منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   << أستاذ أيوب >> آخر يتيم مبدع غازي القصيبي >> (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=632)

ساره الودعاني 08-18-2010 02:09 AM

<< أستاذ أيوب >> آخر يتيم مبدع غازي القصيبي >>
 





غازي عبد الرحمن القصيبي






الميلاد 2 مارس 1940
الهفوف، السعودية

الوفاة 15 أغسطس 2010 (العمر: 70 عاماً)
الرياض، السعودية ...




الجنسية سعودي


تعليمه.....
قضى في الأحساء سنوات عمره الأولى، ثم انتقل بعدها إلى المنامة بالبحرين ليدرس فيها مراحل التعليم. نال ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة ثم تحصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا التي لم يكن يريد الدراسة بها, بل كان يريد دراسة "القانون الدولي" في جامعة أخرى من جامعات أمريكا, وبالفعل, حصل على عدد من القبولات في جامعات عدة, ولكن لمرض أخيه نبيل, اضطر إلى الانقال إلى جواره والدراسة في جنوب كاليفورنيا, وبالتحديد في لوس أنجلوس, ولم يجد التخصص المطلوب فيها, فاضطر إلى دراسة "العلاقات الدولية" أما الدكتوراة ففي العلاقات الدولية من جامعة لندن والتي كانت رسالتها فيها حول اليمن كما أوضح ذلك في كتابه الشهير "حياةٌ في الإدارة".


لمناصب التي تولاها
• أستاذ مساعد في كلية التجارة بجامعة الملك سعود في الرياض 1965 / 1385هـ
• عمل مستشار قانوني في مكاتب استشارية وفي وزارة الدفاع والطيران ووزارة المالية ومعهد الإدارة العامة.
• عميد كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود 1971 / 1391هـ.
• مدير المؤسسة العامة للسكك الحديدية 1973 / 1393 هـ.
• وزير الصناعة والكهرباء 1976 / 1396 هـ.
• وزير الصحة 1982 / 1402هـ
• سفير السعودية لدى البحرين 1984 / 1404 هـ.
• سفير السعودية لدى بريطانيا 1992 / 1412هـ.
• وزير المياه والكهرباء 2003 / 1423هـ.
• وزير العمل 2005 / 1425 هـ.


• أدبه ومؤلفاته
القصيبي شاعر له إنتاجات في فن الرواية والقصة، مثل شقة الحرية ودنسكو وأبو شلاخ البرمائي والعصفورية و"سبعة" وسعادة السفير و"لجنيّة. أما في الشعر فلديه دواوين "معركة بلا راية" و"أشعار من جزائر اللؤلؤ" و"للشهداء" و"حديقة الغروب". وله إسهامات صحافية متنوعة أشهرها سلسلة مقالات في عين العاصفة التي نُشرَت في جريدة الشرق الأوسط إبان حرب الخليج الثانية كما أن له مؤلفات أخرى في التنمية والسياسة وغيرها منها التنمية، الأسئلة الكبرى وعن هذا وذاك وباي باي لندن ومقالات أخرى الأسطورة ديانا و100 من أقوالي غير المأثورة وثورة في السنة النبوية وحتى لا تكون فتنة.
ذكره معلمه والأديب الراحل عبد الله بن محمد الطائي ضمن الشعراء المجددين في كتابة (دراسات عن الخليج العربي) قائلا:
"أخط اسم غازي القصيبي، وأشعر أن قلبي يقول ها أنت أمام مدخل مدينة
المجددين، وأطلقت عليه عندما أصدر ديوانه أشعاء من جزائر الؤلؤ الدم الجديد، وكان فعلا دما جديدا سمعناه يهتف بالشعر في الستينيات، ولم يقف، بل سار مصعدا، يجدد في أسلوب شعره، وألفاظه ومواضيعه".
يعد كتاب حياة في الإدارة أشهر ما نشر له، وتناول سيرته الوظيفية وتجربته الإدارية حتى تعيينه سفيراً في لندن. وقد وصل عدد مؤلفاته إلى أكثر من ستين مؤلفاً. له أشعار لطيفة ومتنوعة ورواية سلمى
ترجم كتاب للمؤلف ايريك هوفر باسم المؤمن الصادق.


سيرته الكاملة
[2] في بيئة "مشبعة بالكآبة"، كما يصفها محور هذه السيرة، كانت ولادته، التي وافقت اليوم الثاني من شهر مارس عام 1940، ذلك الجو الكئيب كانت له مسبباته، فبعد تسعة أشهر من ولادة (غازي) توفيت والدته، وقبل ولادته بقليل كان جده لوالدته قد توفي أيضا، وإلى جانب هذا كله كان بلا أقران أو أطفال بعمره يؤنسونه. في ذلك الجو، يقول غازي، "ترعرعت متأرجحا بين قطبين أولهما أبي وكان يتسم بالشدة والصرامة (كان الخروج إلى الشارع محرّما على سبيل المثال)، وثانيهما جدتي لأمي، وكانت تتصف بالحنان المفرط والشفقة المتناهية على (الصغير اليتيم)". ولكن، لم يكن لوجود هذين المعسكرين، في حياة غازي الطفل، تأثير سلبي كما قد يُتوقع، بل خرج من ذلك المأزق بمبدأ إداري يجزم بأن "السلطة بلا حزم، تؤدي إلى تسيب خطر، وأن الحزم، بلا رحمة، يؤدي إلى طغيان أشد خطورة", هذا المبدأ، الذي عايشه غازي الطفل، طبقه غازي المدير وغازي الوزير وغازي السفير أيضا، فكان على ما يبدو، سببا في نجاحاته المتواصلة في المجال الإداري. إلا أننا لا ندري بالضبط، ماذا كان أثر تلك النشأة لدى غازي الأديب.
على أي حال، لم يستمر جو الكآبة ذاك، ولم تستبد به العزلة طويلاً، بل ساعدته المدرسة على أن يتحرر من تلك الصبغة التي نشأ بها، ليجد نفسه مع الدراسة، بين أصدقاء متعددون ووسط صحبة جميلة.
في المنامة, كانت بداية مشواره الدراسي، حتى أنهى الثانوية، ثم حزم حقائبه نحو مصر، وإلى القاهرة بالتحديد، وفي جامعتها انتظم في كلية الحقوق، وبعد أن أنهى فترة الدراسة هناك، والتي يصفها بأنها "غنية بلا حدود" - ويبدو أنها كذلك بالفعل إذ (يُقال) أن رواية "شقة الحرية" التي كتبها، والتي كانت هي الأخرى غنية بلا حدود، تحكي التجربة الواقعية لغازي أثناء دراسته في القاهرة -.
بعد ذلك، عاد إلى السعودية يحمل معه شهادة البكالوريوس في القانون، وكان في تخطيطه أن يواصل دراسته في الخارج، وأصرّ على ذلك رغم العروض الوظيفية الحكومية التي وصلته، وكان أهمّها عرضا يكون بموجبه مديرا عاما للإدارة القانونية في وزارة البترول والثروة المعدنية والتي كان يحمل حقيبتها آنذاك عبد الله الطريقي، إلا أنه رفضه مقدما طموح مواصلة الدراسة على ما سواه. وكان أباه حينها قد عرض عليه الدخول في التجارة، معه ومع إخوته، إلا أنه اعتذر من أبيه عن ذلك أيضا، فما كان من الأب "شديد الاحترام لاستقلال أولاده" كما يصفه ابنه، إلا أن يقدّر هذه الرغبة، بل ويساعده عبر وساطاته بتدبير أمر ابتعاثه الحكومي إلى الخارج، وهذا ما تم.
وفي 1962، ونحو لوس أنجلوس في الولايات المتحدة الأميركية، كانت الوجهة هذه المرة، وفي جامعة جنوب كاليفورنيا العريقة، قضى ثلاث سنوات تتوّجت بحصوله على درجة الماجستير في العلاقات الدولية.
وفي أميركا وأثناء دراسة الماجستير، جرّب غازي منصبا إداريا للمرة الأولى، وذلك بعد فوزه "بأغلبية ساحقة" في انتخابات جمعية الطلاب العرب في الجامعة، وبعد رئاسته لها بأشهر أصبحت الجمعية ذات نشاط خلاق، بعد أن كانت الفرقة سمتها نظرا للوضع الذي كان يعيشه العالم العربي آنذاك والذي يؤثر بالطبع على أحوال الطلاب العرب.
"العودة إلى الوطن، والعمل استاذا جامعيا ثم إكمال الدراسة والحصول على الدكتوراه بعد فترة عملية"، كان قرار غازي من بين خيارات عدة، فعاد إلى الرياض عام 1964، وإلى جامعتها (جامعة الملك سعود حاليا) تقدّم آملا بالتدريس الجامعي في كلية التجارة (إدارة الاعمال حاليا)، ولكن السنة الدراسية كانت قد بدأت قبل وصوله، ما جعل أمله يتأجل قليلا حتى السنة التالية، وفي تلك الأثناء، قضى غازي ساعات عمله اليومية في مكتبة الكلية (بلا عمل رسمي)، وقبيل فترة الامتحانات الجامعية جاء الفرج، حاملا معه مكتباً متواضعاً ومهمة عملية، لم تكن سوى لصق صور الطلاب على استمارات الامتحان ! وقام حامل الماجستير في العلاقات الدولية بتلك المهمة عن طيب خاطر.
وقبل بدء السنة التالية، طلب منه عميد الكلية أن يجهّز نفسه لتدريس مادتي مبادئ القانون ومبادئ الإدارة العامة، إلا أنه وقبيل بدء الدراسة فوجئ الأستاذ الجامعي الجديد بأنه عضو في لجنة السلام السعودية – اليمنية، التي نصت عليها اتفاقية جدة لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن، وكان أن رشح اسمه كمستشار قانوني في الجانب السعودي من اللجنة، دون علمه، ليأتي أمر الملك فيصل باعتماد أسماء أعضاء اللجنة، فلم يكن هناك بدّ من الانصياع لهكذا عضوية. ومع أوائل العام 1966 كانت مهمة اللجنة قد انتهت ليعود المستشار القانوني السياسي إلى أروقة الجامعة، وكلف حينها بتدريس سبع مواد مختلفة. وفي 1967 غادر نحو لندن، ليحضّر الدكتوراه هناك، وكتب رسالته حول حرب اليمن، ثم عاد إلى الرياض في 1971، ولكنه قد أصبح (الدكتور) غازي، ليبدأ مشواره العملي، ويصل إلى مجلس الوزراء بعد أربع سنوات في التشكيل الوزاري الذي صدر عام 1975 م.


الأستاذ الجامعي والوزير والسفير
مع بداية العام 1971 عاد الدكتور غازي القصيبي للعمل في الجامعة بعد أن حصل على درجة الدكتوراه من لندن في المملكة المتحدة، وأدار بعد عودته بقليل مكتبا للاستشارات القانونية كان يعود لأحد أصدقاءه، ومن خلال هذه التجربة التي يعترف الدكتور غازي بأنه لم يوفق فيها تجاريا، يبدو أنه وفق بشأن آخر، وهو التعرف على طبيعة المجتمع السعودي بشكلٍ أقرب من خلال تعامله مع زبائن المكتب.
في تلك الفترة أيضا كانت الفرصة قد سنحت للكتابة بشكل نصف شهري في جريدة الرياض، مع إعداد برنامج تلفزيوني أسبوعي يتابع المستجدات في العلاقات الدولية، وكان لظهوره الإعلامي دور في ترسيخ هذا الاسم في ذاكرة العامة. وفي تلك الأثناء كذلك شارك القصيبي مع مجموعة لجان حكومية كانت بحاجة لمستشارين قانونيين ومفاوضين مؤهلين، من ضمنها لجان في وزارة الدفاع والطيران ولجان في وزارة المالية والاقتصاد الوطني وغيرها.
في تلك الحقبة من بداية المشوار العملي الحقيقي، كان لابد وأن يكون لبزوغ هذا الاسم ثمن، وكان كذلك بالفعل إذ انطلقت أقاويل حول "عاشق الأضواء" و"عاشق الظهور"، ويعلق الدكتور غازي على ذلك بالقول: "تعلمت في تلك الأيام ولم أنس قط، أنه إذا كان ثمن الفشل باهضا، فللنجاح بدوره ثمنه المرتفع... أعزو السبب – لظهور هذه الأقاويل- إلى نزعة فطرية في نفوس البشر، تنفر من الإنسان المختلف، الإنسان الذي لا يتصرف كما يتصرفون".
وبعد أقل من عام، كان على الأستاذ الجامعي أن يتحول عميدا لكلية التجارة وهو المنصب الذي رفضه إلا بشرط هو ألا يستمر في المنصب أكثر من عامين غير قابلة للتجديد، فكانت الموافقة على شرطه هذا إلى جانب شروط أخرى رحب بها مدير الجامعة. وبدأت تنمو الإصلاحات في الكلية ونظامها وسياستها بشكلٍ مستمر وبنشاط لا يتوقف. حتى عاد أستاذا جامعيا بعد عامين.
وفي 1973، كان القرار الهام، الانتقال من الحياة الأكاديمية إلى الخدمة العامة، في المؤسسة العامة للسكة الحديدية، وكان سبق أن عرض عليه الأمير نايف وزير الداخلية أن يعمل مديرا عاما للجوازات والجنسية، ولكنه رفض، أما إدارة مؤسسة السكة الحديدية "فأثارت شهية الإداري الذي ولد داخل الأكاديمي"، على حد وصف الدكتور غازي.
و قبل أن يتضح له أنه بدأ شيئا فشيئا يتحول إلى "وزير تحت التمرين"، كان قد التقى مرات عدة مع الأمير فهد (آنذاك)، حتى أنه شرح له في إحدى المرات فلسفة المملكة التنموية، وكأن ذاك درس للطالب النجيب لينتقل نحو مجلس الوزراء، وهذا ما حدث بالفعل في عام 1975، ضمن التشكيل الوزاري الجديد، إذ عُيّن وزيرا لوزارة الصناعة والكهرباء، ويذكر المواطن من ذلك الجيل أن الكهرباء حينها دخلت كل منزل أو على الأقل غالبية المنازل في السعودية وخلال فترة وجيزة، كذلك كان من أهم إنجازات تلك الفترة نشوء شركة "سابك" عملاق البتروكيماويات السعودي. وكانت قد ظهرت آنذاك العلامة المميزة لـ غازي القصيبي: الزيارات المفاجئة.
يعترف غازي الوزير، أنه لم يكن بوسعه تحقيق ما حققه لولا "الحظوة" التي نالها لدى القيادة السياسية للبلد، وهذه الحظوة لم تكن بالطبع لتأتي من فراغ، وتوطدت أكثر مع الأمير فهد، ولي العهد. وفي يوم من أواخر العام 1981، كان الأمير فهد قد قرر تعيين غازي وزيرا للصحة، وهو ما تم بعد تولي الملك فهد مقاليد الحكم عام 1982، ويقول الوزير الجديد، حينها، في هذا الشأن: "كانت ثقة الملك المطلقة، التي عبر عنها شخصيا وفي أكثر من وسيلة ومناسبة، هي سلاحي الأول والأخير في معارك وزارة الصحة"، وفي تلك الوزارة كانت التغيرات حثيثة ومتلاحقة، نحو الأفضل بالطبع، ظهر غازي في تلك التغيرات كإنسان أكثر من كونه وزير أو إداري، وربما كان لطبيعة العمل الإنساني في وزارة الصحة دور كبير في هذا.
كان من الأمثلة على ذلك، إنشاء جمعية أصدقاء المرضى، إنشاء برنامج يقوم على إهداء والدي كل طفل يولد في مستشفيات الوزارة، صورة لوليدهم بعد ولادته مباشرة، مع قاموس للأسماء العربية ! هذا فضلا عن تعزيز عملية التبرع بالدم وبث ثقافتها وتحفيز المواطنين نحوها، كذلك ظهرت لمسات روحانية كتعليق آيات من القرآن داخل المستشفيات وتوزيع المصاحف على المرضى المنومين.
ولكن الأكيد، أنه ومع كل تلك النجاحات التي ما زالت آثار نتائجها باقية حتى اليوم، لم تكن النهاية سعيدة ! إذ صدر أمر ملكي بإعفاء الوزير القصيبي من وزارة الصحة، وكان ذلك في أواسط عام 1984، يقول غازي عن الإعفاء أنه كان "دراما إنسانية معقدة"، وكانت قصيدة (سيف الدولة الحمداني) قد دقت الوتد الأخير (أو هي كل الأوتاد) في العلاقة الودية بين الوزير ورئيسه في مجلس الوزراء الملك فهد، فكان الإعفاء.
وبعد شهر واحد فقط، صدر تعيينه سفيرا للملكة في دولة البحرين، بناءً على رغبته، وبقي كذلك لثماني سنوات، حتى صدر قرار تعيينه –بعد استشارته- سفيرا للمملكة في بريطانيا، وظل هناك طوال إحدى عشرة سنة، ليعود من السلك الدبلوماسي نحو الوزارة، وزيرا للمياه ثم المياه والكهرباء بعد أن دمجتا في وزارة واحدة، لينتقل مؤخرا نحو وزارة العمل، التي ما زالت ترضخ للمُصلح، وإن لم يتبق إلا قليل من درب الخروج من الأزمة.

غازي الشاعر والروائي والكاتب....

كان لغازي ميول أدبية جادة، ترجمها عبر دواوين أشعار كثيرة، وروايات أكثر، وربما يعدّ بسببها أحد أشهر الأدباء في السعودية، ويظل رمزا وأنموذجا جيدا لدى الشباب منهم، وكالعادة، فالمبدعين لابد وأن تحاصرهم نظرات الشك، وتلقى إليهم تهم لها أول لكنها بلا آخر، لا سيما وأن متذوقي الأدب قلة، ومحبي حديث الوعاظ المتحمّسين غالبية، وابتدأت تلك المشاحنات من جانب الوعاظ مع إصداره لديوانه الشعري الثالث "معركة بلا راية" عام 1970، إذ ساروا في وفود وعلى مدى أسابيع عدة، نحو الملك فيصل لمطالبته بمنع الديوان من التداول، وتأديب الشاعر، فأحال الملك فيصل، الديوان، لمستشاريه ليطلعوا عليه ويأتوه بالنتيجة، فكان أن رأى المستشارون أنه ديوان شعر عادي لا يختلف عن اي ديوان شعر عربي آخر، إلا أن الضجة لم تتوقف حول الديوان واستمرت الوفود بالتقادم للملك فيصل، فما كان منه سوى أن شكل لجنة ضمت وزير العدل ووزير المعارف ووزير الحج والأوقاف، لدراسة الديوان أو محاكمته بالأصح، وانتهت اللجنة إلى أن ليس في الديوان ما يمس الدين أو الخلق، ولا تمر هذه الحادثة في ذهن القصيبي إلا ويتذكر موقف الملك عبد الله بن عبد العزيز من هذه القضية، إذ يقول غازي: "سمعت من أحد المقربين إليه أنه اتخذ خلال الأزمة موقفا نبيلا وحث الملك فيصل على عدم الاستجابة إلى مطالب الغاضبين المتشنجة".
فيما بعد توالت الإصدارات بين دواوين الشعر والروايات والكتب الفكرية، ومن دواوينه الشعرية : صوت من الخليج، الأشج، اللون عن الأوراد، أشعار من جزائر اللؤلؤ، سحيم، وللشهداء. ومن رواياته شقة الحرية، العصفورية، سبعة، هما، سعادة السفير، دنسكو، سلمى، أبو شلاخ البرمائي، وآخر إصداراته في الرواية : الجنية. وفي المجال الفكري له من المؤلفات : التنمية، الأسئلة الكبرى، الغزو الثفافي، أمريكا والسعودية، ثورة في السنة النبوية، والكتاب الذي وثق فيه سيرته الإدارية والذي حقق مبيعات عالية :حياة في الإدارة.
وأحدثت معظم مؤلفات الشاعر والروائي والمفكر غازي القصيبي ضجة كبرى حال طبعها، وكثير منها مُنع من التداول في السعودية لا سيما الروايات، ولا يزال فيها ما هو ممنوع حتى هذه اللحظة.
وعلى المستوى الروائي يكاد يُجمع المهتمين بأن روايتي شقة الحرية والعصفورية، هما أهم وأفضل وأشهر ما كتب..
واخر ما صدر له ديوان { حكاية حب }

و.. { رجل جاء وذهب }
ورغم أن البعض يرى أدب غازي متطرفا نحو اليسار، إلا أن لآخرين رأيهم بأنه متطرفا لليمين، لا سيما في أدبياته الأخيرة، وخصوصا قصيدة الشهداء (نص قصيدة الشهداء)، التي مجّد فيها غازي للعمليات الانتحارية (في فلسطين) قبل نحو ثلاث سنوات، وأشاع بعضهم حينها أنها كانت سببا لتدهور علاقاته الدبلوماسية في بريطانيا، فكان أن نقل من السفارة عائدا إلى الوزارة، وذلك بعد نحو عام من نشر القصيدة.
وهنا يستشهد القصيبي بقول الأديب السوري محمد الماغوط: "ما من موهبة تمر بدون عقاب" ويضيف عليها: "وما من موقف يمر بلا ثمن !".


شعره
كلماته الشعرية الأخيرة وهو على فراش المرض وجاء فيها

أغالب الليل الحزين الطويل
أغالب الداء المقيم الوبيل
أغالب الألام مهما طغت

بحسبي الله ونعم الوكيل
فحسبي الله قبيل الشروق
وحسبي الله بُعيد الأصيل
وحسبي الله إذا رضنّي
بصدره المشؤوم همي الثقيل
وحسبي الله إذا أسبلت
دموعها عين الفقير العليل

يا رب أنت المرتجي سيدي
أنر لخطوتي سواء السبيل
قضيت عمري تائهاً ، ها أنا
أعود إذ لم يبق إلا القليل
الله يدري أنني مؤمن
في عمق قلبي رهبة للجليل
مهما طغى القبح يظل الهدى
كالطود يختال بوجه جميل

أنا الشريد اليوم يا سيدي
فأغفر أيا رب لعبد ذليل
ذرفت أمس دمعتي توبة
ولم تزل على خدودي تسيل
يا ليتني ما زلت طفلاً وفي
عيني ما زال جمال النخيل

أرتل القرآن يا ليتني
ما زلت طفلاً .. في الإهاب النحيل
على جبين الحب في مخدعي
يؤزني في الليل صوت الخليل
هديل بنتي مثل نور الضحى
أسمع فيها هدهدات العويل
تقول يا بابا تريث فلا
أقول إلا سامحيني ..
هديل

...


حين تغيبين


يبعثرني الشوق حين تغيبين
فوق الجبال و تحت البحار
و يرسلني في هبوب الرياح
و في عاصفات الغبار
و يزرعني في السحاب الثقال
وراء المدار
* * *
وأواه لو تبصرين العذاب المكبل
في نظراتي
و في كلماتي
وأواه لو تلمحين الخناجر
ترضع من ضحكاتي
* * *
و أعجب كيف أخوض الجموع
بدونك
و أرقص فوق الحراب
بدونك
أمثل في مسرح الزيف ألف رواية
و أهذي بألف حكاية
و أرجع عند انسدال المساء
فأحلم أني رميت شقائي
بليل عيونك
و نمت.. و نام الشقاء
* * *
إذا غبت لا شيء.. لا شيء.. لا شيء
هذي الحياة
بكل شذاها و ألحانها
بكل صباها و ألوانها
و أقزامها.. و الكبار الطغاه
و ما دبجته أكف المنى
و ما سطرته دموع الضنى
كأن الحياة إذا غبتِ عكس الحياة
**
......
قـــل لــها




قل لها .. إنه تأمَّل في دنياه / حـيـناً فـعاد يحضنُ دمعه ..
راعـه أنَّ عــمـره يـتلاشى / مثل ما تُخمد الأعاصير شمعةْ
وصباه يضيع منه .. كما ضاع / نداء.. تطوي المتاهات رجعه
قل لها .. انّه يفيق على جرح / وتغـفـو سنينه فـوق لوعهْ
سكب الدهر من أساه رحيقا / فـتحساه جُـرعة إِثْـر جُرعهْ
قل لها .. انه يهيم .. وأخشى / ان تواريه رحلة دون رجعهْ




لقاؤنا



لقاؤنا

ماكان قبل لحظتين

فإنني رأيت هذه العيون

من سنين

رأيتها خلف الغيوم

رأيتها بين النجوم
من سنين



أغنيه في ليل استوائي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

... فقولي إنه القمر!
أو البحر الذي ما انفك بالأمواج..
والرغبات يستعر
أو الرمل الذي تلمع
في حبّاته الدرر
لجوز الهند رائحة
كما لا يعرف الثمر
... فقولي إنه الشجر!
وفي الغابة موسيقى
طبول تنتشي ألماً
وعرس ملؤه الكدر
.. فقولي إنه الوتر
أيا لؤلؤتي السمراء!
يا أجمل ما أفضى له سفر
خطرتِ .. فماجت الأنداء.. والأهواء..
والأشذاء.. والصور
وجئت أنا
وفي أهدابي الضجر
وفي أظفاري الضجر
وفي روحي بركان
ولكن ليس ينفجر
فيا لؤلؤتي السمراء!
ما أعجب ما يأتي به القدر
أنا الأشياء تحتضر
وأنت المولد النضر
.. فقولي إنه القمر
***
أأعتذر
عن القلب الذي مات
وحلّ محله حجر؟
عن الطهر الذي غاض
فلم يلمح له أثر؟
وقولي: كيف أعتذر؟
وهل تدرين ما الكلمات؟..
زيف كاذب أشر
به تتحجب الشهوات..
أو يستعبد البشر
... فقولي إنه القمر!.
***
أتيتك ...
صحبتي الأوهام .. والأسقام ..
والآلام .. والخور
ورائي من سنين العمر ..
ما ناء به العمر ..
قرون .. كل ثانية
بها التاريخ يختصر
وقدّامي
صحارى الموت .. تنتظر
فيا لؤلؤتي السمراء! كيف يطيب
لي السمر؟
وكيف أقول أشعاراً
عليها يرقص السحر؟
قصيدي خيره الصمت
... فقولي إنه القمر!
***
أنا؟!
لا تسألي عني
بلادي حيث لا مطر
شراعي الموعد الخطر
وبحري الجمر والشرر
وأيامي معاناة
على الخلجان.، . والإنسان .. والأوزان ..
تنتشر
وحسبك .. هذه الأنغام .. والأنسام
والأحلام..
لا تبقي ولا تذر
.. فقولي إنه القمر
***
غداً؟ لا تذكريه!...
غداً
تنادي زورقي الجزر
ويذوي مهرجان الليل
لا طيب ولا زهر
... فقولي إنه القمر!

قطرة من مطر


......كقطرة من مطر ،، تحدري تحدري .....

.......استرسلي ناعمة ،، شهية كالخدر ....

......وأشعريني أنني ،، الطفل الذي لم يكبرِ......

......يغفو على صدركِ ،، نومَ اللحن فوق المزهرِ.......

....وضمدي الجرح الذي ،، عدت به من سفري .......

.... كقطرة من مطرِ ،، تغلغلي في ضجري .......

.......في قلقي ، في حُرَقي ،، في كدري ، في سهري ....

.....في قلبي الذي استحال ،، قطعة من حجر .........

......تغلغلي ، تـغلـغـلي ،، وغسلي ، وطهري .......

..........ردي اليٌ نفحة ،، من الشباب العطر....


وفاته
توفي عن عمر يناهز السبعين عامًا في يوم الأحد 5 رمضان 1431 هـ الموافق 15 أغسطس 2010 الساعة العاشرة صباحًا في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض بعد معاناة طويلة مع مرض سرطان القولون ، رحمه الله
وكان رحمه الله قد تردّت حالته الصحية خلال الأيام الماضية بعد أن تمّ نقله إلى المستشفى قبل شهر ونصف من مملكة البحرين التي ذهب إليها لقضاء فترة للنقاهة لم تتجاوز الشهرين من إجرائه لعملية جراحية بسبب إصابته بمرض سرطان المعدة في الولايات المتحدة الأميركية في شهر تشرين الثاني - نوفمبر من العام الماضي.
القصيبي الذي يعتقد بأنّه أحد ضحايا الأخطاء الطبيّة القاتلة تعرّض لوعكة صحية أفقدته أكثر من 40 كغ من وزنه ادخل على أساسها إلى المستشفى التخصصي الذي أمر بنقله إلى أميركا حيث أجريت له العملية إلاّ أن الوعكة الأخيرة قبيل الشهر التي عاد بموجبها إلى المستشفى التخصصي وهو نقطة البداية لعلاجه لتكن هي آخر أيامه المعدودة ولتعلن وفاة الرمز السعودي الأكبر أدبيًّا وعمليًّا. وقد نعاه الأدباءوالمثقفون والمسؤولون ونعته الصحف العربية والعالمية وكتب عنه كثير من الأدباء والكتاب

خالدة بنت أحمد باجنيد 08-18-2010 02:36 AM

رحمه الله تعالى.. وجعل الجنّة مثواه..
أيّ كلامٍ يفي بقدره..؟!
سارة..
شكرًا لك على هذه الصفحة المورقة بسيرته.. وإنجازاته الباذخة..
لك ودّي..
.
.
.
خالدة..

أمل محمد 08-18-2010 02:47 AM

مـُبدع بلا شك ّ

من الرموز السعوديـّة التي نفخر بها حتى بعد رحيله

رحمه ُ الله وغفر له وأسكنه فسيح الجنان

شكرًا لك ِ سارة على هذا الطرح ~

الفقيد يستحق ّ أكثر وأكثر منـــّا ~



//



همســـة :

بعد إذنك عدّلت في العنوان

أساتذ إلى أستاذ :)

جميل عبدالغني 08-18-2010 04:30 AM

رحمة الله عليه كان رجل يوزن بالذهب لما له حب الوطن
واقول حسبي الله ونعم الوكيل
اللهم اغفر له وادخله فسيح جناته
شكر لمن كتب لنا وعزائى لكل من قراءه

ايوب صابر 08-18-2010 10:08 AM

الاخت سارة الودعاني

كنت وفور سماعي خبر وفاته وما قال عنه الاعلام قد توقعت يتمه وقد بحثت عنه وكنت بصدد الحديث عنه تحت عنوان جديد "اعلام ايتام" ولكن سبقتني لوضع سيرته وادبه تحت المجهر هنا.

دعونا نجعل هذه الزاوية لدراسة مسيرة وابداع الاستاذ المرحوم القصيبي ونحاول ان نتعرف تحديدا على :
- عبقرية غازي القصيبي.
- اثر الموت في حياة وادب غازي القصيبي.
- اثر الموت في شخصية غازي القصيبي.
- اثر الموت في صفات وسمات غازي القصيبي.
- مقتطفات من ادب غازي القصيبي تشير الى اثر اليتم سواء كان الحديث واعي او غير واعي.
- ما قاله غازي القصيبي بخصوص الابداع واليتم ان توفر.

المهم ان نجعل هذه الصحفة سجل كامل وشامل ومرجعية لكل ادب وابداعات وانجازات هذا العلم اليتيم...العبقري بكل ما في الكلمة من معنى...

ايوب صابر 08-18-2010 10:18 AM

غازي القصيبي

الدكتور غازي عبد الرحمن القصيبي غني عن التعريف فهو
- شاعر عربي أصيل،
- بحريني الهوية سعودي الجنسية،
- عربي البنية والتكوين،
- يتجاوز بما أعطاه الله عليه من نظم الشعر وفكر ووجدان الحدود القطرية السياسية العربية ليحتضن بصدق وإخلاص كل زوايا الوطن العربي والإنسان العربي والقضايا العربية والإسلامية
- إلى جانب القضايا الإنسانية بكل حبٍ وتفانٍ.

الدكتور غازي من مواليد منطقة الإحساء بالمملكة العربية السعودية عام 1940، انتقل مع عائلته إلى البحرين في سن الخامسة حيث نما وترعرع وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي ثم حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة ونال ماجستير العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا أما شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية فقد كانت من جامعة لندن.

تزوج الدكتور غازي القصيبي سنة 1968 ميلادية ورزق من زوجته أربعة أبناء: يارا، وفارس، ونجاد، أما كيف فكر في اسم إبنته البكر؟ عندما كانت فيروز تغني أغنية يارا لسعد عقل، وكان الشاعر صدفة ينتظر قدوم طفلته البكر بعد شوق استمر تسعة أشهر، أعجبه الاسم، فلما وُلِدت الطفلة وجدت الاسم في انتظارها معدا وجاهزا ومتفق عليه، والجدير بالذكر فقد كان وقتها في لندن يتابع التحضير لرسالة الدكتوراه وبالتحديد في شهر أكتوبر من عام 1970.

علم أولاده أن يستقلوا بشخصياتهم حتى عنه بأسرع وقت ممكن، وتعلم منهم العناد ليبين إن العناد ليس محتوما على الصغار، كما عاملهم لين بلا ضعف وحب بلا دلع فهو يحب الأطفال حباً جما فكتب في يناير عام 1986( أنشودة الطفل ) الإبداعية إذ يريك فيها دهشة الأطفال البكر الأولى بالحياة الدراسية والالتزام بالمنهج والواجب والمقرر وقراءة الكتب المكدسة والامتحان المرعب، فها هي قصيدته:
في كل يوم مدرسة .. ياللحياة التعســــة
وواجبٌ مـــــــــعقدٌ.. وكتب مكدســــــة
وامتـــحانٌ مُرعبٌ.. يهرسُنا كالمهرسـه

وكان هناك حدثان مهمان في حياته أصبح لهما تأثيران كبيران في تكوينه الفكري والفني والروحي:
فالحدث الأول: عاش الشاعر صباه المبكر في البحرين يتيم الأم وتربى في كنف والده الذي عرف بمكانته الاجتماعية الرفيعة رغم إن أباه لم يكن اكبر أشقائه الأربعة غير انه كان أشهرهم وأكثرهم صيتاً وقد كانت له أنشطة تجارية متعددة الجوانب.
والحدث الثاني: هو فقدان والده الحنون وبعد أن توفي أبوه تولاه أخوه بالرعاية والاهتمام.
http://forum.z7mh.com/t81957.html

-لا شك ان غازي القصيبي علم من الاعلام الايتام الذين صنعهم يتمهم فهو ليس فقط يتيم الام بل يتيم الاب ايضا...فيتمه مكثف واثر يتمه الكثف هذا يظهر في كل زاويه من زوايا ابداعاته في المجالات المتعددة والواضحه للعيان.

فما اثر هذان الحدثان في تكوين غازي القصيبي الفكري والفني والروحي؟؟؟؟؟

ناريمان الشريف 08-18-2010 10:50 AM

يرحم الله د. غازي القصيبي
وأسكنه فسيح الجنان

إن هذا الرجل - إن لم تخني ذاكرتي - أحتفظ له في أرشيفي لقاء مع إحدى المجلات السعودية
وهو من أجمل ما قرأت له
وفي اللحظة التي أجده سأنقل لكم اللقاء بالكامل إن شاء الله

بارك الله فيك غاليتي سارة أن ألقيت الضوء على حياة هذا الشاعر اليتيم والتي تفسر
الطاقة الابداعية للأيتام وهي رحلة بدأها الأخ أيوب صابر
بارك الله فيكما


تحية ... ناريمان

ايوب صابر 08-18-2010 03:24 PM

على الرابط ادناه حشد من الاعلام الايتام المبدعين في مختلف المجالات اقوم على رصدهم لمزيد من الدراسة والتحليل وبهدف التوصل الى سمات وصفات معيارية للايتام مقرونة بسنة وقوع فجيعة اليتم.


ايوب صابر 08-19-2010 12:34 AM

جريدة الجرائد / مقالات اليوم

غازي القصيبي بين الحياة و«الحياة»

الحياة اللندنية



gmt 0:02:00 2010 الأربعاء 18 أغسطس




زياد بن عبدالله الدريس
(1)
عنوان هذه المقالة وضعته الأسبوع الماضي ، حين استلمت نسخة من أحدث إصدارات غازي القصيبي : (الوزير المرافق)، من الصديق الكاتب يحي إمقاسم الذي عرض للكتاب الجديد عرضا ً موسعاً ومشوقا ً فوق التشويق القصيبي المعهود بالطبع (صحيفة الحياة 10/8/2010م).
قرأت العرض صباحا ً واستلمت الكتاب مساء ً. كنا نتحدث، يحي وأنا، عن حالة غازي الصحية الحرجة التي دعته لدخول العناية الفائقة.
قلت بما أن الوضع الصحي بلغ هذا الحرج فسأجعل مقالتي الأسبوع القادم فورا ً عن الكتاب، لعل غازي يسر بقراءة المقالة، وفي الحقيقة أني أنا الذي كنت أطمع أن أسر بقراءته لمقالتي هذه!
ولأن الوضع الصحي أصبح حرجا ً لدرجة ظهور العبارة المخيفة: «غازي بين الحياة والموت»، فقد قررت أن أجعل العنوان هو (غازي بين الحياة والحياة)، الحياة الأولى هي التي يزاولها سائر الناس والحياة الثانية هي التي يختص بها أمثال غازي القصيبي من الكائنات الحية التي تستمر حية حتى بعد موتها. كما لا يخلو العنوان من إسقاط على اسم صحيفة الحياة التي كانت آخر المحتفين بأعمال غازي قبل موته.
هذه هي حكاية المقالة وعنوانها، لكن القدر كان أقدر وخلال خمسة أيام بين ولادة هذه المقالة ووفاة ذلك الغازي، أن يحيلها إلى مقالة رثاء وتأبين .
(2)
عنصر الدهشة في كتاب (الوزير المرافق) ليس جَلَد القصيبي على الكتابة والتأليف حتى في أحلك الظروف، ولا أسلوبه السلس الذي ألفناه وعهدناه منه، ولا التقلبات المتمكنة والمحكمة له في مجالات الكتابة بين الرواية والسياسة والإدارة والسيرة والشعر، حتى إنه حيّر الناس وأربك الصحف فيما يمكن تسميته ووصفه به، فلم يجدوا أفضل من أن يصفوه بأنه: غازي القصيبي!
الدهشة في هذا الكتاب الأخير، أو ما قبل الأخير بالأصح، هو هذه القدرة المتقنة عند القصيبي للكتابة في مواطن الغضب والتأزم والمسكوت عنه. ثم يخرج سالماً معافى.
لطالما كُتب الكثير عن أزمة «ثنائية السياسي والكاتب»، وكيف يمكن للمثقف الكاتب حين يتحول إلى سياسي مسؤول أن يستمر في نهجه الكتابي دون أن يسبب حرجاً لمنصبه؟!
لم يكن المخرج من تلك الإشكالية سوى تحوّل الكتّاب المسؤولين إلى الكتابة في المناطق الرمادية تلك التي لا تثير نقعاً ولا صليلاً!
غازي القصيبي بمهارة مذهلة استطاع أن يقبض على المعادلة .. فيحتفظ بصورته المتفردة : كاتباً مثيرا ُ ومسؤولاً مرموقاً. في آن.
للحق، لم تتجل هذه المهارة القصيبية في كتابه الأخير فقط ، بل قرأناها في كتبه (حياة في الإدارة)، (سعادة السفير)، (أمريكا والسعودية)، (أبو شلاخ البرمائي) وغيرها من كتبه الأخرى المثيرة للجدل . الجدل عند الناس، لكن ليس عند غازي المتوافق والمتصالح مع نفسه .
في كتابه (الوزير المرافق) يتحدث عن جيمي كارتر وكأنه يتحدث عن زميله في الدراسة، أما انديرا غاندي فهي ابنة جيرانهم، والعقيد القذافي ولد حارتهم الشقي!
يصف كارتر بأنه (كان حريصا على إرضاء الجميع مهما كانت مذاهبهم ومشاربهم ، وقد انتهى به الأمر بإغضاب الجميع من كل المذاهب والمشارب)، لا يقول غازي هذا الوصف عن كارتر دون أن يحمّله رسالة مبطنة من قناعات غازي نفسه. وعلى نفس المنوال يروي عن أنديرا غاندي قولها: (لقد كانت الرغبة في فرض التطور غلطة الشاه الأساسية، وكانت غلطة أتاتورك قبله. لقد تصوروا أن التغيير يمكن أن يتم بقرار حكومي. هذه نظرة خاطئة. الناس أنفسهم هم الذين يحددون سرعة التغيير ولا يمكن أن تفرض عليهم الدولة أن يتغيروا حسب هواها)، هذا دون شك هو رأي وقناعة غاندي الهند وغاندي السعودية أيضا!
أما حديثه عن ومع العقيد المعقد فهو ما لا يمكنني الاقتباس منه لأنه كله اقتباس!
رحم الله غازي القصيبي ، ما أبدعه وأمهره... وما أفقدنا فيه.

ايوب صابر 08-19-2010 12:45 AM

غازي القصيبي يسرد باسلوبه الخاص حياته وسيرته الذاتية
بقلم: دمعة امل
الكويت ـ كونا: لم يكن ما قاله الدكتور غازي القصيبي في حفل تكريم وزير الاعلام الكويتي ووزير النفط بالوكالة الشيخ أحمد الفهد الصباح له كشخصية لمهرجان القرين الثقافي التاسع وقدم له درعا خاصة بهذه المناسبة شعرا فهو بعيد عن أوزان الشعر وقوافيه ولم يكن سردا لان عبق الشعر لف مستمعيه ما سمعناه هو خلاصة لمزيج من شعر وأدب القصيبي.

هكذا هو الشاعر والاديب حين يطلب منه سرد سيرته وتجاربه فيعتبر الاديب الشاعر ووزير المياه السعودي الدكتور غازي القصيبي أن الحديث عن التجربة الشخصية مهما كان حرص المتكلم لابد أن ينزلق الى الغرور او ما يشابهه او التواضع الكاذب أو ما يقاربه.

وأنا بطبعي لست مغرورا اذا كان معنى الغرور اى شعور بالاستعلاء على أي عبد من عباد الله وأنا بطبعي لست متواضعا اذا كان معنى التواضع أن أنكر مواهبي ارضاء لغير الموهوبين بهذه الكلمات لخص الشاعر القصيبي مسيرة حياته وهو يشعر بانه لا يستحق التكريم فانا ولدت فوجدت لدي موهبة من نوع خاص تعارف الناس على تسميتها شعرا فتبعت الموهبة دون أن أعرف الى أين ستقودني ووجدت لدي مواهب أخرى يزعم من يزعم أنها تشمل الرواية والادارة والدبلوماسية فانقدت لها دون أن أسأل كما سأل المتنبي أطويل طريقنا أم يطول.

خلاصة قولي انني وجدت في أعماقي نازعا الى كتابة شعر فكتبت شعرا ولمست في روحي دافعا الى كتابة رواية فكتبت رواية وأنست في مكان ما بين القلب والعقل حافزا يسوقني الى الخدمة العامة فانسقت معه اعطاني الشعر عددا من المعجبين وأعطتني الرواية مزيدا من الشهرة وأسندتني الخدمة العامة الى ثلاثة مناصب وزارية حدث كل ماهذا ولا أكذب فأقول ان هذا كله حدث رغما عني.

وقال الدكتور القصيبي: حقيقة الامر انه كان ما كان وسعدت بما كان يسرني أن يكون لي قراء وقارئات ويسرني أن تتاح لي فرصة الخدمة العامة كما لا تتاح الا من أعلى مواقع الخدمة العامة الا ان هذا لا يمثل سوى نصف الحقيقة النصف الاخر هو انني عندما كتبت أول بيت من الشعر لم يكن في ذهني أن أصبح شاعرا معروفا أو مجهولا أو حتى أن أطبع ديوانا ذات يوم كتبت أول قصيدة كما يفعل الماشي أثناء النوم انسياقا مع رغبة عارمة لا يدري من أين جاءت ولا الى أين ستذهب.
يسألني الناس كل يوم ماذا أعطاك الشعر وماذا أخذ منك وأقول صادقا انني لا أعرف الجواب مع الشعر لا يوجد حساب دائن وحساب مدين كما يقول سادتي المحاسبون ويسألني الناس كل يوم ماذا أعطتك المناصب وماذا أخذت منك وأقول صادقا انني أجهل الاجابة لا أدري هل عينت لانني اشتهرت أم انني اشتهرت لانني عينت.

اذا كانت الشهرة تكريما فقد كرمت حتى الثمالة واذا كانت المناصب تكريما فقد كرمت من قمة رأسي الى أخمص قدمي ومع ذلك لابد ان أقول ان التكريم الاكبر والاهم هو رسالة من قاريء لا اعرفه تقول ان قصيدة ما عبرت عن مشاعره فأحس كما لو أنه كتبها أو رسالة من مواطن لم أره يشكرني على ايصال خدمة ما الى منزلهأو قريته.

وقدمت أستاذة الادب بجامعة الكويت الدكتورة نورية الرومي القصيبي بقولها: يصعب على المرء أن يعرف المعرف الذي اختار أن ترتبط سيرته بالشعر لان الشاعر في داخله شديد الغيرة من الفنون الاخرى وهناك من اعتبر كتاباته الروائة تكملة لنواقص سيرته الشعرية التي لم تغط الكثير من حياة صاحبها الصاخبة المليئة بالاحداث.
وتابعت: غازي القصيبي ماليء الدنيا وشاغل الناس ففي كل درب من دروب مسيرته كان يدرك تماما أنه دائما يلقي الاحجار في المياه الساكنة فيحركها في تموجات قد تعلو فتتحول الى أمواج عاتية وقالت نورية الرومي ان القصيبي شاعرا متميزا جمعت دواوينه.

التزامه بعمود الشعر القديم كما سارت في مسار النهج الجديد للقصيدة الحديثة وقد مثل فيها اتجاهات فنية تنقل فيها بين الواقعية والرومانسية والرمزية وفي أحيان كثيرة يجمع بين الاتجاهات الثلاثة في ديوان واحد بل في قصيدة واحدة.
وقالت: للمرأة في شعر القصيبي مكانة أثيره في نتاجاته النثرية والشعرية فهي تراءت في وجدان الشاعر بصور تلونت قضاياه التي شغلت ذهنه فكانت تعبر عن بيئات الشاعر الثقافية العربية والاجنبية والهم العربي وفي السياق ذاته قال الامين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب بدر الرفاعي كلمة بهذه المناسبة أوضح فيها ان المجلس اعتاد أن يختار شخصية عربية لمهرجان القرين الثقافي والذي حرص بدوره أن يكون اختياره محكوما بمجموعة من المعايير أهمها أن تحوز الشخصية المختارة ناصية الثقافة والفكر عبر محطات من التجارب الابداعية المتنوعة.
وبين أن شخصية مهرجان القرين لهذا العام خاض في مجال الخدمة العامة في ادارة هيئات عامة ذات طبيعة فنية متخصصة وتسلمت حقيبتين وزاريتين خدميتين بالاضافة الى اسهاماته تجاه قضايا وطنه وأمته وذكر ان القصيبي وقف مدافعا عن الحق الكويتي في كارثة غزو العراق للكويت ووقف مدافعا صلبا عن التشويه الذي علق في بلاده بعد احدث الحادي عشر من سبتمبر.
وتضمن برنامج التكريم عرضا لفيلم وثائقي أعده المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب عن مسيرة الدكتور القصيبي كما استضاف زميل المكرم الشاعر البحريني عبد الرحمن الرفيع الذي ساهم بدوره بعدد من القصائد حول تجربته مع القصيبي.


مما رااااق لي
دمتم بحفظ الرحمن

ايوب صابر 08-19-2010 12:57 AM

الدكتور غازي القصيبي: وجهة نظر معاكسة



8/18/2010






عبد الباري عطوان

إختلف الكثيرون قطعا حول شخصية الدكتور غازي القصيبي ومحطات حياته المتنوعة، وانتاجه الادبي والفكري الغزير، ولكن ما يتفقون عليه هو كونه 'ظاهرة'، او 'بركانا'، يهدأ، ويَغضب ويُغضب، يصالح ويخاصم، يصطدم وينحني، وفوق كل هذا وذاك يتمتع بأعلى درجات الكياسة والادب وخفة الظل، ويحرص على التواصل مع الخصوم والاصدقاء، ويتمسك بالتواضع كعنوان وهوية.


ايوب صابر 08-19-2010 01:01 AM

كاتب مثير للجدل وشخصيته فكرية تنويرية


8/18/2010


كاتب مثير للجدل وشخصيته فكرية تنويرية
رحيل الاديب السعودي غازي القصيبي:

لندن ـ ' القدس العربي':


...للوزير الراحل نحو 20 كتابا ورواية، فضلا عن كم كبير من المشاركات الكتابية والمحاضرات وغيرها. ومؤلفاته في الشعر منها ' صوت من الخليج'، ' الأشج'، ' اللون عن الأوراد'، ' أشعار من جزائر اللؤلؤ'، ' سحيم'، و' للشهداء'.
وفي الرواية: ' شقة الحرية'، ' العصفورية'، ' سبعة'، ' هما'، ' سعادة السفير'، ' دنسكو'، ' سلمى'، ' أبو شلاخ البرمائي'، ' الجنية'.
وفي الفكر: ' التنمية'، ' الأسئلة الكبرى'، ' الغزو الثقافي'، ' امريكا والسعودية'، ' ثورة في السنة النبوية'، ' حياة في الإدارة'.
ورغم أن عدداً من كتب القصيبي أحدثت ضجة أوقات صدورها فإن الروايات هي التي حظيت بالنصيب الأكبر من الضجيج والمنع.
وكانت أولى رواياته ' شقة الحرية' التي صدرت في العام 1994، وتحكي واقع الشباب العربي خلال الفترة (1948 - 1967)، حيث يعيش أبطال الرواية في شقة في مدينة القاهرة، وسط أجواء فكرية وسياسية عاصفة بتوجهات فكرية مختلفة لكل منهم وتكون لهم بطولاتهم الخاصة مع تلك الأحداث. وكانت الرواية ممنوعة في السعودية إلى وقت قريب.
أما روايته ' دنسكو' فقد كتبها بعد فشله في الفوز بمنصب مدير منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم ' اليونسكو' في العام 1999، وتتناول قصصا لعدة مرشحين للمنظمة من قارات مختلفة، حيث وعد القصيبي، أثناء ترشحه للمنصب بكتابة رواية إذا لم يفز، وهو الأمر الذي أوفى به.
وترسم روايته ' سبعة' التي صدرت في العام 2003 صورة ساخرة للواقع العربي، ممثلة في سبعة شخصيات يختلفون في أفكارهم وأعمالهم ويتشابهون في الركض خلف سيدة واحدة تعمل مقدمة لبرنامج تلفزيوني، حيث يقعون ضحية لها في نهاية المطاف.
وجاء في نهاية الرواية ' أوضح تقرير الطبيب الشرعي أن الرجال السبعة ماتوا غرقا، وقد تبين من التحليل أنهم تعاطوا كميات كبيرة من المخدرات والكحول. أما المرأة، التي وجدت على الشاطئ عارية، فلم يتضح للطبيب الشرعي، بعد، سبب موتها، ولم يعثر في دمها على أي آثار لمخدرات أو كحول، ولم تظهر في جسمها أي إصابات. كما ظهر من الفحص أنها عذراء...'.
وأما روايته ' العصفورية' الصادرة في العام 1996، فقد جاءت مرة أخرى لرسم مشهد ساخر للواقع العربي، ولكن هذه المرة على لسان بروفسور يرقد في مشفى ويقص على طبيبه بطولات وحكايات ساخرة تخفي في طياتها هزلا فكريا بصيغة كوميدية، تقمص خلالها القصيبي شخصية البروفسور ليشرح الواقع العربي على طريقة ' خذوا الحكمة من أفواه المجانين'.
وتبلغ السخرية من الواقع العربي مداها في رواية ' أبو شلاخ البرمائي' الصادرة في العام 2002، حيث يسخر القصيبي من الناس والزعماء في العالم العربي، الذين يدعون امتلاك القدرات الخارقة ومعرفة كل شيء.
وتطوف الرواية حول العالم في أزمنة مختلفة بقالب فكاهي ساخر، حيث يصبح العربي بطل الرواية، هو المستشار الأول للزعماء والسياسيين وصاحب القدرة على الاتصال بالجن، وهو من اخترع الهاتف ومد أنابيب النفط وغيرها من البطولات الوهمية.
أما روايته ' الجنية' الصادرة في العام 2006 فهي أشبه ما تكون ببحث علمي عن الجن، ذيله القصيبي بعشرات المراجع، ورفض أن يطلق عليها مسمى رواية، مكتفيا بوصفها بالحكاية، إلا أنها في الوقت ذاته أنموذج معاصر لحكايات ' ألف ليلة وليلة'، حيث يقع بطل الرواية ' ض.ض.ض' في حب امرأة من الجن ويدخل معها إلى عالم الجن ليكتشف هذا العالم المجهول.
وكانت للوزير والكاتب الراحل مواقف مشهورة منها زاويته الشهيرة ' في عين العاصفة' التي دأب على كتابتها اثناء أزمة حرب الخليج اثر الغزو العراقي للكويت حيث انتقد بشراسة مواقف عدد من زعماء الدول العربية الذين لم يؤيدوا الحل الدولي ـ الامريكي للأزمة، كما اثار نقاشا في الصحافة العربية والبريطانية إثر نشر قصيدة له تتعاطف مع منفذي العمليات الانتحارية في اسرائيل. وفي العموم كانت للوزير والكاتب الراحل مواقف تقدمية بخصوص الموقف المحافظ لبلاده في قضايا عديدة منها المرأة وحرية التعبير والنشر.


ايوب صابر 08-19-2010 01:12 AM

عبد الجبار العتابي من بغداد:

انه قمر عربي اخر غاب، قمر من اقمار الادباء المبدعين الذين اثارهم كانت تجتذب الناظرين اليها وتزرع في صدورهم حقولا من الاعجاب، ولا بد من ابداء الاعجاب بتلك القصيدة التي نشرت لاول مرة في مجلة الفيصل ومطلعها يقول: (ضرب من العشق لا درب من الحجر / هذا الذي ساق الواحات للجزر)

ايوب صابر 08-19-2010 01:15 AM

قال جابر الجابري وكيل وزارة الثقافة العراقية والشاعر:

اعتقد انه من النوادر، من الشخصيات العربية التي جمعت بين النقائض، نقائض السياسة ونقائض الادب والابداع والادارة ايضا، هذه الشخصية الدبلوماسية السياسية الادبية المعرفية، وبالتأكيد ان فقدها شكل خسارة كبيرة للساحة العربية الثقافية والادبية والسياسية ايضا، نحن اليوم احوج ما نكون الى رجالات لا تخلق بطرفة عين، لا تخلق بالازرار ولا بالقرارات الرسمية، يخلقها الزمن الصعب، لذلك نحن اليوم احوج ما نكون الى غازي القصيبي وامثاله، ان يتشكلوا من جديد مع ثقتي ان الساحة العربية ساحة ولود لكنها ساحة مقموعة.

واضاف: ظروف غازي القصيبي لم تصنعها البلاطات ولا انتماؤه الى القصور الرئاسية او الملكية، صنعها الادب والفن والشجاعة والارادة التي كان يمتلكها هذا الرجل، اعتقد انه شكل خسارة كبيرة لنا جميعا وما تركه لنا من ارث ثقافي وابداعي ودبلوماسي وسياسي اظن انه ينضم الى موسوعة الثقافة العربية والادبية وسيبقى حيا في هذه الموسوعة والذاكرة العربية.

ايوب صابر 08-19-2010 01:23 AM

الإثنين 06 رمضان 1431هـ - 16 أغسطس 2010م

عن غازي القصيبي رحمه الله



رجاء الصانع

كنت في الثامنة من عمري عندما دخلت أمي إلي المنزل وهي تبكي على كتف أخي الأكبر، وعندما سألت أخي الثاني عن سبب دموعها التي لم أرها قبل ذلك اليوم قال لي: بابا توفى الله يرحمه، قد يقول الناس أن طفلة في الثامنة لاتفهم معنى الموت، إلا أنني التفت إلى أصغر إخوتي والذي يكبرني بثلاثة أعوام والتقت أعيننا للحظة وكأننا نسأل بعضنا عن التصرف اللائق في مثل هذا الموقف، اندفعنا بعدها أنا وهو نبكي كما بقية الأسرة ونحن لا نعي تماماً مقدار الألم الذي يحيط بنا.

اليوم وبعد عشرين عام، دخلت أمي إلى غرفتي لتوقظني من نومي وتقول لي: غازي القصيبي توفى الله يرحمه. هذه المرة لم أحتج لمن يشرح لي حجم الفجيعة، أو أن يعلمني كيف علي أن أتصرف في مثل هذا الموقف، أنا الخبيرة في شؤون الفقد منذ الصغر.

ايوب صابر 08-19-2010 01:28 AM

رجاء الصانع

.....أحمل بداخلي الكثير عن غازي القلوب، غازيها بالبهجة الخالصة في حياته وبالحزن الموجع جداً بعد وفاته. الرجل الحلم بالنسبة لجيلي بأكمله، الإنسان الذي لايعرفه الكل كما يستحق أن يُعرَف. الرجل الخدوم فاعل الخير الذي تعلمت من أخلاقه أكثر مما علمتني حياته في الإدارة والوزارة والسفارة، ورواياته وأشعاره، وهي علمتني الكثير. عندما أتذكر الآن كيف كان الدكتور يكتب عن رحيل أصدقائه الذين اختارهم الله إلى جواره قبل أن يختاره، كيف كنا نقرأ مايكتب ولا نشعر بما يشعر به من ألم وهو يرثي أصحابه ورفاق دربه، أشعر بأن من واجبي أن أكتب عنه حتى وإن لم أكن بقوته وصلابته التي تجعلني أتمالك نفسي في مثل هذا الموقف الصعب لأكتب بهدوء في رثاء أبي الذي أعرفه وتيتمت بوفاته للمرة الثانية في حياتي.

ايوب صابر 08-19-2010 10:16 AM

وددت لو أني سبقت الردى إليك.
لو أني حرست السريرا
لو أني قبلت ذاك الجبين
يرش ضياءً ويندي عبيرا
لو أني لثمت يديكَ. انحنيت
عليكَ شهدت الوداع الأخيرا


غازي القصيبي - قصيدة أبي - ١٩٧٦ - ديوان أنتِ الرياض

ملاحظة: منقولة من كلمة رجاء الصالح في رثاء القصيبي

ساره الودعاني 08-20-2010 06:34 PM

لسلام عليكم..


المقربين من المرحوم غازي القصيبي افادوا ان هذه القصيدة ليست له

وللمعلومية ليس لديه ابنة بهذا الأسم

لذلك احببت ان انوه لنفسي قبل الجميع..


شعره
كلماته الشعرية الأخيرة وهو على فراش المرض وجاء فيها

أغالب الليل الحزين الطويل
أغالب الداء المقيم الوبيل
أغالب الألام مهما طغت

بحسبي الله ونعم الوكيل
فحسبي الله قبيل الشروق
وحسبي الله بُعيد الأصيل
وحسبي الله إذا رضنّي
بصدره المشؤوم همي الثقيل
وحسبي الله إذا أسبلت
دموعها عين الفقير العليل

يا رب أنت المرتجي سيدي
أنر لخطوتي سواء السبيل
قضيت عمري تائهاً ، ها أنا
أعود إذ لم يبق إلا القليل
الله يدري أنني مؤمن
في عمق قلبي رهبة للجليل
مهما طغى القبح يظل الهدى
كالطود يختال بوجه جميل

أنا الشريد اليوم يا سيدي
فأغفر أيا رب لعبد ذليل
ذرفت أمس دمعتي توبة
ولم تزل على خدودي تسيل
يا ليتني ما زلت طفلاً وفي
عيني ما زال جمال النخيل

أرتل القرآن يا ليتني
ما زلت طفلاً .. في الإهاب النحيل
على جبين الحب في مخدعي
يؤزني في الليل صوت الخليل
هديل بنتي مثل نور الضحى
أسمع فيها هدهدات العويل
تقول يا بابا تريث فلا
أقول إلا سامحيني ..
هديل

ايوب صابر 08-21-2010 01:15 AM

من مقال ل: ميرزا الخويلدي

غازي القصيبي: الموت عملاقا

الشرق الاوسط اللندنية


gmt 23:40:00 2010 الأحد 15 أغسطس


.....وعلى الرغم من أن غازي القصيبي ولد لعائلة ثرية، فإنه كان على موعد مع الحزن والحرمان منذ نعومة أظافره، ففي شهره التاسع فقد والدته التي رحلت عن الدنيا وهي لا تزال شابة لم تكمل الثامنة والعشرين من عمرها، وظل يكابد مرارة الفراق، التي كتب عنها في «المواسم» مخاطبا نفسه: «وبعد ميلادك بأقل من سنة، توفيت أمك في الثامنة والعشرين، بالتيوفئيد، في الأحساء التي لم تكن أمك تحبها ولم تكن أمها تحبها، وفي السنة نفسها مات جدك. فقدت ستك (سعاد) زوجها وابنتها الوحيدة في سنة واحدة. موسم الموت».

يفضل القصيبي رسم الصورة بالكلمات، وهو يلون بالحزن سيرته الأولى، يقول «الذين عرفوا (سعاد) في تلك الفترة يزعمون أن شعرها ابيض كله فجأة، خلال أيام، وأنت لا تصدق ولا تكذب، وبعد وفاة أمك نسيت ستك سعاد موطنها الأصلي، نسيت ضيقها بالأحساء، نسيت معاناتها مع الشروق، وقررت أن تكرس بقيت عمرها للعناية بأولاد ابنتها الراحلة الغالية، وكان أصغرهم بطبيعة الحال أجدرهم بالعناية، ونشأتَ لا تعرف أما سوى (ستي) التي تشفق كما تشفق الأم، وربما أكثر، وتحنو كما تحنو الأم وربما أكثر، وتدافع عن الولد اليتيم ظالما أو مظلوما».

ايوب صابر 08-21-2010 01:17 AM

مؤلفات غازي القصيبي

* مؤلفاته في الرواية: «شقة الحرية»، و«سبعة»، و«العصفورية»، و«سعادة السفير»، و«دنسكو»، و«رجل جاء وذهب»، و«حكاية حب»، و«سلمى»، و«هما»، و«العودة سائحا إلى كاليفورنيا»، و«الجنية».
وفي الشعر: «صوت من الخليج»، و«الأشج»، و«اللون عن الأوراد»، و«أشعار من جزائر اللؤلؤ»، و«سحيم»، و«للشهداء»، و«سلمى»، و«يا فدى ناظريك»، و«قراءة في وجه لندن»، و«معركة بلا راية»، و«حديقة الغروب».
وفي الفكر والسيرة الذاتية: «التنمية: الأسئلة الكبرى»، و«الغزو الثقافي»، و«أميركا والسعودية»، و«ثورة في السنة النبوية»، و«حياة في الإدارة»، و«المواسم»، و«الأسطورة»، و«استراحة الخميس» و«هي»، و«العولمة والهوية الوطنية»، و«الخليج يتحدث شعرا ونثرا»، و«مع ناجي.. ومعها»، و«صوت من الخليج»، و«عن قبيلتي أحدثكم».
كما صدر له مؤخرا: «الوزير المفاوض»، و«الزهايمر».

ايوب صابر 08-21-2010 01:23 AM

الباحث في الأدب العربي والناقد السعودي الدكتور ناصر الحجيلان

قال في غازي القصيبي:
"غازي القصيبي، وهو يغادر الدنيا هذا اليوم فقد ملأها بالعطاء والعمل الجاد الذي جعل الناس يحفظون اسمه ويتذكرونه في مجالات كثيرة. ولأنه لم يعمل فقط لنفسه بل عمل لنفسه وللآخرين، لهذا فإن
- عمره لم يتوقف هذا اليوم بل سيظل بعد وفاته في ذاكرة الناس والمجتمع والتاريخ.
- فإن ذُكرت الإدارة الناجحة، برز اسمه ضمن أهمّ الشخصيات التي استطاعت النهوض والتغيير الإيجابي في بيئة العمل من خلال الوزارات والهيئات التي رأسها أو أشرف عليها.
- وإن ذُكر الأدب والإبداع، جاء اسمه على رأس قائمة أدباء المملكة العربية السعودية المعاصرين البارزين في الشعر وفي الرواية وفي كتابة المقالة.
- تحظى أعماله الإبداعية باهتمام الباحثين والدارسين، وتلقى رواجاً كبيراً عند الناس، لأنه شخص غير عادي.
- حينما تقرأ له أو تستمع إليه، تجد نفسك وجهاً لوجه مع "الحكمة" التي طالما ردّدتها الكتب وتناقلتها الأدبيات. الحكمة بمعناها الشامل التي تُجسّد الخبرة العميقة في الحياة وفق منطق عقلي متوازن يُراعي الأسباب ويُتابع النتائج بوعي البصير الناقد".


ايوب صابر 08-21-2010 01:26 AM

الدكتور منصور الحازمي الذي عمل مع الفقيد في جامعة الملك سعود، فقال عنه إنه كان :
- رجلا محبوبا،
- لماح ذكي،
- لا يسكت عن الباطل،
- شخصية نادرة في الأمانة والصراحة والسخرية
- كان الناس يحبوه،
- غازي يعتبر ظاهرة قليلا ما تتكرر

ايوب صابر 08-21-2010 01:29 AM

وزير الإعلام والثقافة السعودي عبد العزيز خوجة:
- فقدنا في القصيبي مجموعة من الرجال الكبار،
- فهو كان أمة في رجل،
- فقدنا فيه الأديب
- والدبلوماسي
- والإداري،
- وفقدنا الأديب الشاعر
- والروائي والساخر،
- وفقدنا فيه الرجل المخلص لدينه وأمته،
- وفقدنا فيها الوزير الناجح في كل أعماله،
- وفقدنا فيه الدبلوماسي الرائع،
- سيترك فراغا كبيرا برحيله،
- لكنه سيترك أيضا قيمة انسانية كبيرة في قلوبنا جميعا

ساره الودعاني 08-21-2010 01:38 AM


مساء الخير اخي ايوب

جزاك الله كل خير عما تعمله من اجل هذا الرجل

فالناس شهود على خلق الله

وشهاداتنا له ستشفع له عند ربه بأذنه تعالى..

حين كان رحمه الله يرقد في المستشفى كان بودي

لو تمكنت من زيارته لكن الوضع لم يسمح لي

مع اني كنت وقتها اتردد على زيارة امي

في الجهة الأخرى من نفس المستشفى

ولكن عزائي اني كنت ادعو له بظهر الغيب..

ايوب صابر 08-21-2010 01:40 AM

جاسر الجاسر نائب رئيس تحرير صحيفة "الوطن" السعودية قال أن:"
- فقدان القصبي خسارة كبيرة للثقافة السعودية والعربية وللتنويع..
- هو رجل دخل صراعات كثيرة، ولعل حياته كانت سلسلة من الصراعات التي كانت تلاحقه كما كانت الأضواء تطارده،
- فهو حيث ما حل أدى دورا مميزا،
- كان الوحيد الذي وقف في وقت ما في محاربة التيار الصحوي عندما أصدر كتابه (حتى لا تكون فتنة)،
- في الفترات التي سكت فيها كثيرون كان يظهر ويعبر عن رأيه".
- كان في العمل الرسمي وزيرا جرئيا متغيرا،
-أدرك أن ولاة الأمر سلموه الأمر ليحدث تغييرا وفرقا وليس مجرد وظيفة تشريفية،
- عبر عن هذه الجرأة بالشكل الثقافي كما فعل في كتابه (حياة في الإدارة) عندما وصف أجواء لم تعرف سابقا عن تاريخ العمل الرسمي في السعودية خاصة في مجلس الوزراء".
- استطاع أن يحدث نقلات كثيرة ثقافية،
- في الرواية تنبى أصواتا كثيرة
- دعم الإعلام وكان قريبا منه،
- ما أحدثه غازي في السعودية مرحلة لا يمكن أن تمر بسهولة ولا يمكن أن تنسى
- هو ليس وزيرا للعمل
- بل رجل وزارة ورجل معرفة وعلم وإدارة،
-رجل ثقافة آمن بالعمل الجاد،
- كان قدوة للكثيرين بعد أن تعرفوا إلى رجل تولى مناصب حساسة
- دافع عن قضايا وطنه بصدق وحماس
- اتخذ اجراءات تدعم التنمية في السعودية
- اتخذ اجراءات تدعم الحريات وأخص بالذكر دعمه لعمل المرأة دون هيبة أو تردد..
- هذا ماجعله رجلا حاضرا في الذاكرة السعودية سواء بالقبول والرفض
- هو انسان لم يتفق عليه الجميع ولم يكن غائبا أبدا
- رجل استطاع ان يشكل في السعودية علامة فريد ستبقى
- أن ما سيصدر من مؤلفات لقصيبي بعد وفاته ستحدث ضجيحا كبيرا
- لأنه لا يمكن أن يكون رجل ظل حتى وهو ميت
- مخطوطاته التي ستطبع لاحقا ستتضمن تفاصيل كثيرة لم تكن تسمح الظروف الحياتية بنشرها،
- يكفي أنه في الفترة الأخيرة وخلال فترة مرضه صدر له كتابان مهمان جدا وأولهما (المؤمن الصادق) وهي ترجمة احدثت ضجيحا كبيرا، وكتابه الآخر( الوزير المرافق) وهي تفاصيل لم يجرؤ احدا على ذكرها".


ساره الودعاني 08-21-2010 01:44 AM


أشكر كل من حضروا هنا

ودعوا للمرحوم

خالدة باجنيد

امل محمد

جميل عبد الغني

ناريمان الشريف

اقول لكم لا حرمكم الله جنته..

ايوب صابر 08-21-2010 01:44 AM

الكاتب والأديب السعودي عبد الله الناصر قال :
- إن تجربة الراحل القصيبي كانت من أثرى التجارب الإنسانية.
- كان أديبا ومتحدثا
- عندما يدخل إلى مكان يكون أول من يجذ الأنظار بلباقته وشجاعته،
- لم يكن هيايا في الحق.
- كانت من ميزاته قدرته على الحوار والجدل مع من يختلفون معه أو يصغرونه.
- اتساع في الأفق وقدرة على الاقتراب من الآخر

ايوب صابر 08-21-2010 02:03 AM

الاخت سارة

انا في الواقع لم افعل شيء يذكر ...الموت هو من فعل...اولا موت امه ومن ثم موت اباه جعلته "امة في رجل"


http://www.alshomukh.com/vb/showthread.php?t=32291

ايوب صابر 08-21-2010 02:24 AM

ياموسم اللذات! غالتك النوى –=– بعدي.. فربعك للصبابة موسم

بهذا البيت استهل القصيبي كتابه المقالي أو مقاله الكتابي..

ليس هناك أقسى من الفقد إلا ذكرى الفقد و نقد الفقد.. عندما تعوذ بالذاكرة -قسراً- إلى تلك الأيام البائسة في حياتك تجد أن المعاناة التي تعيشها بسبب هذه العودة أشد وطأة على النفس من المعاناة السابقة نفسها..

والأوراق ليست إلا صديقاً نقتلة بتلك المئاسي.. يوماً بعد يوم.. فالنفس البشرية تأتيها المصائب متفرقة.. يوماً للبؤس ويوماً للسعادة..

أما تلك الأوراق فتنهلّ عليها المصائب مجتمعة مرة واحدة في محاولة لتفريغ الروح البشرية من شقائها وبؤسها.. تنفض الروح غبار الأيام فتقع على تلك الأوراق المظلومة..

عندما ازمع ركب العمر لدى القصيبي وشارف على السبعين.. أجاد ووُفِق عندما طرح هذه المواسم.. فهي نقاط البؤس والشقاء في جميع مراحل حياته.. ذكرى مفقود.. وحزن على موت مولود.. فنفض العناء في الأوراق.. يُشرِق عند الإشراق.. ويبتئس عند الأرهاق من الفراق..

كانت مواسم حياته مليئة بالشقاء والعناء.. نجح في عزلها عن التأثير على الجسد وقتاً.. لادوماً..

” تسكنك هواجس الرحيل. تشعر أن المسافة بينك وبين نهاية الطريق تهرب بسرعة غير مألوفة. تشكو أشياء لم تكن تشكو منها. تلمس في جسدك ضعفاً لم يعهده من قبل. تصحوا مكدوداً. وتأوي إلى فراشك مرهقاً. لا يجيء النوم الذي كان لا يغيب. تأتي أفكار معتمة كدخان أسود. وتتقلب حتى يملّك الفراش. وتملّك صفحات الكتاب الذي رجوته حليفاً للنوم فاانقلب صديقاً للأرق.

تصحو متثاقلاً. وتتخيل في نظرات الذين يحبونك إشفاقاً لم يكن يسكنها. وتتخيل في نظرات الآخرين. حسناً! دعك من الآخرين ونظراتهم! هي صدمة الشيخوخة جاءت بعد ربع قرن من الصدمة الأولى. صدمة منتصف العمر. والفرق بين الصدمتين شاسع جداً.”
كان يشكو في هذا الجزء من آلام الشيخوخة الجسدية والنفسية.. يشكو من ذلك الإحساس بدنو الرحيل.. وهل هناك أقسى من هذا الإحساس على الروح..
هذه المواسم ذكريات ومحطات في حياة القصيبي.. بصورة أوضح هي سيرة حياتة البؤسية العناءية الشقائية..
يتذكر وفاة أخته “حياة” وبقية أقاربه وإخوته.. واخواته.. وأبنائهم.. بذكريات حزينة..

http://www.roohalkaleej.net/up/files/2-1162382630.gif
من وقفاتي في المقالة:
- أما الآن. وفي الخامسة والستين، فبلاؤك في الروح. وهل هناك فارق بين النفس والروح؟ هذا موضوع عويص، مزلة أقلام وأفهام.
- وكانت العلاقة بينهما غريبة بعض الشيء. كالعلاقة بين كل زوج وزوجه. غامضة بعض الشيء. ظاهرها غير باطنها. حياة مشتركة امتدت ستين سنة. وعندما يطول عمر الزواج تنشأ بين الزوجين رابطة غير مرئية وغير محسوسة لايراها الآخرون. رابطة لاعلاقة لها بالمشاكل اليومية. ولا بأعباء الحياة الكثيرة. ولا بمشاغلها. رابطة تشد روحاً بروح. بخيوط غريبة لا يعرف بوجودها أحد. وعندما تكف روح عن النبض تنتقض الخيوط. ويحدث شيء للروح الأخرى. ترتعد وترتعش. وقد تكف عن الخفقان.
- لا تطيق أن ترى الموت حيث كانت الحياة. لاتود أن تصدق أن هذه النومة تختلف عن غيرها “لاتقلب المُضجع عن جنبه”، كما قال صاحبك القديم.

- وكنت تخوض معركتك الصامتة مع الألم. عندما ذهبت. وتركت الألم يتلصص في أرجاء هذا الكوكب. يحمل انتاصاراته الرخيصة.

- ومجال العزاء في الخليج غريبة بعض الشيء. لايتحدث فيها أحد عن الموت أو الفقد. أو الميت. يتحدثون في التجارة والسياسة. ويتبادلون الإشاعات. ويسترجعون الماضي. وتجد من يبتسم. وتجد من يضحك.

- “لا!لا!لا!لا! تقولوا إنه مات! لا تقولوا إنه مات!”. ولا يترك الصمت لك مجالاً تفزع منه إلى الكذب. كما حاول. بلا جدوى. صاحبك القديم. ثم تهدأ وتستغفر الله. في سرك، من لحظة صراخك. لحظة ضعفك البشري. مات أخوك عادل، شقيقك. بعد أختك حياة. شقيقتك. بأيام خمسة. في الأسبوع نفسه! بدأ الأسبوع ولك شقيقة وشقيق. وانتهى الأسبوع وأنت بلا شقيقة ولا شقيق.
- وتسير مع الحياة التي تسير، الحياة التي لاتتوقف لموت أحد. تعود إلى روتينك اليومي. العذاب اليومي. الذي يحسدك عليه كثيرون، ويكرهك بسببه كثيرون، ويحبك من أجله كثيرون. وفي العذاب اليومي لابد أن تبتسم حتى عندما تهطل في قلبك سحائب الدموع. لابد أن تكون مهذباً عندما تصطدم بمن ينتشي بالوقاحة، لابد أن تسمع مايهمك ويغمك، وتقرأ مايهمك ويغمك. وتوشك أن تفقد الأمل. توشك أن تترك العذاب اليومي لمن يعده نعيماً يومياً. ولكنك لاتفعل. يشدك إليه شيء كالواجب. أو هو الواجب. وكالحب. أو لعله الحب. وهل واجب بلا حب؟ وهل حب بلا واجب؟

احمد ماضي 08-21-2010 07:11 AM

العزيزة سارة

شكرا لك على هذا الجهد الادبي الرائع

وهذه الألتفاته الطيبة

وبوركتي على ما نقلتي

دمتِ بخير

ولكِ الود

احمد ماضي 08-21-2010 07:12 AM

الاستاذ ايوب

لا زلت اصفق لك طويلا

وانحني لقلمك وابداعك ,,, ولك

رائع انت

بكل ما تقدمه من ثريات ادبية

دمتِ لي اولا

وللغير ثانيا

محبتي لك حيث انت

عبده فايز الزبيدي 08-21-2010 11:34 PM

جميل
و تثبيت.

ساره الودعاني 08-22-2010 12:49 AM


قصيده غازي القصيبي ( أسطوره الحذاء )

منتظر الزيدي‏ من تجرا وضرب بوش بحذائه

--------------------------------------





مت إن أردت فلن يموت إباءُ

مادام في وجه الظلوم حذاءُ!

ماذا تفيدك أمة مسلوبة

أفعالها يوم الوغى آراء!

لحّن أغاني النصر في الزمن الذي

هزَّ الخصورَ المائساتِ غناءُ!

واصنع قرارك واترك القوم الأولى

لا تدري ما صنعت بهم هيفاءُ!

هذا العدو أمام بيتك واقف

وبراحتيه الموت والأشلاءُ

فاضرب بنعلك كل وجه منافق

"فالمالكيّ" ونعل بوش سواءُ!

ماذا تفيدك حكمة في عالم

قد قال: إن يهوده حكماءُ!

فابدأ بما بدأ الإله ولا تكن

متهيبا، فالخائفون بلاءُ!

واكتب على تلك الوجوه مذلة

فرجال ذاك البرلمان نساءُ!

صوّب مسدسك الحذائيّ الذي

جعل القرار يصوغه الشرفاءُ

إن أصبح الرؤساء ذيل عدونا


خاض الحروب مع العدى الدهماءُ!

عبّر، فأصعب حكمة مملوءة

بالمكرمات يقولها البسطاءُ!

لله أنت، أكاد أقسم أنه

لجلال فعلك ثارت الجوزاءُ!

كيف استطعت وحولك الجيش الذي

بنفاقه قد ضجت الغبراءُ؟

كيف استطعت وخلفك القلب الذي

ملأت جميع عروقه البغضاءُ؟

كيف استطعت وفوقك السيف الذي

ضُربت بحد حديده الدهماءُ؟

سبحان من أحياك حتى تنتشي

مما فعلت الشمس والأنواءُ

لك في الفداء قصيدة أبياتها


موزونة ما قالها الشعراءُ!


في وجهك الشرقيّ ألف مقالة


وعلى جبينك خطبة عصماءُ!

ولقد كتبت بحبر نعلك قصة

في وجه "بوش" فصولها سوداءُ!

ولقد عرفتَ طريق من راموا العلا

فهو الذي في جانبيه دماءُ


فسلكته والخائنون تربصوا

ماذا ستبصر مقلة عمياءُ؟

جاءتك أصوات النفاق بخيلها

وبرجلها، يشدو بها الجبناءُ!

لا يعلمون بأن صوتك آية

للعالمين، وأنهم أوباءُ!!

لو صَحْت لاهتز البلاطُ بأسره

وتصدّعت جدرانه الملساءُ!

أوما رأيت الراية السوداء في

ظهر الجبان تهزها النكباءُ؟

أو ما لمحت يد الدعيّ تصدها

شلت يمينك أيها الحرباءُ!

لما وقفت كأن بحراً هادرا

في ساعديك وفي جبينك ماءُ!

لما نطقت كأن رعدا هائلا

فوق الحروف وتحتهن سماءُ!

لما رميت كأن من قد عُذبوا

أحياهم الله القدير، فجاءوا!

شيء تحطم في ضميرٍ مظلمٍ

كبّر فقد تتفتت الظلماءُ

علّمت دجلة أن فيها موسما

للموت تفنى عنده الأشياءُ!

عاهد حذاءك لن يخونك عهده

واتركهمو ليعاهدوا من شاءوا!

إن صار لون الحقد فينا أحمرا

ماذا تفيد دوائرٌ خضراءُ؟

لا لون في وجه العدو فروّه

بدمائه، فدماؤه حمراء!

قد كنت غضاً أيها النمر الذي

جعل المروءة تصطفيك الباءُ

ما خفت!حولك ألف وغد ناعم

والناعمات تخيفها الأسماءُ!

لو ضُخّ بعض دماك في أوصالنا

ما كان فوق عروشنا عملاءُ

يا سيدا عبث الزمان بتاجه

اعتق خصومك، إنهن إماءُ!

واصنع حذاء النصر وارم به الذي

تلهو به وبقلبه الأهواءُ

لما انحنى ظهر الظلوم تنكّست

مليون نفس باعها الأعداءُ!

وسمعت تصفيق السماء كأنما

فوق السماء تجمّع الشهداءُ!


قف أنت في وجه الظلوم بفردة


بنية، فالقاذفات هراءُ!

وارشق بها وبخيطها الوجه

الذي غلبت عليه ملامح بلهاءُ!

أفديك من رجل تقزم عنده

الرؤساء والكبراء والأمراءُ!

أفتَيْتَ بالنعل الشريف فلم نعد

نصغي لما قد قاله العلماءُ

أحييت خالد في النفوس فصار في

أعماقنا تتحرّك الهيجاءُ!

ما كنت قبل اليوم أعلم موقنا

أن الحذاء لمن أساء دواءُ!

وبأن في جوف الحذاء مسدسا

وبأن كل رصاصنا ضوضاءُ!

ما كنت أعرف للحذاء فوائدا

حتى تصدّى للذين أساءوا!

ساره الودعاني 08-22-2010 01:50 AM


قصيدته التي يخاطب فيها سنواته الـــــ 65





خمسٌ وستُونَ.. في أجفان إعصارِ

أما سئمتَ ارتحالاً أيّها الساري؟

أما مللتَ من الأسفارِ.. ما هدأت

إلا وألقتك في وعثاءِ أسفار؟

أما تَعِبتَ من الأعداءِ.. مَا برحوا

يحاورونكَ بالكبريتِ والنارِ

والصحبُ؟ أين رفاقُ العمرِ؟ هل بَقِيَتْ

سوى ثُمالةِ أيامٍ.. وتذكارِ

بلى! اكتفيتُ.. وأضناني السرى! وشكا

قلبي العناءَ!... ولكن تلك أقداري

*

*. . .

ساره الودعاني 08-22-2010 01:56 AM


وهذه القصيدة للسبعين..

ماذا تريد من السبعين يارجل ؟


لاأنت أنت ولا أيامك الأول


جاءتك حاسرة الأنياب كالحة


كأنما هي وجه سلّه الأجل



أواه ! سيدتي السبعون ! معذرة


إذا التقينا ولم يعصف بي الجدل


قد كنت أحسب أن الدرب منقطع


وأنني قبل لقيانا سأرتحل)

(أواه ! سيدتي السبعون ! معذرة


بأي شيْ من الأشياء نحتفل ؟!


أبالشباب الذي شابت حدائقه ؟


أم بالأماني التي باليأس تشتعل ؟


أم بالحياة التي ولّت نظارتها ؟


أم بالعزيمة أصمت قلبها العلل ؟


أم بالرفاق الأحباء الألى ذهبوا

(( تبارك الله ! قد شاءت إرادته


لي البقاء فهذا العبد ممتثل !


والله يعلم مايلقى وفي يده


أودعت نفسي وفيه وحده الأمل ))

وخلفوني لعيش أنسه ملل ؟ ))

ايوب صابر 08-22-2010 03:47 PM



غازي القصيبي وسطوة المواسم الاحد 05 رمضان 1431 الموافق 15 أغسطس 2010 حمد أحمد عسيري
(موضوع متجدد عن كتابه المواسم)
هذه المقالة لغازي القصيبي ليست كبقية ما كتب غازي , لقد اكتظت أسطرها بمعاناة السنين التي عاشها وتنقل مع أيامها. ليس بالأمر اليسير أن تفتش عما تبقى منك خلال سنوات عمرك الطويل، لأنك ستجد أشياءً قد فارقتك، وأشياءً لا تود العودة لها. في مواسم القصيبي ستلاقي الكثير من الصدق الذي يأخذ بيدك إلى مشارف الحقيقة التي مهما حاولنا العبث بملامحها إلا أنها تخرج من بين الرتوش واقعاً لا مفر منه. في قراءتي البسيطة لها شعرت بكمية الإنسانية الصادقة التي حاول من خلالها القصيبي الاعتراف بأن المواسم ركضت به بعيداً جداً حتى وقفت به على أعتاب الخامسة والستين. مع المواسم انطلق القصيبي يروي بقلمه المبدع شجونه المتناثرة يقول:(تسكنك هواجس الرحيل ، تشعر أن المسافة بينك وبين نهاية الطريق تهرب بسرعة غير مألوفة، تشكو أشياء لم تكن تشكو منها، تلمس في جسدك ضعفاً لم يعهده من قبل، تصحو مكدوداً وتأوي إلى فراشك مرهقاً لا يجيء النوم الذي كان لا يغيب، تأتي أفكار معتمة كدخان أسود وتتقلب حتى يملك الفراش، وتملك صفحات الكتاب الذي رجوته حليفاً للنوم فانقلب صديقاً للأرق، تصحو متثاقلاً وتتخيل في نظرات الذين يحبونك إشفاقاً لم يكن يسكنها وتتخيل في نظرات الآخرين حسناً دعك من نظرات الآخرين هي صدمة الشيخوخة جاءت بعد ربع قرن من الصدمة الأولى , صدمة منتصف العمر. والفرق بين الصدمتين شاسع جداً. في صدمة منتصف العمر كنت تحس بشيء في النفس , شيء غامض شيء أسيف كئيب تحسه في نفسك ولكنه لا يصل إلى روحك. أما الآن وفي الخامسة والستين فبلاؤك في الروح).
كيف استطاع هذا الهرم وهذه الطاقة الجبارة أن يشعر بكل هذه الأحاسيس تسكنه ؟ من أين وصلت له ؟ وكيف استطاع أن يلقي القبض عليها ؟ الوقوف مع النفس ومصارحتها هي قمة الحقيقة التي يفشل الكثيرون منا في إيجادها، ولكنه يصدم بها عندما يكتشف انه أصبح غير قادر على مجابهة الزمن، وكأن غازي يستشرف المستقبل في حواره مع نفسه، ويمهد الطريق لكبريائه الذي سكنه أمداً طويلاً ويقول له لا تتفاجأ عندما يرحل عنك الآخرون ويدعونك تعارك ما تبقى من وقتك وحيداً. ويستمر القصيبي في مواسمه يجذب شريط الذكريات الذي كان يتمرد عليه بين الحين والآخر فهاهو يطوف مع الموت الذي غيب وجوهاً افتقدها كثيراً في حياته. تجرد غازي من كل المناصب ولبس ثوب الإنسان الذي هده الشوق لإخوته الذين غابوا عنه خلال فترة زمنية متقاربة. القصيبي ذلك الرجل الحديدي يكتب بدموعه , يعود طفلاً يحن ويشتاق ويتحسس الوجوه التي حفرت في قعر ذكرياته صوراً لم تمض بها المواسم كما فعلت مع بقية الأشياء. مع المواسم يبحر بنا القصيبي وكأنه يقول لنا مهما تعددت الأشكال والألوان وكثرت المناصب إلا أن النهاية هي ذاتها. في زاوية من زوايا حروفه يقول (وأنت في الخامسة والستين تحمل ألف جرح بعضها ينزف وبعضها جف وبعضها يتكون، تشعر بالإرهاق يملأ جسدك وروحك. وأنت في الخامسة والستين تشعر أنك غصن بقي بمفرده على الشجرة، طائر رحلت الأطيار وتركته عاجزاً عن اللحاق بها. وأنت تنوء بالسنين ولا تحاول إنكار عددها تحس وطأتها في كل خلية من خلاياك). المواسم هي وجه آخر لقصيدته (حديقة الغروب) أو العكس لا أدري، فكلاهما يسيران في نفس الطريق، ويحملان نفس المعاناة .. معاناة السنوات ورثاء الذات للذات.
يقول في قصيدته الجميلة حديقة الغروب:
خمسٌ وستون في أجفان إعصار أما سئمت ارتحالاً أيها الساري
أما مللت من الأسفار ما هدأت إلا و ألقتك في وعثاء أسفارِ
أما تعبت من الأعداء ما برحوا يحاورونك بالكبريت والنارِ
والصحب أين رفاق العمر هل بقيت سوى ثمالة أيامٍ وتذكارِ ؟
أيها القارئ الكريم قد تعتقد أن ما كُتب في المواسم مجرد سيرة، ولكنها مشاعر مزجت برثاء النفس الطموحة لبدن هدته السنوات كلما حاول النهوض سقط. هذه الملحمة الشجية تُظهر تلاطم المشاعر بداخل قلب اعتدنا صلابته وقوة بأسه خلال الفترة التي تنقل فيها بين كراسي الوزارات وحقائب السياسة، ولكنه هنا يقف وقد تجرد من عباءة السلطة ليتحسس ما بداخله من ضعف لا يملك له حيلة. لم يكن قلم القصيبي هنا كما كان، أعتقد أن حبره بدأ يجف، أو أن اليد التي تمسك بالقلم قد بدأت ترتعش من أثر المواسم.
هذه الوقفة مع مواسم القصيبي جعلتني أعيد صياغة نظرتي وتحييد مشاعري والفصل بين رجل الحكومة ورجل الوجدانيات.. شفاك الله يا أبا يارا من كل بأس.
*جريدة البلاد السعودية

ايوب صابر 08-22-2010 04:21 PM

مواسم (القصيبي).. الحزينة
أنور عبد المجيد الجبرتي



* هذه ليست مراجعة لكتاب غازي القصيبي (المواسم)، أو تلخيصاً أو مناقشة له..
* كيف تفعل ذلك، وأنت تقرأ نحو مئة صفحة من البَوْح الحميمي المتدفق، والحزن المنهمر، والأنين المدوِّي في خطاب مباشر لاهث يتحدث فيه الكاتب إلى نفسه، أو تتحدث نفْسُه إليه.
* هذا كتاب للدكتور غازي القصيبي، يختلف عن كتبه كلها، ليس ديوان شعر يستعمل فيه الشاعر كلَّ مواهبه لإغراقك في دفْق الكلمة وهلامية المعنى واحتمالاته وإيقاع الوزن وطبل القافية، وليس هو رواية يوزع فيها الروائي نفسه وأفكاره وظنَّه ويقينه وعواطفه على أشخاص الرواية وأحداثها وليس هو مجموعة مقالات عن الحياة والعمل والسياسة، وكتابات الآخرين. وليس هو مختارات شعرية أو حكماً مختصرة.
* هذا كتاب يتحدث فيه غازي على نحو غير مألوف عن مواسمه الذهبية ومواسمه الحزينة، ولكنه كتاب المواسم الحزينة حقاً.
* والذين يعرفون غازي القصيبي عن كثب، يعرفون أنه لا يتحدث عن خصوصياته كثيراً، لا يتحدث عن عائلته وأحوالها إلا حديثاً عابراً يجعلك تشعر أنه لا يريد أن يخوض في مثل هذه الشؤون، لا يعرف الكثير عن أفراد عائلته إلا ما يقرؤون في قصائده عن (يارا) ابنته وبعض الأحفاد (مثل غازي وسلمان) ولا يبوح (غازي) بأحزانه الحميمية ولا يبث شجونه الخاصة، حتى ولو كنت تلمح شيئاً من آثارها على وجهه الذي يخلع عليه دائماً تلك الابتسامة المرحة الطازجة، ويضفي عليه بريق عينيه الطفولي البريء رغم تلك الإشاعة المؤكدة عن المحارب الشرس والفارس المقدام والمشاغب الإداري العتيد، وصاحب (المذابح) الإدارية الدامية.
* عندما قرأت الكتاب الحزين حزنت مع غازي ا لقصيبي كثيراً وحزنت له أكثر وفوجئت به وظننت أنها أوراق اعترافات خاصة يتحدث فيها الإنسان إلى نفسه ويودعها أدراج مكتبه السرية، إلا أنها ضلَّت طريقها إلى الناشر والقارئ في غفلة من كاتبها ولكنها بالطبع ليست كذلك، فقد قرر غازي القصيبي كما يبدو أن ينفث زفراته العميقة ويشرك القارئ الحبيب إلى نفسه في خواطره وخطراته ويعترف له اعترافاً صريحاً بآلامه الدفينة التي عاشت معه منذ طفولته الأولى ثم جاءت الخامسة والستون لتحمل معها موجات حزن وفُقْدان متتابعة جعلت ذلك البوْح المؤلم ضرورة ملحة لمراجعة في سجل الأحزان ورصد تتابع المواسم وتداخلها واستعادة التوازن الداخلي في مواجهة عواصف الحياة الداخلية وفيما حولها.
* فقد غازي القصيبي أخته حياة وإخوانه فهد، وعادل، ومصطفى خلال شهور قليلة ورحلت شقيقته (حياة) وشقيقه (عادل) خلال خمسة أيام رحمهم الله جميعاً. كان تدفق الموت مؤلماً وكنا نسمع بالأخبار المؤلمة ونشفق عليه من كلمات العزاء التي قد تبدو ركيكة وباهتة ومكررة وكنا نتساءل ماذا يدور في أعماق تلك النفس الرهيفة المفعمة بالعاطفة والشعر والتفاؤل، وكنا نمارس الإشفاق والخوف ونحن نراه يحاول التصرُّف على نحو عادي ويبدي التجلّد والتماسُك على نحو يثير القلق والتوجُّس.
* لكن ذلك الموت المتتابع الجديد بعث من الأعماق والذاكرة ذكريات كل موت قديم وكرَّس الخامسة والستين عاماً لفراق الأحباب ومراجعة الأماكن القديمة والأزمنة الراحلة والموتى القدماء.
* يسرد غازي القصيبي أسماء الموتى القدامى جميعهم الإخوان والأخوات وزوجات الإخوان وأزواج الأخوات وأبناء الإخوان وأبناء الأخوات، أولئك الذين رحلوا فجأة دون موعد مسبق أو تمهيد معلن، وأولئك الذين رحلوا بعد معاناة ومرض متألمين منهكين، الصغار والكبار، الأقران وغير الأقران.
وخلال هذا الاستطراد الكئيب القائم تتفتَّق آلام وصرخات يُتْم جديد لتبعث آلام وأحزان يُتْم كامن هائل قديم. (بدأ الأسبوع ولك شقيق وشقيقة وانتهى الأسبوع وأنت بلا شقيقة ولا شقيق وأنت في الخامسة والستين تحمل ألف جُرْح بعضها ينزف وبعضها جفَّ وبعضها يتكوَّن، وتشعر بإرهاق يملأ جسدك وروحك)... (تتظاهر أن الذي رحل عنك لم يكن لصيقاً بقلبك رفيق عمرك كله. تتظاهر أنك لا تكاد تعرفه، وتحس في القرار بيُتْم لاذع، وتحمد الله الذي لا يُحمد على مكروه سواه. وأنت في الخامسة والستين تشعر أنك غُصْنٌ بقي بمفرده على الشجرة، طائر رحلت الأطيار وتركته عاجزاً عن اللحاق بها، بلا شقيقة ولا شقيق.
* يُتْمٌ لاذع كامن في القرار وغُصْنٌ منفردٌ عارٍ حزينٌ وطائرٌ وحيدٌ رحلت عنه الأطيار يتيمٌ في الخامسة والستين ولكن هذا الشيخ اليتيم لم يكن يوماً إلا يتيماً، رحلت أمه وتركته وهو ابن تسعة شهور. تسعة شهور من العشرة في جوفها، وتسعة شهور أخرى حوْلها ثم الرحيل، ومنذ أن كان الرحيل كان اليتم الحقيقي الكامن حياةً ورحلةً وشوقاً.
* يتيم الأم هو اليتيم حقاً لم تكن هناك لتحضر الفِطام ولم تكن هناك لتشهد الوقوف الأول على قدمين متعثرتين، ولم يُسْمعها مناداة (أمِّي) عند انطلاقة اللسان، لم يكن هناك حضن يعدو إليه، وكتف يرتمي عليه، ويغرقه دموع حزن أو انتفاضة خوف وفزع، أو تمرُّغ دلال واحتماء.
* لنحمل هذا اليُتْم في أعماقنا ونمشي به مشاوير أيَّامنا ونتشاغل عنه بهموم حياتنا وأفراحها وأحزانها ومعاركها وهزائمها وانتصاراتها وبالأصدقاء والأعداء، والأزواج والأبناء ونحاول التعالي عليه باندفاع الشباب وحكمة الكهولة ووقار الشيوخ وهيبة المنصب وعلو المكانة لكنَّه يُدركنا ويحْضرنا ويفْجئنا حتى في الخامسة والستين فنعود مرة أخرى أطفالاً صغاراً يتامى حزانى، نبحث عن تلك الأحضان الدافئة التي لم نركن إليها واللمسات الحانية التي نستمتع بها ونداءات الأمومة الخالدة التي لم نمارسها ويصرخ في عمق أعماقنا وكينونتنا ذلك الفُقدان العظيم.
* يقول غازي: (وماذا تذكر عن أمِّك؟ لا شيء كنت في شهرك التاسع عندما رحلت كيف يمكنك ان تتذكر شيئاً؟ وماذا تعرف عن أمك؟ أقل من القليل، في طفولتك كان الحديث عنها يثير المواجع ولم تكن تريد أن تثير المواجع... وماتت في عامها الثامن والعشرين ذهبت دون أن تعرف كيف كانت تتعامل مع الوجود ومع الناس، ولا كيف كانت تضحك وكيف كانت تبكي، ولا تعرف شيئاً عن طباعها أو مزاجها أو عاداتها أو هواياتها، والصُّوَر الفوتوغرافية البكماء تقول شيئاً وتعجز عن قول أشياء، ما تعرفه أن موتها ترك غمامة صغيرة من الحزن لا تزول عن أفق العائلة الصغيرة... وكنت أنت بين الحين والحين تلجأ إلى الابتزاز، لو كانت أمِّي حية لما حصل هذا).
* حديث كأنه يبدو عابراً عن الأم لكنه كالعادة يخفي الحزن الكامن النازف المستديم المتجمد القديم نحاول أن نتحاشاه أو نتجنبه.
* فقد غازي الصغير أمَّه، ومنذ أن فقدها وهو يحاول بكل إبداعاته على التظاهر أن يجدها ويحتضنها ويبكي بكاءه المستحق منذ الزمن الأول على كتفيها.
* ووجد غازي شيئاً من الأم في جدته (سعاد) التي رحلت منذ زمن بعيد، وفي أشقائه وشقيقة زوجه (حياة) واطمأن ردحاً من الزمان إلى هذا البديل الدافئ واستقر في رحابه ليعوض عن اليتم القديم المكين.
* لكنهما - رحلا معاً وفي أسبوع واحد كأنهما كانا على اتفاق ليتركا غازي طفلاً يتيماً شيخاً في الخامسة والستين فيصرخ ب(المواسم) صرخته المؤلمة الحزينة.
* هذا موسم يُتْم جديد قديم لكن المواسم تأتي وتذهب ويبقى رجلُ (المواسم) ذو الخامسة والستين مرتدياً عباءة الحزن الوقور، لكنه قادرٌ على إعطاء هذه الحياة وهذا الوطن وكل الأصدقاء والمحبين القصيدة الجميلة والضحكة الصافية و(مواسم) زرع وحصاد وحب ومطر.
****

http://www.al-jazirah.com.sa/2007jaz/feb/27/ar2.htm
-----------

تعليق :
مقال مكتوب بشكل جميل وعميق ويتضح ان الكاتب قد بذل جهدا مشكورا في الغوص في اعماق الكتاب واعماق الحزن واليتم الذي صنع غازي القصيبي الظاهرة.

تخيلوا كل هذا الكم من الالم!!!!!...وهناك في الواقع موت الاب في الطفولة ايضا والذي لم يذكر هنا...تخيلوا ....ما يفعله هذا الالم في دماغ الطفل اليتيم .
- الم يحفز الدماغ فتبدأ عملية بحث لا نهاية عن الاسرار والحقيقة والحكمة...
- الم يحفز الدماغ فيكون البوح وسيلة لتحقيق التوازن
- الم يحفز الدماغ فيبدع في خلق عالم اقل الما.
- الم يحفز الدماغ فتكون ابتسامة تخفي وراءها وجع الكون...

نشاط استثنائي لان الوجع استثنائي...

نعم هكذا يصنع العظماء...


ايوب صابر 08-22-2010 04:36 PM


"اليتيم شخص يعمل عقله بطريقة استثنائية ولا يعرفه تماما الا يتيم اشد منه يتما والما، او ربما اجيال قادمة، اذا ما عادت للسجلات، والكتب فتعرفت على روعة ما انتجه عقل ذلك اليتم من: اكوان، وعوالم، وافكار، واقمار، واشعار، وابداعات، وحكايات...يكون العامل المشترك الاعظم فيما بينها...الالم الخفي ووجع السنين".



ايوب صابر 08-23-2010 01:45 PM

غازي ومواسم الحزن والموت
الرياض السعودية
gmt 0:15:00 2010 الأحد 22 أغسطس

حسناء القنيعير

غازي هكذا دون ألقاب ، لن أكتب عن غازي الإنسان ، ولن أكتب عن غازي المواطن ، ولن أكتب عن غازي الكريم نظيف اليد في زمن صارت فيه النزاهة والنظافة عملة نادرة ، لن أكتب عن مزاياه التي كتبها كثير من محبيه وسالت أقلامهم بصفاته ومناقبه فلم يتركوا زيادة لمستزيد ، ولن أكتب لأرثيه ، وكيف يُرثى سيد الرثاء ؟ بل كيف يُبكى من بكى واستبكى كل من قرأ قصائد الحزن وبكائياته التي فاضت بها دواوينه ، إذ عرف الهموم مذ كان رضيعا :

عرفتُ عصارةَ كلّ الهموم ِ رضيعاً ... وعاصرتها أمردا

وهل ثمة حزن أكبر من فقد رضيع أمه قبل أن تتفتح عيناه وأحاسيسه على الحياة ،

اليتم حالة لا يعرفها إلا من ذاقها طفلا !

فلا غرو أن يتلبس الحزن بغازي مذ كان رضيعاً وتظل الهموم ملازمة له حتى آخر سنيّ عمره:
وجربتها وحسامُ السنين مشيب ٌعلى مفرقي عربدا

الحزن حالة إنسانية يصاب بها معظم الناس ويتفاعلون معها كلٌ بطريقته ، أما الشعراء المبدعون فيوظفونه توظيفاً فنياً وجماليًا وفلسفيًا ، بأدوات شعرية وقدرة إبداعية وغنائية عذبة ، فلا عجب أن يقول غازي عن نفسه ( أنا إنسان طفا على سطح الحياة ، فرأى الكثير الكثير من الدموع والقليل القليل من الابتسامات ، فحاول أن يمسح من الدموع دمعة ، وأن يضيف إلى الابتسامات ابتسامة ، وأن يتحدث عمّا مرّ به شعرًا ، فنجح حيناً ، وأخفق أحياناً ) !

هذا هو غازي الشاعر الإنسان ، مواسم ألم وحزن ودموع وموت ! وليس ثمة أصدق من شاعر يرثي أقرب المقربين إليه ، ولم يكن غازي بدعاً في هذا ، فقد سار على نهج من سبقه من شعراء العربية قدامى ومحدثين ، لكنه في نظري ربما تفرّد في كثرة من رثاهم من أهله وأفراد عائلته من الدرجة الأولى ، فرثى جدته وأباه وخمسة من إخوته وأصهاره وأبنائهم ، ثم رثى نفسه وتلك قصة أخرى .

يسجل الشعراء في قصيدة الرثاء ما بقي من الراحل في الأذهان ، أحاديثَ وصورًا وذكرياتٍ تنثالُ دموعًا وآهات ٍ، فتأتي القصيدة تعبيراً عن شحنة الألم ، وصورة ناطقة عن اتساع مساحة فراق لا تُرجى معه عودة غائب ، ولا لقاء راحل لم تبق منه سوى ذكريات حزينة لا تمحوها السنون.


- تقول الكاتبة هنا بأن غازي القصيبي قد رثا جدته واخته واخاه والكثير من اقاربه، لكننا لا نجد اي رثاء لامه وهي التي كانت قد ماتت بعد والدته فكانت موته الاول...فهل يكون مجموع ما انتجه غازي القصيبي من ابداع على كافة اشكاله هو عبارة عن محاولة غير واعية لرثا امه؟؟؟؟؟

يفسر غازي في سيرته الشعرية مشاعر الحزن التي تتجلى في شعره بقوله:( ولدت في أحضان بيئة نفسية حزينة ، قبل أن أولد بشهور توفي جدي لوالدتي ... وبعد ولادتي بتسعة شهور توفيت أمي ... فتكفلت بتربيتي جدتي لوالدتي ، وكانت في حالة نفسية بالغة الكآبة بعد وفاة زوجها ثم ابنتها الوحيدة ...أعتقد أن هذا الجو المأساوي الذي أحاط بولادتي وبنشأتي الأولى قد ترك بصمات لا تنمحي في أعماقي من الكآبة الخفية ،

- فهل يكون الابداع نتاج تلك الكآبة الخفية فتكون بمثابة المحرك للذهن؟ وهل هي التي تقوم على تفعيل الدماغ؟ هل تؤدي تلك الكآبة الى افرازات هرمونية او زيادة في نشاط الدماغ الكهرومغناطيسي او الكهربي فيكون الابداع؟

وإذا كنت قد نجحت في إخفائها حتى عن أقرب الناس إليّ فإنها فيما يبدو قد نجحت في التسلل إلى أشعاري ...

الحزن بطبيعته عاطفة حادة مشتعلة بخلاف السعادة فهي عاطفة هادئة لا نكاد نحس بها إلا إذا فقدناها ... إن مشاعر الحزن قد لا تكون هي الغالبة علينا ، ولكنها عندما تمرّ بنا تمرّ عنيفة قوية تترك أثراً واضحًا على حياتنا وعلى شعرنا إن كنا من الشعراء) ص52 .

في كتابه (المواسم 2006) يروي طفولته وذكرياته وما راعه من حزن بالغ بموت مَن أحبهم ، فقد كان الموت موسمًا من المواسم التي مرت به وأكثرها حفرًا في وجدانه ورؤيته للكون والحياة ، يستفتح كتاب المواسم الذي كتبه وهو في الخامسة والستين متوسلاً ضمير المخاطب

( تسكنك هواجس الرحيل ، تشعر أن المسافة بينك وبين نهاية الطريق تهرب بسرعة غير مألوفة ، تشكو أشياء لم تكن تشكو منها ، تلمس في جسدك ضعفًا لم تعهده من قبل ، تصحو مكدودًا وتأوي إلى فراشك مرهقًا ، لا يجيء النوم الذي كان لا يغيب ، تأتي أفكار معتمة كدخان أسود ، وتتقلب حتى يملّك الفراش ... ، ليس لك من شؤون الحياة والموت شيء، له الخلق والأمر )

هكذا كان يوطن غازي نفسه للرحيل فيطرح جدلية الموت والحياة. ولأن الموت موسم من مواسمه نجده يصف أول مواجهة له معه حين ماتت جدته التي (كانت تموت في بيروت ... وجئتَ إلى بيروت ... لتجدها قد ماتت ودفنت ، ولتقف باكيًا أمام قبرها ... في خريف سنة 1965 كنتَ في الخامسة والعشرين تواجه الموت لأول مرة ، كنتَ تخافُ عليها من الموت ، تخافُ عليها وتخافُ على نفسك ، تخافُ أن تواجهَ الحياة بدونها) ،

- هل كان موت الجدة هي اول مواجهه مع الموت ..ام ان موت الام قبل ذلك بحوالي خمسة وعشرين عاما هو الذي حفر في الذهن وفعل الافاعيل؟ وهل ايقظ موت الجدة الم موت الام؟
- وان كان الموت في سن الخامسة والعشرين للجدة فجيعة وصدمة والم ...فماذا نقول عن موت الام في الطفولة المبكرة؟ ثم موت الاب؟

أما شقيقته حياة فيقول عن موتها (وأنت في قبضة الصدمة الخانقة تبتلى بموت من تحب ، تسير القافلة الحزينة الدؤوب بشقيقتك حياة ... وفاطمة تصر على أن تأخذك لتوديعها وأنت تمانع لا تريد أن ترى الموت حيث كانت الحياة).

إن التلازم بين الشعرية والزمنية تلازم حتمي لأن الزمان يتحكم بكل شيء من جهة ، ولأن أجمل صياغة للزمن وإعادة تشكيله لا تأتي إلا عبر اللغة الشعرية، وهذا ما تقوم به الذات الشاعرة بما لها من خصائص تختلف عن البشر العاديين ، ففيها تتعايش الطفولة والحياة والموت والأزل والفناء والخلود . وهاهو يحكي معاناته النفسية والجسدية تحت وطأة ثقل السنين على كاهله.

- قليلون هم الذين يتمكنون من التصالح مع الالم ..الم الموت فيُخرجون مكنونات صدورهم ويسجلونها على الورق على شكل قصائد ومرثيات وابداعات ومواسم ...
وكثيرون يعجزون عن التعامل مع الالم فيكبتون المهم ويتحدثون عن كل شيء الا عن مسبب ذلك الالم. ..لان ذلك الالم لا يطاق.

لقد ساهم غازي القصيبي بكتابته لـ "مواسم" في القاء الضوء على العلاقة بين الم اليتم والموت المتكرر والابداع..وحتى في هذه كان مبدعا فذا عبقريا سابقا لغيره.

ايوب صابر 09-29-2010 09:09 AM

غازي القصيبي بعد الطاهر وطار: شهود نصف قرن من الحياة الفكرية العربية
د. إبراهيم صحراوي


2010-09-28


بعد شيخ الروائيين الجزائريين الطاهر وطار الذي رحل عن هذه الدنيا منذ أزيد من أربعين يوما، شدَّ الرِّحال إلى العالَم الآخر ( يوم 15/ 08/ 2010) الأديب الشاعر والروائي السفير والوزير د. غازي القصيبي في المملكة العربية السعودية رحمهما الله.
ومثلما كان الطاهر وطار ظاهرة ثقافية يصعب تجاهلها أو تجاوزها في الجزائر كان القصيبي في السعودية أيضا قامة ثقافية وسياسية دبلوماسية واجتماعية لا سبيل إلى إهمالها أو غضّ الطرف عنها.
ومع ثراء شخصية القصيبي وتعدُّد جوانبها وكثرة مؤلَّفاته التي لم تنحصِرْ في الأدب بأجناسه وفنونه فقط، فإن ما يشدَّني فيها شخصيا هو جانبها الروائي على الرَّغم من أنَّ الشِّعر يغلب على تجربته الأدبية فيبرُز تبعا لذلك شاعرا أكثر منه روائيا لدى الكثيرين.
للقصيبي أعمال روائية عدّة أحدث بعضُها ضجة عند صدوره وشغل بال القراء والنقاد في العالـَم العربي وحُظـّر في السعودية لسنوات. فمن ' شقة الحرية' إلى ' الجنية' مرورا بـ ' العصفورية' وأبي شلاخ البرمائي وغيرها من الروايات والقصص الأخرى، كان الواقع العربي من المحيط إلى الخليج هو الفضاء الروائي الذي جال فيه القصيبي وجعله موضوع تأمُّلاته وتحاليله. ففي ' شقة الحرية' تناول فورة الشباب العربي وتوقه إلى الحرية ومقارعته للاحتلال في الخمسينيات والستينيات إلى ما قبل النكسة، مع اختلاف الأفكار والمبادئ والتوجهات في العالَم العربي حينها الذي جسَّدته الشخصيات، لا سيما وأن الفترة شهدت بلوغ صراع الجبارين الغربيين أوجه فيما عُرف آنذاك بـ ' الحرب الباردة'. اختلاف رؤى الشخصيات وخلافاتها كان صورة للاختلافات والخلافات التي كانت تميِّز الواقع العربي وتقطِّعُ أوصالَه وتسير به إلى ما يعيشه اليوم من تشرذُم وتفرُّق وتفكُّك وتشنُّج في المواقف والقرارات وتوزُّع في الولاءات والتحالُفات وحتى التواطؤات وآثار كلّ ذلك من تخلُّف وضعف وخيْبات وهزائم مادية ومعنوية في كلّ المجالات.
أمَّا ' العصفورية' ـ وهو بالمناسبة اسم مستشفى الأمراض العقلية في بيروت - فقد سارت في النهج نفسه لكن بطريقة مغايرة ومنهج مختلف فرضته الظروف والتغيرات التي اعترت الواقع العربي. قدَّمت ـ في منتصف التسعينيات - قراءة نقدية ساخرة لهذا الواقع على لسان ' البروفيسور' نزيل المستشفى ـ وهو الشخصية الرئيسية - في حوار بينه وبين الطبيب النفساني سمير ثابت ـ الشخصية الثانية في الرواية. حظيَت هذه الرواية باستحسان كثير من النقاد والقراء النوعيين العرب وتقريظهم معتبرينها قطعة جميلة من الأدب الساخر الذكي المثقَّف الهازل اللماح المليء بالرموز خصوصا السياسية منها. هنا لا بدَّ من الوقوف لحظة عند عنوان الرواية، وعند الفضاء المكاني المُفترَض لأحداثها. فالعصفورية كما سبقت الإشارة هو اسم مستشفى الأمراض العقلية في بيروت ومحبس مجانينها وأحد معالمها كما هي الروشة أو شارع الحمراء - أو بالأصحّ ما تبقَّى منه - أو الجامعة الأمريكية مثلا، وهو من اشهر المؤسَّسات المتخصِّصة في هذا المجال في الشرق الأوسط والعالَم العربي عامَّة. والواقع أن لاختيار هذا المكان إطارا لما ورد في الرواية حيثيات كثيرة أهمّها التقاليد المتَّبعة في مجال النقد السياسي في الأدب بالابتعاد عن المباشرة واللجوء قدر الإمكان إلى الرمز والغرابة ممَّا يُبعِد المسؤولية ويُخفِّف من نِقمة من يثيرُهم هذا النقد، ثمَّ إن الأدبية كما نعلم تستهجن التقريرية والمباشرة. هذا إضافة إلى الجنون الذي أصبح يُميِّز الحياة العربية ويقضي على كلّ اثر للتعقُّل فيها جملة وتفصيلا حكاما ومحكومين نُخبا وعامَّة، فالعصفورية في نهاية الأمر ليست سوى صورة مُصغَّرةٍ عن مثيلتها الكبيرة التي تمتدّ من الخليج إلى المحيط. أمَّا بيروت فهي العاصمة العربية الوحيدة التي ـ كانت وما زالت، إلى حدٍّ ما - تُتيح أكثر من غيرها - من أخواتها - هامشا من الحرية يمكِّن من قوْل ما أوردته الرواية. هذا دون نسيان الجانب الفُكاهي الهزلي الذي يعطي للنقد نكهة خاصَّة عندما يَرِدُ على ألسنة المجانين. ثمّ ألا يقول المثلُ عندنا ' خذوا الحكمة من أفواه المجانين'؟ ويقول رسولُنا الكريمُ صلَّى الله عليه وسلَّم: ' الحكمة ضالَّة المؤمن، حيث وجدها فهو أحقّ بُها؟'.
تنتهي رواية ' العصفورية' بإشارة ( السفر إلى عالَم الجنّ) ستكون موضوعا لآخر روايات الراحل: ' الجنية'. تضيع الحدودُ في هذه الرواية بين الواقع والخيال والغرابة والاعتيادية والمعقول واللامعقول وعوالم الإنس والجان والعلاقات المُفتَرَضة بينهما إذْ تتناول موضوع زواج جنية وإنسي مما تتداوله العامَّة في الوطن العربي من حين لآخر. تبدو الحكاية وكأنها هاربة من ' ألف ليلة وليلة ' أو من عصور الضعف والانحطاط التي شهدت ظهور الكمّ الكبير من اللامعقول في الحياة الفكرية العربية الذي يستعرض بعضَه د. زكي نجيب محمود في كتابه الشهير ' المعقول واللامعقول'. وكأن القصيبي استشرف الاستغراب والاندهاش اللذين سيصيبان كثيرا من قرائه في مستويات متعدِّدة فاستعان بعدد كبير من المصادر والمراجع التي تناولت الظاهرة ودرستها وذيَّل بها الكتاب.
وكغيره من كبار الكتاب والأدباء كان القصيبي ـ مثلما كان وطاَّر- في قلب الجدل والمعارك الأدبية والثقافية الفكرية، كما كانا موضوعا للدراسة والانتقاد وتبادل الآراء واختلافها.
نشير أخيرا إلى أن ما يزيد من متعة أدب القصيبي القصصي، خصوصا الانتقادي الساخر منه، ويُعطيه شيئا من النكهة والتميُّز هو كونُه، عاش في الغرب هو أيضا ـ طالبا في الولايات المتحدة وسفيرا لبلاده في لندن - فأخذ عنه فكرة أوضحت له الفروق الكبيرة بين الشرق والغرب ممَّا لا غنى عنه لأيّ مُثقَّف عربي معاصِر.
رحِم الله غازي عبد الرحمن القصيبي والطاهر وطار فقد كانا ـ على غِرار كثير من أمثالهما - شهودا لنصف قرن من الحياة العربية خصوصا الفكرية الثقافية الأدبية منها وعلامات مُضيئة فيها ومن أنشط فاعليها وصانعيها وقادة الرأي وصُنَّاعِه فيها.

' اكاديمي جزائري
saahraoui@hotmail.com



الساعة الآن 06:37 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team