيل لآلامها’ مكانة ضمن ما يشار إليه بأدب السّجون مع اختلاف في الطّرح، حيث اهتمت بعض الروايات السيرذاتية التي صدرت في تونس هذه السنوات الثلاث الأخيرة، بطرح معاناة السجين إبّان فترة اعتقاله وما لحقه من عذاب نفسي وجسدي، ومعاناة تمدّ مخالبها في الخفاء بتفاصيل ضاربة في البشاعة تفضح الوجه الكريه للسلطة وضريبة الاختلاف… نصوص وإن اختلفت درجات مكانتها من الحبكة الأدبية والصياغة الفنيّة، هي من الأهميّة بمكان، سجلت عبر الكتابة وثيقة تاريخية لمعاناة الإنسان التي ما كانت تحبّر لتعرّي عن المستور البشع لولا الثورة وسقوط جدرا الصمت، فكانت شهادة حيّة، وإدانة صارخة لسياسة قوامها الخداع والقهر. نصوص كتبها أصحابها عن ذواتهم داخل قضبان السجن. في حين تعرّضت رشيدة الشارني في روايتها هذه إلى وضع أهل السجناء…وضع من يعيش المأساة خارج أسوار السجن، وخصّت منهم النّساء، فمن غيرهن.. تصيبهن المآسي في مقتل؟ تبتلع المعارك بكل أنواعها رجالهن، يكفي استعراض تاريخ الحروب ليشهد بذلك وضع الأرامل والثكالى والأيتام (تتلقّى مسؤوليتهن المرأة بالمقام الأوّل) فضلا عمّا تتعرّض له المرأة من مهانة الأسر وانتهاك العرض. ولذلك ورد إهداء هذا العمل الأدبي إلى أمّهات الشهداء وسجناء الرأي.. كلمسة تعاطف ووفاء. دنيا الحاج امرأة عاشت تجربة اعتقال شقيقها وعذاب أمها خضراء التي نخر عظمها وروحها البكاء على ابنها وفقده ومعاناتها اليومية حين تزوره وحين تفكّر في ما قد يحيق به حتّى أودى بها ذلك إلى القبر. عرفت معنى أن يقبض على المرء وتسلب منه حريته وعاشت سورة الرّعبـ وهي المرأة ـ من ألوان العذاب الخاصة بالمرأة في السجون ويتجلى ذلك في السؤال الحارق الذي يراودها حيث تقول ص 150 : ‘..هل يصبح جسدي ذات يوم حقلا لعبث الآخرين؟ أتذكر ما روته لنا خضراء عن المناضلة الجزائرية جميلة بةحيرد وما قرأته وأنا صبية من تفاصيل مرعبة عن أساليب تعذيبها في كتاب بالفرنسية للكاتبة جيزيل حليمي فيشتدّ جزعي وأتساءل إن كان جسدي يتحمّل مثل ذلك العذاب المروّع′ تبدأ دنيا الحاج الصراع وهي التي انقطعت عن دراستها الجامعية لتتولى تدريس الأطفال في القرى النائية تحمل رسالة الأنبياء في إيصال الحكمة، والمبشرين في الدعوة إلى درب الله، تكشط الجهل عن العقول الصغيرة وتعلمهم الحرف والكلمة ليتزوّدوا بالعلم، يدفعها إيمان بأن لا شيء يقهر الظلم سوى العلم والمعرفة والعقل فهي القيم البنّاءة المنتصرة دائما ـ وإن طال طريقها ـ على الظلمات. تحتار أن تدرس في قرية جبلية نائية لنشر العلم، معلنة حربها ضدّ الجهل فما استفحل حكم ظالم إلاّ حيث سري الجهل. تقول الراوية بضمير خضراء الرّاحلة تستحث ابنتها الغارقة في الوجع: ‘ انهضي يا غائرة الرّوح، اقلعي أوتادك المشدودة إلى الجبال وهيّا إلى معترك الحياة، هذا زمن محمول على كفّ النّار ولا وقت للاسترخاء الآن’ وتستجيب دنيا الحاج للنداء ‘ تقول ص 69: ‘يتلاطم الغضب في دمي وتتصارع الأصوات في رأسي يسكنني إحساس مارد وجبّار بالحركة والانعتاق، أدحرج سكون الأيّام خلفي وأعلو صهوة الرّيح، أعدوا عبر التلال تطاردني استغاثة خضراء، تعدو معي السحب والجبال والأطيار والصنوبر والفرنان، تتقافز ضلوعي وتتسرب نيران خفيّة من جميع حواسي، يتنهّد الهواء من بين شقوق الأشجار ويلسع وجهي، أشعر بقوّة أشياء غريبة كامنة فيّ.. آه ، من قال إنني آويت إلى الصّمت ونسيت الوطن وانتهيت إلى العدم؟’ لوحة من مونولوق داخلي يصف حالة فارقة من اعتمالات الاصرار على المواجهة، يخطّها الوعي باللحظة التاريخية التي تبدأ من مأساة فرد اختار أن يكون مختلفا برأيه في مواجهة آلة قمع… مواجهة على غاية من الخطورة، صدام هو الحلقة الأولى في نضال الشعوب عبر الأرض. تستعيد دنيا الحاج من مأساة أمها قواها التي هزّها الفقدان، فقدان الأم بالموت وفقدان الشقيق بالاعتقال وفقدان الاطمئنان في العائلة، حيث الوالد شيخ هدّته النوائب وحيث الإخوة تتجاذبهم طرق العيش والقناعات، صورة صادقة من المجتمع وإيحاء بتفاوت نسب الوعي لدى المجموعة، ممّا يؤكّد لدنيا الحاج ثقل رسالتها كمدرّسة، وكشقيقة السّجين، وكفرد مثقف واع بات يقف على الضفة المقابلة للتيار الجماعي. ‘تراتيل لآلامها’ مشاهد متفرقة لواقع مجتمع عربيّ يرزح تحت واقع سياسي تداعت سلبياته على معيش الناس… تمازجت عبرها أحداث مختلفة من تاريخ الناس البسطاء وخصائص الأماكن التي عاشوا فيها وميزاتهم الثقافية وتطلعاتهم ونسب وعيهم بارهاصات الواقع، كواقعة قبائل بني خمير مع الباي المتواطئ مع المستعمر الفرنسي الذي نكّل بالعزّل ولم يسلم من جوره حتى الأجنة في بطون الأمهات، حدّثت دنيا الحاج أسوة بشهرزاد الحكاية عن مقاتلي جبال برقو، عن الرعاة والفلاّحين ومبادئهم، عن امرأة عشقت الغناء وفرّت إلى الحاضرة لتنخرط ضمن الرشيدية فلحقها رجل القبيلة ليعيدها إلى القرية ويحبسها في زريبة الغنم فكرهت نفسها الضيم وانتحرت في قاع الوادي، لم تنس شهرزاد الحكاية أن تشير إلى مآسي الرّازحين تحت الاحتلال حيث تذكر جريمة القتل المجاني الظالم في شخص الطفل محمد الدرة .. وقائع مختلفة من دنيا النّاس، عبر مشاهد حُبكت بوعي روح مثقفة برتها النوائب، ويراع مبدعة سقط الحدّ الفاصل بينها ككاتبة وبين الرّاوية/السّاردة… ليتأكّد سلطان التجربة الذاتية على عالم التخييل الفنّي… في سياق سردي توسّلت فيه الكاتبة بامتياز خصيصة الفلاش باك، إلى جانب المونولوق والحوار، على محمل لغوي لا تعقيد فيه ينساب طيّعا لصياغة الأفكار، طيّعا سلسا عند عديد اللوحات حيث الوصف الدّقيق للمشاهد الخارجية ولاهتزازات النّفس، وتطوّر حالات الذّات حيال القرار الحاسم ‘ تقول دنيا الحاج ص 69 : ‘…. كأني أخرج من شرنقتي وألج قلب الحياة ، كأن ريحا أخذت تستيقظ بداخلي وتنفخ أسرارها في ناي القلب وتحيي شراييني …. ينطفئ وهج الشمس ويزحف الغيم حثيثا إلى قلب السّماء أفرغ بئر أعماقي من آخر مفردات التوحد والعزلة وأشق عباب الغاب ممتلئة بشيء من الصفاء الكئيب ‘ مما يلفت النظر في هذا النص توحّد الذّات الحائرة بالطّبيعة وعناصرها بدءا بالأمكنة.. الموطن الأصلي لخضراء …مقبرة الأهل.. غابات الشمال حيث قرية سرا الريح الذي انتقلت إليه دنيا للتدريس..مشاهد تعيدنا إلى أمهات الكتب العالمية التي تعرّفنا عليها في عتبات الدراسة وأثّرت في كياناتنا رومانسيتها، وسمت الأدب الإنساني بطابعها، وخدمت قضايا الإنسان بامتياز. تحتفي الكاتبة بالأرض والتربة والريح كأنما تريد أن تعيد المخلوق إلى أمّه الطبيعة ليولد من رحمها من جديد وقد تخلّص من تشوهات العالم الممسوخ بالزّيف والظلم والجهل… علّه ينهض إنسانا جديدا مشحونا بقوّة تعيد للحياة توازنها حين تهتزّ أركان الظلم والقهر. ‘تراتيل لآلامها’ رواية استهلتها رشيدة الشارني بدمعة وداع مأتمية على روح خضراء الأم التي ترمز باسمها وتفاصيل حياتها ومعاناتها ما أسّس هذا النص الإبداعي، والذي ختمته صاحبته بانفراج وفسحة أمل حين غادرت دنيا الحاج ظلمة السجن إلى الشارع حيث اغتسلت بالضوء واستشرفت برؤيتها لغرابيب يتقاتلون عند أشجار شارع الحبيب بورقيبة من العاصمة ذلك الذي سيشهد أكبر مظاهرة عرفها يوم 14 جانفي 2011 وحيث يهمس لها تمثال ابن خلدون في آخر الشارع: خضراء يا لون تونس ليل الغرابيب قصير وكل العمر أرخص من دمعتك ‘ قاصة وروائية من تونس (1) ‘ السرد وأسئلة الكينونة’ للدكتور حاتم التهامي الفطناسي/ كتاب دبي الثقافية /77 فبراير 2013 (2) كاتبة تونسية من أسرة التعليم. صدرت لها مجموعتان قصصيتان ‘الحياة على حافة الدنيا ‘سنة 1997 حازت جائزة الكريديف و’صهيل الأسئلة’ الحائزة جائزة ‘إبداعات المرأة العربية بالشارقة ‘ ثم روايتها ‘تراتيل لآلامها’ سنة 2011 الحائزة بدورها على جائزة الكريديف |
وهل يختلف السجن عن اليتم ؟! اليتيم فاقد لأبيه .. أما السجين ففاقد لأبيه وأهله وحريته وليس غريباً أن يكون السجن جامعة الجامعات أبدعت كعادتك في وضع الأمور في نصابها بوركت أستاذ أيوب تحية ... ناريمان الشريف |
أستاذة ناريمان شكرًا لك على هذه المداخلة نعم لا بد ان اليتم والسجن يتشابهان في الأثر على الدماغ لأننا نلاحظ انهما يؤديان الى نتائج متشابهه وهوالابداع في اعلى حالاته |
للمرة الثالثة على ما أعتقد أقرأ الموضوع و عندما أقرر الرد عليه أجد ما يمنعني سواء كان المانع ظرفا خارجيا أو حاجزا نفسيا
منذ طفولتي المبكرة قرأت رواية للدكتور الروائي ( نجيب الكيلاني ) عنوانها " في الظلام" و أبطالها سجناء رأي و سياسة و لكنهم اختلطوا مع المجرمين و القتلة و من خلال هذا استطاع الكاتب أن يصور عالم السجن و ينصف شخصية السجين ولو قليلا كان السجناء يعانون من البرد و قساوة العيش و الجوع و التعذيب و السجن المنفرد الذي أفضى ببعضهم نحو الجنون او محاولة الانتحار لكن أكثر ما كان يخيفهم هو أن يخرجوا من الباب الخلفي أي الباب الذي يخرج منه السجين نحو فضاء الحرية و لكن نحو المقابر كان يحدوهم الأمل في الخروج من معتقلهم من الباب الرئيسي و خرجوا أحرارا و لكن مرضى نفسيين كانت هذه رواية من إبداع الكاتب نجيب الكيلاني و ربما ارتكزت إلى تجربة شخصية أو قصة حقيقية سمعها الروائي لكن ما بقي منها في بالي هو الباب الخلفي و قتامته و منذ فترة قريبة قرأت رواية للمعارض السوري " لؤي حسين " بعنوان الفقد يحكي بها عن معاناته خلال سنوات اعتقاله لأسباب تتعلق بالرأي و السياسة كانت اللقطات المنقولة من داخل المعتقل رهيبة و مؤلمة جدا لدرجة أن الكاتب بعد إطلاق سراحه لم يستطع ان بتعامل مع المجتمع بشكل سليم و كان ما يلتقطه من تجربة السجن يدونه على قصاصات ثم قام بجمعها بين دفتي رواية و قد كتب تشارلز ديكنز عن السجين الذي أودع في الباستيل لسنوات طويلة أثرت على تفكيره و سويته العملية و الاجتماعية رغم انه كان طبيبا بارعا في رواية ( قصة مدينتين) الشهيرة و قال أن المادة الاساسية التي اعتمد عليها هي قصاصات كتبها سجين محشورة بين حجرين في زنزانة من زنازين الباستيل اكتشفت بعد الثورة الفرنسية الشاهد من الكلام الطويل الذي سردته هو ان السجين يعاني من فائض كبير في الوقت و كثير من المحدودية في الحركة فإن كانت مقاومته و قدرته على البقاء في حالتها السليمة فسوف يبحث عن عمل يقوم به ليملأ به شدق الفراغ و اذا كان من الطبقة المثقفة فلابد انه سيتجه للقراءة و الكتابة بالشكل الأمثل و لعله يعتقد أنه إن كتب ما يحيق به من ألم و فراغ و تعذيب سوف ينجو من الخروج من الباب الخلفي للسجن فإن حدث و مات جسده بقي ما ترك منه حيا الى الابد من يكتب في السجن يقاوم سجانيه و يخبرهم بكل بساطة: أنا اكتب خلودي و أدون عاركم و لعل أغلبنا يعرف قصيدة هاشم الرفاعي " رسالة في ليلة التنفيذ" فقد كتب قصيدة مطولة في ليلة إعدامه تعتبر الآن من عيون الأدب و تحضرني هنا في نهاية المطاف قصة ذلك الإنسان المعدم الفقير الذي احتاج للمال لأمر ضروري جدا فقصد صديقه الغني الذي وافق على منحه المال لقاء ان يسجنه في قبو منزله عشرين عاما و نظرا لحاجته الملحة وافق لكن بشرط ان يزوده بمكتبة غنية و بعد مرور سنوات على تنفيذ الشرط تراجع الغني عن رغبته و ترك له باب القبو مفتوحا ليهرب لكنه لم يفعل ..ليخرج بعد عشرين عاما مسنا بشعر أبيض و ثقافة موسوعية لا محدودة .. هنا تنتهي القصة و لكن السجين لم يقدم فائدة تذكر لأحد و لا لنفسه أيضا بحصوله على ثقافة موسوعية لم تنتقل الى أحد أو توظف في بحث علمي أ. أيوب صابر أطلت الحديث فاعذرني تحيتي لك |
استاذة ريم
اشكرك جداً دائماً مداخلاتك تغني الموضوع . هذه هي القصيدة التي ورد ذكرها في مداخلتك وهي بدون شك تحفة ابداعية ومؤشر على ان الوحي يسكن هناك في السجن : * رسالة في ليلة التنفيذ أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني والحبلُ والجلادُ ينتظراني ------هذا الكتابُ إليكَ مِنْ زَنْزانَةٍ مَقْرورَةٍ صَخْرِيَّةِ الجُدْرانِ لَمْ تَبْقَ إلاَّ ليلةٌ أحْيا بِها وأُحِسُّ أنَّ ظلامَها أكفاني سَتَمُرُّ يا أبتاهُ لستُ أشكُّ في هذا وتَحمِلُ بعدَها جُثماني الليلُ مِنْ حَولي هُدوءٌ قاتِلٌ والذكرياتُ تَمورُ في وِجْداني وَيَهُدُّني أَلمي فأنْشُدُ راحَتي في بِضْعِ آياتٍ مِنَ القُرآنِ والنَّفْسُ بينَ جوانِحي شفَّافةٌ دَبَّ الخُشوعُ بها فَهَزَّ كَياني قَدْ عِشْتُ أُومِنُ بالإلهِ ولم أَذُقْ إلاَّ أخيراً لذَّةَ الإيمانِ شكرا لهم أنا لا أريد طعامهم فليرفعوه فلست بالجوعان هذا الطعام المر ما صنعته لي أمي و لا وضعوه فوق خوان كلا و لم يشهده يا أبتي معي أخوان جاءاه يستبقان مدوا إلي به يدا مصبوغة بدمي و هذه غاية الإحسان والصَّمتُ يقطعُهُ رَنينُ سَلاسِلٍ عَبَثَتْ بِهِنَّ أَصابعُ السَّجَّانِ ما بَيْنَ آوِنةٍ تَمُرُّ وأختها. يرنو إليَّ بمقلتيْ شيطانِ مِنْ كُوَّةٍ بِالبابِ يَرْقُبُ صَيْدَهُ وَيَعُودُ في أَمْنٍ إلى الدَّوَرَانِ أَنا لا أُحِسُّ بِأيِّ حِقْدٍ نَحْوَهُ ماذا جَنَى فَتَمَسُّه أَضْغاني هُوَ طيِّبُ الأخلاقِ مثلُكَ يا أبي لم يَبْدُ في ظَمَأٍ إلى العُدوانِ لكنَّهُ إِنْ نامَ عَنِّي لَحظةً ذاقَ العَيالُ مَرارةَ الحِرْمانِ فلَرُبَّما وهُوَ المُرَوِّعُ سحنةً لو كانَ مِثْلي شاعراً لَرَثاني أوْ عادَ - مَنْ يدري - إلى أولادِهِ يَوماً تَذكَّرَ صُورتي فَبكاني وَعلى الجِدارِ الصُّلبِ نافذةٌ بها معنى الحياةِ غليظةُ القُضْبانِ قَدْ طالَما شارَفْتُها مُتَأَمِّلاً في الثَّائرينَ على الأسى اليَقْظانِ فَأَرَى وُجوماً كالضَّبابِ مُصَوِّراً ما في قُلوبِ النَّاسِ مِنْ غَلَيانِ نَفْسُ الشُّعورِ لَدى الجميعِ وَإِنْ هُمُو كَتموا وكانَ المَوْتُ في إِعْلاني وَيدورُ هَمْسٌ في الجَوانِحِ ما الَّذي بِالثَّوْرَةِ الحَمْقاءِ قَدْ أَغْراني؟ أَوَ لَمْ يَكُنْ خَيْراً لِنفسي أَنْ أُرَى مثلَ الجُموعِ أَسيرُ في إِذْعانِ؟ ما ضَرَّني لَوْ قَدْ سَكَتُّ وَكُلَّما غَلَبَ الأسى بالَغْتُ في الكِتْمانِ؟ هذا دَمِي سَيَسِيلُ يَجْرِي مُطْفِئاً ما ثارَ في جَنْبَيَّ مِنْ نِيرانِ وَفؤاديَ المَوَّارُ في نَبَضاتِهِ سَيَكُفُّ في غَدِهِ عَنِ الْخَفَقانِ وَالظُّلْمُ باقٍ لَنْ يُحَطِّمَ قَيْدَهُ. مَوْتي وَلَنْ يُودِي بِهِ قُرْباني وَيَسيرُ رَكْبُ الْبَغْيِ لَيْسَ يَضِيرُهُ شاةٌ إِذا اْجْتُثَّتْ مِنَ القِطْعانِ هذا حَديثُ النَّفْسِ حينَ تَشُفُّ عَنْ بَشَرِيَّتي وَتَمُورُ بَعْدَ ثَوانِ وتقُولُ لي إنَّ الحَياةَ لِغايَةٍ أَسْمَى مِنَ التَّصْفيقِ ِللطُّغْيانِ أَنْفاسُكَ الحَرَّى وَإِنْ هِيَ أُخمِدَتْ سَتَظَلُّ تَعْمُرُ أُفْقَهُمْ بِدُخانِ وقُروحُ جِسْمِكَ وَهُوَ تَحْتَ سِياطِهِ مْ قَسَماتُ صُبْحٍ يَتَّقِيهِ الْجاني دَمْعُ السَّجينِ هُناكَ في أَغْلالِهِ وَدَمُ الشَّهيدِ هُنَا سَيَلْتَقِيانِ حَتَّى إِذا ما أُفْعِمَتْ بِهِما الرُّبا لم يَبْقَ غَيْرُ تَمَرُّدِ الفَيَضانِ ومَنِ الْعَواصِفِ مَا يَكُونُ هُبُوبُهَا بَعْدَ الْهُدوءِ وَرَاحَةِ الرُّبَّانِ إِنَّ اْحْتِدامَ النَّارِ في جَوْفِ الثَّرَى أَمْرٌ يُثيرُ حَفِيظَةَ الْبُرْكانِ وتتابُعُ القَطَراتِ يَنْزِلُ بَعْدَهُ سَيْلٌ يَليهِ تَدَفُّقُ الطُّوفانِ فَيَمُوجُ يقتلِعُ الطُّغاةَ مُزَمْجِراً أقْوى مِنَ الْجَبَرُوتِ وَالسُّلْطانِ أَنا لَستُ أَدْري هَلْ سَتُذْكَرُ قِصَّتي أَمْ سَوْفَ يَعْرُوها دُجَى النِّسْيانِ؟ أمْ أنَّني سَأَكونُ في تارِيخِنا مُتآمِراً أَمْ هَادِمَ الأَوْثانِ؟ كُلُّ الَّذي أَدْرِيهِ أَنَّ تَجَرُّعي كَأْسَ الْمَذَلَّةِ لَيْسَ في إِمْكاني لَوْ لَمْ أَكُنْ في ثَوْرَتي مُتَطَلِّباً غَيْرَ الضِّياءِ لأُمَّتي لَكَفاني أَهْوَى الْحَياةَ كَريمَةً لا قَيْدَ لا إِرْهابَ لا اْسْتِخْفافَ بِالإنْسانِ فَإذا سَقَطْتُ سَقَطْتُ أَحْمِلُ عِزَّتي يَغْلي دَمُ الأَحْرارِ في شِرياني أَبَتاهُ إِنْ طَلَعَ الصَّباحُ عَلَى الدُّنى وَأَضاءَ نُورُ الشَّمْسِ كُلَّ مَكانِ وَاسْتَقْبَلُ الْعُصْفُورُ بَيْنَ غُصُونِهِ يَوْماً جَديداً مُشْرِقَ الأَلْوانِ وَسَمِعْتَ أَنْغامَ التَّفاؤلِ ثَرَّةً تَجْري عَلَى فَمِ بائِعِ الأَلبانِ وَأتى يَدُقُّ- كما تَعَوَّدَ- بابَنا سَيَدُقُّ بابَ السِّجْنِ جَلاَّدانِ وَأَكُونُ بَعْدَ هُنَيْهَةٍ مُتَأَرْجِحَاً في الْحَبْلِ مَشْدُوداً إِلى العِيدانِ لِيَكُنْ عَزاؤكَ أَنَّ هَذا الْحَبْلَ ما صَنَعَتْهُ في هِذي الرُّبوعِ يَدانِ نَسَجُوهُ في بَلَدٍ يَشُعُّ حَضَارَةً وَتُضاءُ مِنْهُ مَشاعِلُ الْعِرفانِ أَوْ هَكذا زَعَمُوا! وَجِيءَ بِهِ إلى بَلَدي الْجَريحِ عَلَى يَدِ الأَعْوانِ أَنا لا أُرِيدُكَ أَنْ تَعيشَ مُحَطَّماً في زَحْمَةِ الآلامِ وَالأَشْجانِ إِنَّ ابْنَكَ المَصْفُودَ في أَغْلالِهِ قَدْ سِيقَ نَحْوَ الْمَوْتِ غَيْرَ مُدانِ فَاذْكُرْ حِكاياتٍ بِأَيَّامِ الصِّبا قَدْ قُلْتَها لي عَنْ هَوى الأوْطانِ وَإذا سَمْعْتَ نَحِيبَ أُمِّيَ في الدُّجى تَبْكي شَباباً ضاعَ في الرَّيْعانِ وتُكَتِّمُ الحَسراتِ في أَعْماقِها أَلَمَاً تُوارِيهِ عَنِ الجِيرانِ فَاطْلُبْ إِليها الصَّفْحَ عَنِّي إِنَّني لا أَبْتَغي مِنَها سِوى الغُفْرانِ مازَالَ في سَمْعي رَنينُ حَديثِها وَمقالِها في رَحْمَةٍ وَحنانِ أَبُنَيَّ: إنِّي قد غَدَوْتُ عليلةً لم يبقَ لي جَلَدٌ عَلى الأَحْزانِ فَأَذِقْ فُؤادِيَ فَرْحَةً بِالْبَحْثِ عَنْ بِنْتِ الحَلالِ وَدَعْكَ مِنْ عِصْياني كانَتْ لها أُمْنِيَةً رَيَّانَةً يا حُسْنَ آمالٍ لَها وَأَماني وَالآنَ لا أَدْري بِأَيِّ جَوانِحٍ سَتَبيتُ بَعْدي أَمْ بِأَيِّ جِنانِ هذا الذي سَطَرْتُهُ لكَ يا أبي بَعْضُ الذي يَجْري بِفِكْرٍ عانِ لكنْ إذا انْتَصَرَ الضِّياءُ وَمُزِّقَتْ بَيَدِ الْجُموعِ شَريعةُ القُرْصانِ فَلَسَوْفَ يَذْكُرُني وَيُكْبِرُ هِمَّتي مَنْ كانَ في بَلَدي حَليفَ هَوانِ وَإلى لِقاءٍ تَحْتَ ظِلِّ عَدالَةٍ قُدْسِيَّةِ الأَحْكامِ والمِيزانِ هذا هو صاحب القصية وقد ذاق مرارة السجن لكن هذه القصيدة لم تكن اخر قصائده بل يبدو انه قالها على لسان سيد قطب وقصة حياته تشير الى انه كان يتيما ولما اجتمع اليتم والسجن كان دماغه قادرا على ولادة نص استثنائي ------ شاعر مصري التحق بمعهد الزقازيق الديني التابع للأزهر الشريف سنة 1947م وحصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية في عام 1951م، ثم أكمل دراسته في هذا المعهد وحصل على الشهادة الثانوية سنة 1956م ثم التحق بكلية دار العلوم وتوفي قبل أن يتخرج سنة 1959م. اسم الشاعر الحقيقي : سيد بن جامع بن هاشم بن مصطفى الرفاعي ولكنه اشتهر باسم جده هاشم لشهرته ونبوغه ، وتيمنا بما عرف عنه من فضل وعلم وعرف بهذا الاسم وانطوى الاسم الحقيقي عنه. |
منذ طفولتي كنت ارى هذا الكتاب الصغير الابيض بكلماته الحمراء شكلا و معنى في مكتبة العائلة و عندما سالت عمتي عنه اخبرتني ان هذا الرجل كان محكوما بالاعدام و كتب القصيدة في ليلة تنفيذ الحكم
سالتها : و كيف سمح سجانوه بتسريب القصيدة ؟ لم الق جوابا اشكرك لتصحيح المعلومة أ. أيوب صابر و شكرا لمواضيعك الابداعية |
اشكرك استاذة ريم
هذه معلومات اوفى عن الشاعر هاشم الرفاعي حيث تبين انه يتيم الاب في سن الرابعة عشرة اي فترة المراهقة. == • المولد والنشأة http://www.ikhwanwiki.com/images/d/d...8%B9%D9%8A.jpg الأستاذ هاشم الرفاعي في قرية "إنشاص الرمل" في محافظة الشرقية بجمهورية مصر العربية كان مولده في منتصف مارس عام 1935م. وهو "السيد بن جامع بن هاشم بن مصطفى الرفاعي"، ينتهي نسبه إلى الإمام أبي العباس أحمد الرفاعي الكبير- مؤسس الطريقة الرفاعية، ووالده هو الشيخ "جامع الرفاعي"، ورث ريادة الطريقة عن أبيه عن جده، وكان شاعرًا متصوفًا، وقد تُوفي عام 1943م، وكان الشاعر في الرابعة عشرة من عمره، وقد اشتهر الشاعر باسم جده- هاشم الرفاعي- تيمنًا به، فقد كان أحد العلماء الفضلاء من أعلام التصوف السني. حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة في مكتب الشيخ "محمد عثمان"، ثم التحق الشاعر في صباه بالتعليم المدرسي، ولكنه تركه وهو على أبواب الشهادة الابتدائية "نظام قديم"، ثم التحق عام 1947 بمعهد الزقازيق الديني، وقد أمضى به الشاعر تسع سنوات كاملة من عام 1947 إلى عام 1956م. ثم التحق الشاعر بكلية دار العلوم، ولكنه لم يتم الدراسة بها، حيث تُوفي قبل التخرج، وكان ذلك يوم الأربعاء الموافق الأول من شهر يوليو 1959م وهو في سن الرابعة والعشرين، وسط ذهول من أهل قريته وأهله وكل من عرفوه. === هاشم الرفاعي من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة هاشم الرفاعي (1353 هـ - 1378 هـ = 1935 - 1959م) شاعر مصري اسمه الحقيقي: سيد بن جامع بن هاشم بن مصطفى الرفاعي، ولكنه اشتهر باسم جده هاشم لشهرته ونبوغه، وتيمنا بما عرف عنه من فضل وعلم وعرف بهذا الاسم وانطوى الاسم الحقيقي عنه. ولد في بلدة أنشاص (أنشاص الرمل) بمحافظة الشرقية بمصر. التحق بمعهد الزقازيق الديني التابع للأزهر الشريف سنة (1366 هـ = 1947م)وحصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية في عام 1951م، ثم أكمل دراسته في هذا المعهد وحصل على الشهادة الثانوية سنة (1375 هـ=1956م)ثم التحق بكلية دار العلوم سنة (1374 هـ=1955م)، وقتل قبل أن يتخرج سنة 1959م. له قصائد شعرية في هجاء وشكوى من حكام مصر ومن أجهزتهم الأمنية وكذلك في هجاء جماعة الإخوان المسلمين. من بين أعماله الشعرية قصيدته مخاطبا لعبد الناصر: أنزلْ بهذا الشعب كل هوانِوأعدْ عهود الرق للأذهانِأطلقْ زبانية الجحيم عليه مِنْبوليسكَ الحربيِّ والأعوان وكذلك قصيدته (قف في ربوع المجد وابك الأزهرا) في الشكوى من حالة الأزهر: قف في ربوع المجد وابك الأزهراواندبه روضاً للمكارم أقفراواكتب رثاءَكَ فيهِ نفثةُ موجَعٍواجعل مدادَكَ دمعَك المتحدراالمعهد الفرد الذي بجهادهبلغت بلاد الضاد أعراف الذُّرَىسار الجميع إلى الأمام وإنهفي موكب العلياء سار القهقرَىلهفى على صرحٍ تهاوى ركنهقد كان نبعاً بالفخار تفجَّرامن كان بهجةَ كل طرفٍ ناظرٍعادت به الأطماع أشعث أغْبَرَاما أبقت الأيدي التي عبثت بهمن مجدِه عرضاً له أو جوهرا نشأته كان هاشم الرفاعي سليلاً لأسرة متدينة، وقد نشأ في بيت يُعنى بالعلم ويهتم بالتفقه في دين الله ويحرص على التربية الإسلامية، وكان والده جامع شيخا لإحدى الطرق الصوفية المنتشرة في مصر، التحق بمعهد الزقازيق الديني التابع للأزهر الشريف سنة 1947م وحصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية في عام 1951م، ثم أكمل دراسته في هذا المعهد وحصل على الشهادة الثانوية سنة 1956م ثم التحق بكلية دار العلوم، ومن زملائه من أبناء الكلية الشاعر خالد محمد سليم، وقتل قبل أن يتخرج سنة 1959م. يا فتية النيل الممجَّد إننانأبى ونرفض أن نساق قطيعاهذا "ابن نازلي" للهلاك يقودناجهراً ويَلقى في البلاد مطيعافإلى متى هذا الخنوع وإنهجرم أضاع حقوق مصر جميعا بمثل هذا الحماس المتوقد كانت نفس هاشم الرفاعي تشتعل ثورة ضارية لم يستطع أن يكبتها، وأبت إلا أن تعلن عن نفسها في أكثر من موضع من شعره: يا ثورة في ضلوعي *** وما لها من هجوعِ إلام أقضي حياتي *** في ذلة وخضوعِ؟! ظل الرفاعي هكذا حتى أشعلت ثورته ثورة أخرى عندما أُعلن عن قيام ثورة الضباط الأحرار في مصر بقيادة اللواء محمد نجيب الذي طرد الملك والإنجليز من مصر، واستقبل المصريون والعرب جميعاً هذه الثورة بالفرحة الغامرة، وكان للشاعر الحظ الأوفر من هذه الفرحة، فجاءت قصائده في الإشادة بالثورة وبقائدها نجيب تترى: أمل تحقق في البلاد عسيرُقد كان في خلد الفقير يدورُلمّا أعيد إلى الكنانة مجدهاوانجاب عنها الليل والديجورُبعث الإله إلى البلاد "نجيبها"فتحطمت للمفسدين صخورلا أرجع الرحمن أياماً مضتكانت علينا بالشقاء تدورمقتله اغتيل هاشم الرفاعي وهو ابن الرابعة والعشرين من عمره، بعدما ترك ما يَزيد على 187 قصيدة شعريَّة جدَّدت في تناول القضايا الإسلاميَّة التي غابت عن المجال الأدبي في عصره. في أنشاص عام ١٩٥٩، اتُّهِمَتْ بمقتله جهات أمنيَّة، وله قصيده في نقد الإخوان وهذه القصيدة قالها عام 1955 بينما قتل سنة 1959 وقد هجا الاخوان تأثرا بتضليل عبدالناصر ثم عاد واعتذر وقال قصيدة جلاد الكنانةالتى قال فيها قصيدة جلاد الكنانة . هبني خدعت بكل ما زيفته ***** عن سادة الأحزاب و الإخوان هل خان قائدنا نجيب عهدنا ** أم راح نهب الأحقاد و الأضغان ؟ لم يرض بالحكم انفرادا غادرا ***** بعد العهود و بيعة الرضوان أو كل شهم لا يطيق خداعكم ***** أضحى لديكم خائن الأوطان ؟ أما القصائد اللتى قالها واعترف بعد ذلك بأنه كان ضحية خداع وتزييف الطاغية فمنها: رَهطٌ من الأطفالِ والصبــيانِقالوا عليهم جماعةُ الإخـوانِ منهم مَنِ احترفَ القيامَ ببدعـةٍعند اشتدادِ الجوعِ والحرمان ِفتَراهُ جاء بخدعةٍ مفضوحــةٍيَسعى لنيْلِ الأصفرِ الـرنّان ِجَمعوا لها مالاً وقالوا: للهُـدَىفإذا به قد راحَ للشيطــان ِشاهَتْ وجوهُ القومِ هذى دعوةٌ" للجَيبِ " لا لله والقرآنِ هذا هو الحقُّ الذى يُبغَى بهِوجهُ الضلالِ ونُصرةُ البهتانِ هم عُصبةٌ للشرِّ نَعلمُ أنهاقامت على واهٍ من الأركان مِنْ كُلٌ مغرورٍ يظُنُّ بأنهمَلِكُ البديعِ وسَيِّدُ الأوزانِ يبدو إلى النَّشْءِ الصغيرِ مُفَوَّهاًسَلَبَ النُّهَى ببلاغةٍ وبيانِ وتراه " قِطّاً " في مَقالتِه إذاما قِيسَ يومَ القولِ بالأقرانِ هو في الفهاهةِ – يا لَقوْمِى – باقِلٌويكادُ يَحسَبُ نفسَهُ " الذُبْيان يتلك الجماعةُ قد تنبَّأْنا لهابالهدمِ يومَ إقامةِ البنيانِ إنا وجدنا القائمين بِأمرِهاشَرَّ الدعاةِ وأضْعفَ الأعوانِ فإذا تَناهَى الضعفُ بين جماعةٍذاقَ الجميعُ مرارةَ الخذلانِ لكن من الواضح الآن أن قصة مقتله كانت جريمة جنائية بحتة أثناء تحكيمه لمبارة كرة قدم فى قريته فاللهم ارحمه رحمة واسعة أما من يدعى أن الاخوان هم من قتلوه ففى هذه الفترة كان كل من ينتمى لجماعة الاخوان يقبع فى سجون عبدالناصر تفعل بهم الأفاعيل أشهر قصائد الرفاعي على الإطلاق هي قصيدة "رسالة في ليلة التنفيذ" التي تحدَّث فيها عن مناضل ينتظر إعدامه،ويقال أنه قالها فى الشهيد سيد قطب يمرُّ فيها بمراحل انفعاليَّة مختلفة تصلُ ذروتها حينما يردِّد اسم أبيه في أبيات القصيدة. ألقى الرفاعي هذه القصيدة في مهرجان الشعر الأول الذي عقد بالعاصمة السورية دمشق سنة 1959م. أَنا لَستُ أَدْري هَلْ سَتُذْكَرُ قِصَّتي أَمْ سَوْفَ يَعْرُوها دُجَى النِّسْيانِ؟ أمْ أنَّني سَأَكونُ في تارِيخِنامُتآمِراً أَمْ هَادِمَ الأَوْثانِ؟ كُلُّ الَّذي أَدْرِيهِ أَنَّ تَجَرُّعي كَأْسَ الْمَذَلَّةِ لَيْسَ في إِمْكاني لَوْ لَمْ أَكُنْ في ثَوْرَتي مُتَطَلِّباًغَيْرَ الضِّياءِ لأُمَّتي لَكَفاني أَهْوَى الْحَياةَ كَريمَةً لا قَيْدَ لاإِرْهابَ لا اْسْتِخْفافَ بِالإنْسان ِفَإذا سَقَطْتُ سَقَطْتُ أَحْمِلُ عِزَّتييَغْلي دَمُ الأَحْرارِ في شِرياني أَبَتاهُ إِنْ طَلَعَ الصَّباحُ عَلَى الدُّنى وَأَضاءَ نُورُ الشَّمْسِ كُلَّ مَكان ِوَاسْتَقْبَلُ الْعُصْفُورُ بَيْنَ غُصُونِه ِيَوْماً جَديداً مُشْرِقَ الأَلْوانِ وَسَمِعْتَ أَنْغامَ التَّفاؤلِ ثَرَّةًتَجْري عَلَى فَمِ بائِعِ الأَلبانِ وَأتى يَدُقُّ- كما تَعَوَّدَ- بابَناسَيَدُقُّ بابَ السِّجْنِ جَلاَّدانِ وَأَكُونُ بَعْدَ هُنَيْهَةٍ مُتَأَرْجِحَاًفي الْحَبْلِ مَشْدُوداً إِلى العِيدانِ لِيَكُنْ عَزاؤكَ أَنَّ هَذا الْحَبْلَ ماصَنَعَتْهُ في هِذي الرُّبوعِ يَدانِ نَسَجُوهُ في بَلَدٍ يَشُعُّ حَضَارَةًوَتُضاءُ مِنْهُ مَشاعِلُ الْعِرفانِأَ وْ هَكذا زَعَمُوا! وَجِيءَ بِهِ إلىبَلَدي الْجَريحِ عَلَى يَدِ الأَعْوان ِلكنْ إذا انْتَصَرَ الضِّياءُ وَمُزِّقَتْبَيَدِ الْجُموعِ شَريعةُ القُرْصانِ فَلَسَوْفَ يَذْكُرُني وَيُكْبِرُ هِمَّتيمَنْ كانَ في بَلَدي حَليفَ هَوانِقصائده ١٩٤٨ - البراعم ١٩٤٩ - مجموعة نسيم البحر من ١٣٠ بيتا نسخها الشاعر بخطه، وقال في مقدمتها: هذه أول جولة في عالم الشعر، استلهمت أبياتها من الأحداث والمناسبات فإذا كان هناك بعض الأخطاء، فذلك راجع إلى أنني لم أصل بعد إلى مرتبة الرقي في الشعر والسمو عن الأخطاء." قصائد المجموعة الأولى: صديقي، يوم النصر، ميلاد الرسول، آلام عاشق، أحزان، خيانة، صداقة، فلسطين (يقول عنها أنها باكورة شعره)، اليمن، صور ساخرة، حسرة وندم، إلى بطل قصة مأساة، ملل وضجر، تحية ١٩٥١ - مصر الجريحة، الذكرى العطرة ١٩٥٣ - في ظلال الريف ١٩٥٤ - مصر بين احتلالين ١٩٥٤ - ١٩٥٧ جلاد الكنانة، في الربيع، زفرة، جمال يعود من باندونج مع الثورة في ربقة القيد، سقوط ركن من أركان الطغيان، ذكريات عام ضائع، جمال ... رئيس الجمهورية، نواب الأمة ١٩٥٩ - أغنية أم |
ايهما اعظم تأثيرا اليتم ام السجن؟ وهل العزلة هي المحفز على الابداع وليس الم الصدمة؟
هذا الروائي صنعه السجن حتما علما بأننا لا نعرف كيف كانت طفولته؟ ... تعالوا نتعرف عليه ونتعرف على اثر السجن في خلق العبقرية من وحي ما يقول في هذه المقابلة الصحفية ... الروائي الاردني هاشم غرايبة: الكتابة تمنحني التوازن الداخلي والعين الناقدة تفضح اللعب وتميز بين الموهبة والصنعة نضال القاسم January 24, 2014 كان هاشم غرايبة منذ مجموعته القصصية الأولى (هموم صغيرة، رابطة الكتاب الأردنيين 1980م)، يدرك أن الرواية هي ملحمة إنسانية لا تنضب، وهي الشكل الصلد والمتماسك الذي سيدوم في المستقبل، وكان الواقع، وربما الواقع وحده هو الذي سحره وجذبه إليه فدشن مفهوم الواقعية الاجتماعية في الرواية الأردنية، وهكذا نجد أن الغرايبة قد حوّل ذاتية الإنسان إلى واقع في جميع قصصه ورواياته، وأصبحت الطبيعة البشرية في أغلب أعماله رهينة للإلتزام السياسي، ورهينة للإرغام الاقتصادي وللقمع الاجتماعي أيضاً، وهكذا يجد القارئ نفسه مع هاشم غرايبة أمام شخصيات تتحرك مسحوقة بمصيرها، مقتولة بهواها وأخطائها، وهي تحاول جاهدة أن تغير قدرها ومصيرها… في هذا الحوار الخاص لصحيفة ‘القدس العربي’ أجاب الروائي العربي الكبير هاشم غرايبة عن أسئلتنا المتعلقة بتجربته الإبداعية ورؤيته للواقع الثقافي والكتابة الروائية في الأردن وعن تساؤلات أُخرى تخص قضايا الرواية العربية المعاصرة. ‘ سنة 1980 هو تاريخ صدور أول مؤلفاتك ‘ هموم صغيرة ‘ وهي مجموعة قصصية، هذا زمن النشر فمتى بدأ زمن الكتابة؟ متى أصابتك لعنة الحبر؟ وهل كانت الكتابة قراراً أم قدراً ؟ ‘ الكتابة قدر. أما النشر فقرار. قرار واستجابة. استجابة الناشر وتشجيع القارئ. اعتقد ان النشر هو مفتاح التورط بمهنة الكتابة. اول قصة نشرت لي في مجلة الثقافة الجديدة العراقية عام 1973 وانا طالب في جامعة بغداد وهي (هموم صغيرة) ثاني قصة نشرت لي في مجلة الاداب اللبنانية 1976 ثم توالى النشر في الصحف المحلية والمجلات العربية خاصة الرأي المحلية ومجلة البيان الكويتية.. عندما سجنت عام 1977 قمت بجمع كتاب هموم صغيرة واصدرته مطبعة شوقي معبدي من منشورات رابطة الكتاب. ‘ هاشم غرايبة، حين تعيد قراءة ما كتبت، ماذا تكتشف؟ ‘ قصة هموم صغيرة ما زالت النص الاثير عندي.. عندما اقرا قصصي ورواياتي اتذكر كل تفصيل.. الفكرة الصورة، الحدث.. اتذكر الاماكن والروائح والناس.. كل ما كان معي زمن الكتابة.. واستطيع ان اعيد كل ما في النص الى اصوله في الذاكرة او المخيلة او الواقع. ‘ من الملاحظ أن الصورة في أعمالكم القصصية مكثفة وتهكمية وشديدة الإتصال بالكاريكاتير.ما هي دوافع تركيزكم على هذه الصياغة ؟ ‘ ربما ان الصورة هي المحفز الاول للكتابة عندي.. الافكار على قارعة الطريقع. والكلام الكبير والحكمة والناثورات في متناول عابري السبيل. أما الصورة فهي نافذتي وخصوصيتي التي اكتشفها وأُشارك القارئ متعة النظر عبرها الى الحياة.. هي زاوية النطر للفكرة والحادثة والرسالة. الصورة هي الملاط الذي يشد وحدات البناء الى بعضها البعض.. الملاط السمنت الذي بدونه او بفساده يفقد البناء فنيته وخصوصيته ومتانته. ‘ هل أنت استفزازي مشاكس بطبعك؟ ‘ استفزازي. مشاكس! أنا معارض يساري. هذا موضوع جانبي هنا. لكن في الكتابة أشعر بأن الصورة الفوتوغرافية المباشرة مسالمة محايدة. الكتابة انحياز.. وبدون توظيف الصورة لتشاكس وتختلف وتستفز فستكون رؤيتي النقدية لهذا الكون مداهنة وسطحية ومحايدة. ‘ هل قدسية كتابة الرواية هي التي تفرض على كاتبها نوعاً من الهيبة، وهل بوسع أي كاتب أن يصبح روائياً ؟ ‘ بوسع اي كاتب ان يكتب حكاية طويلة.. او يؤلف رواية! لكن المبدع اذا كان في داخله نواة روائي فسيجدها قد يكتمها وقد يندفع نحوها ويبدع.. الرواية فن ثم لاحقا صنعة.. نجح كثير من الكتاب والمبدعين اتقان صنعة الرواية.. لكن العين الناقدة تستطيع ان تميز الموهبة عن الصنعة وتكشف اللعب.. مثلا من وجهة نظري- ايزابيل الندي روائية. باولو كويلو مؤلف روايات. ابراهيم اصلان روائي. يوسف زيدان مؤلف روايات. ‘ ما هو دافعك لكتابة الرواية ؟ ‘ اكتب الرواية لأني اعتنيت بالروائي داخلي فاتسعت مساحة حضوره.. صرت اكتب الروايات لمؤانسته وامتاعه اولا.. ثم لاشارك الناس بجمال ونبل ما اكتشفناه انا الكاتب وانا الروائي. انا الفن وانا الصنعة. ‘ ماهي القيمة المضافة التي تتوخون تحقيقها من خلال مشروعكم الروائي؟ وبمعنى آخر، ما رؤيتك للرواية ؟ وما مشروعك الروائي؟ هل ثمة تصور لديك عن العالم؟ أو فلسفة ما تُدافع عنها أو تدعو إليها؟ وما صلة ذلك بحياتك الشخصية؟ ‘ القيمة المضافة ؟.. أحداث الحياة، وحوادث اليوميات، والصور الباهرة، مبذولة على قارعة الانترنت لمن يرغب، ولكنها أبدا لا تشكل عملاً فنياً ذا شخصية متفردة. هل الرواية بناء فني، وأحداث مترابطة، ونحت للشخصيات، ولغة سليمة، ونسيج متماسك لبساط الزمان والمكان..؟ هل هي جمل متراصة، وأفكار مترابطة، ولغة سليمة؟ هل هي زمان، ومكان، وشخصيات، وعقدة، وحلّ؟ كل هذا أعدّه من بديهيات العمل، ومن أدوات البناء المتاحة، وقواعد الحرفة المتفق عليها، وهي مبذولة لكل صانع، كما في كل صنعة. وهي في الوقت ذاته أدوات النقاد الكسالى. ليس هنا مربط الفرس. ما يعنيني أنا الكاتب هو ما الجديد الذي أيقظته هذه الصورة في داخلي! وما الجديد الذي قادتني هذه الرواية لقوله.. إذا لم يكن لكل كتابة عطرها الخاص بها، والمشتق من أجلها، فستتساوى النصوص، وتتشابه كما تتشابه دكاكين العطارين. أنا اتفق مع الذي قال: نحن نكابد نصف مسيرتنا لاكتساب الثقافة، ونكابد نصفها الثاني لنتحرر من سطوتها، راغبين عنها إلى عفويتنا الأولى، وإلى قدرتنا الفطرية على الانبهار والإدهاش. بعض النقاد يجهدون أنفسهم في الكشف عن الراوي العليم، أو المتخفي خلف سطور السرد، ويبحث في توازي الشخصيات والأحداث أو تقاطعاتها، ثم يستخلص ما تقوله القصة، أو المجموعة القصصية في سطر أو سطرين! ليقول لنا إن الظلم مرتعه وخيم، أو يؤكد أن الحرية جميلة، أو الاحتلال بغيض، أو الهزيمة مرّة.. إلى غير هذا يذهب النقد الحصيف، إذ يسعى لاكتشاف الرؤيا الكلية للقصة، أو الرواية. الناقد صاحب رؤيا أولاً، ثم صاحب قلم ثانياً. أدعي بأني الناقد الأول لفني، فانا الناقد الدائم والمواظب للواقع؛ كيف لا أمتلك رؤيا نقدية للقديم، وفي مقدمة هذا القديم تجاربي السابقة التي كتبتها!.. ولأن كل ما كتبته، أو قرأته، أو شاهدته، أو تأثرت به عما ‘كان’ ‘هناك’، لم يطفئ رغبتي في القول عن ‘الآن’ ‘هنا’؛ فاني أكتب نصي ليحمل في ثناياه رؤيا جديدة.. والا فانه لا يستحق المثول في عالم الأدب. ادب السجون ‘ من المعروف أنك ذقت مرارة السجن بسبب من رأيك السياسي، وعلى الرغم من المعاناة التي يعانيها السجين – أي سجين إلا أننا لا نلحظ أثراً لمعاناتك الشخصية في كل ما كتبته إلا من خلال روايتك (القط الذي علمني الطيران) والتي صدرت عن دار فضاءات مؤخراً والتي قمت بإهدائها إلى محمد البوعزيزي مفجر ثورة تونس الخضراء، ما سبب هذا الغياب لمعاناة كتلك؟ ‘ اعتقد ان اثر المعاناة وانعكاسه على كتاباتي لم يغب؛ لكن التبجح بها غاب تماما. ذلك لان المتاجرة بشيء ثمين مخاطرة تخضعه للمساومة. السجن لم يكسرني اعرف ممن دفعهم الانكسار لترميم الشظايا والمتاجرة بها في كتابة ما. خرجت من تجربتي منتصرا مرفوع الراس فاستقرت قيمتها في وجداني فيما وراء النص مكتفية بذاتها وكرامتها.. كتبت عن السجن بعد ابتعادي عن التجربة نيفاً وعشرين عاماً.. وعندما كتبت: انجزت ـ كروائي- للحياة لتيارها الغالب حتى داخل السجن على حساب مرارتها.. ‘ هاشم غرايبة، برأيك، ماذا يقدم النقد للأدب ؟ وكيف ترى النقد الأردني اليوم؟ وهل استطاع النقد الأردني أداء مهمته في توطيد العلاقة بين المبدع والجمهور، وبصراحة، هل تحسب للنقد الأدبي حسابه؟ وما هو تقويمك للنقود التي كُتبتْ عن تجربتك الإبداعية التي امتدت لأكثر من ثلاثين عاماً ؟ ‘ لا أحب الكتابة النقدية التي يشتم منها التعالي على القارئ، فتلجأ إلى لغة المعاجم، والمقولات النافرة، والاقتباسات المقحمة، والحكم الفخمة.. كما ان بعض النقاد يجهدون أنفسهم في الكشف عن الراوي العليم، أو المتخفي خلف سطور السرد، ويبحث في توازي الشخصيات والأحداث أو تقاطعاتها، ثم يستخلص ما تقوله القصة، أو الرواية في سطر أو سطرين! ليقول لنا إن الظلم مرتعه وخيم، أو يؤكد أن الحرية جميلة، أو الاحتلال بغيض، أو الهزيمة مرّة.. إلى غير هذا يذهب النقد الحصيف، إذ احترم النقد الذي يسعى لاكتشاف الرؤيا الكلية للنص، للقصة، أو الرواية.. أدعي بأني الناقد الأول لقصصي، فانا الناقد الدائم والمواظب للواقع؛ كيف لا أمتلك رؤيا نقدية للقديم، وفي مقدمة هذا القديم تجاربي السابقة التي كتبتها!.. بعض القراءات النقدية الهامة غيرت موقفي كليا من المنتج الإبداعي موضوع النقد، وبعضها فتحت لي نوافذ جديدة على النص، وأضاءت مدى الرؤية أمامي بشكل أوسع أو أشمل، لذا أفترض أن مهمة الناقد لا تكمن في ‘التثاقف على القارئ’.. بل في التواصل معه عبر نص يرى المخفي والكامن والجوهر عبر رؤيا إبداعية وسيطة . الناقد الجيد، من وجهة نظري، هو الذي يستطيع أن يضيء ‘مكتشفات’ النص الجديد.. وهو الذي يساعدني- سواء كنت منتجا للنص، أو قارئا له ـ كي أقرأ النص بطريقة مختلفة، وأتذوقه بذائقة جديدة، أي أن عليه أن يرقى بذائقتي، ويقنعني بأن مقاربته للنص جديدة ومختلفة عما ألفنا.. ‘ من وجهة نظرك كقاص وناقد وروائي وكاتب مسرحي، الى أي حد عبَّر الأدب الأردني الحديث عن التحولات التي تعيشها الأردن منذُ الاستقلال؟ وكيف تقرأ واقع الرواية الأردنية ومستقبلها؟ هل ما زال جيل الثمانينيات مسيطراً على المشهد الروائي؟ هل أنت من المتفائلين بمستقبل الرواية في الأردن، وفي الوطن العربي؟ ‘ تاريخ الادب الاردني حظي بمن ابدع في رصد تحولاته في كافة المراحل ونستطيع ان نؤشر بعلامات فارقة على سبيل المثال: مصطفى وهبي التل (عرار) /1899. غالب هلسا / 1932. تيسير سبول 1940. مؤنس الرزاز 1952.. أنا من جيل مؤنس الرزاز .. والرواية الاردنية لجيلي عبّرت عن نفسها ضمن مناخ صعب وقدّمت الممكن وهو افضل بكثير مما ناله من اعتراف وتقدير محلياً وعربياً. الجيل الجديد من الروائيين الاردنيين اتمنى ان يذهبوا لارض بكر فهم ابناء تغيرات كبرى في التكنولوجيا والعلم والسياسة والديموغرفيا .. انهم امام اخطر تحولات وتحديات تواجهها الشخصية العربية الاسلامية.. فهل سيفطنوا للمستقبل ويستلهموه؟ انا متفائل بطبعي.. الانسان العربي قبل البوعزيزي ليس هو بعده.. وكذلك الرواية العربية اتوقع لها طفرة ما.. هذا المخاض العسير هذا الدم الكثير لا يخيفني.. اذا لم ندفع ثمن تخلفنا فمن سيسدد الفاتورة ؟ ربيعنا قصير النفس لكن صيفنا موسم حصاد طويل.. لا مناص من التفاؤل. ‘اننا محكومون بالامل’ كما قال سعد الله ونوس. ‘ ما هي وظيفة الأدب في رأيكم ؟ وما هي تخوم المحلية والعالمية في النص الروائي؟ وكيف تصف علاقتك بالجماهير؟ وإذا لم يصل الأدب إلى الجمهور، إذن أين يكمن العيب؟ ‘ 370 مليون عربي معدل القراءة عندهم 6 دقائق للفرد بالسنة! واذا خصمنا من هذه الحصة المناهج الدراسية وقراءة كتب اهوال يوم القيامة والسحر الاسود وعذاب القبر وكتب الفلك والطبيخ ماذا سيبقى للادب من وظيفة؟!.. بصراحة ادمنت التجاهل من جمهور واسع من القراء وبعض النقاد.. كما ادمنت سوء الفهم وتسطيح المعنى وهبش المبنى من بعض من يقرؤون ومن كثير ممن ينقدون .. اكتب لان الكتابة تمنحني السعادة والرضا عن الذات والتوازن الداخلي.. هل انفي الجدوى العامة من الكتابة.. واتساءل هل الفن عديم الجدوى، على الأقلّ عند مقارنته، لنقُل، بعمل فني الاسنان (مهنتي)، أو الطبيب، أو المهندس أو سائق الباص..؟ هناك فرق بين الجدوى والغرض والهدف هل الافتقار للغرض العَمَلي يعني أنَّ الكتب واللوحات الفنيّة والآلات الموسيقيّة هي ببساطة مضيعة لوقتنا؟ أود الردّ بأن الفنون هي التي تمنح القيمة بعيدة المرمى والفائدة لنفسها، انها رافعة خفية للحياة تعزز انسانية الانسان.. لأن فِعْلَ الفن بمعنى إنجازه هو ما يميّزنا عن بقية المخلوقات التي تقطن هذا الكوكب، وهذا هو، تحديداً، ما يجعل منا كائنات إنسانيّة. خصوصية الادب الاردني ‘ ما هو أثر أدبك خارج الحدود؟ وهل تعتقد أنك قمت بواجبك في هذا المجال؟ وما انطباعاتك عن ترجمة روايتك الأخيرة إلى الانجليزية والتي ستقوم بإنجازها الدكتورة نسرين أختر خاوري؟ وما تقييمك لحركة الترجمة في الأردن من العربية إلى لغات أخرى، وما الذي يمكن أن تحققه من أهداف؟ ‘ خارج الحدود: الادب المكتوب في الاردن يحمل خصوصيته الاردنية في اطار الادب العربي عامة.. ويعاني من تصنيفه من نتاج التخوم. تماما كما يجري التعامل مع كتاب المحافظات في العواصم العربية. من يتواجد بالعاصمة هو الحكم حتى ولو كان صحافيا.. ورسميا لا تحفل الدولة بالادب والفن عموما ولا يلمع اعلامها الا الموالين.. فاين المفر؟ بالصدفة ترجمت لي اكاديمية المانية مجموعة قصص (قلب المدينة) الى اللغة الالمانية ونشرتها هناك عام 2005م. ومؤخراً تقوم الصديقة نسرين اختر خاوري بترجمة روايتي الاخيرة (القط الذي علمني الطيران) وهي تنشر ما تترجمه من فصول تباعا في مجلة ادبية متخصصة في امريكا املا بان تجد ناشرا امريكيا يهتم بتبني الكتاب ونشره باللغة الانكليزية.. لان نشره هنا وطباعته هنا مترجما اتفقنا الدكتورة نسرين وانا انه رقص في العتمة ـ بصراحة ادمنت التجاهل من جمهور واسع من القراء وبعض النقاد.. كما ادمنت سوء الفهم وتسطيح المعنى وهبش المبنى من بعض من يقرؤون ومن كثير ممن ينقدون .. اكتب لان الكتابة تمنحني السعادة والرضا عن الذات والتوازن الداخلي.. هل انفي الجدوى العامة من الكتابة.. واتساءل هل الفن عديم الجدوى، على الأقلّ عند مقارنته، لنقُل، بعمل فني الاسنان (مهنتي)، أو الطبيب، أو المهندس أو سائق الباص..؟ هناك فرق بين الجدوى والغرض و الهدف هل الافتقار للغرض العَمَلي يعني أنَّ الكتب واللوحات الفنيّة والآلات الموسيقيّة هي ببساطة مضيعة لوقتنا؟ أود الردّ بأن الفنون هي التي تمنح القيمة بعيدة المرمى والفائدة لنفسها، انها رافعة خفية للحياة تعزز انسانية الانسان.. لأن فِعْلَ الفن بمعنى إنجازه هو ما يميّزنا عن بقية المخلوقات التي تقطن هذا الكوكب، وهذا هو، تحديداً، ما يجعل منا كائنات إنسانيّة. الرواية والايديولوجيا ‘ هل يمكن للرواية أن تعيش بعيداً عن السياسة والأيديولوجيا؟ ما هي حدود الأيديولوجيا والإبداع.. وأين تكمن الخيوط الفارقة بين جمالية النص الابداعي وأخلاقياته، بمعنى آخر ما هو الالتزام عند هاشم غرايبة ؟ ‘ عندما اكتب لا افكر بارضاء ايديولجيا ولا محاباة رقيب داخلي او خارجي.. ولا اراعي انحيازي لليسار. لكني يساري ومؤمن بضرورة الوحدة العربية وتحرير فلسطين وتطهيرها من رجس الايديولوجيا العنصرية الصهيونية.. ولحد الان لم تقودني كتابتي الحرة خارج هذه القناعات والا كنت بدلتها. عندما أقص عليكم أكاذيبي.. أشعر أنى فوق كل التزام، وأقوى من أي إكراه، وأني حرٌ طليق بلا كثافة ولا تكلف.. إنه جدٌّ ممتع أن أقصّ عليكم أحلامي وخيالاتي على أنها حقيقة! قصتي أصدق مني.. روايتي أذكى مني! السرّ في الدهشة! فالعقل يستحسن ما وقع في النفس موقعاً منفردا.. لما تعاد مشاهد مباراة كرة القدم على البطيء: يبدو الحكم سخيفاً، وتصير النتائج غير منطقية، ويظهر اللاعبون كممثلين رديئين!.. الأسلوب وحده قادر على بث الدهشة في المشهد.. الأسلوب هو الفن وهو مكمن الجمال. فالبذور نائمة.. حتى تحس إحداها بالفنتازيا فتستيقظ!.. ولكن يا للحيف!.. قليلة هي الأزهار الطالعة في حرش العليق الشائك متباهية بأسرارها. نص الحياة أوقد ناره بعيداً عن مضارب القبيلة، بعيداً عن، بعيداً عن فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر.. قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون.. لكم حكاياتكم ولي حكايتي! ما زال البشر يشعلون الحروب، ويتحدثون عن صراع الحضارات، وصراع الطبقات، وصراع الأديان، ويتبارون بالتحليلات المنطقية والتنظيرات الرصينة.. كل هذا؛ ليروج المنتصر قصته الخاصة عن الكون ونمط العيش.. انا معني بقصتي بروايتي عن هذا الكون كما اره من نافذتي. ‘ بعيداً عن الأدب ؟ تشغلنا في الفترة الأخيرة الثورات العربية .. تلك الثورات التي غيرّت من خريطة الأنظمة العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج و أخرجت الشعوب العربية من صمتها .. وسؤالي: كيف تراقب الوضع العربي الراهن؟ وما هو دور المثقف العربيّ في التغيرات الجذريّة الحاليّة ؟ وبرأيك،ما هو المعوق الأساسي في أن يكون للمثقف دور مؤثر على حركة الشارع والناس والحياة ؟ ما هو دور المبدع كما يراه الروائي هاشم غرايبة، وبصيغة أخرى، هل استطاع المبدع أن يكون مؤثراً في تلك الثورات قبلها وبعدها ؟ ‘ ربيعنا قصير النفس عادة بضع اسابيع من الدفء والخضرة تليها موجات من الحر تسرع نضج المحاصيل.. لكن موسم الحصاد طويل ويحتاج الى الصبر والمثابرة.. ها نحن ندفع ثمن تخلفنا. وثمن اميتنا. وثمن تجريف العقول من قبل الدكتاتوريات المفلسة. وثمن التسليم للنخب الفاسدة المفسدة. وثمن تابيد الحكام وثمن توريث رقاب العباد وثروات البلاد. فكان لا بد من ان يتفجر التغيير بفعل قانون الطبيعة واقانيم الحياة.. لا بقعل الايديولوجيا والبرامج البديلة. فمن الطبيعي ان يتداعى الاكلة الى القصعة ويفرحون بالفوضى ‘الخلاقة’ لكن العتمة ابدا لم تحم الحرامي. ودائما تبلورت البنى الفوقية انعكاسا للبنى التحتية، لكن هذا التبلور والثبات والوقوف مجددا لا يتم بين ليلة وضحاها. أما دور المثقف .. ‘أي دور للمثقف في صناعة الرأي العام العربي؟’ أسأل نفسي!.. فأجد حالي مثل حال تلك الطفلة تحب اليراعات المضيئة. وكان حريق. قالت الطفلة إنها بطيئة سيدركها الحريق. حاولت الطفلة إنقاذ اليراعات الجميلة. قال أبوها: لن تستطيعي إنقاذ إلا القليل.. إنها كثيرة جدا. قالت الطفلة ببراءة: هذا القليل هو طاقتي. سحبها والدها من يدها بلا اكتراث!’ المجد اليوم للاعلام المرئي وفرسان الفضائيات.. هذا التهافت يدعو للتساؤل عن حصة المثقف في توجيه الاعلام في ظل طاغوتي المال والسلطة؟ .. هنا يبدو لي المثقف ضيفا حائرا ثقيل الظل أمام فسطاطين و (ربما أمام مخيمات).. تقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون.. غربة أبو حيان التوحيدي، وابن رشد بين أهلهم، وأسفار المتنبي وابن خلدون بين الأمصار، عبرت عن معاناة المثقف العربي في معركته مع الواقع المر في مراحل الانحطاط والجمود والتشرذم.. لكن هذه النماذج الفذة تؤكد أن المباراة بين بؤس الواقع، وبين العقول البشرية الفطنة عادة ما يفوز بها مبدعون متميزون يقبلون التحدي ويشتعلون مرسلين ومضات من اللهب يستمدونها من مواقدهم الروحية الثرة. عبر التاريخ العربي وربما عبر التاريخ عموما دائما كانت الثقافة تنحط إلى أدني سلم الاهتمامات الاجتماعية عندما تنحط الحضارة وتصغر الأحلام وتتسيد العصبيات .. ودائما كانت ترقى إلى إنسانيتها عندما يجري الاهتمام بها بوصفها منتجا حضاريا يلبي حاجات المجتمع الروحية ويوفر المناخ الجيد للوفرة الاقتصادية ويهذب التعامل مع الحاجات المادية للبشر. حسب جرامشي لا يمكن أن يكون المثقف العضوي ‘تقليديا’ لأن دور المثقف العضوي هو دور تنويري ونضالي أكثر منه دور تثاقفي بحت، أما تدبيج كتابات مستلبة للذات تسقط في فخ الإبهام والتهويم، تنظر للإنسان العربي بعين عاجية ترى الدم بلون الحبر، عبر كتابات مصابة بفوبيا ورهاب الاقتراب من الواقع كي لا ترى قضايا الإنسان العربي الحقيقية، هي شريكة آثمة في كل ما يحدث للإنسان العربي من قتل مجاني على الهوية، وكل ما يحدث في المجتمع من تحولات سلفية، أو حالات استلاب انعزالية.. اللحظة العربية الراهنة عسيرة ومجيدة وحبلى باحتمالات متناقضة، وهي في ذمة كل مثقف يعي مهمته في أن يدافع بل أن يناضل من أجل حماية إنسانية الإنسان العربي وحقه في ان يكون حرا ومطمئنا بل حرا مطمئنا.. ‘ ما رأيكم بعلاقة المثقف بالسلطة ؟ ‘ اي سلطة تعني؟!.. لا يوجد جواب بالمطلق. أنا مؤيد للسلطة بالسويد وكوبا مثلاً.. لكن هذا لا يعفيني من نقدهما اذا عشت في كنف واحدة منهما! ‘ دعني أسألك سؤالا أخيراً:- الآن بعد كل هذا الذي تحقق أين أنت، وماذا عن تصورك للمستقبل، هل أنت الآن في حالة صمت أم في حالة كتابة؟ وبماذا تختتم هذا الحوار؟ ‘ روايتي التي انجزتها تقريبا عن حوارة.. وانا اكتب عن حواره اكتشف تطور المجتمع الاردني وتقلباته.. اكتشف ان الحياة تسير من البر الى البحر لحياة والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تمشي من بغداد الى حيفا مرورا بحوارة.. من الشرق الى الغرب .. متقاطعة مع طريق الصحراء الذي وصفه الرحالة الجواسيس ورسموا مخططاتهم على اساسه. الطريق الصحراوي من سطنبول الى مكة المكرمة.. الذي سلكه العثنانيون والرحالة الغربيون ثم المستعمرون والمستشرقون والساسة العرب كلهم قادتهم المصالح لسلوك هذا الطريق ورغبةا بقصدية ان يفهمونا ويقسمونا من الشمال الى الجنوب.. الصحراء للعرب والساحل للغزاة! حوارة محور روايتي الحالية؛ اعرف انها ليست مركز الكون.. ولكنها نافذتي لرؤية وقراءة الكون.. بطلي هنا لا يملك فرصة للعيش والبقاء ثم التقدم والمنافسة إلا بعقله ومهاراته، يراهن على عقله، وليس ما تمنحه الطبيعة وأنهارها الهائلة الدائمة كما في مصر والعراق والهند والصين… لم يمكن ثمة مجال للاستقرار والبقاء والخروج من دوامة الترحال وراء الغذاء والدفء سوى إبداع حياة جديدة تلائم الشتاء والبرد والطبيعة وفصولها، وتحويل قسوتها إلى مصدر للعطاء والموارد الجديدة،.. فكان زيت الزيتون والنبيذ والملح،.. تحويل الفائض الذي تمنحه الطبيعة في الصيف والخريف إلى موارد وأطعمة وسلع جديدة تساعد على البقاء والاستقرار في مكان واحد طوال العام، وتحويل فائضا الماء في الشتاء إلى أنظمة ري وتخزين للماء يعين على مواصلة الزراعة والحياة في الصيف، بل وأمكن التبادل مع أبناء الأنهار العظيمة سلعة بسلعة، فكانت المقايضة وأمكن إنتاج فائض من الموارد ينشئ المدن والمؤسسات ويمول العلماء والكهنة المتفرغين للإلهام والتعليم وتنظيم حياة الناس وإدارتها،ثمة أرض أخرى أجمل، وأعتقد أنني لكنتُ فضّلتُها; ولكني في حوارة وُلدت.. رائحة حليب وعشب. رائحة زيتون وخبز. رائحة النعناع والزعتر المخبأة في ثوب أمي.. حوارة هي الوطن: صوت أذان الفجر. وزقزقة العصافير. وتفتح شقائق النعمان، وشقعة المزراب. وصوت جدي: كان ياما كان.. روايتي الجديدة عن ‘سكان كوكب الفيس بوك’.. الكائن الفيسبوكي يُقلّدُ الصادقَ وليس صادقًا، يقلّدُ المثقف وليس مثقفًا، يقلّدُ الفيلسوف وليس فيلسوفًا، الأديب وليس أديبًا، الفنّان وليس فنّانًا، الحزين وليس حزينًا، المريض وليس مريضًا، النصاب وليس نصابًا، الطبيب وليس طبيبًا، الصحفي وليس صحفيًا لا نتيقن من خبر. لا ندقق في معلومة. البث مباشر من العين الى الاصابع. لا يمر على العقل ههههههههههه البوستات والتعليقات انفعالية ولحظية ع الفيس بوك. ترتيبها في نص ادبي يرسم صورة كاريكاتيرية لاوضاعنا.. ‘هذا واقع بما فيه من خيال وواقعية، بما فيه من كذب وصدق من حزن وفرح من ثنائيات يخلو الواقع منها، هنا عبثية سكان بحجم الحقيقة والوهم؟ !! ستكون رواية بحجم ما نعيش من التخبط والفرح والحزن وإعادة انتاج الامل. |
هاشم غرايبة يهدي سيرته لبوعزيزي
http://www.aljazeera.net/mritems/ima...51025_1_34.jpgغلاف رواية "القط الذي علمني الطيران" لهاشم غرايبة (الجزيرة نت) محمود منير-عمان تمثل رواية الكاتب هاشم غرايبة الجديدة "القط الذي علمني الطيران" قصة الحرية التي هي مطلب الشعوب العربية اليوم، ويرى فيها الروائي الأردني زمن أحلام الوحدة العربية وتحرير فلسطين التي سحقت، ليهديها إلى الشباب، الذين ينجزون الحلم من دون أفكار وأيديولوجيات كبرى، كما يظهر الإهداء الذي كتبه: إلى روح محمد بوعزيزي.. وللإرادة الحرة. ويصف غرايبة روايته، التي صدرت عن دار فضاءات للنشر والتوزيع بقوله "هي رواية السجن كتبتها إثر خروجي من السجن عام 1985، وحتى صدورها بقيت مخبأة خلف جميع نصوصي التي أنتجتها، ربما كانت حاضرة خلف (المقامة الرملية)، وبين سطور (الشهبندر)، وكانت تخاتل (بترا)، لكن الكاتب لا يدرك متى تنضج الثمرة في داخله وتقول له: الآن وقت قطافي". وبين المخفي والمتجلي، يضيف صاحب (بيت الأسرار) "عندما فتحت دفاتر تاجر عماني في سوق السكر لم أتوقع أن هذا الدفتر سيأخذني إلى عالم عمّان في الثلاثينيات، وحينما وقفت أمام معبد الكتبا في البتراء، لم أعتقد أن هذه الحجارة ستنبت رواية "أوراق معبد الكتبا". "القط الذي علمني الطيران" هي رواية مدينة إربد وقرية حوارة، مسقط رأسه، ورواية السجن الذي كان دار سرايا عثمانية ثم تحول سجنا ثم صار متحفا اليوم، وفق غرايبة الذي سجن بين العامين 1977 و1985 بسبب انتمائه للحزب الشيوعي الأردني.http://www.aljazeera.net/NEWS/KEngine/imgs/top-page.gif http://www.aljazeera.net/mritems/ima...87708_1_23.jpgغرايبة: روايتي "رسالة جيل إلى جيل آخر" (الجزيرة-أرشيف) أدب السجون "عدوى الكلام" لم تنقطع بعدما وسمت إحدى مجموعاته القصصية، إذ يروي تجربته في إحدى حلقات برنامج "أدب السجون"، الذي عرضته قناة الجزيرة، موضحا "وقفت في المكان نفسه الذي كنت فيه مسجونا، فتوجه إلي أحد موظفي المتحف بالقول "أفعل كذا ولا تفعل كذا"، فكان ردي "إن هذا المكان يخصني أكثر مما يخص الحكومة، ومن هذا الموقف تولدت شرارة خلق الرواية التي عشت أحداثها في هذا السجن". البدايات تعيد صاحب "هموم صغيرة" إليها، بعد رحلة طويلة ابتعد فيها عن مرحلة شبابه وقريته وانخراطه بالعمل السياسي، حوالي ربع قرن من الزمن. عود إلى حوارة التي ولد فيها غرايبة عام 1953، وهي استرجاع لدفء حالة غابت أو "أضمرت في نصه"، بسبب الانكسارات التي أصابت صاحبها من جهة، أو لخوف مضاعف عليها، فخبأها جيدا، موقنا أن لحظة -مثل التي نعيشها الآن- ستستوعبها. في الصفحة 139 من روايته يكتب "أنا الراوي هاشم غرايبة، كنت أقلب أوراق كناش مصفرة كتبتها قبل ثلاثة وثلاثين عاما، فطارت من بينها زهرة ياسمين مثل فراشة بلون التبن لتحط على كفي، وتصل روحي بخيط من شذى الياسمين مع زهو الشباب، وزمن الإلهام، ودفء الحلم، وقدسية الكرامة الشخصية.. فسطع حبر الكوبياء موقظا الذكريات الغافية في كف الزمن". بشذى ياسمين وزهو الشباب وإلهام وحلم وكرامة وأشياء أخرى تنكتب رواية "القط الذي علمني الطيران" في 204 صفحات من القطع المتوسط، لتكشف جانبا هاما من السيرة الذاتية لكاتبها. "بدأت فكرة الكتابة عن السجن حينما رجعت إلى أوراقي التي كتبتها في السجن، ووجدت فيها أزهار ياسمين جافة، حيث كانت رائحة الياسمين تقاوم العفونة والرائحة النتنة للسجن"، يقول غرايبة في حديث للجزيرة نت.http://www.aljazeera.net/NEWS/KEngine/imgs/top-page.gif http://www.aljazeera.net/mritems/ima...87709_1_23.jpgغرايبة كما ظهر في برنامج "أدب السجون" (الجزيرة-أرشيف) لحظة الكتابة "رائحة الياسمين" واظبت على حضورها وأيقظت "لحظة الكتابة" لديه، وأعادته إلى "زمن الحلم والشباب حيث كان يدهشهم كل ما يصادفونه، كما قادته تلك الرائحة إلى منطقة جديدة تستنطق تلك الدهشة ولا تعقلنها، وربما، تشكل انعطافة بعد مغامرات روائية لإعادة إنتاج التاريخ، ومنها روايات "الشهبندر" و"بترا و"أوراق معبد الكتبا". "كان الروائي الشاب فيّ يكتب رواية التجربة ضد رواية "الحكمة" التي يرويها الخمسيني الوقور في داخلي"، بهذه العبارة يختزل صاحب "قلب المدينة" اقتراحه الجمالي والمعرفي في "القط الذي علمني الطيران". ليست محاكمة نقدية لتجربته السياسية، بل "أنسنة" لها. والقط، الذي شكل عنوان الرواية وأحد شخوصها هو حتما إشارة مقصودة لحيوان بري تعايش مع الإنسان 500 ألف سنة، لكنه لم يصبح حيوانا أليفا "مدجنا". رواية سادسة لهاشم غرايبة أرادها "رسالة جيل إلى جيل آخر"، في مضمونها، لكنها حتما إعادة لمقولة سابقة له "الآن، دائما نحن ذاهبون إلى ذلك العالم الذي لا نعرفه، لكن نحاول أن نكتشفه". وجاء على غلاف الرواية "الكون كله خصم يستحق المبارزة، بما أننا نعيش مرة واحدة، فلتكن مغامرة إقدام تستنفذ كل قوانا... لنكن مع أقران لنا يشبهوننا في عقولهم وقلوبهم نفتخر بما نعمل.. فعندما يحمل الناس وهم في قمة عنفوانهم قناعات وقيما، عليهم أن يتصرفوا وفقا لها. وينفذوها..". |
السجن جامعة الجامعات
|
أتصور أن السجن بمفهومه كمركز لإعادة التأهيل هو مكان إيجابي لعزل متجاوزي القانون حتى يعاد تأهيلهم للإنخراط بالحياة الإجتماعية من جديد .. و في إثراءك الممتع نلاحظ أن الأمثلة الناجعة للمعتقلين كانوا غالبا تحت ما يسمى بالمعتقلات .. و تبادر إلى ذهني تساؤل حول الفرق بين المعتقلات و السجون ام إنها تتشابه رغم اختلاف المسميات .. و هل سجوننا في البقاع العربية مؤهلة لإعادة تأهيل المساجين إنسانيا قبل تأهيلهم علميا و عمليا .. المعادلة ظالمة في نظري .. كل الحب أستاذ أيوب |
مبدع وُضع قسرا في السجن ،بالتأكيد سيولي اهتماما لميولاته الإبداعية ،بما أنه سيركن إلى عزلة لامخرج منها ،ولايعاني من التشتت الفكري،كما هو الحال وراء القضبان بين الهرج والمرج ،ومطالب الحياة النفسية والإجتماعية.والتعبير عن الحالة بمصداقية طبعا ،يُضمخ المحصول الفكري بماء العواطف ،الدافئة، المؤثرة ،والتي ترسخ في ذاكرة القارئ بعد تمرير الأجفان عليها، لمدة غير محدودة بمكان أوزمان .ولو أن السجن بين الجدران مُلهما ،لماذا نلمس تفوق الذكور المبدعين من حيث التعداد ،على الجنس اللطيف المُبدع،( السجين في البيوت) ؟
الجدران المظلمة وحدها ،لن تكون مُسببا للإبداع ،وخاصة إذا بينها مايبعث الملل والإمتعاض كالتعذيب ،والإزعاج ،أو حتى كثرة زيارات الأقارب.ما يحتاجه المبدع ليستحضر الإلهام ،هو: "تجربة حقيقية " و" الهدوء"،سواء أوجد في السجن، أو حتى في قصر بهيج تحفَه الأزهار ذات اليمين، وذات الشمال. مجرد رأي ،،،وكل الشكر للأستاذ أيوب صابر وتحية طيَبة. |
السلام عليكم ورحمة الله الوحي ينطلق من نفس بشرية مبدعة، خلاقة، باحثة، مستكشفة لكل ما هو جديد ومفيد، فلو كانت هذه النفس لديها قدرات إبداعية ستظهر في السلم والحرب والأمان والخوف، في الصحة والمرض وكذا داخل القضبان وخارجها، فليست السجون هي الدافع للتأمل والكتابة والتأليف، بل ما يغوص في أعماق النفس السجينة، والسجن يكون دافعا لمن لهم القابلية للإبداع، مسامهم تتنفس وشرايينهم تنبض بالعلم والأدب والتفكير، يتأقلمون مع جميع الأجواء، سواء كانت صحية أو موبوءة، أما من خلقوا ليأكلوا ويتناسلوا فكما قالت الاستاذة امباركة البشير حتى لو وضعتهم في بروج مشيدة وقصر منيف فلا حياة لمن تنادي . |
الاستاذ خالد البلوشي يقول جبران خليل جبران ان اللؤلؤة " هيكل بناه الالم حول حبة رمل " لذا السجن بمفهومه كمصنع للالم هو الذي يؤدي الى زيادة في نشاط الدماغ ويجعله قادر على توليد النصوص الابداعية ، طبعا توفر عناصر المعرفة الكتابة والقراءة الخ يساهم في بلورة التوجهات الابداعية وصقل ادوات توليد النصوص. والكلام ينطبق على كل سجين لكن حتما عناصر التأثير تكون اعظم على سجناء الفكر والراي الذين يمتلكون أسس ومقومات القدرة على الإبداع، وهناك في المعتقلات تكون عملية الصقل اسرع تأثيرا لكن ذلك لا ينفي بان بعض السجناء الجنائيين يختبرون تحول ـهايل اثناء تجربة السجن ومنهم صاحب المقولة " الوحي يسكن بين جدران السجن الفرنسي المدعو جان جونيه. اما سؤالك : " و هل سجوننا في البقاع العربية مؤهلة لإعادة تأهيل المساجين إنسانيا قبل تأهيلهم علميا و عمليا .؟ - اتصور انه كلما زادت وحشية السجان والم القيد و وحشة السجن ومأساويته وعزلته كلما زاد اثر ذلك على عقل السجين ولا اتصور ان سجنا اثقل على سجين مثل ما اثقل سجن التمييز العنصري على مانديلا ولكنه خرج ليقود الامة ويحصل على جائزة نوبل ويلعب دورا مهما في مجال التحرر على مستوى العالم . |
السجن جامعة الجامعات والسجون حتما العامل الاهم من حيث صانع العباقرة والتاريخ يشد على ذلك حيث نجد ان عددا ليس قليلا من المسجونين السابقين تحولوا الي قادة افذاذ.. |
الساعة الآن 05:11 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.