منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   سيناريو الزيف والرتابة. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=10535)

محمد نديم 01-19-2013 07:50 AM

سيناريو الزيف والرتابة.
 
سيناريو الزيف والرتابة.
بقلم ( محمد نديم علي)


المنظر : ليل داخلي ،،،،
أريكة باردة ،، أطباق عشاء ،جائعة ،،، مزهرية ،، مطفأة سجائر قديمة ،هاتف صامت ،، ،، مصباح غرفة نصف مغمض ،، ، تلفاز ،،، بالوعة مطبخ نظيف ،،، و أنفي.

أنفي تتحسسني ،،، لن أطاوع شيطان القرف ،، لن أضع أصبعي في فتحة أنفي ،،، أمي علمتني أن أكون نظيفا ،،، نسيت كثيرا من نصائحها ،، بين شرور التنافس وضرورات العمل ،،، وقوانين الغابة . فكثيرا ما غافلتها وفعلت فعلتي التي فعلت.

مزهرية نحاسية مصقولة بخطوط سوداء رائعة ،،، هل تستعد لتلقي العزاء في زهور ذابلة؟

كانت أول ما اشتريت قبل الأثاث وقبل الطعام ،،،، ما زال لونها يبهرني ،،، وصمتها أيضا ياللذكريات !! آه كم مر عليها من زهور !!
شاشة التلفاز خرقة من قماش وسخ ،،،، !!لمحت بائع الليمون في حارتنا ،،، يقود مظاهرة ضد الدولة المدنية !!!

امتلأت أطباق العشاء بالأحاديث البالية ،،، يرن الهاتف ذو الأسلاك المرتخية ،، رنات كسولة ،،، ركضت إليه ،،، كنت أقاوم السقوط ،،،
توقف قبل أن ألمس السماعة !!!
عدت لأعقاب سجائري القديمة منذ سنوات ،، ,لأتأكدمن إطفائها ،، ثم،، ألقيت بها في عين البالوعة!!!

ومددت جسدي بارتياح تام إلى جوار ذكرياتي الحميمة على الأريكة الفارغة.
وفي بؤرة مصباح الغرفة تأكدت من رؤية أقمار لوجوه الشهداء المبتسمين !!!

ريم بدر الدين 01-19-2013 08:16 AM

ليس من السهل بمكان تفكيك هذا النص بالرغم من البساطة الماكرة التي يوحي بها
لكل شيء هنا قرين و لكل منهما دلالة و إسقاط
البالوعة و مطفأة السجائر
مزهرية و زهور ذابلة
مصباح غرفة نصف مضيء و مرور للشهداء في بؤرته
وسواس نظافة و تصرف يعانده
هاتف صامت .. هاتف يرن و لا يُرد عليه
أ. محمد نديم
اعذر تطفلي فالنص فعلا فيه تكثيف مدهش
تعودنا منك دوما وافر الابداع
تحيتي لك

ايوب صابر 01-19-2013 12:37 PM

نص قصصي مزلزل بحق. اؤيد ما طرحته الاستاذه ريم بدر الدين ويمكننا طبعا ان نتحدث باسهاب عن الاسباب التي جعلته نصا جميلا مزلزلا.

العنوان: "سيناريو الزيف والرتابة".

بداية العنوان ملفت ويخلق في نفس المتلقي ما يكفي من الفضول ليتعرف على هذا السيناريو؟! فيندفع للقراءة، وكلمة سيناريو بحد ذاتها توحي بالكثير وكأننا بصدد فلم مشكل من سلسلة من المشاهد التي توحي بالزيف والرتابة.
طبعا العنوان غير مألوف وربما انه طويل شيئا ما بالمقارنة مع النص، لكنه حتما موحي ويبعث الفضول.

" المنظر : ليل داخلي ،،،، أريكة باردة ،، أطباق عشاء ،جائعة ،،، مزهرية ،، مطفأة سجائر قديمة ،هاتف صامت ،، ،، مصباح غرفة نصف مغمض ،، ، تلفاز ،،، بالوعة مطبخ نظيف ،،، و أنفي".


مدخل القصة : القاص يكتب وكأنه يرسم، او يصور، وهو يركز على المشهد مما يجعل قصته من النمط القصصي الصعب، والذي لا يتمحور حول البطل أو الحبكة وإنما يغلب فيه وصف المشهد الذي يهدف القاص من خلاله إلي إيصال الفكرة من خلال التصوير الجميل والموحي، والمنظر الذي أتقن رسمه.

فالمتلقي يقرأ وكأنه يشاهد وصفا للمكان (المشهد) الذي يجهز لجلسة تصوير احد المشاهد في فلم رعب...فالليل شديد العتمة كونه (داخلي)، والبرودة تبعث القشعريرة في الجسد والنفس، وأطباق العشاء الفارغة توحي بالفقر والبؤس، والمزهرية أشبه بقبر للأزهار التي ماتت من زمان، ومطفأة السجاير القديمة تنم عن حالة الكآبة والبؤس، والصمت يعني الموت، ومصباح الغرفة أكل عليه الدهر وشرب ولا يكاد يضيء،بل هو نصف ميت، تلفاز، وبالوعة مطبخ نظيف وهو ما يوحي بأن المكان كان مسرحا لكثير من الحياة والنشاط ولكن الموت والسكون أصبح لمها الغلبة والسيادة.

المشهد يبعث في النفس القشعريرة ويهئ المتلقي لكل الاحتمالات التي تصبح مفتوحة لكنها تتمحور حول حالة البؤس والكآبة والموت الذي حل بالمكان.

ونجد ان القاص يُانسن الاشياء هنا فهو يصف الاطباق بأنها جائعه والهاتف صامت، ومصباح نصف مغمض وهذا التشخيص يبعث الحياة في النص حيث تصبح الاشياء وكأنها كائنات حية.

كما انه نجح في اختيار كلمات موحيه وتوقظ في المتلقي المشاعر، فالمشهد يغلب عليه الظلمة والبوردة والجوع والصمت.

وكلمتي ( صامت + مغمض ) توقظ في المتلقي حواس السمع والبصر فيندقع لاستكمال القراءة وهو في حالة انتباه وترقب وقد استنفرت حواسه.

يتبع،،،

ايوب صابر 01-21-2013 03:03 PM

،،تابع

اقتباس " أنفي تتحسسني ،،، لن أطاوع شيطان القرف ،، لن أضع أصبعي في فتحة أنفي ،،، أمي علمتني أن أكون نظيفا ،،، نسيت كثيرا من نصائحها ،، بين شرور التنافس وضرورات العمل،،، وقوانين الغابة . فكثيرا ما غافلتها وفعلت فعلتي التي فعلت".

طبعا مدخل القصة يوحي بأن بطل القصة عائد إلى المكان كان فيما مضى عامر بالحياة، لكنه أصبح خاوي لأسباب لا نعرفها ولا يصرح بها الكاتب صراحة، ولكننا نستطيع أن نستنتج من الفقرة الثانية ما يرمي إليه القاص. ذلك من خلال حديثه عن والدته التي ذكّره المكان فيها والتي كانت تمنعه من مطاوعة شيطان القرف.

من هنا يمكننا أن نستشف بأن غياب الأم هو سر ذلك الجو الكئيب الذي أتقن القاص رسمه ووصفه.

وفي مطلع الفقرة الثانية نجده يستثير فينا حاسة الشم، بذكره للأنف والتحسس، ويستثير فينا مشاعر القرف، وهو يكرر كلمة الأنف في هذه الفقرة ثلاث مرات، وهو أيضا يسخر النقائض بذكره للقرف والنظافة، وذكره للنصائح والشرور.

وما يعزز الاحتمال بأن الأم غابت منذ زمن بعيد بسبب الموت هو نسيان بطل القصة للكثير من نصائحها، كما يقول القاص، بسبب انشغاله كما يقول بالأمور الدنيوية التنافس وضرورات العمل وقوانين الغابة، وفي نفس الوقت بسبب الحالة التي وجد عليها المكان الذي كان يسكن فيه معها.

وفي عبارة " وفعلت فعلتي التي فعلت" تسخير ذكي للنص الديني بكل ما يحمله ذلك النص ويرتبط به من معنى وإيحاء، حيث يوقظ في المتلقي فجأة كل ما يرتبط بالذهن من أمور دينية حول الأم والحياة والموت والمعصية والعقاب والغفران والشيطان.

وفي هذه الفقرة ينجح القاص في رسم ملامح لشخصية بطل القصة بكلمات قليلة ومكثفه، فهو شخص عائد إلى مكان ولادته أو المكان الذي كان يسكن فيه مع أمه، تلك الأم التي عملت على تربيته لكنه غادر المكان منذ زمان لينشغل بأمور الدنيا وهو يزوره بعد انقطاع طويل ليجده اقرب إلى ألخرابه.

والمهم أن زيارة المكان تشعره بالذنب كنتيجة لانشغاله بأمور الدنيا. فهو شخص يحاسب نفسه، وعلى الرغم من انشغاله فيما مضى في خضم الصراع على لقمة العيش، يجد نفسه يقاوم شيطان القرف، وفي ذلك ما يشير إلى حالة الصراع الداخلي الذي يعاني منه بطل القصة، وهو ما يزيد من حدة التأثير.

ونجد القاص يمحور نصه حول صراعات متعددة في آن واحد وبطريقة ذكية للغاية، الأول ربما بين الحياة والموت من خلال وصف المشهد، والثاني بين النفس الإمارة بالسوء والانا العليا مخزن التعليمات والنصائح، والثالث بين النفس والشيطان،فالقاص يجعل للقرف شيطان وهو يقاومه الآن، ولا ننسى الصراعات المتعددة التي توحي بها قوانين الغابة والتنافس.

ووجود الاقتباس الموحي بالارتباطات الدينية يبرز هذه الصراعات بشكل حاد مما يجعل النص بالغ التأثير .

يتبع،،،

ايوب صابر 01-22-2013 11:25 AM

تابع،، محاولة لفهم ابعاد النص هنا:

اقتباس " مزهريةنحاسية مصقولة بخطوط سوداء رائعة ،،، هل تستعد لتلقي العزاء في زهورذابلة؟".

في هذه الفقرة يقوم القاص بإعادة توجيه الكاميرا إلى المكان لاستكمال وصف (المشهد) بعد أن كان قد سلط الكاميرا على انفه في الفقرة الأولى وتوقف ليصبح انفه وكأنه مركز الكون.

واستمر في تسليط الكاميرا على انفه في الفقرة الثانية، وهو يناجي نفسه ويعود بالذاكرة إلى الوراء، ليعود من جديد لوصف المشهد هنا.

وهو هنا يقول الكثير بكلمات محدودة. ولاشك أن الفقرة شديدة التكثيف لكنها تبرز من جديد ذلك الصراع بين الحياة والموت.
وهو يسخر هنا الألوان ( نحاسية + سوداء ) كعناصر تأثير، ومرة أخرى يستثمر القرائن كعناصر تأثير أخرى.

فمن ناحية يتحدث عن مزهرية نحاسية لكنها موشحة بالسواد وهو لون يوحي بالموت والظلام والخوف، ويتساءل: إذا هل هذه المزهرية تستعد لتلقي العزاء؟ بماذا؟ بزهور ذابلة؟

وفي ذلك إبراز للصراع الوجودي بين الموت والحياة، والوصف كله مؤشر على تلك الحالة النفسية البائسة والظلامية المسيطرة على البطل في تلك اللحظات، فحتى المزهرية يرها مثل القبر للإزهار على الرغم من إعجابه بألوانها النحاسية والخطوط السوداء التي توشحها.

أما رمزية الوصف هنا فربما نتمكن من فهمها من خلال الفقرات التالية، خاصة مشاهدته لصور (الشهداء) في الفقرة الأخيرة، فربما هو يرمز هنا للشهداء الذين سقطوا في عمر الزهور؟ والصراع الذي يحاول إبرازه هو صراع الموت والحياة في ساحة الحرية والتي ربما رمز لها بالمزهرية ، وهو يتساءل هل تستعد هذه الساحة لتلقي العزاء بمزيد من الشهداء؟

فعلا نص غني وعميق ومكثف وموحي ومحير!

يتبع،،

ايوب صابر 01-24-2013 11:55 AM

السؤال المحير هو : ما علاقة سيناريو الزيف والرتابة بالنص؟

ايوب صابر 01-27-2013 04:55 PM

تابع،،

اقتباس "كانت أول ما اشتريت قبل الأثاث وقبل الطعام ،،،، ما زال لونها يبهرني،،، وصمتها أيضا يا للذكريات !! آه كم مر عليها من زهور !!

يعود البطل في القصة ليحكي لنا قصته مع المزهرية، فيقول بأنها كانت من بين أول الأشياء التي اشترها حتى قبل الطعام، وربما في ذلك رمزية تشير إلى حبه للحياة والجمال التي تمثله الورود، وسر حبه لتلك المزهرية إنما يأتي لقدرتها على احتضان الحياة والجمال بصمت.

واضح أيضا بأن المزهرية تذكره بالزمن الجميل، والذي كانت فيه الأولية للجمال والأزهار وما يرتبط بتلك الحياة من معاني، لكن كل ذلك أصبح ذكريات فقد تبدلت الظروف وتبدل الزمن وأصبحت المزهرية التي أحبها مثل قبر مهجور لإزهار ماتت منذ زمن.

والبطل يتحسر على ذلك الزمن الجميل والذي يبدو انه امتد لمدة طويلة كانت فيه المزهرية تحتضن الأزهار والجمال باستمرار.

طبعا يستخدم القاص هنا تكنيك التصوير السينمائي، وكأنه يمسك بالكاميرا ويسلط الأضواء على تلك المزهرية، كما فعل في الفقرة الأولى حينما سلط الكاميرا على انفه.

وهو يستثير في المتلقي حاستي البصر والسمع من خلال ذكره( للون المزهرية المبهر، ثم صمتها).

وهو حتما يؤنسن المزهرية حيث جعلها صامتة.

يلاحظ أيضا بأن عبارة ( يا للذكريات + آه كم مر عليها من زهور !!) إنما يستثمر القاص من خلالها أزمان متعددة لخدمة زمن القصة الذي يتمحور حول تلك الدقائق التي قام فيها بزيارة المنزل (مكان القصة)، وهو ما يجعل القصة غنية بكل ما يمكن للمتلقى أن يتخيله من احداث حصلت خلال تلك الأزمان الطويلة، التي اصبحت مجرد ذكريات.

يتبع،،

ايوب صابر 01-28-2013 11:06 AM

تابع،،

اقتباس "شاشة التلفاز خرقة منقماش وسخ ،،،، !!لمحت بائع الليمون في حارتنا ،،، يقود مظاهرة ضد الدولة المدنية"!!!

ينتقل بنا الراوي بكاميراته التصويرية إلى مكان آخر، ويسلط الأضواء هذه المرة باتجاه شاشة التلفزيون تحديدا، ونجده هنا يشبه شاشة التلفزيون بالخرقة من قماش وسخ، وحتما أن السبب يعود إلى انه جهاز يمثل سيناريو الزيف والرتابة، وهو وصف لحالة التردي للبرامج التي تبث على تلك الشاشة والمنفصلة عن الواقع المأساوي والمؤلم والبائس الذي وصلت إليه الأمور، والذي يعيشه الناس.

ذلك الواقع الذي أحسن القاص تصويره في المشهد الأول فالليل شديد العتمة، وأطباق العشاء فارغة توحي بالفقروالبؤس، والمزهرية غابت عنها الأزهار رمز الجمال والحب، ومؤشر إلى الزمن الجميل الذي كان مفعما بالحياة والرفاه الاجتماعي، لكن شاشة التلفزيون مستمرة في بث برامج زائفة وشديدة الرتابة وكأن الحديث يجرى عن كوكب آخر، فصار كأنه خرقة من قماش وسخ.

وهنا نجد القاص وكأنه يشرح لنا وفي كلمات قليلة جدا، أسباب قيام الثورة التي لم تقتصر على النخبة، لا بل شملت كل الشرائح المجتمعية، حتى وصلت إلى بائع الليمون، حيث نجد أن الراوي قد سلط عليه الأضواء الكاشفة، وكأنه انتقل بالكاميرا عبر النافذة لينقل لنا صورة ذلك البائع وهو يشارك في مظاهرة ضد الدولة المدنية في الشارع المجاور.

ولا شك أن القاص حينما جعل بائع الليمون يقود المظاهرة، نجح في تصوير مرارة الوضع البائس في الشارع والذي أوصل الأمور إلى حد تحول هذا الشخص من بائع إلى قائد لمسيرة احتجاج.

وأتصور أن القاص قد اختار بعناية طبيعة المهنة التي يمارسها الشخص المذكور، فجعله بائع ليمون تحديدا وليس بائع برتقال مثلا، وذلك لاستثارة حاسة الذوق بحدة من ناحية ولتعزيز صورة الظروف البائسة التي فيها الكثير من المرارة والمذاق الحامض. ذلك ان كلمة مذاق الليمون ترتبط في ذهن المتلقي بتلك الحالة الشعورية حتما.

طبعا في موقع آخر من النص ما يستثير المشاعر بطريقة اخرى، ويدفع المتلقي بالشعور بحالة القرف من جديد وذلك من خلال استخدامه لكلمات ( خرقة من قماش وسخ ).

وفي استخدامه لكلمة (لمحت) استثارة لحاسة البصر، ولا شك أن اختياره لكلمة لمحت نجح في تسليط الضوء على ذلك الشخص بكثافة، فأصبحت الكلمة كأنها عدسة مكبرة عند المتلقي.

والجميل في وصف هذه الشخصية أن القاص جعلها شخصية ديناميكية فهي تحولت من بيع الليمون إلى قائد لمظاهرة ضد الدولة.

وفي النص حركة تبعث فيه الحيوية والحياة،ولذلك نجده بالغ التأثير.

وهذه الفقرة تعزز الاعتقاد بأن القاص إنما يختار كلماته بعناية فائقة، وكل كلمة في النص لها دلالة ومعنى، وتوحي بالكثير، وترتبط من ذهن المتلقي بالكثير، كما ترمز إلى الكثير، مما يعزز الاعتقاد بأنه نص بارع كتب بمهارة فائقة.

يتبع،،

ايوب صابر 01-29-2013 02:21 PM

تابع،،

اقتباس "امتلأت أطباق العشاء بالأحاديث البالية ،،، يرن الهاتف ذو الأسلاكالمرتخية ،، رنات كسولة ،،، ركضت إليه ،،، كنت أقاوم السقوط ،،، توقف قبل أنألمس السماعة !!!".

واضح أن القاص استخدم أسلوب الحذف هنا، وكأنه أراد القول في المادة المحذوفة بأن المظاهرات التي شارك فيها بائع الليمون قد قادت إلى انقلاب وتغيير في النظام، وانتهت الدولة المدنية، وتأسس نظام جديد، وكان الأمل أن تمتلئ أطباق العشاء بالطعام كنتيجة لهذا التغيير لكن التغيير الذي حصل لم يأت بجديد ولم يحسن الوضع الاقتصادي ولم يملأ الأطباق، ودليل ذلك أن الناس أصبحوا يتجمعون حول المائدة لتبادل الأحاديث البالية، وذلك كناية عن حالة التراخي والانفلات وفقدان النظام، فقد ظلت أطباق العشاء فارغة إلا من الأحاديث البالية. فلم يعد أمام الناس إلا التجمع حول الموائد الممتلئة بالإطباق الفارغة ليتبادلوا الأحاديث البالية.

ولتعزيز صورة الوضع المأساوي وحالة الارتخاء التي آلت إليه الأمور، يقدم لنا القاص وصفا لحالة الهاتف فهو من ناحية ذو أسلاك مرتخية، وفي ذلك ما يوحي بفقدان الانضباط وسيادة حالة انعدام الوزن والفوضى التي أثرت على كل مناحي الحياة، حتى أن الهاتف أصبح على تلك الحالة من الارتخاء.

ولمزيد من التعزيز لتلك الصورة المأساوية يجعل القاص الهاتف يرن رنات كسولة أيضا...لكن رنات الهاتف تبعث الراوي الأمل فيركض إليه لعله يأتيه بجديد، وفي وصف البطل بأنه كاد أن يسقط مؤشر إلى الحالة النفسية المتردية التي كان يمر بها، وربما حالة الجوع التي وصل إليها البطل، فهو غير قادر على السير باعتدال، لكن الهاتف توقف قبل أن يلمس البطل السماعة، فحتى بارقة الأمل الوحيدة والتي جاءت من هاتف مرتخي الأسلاك ويرن بكسل هذه تنتهي بسرعة، وقبل أن يصل الراوي إلى السماعة ليرد على المكالمة.

طبعا هناك مجموعة من عناصر التأثير في الفقرة فالقاص من ناحية يستثير غريزة الجوع بحديثه عن أطباق العشاء الفارغة، وفي نفس الكلمات استخدام للنقائض فهي أطباق امتلأت لكن بالأحاديث البالية.

وفي استخدام كلمة ( يرن+ رنات) ما يوقظ حاسة السمع وينبه المتلقي إلى الوضع الجلل والمأساوي التي آلت إليه الأمور.

وفي الركض حركة وهو ما يضفي حيوية وحياة على النص.

ومرة أخرى يلجأ القاص إلى استخدام النقائض كعناصر تأثير من خلال الحديث عن (الركض+ التوقف + والكسل).

وفي كلمة ( المس ) استثارة لحاسة اللمس ايضا.

كما يلاحظ بأن القاص حشد في هذه الفقرة سبعة كلمات فيها أحرف الهمس ذات الجرس وهي أحرف ( السين والشين ) والتي لها وقع خاص على أذن المتلقي، وذلك من بين ما مجموعه 23 كلمة استخدمها الكاتب في هذه الفقرة.

طبعا يمكن فهم الفقرة على مستوى آخر. أي أنها تمثل استمرار للحالة النفسية البائسة للبطل، والذي جعلته حالة الكآبة التي يمر بها يرى الأمور بمنظار آخر.

فهو هنا يبدي امتعاضه من الأحاديث البالية التي يتبادلها الناس حول المائدة ضمن مسلسل الزيف والرتابة، أو هكذا هي تبدو له، وهو حينما يسمع رنة الهاتف يركض باتجاهه، وفي ذلك ما يشير إلى مدى حاجته للتواصل مع الآخرين، لكن الهاتف ما يلبث أن يصمت، مما يكرس حالة العزلة والانقطاع عن الآخرين التي يمر فيها البطل، وفي ذكره لمقاومة السقوط فان الراوي يشير إلى مظهر آخر من مظاهر الحالة الكئيبة التي يمر بها.

ويلاحظ هنا بأن القاص حرك كاميرته ليسلط الأضواء الكاشفة هذه المرة على ما يدور في نفس الراوي بطل القصة ، على الرغم انه ظاهريا يبدو وكأنه يستكمل وصف المشهد الذي تدور فيه أحداث القصة.


يتبع،،

ايوب صابر 01-30-2013 11:48 AM

تابع ،،،

اقتباس "عدت لأعقاب سجائري القديمة منذ سنوات ،، ,لأتأكد من إطفائها ،،ثم،، ألقيت بها في عين البالوعة!!!".

في هذه الفقرة يخبرنا الراوي بأن حالة الإحباط التي تكرست لديه بعد انتهاء بارقة الأمل في انقطاع الاتصال الهاتفي، وعدم حدوث التواصل، دفعته للانتقام من أعقاب السجائر القديمة، وهو تصرف يهدف إلى تفريغ الطاقة السلبية لدى البطل ومشاعر الكآبة والإحباط والغضب مما آلت إليه الأمور بعد الثورة والتي لم تأت بأكثر من الأحاديث البالية وتركت الأواني على المائدة فارغة.

ولم يتوقف الأمر عند إطفاء السجاير القديمة بل ألقى بها في عين البالوعة، ونلاحظ هنا الاستخدام الذكي لكلمة عين فهي من ناحية تستثير في المتلقي حاسة البصر وتوحي بمدى السيطرة والتحكم التي امتلكها الراوي في معالجة مشاعره المتراكمة، وفي استخدام كلمة عين استثمار للنص الديني ( عين اليقين ) وإحياء له في ذهن المتلقي وهو ما يجعل الفقرة بالغة التأثير لما لذلك النص من ارتباط .

ويمكن فهم الفقرة هنا علي مستويين أيضا، فربما أن الظروف التي نتجت عن الثورة والتغير في النظام قادت الراوي لتلك الحالة النفسية فلم يجد سبيل لتفريغ مشاعر الغضب والإحباط سوى أعقاب سجائره القديمة، ويتضح أن الغضب قد وصل به إلى أن لا يكتفي بإعادة إطفاء أعقاب السجائر تلك وهو يعلم أنها مطفأة منذ سنوات قديمة، وإنما قام على إلقائها في عين البالوعة إمعانا في حاجته للتخلص منها ومن شرورها المحتلة، وفي ذلك ما يؤكد حالة الغضب التي ألمت بالراوي كنتيجة لتراكمات ما حدث.

أما المستوى الآخر فيتمثل في حالة الكآبة التي ظهرت على الراوي وتعززت كنتيجة لما إصابة من مآسي تكرست كنتيجة للأحداث الانقلابية التي لم تود إلى نتيجة، وقد أوصلته إلى حافة الانهيار، والانتحار، وعندما رن الهاتف ركض إليه كونه يمثل بارقة أمل، وفي ذلك ما يشير إلى حاجته للتواصل ولكن الهاتف انقطع قبل أن يلمسه فماذا كانت ردة فعل الراوي؟

واضح أن القاص خطط للحظة الانقلاب هذه في شخصية الراوي، فبدلا من أن يستسلم لليأس ويستمر في انهياره، قرر أن يتخلص من مشاكله المأساوية المتراكمة traumatic experiences والتي كانت قد فعلت الأفاعيل فيه وأوصلته إلى تلك الحالة من اليأس والكآبة، والانهيار الذي أوصله إلى حافة السقوط عندما ركض للرد على الهاتف. وقد رمز إلى ذلك بأعقاب السجائر، فهو يريد أن يتخلص مما بقي في نفسه من مسببات الاكتئاب واليأس للتأكد من أنها لن تعود لتسبب له الألم ومن هنا جاء تعبير القاص ( لأتأكد من إطفائها )، فهو يدرك مصادر ألمه، ومسببات كآبته، واختار أن يتخلص منها، ولم يكتف بإعادة إطفاء حرائقه الداخلية، (ويرمز إلى ذلك بسجائر قديمة) لكنه تأكد من التخلص منها بطريقة مدروسة ونهائية ولذلك فقد رماها بعين البالوعة تحديدا ولم يرمها بطريقة عشوائية لتذهب عنه والى الأبد دون رجعه.

ومن هنا نفهم التحسن النفسي الذي حل به بعد ذلك مباشرة ، حيث مدد جسده بارتياح على الأريكة، كما يأتي الفقرة التالية.

واضح أيضا أن القاص ضمن هذه الفقرة مزيدا من المعلومات التي جعلت شخصية الراوي ديناميكية، فهو لم يستسلم لحالة البؤس والكآبة وتراكمات المآسي عليه، وإنما تصرف وتخلص من مخلفات تجاربه المأساوية، ومما يؤلمه ليتأكد أنها لن تعود لتحرقه، بل تأكد انه تخلص منها والي الأبد في عين البالوعة.

وفي النص حركة ( عدت، ألقيت ) وهو ما يضفي عليه نوع من الحيوية ويجعله اقرب إلى الحياة.

وفيه استخدام للنقائض ( سجائر مشتعلة، إطفائها ).

وفي ذكر السنوات تسخير للأرقام وفي استخدام الأرقام سحر من نوع خاص فهي تمثل لغة الكون ولها وقع لا واعي على المتلقي.

كما انه يؤنسن البالوعة فيجعل لها عين.

كما يظهر بوضوح بأن القاص يعالج في هذه الجزئية من القصة الجانب النفسي من الشخصية ويسلط الأضواء الكاشفة بصورة كثيفة على أعقاب السجائر، والمطفئة، وعين البالوعة لكنه في نفس الوقت يكشف لنا ما في سريرة ذلك الراوي من مشاعر وآلام، ويدعنا نشاهد كيف حدث الانقلاب لديه فتخلص من بقايا مآسيه ليرتاح.

ولا شك ان حالة الانقلاب التي حصلت في شخصية البطل تمثل لحظة انقلاب في النص وهو ما يشير الى مهارة القاص وقدرته على السرد الجميل الذي يمتلأ بعناصر التأثير والجمال ومكتوب بحرفية عالية.


يتبع،،،

جليلة ماجد 01-30-2013 03:24 PM

هكذا نحن يا أستاذي الفاضل فصحوننا أقصد عقولنا باتت [فارغة] و [ باردة] ..

و على الرغم من الصفعات المتوالية و الصراخ المتصاعد

لا نكاد نتحرك

نص به تكثيف غريب و يدعو للتساؤل و يأول على أكثر من وجه

و لا زلنا هُنا نعيش في الزيف و الرتابة

مُبدع بالفعل ...!!

صافي الود

ايوب صابر 01-31-2013 11:20 AM

تابع...

اقتباس "ومددت جسدي بارتياح تام إلى جوار ذكرياتيالحميمة على الأريكة الفارغة".

نسمع من جديد في هذه الفقرة صوت الراوي وهو يخبرنا بأنه وعلى اثر تخلصه من بقايا همومه والتي دفعته إلى حالة اليأس تلك ورمز لها الكاتب بإعادة إطفاء أعقاب السجائر ورميها في عين البالوعة، نجده يخبرنا بأنه وعلى اثر تخلصه من بقايا مشاكله شعر بالراحة، فمد جسده بارتياح تام، على الأريكة الفارغة، إلا من ذكرياته الحميمة، وفي ذلك ما يؤكد التحول الذي حصل في شخصية البطل.

وهنا نجد القاص قد حول الكاميرا إلى الأريكة هذه المرة، وعلى الرغم انه يتحدث عن التحول في شخصية الراوي ويصف ما حل به من راحة نفسية لكنه يقول ذلك من خلال وصف جميل للمكان، وفي ذلك يستكمل وصف المشهد.

ونجد في استخدام كلمة ( مددت ) حركة تبعث حيوية أضافية في القصة.

وفيها انسنة وتشخيص للذكريات الذي يمد الراوي جسده بارتياح إلى جوارها على الأريكة.

وباستخدام كلمة فارغة لوصف الأريكة نجده يسخر التضاد فمن ناحية يمد جسده إلى جوار الذكريات لتمتلئ الأريكة الفارغة بهما.

ولا شك أن هذه الفقرة تعزز الصورة الديناميكية لشخصية الراوي بطل القصة. فنحن نراه في أول المشهد مضطرب، يشعر باليأس والكآبة، ويتذكر آلامه، لكنه يتخلص منها ليحقق الراحة التامة، ولا يعود يتذكر إلا الذكريات الحميمة.

وفي استخدام كلمة ( الحميمة ) ما يستثير مشاعر المتلقي ويشعره بحميمة الموقف.

أما استخدام كلمة الفارغة فهي تساهم في بناء المشهد الذي اختار الكاتب أن يجعله كئيبا بائسا.

يتبع،،،

ايوب صابر 01-31-2013 12:39 PM

تابع،،

اقتباس "وفي بؤرة مصباح الغرفة تأكدت من رؤية أقمار لوجوهالشهداء المبتسمين" !!!.

وفي هذه الفقرة الأخيرة من القصة، يصور لنا القاص الراوي بطل القصة... وقد أصبح ثاقب الرؤيا، وقد تغيرت اهتماماته بعد أن حقق الراحة التامة من خلال تخلصه من بقايا المشاكل التي كانت تسبب له الأرق والقلق والكآبة وجعلته يترنح.

كما يتضح بأن مزاجه قد تغير، وتغيرت مع كل ذلك اهتماماته، فعلى الرغم من كآبة المنظر إلا أننا نجده يرى في بؤرة مصباح الغرفة ماذا؟

نعم (أقمار لوجوه الشهداء المبتسمين " !!!)، وفي ذلك دلالة على تبدل الاهتمامات، وكأنه يقول لنا بأن الشهداء أفضل منا جميعا؟

أو أنهم هم الأحياء،؟

أو أن ما لديهم لا بد انه أفضل مما على الأرض؟

فها هو يراهم من ناحية مثل الأقمار في حسنهم إضافة إلى أنهم مبتسمين! وقد تحولوا إلى كائنات من نور، وهو يراهم في بؤرة المصباح.

ولا شك أننا عند ذلك سنفترض بأن صحونهم ليست فارغة، كونهم تخلصوا من سيناريو الزيف والرتابة وارتقوا بشهادتهم تلك ليحيوا.

ولا شك أن رؤية وجوه الشهداء مثل الأقمار في بؤرة المصباح تمثل لحظة انقلاب حادة في القصة، ونهاية غير متوقعة للسرد والوصف الذي سبقها، وهو من الشروط الفنية التي تجعل النص القصصي ناجح ويترك أثرا عظيما في نفس المتلقي.

كما أننا نخلص إلى استنتاج بأن القاص تعمد أن يترك النهاية مفتوحة وغامضة.

فلا يمكن الجزم ما الذي أراد قوله؟

فهل برؤية أقمار وجوه الشهداء، أراد الكاتب أن يستذكر ويمجد الشهداء الذين سقطوا من اجل الثورة وتحقيق التغيير؟

أم انه بذلك الوصف يتوصل إلى قناعة بأن الشهادة أفضل من الاستمرار في العيش في مثل هذه الحياة البائسة؟

فهل كان سبب الراحة وصول الراوي إلى قرار بان الشهادة هي السبيل الذي سيخلصه من كل ذلك المشهد وتبعاته؟

أم أن الأمر يقتصر على تلك الحالة النفسية الجيدة التي سادت في ذهنه بعد أن تخلص من أعقاب مشاكله ليصبح شفاف في رؤياه فيرى تلك الكائنات الملائكية بعد أن أصبح ثاقب الرؤيا؟

هل تعبر هذه النهاية عن رغبة داخلية عند الراوي في الموت للتخلص من أعباء الحياة المتمثلة في سيناريو الزيف والرتابة؟ لكن هل يعقل ذلك وقد رأيناه تخلص من تراكمت ما كان يؤرقه والقى بها في عين البالوعة ليحقق الراحية بعدها؟

وفي استخدام القاص لكلمة ( بؤرة ) تسليط للأضواء الكاشفة على بؤرة مصباح الغرفة، حيث ينتقل بنا إلى هناك لنشاهد من خلال الكاميرا التصويرية مشهدا لم نكن نتوقعه أبدا، بعد ذلك الوصف في المشهد، فماذا تلتقط عدسة الكاميرا تحت الأضواء الكشافة وفي بؤرة المصباح؟

نعم إنها تلتقط أقمار لوجوه الشهداء المبتسمين! يا للمفارقة.

فهذا السيناريو الذي ظنناه تسجيل لسيناريو من الزيف والرتابة إنما ينتهي بمشهد ملائكي جميل، يظهر في بؤرته أقمار ليست كالأقمار وإنما هي وجوه الشهداء المبتسمين؟!

طبعا نجد القاص هنا يسخر الضوء من ناحية بذكر ( بؤرة المصباح) ، ويسخر حاسة البصر بذكر كلمة ( رؤية وكلمة وجوه)، كما يسخر ما يوحي بحاسة الذوق بذكر كلمة المبتسمين، مما يكون له اثر كبير على نفس المتلقي.

أما المفارقة الأخرى، فتتمثل في الانقلاب الحاد في المشهد وفي حالة البطل النفسية. ففي بداية القصة نجد القاص وعلى لسان الراوي يصور لنا المشهد على شكل "ليل داخلي، أريكة باردة وأطباق فارغة، وحالة من القلق والكآبة" .

لكنه في المقابل ينهي المشهد بصورة راوي حقق الراحة التامةـ وتخلص من أعباء نفسه، لـيركز بصره وهو مستلق على الأريكة إلى جوار الذكريات الحميمة، في بؤرة المصباح ...فيرى أقمار لوجوه الشهداء المبتسمين! ويا لهول المفارقة!

يتبع،،

- ما هي الفكرة التي اراد القاص ان يوصلها لنا؟


ايوب صابر 02-01-2013 02:00 PM

في الواقع فكرت عميقا بما اراد الكاتب ان يقوله من هذه القصة ولكنني حتى الان غير قادر على تحديد مقصده لذلك ادعو الاستاذة محبي القصة ونقد القصة في منابر للادلاء بلدوهم حول هذا النص.

هيا نتشارك الرأي لعلنا نتمكن سويا من سبر اغورا النص.


ايوب صابر 02-03-2013 12:38 PM

- هل استخدم القاص هنا تكنيك وصف المكان ليصور لنا الحالة النفسية لبطل القصة وما يدور في داخله؟
- ثم ما هي الفكرة في هذا النص؟
- هل كآبة البطل سببها مشاكله الشخصية مثلا غياب امه؟
- ام ان هناك ما يكفي من الاشارات بأن النص يتناول الوضع في مصر بعد الثورة وامارة ذلك صور الشهداء في بؤرة الضوء؟



ياسر علي 02-04-2013 07:19 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
من حيث الشكل قل ما نجد نصا قصيرا إلى هذا الحد يحترم التقديم والعرض والخاتمة .
ففي مقدمة النص رغم قصرها تحمل جميع عناصر الموضوع من الزمان والمكان و ما ينوي الكاتب مناقشته ، فاتى على ذكر الليل ورمز له بليل داخلي ، وهنا الكاتب يؤكد على حالته الداخلية المظلمة التي تحس بعدم الارتياح ، وطرح باختزالية جميع ما ينوي بسطه في عرض النص وبشكل مختزل لا يزيد عن كلمة واحدة ، وإن أطال أضاف لها صفة .
في عرض النص بدأ بما ختم به المقدمة و هو الأنف الذي له دلالتين أساسيتين ، رمز للعزة من ناحية "الأنفة و الشموخ " وكذا الإذلال " رغم أنفه، مرغ أنفه" ، و قل ما نجد الأنف يرمز للجمال" مثل العين والشفتين والأسنان ومعظم عناصر الوجه " بل غالبا مرتبط بالقرف و الإذلال و الفضول السلبي ، "حشر الأنف" أميل كثيرا إلى أن الكاتب أتى على ذكر الأنف للتعبير عن ذاته هنا في النص وتحولاتها ، من الطفولة حيث العبث بالأنف إلى الشباب حيث المنافسة و العمل والعزة الى وضعه الحالي حيث أنهك بقانون الغاب وغياب الحقوق فوصل إلى الاذلال .
في معرض حديثه عن الأم وما تحمله الأم من رمزية كبيرة ، كالأرض و الحنان والحب و الروابط الخلقية والطاعة ، أظن أن الكاتب أتى على ذكر الأم كناية عن القيم وأشار إلى أننا ننسى قيمنا كلما توغلنا في الفعل و الممارسة المجتمعية و ما تفرضه علينا من أليات لفرض الوجود و تحقيق الذات .
بعد الأنف وما قدمه الكاتب من أفكار حول ذاته أنتقل الى الجانب المضيء وهو جانب الذوق المرتبط أساسا بالجمال ، فاختار المزهرية رمزا له ، بلونها الأصفر النحاسى المزخرف بخطوط سوداء ، و ربطها بالذكريات الجميلة ، وخير ما يدل على أن الكاتب كان يوما مليئا ذوقا وحيوية ، هو تقديمه للجانب الجمالي على الأكل والشراب و المقتنيات الأخرى كالأثاث والأجهزة ، إن كانت المزهرية رمزا للجمال والذوق الرفيع فلم يفته أن يربطها بالصمت الإيجابي عكس صمت الهاتف ، فصمت المزهرية مقرون بالحكمة مما يؤشر أن الكاتب بالإضافة الى رفعة ذوقه يتمتع بقسط من الحكمة أو مولع بها ، حيث كل الاجهزة الغير الصامتة في منزله وصفها بالقصور والدونية ، وفي مقدمتها التلفاز الذي فارقه الكاتب وإن احتفظ به كمؤثث للبيت لا غير . والهاتف ذو الرنات المحتشمة دليل على أنه لا يأتي له بجديد وإن كان أمله في هذه الأجهزة كبيرا ، حيث عبر عن ركضه أثناء سماع الرنات لكن من دون جدوى .
ما أثارني هو صوت بائع الليمون القائد للمظاهرة و هو الوحيد الغير المشفر في النص و إن كان الكاتب لا يعقد أمالا كثيرة لا على الدولة المدنية ولا الدولة المحافظة .، مادامت بنية المجتمع مبنية على قانون الغاب ، وما دام أتى به في عرض الكلام عن المزهرية و عطفه على قنوطه من الإعلام والثورة الإعلامية .
واصل الكاتب موضوعه بالحديث عن الأطباق الجائعة والممتلئة بالأحاديث البالية ، مشيرا إلى مفارقة صارخة ، من جهة جوع وحاجة ، من جهة أخرى ثرثرة وبهرجة إعلامية ومجتمعية بلا فائدة ، و انعدام فكر قوي يستطيع أن يحقق حاجات المواطن الأساسية وفي مقدمتها وجبة غذاء وعشاء . دون أن يتوغل في حديث الثورة رجع الى هاتفه وختم جوابا لتحسسه لأنفه رغم أنه فارق السجائر منذ سنوات لكن احتفاظه بأعقابها لدليل على رغبة ما تنتابه كل لحظة في معانقتها ، لكن أخيرا اهتدى إلى توديعها بصفة نهائية فذهب ليستريح على أريكته الباردة الفارغة ، رغم أنه يحس فيها براحة تامة لأنها تمنحه كل الوقت للعوم في ذكرياته، و توقظ فيه بعضا من الروحانية موجها أحلامه وأنظاره النصف مفتوحة إلى مصباحه مختتما النص برؤية وجوه باسمة بريئة استشهدت من أجل شيء شريف في بؤرة المصباح ولم يقل في قلب المصباح لما تثيره البؤرة من توثر رغم ابتسامة الشهداء .
هذا من حيث الشكل أما المضمون فبحثت عن الرتابة فوجدتها مقرونة بالهاتف الصامت واتلفاز المتسخة أثواب كلماته و الأطباق الجائعة والأريكة الفارغة الباردة ، و الليل شديد الظلمة .
بحثت عن الجمال فوجدته في ذكريات الكاتب والمزهرية .
بحثت عن المروؤة فوجدت البطل مرة يأمل ويتقدم ، ومرات يتملكه القنوط من أي *جديد و قد تملكته الوحدة والوحشة.
بين المروؤة والجمال و حتى يسمة الشهداء أخاف أن يكون الزيف قد وجد ضالته .

ايوب صابر 02-06-2013 01:48 PM

لا شك ان قراءة الاستاذ ياسر علي الجميلة القت مزيد من الضوء على النص لكن العتمة ما تزال تلفه؟

وهناك الكثير من الاسئلة والاحتمالات التي ما تزال تنتظر من يقدم توضيح لها.

فما الذي اراد ان يقوله القاص هنا؟؟؟؟؟
ثم:
- ما مبرر حديث القاص عن الام؟
- ما مبرر حديث القاص عن بائع الليمون؟
- لماذا ارتاح البطل بعد ان القى باعقاب السجائر في عين البالوعة؟
- ما رمزية الضوء نصف المغمض- نصف المعتم؟
- ما الذي جعل البطل يرى "اقمار وجوه الشهداء في بؤرة المصباح
- ما رمزية المزهرية؟
- ما رمزية البالوعة؟
- ما رمزية الانف؟
- لماذا جعل القاص ذلك الشخص بائع ليمون وليس بائع بطاطا مثلا؟
- هل الوصف في المشهد مؤشر على حالة كآبة؟
- ما سر تلك الكآبة؟
- هل السبب احداث شخصية وتراكمات عائلية وضياع في خضم عالم الاعمال والاشغال؟
- هل البطل شخص يعاني من تأنيب الضمير نتيجة لاهماله والدتة التي كانت بسبب انشغاله في عالم الاعمال؟
- هل سبب الكآبة احداث عامة ولذلك اقحم القاص شخص عادي يبيع الليمون في النص وجعله يقود مظاهره؟
- ماذا يقصد القاص بالاحاديث البالية؟
- ما رمزية ان تنتهي القصة بذلك المشهد تحديدا؟
- ما رمزية ان يجعل القاص الهاتف صامت في البداية ثم يرن رنة كسولة ويتوقف؟
- ما طبيعة الصراع في القصة؟ هل هو صراع مع الشيطان؟ ام هو صراع مع النفس؟
- هل اراد القاص ان يصور الصراع على لقمة العيش؟ ام هو صراع على كرسي الحكم؟
- ما رمزية الخطوط السوداء على المزهرية؟
- لماذا جعل القاص الدولة مدنية؟ ما رمزية ذلك؟
- لماذا جعل القاص الاطباق جائعة في البداية ثم جعلها تمتليء بالاحاديث البالية في النهاية؟ ما المقصود بذلك؟
- ما رمزية ان يجعل اسلاك الهاتف مرتخية ورناته كسولة؟
- الا يوجد تحول ايجابي في وضع الهاتف، فاولا كان صامت ثم، رن رنات كسولة؟
- هل يعكس التحول في وضع الهاتف تطور على الحالة النفسية للبطل؟
- هل المقصود اظهار حالة التحول في الحالة النفسية للبطل، حيث يظهر في حالة كرب، ثم يبدأ التحول كما يظهر في التحول في حالة الهاتف ثم ينتهي بنقلة نوعية هائلة وغير متوقعة اقمار وجوه الشهدءا المبتسمة؟
- ما رمزية جعل البطل يعود ليعاقب اعقاب سجائره؟
- هل القاء البطل لاعقاب السجاير في عين البالوعة مؤشر على امتلاكه لزمام المبادرة؟ وتخلصه من مخلفات الماضي؟
- هل اراد القاص ان يقدم لنا نصيحة بأن نركز ذهننا على انجازاتنا وذكرياتنا الجميلة لنحقق الراحة؟
- ما رمزية "أقمار لوجوه الشهداء المبتسمين !!!"؟؟؟؟
- اي زيف واي راتبة! في المشهد الموصوف والذي يبدأ بليل داخلي، جوع، وصمت، وينتهي باقمار وجوه الشهداء المبتسمة؟

ايوب صابر 02-13-2013 11:11 AM

كلمة اخيرة،،

لا شك ان القاص ابدع في توليد نص استثنائي هنا. و ربما ان الغموض الذي يكتنف النص هو ايضا احد عناصر التأثير، والذي يضاف الى ذلك الحشد من العناصر الجمالية التي اتقن القاص تسخيرها فجاء النص بالغ الاثر.

على الاغلب بأن القاص اراد تصوير الحالة النفسية التي كان يمر فيها البطل، والتي هي اقرب الى الكآبة والاشمئزاز نتيجة لتراكمات عديدة منها الخاص ومنها العام، وقد استخدم وصف المكان لتعزيز وتكثيف ما يدور في داخل نفس البطل من كآبة.

هي حتما قصة جميلة، وتشير الى ان دماغ القاص يحتوي على مستوا عالي من طاقة البوزتيرون.

وكونه يكتب اسمه بطريقة مغايره وباستخدام لون مختلف، ويضعه تحت الاضواء الكاشفة، كل ذلك يشير ايضا الى انه شخص معتد ومعتز بنفسه، ويعرف قيمته الادبية، ويشعر ربما انه يحمل رسالة.

وكل ذلك يشير الى انه عاش طفولة شديدة الدرامية، وربما يُتمْ من نوع ما، فاصبح دماغه يعمل بطاقة عالية مما يجعل نصوصه استثنائية.

وهو حتما لديه القدره على كتابة نصوص استشرافية وكودية تحمل على معاني مستقبلية.

وانا شخصيا اتطلع لقراءة مزيد من النصوص له.

انتهى،،

محمد غالمي 02-16-2013 11:52 PM

يبدو من القراءة الأولى للنص أن السارد نحا منحى الرمزية الموغلة في الغموض، فضلا عن شيء من العبثية التي تترك المتلقي في حيرة من أمره.. أكيد أن الحدث ـ على الرغم من التلوين الحربائي ـ يؤسس لواقع مفترض مستلهم من فوضى عارمة اكتنفت المكان، ما يشي بأن صاحبنا غير راض على سيرورة الحدث وما يلمح له من التغيير..
تشكراتي الخالصة..
محمد غالمي

ايوب صابر 02-22-2013 02:38 PM

استاذ محمد

انا بانتظار عودتك لالقاء مزيد من الضوء على النص. كما انني ما زلت آمل بأن نتمكن من اجتذب اهتمام مزيد من القراءات لهذا النص.

محمد نديم 03-15-2013 07:31 AM

أحبتي هنا ،،،،، تحية تليق بأقداركم وسعة صدركم مع نصي التلقائي المتواضع ، أشكر لكم جميعا خاصة أخي الأستاذ الناقد أيوب صابر والأخ الأستاذ ياسر علي الألستاذة جليلة ماجد والأستاذ محمد غالمي وغيرهم من أصدقائي الأعزاء،،، تحية تقدير واعتزاز ،،،
ببساطة : كتب هذا النص بعد الثورة بعامين تقريبا،،، وهو بالفعل رمزي موغل في الكآبة ، إذ اختلط الحابل بالنابل ،، وغابت بهجة الشهداء ووجوههم الجميلة ونسينا دماءهم في غمرة التطاحن السياسي .
لقد كتب النص في دقيقتين لا أكثر ، وكان تلقائيا سلسا ، ربما لم أقصد شيئا غير تفريغ شحنة بائسة تلوب في صدري وعقلي.
نص بسيط تلقائي ،،،، عشوائي ،،، كاللحظات التي نقترف فيها كل شيئ الآن.
أشكركم جزيل الشكر ،،، ولكم مني خالص الود والتقدير لوقتكم الثمين الذي بذلتموه جميعا من ذكرت ومن لم أذكر ،، لصعوبة فتح الصفحات السابقة لثقل الانترنت عندي .
تحيتي وعلى المحبة نلتقي !!


الساعة الآن 12:52 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team