منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=9)
-   -   نوافذ دمشقية ..تأريخ شخصي لمدينة لا تموت (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=10290)

ريم بدر الدين 11-26-2012 09:02 AM

نوافذ دمشقية ..تأريخ شخصي لمدينة لا تموت
 
نوافذ دمشقية


ريم بدر الدين بزال

نوافذ دمشقية(1)
هي مجموعة نوافذ تطل على ذاكرة اعتنت دمشق بملئها في قلبي و عقلي.
لا أزعم أنني أقدم عملا مهما و لكن كلي إيمان بأن هذه الصور البسيطة ستكون يوما وثائق تاريخية لأجيال لم تولد بعد، يتعرفون من خلالها على نمط حياتنا و عاداتنا التي نعتز بها.
هي دعوة للتدوين الشعبي و الأدبي للتاريخ لكي لا تكون أعمارنا محض أشياء حدثت لنا دون أن تأخذ بصمتنا في جعبتها المرتحلة على مدى الأزمان.
وقفات كثيرة قد ترونها بسيطة لكنها إن لامست قرارة إنسان واحد على الأقل فهذا دليل كبير على أنها نجحت و أنها تسير في خطها الصحيح..

ريم بدر الدين 11-26-2012 09:04 AM

برسيس


http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:A...ROdttQY5Ki&t=1

رقعة سوداء غريبة ملفوفة بطريقة معينة تحتفظ بها عمتي على رف خزانتها بعناية كبيرة تخرج إلى مرأى الجميع عندما تجتمع الجارات و الصديقات في سهرة أو أصبوحة أو " جمعة نسوان".
تفتحها لنراها مطرزة بالتطريز الدمشقي المعروف بالـ "آغاباني" و هو تطريز مميز بخيوط حريرية ملونة و في داخل الرقعة عدد من الصدفات "الودع " و القطع النحاسية الصغيرة ذات الأشكال الجميلة و الغريبة.. نتساءل أليست هذه الو...

ديعات هي التي تستخدمها العرافة "النورية" عندما تطرق الباب و تلح على أن تقرأ الطالع؟ و لا تملك النساء إلا الاستجابة لها تحت ضغط إلحاح الغجرية أو الإلحاح النفسي من ربة البيت لمعرفة طالعها رغم أنها تؤمن أن هذا مجرد " كلام فاضي".
ترد علينا جارتنا أم جمال أن هذه الوديعات ضرورية للعبة و أنهن لا يشبهن الغجرية لأنهن يلعبن للتسلية و لا يؤذين أحدا بتكهنات تثير الشك و الفتن كما تفعل العرافة.
الرقعة السوداء فيها عمودين متداخلين و كل منها مقسم إلى عدد متساوي من المستطيلات يتوسطها مربع يسمى مطبخ و التي يحالفها" الدست "و البنج" و "الشكة" كثيرا تطبّخ قبل التي يكون حليفها "الدْواء".
و في أماكن الفراغات من الرقعة طرزت عبارات مقتبسة من أغاني للسيدة أم كلثوم مثل " أنت عمري " و " أمل حياتي" و " جددت حبك ليه" ...و هذا يعود في الحقيقة إلى أن غالبية من يمارسن اللعبة يستمعن إلى أغاني " الست " أثناءها .. و يشربن القهوة المحمصة و الممزوجة بكثير من الهيل .
جاراتنا كن يجتمعن في سهرة يوم الاثنين في أحد بيوت الحارة و طبعا البرسيس هو سيد الجلسة النسائية و ينقسمن إلى فريقين مكون من لاعبتين في كل فريق ..كانت جارتنا أم عبدو ماهرة في " التحريم" وهي كلمة تعني الغش لذلك كانت كل واحدة منهن حريصة على أن تكون أم عبدو في فريقها لأنها ستفوز حتما و كانت النهاية المعتادة مشاجرة خفيفة لأن فريق أم عبدو دوما متهم بأنه ربح عن طريق الغش !
لكن هذه المشاجرة تنتهي بجلسة صلح على الكنافة النابلسية أو الأرز بالحليب أو كرات النارنج بجوز الهند و أغنية دمشقية قديمة
و مع أن اللعبة نسائية بحتة إلا أن بعض الرجال تستهويهم اللعبة كنوع من التغيير عن الألعاب الرجالية كطاولة الزهر و الشطرنج و الداما و قد كان أحد رجال عائلتنا مغرما بهذه اللعبة و دوما يمنى بخسارة ساحقة لكنه يعزوها دوما إلى أن الحظ حليف النساء اللواتي يبارينه و في إحدى المرات حالفه الحظ فقال أن السبب ذكاؤه و دهاؤه !!


محمد جاد الزغبي 11-26-2012 11:48 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
سلسلة موفقة والفكرة والعنوان كنا نحتاجها ..
وليتك تكمليها حتى ننظر إلى دمشق كما لو كنا نراها بأعيننا
بوركت يا ريم ..
وأسأل الله للشام استقرارا قريبا وعودة لمجدها القديم

ريم بدر الدين 11-27-2012 07:11 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد جاد الزغبي (المشاركة 133343)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
سلسلة موفقة والفكرة والعنوان كنا نحتاجها ..
وليتك تكمليها حتى ننظر إلى دمشق كما لو كنا نراها بأعيننا
بوركت يا ريم ..
وأسأل الله للشام استقرارا قريبا وعودة لمجدها القديم

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته أخي محمد جاد الزغبي
حقيقة هذا هو مشروعي الجديد أن نأخذ من مفردات دمشق التي لا يعرفها إلا من ولد بها و عاش في حناياها و نقدمها للضوء
أشكرك للحضور الجميل و نسأل الله ان يعم بلادنا بالأمن و السلام
تحيتي لك

ريم بدر الدين 11-27-2012 07:43 AM

توت .. تين ... عنب

http://thawra.alwehda.gov.sy/images%...D27%5C24-2.jpg
اعتنى جدي على مدى كبير من السنوات ببستانه الكبير و المتنوع و كان يقضي فيه فترة ما بين الفجر و الضحى و ما بعد العصر و حتى العشاء و كان البستان جنة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى .. يجمع كل أنواع الأشجار المثمرة من الفواكه و النباتات الصيفية و غيرها .. و كان محرما علينا الخروج للبستان في أوقات سقاية البستان من جهتين رسميتين إحداهما كانت الوالدة لأنها تدرك من خبراتها السابقة أننا سنعود لها بكميات متنوعة من البقع على ملابسنا ناتجة عن تناول الفواكه المتنوعة في البستان أما الجهة الأخرى فكان جدي نفسه إذ كان يخشى على الزرع من عيوننا المتلصصة و هو ينعم بحمامه اليومي.
كان جدي في الأمسيات الخريفية الباردة نوعا ما يدعونا إلى حفلة شواء حيث يضرم النار في مكان مخصص بجوار البئر قرب شجرة التين البعل و يضع عليها أكواز الذرة إلى أن ترتفع منها تلك الرائحة الشهية ..
و في الصباحات المبكرة جدا من الشتاء البارد اعتاد أن يخرج على بستانه يرعاه بعناية و يشعل النار ليضع عليها إبريق القهوة بالحليب ليقضي ساعتين من الثرثرة المتواصلة مع جدتي .. كان هذا الشغف ببستانه يوقظه في الليالي الباردة ليغادر فراشه الدافئ و غرفته الدمشقية ذات الجدران السميكة إلى البستان ليشعل نارا تشيع الدفء في جنباته.
و كان يتخذ مجلسه صباحا بالقرب من شجرة التوت يضع بساطا و مرتبة و يلتحف عباءته السميكة ..
و التوت في البستان نوعان .. توت هزاز و توت شامي
فأما التوت الهزاز فقد خلق لنا طقسا جميلا حيث نداعب شجرة التوت بهزها فيسّاقط علينا ثمرا حلوا شهيا و أما التوت الشامي فقد كنا نخشى أن نقترب من الشجرة على روعتها و حجمها الذي يفرد ظله على مساحة كبيرة جدا من البستان و السبب وراء خشيتنا منها هو البقع التي تتركها ثماره على الملابس و التي لا تزول أبدا حيث كانت غواية هذه الشجرة و تذوق ثمارها درب وعر يقود إلى علقة ساخنة من الأهل..
لكن أجمل ما في التوت الشامي هو عندما يتحول إلى عصير بلون مميز تتقن جدتي صنعه و ترتيبه في آنية زجاجية تصطف في الكتبية بكل زهو لتخرج في الأمسيات و السهرات في أكواب زجاجية دمشقية مميزة لا يكون لون زجاجها شفافا بل مائل نحو الزرقة أو الخضرة
و كان جدي في العصارى و المساءات يتخذ مجلسا آخر ما بين البئر و شجرة التين
و كان التين أيضا على نوعين في البستان منه ما ينمو و يثمر بسقاية السماء و يسمى " تين بعل" و منها ما يثمر برعاية و عناية و يختلفان في درجة الحلاوة و لكن التين البعل أكثر حلاوة خصوصا عندما تقوم جدتي بتحويله إلى مربى لذيذ الطعم.
و في البستان أيضا كانت تمتد على مساحات كبيرة دوالي العنب المتنوعة من حلواني و بلدي و غيره و كانت إحدى هذه الدوالي تعرش فوق البئر مباشرة الذي لا يشبه الآبار الرومانية ذات الجدار الاسطواني الصغير يعتليها الدلو و إنما البئر العربي الذي يكون باتساع دائرة قطرها أربعة أو خمسة أمتار و يتم تنظيفها دوريا بالنزول إليها من خلال سلم مغروز في حائط البئر و لكي يبقينا جدي بعيد ا عن البئر اخترع لنا حكايات عن جنيات ووحوش تسكنه تختطف كل من يقترب منه من الأطفال... لكننا اكتشفنا هذه الكذبة مبكرا و كنا ننتظره أن يفيض في بادية الربيع لنجلس عند حافته و نغمس أرجلنا في مياهه الباردة ,

ريم بدر الدين 11-28-2012 12:24 PM


ياسمين الممشى


http://www.7irtny.com/vb/imgcache/2/28427irtny.jpg



http://damascus-flowers.com/FCKBIH/i...9%81%D8%B1.jpg



هكذا كنا نطلق عليه ..كان يتوسط أرض الديار و حوضين كبيرين مستطيلين زرعا بشتى الزهور الدمشقية العريقة شمشير و بنفسج و دادا و ضراير و مكحلة و قرنفل و منثور و جوري أحمر و مطبّقة شامية بيضاء اللون و زهرية الحواف .. و ثمة زهرة يسمونها الشب الظريف بلون وردي و لون أبيض و ميزتها أنها تضم بتلاتها في النهار و تفردها ليلا و كأنها شاب أشقر لا يقوى على الوقوف في حر الشمس..
في الحوضين ثمة أشجار مثمرة أكي دنيا و كرز و مشمش و ليمون و نارنج و كانت جدتي تقول دوما " فاكهة الديار تطول الأعمار " و كانت تعمد إلى شجرة الأكي دنيا فتختار لنا أنضجها ثم ترصها في طبق تقدمه لنا في المساءات الربيعية الدافئة و تجتني ثمار النارنج لتصنع منه مربى مميز بنكهة الشام..
في أحد الحوضين زرع جدي لسبب ما نخلة كبيرة و لم تثمر مرة واحدة بالرغم من انتظاره طوال عمره لهذا الحدث المهم و كان يخبرنا أنها ستثمر يوما ما .. و في يوم رحيله الأخير وقف مقابل تلك النخلة يرامقها بشغف و يرجوها أن لا تخيب رجاءه حتى في غيابه .. و كانت النخلة وفية له بقدر ما زرع فيها من محبة و إيمان .. أثمرت أخيرا وسط دهشة الجميع و كانت مناسبة احتفالية ضخمة لكن جدتي أعلنت أنها تخشى أن ثمرها قد يكون غير صالح للاستهلاك البشري فاكتفينا بالتقاط الصور بالقرب من جذع النخلة ..
في الممشى بحرة صغيرة تتوسطه و يعرش على السقّالة الخشبية شجرة ياسمين كبيرة ترخي جدائلها عليه بالكامل و تملأ برائحتها المكان .. متعتنا الجميلة تحت ضوء قمر دمشقي كانت أن نصنع أطواقا من الياسمين نحيط بها عنق جدتي و خالتي فيما الراديو يصدح بأغنية لأم كلثوم ..
و الياسمين كان على نوعين .. ياسمين بلدي أبيض ببتلاته الخمس و رائحته المميزة و ياسمين عراتلي و لونه أصفر برائحة عبقة تختلف عن الياسمين البلدي و للعراتلي شعبية في البيت الدمشقي و تقول عنه جدتي " عينه قوية " أي أنه لا يحترق في شمس الصيف اللاهبة و لا يذبل و رائحته تخترق النوافذ و الأبواب .

عمر مسلط 11-28-2012 01:35 PM

كم يُسعدنا أن نطل من خلال نوفذك الدمشقية ، على تفاصيل الجمال الشامي بألَقِه وروعته ...

الأديبة / ريم بدر الدين

أتمنى لكِ التوفيق في هذه النوافذ المطلة على دمشق المجد والتاريخ .. سائلين الله أن يحفظ أهل

سوريا وأن يَمُن عليهم بالخير والأمان ...

أتمنى لك الخير ...

عبدالحكيم مصلح 11-28-2012 01:54 PM

أختي الفاضلة ريم حفظها الله

تلك المفردات الرائعة لا زالت عالقة في أذني ،
التوت والتين والعنب الشامي وذاك البائع خلف الجامع الأموي بتوته الرائع ورمانه الأروع لا زال صوته في ذاكرتي
لك ِ أطواق من الياسمين الدمشقي وزهور أكادية بحجم الأطلسي ،
نسأل المولى عز وجل أن يمنح أهلنا في الشام الأمن والأمان ،
تحيتي وأحترامي مع جوري القدس بهية المدائن ،

ريم بدر الدين 11-30-2012 08:57 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر مسلط (المشاركة 133483)
كم يُسعدنا أن نطل من خلال نوفذك الدمشقية ، على تفاصيل الجمال الشامي بألَقِه وروعته ...


الأديبة / ريم بدر الدين

أتمنى لكِ التوفيق في هذه النوافذ المطلة على دمشق المجد والتاريخ .. سائلين الله أن يحفظ أهل

سوريا وأن يَمُن عليهم بالخير والأمان ...


أتمنى لك الخير ...

تزداد لصور اتضاحا عندما نرى الوطن بكليته و نحن خارج كيانه .. كل الذاكرة بتقاصيلها الدقيقة أتت دفعة واحدة
سعيدة انها تنال انتباهتكم
أ. عمر مسلط
حمى الله سائر بلادنا و أعاد لها جميعا الامن و الاستقرار
تحيتي لك

ريم بدر الدين 11-30-2012 08:59 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالحكيم مصلح (المشاركة 133485)
أختي الفاضلة ريم حفظها الله

تلك المفردات الرائعة لا زالت عالقة في أذني ،
التوت والتين والعنب الشامي وذاك البائع خلف الجامع الأموي بتوته الرائع ورمانه الأروع لا زال صوته في ذاكرتي
لك ِ أطواق من الياسمين الدمشقي وزهور أكادية بحجم الأطلسي ،
نسأل المولى عز وجل أن يمنح أهلنا في الشام الأمن والأمان ،
تحيتي وأحترامي مع جوري القدس بهية المدائن ،

نعم أستاذي عبد الحكيم مصلح .. من شرب من مياه الشام شربة أو اغترف بيده لا بد يمتلىء قلبه بمحبتها
أشكرك للحضور الجميل و أسأل الله الامن للشام و سائر بلادنا المتألمة
تحيتي لك

ريم بدر الدين 11-30-2012 09:15 AM

منجنيق أطفال
http://www.upksau.com/uploads/images...905e4c2b04.jpg

في ذلك الوقت لم نكن نعرف ماذا يعني المنجنيق لكن الأداة التي كنا نستخدمها كسلاح خفيف ضد القادمين من الحارة الأخرى تشبه المنجنيق في حالته البدائية و الصغرى و تسمى في الدارجة الدمشقية " نقيفة" و لعلها تشبه في شكلها سماعة الطبيب كما قال عنها الفنان دريد لحام في مسرحية " غربة " : يا بو نظمي الدكتور معه نقيفة"!! ..
و هي عبارة عن شعب منتزع من غصن شجرة قاس نوعا ما و يتصل فرعيه بخيطين من المطاط يتوسطها قطعة مستديرة من الجلد يوضع فيها الحجر لقذفه بقوة و إصابة الهدف البعيد.
و كان أبرع من يصنع هذا السلاح هو رضوان ابن الجيران و أكبرنا سنا و كان يصنعها لنا مقابل حفنة من الملبس" حلوى دمشقية" أو غطاء علبة شوكولاته فارغ عليه رسم جميل لمنظر طبيعي أو كرات زجاجية ملونة تستخدم لما يشبه لعبة البلياردو ..
و كان الصبيان عادة يصيدون بهذا السلاح بعض العصافير عندما تغيب رقابة جارتنا أم حمدان عن جنينتها الصغيرة و أحيانا ليتشاجروا مع "المشاغبين" من الحارة الأخرى .. و لعل أولاد الحارة المجاورة في ذات الوقت كانوا ينعتوننا بالمشاغبين !.. و ينتهي الأمر غالبا بإصابات طفيفة من الطرفين و تنتهي بجلسة صلح تعقدها الأمهات بحيث يطعمن الضارب و المضروب طبقا مشتركا من البيض المقلي..
لكن الأمر لا يسلم من بعض الضربات الطائشة و في ذات شغب أتى الحجر في نافذة العم أبو صياح فكانت العقوبة علقة ساخنة للصبيان و حرمان من مغادرة المنزل للبنات.

ريم بدر الدين 02-28-2015 10:41 AM

1 مرفق
الخياطات الصغيرات

http://www.mnaabr.com/vb/attachment....3&d=1425109255
كنا نطمح أن نتخذ درب أمهاتنا اللاتي برعن في هذا الفن الراقي ..غير أن المتيسر لنا في تلك الأيام لم يك كالمتاح لبناتنا الآن من وفرةفي الأدوات و تنوعها و تطورها ..
و يعد الحصول على قصاصة قماش زائدة من فستان انتهت عمتي من خياطته للتو كنزا ثمينا أباهي به بنات الجيران عدة أيام .
و اعتادت الامهات أن يتبارين في موديلات العرائس القماشية التي يقمن بتصميمها و تنفيذها لبناتهن و كل واحدة منهن تصنع اللعبة وفق بيئتها و ثقافتها فكانت العروسة التي صنعتها جارتنا القادمة من مدينة درعا لابنتها مها مختلفة عما اعتدنا عليه فقد خاطتها من قماش ملون و مشجر و دمجت الفستان مع اللعبة و بذلك حرمتها من قدمين بينما اعتدنا على أن يكون الثوب منفصلا عن جسد اللعبة ليكون بساقين و جذع و رأس ( لعل هذا راجع إلى الثقافة و التربية و نوعيتها سواء كانت منغلقة أو منفتحة ) بينما جارتنا القادمة من طرطوس وضعت للعبة خصلة شعر حقيقية اقتصتها من شعر ابنتها ( و هنا وضعت على المحك غرور أمهاتنا بانفتاحهن النسبي أمام الجارة من درعا) .
لكن اللعبة القماشية البيضاء التي صنعتها لي عمتي الكبرى عائشة( رحمها الله ) هي أكبر هدية يمكن أن أحلم بها مع أن عمتي نسيت أن تضع للعروسة فما أحمر فاختلست أحمر الشفاه من درج الزينة الخاص بعمتي الأصغر لأرسم الفم و أعيد قلم الحمرة مكسورا الى الدرج..
و كي نقلد أمهاتنا الخياطات كنا نقتص من مجلات الأطفال الخاصة بنا صور البنات لكي نستخدم تصاميم الأزياء الموجودة في الصور و أكثر ما أرقنا هو كيفية خياطة ثوب كانت ترتديه أرنب في قصة السلحفاة و الارنب في مجلة المزمار التي كانت تأتينا من العراق.
كانت آلة الخياطة موجودة في كل بيت دون النظر لمستواه المادي خصوصا الماكينة من ماركة الفراشة الشهيرة لأنها كانت تعد قواما رئيسيا لجهاز أي عروس دمشقية
و لكن يمنع الاقتراب من آلة الخياطة فكنا نقوم بخطة بوليسية محكمة كي نستطيع الدخول إلى غرفة الخياطة و استخدام الآلة لإنهاء أثواب عرائسنا ..و ذات مرة انتبهت خالتي أم جمال إلى أننا خطنا أثواب عرائسنا بآلة الخياطة لكنها تظاهرت بأنها لم تلمح هذا و أثنت( مع ابتسامة ماكرة )على دقة " القطب" التي أنجزنا بها الأثواب

من مجموعة المقالات/ نوافذ دمشقية/

خالد البلوشي 03-01-2015 10:32 PM

شدتني أنفاس هذا المتصفح بما يحتويه من تفاصيل أخالها نُقشت على جدران الذاكرة يا أستاذة ريم ..

نحن جميعا على أمل أن تعود دمشق لما كانت عليه في أقرب وقت ..

تحياتي الصادقة ..

سليّم السوطاني 03-02-2015 04:10 AM

الأديبة العزيزة : ريم بدر الدين ..

سعدت بهذه النوافذ التي تطل بِنَا .. على (دمشق) .. لهذا المكان التاريخي والعظيم مكانة خاصة في قلوبنا ، وأنا من عشاق قراءة الكتابات التي تجسد لنا طبيعة الحياة من خلال الأماكن ، أو من خلال الألفاظ ..
ملامح الحياة الدمشقية تسكن في قلب كل عربي يحب التاريخ ..
أعاد الله الأمن والاستقرار للشام العزيز ولكآفة الدول العربية والإسلامية ..

تحيتي لك ..


الساعة الآن 08:39 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team