منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات التربوية (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=21)
-   -   الجنة في بيوتنا / حلقات للأستاذ عمرو خالد (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=507)

ريم بدر الدين 08-13-2010 12:40 PM

الجنة في بيوتنا / حلقات للأستاذ عمرو خالد
 
الحلقة الأولى


سنحكي في برنامجنا ولمدة 30 يومًا عن بيوتنا وعائلتنا، لن نتحدث بصيغة الفرد، سنقول لنقترب كعائلة من الله، ونترابط كعائلة، ونعيد الحب بيننا؛ أنت وزوجتك وأولادك. يتحدث برنامجنا عن لمّ الشمل للأسرة والعائلة، كفانا جزر منعزلة والعيش بمفردنا حيث يجلس كل منا في حجرته الآن ومعه جهاز الكمبيوتر، أو ألعاب الكمبيوتر، أو الأصحاب في الخارج. نريد تغيير كل هذا، ولا يوجد أقوى من رمضان لنُعيد فيه الأُلفة، وسنجعله هدف رمضان هذا العام؛ وهو تجميع شمل الأُسرة، لنصاحب ونُرضي آباءنا وأمهاتنا، ونفوز بهم: بالنجاح في الحياة، وبليلة القدر، وبالعتق من النار.
برنامجنا موجه لكل أفراد الأسرة؛ للشباب كيف يعاملون، والديهم ويختارون أصحابهم؟ والآباء كيف يعاملون الأبناء؟ وكيف يستخدمون لغة العاطفة؟ وما اللغة التي كان يستخدمها النبي في التعامل مع الشباب؟ والأم وكيف تعامل أبناءها؟ وقدرها الغالي بينهم، والزوجان اللذان ابتعدا عن بعضهما، وكيف يقتربان ثانيةً؟ والأخوة المنعزلون عن بعضهم على الرغم من وجودهم في الحجرة نفسها!

أعرف أخًا لم تربطه علاقة بأخيه حيث كان أصحابه هم كل حياته، حتى مات أخوه في حادث سيارة، فأفاق وبكى ودخل حجرته فوجد صورته فقال له: "لم أعرفك، ولم أفهمك على الرغم من كونك معي في الحجرة نفسه. خسارة ! كم تمنيت أن أعرفك!" ثم قرر أن يعرف أخوه بأن يرسل له حسنات ربما يشعر به، وبالفعل شعر به لكن بعد موته.

أقول للبنات: أنتن أهم من في العائلة؛ فكل العائلة ستسمع لك، فأنت التي ستجمعين الشمل وتقترحين عليهم الصلاة سويًّا، أو أن يخرج والداك سويًّا وتُعدين أنت الإفطار لأخوتك.

لن نتحدث في المشكلات، فكل منا حياته بها تجارب أسرية ومشكلات صعبة جدا ومؤلمة، بل سنتحدث عن المبادئ والقيم السهلة لكن الأساسية، والتي لابد أن يكون الانطلاق منها لإصلاح الأسرة. سنضع في كل حلقة قاعدة، وإذا حاولت حل مشاكلك بدون الأخذ بهذه القواعد ستدور في حلقة مُفرغة، وبالتالي فلن ندخل في تفاصيل المشاكل اليومية، بل سنُعطي مفاتيح عودة لم شمل الأسرة وعودة الحب بداخلها.
أسمينا برنامجنا الجنة في بيوتنا وذلك؛ لأن الكثيرين أصبحوا لا يطيقون الحياة بسبب مشكلاتها وصراعتها، فجئنا نقول: إن الله رحيم، فأعطانا شيئا جميلا لا نراه وهو البيت، به كل السعادة والطمأنينة والسكن. قال سبحانه وتعالى: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً..." (النحل:80)؛ بيتك هو مكان السعادة الأساسي في الأرض حتى تدخل جنة الله تعالى، وهو الجنة التي أعطاها الله لك في الدنيا: "جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ(23)سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ" (الرعد: 23،24 ).

البرنامج له علاقة شديدة بالنهضة، فالأسرة لدينا هي ميزة نسبية نسبق بها العالم، فهم سبقونا في الكثير، لكننا مازلنا نسبقهم بدفء العلاقات الأسرية، فمازال الشاب ذو الثلاثين عاما يحترم أمه ويُقبل يدها ويطلب رضاها ودعاءها، ومازال الجد هو كبير العائلة، على الرغم من أننا في تدهور لكن مازلنا متفوقين على العالم في هذه النقطة.

فقد قال الله: "...وَجَعَلْنَاك ُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا... "(الحجرات:13) فليس لدينا ما نُقدمه الآن مثل الأسرة، فهي نموذج لا يعرفه العالم فليس لديهم صلة الرحم مثلنا، فهذه ميزة نسبية نُريد الحفاظ عليها فهي من بدايات النهضة فنحن لدينا ما نُقدمه للعالم. وليكن هدف رمضان هذا العام الحفاظ على العائلة قبل أن تتدهور مننا، فالأُسر بدأت تنفرط مثل المسبحة - . سنتناول ذلك في حلقات قادمة- فقد سقطت منا حوائط كثيرة كانت تحافظ على بلادنا وإسلامنا، فلنحافظ على الأسرة التي إذا سقطت يضيع مستقبل أُمة.

فانظر لبيتك اليوم واشهد الله أن تحافظ عليه من أجل الله تعالى حتى لو كنت بداخلك تريد الهروب منه أو خيانته. اعبدوا الله بالمحافظة على البيت وكأنها محافظة على الإسلام، فأعظم ما تقدمه لأبنائك أن تُحب أمهم فيخرجون للحياة أسوياء، وهذه نية رمضان هذا العام، حتى لو تآلف عشرون ألف عائلة بداخلهم.
وأسهل قاعدة أن تنوي لم الشمل من أجل الله تعالى، وتعاهده وتشترط على نفسك، "وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ" (التوبة:75،76).
ربط الله تعالى النهضة والإصلاح باستقرار الأسرة، فعباد الرحمن الذين يصفهم الله للعالم أجمع: "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا "(الفرقان:74)، لنقود المؤمنين للإصلاح في الأرض، وهذا لن يحدث دون وجود الحب والاستقرار في البيت. لن تحتاج للخيانة إذا ارتبطت واكتفيت ببيتك وبهذا تصلُح أن تكون للمتقين إماما.

القاعدة الأولى: العبادة المشتركة:

سنضع القواعد البسيطة والهامة التي ستبني عليها حل مشاكلك العائلية، فالقاعدة الأولى إيمانية وملائمة لليوم الأول من رمضان وهي وصفة سحرية لمن يريد أن يعود الحب والدفء لبيته، بينه وبين زوجته وأبنائه ووالديه، وهي عبادة الله تعالى سويا.
كل شخص في بيته يعبد الله وحده، وسبب ذلك الخجل أحيانا من المشاركة في العبادة والتجمع للدعاء سويا مثلاً. تخيل إذا قرر رجل وزوجته الاشتراك في عبادة الله سويا في رمضان بصلاة ركعتين قيام، ماذا سيحدث في بيتهم؟ وكيف ستكون العاطفة بينهم؟ أيعقل أن يستيقظوا للعراك على (زرار) مفقود أو ملح زائد في الطعام؟ استحالة بعد عبادتهم الله سويا، وإذا قالت الابنة لأبيها: لنقرأ القرآن سويا، وإذا دعت الأم مع أبنائها قبل الإفطار بدقيقتين، فماذا إذن يحدث في هذه القلوب؟ ينظر الله سبحانه وتعالى في عليائه فيجد عائلة مجتمعة من أجله، أو قلبين يعبدانه سويا، كل هذا وأنت تدعو في سرك أن يجمع الله هذا البيت ثانيةً.
تخيل زوج وزوجة وهما في السيارة ذاهبين لمكان ما، بدلاً من العراك لأنه لا يُحدثها وأنه منشغل عنها، ماذا لو ذكرا الله سويا طوال الطريق بحمد الله وتذكر نعمة مع كل حمد، وتعميم ذلك على العائلة لمجرد دقيقتين يقولا فيها لا إله إلا الله وهما في السيارة، فكيف ستصبح قوة الإيمان في قلوبهم بعدها؟ رهيبة! وماذا سيحدث في البيت؟

اعبدوا الله سويا، وانظروا للرحمة والنعمة التي ستدخل البيت، والملائكة التي ستملأ البيت والشياطين التي ستخرج من البيت. فالمرأة الذكية التي تريد ربط زوجها بها تطلب منه الاشتراك في العبادة سويا فقط. فليست الهدايا والخروج سويا يغنيا عن هذا على الرغم من أهمية وجوده. يقول الله تبارك وتعالى: "وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى" (النجم:43)، فالسعادة بيديه سبحانه.
لي صديق لم يكن يطيق زوجته، فاقترحت عليه أن يصلي معها ركعتين كل يوم خميس لمدة شهر واحد، وبالفعل أصلح الله بينهما وزرع بينهما الحب. وأعرف شابًّا كانت علاقته بوالده شبه مدمرة فنصحته النصيحة نفسها، أن يصليا سويا في كل وقت صلاة يتواجدان فيه في المنزل، ألم أقل لكم أنها وصفة سحرية!
كيف تكون المشاركة:
خمس عبادات نريد عملهم في رمضان:
قراءة القرآن سويا ولو ربع واحد.
الصلاة سويا ولو ركعتان خفيفتان.
ذكر الله سويا ولو خمس دقائق.
الدعاء سويا ولو بالعامية.
إفطار عائلة صائمة سويا.

إذا قمتم بالخمسة فمبروك عليكم حضن الأسرة. كانت هناك عائلة متآلفة حريصة على عبادة الله سويا، فزارهم النبي فقال لهم: (( يا بني فلان، إن الله أخرج الشيطان من بيتكم بطاعتكم له، فلا تعيدوه إليه)). سلسل الله لكم الشياطين في رمضان فلا تعيدوه بعد رمضان، وذلك بالخمس عبادات الذين اتفقنا عليها وبمشاركة الأولاد. ولنغير شعار رمضان هذا العام، ما رأيكم في: أسرتي أعبد بها ربي، أسرتي حتى ألقى ربي، أسرتي معها أدخل جنة ربي، أسرتي حتى نهضة بلدي.



لأنك إذا قمت بالثلاثة أجزاء من الشعار بالفعل؛ اطمئن سيكون بعد رمضان عزة للأمة، وعلى الموقع أيضا جدول محاسبة للخمس عبادات لمدة الثلاثين يوما في رمضان، وهو للأسرة وليس الفرد، ولو لم توافق كل الأسرة على المشاركة أسمعهم هذه الحلقة، وإذا لم يوافقوا ابحث عن أحدهم ليبدأ معك وربما يشعر الآخرون بكما في نصف الشهر، وبدعائك لهم طول الشهر، فهذا العام: لا ترى نفسك، بل عائلتك كلها بأن تنقذوا سويا من النار بعمل ختمة الأسرة.
أعرف رجلا خفيف الظل كان كلما أغضبه أحد في أسرته - من زوجة أو أبناء- هددهم بدخولهم النار إذا استمروا، حتى ملوا من حديثه، وفي مرة وجد آية في القرآن تقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..." (التحريم:6) فقال لنفسه: "أيقول لنا الله أن ننقذهم من النار وأنا أهددهم بدخولها بدلاً من الأخذ بيدهم!" يقول: "فبدأت أُغير الطريقة وأقترح أن يشاركوني العبادة وأشهدت الله أني أُنفذ قوله، فاسترحت واستراحوا هم".
حديث جميل للنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن الشيطان ينفر من بيت تقرأ فيه سورة البقرة ))، فتخيل لو البيت يختم سوياً! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( إذا صليتم في المسجد فاجعلوا لبيوتكم نصيبًا من صلاتكم، يكن خيرًا على أهل بيتكم))، وتقول الآية: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ..." (طه:132)، ما علاقة الرزق؟ البيت الذي يصلي سويا دائما يكن مرزوقا، أي لا تجعل الرزق حجتك لعدم التفرغ.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل البيت الذي يذكر فيه الله والبيت الذي لا يذكر فيه الله كمثل الحي والميت))، حي: أي الترابط الأسري، وميت هي الجزر المنفصلة والتفكك الأسري، يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في مل خير منه))، فمبروك للعائلة التي تذكر الله سويا فسيُذكر اسمها في السماء كعائلة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( من فطر فيه صائما كان عتقا لرقبته من النار، وكان له مثل أجر الصائم من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئا)) فقالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يُفَطِر عليه الصائم، فقال النبي: ((يُعطي الله هذا الأجر لمن فطر صائما على شربة ماء أو مُسقة لبن))، فمن يقول سنشترك في إفطار عائلة كاملة طوال رمضان سويا؟
يا رب تكون هذه فاتحة خير، ولم للشمل وطرد للشياطين، وعزة ونهضة، ونجد أولادنا وأزواجنا أصبحوا لنا بعد رمضان قرة أعين بسبب عبادة رمضان.

ريم بدر الدين 08-13-2010 12:43 PM

الجنة في بيوتنا / الحلقة الثانية
 

الحلقة الثانية





بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما أخبار الهمة يا جماعة؟ أذكركم بالحديث: (ولله عتقاء من النار في رمضان وذلك كل ليلة). أتمنى أن نكون جميعا من عتقاء الرحمن هذه الليلة.

حلقتنا اليوم، تتحدث عن قاعدة جديدة وهي استشعار قيمة الأسرة عند الله تبارك وتعالى. في ظل ارتفاع نسبة الطلاق في أيامنا هذه نلاحظ استهانتنا بقيمة الأسرة، فحينما تسأل شابًّا عما إذا كانت أسرته أغلى منزلة عنده أم أصدقاؤه تتعجب حين يصمت ولا يستطيع الرد، مع وجود دلائل الإجابة؛ فأسراره عند أصحابه، والنصيحة التي يوجهها له والده آلاف المرات لا يستمع إليها، وإذا وجهه صاحبه بالنصيحة نفسها استمع إليها على الفور. اختلافات الأخوة حول الميراث ومقاطعتهم لبعضهم البعض كل ذلك إنما يشير إلى استهانتنا بقيمة الأسرة.

أهمية الأسرة عند الله تعالي:
• أراد الله تبارك وتعالى أن تكون الأسرة بداية البشرية، وكان من الممكن أن تبدأ بعدد كبير من النساء والرجال، ولكن الله أراد أن تبدأ بأسرة - ومن طينة واحدة ومن رحم واحد-.
• في أولى لحظات الخلق وقبل نزول آدم عليه السلام للأرض تعلقت الرحم بعرش الرحمن وقالت: يا رب، هذا مقام العائذ بك من القطيعة. فقال لها الله: أما ترضين أن أصل من وصلك وأن أقطع من قطعك؟ فقالت: رضيت يا رب. فقال تعالي: لكِ ذلك.
• الجنة كما نعلم درجات، وقد يكون أفراد العائلة الواحدة كل منهم في درجة، ولكن شفاعة الأسرة تجمع أفرادها في الجنة في درجة واحدة لأعلاهم منزلة "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ" (21 سورة الطور).
• وأطلق الله تعالى على الزواج كلمة "ميثاق" ووصفه تبارك وتعالى بأنه غليظ، فيوم أن وضعت يدك أيها الزوج في يد والد زوجتك وقال لك: زوجتك ابنتي على

كتاب الله وعلى سنة رسول الله، فأنت قد وقعت ميثاقا غليظا.
جاءت كلمة (ميثاق غليظ) في القرآن في ثلاثة مواقع:

1. عهد الأنبياء مع الله "وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً" (7 سورة الأحزاب) .
2. مع بني إسرائيل "وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمْ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمْ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً" (154 سورة النساء).
3. مع الزواج "وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً" (21 سورة النساء).
• وهناك عبادة عظيمة عند الله تعالى، وهي تُذكرنا في شعائرها بالأسرة وقيمتها ألا وهي "الحج":

1. السعي بين الصفا والمروة: يُذكرنا بالأسرة والأم التي كانت تسعى لتجد الماء لابنها الرضيع، وجعلت تجري بين الجبلين سبع مرات بحثا عن الماء. وفي منطقة، محددة كانت تقترب من الرضيع وتسمع بكاءه فكانت تهرول بحثا عن الماء، فأمرنا الله تعالى بالهرولة في المكان نفسه، وذلك لتتجسد مشاعر الأم في العبادة. فهل لأب بعد أن يعود من رحلة حج أن يقسو على أم ويحرمها من ولدها؟ وهل لأم بعد أن تعتمر أو تحج أن تترك ولدها لمربية؟! وهل لولد بعد أن يحج أو يعتمر أن يقسو على أمه؟!

2. مياه زمزم: وهي دعوة إبراهيم حين ترك ولده وزوجته في الصحراء بأمر من الله تبارك وتعالى، وفي عودته دعا الله تعالي :"رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ" (37 سورة إبراهيم)، وينزل جبريل من السماء بأمر من الله تعالى استجابة لدعوة أب، ويضرب جبريل بجناحه عند قدم الرضيع وتخرج زمزم ليشرب منها البشر إلى يوم القيامة لتعلموا أن دعوة الأب مستجابة.

3. الأضحية: ما هي إلا علاقة تفاهم بين أب وابنه "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ" (102 سورة الصافات). وانظر إلى الأب الذي يأخذ رأي ابنه، وانظر الابن الطائع الذي يستجيب لوالده. ولهذا فإننا في الصلاة نقول:"اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم".
• لم يذكر الله تبارك وتعالى نبيًّا من الأنبياء دون أن يذكر البُعد الأسري له، مثال على ذلك: آدم وحواء، إبراهيم وسارة، وإبراهيم وهاجر، موسى وقصة زواجه، إبراهيم وإسماعيل، داوود وسليمان، موسى وهارون، عيسى وابن خالته يحيى. وترى أيضا حنان أم على وليدها، وذلك في قصة أم موسى وقصة مريم ابنة عمران، وهناك علاقة بين أب وابن والأب لا يستطيع التعامل معه فتجد إبراهيم ووالده آزر، وستجد أبًا يتفاهم مع ولده على الرغم من أن ولده مصرّ على الجحود، والأب مصرّ على الحوار وذلك في قصة نوح وابنه، وهناك قصة الخيانة الزوجية وذلك في قصة امرأة العزيز، وهناك قصة يوسف والأخوة الذين يريدون قتل أخيهم؛ وذلك لأن الشيطان نمى بداخلهم وَهمَ أن أباهم يحب أخاهم أكثر منهم، وكان هذا تنبيه لكل أب وأم بعدم التفريق في المعاملة بين الأبناء، وهناك قصة أخت تحب أخاها وهي أخت موسى، وهناك قصة أم محرومة من الولد وذلك في قصة آسيا امرأة فرعون، وهناك قصة زكريا عليه السلام وتمنيه للولد، وهناك قصة الخال الحريص على ابنة أخت زوجته وكيف راعاها وكفلها وذلك في قصة زكريا ومريم.



ومن هذه الأهمية للأسرة، نرى أن أماننا فرصة للعتق. هيا بنا نرضي الله تعالى باتحادنا مع أسرتنا كفانا انعزال، وهيا بنا نرضي الله تبارك وتعالى معا باتحادنا مع أسرتنا. وبمقارنة القصص المذكورة في القرآن عن أهمية الأسرة والعلاقات الأسرية في عصرنا نجد تناقضا رهيبا، فالأخوة لا يهتمون ببعضهم البعض، ولكن بالنظر إلى قصص الأنبياء نجد عكس ذلك فأخت موسى عليه السلام هي من أنقذته بعد أن ألقته أمه في البحر، وطلبت من ابنتها أن تبحث عن أخيها "وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ" (11 سورة القصص) فالأخت دخلت بيت فرعون وعرضت نفسها للخطر لتنقذ أخاها. "وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ" (12 سورة القصص).

وهناك قصة لعلاقة الأخ بأخيه وذلك في قصة موسى وهارون حين طلب الله تعالى من موسى أن يذهب لفرعون فقال موسى: "قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً" (34) ( سورة طه).
وقد يكون رد البعض أن هذه إنما علاقات مثالية، ولكن موسى وهارون اختلفا وذكر القرآن ذلك: "قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي" (94 سورة طه) وذَّكر هارون أخاه بأمه، فتراجع موسى وقال: "قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" (151 سورة الأعراف).

تتجسد معاني الأسرة في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فترى الحفيد وهو مع جده عبد المطلب يجلس في ظل الكعبة وجده يسقيه الحنان الذي فقده بغياب أبيه، وهناك النبي الابن وهو يقف على قبر أمه بعد موتها بخمسين سنة ويقول: "استأذنت ربي أن أزور قبر أمي" ويبكي حتى أبكى كل من حوله. وهناك النبي الأب وتجد ذلك مع فاطمة حين تعلم أن والدها سيموت؛ لأنه حين دخلت عليه لم يستطع القيام ليقبلها على جبينها كما عودها على ذلك، والنبي الأب الذي لم يكن يخرج من المدينة دون أن يمر على ابنته، وما يعود إلى المدينة إلا وتكون ابنته أول من يدخل بيته. وهناك النبي الحما الذي يُرضي زوج ابنته بأن يكفن حماة ابنته، وينزل قبر "فاطمة بنت أسد" أم علي بن أبي طالب، ويخلع عباءته ويكفنها بها تكريما لزوج ابنته. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فسمعت بها قراره، فقلت لمن هذا؟ فقيل: لحارثة بن النعمان كان بارًّا بأمه، فقلت: كذاكم البر، كذاكم البر".
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "دخلت إلى الجنة فوجدت أم سليم، فقلت سبقتني إلى الجنة، فقيل لي: بما كانت ترضي زوجها".
ولأهمية الأسرة عند الله تعالى، كان ثواب الأعمال التي تجمع الأسرة كبيرا، ومثال ذلك: "رحم الله رجل قام من الليل، فأيقظ امرأته، فصليا ركعتين، فكُتبا عند الله في الذاكرين الله كثيراً والذاكرات". -كان هذا ثواب ركعتين فقط-. فحبك لامرأتك يرفعك عند الله درجات، وخصوصا في أيامنا هذه التي قل فيها الحب الأسري. يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم:" عبادة في الهرج كهجرة إليََّ".
لماذا كانت الأسرة تشكل هذه الأهمية؟

خلق الله تعالى بني آدم للإصلاح في الأرض، ولكن هذا الأمر ليس بالسهل فهي مسئولية أشفقت السموات والأرض أن يحملنها "إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً" (72 سورة الأحزاب)، ولصعوبة المهمة ورحمة الله تعالى بنا، خلق الله لنا الأسرة وجعلها منبعا لمجموعة عواطف أولها عاطفة خاصة بين الرجل وزوجته؛ عاطفة خاصة بين ذكر وأنثى بينهما جاذبية في إطار أحله الله وجمعهما العمر كله تحت شرع الله في الزواج، وتمخض عن ذلك عاطفة الأمومة؛ وهي عاطفة إجبارية وضعها الله في قلب كل أم، وهناك أيضا عاطفة الأبوة، وهناك عاطفة أخرى ألا وهي حب الابن لأبيه وأمه. وبهذه العواطف تكون مهمة الإصلاح في الأرض ممكنة.

حين أراد الغرب تطبيق التطور العلمي في الاجتماعيات، والعلاقات الأسرية، ولم ينظروا لأهمية الأسرة، ظهرت العلاقات الشاذة وجاء الضياع.

المصدر : قناة الرسالة

ريم بدر الدين 08-13-2010 12:46 PM

الجنة في بيوتنا / الحلقة الثالثة
 
الحلقة الثالثة


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، سنتحدث اليوم عن قاعدة جديدة من قواعد الترابط الأسري، وهي أصل العلاقات العائلية كما يحب الله سبحانه وتعالى ويرضى، يجب أن تكون قائمة على مبدأ يسمى الرحمة؛ أنا وزوجتي، أنا وابني، أنا ووالدي، أنا وأمي، أنا وعمي، أنا وخالتي، الرحمة بيننا. بيني وبين أختي الرحمة، يمكن أن تكون أنت الأخ الذي يراقب جميع تصرفاتها والذي تخاف منه ومن الممكن أيضا أن تكون الأخ الرحيم والصديق.

اليوم أتحدث إلى الأب القاسي على أولاده، المنتقد لكل تصرفات أولاده والذي لا يعجبه شيء وكل شيء يراه خطأ. أتحدث إلى الأب الغائب، أقول له أولادك في حاجة إلى حضنك - ليس فقط حضن أمهم- بل في حاجة إلى وجودك. أتحدث إلى الفتاة التي انعزلت عن أهلها ودائما جالسة في غرفتها وحدها، وأتحدث إلى الفتاة التي تعرفت على شاب دون علم أهلها وأقول لها حرام عليكِ، أتخدعينهم؟!

أتحدث إلى الزوج القاسي الذي أهان زوجته، أذكره بالرحمة. أتحدث إلى رجل وزوجته يختلفان دائما أمام أولادهم بصوت عالٍ. أتحدث إلى زوجة طُلقت من زوجها ومن غضبها قالت: والله لأحرقن قلبه على أولاده ومنعته من أن يراهم. أين الرحمة؟ أتحدث إلى الفتى الذي ظلت أمه تتصل به وتريد أن تطمئن عليه وهو لا يرد عليها! أتحدث إلى الناس التي تركت بلادها ولا يسألون عن أسرتهم إلا كل شهر أو أكثر! أتحدث إلى الأم التي وكلت المربية لتربي أولادها نيابة عنها! أتحدث إلى الأخوة الذين كبروا ومنعوا أولادهم أن يتصلوا بهم عندما اختلفوا! أين الرحمة؟!

والغريب أن كلما جاءت العلاقات العائلية في القرآن دائما ما تذكر معها كلمة "الرحمة" كمثل الزوج وزوجته "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً..." (الروم:21)، والأبناء والآباء والأمهات "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً" (الإسراء:24)، والعائلة الكبيرة مع بعضها أصلاً تسمى صلة الرحم،. يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي "أنا الرحمن وهي الرحم، اشتققت لها اسمًا من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته".

نحن في أيام الرحمة، انظر إلى هذا الحديث "رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار" نتحدث في أكثر أيام تتنزل فيها رحمة من الله تبارك وتعالى، أيام العطف والود واللطف والسماحة من الله، فأملنا طوال العام هو الرحمة، ندعو بالرحمة. انظر إلى ختام سورة البقرة وبعد كل الأوامر "...وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ..." (البقرة:286)، هذا هو الختام، ودعاء الصالحين "...وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" (آل عمران:8).

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم "أسألك رحمة تجمع بها شملنا وتهدي بها قلوبنا وتلم بها شعثنا وترد بها غائبنا". انظر ماذا تفعل الرحمة؟ عرّضوا أنفسكم لرحمة الله، "الشقي من حُرم رحمة الله في رمضان"، حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس أظلكم شهر رمضان شهر الرحمة...". إذا أردت أن تشملك وتغمرك رحمة الله فتملأك؛ ارحم الناس، ارحم، يرحمك الله، يقول النبي "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، ارحم عائلتك وأسرتك فالأصل في العلاقات الرحمة بغض النظر عن الطرف الآخر، لن تتمكن من تغيير والدك مهما كان فالجأ إلى الرحمة.

للإمام الغزالي في إحياء علوم الدين كلمة جميلة جدا، يقول: هناك شيء يسمى المشارطة؛ تشترط على نفسك أن تفعل شيئا، هذا الشهر؛ سأرحم عائلتي، ثم تأتي المتابعة، ثم يأتي التقييم أخيرا، مثل نظم الإدارة. ما رأيكم أن نفعل هذا في رمضان؟ 30 يوماً من الرحمة حتى يغمرني الله برحمته ويهدي بها قلبي ويجمع بها شملي أنا وعائلتي، ويلم بها شعثي، ويرد بها غائبي.

أريد أن أذكر أمثلة للرحمة في بيوتنا، أولاً: عدم الاستبداد في الرأي خاصة من الأب أو الزوج لأنه الأقوى؛ هناك آباء يصل بهم الإصرار على رأيهم لدرجة أنهم لا يمنحون فرصة لأي شخص أن يبدي رأيه أو يقترح، حتى في أدق الأشياء. هناك من يمل في بداية المناقشة فيرفع صوته وينهي المناقشة مصرًّا على رأيه! من المؤكد أن هناك قائدا واحدا للأسرة ولكن يجب أن يكون هناك مشاورة بينك وبين زوجتك وأولادك حتى، وإن كانوا صغار السن، لأنه عندما يحدث استبداد في الرأي تذهب الرحمة، لأنه سيكون هناك ضيق بالداخل ومن ثم يتوقف التعامل.

انظر إلى القرآن وهو يعطيك مثلاً للمشاورة في شيء لا تتوقعه، المشاورة في الرضاعة! تقول الآية " وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ... فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ..." (البقرة:233)إذا كانت هناك مشاورة واتفاق عن تراضٍ في تقليل الرضاعة فيرضى الله، لماذا تحدث القرآن عن موضوع الرضاعة؟ لأن إذا كان هناك تشاور في الرضاعة فستستمر المشاورة في باقي الأمور مثل المدرسة والجامعة والزواج...الخ، وأيضا حتى يكون الطفل من نعومة أظفاره يجد والديه يتشاوران في أدق المسائل، فيكون بيتا قائما على التشاور.

يؤدي عدم الاستبداد إلى الرحمة، والرحمة تؤدي إلى الترابط الأسري، لم لا تحاول أن تفعل ذلك؟ هناك أيضا نساء عنيدة لدرجة كبيرة، ولكن بطرق مختلفة، بشكل يفرض الرجل أن يقول لها: افعلي ما شئتِ؛ لأنه لا يريد أن يتحدث معها أكثر من ذلك من كثرة شدة عنادها. هذا شيء آخر يضيع الرحمة.

كانت هذه القاعدة غريبة على الصحابة وكان مفهوما غريبا على البيئة العربية. كان سيدنا عمر بن الخطاب جالسا يوما مع زوجته، فقال لها: نريد أن نفعل كذا. فقالت له: لا، من الخطأ أن نفعل كذا، فقال لها: أتراجعينني؟ فقالت: ولم لا أفعل وابنتك تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أوتفعل حفصة؟ فذهب إلى ابنته وسألها: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ولم لا أفعل وكل زوجات النبي يفعلن كذلك، فذهب للنبي صلى الله عليه وسلم فوجد زوجات النبي يراجعنه في مسألة النفقة، فوجد النبي يبتسم ويقول: إن هؤلاء يراجعنني في النفقة، فقال سيدنا عمر بن الخطاب: فوجدت أن الأمر غير. صحيح أن الرجل له القوامة، وهناك شخص واحد يتخذ القرارات، ولكن أين الخطوات حتى اتخاذ القرار؟ لم لا نتشاور؟ لم لا نفكر سويا؟ لم لا نتنازل بعض الشيء؟


تغير عمر بن الخطاب بعد هذه الواقعة، وفي يوم من الأيام عندما كان عمر أميراً للمؤمنين كان هناك رجلاً تراجعه زوجته فترك لها البيت وذهب يشتكي لعمر، فذهب إلى بيت عمر، فقبل أن يطرق الباب سمع صوت زوجة عمر وهي تراجعه، فلم يطرق الباب وقرر أن يمشي، وبينما هو ذاهبٌ فتح سيدنا عمر الباب فقال: أجئتني؟
قال الرجل: نعم.
قال: أطرقت الباب؟
قال: لا.
قال: فلم؟
قال: والله جئتك أشتكي من زوجتي فوجدت أن زوجتك تفعل معك ما تفعله زوجتي فتركتك وعدت.

انظر ماذا قال عمر: تحملتني، غسلت ثيابي، بسطت منامي، ربت أولادي، تفعل كل ذلك وتتحملني أفلا أتحملها إذا رفعت صوتها؟
تأتي امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم وتقول له: إني سفيرة النساء إليك. وتشتكي له لأن الرجال يأخذون ثوابا كثيرا؛ ثواب الجهاد وصلاة الجمعة والصلاة في المسجد، ولكن ماذ ا أخذت السيدات؟ فقال: أخبري من ورائك من النساء أن حسن تَبَعُّل المرأة لزوجها يعدل كل ذلك.
هناك شخص يسمى "جُرَيّج العابد" كان شديد العبودية لله وكلما دخل ليصلي نافلة تنادي أمه عليه فيقول: يا رب، أمي وصلاتي. فيختار الصلاة ولا يرد، تكرر هذا الموقف، فدعت عليه، فاستجاب الله دعوتها، فقال النبي: رحم الله أخي جريجًا لو كان عالما لعلم أن إجابة أمه خيرا من صلاته. حديث صحيح،. يقول النبي إن إرضاء أمك وإجابة أمك أرضى عند الله من صلاة النافلة،ارحموا أمهاتكم، فهو لم يجب النداء لأنه كان يصلي فما بال من لا يجيبون لأسباب أخرى؟! النداء! أجيبوا النداء!
جعل الله مظاهر للرحمة في الكون؛ مثل شمس وقمر ونجوم وماء وهواء، ولكنها مظاهر صامتة، ولكن جعل رحمة متحركة، تسمى قلب الأم، ارحم أمك.
النقطة الأخيرة، هي العفو والتسامح مع العائلة. كم منا على خلاف مع أحد أقاربه؟ اعفو وارحم ليرحمك الله. تحدث إليهم واسترضهم، فقد قال القرآن هذا. ألم يتحدث "مُصْطَح" بن خالة السيدة عائشة عنها في عرضها؟ على الرغم من أن أبو بكر كان ينفق عليه، فقرر أبو بكر ألا ينفق عليه بعد ذلك، فنزل القرآن "وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌرَحِيمٌ" (النور:22)، فقال سيدنا أبو بكر: والله لأنفق على مُصْطَح، إذا أردت أن تنزل الرحمة اعفو عنهم وسامحهم.
فقد ترك سيدنا يوسف بيته ووالده 20 سنة بسبب إخوته الذين قذفوه في البئر ودخل السجن..الخ، وفي نهاية الأمر قال: "... وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ" (يوسف:99)، "...لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" (يوسف:92) كل هذا من أجل أن يلم شمل العائلة، يقول لأبيه: "...مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ..." (يوسف:100) أين يوسفُ هذا الزمان؟ كل عائلة بها شيطان ينزغ وكل بيت به شيطان ينزغ، من يتغلب على نزغ الشيطان؟ أتريد أن يرحمك الله؟ ارحم عائلتك، واعف عنهم لوجه الله، حتى لو عاملوك معاملة سيئة فأنت تعامل الله وفعلت ما بوسعك، ولكن سوف تحاول مرة أخرى.
حاول أن تفعل هذا حتى تقول لك الملائكة كما قالوا لسيدنا إبراهيم: "رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت" ارحموا بعض كي تقال لكم هذه الكلمة.

ريم بدر الدين 08-13-2010 12:50 PM

الحلقة الرابعة
 

الحلقة الرابعة


بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلا بكم ونبدأ مع حلقة جديدة، ومازلنا مع الجنة في بيوتنا. ترجع سبب تسميتنا له بهذا الاسم؛ لأن أكثر ما نتمنى أن نرى بيوتنا عليه أن تكون كالجنة، أطلقنا عليه هذا الاسم لنقول للناس: صدقونا لا توجد سعادة خارج البيت مهما بحثت عنها؛ بل الجنة في بيوتنا.

حلقة اليوم غريبة بعض الشئ؛ لأننا سنتوقف قليلاً لنقول شيئا هاما وهو أن كثيرا من الدراسات الأسرية ركزت على جانب المشكلات الأسرية- وهذا بلا شك شئٌ هام وبذل فيه مجهود كبير في سنوات طويلة- لكن كان الوصف الدائم للأسرة من ناحية المشكلات، حتى عند وصف الأسرة المثالية أو السعيدة يكون وصفها بأنها خالية من مشكلات معينة، ومن هنا يظهر أن التعريف جاء من الجانب السلبي أيضا، ومن هنا جئنا لنصف الأسرة – واقعيا- ولكن بالشكل الصحيح الذي نتمنى أن نرى أسرنا عليه؛ الشكل الذي يرضي الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم- الذي جاء إلينا زائرا. فدعونا نبدأ من هذه الحلقة وصف أسرنا بدءًا من الشكل الجميل الذي نتمناه بعيدين عن المشكلات، ونتخيل على ماذا يفترض أن تكون؟ ولأننا وجدنا ذلك سيكون مدعاةً للملل لأنه سيكون أقرب للتنظير وتطبيق نقاط ما يفترض على كل فرد في الأسرة أن يفعلها، فقررنا أن تكون الحلقة على شكل حلم، ولكنه حلما واقعيا جدا وليس خياليا؛ فالأسرة عادية جدا وبالطبع بها مشكلات كسائر الأسر في الدنيا، ولكن دعونا نتخيل كيف نريدها أن تكون؟ وكيف يتعامل كل فرد فيها؟ وهو كلام واقعي، علمي وعملي بالاستعانة بعلماء النفس. فهيا بنا نتخيل كيف نريد أن نرى أسرنا بعد سنتين من اليوم؟ وعلى كل أب وأم وشاب يحلم كيف يفترض له أن يكون؟ ولأنه يجب أن يكون واقعيا فسأسرده استنادا لقصص واقعية عاصرتها في حياتي، أو قرأتها في كتب؛ لذا ستجدني أذكر أسماءً ولكن بتغيرٍ عن حقيقتها، وكنا قد اتبعنا المنهج نفسه في صناع الحياة، وذكرنا حينها أننا نحتاج لشراكات مختلفة؛ لتحقيق حلم النهضة في بلادنا، وحلم الأسرة أيضا يحتاج لشراكات ولكنها شراكاتٍ سهلة؛ لأنها في أيدينا فالشركاء هم والدك ووالدتك، وزوجتك، وأخيك، وجدتك، وبالتالي فالحلم ليس بعيدا. لا تستبعد التحقيق فأحلام الأمس حقائق اليوم، وأحلام اليوم حقائق الغد، فبحلم جدك جئت أنت، وبحلمك سيأتي ابنك، فحلقة اليوم ترسم الصورة التي سنكمل عليها بقية الحلقات.

الحلم الأول: أحمد وسلمى وتحول أب:
أرى في هذا الحلم أبًا مشغولاً، كان يعمل ليلاً مع نهار؛ لقسوة الحياة، وعنده من الأولاد أحمد وسلمى أعمارهما بين الخامسة والسادسة، ولكثرة انشغاله بَعُد عنهما، لم يضن على أسرته بالمال، لكنه بخل عليهما بما هو أهم؛ بخل بالوقت الذي يعني عند الأطفال الحب والحنان. يسرد قصته قائلاً: كنت أنشئ شركة جديدة، تحتاج لعمل مضنٍ، وسفر متواصل لفترات طويلة، وعند عودتي وذهابي للعمل صباحا يكون الأولاد نياما، فلا أجلس إليهما. وأمام ضغط زوجتي بضرورة جلوسي معهما، أخذت ابنتي الصغيرة للتنزه- الذي فعلته بلا رغبة مني- وعند عودتنا للمنزل دخلت في طرقٍ جانبية، فسألتني ابنتي قائلة: في أي شارع تسكن ياوالدي؟ فدهشت من السؤال وظننت أنني لم أسمعها فسألتها عما قالت فكررت السؤال، فتعجبت لأني ليس لي زوجةٌ ثانية لتسألني ابنتي هذا السؤال، فقلت لها: ماذا تقصدين يا حبيبتي؟ فقالت لي:أين تسكن أنت يا والدي؟ فلم أكن قادرا أن أقنعها أني أسكن معهم في المنزل ذاته، فهزتني كلماتها وبقيت متأثرا أسبوعا كاملاً حتى جاء أحمد ابني في يوم وأنا أبحث عن ورقة بها أسماء لأشخاص من ذوي الأهمية الذين يتوجب عليّ مقابلتهم في ذاك اليوم فسألني عما أبحث فأجبته، فقال لي: وهل اسمي ضمن تلك الأسماء؟ فيستطرد قائلاً: تأثرت بشدة بتلك الكلمات، وقررت أن أجعل أولادي ضمن أولوياتي، وعلمت أنهما ليسا بحاجة للمال قدر حاجتهما للوقت والحب، فبدأت بتغيير طريقتي وإعطاء الوقت لأبنائي، وذهبت معهم للتنزه في النيل يوم عطلتي؛ حيث قررت أن يكون يوم الإجازة يوم بلا عمل، فأكلنا وضحكنا، فوجدت بريقا في عيني ابنتي وكأنها تقول لي: (شكرا يا بابا). في الصيف الماضي ذهبت معهم للاصطياف وقررت أن ألهو معهم بالطائرة الورقية التي عانينا لأكثر من ساعة ونصف لتحلق في الأجواء ولكن لم يساعدنا الهواء، ولمحت اندهاش زوجتي مما أفعل وكيف لي أن وجدت وقتًا لهم حيث كنت أتحجج بعدم وجود وقتٍ لهم، فهاهو الوقت نجده عندما يرغب المرء ويشعر بسعادة داخل أسرته، ويومها اكتشفت كم أنا سعيد! ولكن لاضطرار الحياة توجب عليّ السفر، ولكن هذه المرة كنت أهاتفهم يوميا، ليست مهاتفة عادية كما يفعل بعض الآباء، ولكن في كل مرة يكون معي فكرة أو نكتةٌ جديدة، أو أي شئ يثير أولادي، فربحت اهتمامهم، وعندما عدت من السفر، كنت في عملي ساهرا، فوجدت مكالمةً من زوجتي تقول لي فيها إن ابني لا يرغب في النوم إلا بعد عودتي لأساعده أنا على النوم - ولم يفعلها من قبل أبداً- فوجدت نفسي أترك عملي وأسرع لسيارتي لأعود للمنزل – ولم أفعلها من قبل ولم أهتم بها قبل ذلك- وهأنا أراه في الحلم وهو يقود سيارته داعيا: يارب أصل قبل أن ينام، وهاهو يدخل منزله ويحتضن ابنه، ويقص عليه حكاية قبل النوم، ومعها قيمٌ مذابة في أحضانه وحنانه. وللعلم أن ما تقصه على صغيرك في أذنه وتظن أن تلك الكلمات تتوقف عنده، تأكد أن هذه الكلمات تنتقل للأجيال التالية؛ عندما سيحكيه ابنك في حكاية ماقبل النوم لحفيدك، وسيقصه حفيدك لحفيد حفيدك، فذكراك وقتها ستكون باقية، وهأنا أراه وهو يحتضن ابنه وابنته ليس حضنا عاديا؛ بل حضنا كحضن النبي صلى الله عليه وسلم للحسن والحسين، وهما يتسلقان رقبته وظهره، ويسأله الصحابة: أتحبهم لهذه الدرجة يا رسول الله؟ فيقول: كيف لا، وهما ريحانتي من الدنيا- أي سعادتي ورزقي ونصيبي من الدنيا-.

الحلم الثاني: الأب الصديق:
أرى في الحلم ابنا صار عمره بين السادسة عشر والسابعة عشرة، وأبًا يقول له: أتأتي لنسير سويًّا على النيل، وهأنا أراهما يسيران كالأصدقاء (يفضفضان) سويًّا، ويتسامران ويضحكان، علما أن الابن لم يخبره أن أصدقاءه يعرضون عليه أن يشرب المخدرات، ولكن بعد عودتهما للمنزل قرر الابن أنه لن يذهب لأصدقائه؛ لأن والده احتواه وأشبعه.
وأرى في الحلم أبًا يسير مع ابنته، والناس من حولهما مندهشة أن يصادق أبًا ابنته لهذه الدرجة، وبعد عودتهما للمنزل قبلت جبينه شاكرةً إياه ولم تخبره شيئا، ولكنها قررت ألا تتعرف على شاب من ورائه لأن أباها عندها محترمٌ جدا.

الحلم الثالث: الأم الصديقة:
لن أحدثكم عن عاطفة الأمومة فكلنا في غنىً عن ذلك، ولكنني أتحدث عن عاطفة من نوع جديدة تمنح ابنها إصرارًا، وعزيمةً وتحدٍ، عاطفة تؤدي إلى نهضة، عاطفة ليست سلبية، تهيئ صلاح الدين. لعلك ستقول لي مرةً أخرى: ألم نتفق أن تكون أحلامنا واقعية؟ دعني أقص عليك قصة تؤكد لك أن هذا حلمٌ واقعي: فهو كان شابا في الثانوية العامة - والقصة حقيقية- وبدأ يدخل من خلال الأنترنت على موقع لجامعة عالمية، ويشاهد التخصصات، وكبر الحلم بداخله وتمنى أن ينضم إليها علّه يقدم شيئا لأمته وإسلام، فهو متدين، ولكنها تحتاج لمصروفات كثيرة أو تفوق غير عادي، فبدأ يجتهد في مذاكرته - والأمر ليس بالهيّن- تحت تشجيع الأم المماثل لكل الأمهات، حتى أظهرت الامتحانات الأولية في نتائجها أنه من الصعب جدا أن ينتسب لتلك الجامعة، فهاتف والدته، وقص عليها ما حدث وأعلمها أنه قد لا يستطيع الانضمام إلى الجامعة على الرغم من جهده المبذول، فطلبت منه أن يعود إليها مسرعا، ففعل ووجدها منتظرته عند باب البيت، فأدخلته غرفته وأجلسته إلى مكتبه وفي عينيها تحدٍ وإصرار عجيبين وقالت له: أنت ذكي ولديك إمكانات وتبذل الجهدً، إنك ستقوم بالامتحان، وستنضم للجامعة وستتخرج فيها وسأحضر حفل تخرجك، وسأدعو لك حتى ذلك اليوم، فيقول: صدقتها من عيونها، وبعد أسبوع رآني أحد أساتذتي منهكا في عملي فقال لي: أريدك أن تهيئ نفسك أنك قد لا تنجح في هذا الامتحان، فوجدتني أقول له بلا تخطيط لكلامي: ألم تسمع كلمات أمي، فقد قالت لي أني سأنجح، وأنا أصدقها، ولم أقل له ذلك سذاجةً، ولكني كنت شاعرا بأمي مصدقا لها. وقد دخلت الامتحان، ونجحت، وسافرت للجامعة العالمية، وتخرجت وحضرت أمي حفل التخرج ونسيت ما حولي من أبهةٍ متذكرا عينيها، ووجدت نفسي أركض إليها محتضنا إياها وقلت لها: أحبك، لأنك سبب ما أنا فيه من نعيم. هذا هو تخيلي نحو الأم التي تربي أجيالا تقيم نهضة.

الحلم الرابع: بين الزوج وزوجته:
أرى في هذا الحلم زوجين يعيشان حياةً روتينية، وربما راودت الزوج فكرة الزواج الثاني أكثر من مرة، وربما هددت هي الأخرى بالطلاق أكثر من مرة، وفترت مشاعرهما، ولكني أراه وقد قرأ ذات مرةٍ في كتاب: أن الحب كالشجرة؛ إذا رويته ينتعش وينمو، وإذا أهملته يذبل ويموت. فسأل نفسه عما إذا شعر بسعادةٍ في أي مرةٍ جرب فيها الحب خارج المنزل أم أنه كان سرابا، كما يقول القرآن: "كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ"(الرعد:14) - أي كالذي يريد أن يمسك صورة فمه من انعكاس وجهه على سطح الماء- لم يشعر في ركضه وراء نزواته بسعادةٍ أو طمأنينة، لذا حاول أن يجدها في بيته، فبدأ بعمل أشياءَ بسيطة، ولكنها تركت أثرا عميقا في نفسها من فرط سعادتها، فهأنا أراه عائدًا من المنزل يجدد نيته في أن يعاملها بصورةٍ جيدة بعد أن كان يعود رافضاٍ أن يتحدث مع أي شخص، فيدخل سائلاً إياها عن أحوالها مستمعا إليها فتتحدث هي على الرغم من أنه لم يحل مشكلاتها وهي لم تكن تبحث عن ذلك في حديثها معه، بل كانت فقط تريد منه أن يسمعها، وبدأ هو الآخر يحكي لها، وبدأت الحياة تعود لطبيعتها بينهما.
وأراه أيضا عندما ذهب إلى عمله ورفع سماعة الهاتف ليس ليسألها عن الطعام، وماذا يريد أن يأكل؟ بل ليسأل عنها ويطمئن عليها، لم يستغرق ذلك نصف دقيقة ولكنها أسعدتها بشدة على الرغم من أنه قد يكون فعل ذلك في بادئ الأمر دون رغبةٍ قويةٍ منه.
أراه أيضا في الحلم يرسل إليها رسالةً في سفره يقول فيها: اشتقت إليك، فقد علم أن مايرضي الله أن تتوجه هذه العاطفة نحو الزوجة وليست العشيقة، فردت عليه زوجته برسالةٍ طويلةٍ جدا، وهي مبتهجة، وقد يكون هو أرسلها كشيء روتيني.
كذلك أراه وهو يتشاجر معها وترك المنزل غاضبا، ثم حدثها بعد قليل وهو يقود سيارته قائلا لها: أعتذر سامحيني، فتجيبه سريعا قائلة: وأنا أيضا أعتذر فقد كنت غاضبةً بعض الشيء، وتنتهي المشكلة، على الرغم من أن ابن عمه انفصل عن زوجته في الأسابيع السابقة للمشكلة ذاتها، ولكني أراه تجاوز الموقف بكلمة (أعتذر).
أرى أنه لا يقضي معها وقتا طويلاً لكنه يمنحها لحظاتٍ رقيقة، وهي الأخرى تغيرت وبدأت تنتظره مساءً تحضر له ما يحبه على العشاء، وعندما وجد ذلك بدأ يتناول عشاءه في البيت بعد أن كان يتعلل بعمله ويتناوله في الخارج.
وأراها في الحلم مهتمة وحريصة على شكلها وزينتها، وابتسامتها، وترفع من روحه المعنوية، وتشجعه، فلم تكن تعلم أن الرجل يتعلق لا إراديا - بسبب ما يوجد في عقله الباطن- بالمرأة التي تشجعه وترفع من روحه المعنوية، هنيئا لأبنائهما الذين سيجدون هذا الجو بين والديهما، ويالهم من مساكين، مَن لن يرون هذا الحلم بين والديهما.


الحلم الخامس: عم عبدالمنعم (أبو إبراهيم):
هو رجل بسيط أمي يعمل فراشًّا في إحدى المصالح الحكومية، قرر أن يعلم ابنه ويخرجه في الجامعة ولكن بأموالٍ حلال. يحكي ابنه إبراهيم قائلا: كان عند والدي علبة(مخلل) يجمع فيها القروش المعدنية يوميا حتى تمتلئ العلبة وكنت أفرح إذا حركتها وسمعت صوت النقود فيها حتى إذا امتلأت العلبة حولها أبي إلى نقود ورقية(جنيهات)، وكان يقول لأمي هذه الأموال هي التي ستعلم ابنك في الجامعة، فعلينا أن نصبر نحن ونجمع الملاليم حتى يتعلم ابنك تعليما جيدا، وكان ينظر إليّ قائلاً:" يابني هذه اليد لم تمد يوما إلى حرام، ويوم أن تفعل ذلك فالأفضل لها أن تقطع"، وكانت هذه الكلمات أقوى عندي من ألف درسٍ ديني عن الأمانة، وربما كنا نأكل ست أيامٍ متواصلة (فول)، وفي اليوم السابع قد نأكل(طعمية)، وكان أبي يضحك قائلاً لي: لا يهم عندما ستتخرج بإذن الله ستأكل أفضل الطعام فكنت أقول في نفسي: وأنت متى ستأكل؟ ودارت الأيام وتخرجت، وتزوجت ونجحت في حياتي العملية، وأنجبت، وذهبت لأزور أبي في بيته المتواضع ووجدت علبة المخلل بجوار سريره، لكنها فارغة فقلت له: املأ العلبة كما في الماضي واهدها لأحفادك؛ لأنني مهما قلت لهم من قيم لن أستطيع أن أشير لهم كما كنت تفعل وتقول هذه اليد لم تمتد أبدًا لحرام، فأنت لم تكن تملؤها قروشا بل كنت تملؤها قيما لن تهتز مهما كبرنا.
عم عبد المنعم رجلٌ عظيم لو ربي جيلا على نهجه لظهرت أجيالٌ نظيفة ولحصلت نهضة في بيوتنا.

الحلم السادس: صحوة شاب ليسعد والده في الآخرة:
أرى فيه شابا طموحا كباقي الشباب، له أحلامه وأمنياته، لكنه كان بعيدًا عن أهله لم يلاحظ أن والده أفنى عمره من أجله - وهذه قصةٌ حقيقية- وكان لاعب كرة قدم في الماضي ولكنه لم يكن لاعبا متميزا لكسله، وعدم محافظته على تدريباته، وتغيب في فترة ما أسبوعا عن التدريب؛ لوفاة والده، وتزامنت عودته مع مباراة هامة للفريق وأخذ يحاول مع المدرب ويستسمحه بأن يجعله ضمن الفريق في تلك المباراة على الرغم من تغيبه عن التدريبات في تلك الفترة ومع رفض المدرب إلا أنه لمح في عينيه إصرارا وكأن قوةً داخلية هي التي تريده أن يلعب، وبالفعل منحه الفرصة، وفوجئ بمهارة اللاعب العالمية التي لم يره َ من قبل، فتعجب المدرب وسأله بعد المباراة عما حدث فهو لم يصدق عينيه، فقال اللاعب: لقد توفي أبي من أسبوع بعد أن عاش حياته لي وكان يتمنى أن يراني متميزًا ولكني لم أحقق أمله فقد عشت لنفسي والآن أتمنى ان أجعله فخورا حتى وإن كان ذلك يوم القيامة؛ لذا فمن اليوم ستجدني شخصًا آخر.
أرى في الحلم شابا يسمعني الآن، ذهب بعد الحلقة إلى والده قائلاً له: من الغد ستفتخر بي طالما أنت على قيد الحياة، ولن أنتظر مثل فلان الذي توفي أباه.

الحلم السابع: الجدة والأحفاد:
أرى في الحلم جدة خفيفة الظل وسط أحفادها، تحتضنهم وتلعب وتضحك معههم وهي تقول: لو كنت أعلم أن أحفادي سيسعدوني هكذا لكنت أنجبتهم أولاً!

الحلم الثامن: لمة العائلة:
أرى فيه عائلة مجتمعةً في المصيف: أترى العمة والحفيد والأولاد وهم يلعبون سويا؟ أترى الجد؟ أترى العم وزوجته؟ وابن العم وزوجته؟ وابن الخالة وزوجته وهم يأكلون؟ ربما لم يتحدثوا في الدين، ولكن بداخلهم أمانٌ وطمأنينة كبيرة بأن (لمة) العائلة لا تزال موجودة وأنهم لايزالون بخير.
هذه هي الأحلام، وهذا ما أتخيله، وبذلك يكون اسم برنامجنا الجنة في بيوتنا ليس مستحيلاً؛ فما ذكرته من كلام ليس خياليا، بل سهلاً، وأجزاء الحلم صغيرة ولكن إذا جمعتها ستجد مكتوبا عليها:

• لم شمل العائلة.
• أمان ودفء العلاقات الأسرية.
• ترابط جميل في العائلة.

فالحلم ليس مستحيلاً، فنحن نتميز عن العالم بوجود دفء العلاقات الأسرية. يعرض هذا البرنامج في فترةٍ حرجة، يهبط فيه منحناها، ولكننا نستطيع أن نرفعه مرةً أخرى بهذه القيمة التي نملكها ويفتقدها العالم، فإن كان العالم يتفوق علينا بأشياء تساعده على إقامة نهضة فنحن نملك ما لا يملكون وهو دفء العلاقات الأسرية وبها ننهض. رمضان فرصة لذلك فالشياطين مسلسلة، وستتذوق حلاوةً بسبب الجنة التي ستجدها في بيتك وأنت في أحضان أولادك وزوجتك لا تعادلها حلاوة. كذلك يا شباب، ستتذوق في قرب والدك ووالدتك حلاوةً أكثر من تلك التي مع أصدقائك، ولا أقول لك اترك أصدقاءك - إلا إذا كانوا رفقاء سوء- ولكني أقول لك بأن حضن عائلتك ومشورة والدك أكثر حلاوةً.

ارسم حلما لأسرتك:
في الختام أريد أن أقترح بأن كل من لديه قصة لعائلته أو عائلة يعلم عنها الرحمة والإنسانية أو أن أحد أفرادها بدأ بنفسه، أو فيها قيمة أسرية عالية، أو بها معنىً جميل للحلم، ارسلوا إلينا بها على موقعنا، وسنعرضها في رمضان فمن يزور موقعنا يجد شبكة علاقات أسرية، كيف تفاعلوا وتجاوبوا وأحيوا أسرهم سويا؟ وبإذن الل،ه نقابل أفرادًا بعد رمضان يبشروننا بتحقق أحلام اليوم مؤكدين أنها لم تكن مستحيلة، بل إنها واقعية، ونجد من طبقها هو وزوجته كما رسمناها. فتعالوا نحول الحلم إلى حقيقة في رمضان وبعده، وتأكد بأن الله معك؛ فما يرضيه شئ قدر أن تجتمع أسرةٌ وتتوحد.

ريم بدر الدين 08-13-2010 12:52 PM

الحلقة الرابعة
 

الحلقة الخامسة


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أبدأ بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس أتاكم رمضان، شهر بركة يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ويباهي بكم الملائكة، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حُرِم رحمة الله في رمضان)، فأمسك بيد زوجتك وابنتك، وأمسكي بيد أبيك وأمك، واجعلوا الله يرى أفضل ما لديكم.
الجزر المنعزلة - قصة أسطورية خيالية:
أبدأ حلقة اليوم بمشكلة: وهي التفكك الأسري وأبدأ بقصة خيالية أسطورية: كان ياما كان في قديم الزمان، كانت هناك جزيرة جميلة، يحب سكانها جزيرتهم ويحب بعضهم بعضا. كانوا عائلة كبيرة، بينهم كبير العائلة وبينهم آباء وأمهات وأحفاد وشباب وبنات متحابون، يتحدثون معا، يفهم بعضهم البعض من نظرة العين، يسهرون معا، يأكلون معا ولا يفرطون باجتماعهم على المائدة أبدا، يجتمعون كلهم تحت مظلة العائلة فيرى الشباب البنات، وهكذا يتزوجون. لو أحببت أن تجمع كل ما في الجزيرة بكلمة واحدة لقلت: الأمــان.

لكن الدنيا تتغير، والله تعالى يقول: "...وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً..." (الأنبياء:35)، في القصة الأسطورية، حدث زلزال، وتشققت الأرض، وانقسمت الجزيرة الواحدة لعدة جزر، حتى انقسم السرير الواحد وعليه الزوجان فبات كل منهما في جزيرة وحيدا، أب وابنه كانت أيديهما متشبثة ببعض، انقسمت الأرض من تحتهما وتباعدت الجزيرتان حتى أفلتت الأيادي. في البداية، بكى الجميع وأخذوا ينظرون ويلوحون لبعض، لكن فيما بعد، توقف البكاء واعتاد الجميع الوضع الجديد؛ فأدار كبير العائلة في جزيرته ظهره للجميع وانشغل بزرع أرضه ولم يعد ينظر إلى العائلة، وصار الأجداد في جزيرة وحدهم، الأولاد في جزيرتهم فرحون بالحرية بعيدا عن العائلة، والأب والأم في جزيرة، وصار بعض الآباء والأمهات كلٌّ في جزيرة وحده.

لكن بعد مدة قالت أم لزوجها: ألا نعبر إلى أولادنا في الجزيرة الأخرى؟ فقال: بل هم من عليهم العبور إلينا فنحن الكبار، وقال أخ لأخيه: أنا لست سعيدا هنا، فأنا أمتلك الحرية لكني لا أمتلك الأمان، ألا نعبر لأبينا وأمنا؟ فأجابه: دعنا نبقى هنا فالحرية أحلى.

هي قصة أسطورية، ولكنها واقعية وحصلت في بيوتنا وفي أسرنا. صارت كل غرفة كلٍّ منا جزيرة منعزلة، لم يمت أحد ولكنهم بانعزالهم صاروا كالأموات. ونحن هنا لا نتكلم عن الطلاق، أو الخلافات الزوجية، أو العنف الأسري أبدا، بل نتكلم عن التفكك والتباعد، وانعدام اللغة، والاهتمامات المشتركة، وبرود العلاقات وتجمدها، فصار البيت كالفندق: هذا يسلم المفتاح لذاك وهذا ينظف الغرف حتى صرنا كالقوقعة تظن أن بداخلها كنزًا لأن المفترض أن الجنة فعلاً في بيوتنا، لكنك تفاجأ حين تفتح القوقعة بأنها خالية، حتى إن البعض يتكلم بالأوراق التي تلصق على باب الثلاجة، والبعض يتكلمون بالإيميل لدرجة أن أحدهم أرسل لخطيبته (إيميل) أبلغها فيه أنه فسخ الخطوبة!

سأصف لكم الحال في بيت ثري: أب يشاهد قناة "الجزيرة"، يتتابع بعض الأولاد "mbc2"، أحد الأولاد يشاهد فيلم فيديو، الابن الأصغر يلعب لساعات طويلة في الـ play station التي اشتراها له والده ليشغله عن مناداته قدر الإمكان دون الالتفات لتأثير ذلك على الولد، البنت تحادث صديقتها عبر الشات، الابن الأكبر يغلق غرفته ويحدث صديقته بالهاتف، والأم تقف في المطبخ لتلبية الطلبات المتتالية، فإن اجتمعوا لمشاهدة أحد البرامج معا شاهدوه بصمت ثم تفرقوا بمجرد انتهائه. فما الذي يمنعهم من تقييم ما تمت مشاهدته معا؟ ولتكن هذه لغة حوار بينهم.

هناك تفكك سيؤدي للانهيار، أمتنا عظيمة لكنها لم تعد تملك الكثير لتتوكأ عليه، فإن ضاعت الأسرة ضاع الأمل لمائتي سنة أخرى.

خصائص الانعزال:

الانعزال مرض، وهو المسمار الأول في نعش الطلاق، وفي إدمان أولادنا للمخدرات، وهو أول ما يجعل البنت تبحث عن الحنان خارج البيت، وهو أحد أسباب الخيانات الزوجية.

أهم خصائصه أنه يأتي تدريجيا وببطء ولا يأتي فجأة، فيبدأ بتوقف خروج الأسرة معا، ثم يتوقف الاجتماع على مائدة الطعام، ثم يتوقف الحوار بينهم ثم لا تجمعهم أية اهتمامات مشتركة، فلا يشعرون إلا وقد تباعدوا حتى لم يعد أحدهم يرى الآخر أو يشعر به على الرغم من وجوده في الغرفة المجاورة. وهذا التدرج هو أشبه ما يكون بقصة الضفادع.

قصة الضفادع:
يحكى أن مجموعة من الضفادع ماتت عن طريق الغليان في الماء دون مقاومة. قد تستغرب الأمر ولا تصدقه وتقول: إن الفعل الطبيعي للضفادع إن وضعت في الماء المغلي هو أن تقفز للخارج. نعم، ولكن لم توضع الضفادع في الماء المغلي مباشرة، بل وضعت في ماء فاتر، ثم شرع أصحاب التجربة بزيادة درجة الحرارة تدريجيا، وكلما رفعوا الحرارة كيفت الضفادع نفسها على هذا الوضع الأسوأ، إلى أن وصل الماء إلى درجة الغليان وكان قد فات الأوان فما استطاعت الضفادع أن تقفز للخارج فماتت.

ونحن الآن، علينا أن نتدارك بيوتنا قبل الوصول إلى مرحلة الغليان، وبعض البيوت بدأت تغلي بالفعل، خيانات زوجية، وأحيانا تأتي من امرأة لم يتوقع أحد منها مثل ذلك، فتجدها بدأت بمحادثة أحد الشباب دون علم زوجها عن طريق الشات أو الهاتف، وشاب بات أصحابه أغلى لديه من أبيه وأمه حتى لم يعد يريد رؤيتهما. أدركوا بيوتكم قبل الغليان.

استقصاء:
لجأنا لمجموعة من علماء النفس وطلبنا منهم عمل استقصاء يبين لك من أي أنواع الأسر أنت؟ من يحصل فيه على أكثر من 70% فهو في أسرة سليمة، فكان من ضمن أسئلتهم: هل تخرجون سويا؟ هل تأكلون سوياً؟ هل هناك بعض الأسرار التي تفتحون فيها قلوبكم لبعض؟ هل تتعبدون سويا؟ هل تنصتون لبعض؟ والاستقصاء موجود على موقع عمرو خالد دوت نت لمن يرغب في الرجوع إليه.

إما أن تبني أسرة أو تبني سجنا "قصة الأفيال":
سأحكي لكم قصة، يمكننا اختصارها في جملة واحدة: "إما أن تبني أسرة، أو تبني سجنا"، فإما أن تبنوا أسرا قوية، أو تزيدوا عدد السجون لأن عدم وجود هذه الأسر يعني أن عدد المجرمين سيزيد. هي قصة فيلم لشركة "ناشيونال جيوجرافيك"، يحكي الفيلم قصة مجموعة من الأفيال تعيش في غابة ملاصقة لبعض القرى الهندية التي يقطنها فلاحون يعملون بزراعة الأرض؛ والأفيال هي أكثر الحيوانات – بعد الإنسان- التي تعيش كأسر، ولديها توارث عائلي من خلال تعليم الكبير للصغير، اعتادت هذه الأفيال أن تأخذ صغارها كل ليلة وتدخل إلى القرى المجاورة وتأكل المحاصيل التي زرعها الفلاحون، الأمر الذي أغضب هؤلاء الفلاحين فوضعوا حواجز شائكة، إلا أن الأفيال كانت تدوسها بأرجلها وتدخل وتأكل المحاصيل، فلجأ الفلاحون لوضع الشطة للأفيال أو إطلاق قنابل الشطة عليها لتنفيرها دون جدوى. وأخيرا، اتخذوا قرارا في غاية الخطورة: قتل الأفيال الكبيرة (الآباء والأمهات) لأنها هي التي تقود القطيع، وظنوا أنهم بذلك حلوا المشكلة، فخرج جيل من الأفيال لم يجد من يربيه حين غابت الأسرة فتوحش، وبدأت هذه الأفيال الصغيرة تكبر، وأخذت تهاجم الإنسان، فقتلت عددا من البشر وهدمت البيوت وخربت القرى، فاضطر الناس لحل هذه المشكلة بأن يستوردوا أفيالاً كبيرة من أفريقيا لتعيد تربية الأفيال الصغيرة، وبعد ستة شهور عاد السلام للقرى، وعادت الأفيال تكتفي بأكل المحاصيل، وكُتب في نهاية الفيلم: (إما أن تبني أسرة، أو تبني سجنا)، وقد قاموا بتصوير كل هذه الأحداث في الفيلم. فهل نستورد آباء أم ماذا نفعل؟


استشعروا نعمة الأسرة:
أدركوا بيوتكم فهذا آخر ما تبقى لنا، واستشعروا نعمة الأسرة قبل أن نخسرها، فالأب نعمة، والأم نعمة، والزوجة والأخ والأخت والابن والابنة والجد: كل من هؤلاء نعمة، لعل البعض يشعر بها والبعض الآخر لا يشعر بها إلا حين يفقدها. يقول الله تعالى: " وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (النحل:72) فاسألوا من فَقَد هذه النعمة. انظر أيها الشاب لأطفال الشوارع واشعر بالنعمة، وانظر أيها الأب المشغول لأب فقد ابنه أو ابنته واسأله: لو رجعت بك الأيام ماذا كنت ستفعل؟ وكذلك الزوجة التي لا يعجبها زوجها، أنت في نعمة. إياكم والخيانة. انظروا لقول الله تعالى: "... أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ..." (البقرة:61)، اشكروا النعمة قبل أن تحرموها، وحرماتها قد يكون بالطلاق الذي قد يقع لنزوة، أو لأسباب تافهة ثم يكتشف الزوج بعدها قدر زوجته فيحاول إرجاعها ولكن دون جدوى.

قصة ملجأ الأيتام:
سأروي لكم قصة غريبة: إحدى السيدات طلبت منها الجهة التي تعمل لديها أن تقوم بعمل خيري وهو زيارة لدار الأيتام، وأثناء تواجدها هناك وزعت الدار أوراقا على الأطفال الأيتام رُسِـمت فيها قلوب، وطلبوا منهم تلوينها، لوّن الطفل الجالس بجوار هذه السيدة القلب بلون كحلي غامق، فظنت السيدة أنه لا يملك ألوانا أخرى فأجابها الطفل: بل هو لون قلبي! فاحتضنته السيدة وقبّلته وأشبعته حنانا، وأمضت اليوم معه حتى صار يلعب في حجرها ويحضنها، وكأنه يحاول أن يشبع كل حاجته، ثم عاد للتلوين وانشغلت عنه السيدة ونسيت أمره، وحين همت بالخروج من الدار فوجئت به يجذبها من ثوبها ويقول: لقد تغير لون قلبي: صار لونه أصفر.
أنت أيها الشاب في نعمة، كان ممكن أن تكون في مكان هذا الطفل، أبوك وأمك نعمة، فاذهب إليهم وقبل يديهم.

بين أبي وأولادي "قصة مؤثرة":
تروي الابنة حكايتها فتقول: تزوجت وأنجبت وفترت علاقتي بوالدي، فصرت أتصل به من حين لآخر فيلومني على تقصيري، فأعتذر له بانشغالي بالأولاد والعمل- أية أعذار- حتى اتصل بي أخي ذات يوم وقال لي: أدركي والدك فهو في المستشفى في لحظاته الأخيرة إثر سكتة دماغية، هرعت نحو المستشفى وأنا أراجع الزمن، أتذكر والدي حين كان يحملني في طفولتي، يحضنني، يحكي لي حكاية قبل النوم، ينفق علي، أتذكر حين كان يأخذني للمصيف الذي أحبه فقط ليسعدني بينما كان يرغب في الذهاب لغيره، وأراجع ماذا فعلت أنا معه؟ شعرت بنعمة حقيقية كنت أتجاهلها. دخلت المستشفى ووجدته مستلقيا فاقد الوعي، وقفت أنظر إليه وأتذكر الماضي، فوجئت بالممرضة تقول لي كلمة عجيبة: ممكن تجلسي بجواره وتمسكي يده؟ متى كانت آخر مرة أمسكت فيها يد والدي؟ عندما كنت طفلة. هل كنت متبلدة طوال السنوات الماضية؟ هل كنت أخجل من إظهار مشاعري وأنا الأنثى رمز الحنان؟ أمسكت بيد أبي، وكانت هذه آخر مرة أمسك فيها يده، فقد مات بعدها بساعات. بعد ذلك بعدة أشهر كنت أمشي مع ابني الصغير وابنتي، أمسك ابني بيدي، وابنتي في العاشرة من عمرها تشعر أنها بدأت تكبر فلا تريد أن تمسك يدي، كنت سعيدة بابني ولا يمكنني أن أقول لابنتي أمسكي بيدي، لكني تمنيت لو أحكي لها قصة والدي كي لا يحصل لها ما حصل لي، وقلت: يا رب، أهذه عقوبتي؟ ها أنا ذا أتوب إليك فاجعل ابنتي تمسك بيدي يوما قبل أن أموت أنا أيضا.

الأسرة نعمة.
المهندس أشرف خورشيد ونعمة الترابط الأسري:
يروي القصة الأستاذ أشرف فيقول: نحن أسرة مكونة من أب وأم وابنتين، "نهى" كانت في بكالوريوس سياسة واقتصاد إنجليزي، فوجئنا بأن الله ابتلاها واختبرها بإصابتها بالسرطان، وكان لترابطنا نحن الأربعة دور كبير في تجاوزنا لهذه المحنة، وكان كل منا يقدم للآخر ويؤثره على نفسه عن حب وعن ترابط وعن إخلاص، وهذا بفضل الله علينا، فتعافت ابنتي لمدة سنتين وشفيت تماما، ثم فوجئنا بعودة المرض إليها بشدة، وكانت صدمة شديدة بالنسبة لنا، سافرنا لفرنسا وراجعنا المستشفيات، وقال لنا الأطباء كل ما يمكن لعلاجها، وعدنا وشاء الله أن لا يأتي العلاج بنتيجة، رقدت في المستشفى شهرين، ومكثت معها والدتها طوال المدة، أنا وأختها كنا نذهب إليها يوميا منذ الصباح ونبقى هناك للعاشرة ليلاً، وفي الشهر الأخير مكثت أختها معهما في المستشفى، وآخر عشرة أيام أقمت أنا أيضا معهن بصفة دائمة فصرنا نحن الأربعة في غرفة واحدة، ثم توفيت، والحمد لله عند وفاتها رضينا بقضاء الله لأن الله أكرمنا وأنزل علينا الصبر. كان ترابطنا نعمة من الله كما كان له دور كبير في التخفيف عنا، وبعد وفاتها لم ننسها ليوم واحد، وازداد ترابطنا نحن الثلاثة بصورة كبيرة، وكل منا يحاول تقديم المساندة والتخفيف عن الاثنين الآخرين، وأصبحنا فرحين برضا الله علينا، حتى إن بيتي إذا دخلته أشعر برضا الله فيه، وبدأنا نجتهد أكثر في فعل الخيرات من دار مسنين ودار أيتام وإطعام الطعام حتى إن طعم الأكل في بيتي اختلف وأصبح جميلاً على الرغم من أنه الأكل نفسه، وصرنا إذا وضعنا رأسنا على الوسادة ننام فورا بعد أن كنا نتقلب لنصف ساعة أوساعة، وهذا من حب ربنا لي وحبي أنا وأسرتي جميعا لربنا وترابطنا الأسري، والحمد لله فهذا كله بفضل الله.
إياك أيها الشاب أن ينام والدك وهو غاضب عليك فتموت أو يموت، وإياكِ أن تنامي وأمك غاضبة منك. كيف ستتمكنان من النوم هذه الليلة؟ أيقظاهما واعتذرا لهما وقبلا أيديهما، فالأسرة نعمة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة، أحسني جوار نعم الله، فإنها قلما نفرت من أهل بيت ثم ترجع إليهم)، حلقة اليوم تقول لك: ابدأ لا تنتظر، فأنت في نعمة ستشعر بها لو أخذت منك. قيـّّد النعمة، والنعمة قيدها الشكر، فكيف تشكر؟ يقول الله تعالى: "... اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً..." (سبأ:13)، يا آل داوود إن أردتم شكري فاعملوا، فهيا نعمل على لمّ الشمل.

ريم بدر الدين 08-13-2010 12:54 PM

الحلقة الرابعة
 
الحلقة السادسة : جوهرية دور الأب 1
نقلا عن قناة الرسالة



بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلاً بكم وربنا يتقبل. ماذا عمّا اتفقنا عليه في أول يوم من أيام رمضان كخاتمة الأسرة وصلاة القيام سوياً وذكر الله سوياً والدعاء سوياً؟ فلنشدد الهمة وليفتح الله علينا ويتقبل منا جميعاً.

حديثنا للآباء والشباب:
اليوم نتحدث عن طرف من أطراف العائلة، فهدفنا كما تعلمون هو كيفية إيجاد وإعادة الترابط الأسري. ولكي يتم ذلك، فهناك طرف في غاية الأهمية وهو من أكثر الأشخاص القادرين على إعادة هذا الترابط الأسري إذا بذل له المجهود وهو الأب. ففي هذه الحلقة نتكلم عن دور الأب وقد سميناها – ليس "أهمية دور الأب" – وإنما "جوهرية دور الأب"! وهذا الموضوع سوف نتناوله على حلقتين: الحلقة الثانية منهما نتوجه بالحديث فيها إلى الآباء والشباب أيضاً باعتبارهم آباء في المستقبل ولمساعدتهم في التعامل مع آبائهم عند نهاية الحلقة.

تَحوُّل في دور الأب:
نريد أن نقول اليوم أنه قد حدث تغيراً خطيراً في الخمسين سنة الأخيرة في النظرة لدور الأب، ليس في بلادنا العربية فحسب وإنما في العالم أجمع. ففي الماضي، كانت النظرة للأب هي نظرة المربي، الناصح، مصدر القيم والأخلاق والأمان، المثل الأعلى، من يضبط عقلانية التعامل مع الأولاد بجانب عاطفة الأم فتستوي وتتوازن الأمور، حتى حدث هذا التَحوُّل! ونحن اليوم نريد أن نغير هذا الافتراض الخاطىء الذي تسبب في مصائب كثيرة. فقد تحوَّل دور الأب إلى أنه شخص يقوم بعمل بتوكيل عام أو تفويض شامل بتربية الأولاد للأم على أن يكون هو ممولاً مالياً. فلكلٍ منهما مسئوليته الخاصة، الأب يسعى على رزق الأولاد والأم تقوم بتربيتهم. ومع واقع الحياة الصعبة، قد يضطر الأب إلى العمل ليلاً ونهاراً وإلى كثرة السفر -وأنا مُدرِك لهذا الكلام لأنني أحد الآباء الذي يضطره عمله إلى كثرة السفر- ولكن اسأل نفسك: "لماذا أنجبتهم؟ هل يصح هذا التفويض؟"

إلغاء التوكيل:
هدف اليوم هو "إلغاء هذا التوكيل"! فحقيقة الأمر هو أن الأب قام بتوكيل الأم لتربية الأولاد، والأم قامت بتوكيل المربية، والمربية مزقت هذا التوكيل، فلم يجد الأولاد من يقوم بتربيتهم! حرام هذا! ليس حرام من أجل أولادك فقط، وإنما حرام من أجل المسلمين أيضاً ومن أجل بلادنا ومن أجل أن يكون هناك فائدة مرجوة منهم. فأنت بهذا التوكيل تكون قد قضيت عليهم!

ففي حياتنا اليومية، إذا أنحرف ولدٌ ما، تجد أن الأب يتشاجر مع الأم قائلاً: "أين كنتِ وقتذاك عندما تجرع المخدرات؟! فقد كنت أشقى ليلاً نهاراً لتربي أنتِ ولكنك لم تفعلي!" ولا تستطيع الأم الدفاع عن نفسها آنذاك لأنها مدركة أنه قد وكَّلها وقد قبلت هي هذا التوكيل.

القارب يحتاج إلى اثنين:
الواقع هو أن الأم لا تستطيع وحدها تربية الأولاد خاصة في زماننا هذا! القارب يحتاج إلى اثنين يقومان بالتجديف به، أحدهما من جهة اليمين والآخر من جهة الشمال. فمثل هذا الأمر كمثل الأم تركب قارباً مع ابنها وتقوم بالتجديف به وحدها من جهة اليمين، فهى بالتأكيد لن تصل إلى هدفها لأن القارب بهذا الشكل يدور حول نفسه، فيشعر الولد بالدوار وعندئذٍ أول ما يفكر به هو كيف له أن يقفز من القارب! ما حدث في الخمسين سنة الماضية كان خطأً وإن كنا قد شَهِدناه ونشأنا عليه والدليل على ذلك التزايد في الانحراف في ظل غياب الأب، فقد خلق الله كلاً منا ليؤدي دوره في تربية أولاده. أيها الأب، لا أعني أن تترك عملك ولكن هناك دوراً آخر لك، فيجب عليك أن تُوجِد لابنك الوقت وتقوم بتربيته مادمت باختيارك قد آتيت لهذه الحياة بانسان جديد يحمل اسمك.
أشياء أم أوقات؟

لك أن تمنح أولادك إما أشياء مادية أو أوقات. فأيهما أغلى وأعمق وأكثر إفادة؟ الأوقات. فالأوقات لأولادنا تعني وجود المثل الأعلى ومصدر القيم والرجولة. فمن تَبِعات القوامة أن تعمل صباحاً وترعى أولادك مساءً، فهم أولى بالوقت الذي قد تقضيه مع أصدقائك هنا وهناك، وسوف تجد في هذا الوقت لذّة ما بعدها لذّة ويكون من أحلى الأشياء التي تستمتع بها كأب إذا كنت صديقاً لهم. أريد منك قبل أن تدخل بيتك أن تضغط على مفتاح التفاعل وتذكر نفسك أن لكلٍ من زوجتك وأولادك حقاٌ عليك وأن تنوي محاولة إسعادهم رغم إرهاقك وتتذكر أنك عندئذٍ سوف تشعر بالسعادة. فمن الآباء من يقول إنه موجود مع أهل بيته ولكن يشعر الآبناء أنه متواجد معهم جسداً فقط بلا روح أو تركيز، فهو متواجد وليس موجوداً لأن "موجود" مشتقة من "الوجد" أي موجودٌ بك، أحبك، متفاعل معك.

الأنبياء الآباء:
أحاول هنا أن أحرك في قلوبنا كآباء مسئوليتنا تجاههم، فهم أولادنا، فهو يحمل اسمي ومن لحمي ودمي. كيف استطعت ببساطة أن تمنح مثل هذا التوكيل؟! كيف استطعت أن تعود إلى بيتك ليلاً وهم نائمون وأن تخرج نهاراً وهم نائمون وأن تمر أيام وشهور وسنوات على هذا الحال؟ كيف لا تكون لحظة عيد وفرحة عند عودتك للبيت وركض الأولاد نحوك؟ إن مِن الآباء الآن من يدخل البيت فيكتئب من بداخله، ومن يخرج من البيت فيفرح من بداخله! حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن شر الرجال من إذا دخل بيته اهتمَّت زوجته وهرب أولاده، فإذا خرج من بيته، فرحت زوجته وفرح أولاده".
أيها الآباء، لاحظوا الأنبياء. سوف تجد أن الله يذكر الأبوة مع أغلب الأنبياء في القرآن. فهم مثال للأنبياء الناجحين كآباء، مع العلم أنه لا يوجد من هم أكثر انشغالاً من الأنبياء، فمهمتهم كانت إصلاح أمم! انظر إلى سيدنا داوود وسليمان، "وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ..." (النمل:16)، فقد منحه داوود العلم حتى ورث سليمان داوود وصارت مملكته أقوى من مملكة داوود لأن أباه قد علمه. انظر إلى إبراهيم وإسماعيل، "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ..." (الصافات:102) أي كَبُرَ إسماعيل أمام أعين أبيه ومعه وليس بعيداً عنه، ونظراً لصداقتهما وقربهما من بعضهما البعض سوف يساعد إسماعيل أباه، يقول سيدنا إبراهيم: "يا بُني، إن الله أمرني أن أبني له بيتاً" (الكعبة)، قال: "يا أبتِ، أطِع ربك"، فقال: "يا بُني، وتُعينُني؟" من الآبناء الآن من يهرب من العمل مع والده ومساعدته في نفس الشركة، قال: "وأُعينُك". تخيل مَن بنى الكعبة بيت الله الحرام؟ إنها قصة أب وابنه، فلم تُذكَر الكعبة في القرآن إلا مع ذكرهما سوياً، "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ..." (البقرة:127)، ورد ذكر "إسماعيل" في آخر الأمر كي لا تنسى أن ابنه كان يساعده. "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (البقرة:127)، وردت كل الآيات بعد ذلك بصيغة المثنى، فلا تطوف بالبيت إلا وتتذكر قصة أب وابنه ساعد وأحب أحدهما والآخر وتذكر أيضاً دورك كأب!

أسباب إلغاء التوكيل:
يجب أن تقوم بإلغاء التوكيل لأسباب ثلاث:
أولاً: ابنك وابنتك في حاجة إليك.
ثانياً: أنت تحرم نفسك من ألذّ نعمة في الدنيا.
ثالثاً: سوف تُسأل عنهم أمام الله يوم القيامة.
أكثر وقت يحتاج إليك ابنك أو ابنتك فيه هو في مرحلتين. فمنذ وقت الولادة وحتى سن 4 سنوات تكون أمه هي مركز حياته وتمثل أنت له نقطة جانبية كأب.
ومن سن 4 سنوات حتى سن 7 سنوات يحتاج إليك الولد والفتاة ولكن احتياج الولد إليك يكون أكثر، ففي تلك المرحلة عند الولد تبدأ أولى المحاولات الفطرية عند الذكر لتشكيل شخصيته كرجل، فهو يريد أن يستشعر أنه رجل ويريد أن يتعرف على عالم الرجولة، فيسعى للتخلص من عالم الأنوثة شيئاً فشيئاً ويبتعد عن أمه ويسعى نحو عالم الذكورة ويتقرب من أبيه، فيستكشف هذا العالم في والده، لذلك يحتاج لك ابنك في هذا الوقت. وستجده يقوم بتقليدك بمنتهى الدقة ولفت انتباهك بأية طريقة، فإذا حرمته أنت من غريزة رؤية الذكر والأب تبدأ المعاناة بداخله: "هذا الشخص هو الوحيد الذي يستطيع منحي استكشاف هذا العالم، لماذا لا يريد منحي إياه؟!" هذا أول سن يحتاج ابنك إليك فيه، ولذلك فالمطلقة التي تربي ابنها دون وجود أب تعاني ويعاني الولد أيضاً معانة نفسية شديدة، وكذلك يعاني اليتيم لأنه بلا أب. ولأن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يتيماً، فكان في حاجة إلى تحضين شديد، تقول الآية: "أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى" (الضحى:6)، ولذلك كان لدور جد النبي- عبد المطلب- أهمية كبيرة حيث أنه كان يأخذه لمجالس الرجال في ظل الكعبة ويضع له رداءه، فمثل هذا القرب قد منح النبي شعوراً بوجود رجل كبير في حياته، وعند وفاة جده ظهر عمه أبو طالب.

سن دخول المراهقة هو الوقت الآخر الذي يحتاج إليك أولادك فيه لافتقادهم للأمان والاطمئنان، ولكن هنا تحتاج الفتاة إليك أكثر من الولد لما يحدث في تلك الفترة من إضطرابات نفسية وجسدية ولأنها أضعف، حتى وإن لم تؤدِ عملاً جلياً لها، فوجود الأب فحسب وحضنه وتقبيله لها على جبهتها هي في حاجة له في ذلك الوقت. فالقبلة على جبين الفتاة لها شأن عظيم.



النبي الأب:
كان من غير الممكن أن يدخل النبي الأب على ابنته فاطمة إلا وينهض ليقبلها على جبهتها حتى أنها علمت يوم وفاته بوفاته عندما لم يستطع أن يقبلها لما دخلت عليه. انظر إلى النبي مع ابنته، وخاصة الفتيات لأنها تبحث عن حضن الأب، فإن لم تجده فسوف تبحث عنه خارج البيت، فتندم أنت بعذ ذلك على زواجها عرفياً! أنت مسئولٌ (هذا ليس عفواً للفتيات) ولكن امنحها العطف والحنان والصداقة والقرب منك، كان النبي لا يخرج من المدينة إلا بعد أن يمر على فاطمة أولاً ولا يعود إلى المدينة إلا ويدخل بيت ابنته أولاً. انظر إلى النبي الأب الذي يلاحظ ابنته ويهتم بها؛ عندما ذهب إليه علي بن أبي طالب ليخطب يد فاطمة دخل علي البيت ولم يتكلم

بل ظل ينظر إلى الأرض، فقال له النبي: "ما الذي جاء بك يا علي؟"
فقال: "لا شيء يا رسول الله".
فقال النبي: "لعلك جئت تخطب فاطمة؟"
قال: "نعم يا رسول الله".
قال: "هل معك شيء تتزوج به؟"
قلت: "لا يا رسول الله".
قال: "أليس معك درعك الذي حاربت به؟"
قلت: "نعم، ولكنه لا يساوي شيئاً يا رسول الله، 400 درهم".
قال: "زَوَّجتُك عليه يا علي بشرط أن تُحسِن صُحبتها". هذا نموذج للنبي الأب الذي لم يشترط كتابة قائمة بالأثاث ولم يكتشف أنه لم يشترِ رجلاً في الموقف ككل، ولكن النبي اشترى رجلاً لم يكن يملك الكثير ولكنه رجلاً يلتزم بكلمته وعلم أنه سوف يصونها.

انظر إلى النبي الأب يوم الزواج بعد أن أوصلهما إلى بيتهما، يقول لعلي: "لا تُحدِث شيئاً حتى آتيك"، يقول: "فجلست في ناحية من الدار وجلست فاطمة في ناحية من الدار، فجاء النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: "يدك يا علي، يدكِ يا فاطمة"، فأخذ أيدينا..." انظر هنا إلى النبي الأب وكيف يتعامل مع أول لحظة لابنته التي يملؤها الحياء فهو يأخد أيديهما ويضعهما على بعضهما البعض حتى يزيل رهبة واضطراب اللحظات الأولى ويفعل ذلك بإيمان "...اللهم إن فاطمة ابنتي وأحب الناس إلي، اللهم إن علي أخي (انظر كيف يصف زوج ابنته) وأحب الناس إلي، اللهم بارك لهما وبارك عليهما وأجمع بينهما في خير. يا علي، ضع يدك على رأس فاطمة وقل معي اللهم إني أسألك خيرها وخير ما هي له وأعوذ بك من شرها وشر ما هي له. يا علي، يا فاطمة، قوما سوياً فصليا ركعتين"، ثم يخرج النبي ويقول عند

الباب: "أستودعكما الله وأستخلفه عليكما".
انظر إلى فعل النبي الأب عندما سكن علي وفاطمة بعيداً عن بيته نظراً لإمكانيات علي، لم يشترط عليهما السكن بقربه حتى جاء حارثة بن نعمان (وهو رجل غني وكان له قطعة أرض بجانب المسجد وكان قد أعطى النبي من قبل قطعة أرض يسكن بها مع زوجاته) وقال: "يا رسول الله، لعلك تشتاق لقرب فاطمة؟"، كان جميع الناس يعلمون حب النبي لفاطمة،
فقال النبي: "نعم، ولكننا أكثرنا عليك يا حارثة".
قال: "يا رسول الله ما تأخذه مني أحب إلي مما تتركه لي. هذه الأرض لك".
فقال له النبي: "ولكن استأذن علياً أولاً". فانتقلت فاطمة لأن كل المدينة تعلم حب النبي لفاطمة.
دخل النبي الأب على فاطمة ذات يومٍ فوجدها وحدها فقال: "أين علي؟"، قالت: "هو غاضب وترك البيت"، مما يدل على أن بيوت الصحابة كانت بيوتاً عادية طبيعية بها مشاكل ولكن بها ألفة وترابط في نهاية الأمر، فقال النبي: "ابحثوا لي عن علي!"، قالوا: "هو في المسجد نائم"، فترك النبي ما يشغله وذهب لزوج ابنته فوجده نائماً ومتقلباً في التراب من شدة سوء مزاجه على ما يبدو، فكان يوقظه بإزاحه التراب من فوقه قائلاً له: "قم أبا تراب! قم أبا تراب!" فنظر إليه النبي وابتسم –لاحظ أنه لم يسألهما عن سبب خلافهما- وقال: "يا علي دعنا نعود إلى البيت".
يستيقظ النبي الأب ليلاً قبل الفجر ويخرج من بيته متجهاً إلى بيت ابنته ويقول لهما: "يا علي، يا فاطمة، ألا تصلون ركعتين قبل الفجر؟" هذا مثال للنبي الأب الذي يعلم أن الإيمان هو العاصم من المخدرات والزواج العرفي ويشجع أولاده على الإيمان لا الفساد.
هذا هو النبي الأب الذي ذهبت له السيدة فاطمة وزوجها يشتكيان، فيقول سيدنا علي: "آه من ظهري!" (من كثرة حمل المياه أثناء عمله) وتقول فاطمة: "آه من يدي!" (من الطحين والعجين) "يا رسول الله اؤمر لنا بخادم"، فقال: "نحن لا نأكل الصدقة ولكن اسبقاني إلى البيت"، يقول: "فعدنا إلى البيت، فإذا بالنبي قادم بالليل وأنا في فراشي فقال: "مكانكم"، فدخل معنا في الفراش..." لأن فاطمة غاضبة حيت أنه لم يأمر لها بخادم فيجب الآن أن يمنحها حناناً منه لأنه أبٌ حنونُ، "...فدخل معنا في الفراش بيني وبين علي حتى شعرت ببرد قدمه في قدمي وجمع رؤوسنا وقال "يا فاطمة، يا علي، ألا أدلكما على خيرٍ من الخادم؟ تسبحون الله 33 وتحمدون الله 33 وتكبرون الله 34 قبل النوم، يكفيكما الله الخادم"، يقول علي: "فوالله، قوَّانا الله وما تركتها منذ ذلك اليوم" قالوا: "ولا يوم صفّين؟" قال: "ولا يوم معركة صفّين".

مثالٍ آخر لرجل بلغ من العمر 35 عاماً يقول كنت ابناً في الثانوية العامة وكان لدوري كرة القدم للمدارس في ذلك الفترة شأن كبير، وصلت فرقتي للمباراة النهائية وطلبت من والدي الشخصية المهمة أن يحضر المباراة. كنت حارس المرمى لذلك الفريق وأثناء تدريبات ما قبل المباراة لمحت أبي بين الحضور ففرحت لذلك فرحاً شديداً، فأشار هو لي ثم جلس وبدأ في الكلام مع من حوله من دون أن يعير اهتماماً جاداً بابنه بالرغم من محاولاتي لفت انتباهه والاستعراض بمهاراتي أمامه حتى يصفق لي الناس ويشعر هو بذلك، وبعد 10 دقائق من بدء المباراة جآءه من همس له في أذنه ثم خرج معه. يقول الابن لقد أتممت المباراة ولكن باكياً! ومازلت أتذكر هذة الواقعة إلى اليوم. لم أسأله ماذا كان أهم مني ولكنني شعرت أن كل شيء كان أهم مني. تُوُّفيَّ الوالد بعد أن عاش عمره كله مع هذا الابن بهذه الطريقة، فقال له ابنه وهو واقفٌ على قبره: "لم أعرفك! ولم أفهمك! ماذا كان أهم مني عندك؟ لماذا تركتني؟ من أنت؟ أنت أبي وأنا أحمل اسمك ولكنني لا أعرفك!"
قاعدة اليوم الأسرية للتآلف الأسري وعودة التربية لبيوتنا وشبابنا وأولادنا هي "جوهرية دور الأب". أيها الأب لك دور جوهري، فقم بإلغاء التفويض للأم، فأولادك في احتياج منك إلى أوقات أكثر من احتياجهم منك إلى أموال. أرجو ألا يُفهَم من كلامي أنني أُقَلِّل من أهمية العمل وإنما أطلب منك التوازن، فالصحابة شاهدوا رجلاً كثير الحيوية والنشاط ساعياً على رزق أولاده فقالوا: "لو كان هذا في سبيل الله!" فقال لهم النبي: "إن كان قد خرج سعياً على أطفاله صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان قد خرج سعياً على شيخين كبيرين فهو سبيل الله، وإن كان خرج ليعف نفسه بالعمل فهو في سبيل الله". قيمة العمل كبيرة في ظل ظروفنا المادية وإنما المطلوب التوازن.

قاعدة اليوم هي فكرة جديدة نريد أن نغير بها مفهوم نتبعه منذ سنوات طويلة. ولنكمل معاً غداً في شرح الثلاث معانٍ الذين قمنا بذكرهم بمزيد من الحرص على التآلف الأسري وقوة العائلة وجوهرية دور الأب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ريم بدر الدين 08-13-2010 12:56 PM

الحلقة الرابعة
 
الحلقة السابعة : جوهرية دور الأب 2نقلا عن قناة الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أحب أن أُذكّر بنقطتين قبل أن نبدأ:أولهما: لمن هبطت عزيمته ونيته في رمضان أو إيمانياته والإقبال على الله فأنا أُذكّر بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه" فتخيل هذا الثواب لمن يحرص على القيام ثلاثين يوماً، وما أجمل أن يكون هذا القيام مع العائلة أو الأخ أو الزوجة أو الجد أو الجدة. ثانيهما: هو أننا نسمي برنامجنا الجنة في بيوتنا؛ فالكثير من الآباء والشباب ينظرون إلى العلافات الأسرية على أنها حمل وعبء وأن العلاقات الزوجية هي حقوق وواجبات! فنحن نقول لهم: لا، انتبهوا، فالأمر ليس كذلك، فالأصل فيها أن الله قد خلقها جنة للاستمتاع والسعادة، فالواجبات والحقوق ليست الزاوية الوحيدة التي ننظر من خلالها بل هناك زاوية أخرى وهو النظر لهذه الأمور على أنها نعمة وسعادة وفرحة، ولكي نساعدك على هذا المعنى جئنا كل يوم بقاعدة أسرية نتعاهد على تنفيذها فتعود بيوتنا جنة ويعود التآلف الأسري، لهذا سمينا البرنامج: الجنة في بيوتنا وأيضا لأسباب أخرى كثيرة.. لأن الجنة تحت أقدام الأمهات، ولأن الله تعالى حين قال لآدم "..اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ.." (البقرة:35) لم يقل له اسكن وحدك بل كان لابد من ذكر العائلة؛ أنت وزوجتك، ولأن أحد العلماء قال كلمة جميلة: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة"، ونحن نقول: أن جنة الدنيا جنة العائلة ولم شمل العائلة وليس حمل ثقيل أو عبء أو قفص زوجية كما يقال. قاعدة الأمس تقول: "جوهرية دور الأب"، وهي استكمال لقاعدة اليوم، فدورك أيها الأب مهم جداً وهو ليس مسؤولية الأم فقط. أنت يا أب أكثر شخص قادر على إعادة الترابط للأسرة. وهناك ثلاثة محاور وأسباب تجعلك تلغي توكيل أن عملك في البيت هو ممول مالي وأن الأم عملها التربية، وهذه المحاور والأسباب هي: أولاً: احتياج ابنك لك. فالدراسات في الماضي كانت تقول إن السبب الأساسي في دخول أطفال الأحداث – الذين يرتبكون الجرائم ويدخلون إلى الأحداث - السبب فيه هو شعورهم بالاضطهاد والظلم من المجتمع، ولكن العلم الحديث أثبت العكس! فالسبب الأساسي هو غياب الأب. هناك شخص يعمل في الرعاية الاجتماعية في السجون يحكي لي أنه قد عمل في السجون لمدة 25 سنة قابل فيها آلاف المسجونين، لم يجد فيهم من يقول له أإنه يحب أباه.في أمريكا يحتفلون بعيد الأب، وهم يهتمون به كالاهتمام بعيد الأم ويفعلون تماماً كما نفعل في عيد الأم، ففكرت إحدى الشركات التي تنتج بطاقات المعايدة أن تقوم بعمل بطاقات لعيد الأم أرسلت بعضها إلى المساجين كي يقوموا بإرسال بطاقات معايدة إلى أمهاتهم، فأقبل المساجين بشدة على هذا الأمر لدرجة أن الشركة اضطرت لطبع المزيد من البطاقات كي يقوم المساجين بإرسالها إلى أمهاتهم، وعندما جاء موعد عيد الأب قاموا بتجهيز كميات كبيرة ولكن لم يرض أي مسجون أن يرسل بطاقة في عيد الأب! إن بداية الانهيار والانحراف هي في الغالب تكون بسبب غياب الأب، إن ابنك وابنتك في حاجة إليك. كمان يا بابا كمان..لقد قرأت قصة عجيبة جداً، لقد كان هناك أب عنده ولد وبنت، عندما أنجب الولد لم تكن مشاغله كثيرة فكان يجد وقتاً للخروج معه والسفر وللاهتمام به، ولكن بعد أن أنجب البنت كان قد انشغل في عمله بشدة، فشعرت البنت التي في الرابعة أن أخاها أهم منها عند أبيها، يحكي الرجل أن زوجته ظلت تلح عليه أن يأخذ ابنته لينزهها وأن يهتم بها وأنها تفتقد لحنانه، فيقول لها: "أنت مصدر الحنان وليس أنا"، يقول الرجل من كثرة إلحاح زوجتي خرجت مع ابنتي لتناول طعام الفطور خارج المنزل كي ينتهي الأمر وأتابع ما ورائي من مهام، وأنا أجلس معها في المطعم تحركت عواطفي، فهي ابنتي، وأثناء وضعي للشوكة في قطعة الكيك التي أمامي قلت لها: على فكرة يا منى أنا أحبك جدا، وبدأت أمد يدي للطعام لآكل فأمسكت يدي وقالت لي: كمان يا بابا كمان، ففوجئت وارتبكت يدي، لقد أمسكت ابنتي يدي كي أتكلم، وشعرت حينها أنها هي الكبيرة وأنا الصغير، واكتشفت أنها مدركة لكل شيء وأنا الذي لا أفهم شيئا! فقلت لها: أنا لا أستطيع الاستغناء عنك وأحبك ثم قبلتها، فتاة بريئة تعبر عما بداخلها، أما فتاة في الخامسة عشرة لن تقول لك كمان يا بابا كمان بل ستختفي، وأنت المسؤول، وبعد ذلك ستحزن وتقول: لم يكن عندي وقت، فتضطر عندما يقع ابنك أو ابنتك في مصيبة أن تعطي وقتاً أكبر من الوقت الذي كان من المفترض أن تعطيه، فأنت حتى لم تحسب الأمر على طريقة الإدارة لأنه أصبح من المطلوب منك أن تعطي وقتًا غير طبيعي وأنت أصبحت في مأساة. ممكن بدون بابا؟!..نحن لا نتخيل أحيانًا يا آباء أن أبناءنا محتاجون إلينا، والأبناء مدركون أنهم بحاجة إلينا أكثر مما نتخيل نحن! يحكي لي شخص قصة ظريفة جداً؛ يقول: إن ابنة مات أبوها فانتقلت هي وأمها من بيت لبيت، وقد كانت هذه الابنة تبلغ حوالي 18 أو 19 سنة، وقد كان بجوارهم جيران عائلة مكونة من أب وأم وابنة صغيرة، فذهبت ابنة الجيران الصغيرة إلى الفتاة التي عندها 18 سنة وأخذت تسألها أسئلة كثيرة.. "أين أبوك؟" فقالت الكبيرة: "والدي غير موجود" فقالت الصغيرة: "أين؟" فقالت الكبيرة: "ليس موجودا"، فقالت الصغيرة: "فمتى سيأتي؟"، فقالت الكبيرة: "حبيبتي إنه لن يأتي أبدا"، فقالت لها:" هل ينفع أن تكوني من غير بابا؟!" فسكتت البنت الكبيرة، فقالت الطفلة: "عموماً أنا والدي حلو جداً؛ أنت ممكن أن تشاركيني في بابا"، لهذه الدرجة الفتاة الصغيرة غير متخلية أنه من الممكن أن يعيش أحد من غير والده!! وأنا أقول لك: يا أب هل من الممكن أن تكون الحياة بدون بابا؟!. ثانيا: أنت تحرم نفسك من أحلى شيء في الدنيا وألذ نعمة في الدنيا، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً وجاء الحسن والحسين فمنهم من يطلع على كتفه ومن يتعلق ببطنه ومن يقفز عليه ومن يتعلق في رقبته، فاستغرب الصحابة هذا الأمر، فقالوا: "ما كل هذا يا رسول الله، أتحبهما كل ذلك؟" قال:"كيف لا؟ وهم ريحانتي من الدنيا"، هم رزقي من الدنيا. آدم والوردة..سأحكي لكم قصة كما قرأتها في أحد الكتب، أنجب الأب ابنًا معاقًا سمّاه آدم، وقد كان عنده ثلاثة أولاد غيره وهذا الطفل أصغرهم، وقد كانت عضلات فمه لا تتحرك إلا بصعوبة، وذهنه لا يتقدم إلا بصعوبة ولكن جسده يتحرك، يقول الأب إنه قد كره نفسه والحياة وتمنى موته ويكفيه الثلاثة الآخرون، فمتى يموت؟ وبدأ يتجنبه ويركز على أبنائه الآخرين، يقسم الأب ويقول: بدأنا نعالجه وفي مرة أخذت الأبناء الأربعة وذهبنا لشراء بعض الحلوى، فالثلاثة الكبار اشتروا الحلوى والصغير أخذ وردة فهو لا يفهم لأنه معاق، فقلت له يا حبيبي هذه لا تؤكل اذهب وخذ حلوى، فرجع وأحضر وردة موجودة في المحل فأخذتها من يده ووضعتها في مكانها، فعاد وأحضرها! فاستسلمت للأمر ودفعت الحساب وعدت إلى المنزل ودخلت سريري، ونام الأولاد الثلاثة وإذا به يدخل علي وقد وضع الوردة في زهرية -ولا يستطيع أن يقول لي تفضل لأن لسانه لا يتحرك- ويعطيها لي. يقول الأب كالتالي: أحسست يومها أني أب، شعرت أنه يعتذر لي عن كل الآلام التي سببها لي وأنه يقول لي أنا أحبك رغم كل عجزي، ومشى وتركني، لقد كانت هذه لحظة ميلادي الجديدة، لقد خرجت من عالم كنت أعتقد أن معنى الرجولة هو الإنجازات والتباهي والتنافس إلى عالم جديد قائم على الحب والسعادة، عالم يكون فيه أساتذة الجامعة هم من يعانون من بطء التعلم والأطفال المعاقون هم الأساتذة البارعون في تعليمهم الحب والسعادة. يقول: أنا أحاول الآن أن أتعلم من آدم، وجدت أن آدم معي منذ أربع سنوات ولكني حرمت نفسي من التمتع بحبه لمدة أربع سنوات، سأحاول أن أتعلم رغم أني بطيء التعلم، ولكني واثق من أن آدم سيساعدني على فهم عالم الحب والعاطفة. ثالثا: المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها" سوف تشقى وتتعب ولكن هذه هي القوامة لها متطلبات، وكلمة راع جاءت من الراعي، فما هو مفهوم الرعاية عندك أيها الأب؟ أن تأتي لهم بالمال فقط، انظر كيف يحوط راعي الغنم على غنمه! إن كلمة الرعاية جاءت من الراعي. يقول الله تبارك وتعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ.." (التحريم:6) وإذا كان الشعور بالمسؤولية سوف يغضبك فاتركه ولننظر إلى الثواب كم هو كبير، ثوابك أن تربي ابنك عند الله، انظر لهذا الحديث العظيم عن جابر بن سمرة يقول: "لئن يؤدب الرجل ولده خير عند الله من أن يتصدق بصاع"، أن تفطر صائما كل يوم "من فطر صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق لرقبته من النار" فأن تؤدب ولدك خير من ذلك، لأنك عندما تفطر صائماً كل يوم أو تتصدق فأنت تعطي واحدًا ولكن عندما تقدم ابنك للمجتمع فأنت تهدي المجتمع كله فثوابك أكبر، وحديث آخر ربما لم نسمعه من قبل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا نظر الوالد إلى ولده فسره كان للوالد عتق نسمة" أي عندما تعجبه أخلاقه وتصرفاته وعبادته فكأنه أعتق رقبة، وعتق الرقبة أي 4000 درهم في وقتهم! لأنه تربيتك وغرسك، ألا يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"ما من مسلم يغرس غرساً فيأكل منه طير أو بهيمة أو إنسان إلا كان له صدقة وأجر عند الله" فأنت قد غرست في المجتمع رجلا، وفتاة كلها عاطفة وحنان وأنوثة، غرست شخصًا يده نظيفة لا يأكل من حرام، فأنت إذا ربيت ابنك تدخل الجنة وضمنت مفتاحاً من مفاتيحها، "..قلنا يا رسول فإن نظر إليه في اليوم مائة مرة، قال: الله أكبر"، لأنه طالما أن تصرفاته نعجبك فحصالة الثواب مستمرة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب والله لا يقبل إلا طيباً، فإن الله يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوة – كما تربي المهر حتى يصبح حصاناً كبيراً - حتى تلقى الله يوم القيامة واللقمة كجبل أحد"، هذا في اللقمة، فماذا عن ابنك عندما تقدمه للمجتمع فماذا تأخذ يوم القيامة؟! فلنتكلم بمنطق الثواب ورمضان، أليست الحسنة في رمضان بسبعين؟ فلماذا نجعل هذا الأمر في العبادات فقط "من أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه" فماذا عن تربية ابنك؟ أهي سنة أم نافلة أم فريضة؟ أم هي من أكبر الفرائض؟ فكل ما ستفعله مع ابنك يُضاعف سبعين مرة، فلنجعل مفهوم الجنة في بيوتنا بأبنائنا، إن الأب والأم هما مجدافا التربية، إن سيدنا يوسف يقول "..يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ.." (يوسف:4) الكواكب هم إخوته، وفي نهاية القصة عرف أن أباه وأمه هما الشمس والقمر وهذا مراد الله، فلا يكفي القمر وحده ولا يمكن أن تعيش به وحده ولا بالشمس وحدها، نحن لسنا في مشاجرة لمعرفة من أفضل، الرجال أم النساء؟ فأبناؤكم يحتاجون إلى الشمس والقمر وأنتم الشمس والقمر لأولادكم.يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من كانت له ثلاث بنات فيؤدبهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت له الجنة البتة -مؤكد-. قلنا: وإن كانتا اثنتين يا رسول الله؟ قال: وإن كانتا اثنتين، قلنا: والله لو سألناه وإن كانت واحدة لقال ولكننا استحيينا"، وأيضا يقول: "من كانت له ابنة فيحسن إليها ويسبغ عليها من النعم التي أسبغها الله عليه كانت له ميمنة وميسرة تحجبه عن النار إلى الجنة" فماذا تريدون أكثر من ذلك؟!. ولدان مخلدون..أريد أن أحكي لكم رؤية يحكيها أحد التابعين اسمه أبو خالد الأحول، وقد تربى على يد ابن مسعود وقد كان من الزهاد العباد، يقول هذا التابعي إنه كان متزوجاً وليس له رغبة في الإنجاب لكي يظل متفرغاً لعبادته ولكي يسعد هو زوجته بدون مسؤولية الأبناء، يقول: "فنمت ليلة فرأيت رؤيا، رأيت أنني يوم القيامة والزحام شديد، ودنت الشمس من الرؤوس فلم يبق بينها وبين رؤوس الناس إلا ميلاً واحداً وزاد العطش حتى شعرت أنني ستقطع رقبتي، والناس في عرقهم: فمنهم من يصل العرق إلى كعبيه، ومنهم من يصل العرق إلى ركبتيه، ومنهم من يصل العرق إلى سرّته، ومنهم من يلجمه العرق إلى شفتيه، ومنهم من يغرق في عرقه، ومنهم من يسبح في عرقه، والعطش شديد وإذا بأطفال من لؤلؤ معهم مناديل من نور، معهم أباريق من فضة وأكواب من ذهب بها ماء بارد جميل يزيد العطشان عطشًا على عطشه يمرون بين زحام الناس، ينظرون في الوجوه فيجدون أبًا أو يجدون أمًا فيقفون ويسقونهم، فمر بي أحدهم فقلت: "اسقني فأنا عطشان"، فقال: "من أنت؟" فقلت: "أبو خالد الأحول تلميذ ابن مسعود" فقال لي: "ألك ولد مات بين يديك فاحتسبته عند الله؟" فقلت: "لا" فقال لي: "ألك بنت كبرتها في طاعة الله؟" قلت:"لا" قال لي: "ألك ولد أتعبك وعاندك فصبرت عليه وعلى تعبه حتى كبر؟" قلت:"لا" قال: "ألك ولد صالح كان يدعو لك؟" قلت:"لا" قال: "فلم أسقيك؟ أنا هنا أسقي من كان له أطفال في الدنيا تعبوا لأطفالهم في الدنيا فنتعب لهم اليوم " بقول أبو خالد: "فقلت له: إذن افعل لي شيئا!" فقال له: "أما سمعت حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الذنوب ذنوبًا لا يكفرها إلا الغم بالعيال –العيال المتعبين- أو السعي على العيال". يقول: "فاستيقظت من النوم أقول لزوجتي نريد أن يكون لنا أولاد"، "يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ*بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ" (الواقعة:17-18). نحن نريد الأب الحنون، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة عن جملها الصغير: "يا عائشة أدبي وارفقي" هذا الكلام على جمل فكيف بأبنائنا؟!. لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة عندما قال إنه يريد أن يظل متديناً عابداً ولكنه عندما يعود لبيته يلاعب أبناءه ويمازحهم: "ساعة وساعة" وهذا هو حال الدنيا. رسائل سريعة:وصلتني رسالة عبر البريد الإلكتروني من أم أرملة توفى زوجها وكان يعمل طياراً في إحدى شركات الطيران المصرية، وحكت لي الكثير عن أنها ربت ابنها وتعبت وأنها اضطرت أن تستعين بجده كي يكون هناك رجل في حياة ابنها، رسالة طويلة لكنها ختمتها بسطر مؤثر جداً هزني بشدة، تقول: "أرجوك قل لكل أب: لا تجعل ابنك يشعر بشعور اليتيم وأنت حي"، ثم مضت في النهاية: "أم لطفل يتيم". الرسالة الثانية للمطلقات؛ أقول لك أنا أشعر بألمك وتعبك وبمسئوليتك وبنظرات الناس، وأشعر أنك تتعبين جداً، وأنك ترين أنني أقول لك لا فائدة، ومن المؤكد أن الموضوع صعب كي أكون صادقًا، ولكن هناك فائدة، فما هي؟ أرجوك ابحثي عن أحد في العائلة حنون وطيب ومرب، من الممكن أن يكون عمه أو جده أو والدك أو أخوك، واجعلي الولد يقترب منه جداً فهو محتاج لرجل في حياته. الرسالة الثالثة: رسالة أوجهها للشباب، ساعد أباك على أن يكون أباً عظيماً وصديقاً، يعجبني جداً شاب هجره أبوه عرين سنة، وعندما نجح واشتهر ظهر في حياته مرة أخرى مع أنه ترك أمه عشرين سنة، يقول لي الشاب كلمة جميلة جدا: "لم أشعره للحظة أنه قصر في حقي عشرين سنة بل احتضنته ولم أرض أن أسأله أين كنت يا أبي، لأنني لو قلت له ذلك سوف أجرحه"، يا شباب لا تأخذ هذا الكلام وتذهب للشجار مع أبيك بل خذها واحضن أباك واكسر الحواجز، اذهب وقبل يده ولا تنتظره بل بادر أنت، قد يكون يريد أن يبدأ معك ولكنه لا يعرف كيف ذلك فاذهب له أنت ولتكن رجلاً، إذا كان ثوابه هو كما ذكرنا، فكيف عن ثوابك أنت إذا ذهبت إليه وقلت ها أنا يا والدي خذني في حضنك وربني. الرسالة الأخيرة: هي رسالة إلى أب مات ابنه، وهذه الرسالة ليست للأب فقط ولكنها للأب وللأم، أنا أريد أن أهديكم حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث في صحيح مسلم، لقد كان هناك صحابي عنده ابن ولا يرضى أن يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا ومعه ابنه، فيجلس الولد مع أبيه ويظل يقفز عليه ويقفز من ظهره إلى حجره والنبي يبتسم له ولا يقول أخرجوا العيال من الجامع كما نرى الآن بل بالعكس فنحن نريد أبناءن في أحضاننا في الجوامع ليأخذوا الإيمان، وكان هذا الولد يقوم ببعض الضوضاء ولكن في حضن أبيه، وفجأة اختفى الأب والابن لمدة أسبوع وسأل النبي صلى الله عليه وسلم: "أين فلان؟" قالوا: "مات ابنه يا رسول الله" فقال: "قوموا معي، كيف لم تخبروني؟" فقام إليه، فذهب إليه في بيته، فقال:"يا فلان أيسرك أن يعيش معك ابنك ما عشت أم تلقاه يوم القيامة كلما وقفت على باب من أبواب الجنة وجدت ابنك يسرع ليفتح لك الباب" فقال: "يا رسول الله بل يفتح لي أبواب الجنة" فقال: "أنا ضامن لك بذلك"، ابنك الذي مات أرسل له حسنات، إن مستقبل ابنك بين يديك الآن، لقد كنت تؤمن مستقبله وهو حي بالمال أما مستقبله في الجنة فابن له قصوراً بأن ترسل له حسنات، فأربع أمور تصل للميت في قبره: الحج والعمرة والصدقة والدعاء والقرآن يأتي مع الدعاء، ادع لابنك أو أمسك سبحة وقل اللهم اغفر له اللهم ارحمه ومع كل تسبيحة قبر ابنك سيزداد نوراً ويفرش من الجنة وتبنى القصور. لقد قلت في مرة لامرأة مات ابنها: لا تنهاري، فابنك محتاج لك الآن أكثر من احتياجه لك وهو حي، ففي يدك أن تبني له مستقبله في الجنة وتجعلي قبره قطعة من الجنة. قطّع التوكيل وقل للأم: أنا عائد للعمل معك وسنربي أبناءنا سوياً وسوف أعمل عملي، وهذه هي القوامة المطلوبة.

ريم بدر الدين 08-13-2010 12:59 PM

الحلقة الرابعة
 
الحلقة الثامنة :
الأب القدوة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهلاً بكم، ونكمل معاً الجنة في بيوتنا..
قبل أن نبدأ في موضوعنا، أريد أن أسأل ونحن الآن في رمضان، كيف أحوالنا مع العائلة؟ هل العائلة متفقة كما اتفقنا في أول يوم أن نعبد الله سوياً؟ هل يا ترى مثلما اتفقنا منذ أول يوم أني أنا وعائلتي سنعبد الله سوياً، ونقوم الليل سوياً، ونقرأ القرآن سوياً، وندعو سوياً، ونذكر الله سوياً، وأقول: اللهم أعتقنا، وليس اللهم أعتقني، سأترك نفسي.. نفسي، وأقول: أسرتي.. أسرتي.
حلقة اليوم تتحدث عن دور الأب، وما هو المطلوب منه؟ والمطلوب منه ثلاثة أشياء: الأب القدوة، الأب المتفقد لأولاده، الأب الصديق، الآباء لهم أدوار كثيرة جداً، ولكن هناك ثلاثة أدوار أساسية، وغاية في الأهمية، وهي التي تمهد لأي دور آخر يقوم به الأب، وهي: دور الأب القدوة، دور الأب المتفقد لأولاده، ودورالأب الصديق، و أنت تستطيع أن تسيطر بعطفك، أكثر ما تستطيع أن تسيطر بقوتك وقسوتك، فتملك قلوب أولادك بحنانك أكثر ما تملكهم بشدتك وقوتك.
و يحتاج الأب ثلاثة أشياء لكي ينفذ هذه الأدوار، وهي: وقت، وجهد، وتركيز.
أولاً: الوقت:
لا تستطيع أن تقول من أين آتي بالوقت؟ أنت عندما يكون ابنك أو ابنتك في مصيبة أو ورطة ستذهب لإنقاذهم وأنت في غاية التعب والحزن، وتترك كل أعمالك لإنقاذهم. ولكنك الآن تستطيع أن تقضيه معهم بشكل منتظم وهادئ، فهذا في حاجة إلى وقت.
ثانياً: الجهد:
أنت بحاجة إلى جهد على عكس دور الأم، لأن ولدها يكون في رحمها تسعة أشهر، فدرجة التعلق بها كبيرة، وبسبب أنه جزء من كيانها بشكل وسر لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ولكن الأب يحتاج إلى جهد، لكي يستجيب إليه ابنه، أي باللعب معه وتقبيله وما إلى ذالك.
ثالثا:التركيز:
وهو أهم عنصر، أنت بحاجة إلى تركيز، ففي كثير من الأحيان نغيب عن أولادنا، ونعود إليهم، مما يجعلنا نحتاج إلى تركيز معهم أكثر مما يحتاجه أب يعيش مع أولاده ويبيت معهم ولكنه لا يلعب أي دور....أي في عالم آخر. لابد أن يركز الأب في فكرة، في شئ يثير بها أولاده، في طريقة يتعامل معهم بها، حتى في قصة قبل النوم التي تحكيها له، في الكثير من الأحيان أسافر، ولكني عند العودة أكون مُعد برنامج، كيف نستقبل فيه كل يوم؟ وأن أضع في ذاكرته بصمة لن ينساها طيلة حياته، كيف أترك بصمات في ذهن ابني؟ أرأيتم أننا في حاجة إلى وقت، وجهد وتركيز؟.

أولاً: الأب القدوة:
هل تريد أن تربي أولادك؟ هل تريد وصفة تجعل من أولادك عظماء؟ بأحسن وسيلة تربية فعالة؟ هل تريد أن تؤثر تأثيراً غير عادي في أولادك؟
أن تبقى ساكتاً، لكن كن قدوة، واترك أولادك يروا أفعالك، في داخل وخارج المنزل، لأنهم لن يتذكروا أقوالك بل سيتذكرون أفعالك، لأنهم يراقبون كل شئ ويستنسخون تصرفاتك في عقولهم، ومثل ما تفعل يفعلوا، و حركاتك وتصرفاتك أقوى من ألف درس دين، أقوى من ألف موعظة وموعظة، لأنه مهما نصحنا وقلنا مواعظ والبيت من الداخل خرب لا فائدة في ذالك، ومهما الدنيا خربت من حولنا والبيت كما هو مستمسك وقوي فهناك أمل.
ولأن الأولاد يراقبون كل حركاتك وسكناتك، وأن كل شئ يقلد، فإن كنت تهين زوجتك، ويعلو صوتك عليها وتضربها، فتأكد أن أولادك عندما يكبرون لا يحترمون المرأة، وإذا كنت تدخن تأكد أن ابنك سيدخن السجائر أيضاً، ثم المخدرات، وإذا كنت سريع الغضب ستجد ابنك يصنع تصرفات لا تليق بسنه كطفل، ولكنه يقلدك في كل شئ، لأنك أنت بالنسبة له المثل الأعلى، إذن..أيها الأب هل أنت مثل أعلى لأولادك؟... وما هي القيم التي تريد أن تعطيها لأولادك؟...هل تريده عفيفاً؟
وإذا كنت طائعاً لله سبحانه وتعالى، وتعامل زوجتك بما يرضي الله، وعطوفاً سيكون ابنك كذلك، ولا تطمح أن يكون ابنك صالحاً إلا أن تكون أنت صالحاً، كن صالحاً يكن ابنك صالحاً..
هل تريد أن تعلمه العطف؟..زر أمامه ملجأ للأيتام، هل تريد أن تحببه في صلاة الفجر؟ اجعله يراك أنت وأمه تصليان الفجر أمامه..هل تريد أن تحببه في العبادة؟.. اجعله يراكما وأنتما تصليان في البيت جماعة، هل تريد أن تحببه في الدعاء؟..اجعله يراك أنت وأمه تدعوان الله..
أعود مرة أخرى للأب القدوة، الآن أمامك قطعة قماش جاهزة، تسمى "كل مولود يولد على الفطرة"، أنتم متخيلون كيف سنسئل يوم القيامة؟ أنتم متخيلون ما هي قيمة القدوة؟ والخامة هذه هي ابنك، تفعل فيها كما تشاء، نريد أن نستلمها منك بعد عشر سنوات لكي ندخلك بها الجنة، أي ربي ابنك كيف تشاء، ومثل ما تريد سيكون، علمت الآن؟ أنا مثل أعلى لأولادي؟ وأنت بالنسبة لابنك وابنتك مصدر الرجولة لديهم، وأنت من يأخذون منه القيم، بمعنى إذا كنت تدخن ففي عقلهم الباطن أن الرجولة أن أدخن لأن أبي يدخن، وهذه الخامة انقش فيها كما تحب، ولكن اعلم أن السؤال شديد يوم القيامة، والثواب كبير يوم القيامة، وهذا على حسب ما سوف تنقشه في ابنك.
النبي القدوة:
حذيفة بن اليمان، أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبل يوم بدر مهاجراً من مكة للمدينة، فقال: يا رسول الله، قريش قبضت عليَّ، فما تركوني حتى أقسمت لهم أني لا أحاربهم أبداً، وبعد أيام أتت غزوة بدر، فنظر النبي وقد وجد حذيفة بن اليمان معهم في الجيش، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ألم تعدهم ألا تحاربهم...عد ولا تتبعنا، ووف بوعدك"، وبقية الجيش تعلموا درساً في الوفاء بالوعد بدون دروس بهذا الموقف مع أنهم قد خسروا رجلاً- وقد كانوا في أشد الاحتياج لكل محارب حيث أنهم كانوا 300 وكان الكفار 1000.
وكان صلى الله عليه وسلم خلقة القرآن، وكانوا يقولون أنه قرآن يمشي على الأرض، نعم نحن لن نكون هكذا، لأننا نخطىء، ولكن يمكننا أن نداري أخطاءنا.
يحكى أن فتاه كان والدها يقول لهم إن لديه سفر للخارج ويسافر، ولديه عمل في الخارج ويسافر، و لكنهم علموا بعد ذلك أنه على علاقة غرامية بامرأة، وكان يسافر من أجل ذالك، وحدثت مشكلة كبيرة، وكان عمر الفتاة آنذاك تسع سنوات، وكان قد أغلق على الموضوع وستر عليه. ودارت الأيام وتزوجت الفتاة، وكان زوجها على خلق، والحياة سعيدة بدون أي شئ، ولكن إذا بزوجها يطلبون منه في عمله أن يسافر للخارج، ولكنها رفضت وثارت عندها الفكرة القديمة عن أبيها لأنها محفورة في ذاكرتها، وكان لا يستطيع أن يأخذها معه في السفر وتصاعد الأمر لطلب الطلاق.
ابنك وبنتك في بداية فترة المراهقة يريدون الشعور بالانتماء، ويقول علماء النفس إن الأبناء في بداية فترة المراهقة يريدون أن ينتموا إلى جماعة، أي مجموعة، وهو يريدك أنت، ولكنه لا يجدك، الخامة التي ذكرناها ستكون مثل اللوحة، كل شخص ينقش عليها شيئاً، فتصبح خامة مهلهلة، تخيل، هذا ينقش عليها بالأسود، والآخر باللون كذا، والكل يعبث لأنك غائب عنه، ولكن إذا رآك مثلاً أعلى وإذا أخطأت هل تداري على خطئك؟..
يقول عبد الله ابن عامر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا في البيت، فبينما نحن جالسون مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا كنت طفلاً آنذاك، قالت أمي: "ها...تعال لأعطيك"، فترك النبي الصحابة والتفت للأم، قال: "ما معكِ لتعطيه؟"، قالت: "يا رسول الله معي تمر"، قال " أما أنك لو لم يكن معكي شئ تعطيه له لكتبت عليكِ كذبة"، وهذا المعنى كبير، لأنك تضع في قاموس ابنك أول معنى لمعنى الكذب، و أنت تكذب مراراً وتكراراً في اليوم، وهناك مثل سوري يقول (عد المائة، قبل أن تكذب أمام الناس ولكن عد المليون قبل أن تكذب أمام ابنك، لكن عد المليار قبل أن تكذب أمام الله). وإذا كنت تأكل المال من طرق غير شرعية، وتقول أني جائع، أن تكون جائعاً أهون مائة مرة من أن تسقط من عين أولادك.
عندما فتحت كنوز كسرى وقيصر، وجاءت للمسلمين أشياء عظيمة من الكنوز، لدرجة أن الصحابة عندما فتحوا كنوز كسرى وقيصر وجدوها مرصعة بفصوصها غير منقوصة، وكانوا ينقلون الكنوز للمدينة، وعندما رأى سيدنا عمر بن الخطاب الكنوز ومن بينها تاج كسرى وإيوانه مرصعاً غير منقوص نظر إليها وهي في المسجد وابتسم وقال: "إن القوم الذين أدوا إلي هذه لأمناء"، ثم عقب عليه سيدنا علي بن أبي طالب فقال له: "عففت فعفوا...ولو رتعت لرتعوا"، هذه المقولة نحن نأخذها دائماً ونلقيها على الحكام، هل ممكن الآن نقولها على أهلينا، هل من الممكن أن نقولها لآبائنا، هل من الممكن ان أقولها لك "عففت فعفوا...ولو رتعت لرتعوا"، لو علم أنك خائن سيخونون، لو علم أنك سارق سيسرقون.


ثانياً: الأب المتفقد لأولاده:
نحن لدينا في قرآننا مبدأ جميل وهو التفقد كما في قوله تعالى: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ...)(النمل:20)، وهذه الآية عن سيدنا سليمان يتفقد بها طائر ضعيف، أي هو يتفقد الطير وأنت لا تتفقد ابنك، نعم إنه أساساً دور الأم، ولكنها لا تستطيع أن تتفقد كل الزوايا، لأن هناك زوايا في فترات المراهقة لا يستطيع أن يراها إلا الأب، وليس للولد فقط، ولكن للفتاة أيضاً، عندما تتزوج الفتاة زواجاً عرفياً، أو يتعاطى الابن مخدرات، أين تفقد أبيهم هنا، الأب الذي بعينه يفهم ابنه، ويفهم ابنته، والمتفقد لصحتهم وبالتالي سيعلم إذا كانت مخدرات أم لا، الأب المتفقد للناحية العلمية، والمتفقد للناحية الإيمانية...يقول ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيت خالتي ميمونة زوجة النبي عليه الصلاة والسلام، وأنا أبيت عندها، فيسألها "أصلى الغلام؟"، وسيدنا إبراهيم عندما وصى سيدنا يعقوب كما في قوله تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (البقرة:132)،قال تعالى(أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ...)(البقرة:133)، وليس معنى الأب المتفقد، أنك تسير مراقب لكل حركات وسكنات أولادك ولا تجعل الفتاة تشعر بخصوصيتها، وهي كفتاة لابد أن تشعر بخصوصيتها، ولكن نريد الأب المتفقد بذكاء ولطف، "أدبي وأرفقي"، ولابد أن يتفقد الأب لمن يأتي ليتزوج ابنته، لكي يطمئن عليها حتى لو جاءت على حساب تأخير هذا الزواج. والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
نقلا عن قناة الرسالة

ريم بدر الدين 08-13-2010 01:00 PM

الحلقة الرابعة
 
الحلقة التاسعة : الأب الصديق
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج الجنة في بيوتنا وقاعدة جديدة. فى البداية، أقول لكم إن أي مجتمع، وأي بلد، وأي شعب في الدنيا لديه مجموعة من القيم أي تلك التي يقف ويتحرك بها وينهض بها. تشبه هذه المنظومة ملامح الوجه فإذا أردت أن تعرف أمة من الأمم أو شعبا من الشعوب، أو بلدًا من البلاد كي تعرف مدى عراقة تلك الأمة وقدرتها على إحداث نهضة من عدمه، فانظر إلى ملامحها حيث إن القيم الأساسية للمجتمع تشبه ملامح الإنسان. تخيلوا معي لو استيقظ أحد ونظر في المرآة فلم يجد ملامحَ لوجهه وبذلك يكون مسخًا، وبهذا فإن قيمنا المغروسة فينا من آلاف السنين من ديننا وثقافتنا هي ملامحنا. والغرض من هذا الحديث ذكر مصادر قيمنا سواء كان من المدرسة، الجامعة، المسجد، الإعلام، الأسرة، ولكن للأسف نجد خللا في كل هذه المصادر فلم يتبقى لنا غير الأسرة فإذا لم يقم الأب والأم بإعطاء هذه القيم لأولادهما سوف يأتي يوم بعد عشرين سنة، وربما يحدث ذلك الآن، ويستيقظ أولادنا وينظروا في المرآة باحثين عن ملامحهم ليشعروا أنهم بلا شكل. لقد تناولنا في هذا البرنامج العديد من القواعد لعودة قيم المجتمع ومحاولة إحيائها ولمّ شمل الأسرة من جديد. هيا بنا نسترجع سويا القواعد التي سبق ذكرها: 1. اعبدوا الله سويًّا.2. استشعر قيمة الأسرة.3. تعامل برحمة.4. ارسم حلما جميلا لأسرتك.5. تذكر نعمة الأسرة كي تظل محافظا عليها.6. جوهرية دور الأب.7. الأب القدوة.هيا بنا نعبد الله في هذا العام بعودة تلك القيم وإحيائها، وننتقل في منازل العبودية إلي الله ومنزلة عبودية هذا العام تكون بـ (إحياء الأسرة)، ولقد كانت منزلة عبودية رمضان قبل الماضي (حب رسول الله) في برنامج "على خطى الحبيب"، ومنزلة عبودية رمضان الماضي (أسماء الله الحسنى)، ومنذ ثلاث أو أربع سنوات هي (الصلاة والقيام لن يسبقني إلي الله أحد)، وفي هذا العام سوف نعبد الله بمنزلة عبودية جديدة حتى لا تصاب النفس بالملل أبدا تحت مظلة الأسرة، فنعبد الله سويا وسوف يؤلّف الله بين قلوبنا "وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِم وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ْ ....." (الأنفال63). تتحدث هذه الآية عن المؤمنين عامة فهيا ننظر إليها على إنها للأسرة بأننا سوف نعبد الله في رمضان هذا العام. أدعوك أن تؤلف شمل الأسرة.وسوف نتناول اليوم قاعدة جديدة وهي الأب الصديق، فهذا أفضل شيء وأحلى لذة في الدنيا، وهى تبدأ من خمس سنوات إلى عشرين، وخمسة وعشرين، وثلاثين، وأربعين، وخمس وأربعين. مازالت أذكر إلى اليوم أن أبى كان يصحبني لمشاهدة مباريات كرة القدم وكانت تؤدى لعلاقة حميمة جدا بيني وبين أبى لدرجة إنني أكرر ما فعله أبى معي في الماضي مع ابني الآن.تحكى فتاة أنه عندما كانت تفقد أتوبيس المدرسة كان والدها يوصلها للمدرسة في حوالي ساعة ونصف الساعة وكانوا يتحدثوا طيلة هذه المدة، وتقول إنها كانت تتعمد أن تفقد أتوبيس المدرسة لأن أحلى لحظات هي التي تتحدث فيها مع والدها.هناك مثل مصري يقول: "إن كبر ابنك خاويه". (يعنى كونوا أصحاب)، أحلى وأغلى شيء أن تخرج أنت وابنك وتسافرا مع بعضكما، أو تخرج مع ابنتك وتفطرا سويا. كيف تصبح الأب الصديق؟1. الأب الصديق يشارك ابنه اهتماماته في الصغر فيظل ابنه شريكه وصديقه في الكبر:مثال: يحكى شاب: عندما كان عمري عشر سنوات بدأت أفلام الكاراتيه وجاكى شان وبروسلي وكنت أحب جدا هذه النوعية من الأفلام، وذات مرة، كنت خارجا مع أبي وهو لا يحب السينما فقلت له: يا أبي، أريد أن أطلب منك طلبا، فرد أبى قائلا: ما تريده اليوم مجاب. فقلت له: أريد أن أدخل فيلما لبروسلي، وذهبنا إلي السينما وأخذت أخبره بالأحداث قبل حدوثها، فسألني: هل شاهدت الفيلم قبل ذلك؟ فقلت: إنني شاهدته مع عمتي وخالتي ولكنني كنت أريد أن أدخله معك. وبعد انتهاء الفيلم احتضنت أبي وقلت له: شكرا يا أبي. بعدها بأسبوعين، جاء أبي وقال لي: هل تريد الذهاب للسينما؟ وتكرر ذلك حوالي خمس أو ست مرات وأنا عمري عشر سنوات. وعندما أصبح عمري ثمانية عشر عاما كنت أذهب إلى السينما مع أصدقائي، وكان ثمة فيلم ناجح جدا شاهدته حوالي مرتين مع أصحابي، و ذات مرة كنت عائدا إلي البيت ووجدت أبي جالسا مع أمي فتذكرت الأيام الحلوة فقلت له: أبي هناك فيلم جميل في السوق منذ فترة لم لا نذهب إلى السينما؟ فتردد، ولمعت عيناه، ولم يصدق وقال: موافق. وذهبنا أنا وأبي فلقد علمني هذا وأنا صغير، وكان أحلى يوما وتذكرت كل الذكريات الحلوة ووجدت أن فرحتي وأنا مع أبى مثل فرحتي وأنا مع أصحابي وربما أكثر، ووجدت أبى يقول: هل نحن أصحاب؟ فقلت له إننا أكثر من الأصحاب أنت أبي وصديقي. 2. الأب الصديق الذي يشعر باحتياجات أولاده ويفهمهم بعينيه:*مثال: حما موسى عليه السلام، فقد جاءت ابنته إليه قائلة: "... اسْتَأْجِرْه...ُ "(القصص26)، فعندما سقى لهما الماء ورأت قوته وأمانته "... ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ... "(القصص24)، فذهبت إلي والدها قائلة:"....يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين..."(القصص26)، وفهم والدها إعجابها بموسى- وهذا ليس عيبا- فذهب الأب إلي موسى وقال: "قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ...."(القصص27)، قصد طبعا الأب ابنته التي تكلمت عن موسى، إننا في مجتمعنا الآن نريد هذا الأب، الذي يفهم ابنته التي تلمح بأدب واستحياء ويفهمها جيدا. بالمناسبة، لم يزوج حما موسى إلا بعد جلوسه معه وتأكد من صدقه وأخلاقه "... وَ قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ... "(القصص25)، وكان مهر ابنته "... عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ ...."(القصص27)، على عكس ما يحدث الآن من تعقيدات قبل الزواج مثل كتابة القائمة التي تؤدى لفشل زيجات عديدة قبل إتمامها، فلا داعي لها إن تزوجت من شخص أمين، لكن نرى موسى بعد زواجه "...فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَل..."(القصص 29)، أي وفَّى بعهده مع حماه وذلك لأنه شخص أمين وربته أمه تربية جيدة. 3. الأب الصديق يبحث عن الأنشطة المثيرة التي تجمع أولاده:مثال: أعرف أبًا لديه ابن يحب كرة القدم فبحث عن موعد مباراة هامة، وحجز تذاكر له وولديه وسافروا جميعا، ولم يفكر أن يسافر مع أصحابه ويقول إنها كانت أفضل ثلاثة أيام في حياته، وقال وإنه وهو عائد وجد أولاده يحكون معهم عن مشاكلهم.مثال: النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأبناء العباس مادًّا يده: من يسبق من أبناء العباس إلي رسول الله؟ ويجري الأولاد والنبي صلى الله عليه وسلم فاتحا ذراعيه ومن يصل أولا فقد فاز ثم يحتضنهم جميعا.مثال: النبي صلى الله عليه وسلم يجمع الأولاد لرمى النبال ويقول: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا، وجعلهم فريقين فريق يرمى وفريق يصد، بينما انضم صلى الله عليه وسلم للفريق الثاني، فقال لهم: ارموا، فلم يرموا. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ما لكم لا ترمون؟ فردوا: كيف نرمى وأنت معهم يا رسول الله، قال: ارموا وأنا معكم جميعا.مثال: كان سيدنا "رافع بن خزيج" ذاهبا إلى معركة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فيأتي "سمرة بن جندل" وكان- وكان عمره 13 أو 14 سنة، ويقول له: أخذت رافع بن خزيج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فماذا تجيد أنت؟ فقال يا رسول الله لو تركتني على رافع أصارعه لصرعته، فقال النبي: قم فصارعه، يقول فقمت فصرعته فأجازني النبي.4. الأب الصديق الذي يعرف متى يمسك يد ابنه ومتى يتركها؟يعرف متى يترك فرصة راحة لابنه ومساحة حرية. 5. الأب الصديق لا يخجل أن يعلم ابنه من أخطائه:فهو يحكى الأخطاء ولا يحكى المعاصيمثال: قصة "كعب بن مالك" الذي كان واحدا من الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يخاصموهم لمدة خمسين يوما ونزل القرآن يحكى قصتهم لكن تفاصيل القصة ومشاعرهم حكاها كعب بن مالك لولده عبد الله بن كعب بن مالك القصة مكتوبة في صفحتين ونصف الصفحة في كل كتب السيرة، ولقد رواها عبد الله بن كعب بن مالك.هذه الطريقة تجعل ابنك صديقك، لأنك واقعي ومنطقي. يفرض الأب الصديق سيطرته بالحب وليس بالخوف حيث إن الأب الصديق أكثر تأثيرا من الأب المرعب.مثال: يوجد فتاة كانت هي ووالدها أصدقاء وكان يقول لها احكي لي أي شئ ولا تخجلي. وعندما أصبحت 16 سنة لم تحكِ وصاحبت ولد من غير علم أبيها وأمها، ورآها أخوها في الشارع، فأخذت تجرى كي تختبئ في بيت خالتها، ورجع أخوها البيت واخبر أبيها، تقول البنت أنا كنت أبكى بكاءً رهيبا، وأتذكر أبى وهو يقول لي لا تداري شيئا فأننا أصحا.، تقول شعرت أنني خنته فلم أخف من الضرب أو من أخي لكن من خيبة أمل أبى، وتستكمل حديثها: إن أخوها أتى لبيت خالتها وكان ثائرا ومعه والدتها وهى تبكى، ودخل أبى ولم يلقِ السلام على خالتي وعندما رأيته بكيت بحرا من الدموع، وتقسم أنها لم تكن خائفة من الضرب قائلة: "ما أوجعني إنني وضعته في هذا الموقف، ولا أستطيع أن أتحدث وكنت منتظرة أن يضربني على وجهي لكني فوجئت به يحتضنني، ويقول لي في أذني أنا بحبك وزعلان جدا، فتقول أوجعني أكثر من الضرب، ثم قال للجميع اتركونا وحدنا وخرجنا سويا وقال لي كلاما كأنه صديقي حيث قال: يا بنيتي، يقولون الشباب على البنات هذه للزواج وهذه للعب، فماذا تريدين أن تكوني للزواج أم للعب؟ فتقول: شعرت إنه يفهمني، وأنني محترمة فرددت عليه: للزواج، فقال: يا بنيتي، اصبري والله سيزوجك، وأنا سأساعدك وسنرجع أصحاب، فتقول: والله لم أصاحب ولد منذ هذا اليوم حتى تزوجت. 6. الأب الصديق يجعل مرافقة ابنه له أساسية في كل حياته:كي يكون ولدك نابغة اجعله يرافقك في كل مواعيدك؛ خذه للمسجد، وللعمل إن أمكن.مثال: كان والد "جابر بن عبد الله" -"عبد الله بن حرام"- ذاهبا إلي بيعة العقبة، وهى موضوع خطير وقريش متربصة، يقول فصحبني أبى وكان عمره 12 سنة، فقالوا له ألم تخف عليه؟ فقال والده عبد الله بن حرام: لا أفوت على ابني مثل هذا الأمر. 7. الأب الصديق يقيم علاقة خاصة مع أولاده:أي الصداقة والأسرار الخاصة. يقوي هذا الموضوع العلاقة بين الابن وأبيه.مثال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم وفاته لفاطمة: ادنو مني يا فاطمة – وجميع زوجاته جالسات- وتقترب منه فيقول لها كلمة في أذنها فتبكى السيدة فاطمة، وعندما يراها تبكي قال لها: ادنو مني يا فاطمة، فيقول لها كلمة في أذنها فتضحك، فتسألها السيدة عائشة: ماذا قال لك؟ فترد: ما كنت لأفشى سر أبي. انظروا معنا كيف فعلها النبي صلى الله عليه وسلم لدرجة أن السيدة عائشة أثيرت بالموضوع، فبعد موته صلى الله عليه وسلم سألتها السيدة عائشة: ماذا قال لك؟ قالت: قال لي في الأولى إني ميت الليلة، وفي الثانية قال أنتِ أول أهلي لحاقا بي فضحكت.(ضحكت مرحبا بالموت لحاقا بأبي ورسول الله).مثال: ونرى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متزوج تسع سيدات ولذا يراعي ابنته قائلا: إن فاطمة بضع مني يؤذيها ما يؤذيني، ويؤذيني ما يؤذيها. أيضا يقول لها: يقول لفاطمة: أتحبين ما يحب أباك؟ قالت: نعم، قال: فأحبي عائشة.ولا تظن أن الأب الصديق أبًا يدلل أبناءه لكنه أبًا حازما، فنجده صلى الله عليه وسلم يقول: "والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يد فاطمة".فالأب الصديق هو: أب حازم، عادل، حنون، صديق، متوازن. مطلوب من الآباء: الأب المتفقد، الأب القدوة، الأب الصديق.

ريم بدر الدين 08-13-2010 01:03 PM

الحلقة الرابعة
 
الحلقة العاشرة : الأمهات 1
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. نعلم أن رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار. هذه الحلقة هى في أواخر أيام الرحمة، ويشعر الفرد منا أن في هذه الأيام تتنزل رحمات خاصة من الله سبحانه فهي عن الأم، ليست عن واجبات الأم بل حلقة اليوم توضح كيف أن الأم غالية. أنا شخصيا ستكون ذاكرتى مع أمي طوال مدة هذه الحلقة وأطلب من كل مستمع أن يعيش بذاكرته مع أمه. هذه الحلقة ليست حلقة طلبات وليست على نهج: "لو سمحتم يا جماعة نريد أن نفعل النقاط التالية: واحد، اثنان، ثلاثة، وأربعة" أو أن نقول: "يا أمهات يجب أن نفعل كذا وكذا"، لابد وأننا سنتطرق لمثل هذه الأمور في حلقة اليوم ولكن أصل حلقة اليوم هو: "أنتِ غالية، أنتِ عظيمة، أنتِ أصبحت حبيبة إلى الله وأصبحتِ تتمتعين بمقام عالٍ عند الله منذ اكتسبت لقب: "أم". من الممكن تسمية هذه الحلقة: "شهادة تقدير" ولكنها كلمة قليلة لا تفي بالغرض فممكن تسميتها: "اعتراف بالحق" أو "أحبك يا أمي". ذكرت في أوائل الحلقات أن هناك مشاكل شديدة مستعصية في حياتنا فكل منا لديه مشكلة أسرية، وكنا نظن أن هذا البرنامج جاء ليحل هذه المشاكل ولكن هذا ليس دور البرنامج لأن الغرض منه هو أن نتفق على المبادىء السهلة والبسيطة، ولكن أيضا المهمة والأساسية والعميقة التى نتحرك بها كي نحل مشاكلنا؛ فهذا البرنامج يدعونا إلى أن نتفق على هذه المبادئ، ومبدأ اليوم هو: "أمك غالية". إذا استوعبت هذا المبدأ ستكون كلمة "أمي" السبب في حل مشكلة بين أخوين وتصبح كلمة أمي أيضا السبب في حل مشكلة بين زوجين وهذه هو هدف حلقة اليوم.أغلى وأعظم لقب في الدنيا:هيا بنا نصف ونتخيل حنان أمي وأمك، لو سألتك ما هو أعظم وأقوى لقب أُعطى لأحد في التاريخ بعد الأنبياء: هل هو لقب جنرال مثلاً؟ أم لقب قائد أو زعيم؟ أم لقب جد أو أب أو طبيب أو حمى أو ابن أم لقب أم؟ ضع كل هذه الألقاب بل وكل ألقاب الدنيا ولقب أم وفكر ما هو أغلى لقب في حياة البشر، وفكر ما هو أغلى لقب من بين هذه الألقاب عند الله سبحانه وتعالى بعد الأنبياء؟ انظر ما هو اللقب الذي تواجد عبر التاريخ، هل هو لقب دكتور مثلا أو مهندس؟ هناك اسم من أسماء الله الحسنى والذي بدونه نهلك ونضيع وتنتهى حياتنا نهاية سيئة في الدنيا وفي الآخرة ولا توجد سورة من سور القرآن إلا وبُدأت به وهو اسم "الرحمن الرحيم"، ولكي يُشعرك الله سبحانه وتعالى بمعنى هذا الاسم جسَّده لك في الدنيا بالأم. عندما خلق الله سبحانه وتعالى الرحمة خلقها كمائة جزء، وأنزل منها جزءا واحدا فقط وادخر عنده إلى يوم القيامة تسعة وتسعين جزءا، فإذا ضم الله يوم القيامة هذه الرحمة الواحدة إلى التسع والتسعين جزءا ثم بسطها على خلقه، هل تخيلت من قبل ما هى هذه التسعة والتسعين رحمة؟ أو ما هى هذه الرحمة الواحدة في الدنيا؟ إذا أردت تخيل هذه الرحمات؛ فانظر إلى نموذج الرحمة الذي جسَّده الله لك في الدنيا حتى تتعرف على رحمته عز وجل. يقول لك النبي صلى الله عليه وسلم هذا عندما رأى أمًّا تسير تحت الشمس الحارقة وهى تحمل رضيعها وتحميه من الشمس، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "أترون بهذه الأم تلقي بولدها إلى النار؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: الله أرحم بكم من هذه الأم بولدها" وكأن النبى صلى الله عليه وسلم يقول لك إن نموذج تجسيد الرحمة في الدنيا هو أمك. إذا أردت أن تتعلم الرحمة انظر إلى أمك، إذا أردت أن تتخيل التسع وتسعين رحمة انظر إلى أفعال أمك منذ أن وُلدتَ فهذا قد يُقرب إلى ذهنك شيئا فشيئا كيف هى رحمة الله بعباده واسعة. وهنا أريد أن أشير إلى نقطة مهمة جدًّا ألا وهى أنكِ منذ أن أصبحتِ أمًّا أصبحت دالة على رحمة الله سبحانه وتعالى وهذا هو سبب استجابة دعائك، فليس هناك من يستطيع أن يدعوا الله لابنك، وتُفتح أبواب السماء للدعاء مثلك أنتِ بلسانك ويديك أنتِ لأنك تجسيدٌ لرحمة الله سبحانه وتعالى في الأرض، ونموذج من المائة جزء الذي أنزله الله سبحانه وتعالى إلى الأرض. منذ اليوم الذي حملت فيه وأنجبت واكتسبت كلمة "أم" أصبحت غالية على الله سبحانه وتعالى وأصبحت نموذجا يعرض رحمة الله سبحانه وتعالى في الأرض. هل تريد أن تتخيل كم هى واسعة رحمة الله سبحانه وتعالى؟ اذهب وامسك يد أمك لأنك وأنت تمسك بيدها ستتنزل رحمة على قلبك، وهناك شيء ما سيحدث وستسرى كهرباء في عقلك، ووجدانك، وقلبك، وعاطفتك تشير إلى أن هناك رحمات من الله عز وجل تتنزل عليك. خلق الله سبحانه وتعالى الكثير من المخلوقات التى بها يمكنك التعرف على رحمته مثل الشمس، والهواء، والماء فكل هذه الأشياء من رحمات ربنا ولكنها رحمات صامتة على الرغم من ظهورها، ولكنه خلق لك رحمة تسير معك ليلاً ونهارا وبها تتعرف على رحمته بشكل متكلم لا صامت هذه هي: أمُك. إعداد الله سبحانه للبنت أن تكون أمًّا:يجهز الله سبحانه وتعالى الأم كى تكون أما ولكي تقوم بمهام يستعجب الرجال من قدرة الأمهات على القيام بها؛ فهذا الحنان الذي وضعه الله سبحانه وتعالى في الأم يتجسد في أعمال لا يُتصور أن يستطيع أحد القيام بها. من يتصور أن يتواجد شيء في بطني يأخذ من لحمي ودمي وأملاحي ويتغذى على جسدي وأقبل بهذا؟ من أين جاءت هذه الرحمة التى جعلتنى أوافق أن يُؤخذ كل هذا من جسدي وأنا راضية وفرحة؟ ألم أقل لكِ أنكِ نموذج الرحمة؟ ولذلك يقول النبى صلى الله عليه وسلم: "عند أول طلقة يغفر لها"، هل تتخيل امرأة جاءت بذنوب كثيرة ولكنها الآن تلد ففي اللحظات الأولى من الولادة تُغفر لها ذنوبها؟ وانظر إلى تقدير الرسول صلى الله عليه وسلم للأم فهو يحكى أنه يدخل إلى الصلاة في المسجد وينوى أن يطيل فيها فيسمع بكاء الصبي فيُسرع في صلاته رحمة بها مِن وَجدْ قلبها عليه. يشعرك هذا بأن في ديننا تقدير عظيم لمشاعر الأم وكيف هي غالية وكيف أن إحساس الأم غال. هل تعرفون قصة سيدنا سليمان عندما وجد امرأتين تتشاجران على طفل رضيع وتتدعى كل منهما أنها أم الطفل؟ ذلك بعد أن أكل الذئب طفل إحداهما فذهبتا إلى سيدنا داود عليه السلام تتحاكمان له، فحكم للكبيرة بالطفل وبينما هما هكذا مر بهما سيدنا سليمان فسألهما عن أمرهما، فحكيتا له ما حدث، فقال لهما إنه ليست ثمة مشكلة، وأن الأمر بسيط وأن عليهما أن يقطعا الطفل بالسكين إلى نصفين وتأخذ كلتاهما نصف الطفل، وأمر بإحضار السكين بسرعة فقالت إحداهما بسرعة: "يرحمك الله ارحمنى هو ابنها"، فقال لها: "يرحمك الله هو ابنك"، لقد علم سيدنا سليمان أن من تملك هذه العاطفة هى الأم، أى أنه عرف الحقيقة بالكشف عن عاطفة الأمومة وحكم بالطفل للصغرى وليس للكبرى وقد نزل هذا في القرآن حيث يقول تعالى: "فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ..." (الأنبياء: 79). أجر الأم عند الله سبحانه:الأم غاليةٌ عند الله، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن أجرها لتربيتها أولادها أن لها أجر الصائم القائم، أي أن حمل الطفل وتغيير ملابسه والبكاء والرضاعة ليلاً ونهارا ووصل الليل بالنهار استيقاظا مع الطفل، ففي كل لقطةٍ من هذه اللقطات يكون للأم أجر الصائم القائم، أي أنك صائمة طوال النهار، وقائمة طوال الليل، ولنا أن نتخيل هذا الحال في عدد السنين، وعدد الأطفال، هل هم اثنان أم ثلاثة أم أكثر؟ ثم نوجد حاصل ضرب عدد الأطفال في عدد سنوات التربية لنعلم كم من الأيام قد صامت هذه الأم ولم تفطر؟ وكم من الليالي قامت هذه الأم ولم تنم؟ إذا كانت الأم بتربيتها ورعايتها لطفلها تسبق أجر الصائم القائم فليجتهد العباد ما شاءوا وما استطاعوا، فمن ذا الذي يستطيع أن يصوم ولا يفطر، ويقوم ولا ينام لاثنين أو ثلاث من الأعوام المتصلة.تُسجل الكتب السماوية قيمة الأمومة، حيث يقول القرآن: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ ..." (القصص: 7) انظر إلى مشهد الرضاعة، بل لماذا ذكر هذا المشهد من الأصل؟ أليس الهدف من الآية أن تأمر أم موسى بإلقاء ابنها إلى اليم إن هى خافت عليه؟ هل أمر الرضاعة زيادة؟ لا بل إن لقطة الرضاعة ومشهد الأم وهى تُرضع طفلها يجب أن يُكتب في الكتب السماوية وأن يذكره القرآن. هل ترين مدى عظم قيمة الأم عند الله؟ ولماذا كل هذا؟ لأنكِ تجسدين رحمة الله سبحانه وتعالى، أي أن البشر يتعرفون على جزء الرحمة المنزل من الله عز وجل إلى الأرض بكِ، ويُتخيل بكِ التسعة وتسعين جزءا من رحمة الله عز وجل التى لم نرها بعد. الأم معمل الحياة:أريد أن أقول فكرة جديدة وهى في الأصل ليست فكرتي ولكنها فكرة أحد الأشخاص قالها لى وأنا أقولها لكم وبينما نحن في هذه الحلقة: حلقة تكريم الأم ومعنا قاعدة اليوم وهى "أنت غالية يا أمي" فأنا أهدي إلى كل أم هذه الفكرة الجديدة وهى تقول: "يا أم أنتِ معمل الحياة". ما معنى هذا الكلام؟ خلق الله سبحانه وتعالى آدم وحواء بيديه عز وجل كما تدل الآية على ذلك: "قَالَ يَا إِبْلِيسَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ..." (ص:75)، ثم أوكل الله سبحانه وتعالى إلى الأسرة استمرار تناسل الخلق، وأوكل الجانب الأكبر من هذه العملية إلى الأم بالتحديد في الأسرة لأن دور الأب يقتصر على وضع الحيوانات المنوية في رحم الأم فقط، وتكتمل بقية العملية عند الأم ولذلك فأنتِ معمل الحياة، وأنتِ من تتحمل مهمة استمرار الخلق، هل تتخيلين ما هو عظم المهمة التى حَملَها الله لك؟ هل تتخيلين ما هى قيمتك؟ استمرار الأرض مرتبط بكِ يا أمي. نكرر أن قاعدة اليوم هى: "أنتِ غالية يا أمي" فيا شباب قولوها لأمكم، وأنا أقولها لأمي، ويا أمهات قلنها لبعضكن. هل علمتِ الآن لماذا تتجدد دماؤك كل شهر؟ ولماذا هناك بويضة جديدة وهرمونات وآلام؟ لأنك أنتِ معمل الحياة وبهذا المعنى تصبح فكرة الحيض فكرة لا خجل فيها؛ لأنها جزء من معمل الحياة، وبالتالي فإن الحيض ليس بنجاسة، وبالتالي لا ينظر إلى حيض المرأة كسيئة فيهاـ، فعندما ذهب الرسول صلى الله عايه وسلم إلى المدينة وجد اليهود يقولون إنه إذا لمست المرأة الحائض شيئا يُنجَّس، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن في حجر السيدة عائشة وهى حائض حتى يرسل معنى، وإذا رأها تشرب من إناء وهى حائض يرى أين موضع شفتاها ويشرب منه ليغير مفهوما، وفي مرة أخرى طلب من السيدة أم سلمة أن تحضر له شيئا فقالت له: "إنى حائض" فقال لها: "وهل الحيض في يديك؟" فمن يقول بعد ذلك أن الإسلام اضطهد المرأة؟ والمعنى الآن أنكِ أنتِ معمل الحياة، وتحملين مهمة الحياة، والحيض جزء من هذا وبالتالى "ناقصات دين" لا يمكن أن يكون المقصود منها هذا بل المقصود منها هو نقص في العدد لأنك لا تصلين ولا تصومين لعدد من الأيام فهذا النقص ليس نقصا سلبيا أو معيبا. ولماذا إذن لا تصلين؟ لأن الله سبحانه وتعالى كلفك بمهمة كونية وهى استمرار الحياة فحمل عنك مهمة شرعية عبادية بقدرها وهى الصوم والصلاة ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى عادل فلو أنه سبحانه كلفك بشيء ثقيل يجب أن يحمل عنك شيئا آخر حتى تتساوين مع الرجل في الأعباء ولا تتحملين أكثر منه، وبالتالي لا تقولي لماذا أعطى الله للرجال أكثر منا،؟ لأنه في حقيقة الأمر، قد أعطاك أكثر من الرجل. هذه الفكرة فكرة جديدة ولكنها تُحدث انقلابا وثورة في المفهوم الذي يقول إن الرجال فضلوا على النساء، فأنتِ معمل الحياة والنقص في الصلاة سببه أن هناك ما هو أكبر حَمَلَهُ الله لك، وأصبح الحيض جزءا من المهمة الكبيرة. الله، الله على هذا المعنى وياليته ينتشر بيننا حتى لا يتجرأ أحد ويقول إن الإسلام اضطهد المرأة. لذلك يا بنات، أنتِ ولدت أمًّا فلا تخجلي أبدا من هذا. لعب الغرب بعقولنا عندما روج لنا الحرية والانطلاق وأن الأمومة موضة قديمة، وأن الأم تصبح كقطعة الأثاث البالية في البيت وللأسف صدقت الفتيات الدعاية فكان أن عانى الغرب الآن من جرم دعايتهم؛ لأن النساء في الغرب لا يردن أن ينجبن الآن، ولا يردن أن يصبحن أمهات فبدأ الغرب ينقرض، وصدر كتاب اسمه "موت الغرب" والفكرة التى يروجونها لنا هى نفسها التي يعاني الغرب منها، وأصبح الآن يتسارع في نشر صور الممثلات والمشاهير من النساء وهن حوامل ليقولوا لهن أنهن قد أخطأن في الماضي وعليهن العودة مرة أخرى أمهات. يا بناتنا، قد ولدتكن أمهات وهذا يجب أن يكون مدعاة فخر لكن، إياكن أن تفسدن هذه النعمة والجوهرة التى أعطاكن الله إياها. كيف يمكن أن تفسدنها؟ يكون هذا بمصادقة الأولاد في الحرام، والزواج العرفي، وبالعلاقات الحرام وبهذا تفسدين ما يجعلك أما. يا أمهات علمن بناتكن حقيقة الأمومة، قولي لابنتك: "أنت غالية جدا، أنتِ تقومين بأعظم مهمة في الدنيا، الغرب الذي ضحك عليك يغير كلامه الآن". يا بنات هل تفهمن هذا المعنى؟ هذا المعنى غال جدا في هذه الحلقة وأرجوكم لا تتجاهلنه وأرجوكن نفذنه. وأنتن يا بنات يا مخطوبات أو يا من يتهيأن للزواج، أو يا من كتب كتابهن إياكن أن تتنازلن عن فرحتكن بالأم أو أن تقولن: لا أريد أن أنجب أو لا أريد أن أرضع لأن الرضاعة موضة قديمة، واعلمن أن مشهد الرضاعة ذُكر في الكتب السماوية والقرآن يقول: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ..." (القصص: 7). فاعلمي أنكِ أم وأن هذا أحلى ما فيكِ وأن هذا تكريمك وإذا كان قد رُفع عنكِ الصوم والصلاة فهذا ليس لأنك قليلة بل؛ لأنك تحملين مهمة أخرى عظيمة وهى مهمة كونية فأنت معمل الحياة. من العجيب أن المرأة ولدت بعاطفة الأم أى أن البنت تولد أما، وكأن مهمة الأمومة تحتاج إلى تعبئة تبدأ من سن مبكرة منذ أن كانت في العامين الأولين أو الثلاثة أعوام الأولى من عمرها حتى تصل هذه التعبئة إلى ذروتها في أثناء فترة الحمل، ويفسر أطباء النفس اهتمام الفتيات الصغيرات بالعروسة اللعبة وباللعب معها وتغيير ملابسها، وتعليمها أن تقول: بابا وماما: بأن هذا احتياج فطري عند البنت فهذه هى الرحمة في الأم تُعبأ وتُجهز منذ أن كان عمرها عامين حتى تستخدمها بعد عشرة أو عشرين أو ثلاثين عاما. ظهرت تقليعة في الستينيات من القرن الماضى وهى أنه ليس هناك فرق بين النساء والرجال، وأن التفرقة بين الرجال والنساء يمكن أن تتغير وتساءلوا لماذا يقع عبأ التربية في البيوت على النساء بينما يعمل الرجال في الخارج؟ ولماذا لا يحدث العكس؟ ونشطت جمعيات حقوق النساء في المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة حتى إنهم ضغطوا على صناع لعب الأطفال وطلبوا منهم عدم تصنيع لعب أولاد ولعب بنات، والتفرقة في اللعب بينهم، لأنها السبب في التفرقة بينهم فيما بعد ولكن كانت النتيجة أن خسرت الشركات أموال طائلة؛ لأن الأطفال الصغار مازالوا يريدون لعبا للأولاد ولعبا للبنات حتى اكتشف الطب الحديث أن تصرفات الجنين الأنثى في بطن الأم مختلفة عن تصرفات الجنين الذكر وهو في بطن أمه فلا يقتصر الفرق بين الجنسين في الأعضاء التناسلية بل يمتد إلى السلوك والاحتياجات أيضا. وكانت نتيجة هذا الاكتشاف أن اعتذر الغرب لشعوبهم على ما كانوا يروجون له في الثلاثين عاما الماضية، وذلك لأن الطب الحديث وجد اختلافا بين الذكر والأنثى وأن احتياجات الجنين الأنثى للأمومة مختلف عن احتياجات الجنين الذكر، فأنتِ أم منذ ولادتك وهذا هو شعور فطرى في البنت. لماذا أودع الله كل هذا الحنان في الأم؟وقد يسأل بعض الناس الآن: لماذا أودع الله سبحانه وتعالى كل هذا الحنان في الأم؟ أودع الله سبحانه وتعالى كل هذا الحنان في الأم لأن بدون ذلك الحنان سنضيع، ولتفهم هذا تخيل أن هناك مولودا وُلِد ولا توجد أم لترعاه، ماذا يحدث له؟ وماذا يحدث للبشرية لو أن الله سبحانه لم يودع في قلوبهن هذا الحنان؟ تخيلي حضرتِك أنكِ الآن ولدت، وأن بين يديك طفل رضيع، وأن كل حياة هذا الرضيع مرتبطة بك أنتِ، وأنتِ ترين أن عظامه لينة، وجلده رقيق، ووزنه خفيف، ولا يعرف في الدنيا إلا أنتِ، وتخيلي الآن أن هذا المخلوق ليس هناك في قلبك حنان وعطف له، ماذا يمكن أن يحدث للبشرية؟ وبالتالى أصبحتِ أنتِ أهم جزء في البشرية وبالتالي أصبح بقاء الجنس البشرى مرتبط بكلمة أم حنون. تخيلوا لو أن هذا الحنان لم يكن موجودا في قلب الأم لما كان هذا الرضيع ليخرج من بطن أمه من الأصل، وذلك لأنها كانت ستجهضه وبالتالي يُنفَى الجنس البشرى، ولكن بالحنان الذي في قلب الأم تحملت الأم الآلام لتسعة أشهر ثم تحملت ألم الولادة، ثم بدأت في فك شفرة بكاء الطفل، فهي تعلم متى يعني البكاء أنه يريد أن يأكل؟ أو أن يغير ملابسه؟ أو أن هناك ما يؤلمه، بل هي أذناه التي تؤلمه، لا بل إنه يريد حضنا بينما الرجل لا يفهم هذه المعاني، بل إنه ليس لديه الاستعداد للتعامل مع مثل هذه الأمور حتى ولو كان أكثر الرجال صبرا في العالم؛ فلن يستطيع أن يستيقظ ثلاث مرات ليلا في الواحدة والثالثة والخامسة فجرا؛ لأن ابنه يبكي، بل سيقول إن هذا الولد غير مُربى ويتركه مع أمه، بل ويترك الغرفة كلها ويخرج لينام في الخارج، وإذا قال لزوجته أنه سيساعدها في رعاية الطفل وتحمل أن يرعاه لنصف ساعة من الوقت فلن يتحمل أن يبول الطفل عليه. ففيك أنت سر من ربنا سبحانه وتعالى، وقد يكون هذا السر الإلهي تَكَوّنَ فيكِ وأنت في بطن أمك، وقد يكون كَوّنَ عند اختلاط دمك بدم أمك وهرموناتك بهرمونات أمك، فهذا سر لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. يستطيع الرجل أن ينجز مهمة فتجد أن هناك من الرجال من يعمل كطباخ أو كطبيب أو كـ ترزي أو كسائق أو كمدرس، ولكن ليس هناك رجل يعمل كل هذه الأعمال ولكن بما أودعه الله فيكِ من سر وحنان ورحمة وعاطفة تعملين كل هذه الأعمال فأنت مدرسة لغة عربية وإنجليزية وحساب و...إلخ، وأنت مساعدة دكتورة عظيمة تنفذين تعليمات الطبيبة بدقة، و ممرضة ماهرة، وطباخة، و(مكوجية)، و(ترزي)، وأنتِ أستاذة تربية، وفي بعض الأحيان سائقة تعملين على توصيل الأولاد إلى المدرسة وإلى النادي، بل وأنت أيضا بطلة مصارعة، ومن الممكن أن تنقلبي في لحظة إلى وحش كاسر إذا مسه أحد بسوء، وأنتِ بعد كل هذا مدبرة المنزل. بعضنا يعلم القصة الشهيرة لبنك الفقراء وصاحبها محمد يونس والذي أخذ مؤخرا جائزة نوبل فهو الذي أن قال: بنك الفقراء لا يعطى أمواله للرجال بل يعطيها للنساء؛ لأن الرجل يأخذ الأموال ويجلس على القهوة ويصرف نصفها على نفسه والنصف الآخر يعمل به -وأرجوا ألا يتضايق الرجال من هذا الكلام فهو كلام محمد يونس وليس - كلامي - أما النساء فتقول: هذا رزق أولادي، وتحافظ على الأموال ومن ثم أصبح يعطى النساء ولا يعطى الرجال وهذا هو سر نجاح مشروعه بنك الفقراء. التواصل بين الأم وابنها بالملامسة:من أنتِ؟ هل أنتِ تجسيد الرحمة؟ هل أنتِ بكل هذه القيمة الغالية عند الله سبحانه وتعالى؟ هل عرفتِ لماذا لكِ أجر الصائم القائم؟ والآن هل عرفت أنك تستطيع أن تتخيل أمك منذ أن كنت جنينا في بطنها، وتقول إن رحمة الله مجسدة في الأرض في أمي أقرب الناس إلىّ التى أمسك بيديها الآن وأطبطب عليها وأقبلها؟ هذه هي نموذج الرحمة في الكون. أعرف أمّا مرض ابنها مرضا شديدا لدرجة أنهم وضعوه في غرفة العناية المركزة ومنعوا أحدا من أن يلمسه، وقد يمر هذا الطلب بعدم اللمس على الرجل بسهولة ولكن صعب جدا أن تطلب من أم ألا تلمس ابنها وألا (تطبطب) عليه، وكادت الأم أن تجن من هذا الطلب وتقول لهم إنها لابد أن تحضنه، وهم يقولون لها: ممنوع، وممنوع دخول الغرفة دون ملابس معقمة فما كان إلا أن جاءت ببطارية وكتبت عليها "أحبك" وعقمتها وأعطتها لابنها الراقد في الغرفة، وصنعت واحدة مثلها لنفسها وكانت تقف خلف زجاج الغرفة وتشاور له بالبطارية وهو يشاور لها ببطاريته ويستمران هكذا لساعتين أو ثلاث ساعات لشهرين كوسيلة لتشعر بالقرب منه، وذلك لأن لديها كمًّا مخزونا من رحمة الله عز وجل لا تستطيع أن تخرجه. هل تستطيع أن تستوعب كم هى حاجة الأم والابن للتلامس؟ ولذلك فقد أثبتت الدراسات الطبية أن الأطفال الذين لا يتم التلامس معهم أو لم يتم حضنهم في السنوات الأولى من أعمارهم يصابون بحالات الاكتئاب بشكل أسرع من ذويهم الذين يتم التلامس معهم. هذه هي الرحمة التي نبحث عنها في العشر الأوائل من رمضان، امسك يد أمك والمسها وقَّبل يد أمك، واستشعر الرحمة التى أودعها الله سبحانه فيها. أنتِ رمز الرحمة، وأنتِ عنوان الرحمة، وأنتِ من أودع الله فيكِ سرًّا تستطيعين به أن تقومي بمهام لا يستطيع أن يقوم بها الرجال، بل وأن تقومى بعشر مهام في الوقت نفسه، ولا تسأل كيف يمكن ذلك؟ ولا تسأل كيف لها أن تتجاوب مع شفرة بكاء ابنها أو ابنتها؟ فهذا سر إلهىٌ.يا جماعة هذه هى حلقة اليوم وهى تقول أن قاعدة اليوم لي وللشباب وللبنات وللأمهات وللرجال وللآباء هى: "أنتِ غالية يا أمي". إياك أن تعذب أماً، إياك أن تحرق قلب أم، إياك أن تغضب أماً فتغضب الله سبحانه وتعالى. حلقة اليوم تقول: "أنتِ غالية يا أمي".

ريم بدر الدين 08-13-2010 01:04 PM

الحلقة الرابعة
 
الحلقة الحادية عشر : الأمهات 2
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلا بكم ونكمل سويا برنامجنا "الجنة في بيوتنا".في الحقيقة حلقة اليوم استكمال لحلقة الأمس، كانت حلقة الأمس أو قاعدة الأمس ( أنتِ غالية يا أمي ) بمثابة حفلة التكريم أو حلقة التكريم للأم. وما زلنا نتوجه بحديثنا للأم في حلقة اليوم ونقول لها شيئا مختلفا: هناك دور كبير منوط بكِ، فباستطاعتكِ أن تصنعي نهضة لهذه الأمة. المطلوب منكِ عدة أدوار في تعاملكِ مع ابنكِ، ومن خلال هذه الأدوار سيخرج لنا رجل عظيم وستخرج لنا فتاة عظيمة. إذا كنا في الحلقة السابقة قد قلنا: إننا لن نطلب منكِ شيئا لأنها حلقة تكريم ففي هذه الحلقة سنطلب منكِ أشياءَ. حلقة اليوم، أو قاعدة اليوم "الأم المحفزة للنجاح". سنحكي دور الأم في عدة نقاط، ونتوقف عند كل نقطة في منتصف الحلقة لنقول: الأم المحفزة للنجاح أي التي تدفع ابنها لينجح. وتخيلوا لو كان لدينا عشرة آلاف أم أو عشرون ألف أم أو حتى ثلاثين ألف أم من هذه النوعية. ذكرنا بالأمس أنكِ العاطفة كلها ونقول لكِ اليوم - إلى جانب ما ذكرناه بالأمس- إنكِ العاطفة والرحمة كلها: أنكِ أنت القادرة على تحفيز الشباب للنجاح حتى لو لم تكن لديه تلك الإمكانات إلا أنه بتحفيزكِ يستطيع أن ينجح. يمر ابنك معك بأربعة مراحل:• المرحلة الأولى: منذ ولادته وحتى يبلغ الثالثة من عمره: في هذه المرحلة امنحيه الحنان على قدر استطاعتكِ. المطلوب منكِ في هذه المرحلة هو الحنان والعطف والرقة واللطف والحب والاهتمام وإياكِ أن تتركيه وكوني معه ليل نهار.جاءت امرأة إلى السيدة عائشة رضي الله عنها ومعها صبيان صغيران وجلست عندها قليلاً ثم قالت: يا أم المؤمنين أنا جائعة – ليس معها نقود – فبحثت السيدة عائشة فلم تجد سوى ثلاث تمرات فأعطتها إياها، أعطت المرأة ابنها الأول تمرة والآخر كذلك وأخذت هي تمرة، فإذا بالطفلين قد التهما تمرتيهما بسرعة من شدة الجوع ثم أخذا ينظران إلى الأم التي معها تمرتها، ففعلت الأم ما كانت ستفعله أي أمّ تسمعني الآن حيث قسمت تمرتها بين طفليها نصفين وظلت هي على جوعها. تأثرت السيدة عائشة بالموقف ولما جاء النبي أخبرته خبرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما أخبرتِها بأن الله قد رحمها برحمتها لصبييها؟ كم من مرة كان ابنك جائعا ففضلته على نفسك؟ كثيرا أليس كذلك؟ أي أنه تصرف عاديّ تفعله كل أم بشكل طبيعي، أتخيلتِ هذا الحديث؟ إن الله قد رحمها، أي إنه إن شاء الله قد رحمكِ وغمرتكِ رحمته. أرأيت كم أنتِ غالية؟ هذه هي المرحلة الأولى. • المرحلة الثانية: من سن الثالثة إلى سن السادسة: انتبهي إلى أن ابنك في هذه المرحلة شغوف بالتعرف على أبيه والتقرب منه، يريد أن يراه ويتعرف على عالم الرجولة – خاصة إن كان ذكرا وقد قلنا ذلك في حلقة الأب- والكثير من النساء في هذه المرحلة يتملكها شعور بالغيرة وتشتاط غضبا لأنها تقوم يوميا بأعباء الغسيل والكي والنظافة ... إلخ، وإذا بالابن مصاحب لأبيه ويطيعه ويتقرب إليه، فأقول لها: إن هذا أمر طبيعي وفطري في هذه المرحلة، وليس خاصا بابنكِ وأبيه، لأنه يريد استكشاف الرجل وذلك بحكم المرحلة حتى وإن كانت بنتا، فذكاء المرأة أن تترك المجال للابن ليتعرف على أبيه ولا تغضب؛ لأن هذا هو المطلوب. خير مَن تستقين منه هذا الفن السيدة هاجر؛ فقد كان إبراهيم يقطن في فلسطين ويغيب طويلاً بينما هي وإسماعيل في مكة، ولكن حينما يعود يجد أن إسماعيل يحبه ويطيعه على الرغم من أنه لم يعش معه كثيرا، وهنا يظهر دورها في ربط الابن بأبيه ولذلك لما قال له: يا بني إني أرى كذا وكذا، قال: يا أبتِ افعل ما تؤمر، ولما قال له: يابني إن الله أمرني أن أبني الكعبة أتعينني؟ قال: أعينك، وما ذلك إلا لأنه تربى على أنه وأباه متلاحمين كما أن الأم ساعدت على ربط الابن بأبيه. • المرحلة الثالثة: من سن السادسة إلى سن العاشرة: هذه المرحلة هي مرحلة القيم، ضعي قيما قدر استطاعتكِ وربيه على كل الخصال الجميلة - إلى جانب العطف والحنان- من صدق، وأمانة وإخلاص، ورحمة، وأدب، وفن تعامل مع الناس، وصلاة، وحب الله، وكل ما تريدين غرسه، تغرسين جزءا منه في حكاية ما قبل النوم وجزءا في موقف معين وهكذا. لو جاء أحد لهذا الابن ليصلحه بينما هو في الثلاثين أو الأربعين من عمره فقد يتمكن وقد لا يتمكن، فما غرستيه في هذه السنين الخمس هو الذي سيبقى، وكما قال النبي: (كل مولود يولد على الفطرة). فهذا الابن قد وهبه الله لكِ وترك لكِ مهمة تشكيله، وما ستغرسينه في ابنكِ هو ما ستجدينه إن شاء الله، حتى وإن ابتعد قليلاً في سن المراهقة، وإن انحرف عن الجادة يوما، فلا تخافي لأن البذرة التي غرستها في هذه المرحلة ستكبر وتؤتي أكلها كما غرستِ. فانظري أي قدوة ستقدمين له؟ وكيف ستكون شخصيتكِ أمامه؟ فما ستغرسينه هو الذي سينتج. أرأيتِ مقدار حاجة ابنكِ لك؟ • المرحلة الرابعة: دخول فترة المراهقة: في هذه المرحلة يحتاجكِ ابنكِ ،كثيرا وإن كنت تظنين أن الشباب لم يعد يؤيد الجلوس معكِ ويتهرب منكِ، ولكن إذا أجريتِ تعديلاً بسيطا جدا على طريقة حبكِ وحنانكِ فسيلجأ إليكِ. فهو يحتاج منكِ إلى عاطفة جديدة إيجابية تدفعه للنجاح. استمري في إعطائه الحنان والعطف ولكن امنحيه إلى جانب ذلك يدًا تدفعه للأمام: أنتَ ستنجح. أنتَ ستستطيع. فمتى قدمتِ له ذلك تصبحين الأم الصديقة، وستكونين الأم المثالية بل أعظم أم في عيني ابنكِ. نريد منكِ لشبابنا حنانا ممزوجا بقوة دفع لنصنع النهضة لهذه الأمة. نريد أمًّا كأم موسى واجعلي سورة القصص، وقصة أم موسى نموذجا لك، يدٌ تُرَبِّت: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ...."، واليد الأخرى ماذا تفعل؟ ".... فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي....." (القصص:7) فهكذا هي الدنيا. ابنك - وهو في مقتبل الخامسة عشرة والسادسة عشرة- في بداية مواجهة صعوبات الحياة ومعوقاتها ومشاكلها فنريد من الأم أن تدفعه: لاتخف أنا معك، والله معك، وسأدعو لك، وسأقف إلى جانبك. نموذج آخر للأم التي تدفع ابنها للأمام: يوم معركة القادسية حين خرج سيدنا سعد ليحث المسلمين على الإنفاق حيث لا يوجد مال وفير للجهاد فقال: أيها المسلمون، أنفقوا، وإذ خرجت امرأة فقالت له: يا سعد والله ليس عندي ما أعطيه وما أنفقه فما وجدت إلا ضفيرتي – قصت ضفيرتها- اجعلها لجاما لفرسك يا سعد، فتأثر سيدنا سعد بموقف هذه المرأة. فلما كانت ليلة المعركة أقبل إليه صبي في الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره تقريبا، فقال له: يا سعد، أريد أن أخرج معك، قال سعد: لا نأخذ الأطفال، قال: يا سعد، الأمر ليس بينك وبيني الأمر بيني وبين الله، إن الله اشترى وأنا بعت فما دخلك أنت؟ قال سعد: إذًا، كن معنا. وفي صبيحة يوم المعركة أتاه الغلام فقال: يا سعد، والله لقد رأيت رؤيا عجيبة. قال: ما رأيت؟ قال: رأيت نفسي أمشي في حديقة ليست من حدائق الدنيا، وعن يميني وعن شمالي قصور ليست من قصور الدنيا، وأنهار ليست كأنهار الدنيا، فقال سيدنا سعد: أبشر يا غلام إنها الشهادة، فإذا لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبلغه مني السلام، قال الغلام: يا سعد، وأنت أيضا أبلغ أمي مني السلام، قل لها: جزاكِ الله عني خيرا، قال سعد: ومن أمك؟ قال: ذات الضفيرة. هذه الأم تخرج هذا الابن. يا أمهات نهضة هذه الأمة بين أيديكن، في أيديكن أن ترجعن النهضة وفي أيديكن استمرار الانهيار. أرجوكن يا أمهات، عندما يتجاوز ابنك التاسعة والعاشرة من عمره وقد منحته الحب والحنان وربطته بأبيه وغرست فيه القيم؛ حفزيه وشجعيه، وابني في نفسه آمالاً يرى نفسه صغيرا أمامها وقد يكون كذلك فعلاً ولكن بالعاطفة والحنان اللذين يشعان قوة من عينيكِ، ونظرة عينيكِ التي تقول له: ستنجح يا بني. سيكون. حقيقة، أود أن نعرض نموذجا لشخص، وكيف أنه مازال يتخذ قرارته بناءً على رضا أمه حتى بعد وفاتها، فيسأل نفسه: ما الذي يرضي أمي؟ وما الذي تتمناه أمي؟ ألهذه الدرجة من الممكن أن يكون تأثير الأم في حياة الشخص حتى بعد وفاتها؟ تعالوا بنا نعرض شخصية عامة مشهورة، وهيا بنا نسمعه كيف يحكي عن أمه؟ ونرى كيف للأم أن تحفز حتى بعد وفاتها؟ محمود سعد – إعلامي: بكل اعتزاز وبكل فخر أقول دوما أن قدوتي في الحياة هي أمي – رحمها الله- فقد تركها والدي منذ زمن طويل فعكفت على أربعة من الأولاد لتربيهم، وعملت صباح مساء فكانت تخرج من الساعة الثامنة صباحا وحتى الثانية والنصف ظهرا – حسب مواعيد العمل آنذاك – ثم تعود لتخرج مرة أخرى من الخامسة والنصف مساءً وحتى التاسعة ليلاً، كل ذلك من أجل تربية أبنائها. أنا معجب بها لدرجة أنه قد حدث لي معها شيء عجيب جدا، فبالرغم من أنها توفيت في يونيو من عام 1999 ونحن الآن نتكلم في عام 2007 أي أنه قد مر على وفاتها ما يقارب سبع أو ثمانِ سنوات إلا أنها تشاركني اتخاذ أي قرار في حياتي، فكلما أردت اتخاذ قرار أسأل نفسي: يا ترى إذا كانت أمي موجودة هل كانت ستقول لي افعل أم لا تفعل؟ فإذا أحسست أنها كانت ستقول: لا تفعل، لا أفعل، أما إذا أحسست أنها كانت ستقول: افعل، أفعل على الفور، وإن كان هذا القرار غير موافق لهواي تمامًا؛ لأنها هي من علمني ذلك حقيقة. علمتني أنه "لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ..... " (آل عمران:92 ). تروقني كثيرا فكرة استمرار القدوة فقد كان مفهومي طوال عمري للقدوة أنها عبارة عن شخص أمامي أتوسم فيه خيرا، وأتعلم منه أشياء، وأمضي على دربه فحسب، ومتى اختفى هذا الشخص فإنني أسير في الحياة وفق رغبتي أو إرادتي أو بطريقة تفكيري. لكن الحقيقة في قدوة أمي اكتشفت شيئا غريبا جدا بعد مرور سبع أو ثمانِ سنوات على وفاتها؛ وهي أنها قدوة مستمرة حتى وهي غير موجودة، فقد نقشت في صدري وفي عقلي وفي كياني أفكارا وقيما من المستحيل أن تزول بدليل أنها ما زالت هي القدوة حتى الآن. • المرحلة الأخيرة: الأم الصديقة: كَبُرَ ابنك وتَخَرَّج وزاول مهنته: مبارك عليكِ ذلك إذًا كوني أمًّا صديقة، صاحبي ابنك، كوني صديقة له بينك وبينه أسرار وأحاديث خاصة وافتحا قلبيكما لبعض، أنا أفضفض لابنتي فنحن أصدقاء. هذه هي الأم الصديقة التي تحدثنا عنها. تبقى آخر جزء وهو شيء تقومين به في جميع تلك المراحل، وحذارِ أن تنسيه، فهو سلاح غير عادي، أرجوكِ لا تنسِ سلاح الدعاء الذي وعدكِ به الله، فكما أعطاكِ سرا إلهيا - استطعتِ من خلاله أن تتعاملي مع ابنكِ يوم أن كان في بطنكِ- فقد أعطاكِ سراً آخر بل سلاح: سلاح لكِ وحدكِ وهو أن دعوتكِ لابنكِ مستجابة، ليقول لكِ: سيواجه ابنكِ أشياء كثيرة فالحياة صعبة، وليقول لابنكِ: أنت محتاج إليها جدا فبحوزتها السلاح الذي فيه نجاتك. أطلب من أمك أن تدعو لك، ارضِها واطلب منها أن تدعو لك، وعلمي ابنكِ منذ صغره أنكِ تدعين له؛ لأن هذه رابطة قوية، وكأن الله قد جعلكِ مستجابة الدعاء لابنكِ حتى تظل رابطتكِ بابنكِ وابنتكِ رابطة متينة، فكما كان هناك سرا إلهيا وهو في بطنكِ فقد أصبح هناك سرا إلهيا عندما كَبُرَ اسمه: دعاؤكِ له مستجاب، وكأن علاقتكِ بابنكِ والسر الإلهي - سر الرحمة- مستمر منذ كان في بطنكِ إلى أن يمد الله في عمركِ وعمره ويلقى أحدكما الله سبحانه وتعالى. ستبقى كلمة السر هي الدعاء. انتبهوا يا جماعة إلى القرآن عندما يتكلم عن مستقبل أمة من الأمم فيقول للنبي صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ....." (آل عمران:128) أو عندما يقول: "حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ...." (يوسف:110) هذا على مستوى الدعوة، على مستوى الأمم. لكن على مستوى أم وابنها يجب أن يطمئنها "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي....." لم يفعل هذا مع الأنبياء بل في جميع قصص الأنبياء كان لابد من أن يمضوا ويكملوا المسير، لكن مع الأم لابد أن تُطَمئَن فهي الرحمة كلها "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ". ثم ينتقل السياق للحديث عن صراع فرعون وموسى – هذا القرآن الذي يتكلم عن إصلاح الأمم ليوم القيامة- وفي خضم هذه الأحداث "فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ....." ( القصص:13) نحن نتحدث عن موضوع كبير، ما مناسبة أن نعلم إن كان قد رجع أم لا؟ لا، لأن هذه أم غالية على الله وعاطفة الأم غالية أيضا على الله "فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ......" لو وعدكِ الله فلابد وأن يوفي بوعده. أتتخيلون هذا المشهد في وسط الحديث عن مواجهة موسى بفرعون في وسط سورة القصص؛ ذلك بأن مشهد الأمومة غالٍ ويجب أن تَطْمئِن الأم. أنتِ سرٌ إلهي لله سبحانه وتعالى أودعه فيكِ فأنتِ نموذج الرحمة. ارفعي يديكِ وادعِ لابنكِ. إذًا، لتدمع عيناكِ من أجل ابنكِ ولتدعِ له وسترين ماذا سنفعل له؟ لا تقولي: أنا متدينة لست متدينة، أو لست متدينة، فأنتِ في النهاية أمٌّ بصرف النظر عمن تكونين فأنتِ أمّ. وما دمتِ أمّاً فأنتِ غالية لأنك تجسدين الرحمة ودعوتكِ ترفع إلى السماء بدون حجاب.لكن في الوقت ذاته أقول للشباب: لو أن أمّك لم تفعل ذلك فلا تترك أمّك. واسمع مني ولا تغضب: أمّك بأخطائها وبعيوبها ومشاكلها أين ستذهب؟ فالله هو من جعلها أمك، واختار فلانة الفلانية لتكون أمك، ألم تعجبك؟ ماذا ستفعل؟ هل ستغير أمك؟ أنا أريدك أن تتخيل معي وتتذكر كم تعبت هي من أجلك، كم ليلة لم تنم فيها بسبب بكائك؟ وإذا تنفس الصبح تطعمك وتغير لك ثيابك، وإذا بك تتقيأ وتفعل، وتفعل، وتفعل، وهي معك تفعل لك كل شيء حتى إذا جن الليل وإذا بالإرهاق بادٍ على تقاسيم وجهها، وحالتها النفسية صعبة جدا وهي في منتهى التعب - لأنها إنسان أيضا- وتحتاج للنوم إذا بك تبكي من جديد فتقوم لتهتم بك، وفي وسط هذا التعب تأتي أنت وقد تركت فراشك وأتيت لتفترش حضنها وتنام على حجرها فتنسى التعب لمجرد أنك في حضنها، ثم في اليوم التالي تعود لتكمل على النهج نفسه! أهي أقوى من الرجل؟ لا، ولكن الله سبحانه وتعالى وهبها سرا اسمه رحمة وحنان وعطف منه. فارعَ أمك وارعَ الرحمة التي وهبها الله إياها. انتبهوا يا شباب، فهذه النقطة مهمة جدا لو لم تستشعر رحمة الله التي وهبها إياها وأودعها في أمك فكأنك تقول: إنك غير مقتنع بالجزء الذي وضعه الله في الأرض من رحمته، وبالتالي - وأنت في العشر الأوائل من شهر رمضان- كيف تريد أن تتنزل عليك رحمة الله وأنت تصد أمك دائما؟ فلن تشعر برحمة الله، فانتبه فهذا المعنى خطير جدا. وفي المقابل، طالما أنت تشكر الله على الرحمة التي وضعها في الأرض وحافظت عليها وساعدت أمك على إبداء عاطفتها وتمسكت بها لتضفي عليك من عطفها وحنانها فلعل رحمة الله تتنزل عليك وعليها. حكت لي إحدى الأمهات بالأمس - وهي أم لأربعة من الأولاد وقد بلغوا أشدهم؛ فمنهم من يدرس في الجامعة ومنهم من تخرج بحمد الله، فقال لها أحد أبناؤها: ألستِ قد تخرجتِ في كلية الطب يا أمي؟ قالت: بلى، فقال: لماذا إذًا لم تعملي وتجلسين هكذا في المنزل؟ تقول: أوجعتني هذه الكلمة وأحسست بأنني عاطلة ولا قيمة لي، فرددت عليه: يا بني قد كان لي أحلام كثيرة وطموحات لا حصر لها، ولما تخرجت في كلية الطب بدأت أرسم تلك الأحلام، ولكن عندما أتيتم إلى الدنيا قررت أن أتنازل عن أحلامي من أجلكم وأستبدلها جميعا بحلم واحد وهو أنتم، فأنا قد عشت من أجلكم. من هنا أقول لهذه الأم ولمثيلاتها إياكِ أن تشعري بأنكِ بلا قيمة، أو أنكِ قد أضعت حياتكِ أبدا؛ لأنكِ قد أنجزتِ أعظم مهمة خلقها الله في البشرية، فالأم مدرسة. نعم أنتِ مدرسة - كما قال أحمد شوقي- ولا توجد مدرسة أعظم منكِ. فإذا كنتِ أما عاملة أو ربة منزل فلتفخري بالدرجة الأولى بأنكِ أمّ، وإذا كنتِ ربة منزل، وقد أديتِ رسالة عظيمة وكبر أبناؤك فلا مانع من أن تعملي وتصنعي حياة وتتطوعي في عمل خيري، أو أي مجال آخر تريدينه لكن لا تنسِ في المرتبة الأولى أن تفخري بأنكِ أمّ شرفكِ الله وأعز قدركِ وذكركِ في كتبه السماوية بمشاهد يطمئنكِ فيها، واستجاب دعاءكِ وغفر ذنوبكِ عند أول طلقة من طلقات المخاض، وكتب لكِ في كل تربية لابنكِ أجر الصائم القائم. أنتِ غالية جدا، أنتِ معززة جدا.

ريم بدر الدين 08-13-2010 01:06 PM

الحلقة الرابعة
 
الحلقة الثانية عشر : لغة العاطفة 1نقلا عن قناة الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. سنذكركم أولا باسم البرنامج "الجنة في بيوتنا" وقد سميناه بهذا الاسم ليكون أقرب وصف نتذكر به أن بيتنا كالجنة، هذا البيت الذي كان الجميع يهربون منه، وكل منهم يبحث عن حجة للخروج منه، أصبحنا نريد أن نرجع إليه لنقابل بعضنا البعض؛ لأننا نفرح حينما نرى بعضنا البعض، ولأني أفرح حينما أجلس مع أبي، ولأني أحب أن أتكلم مع أختي، ولأني أنا وزوجتي نحب أن نتحدث معا. فالبرنامج كله يريد هذا الجزء، والذي لو تحقق فهو شيء كبير جدا لمستقبل أجيال، ولمستقبل بلاد، ولمستقبل أمة. لا يظن أحدكم أن هذا كلاما مبالغ فيه، أبدا والله فالأسرة إذا وقفت على قدميها، وإذا كانت متماسكة ، تستطيع أن تخرج رجالا ونساءً من الصفوة من وسط هذه الدنيا الفاسدة - مهما كان الخراب من حولها-، لذا نتكلم في كل حلقة عن موضوع مختلف، فتارةً عن الأزواج والزوجات، وتارةً أخرى عن الأب. اليوم نتحدث عن علاقة الآباء بالأبناء، فنتحدث عن الأب والأم، ونتحدث عن الشاب والفتاة، وعن أصل العلاقة وعما يجمعهم، وعن اللغة التي نتحدث بها مع بعضنا البعض، وهل اللغة التي نتحدث بها مع أولادنا هي: يا بنى مصلحتك في هذا الأمر، لغة المنطق، بالطبع يجب أن نتطرق لهذا الأمر، وإذا لم يقلها الأب فمن يقولها، وإذا لم يوجه الأب أبناءه فمن يوجههم؟ الهدف الأساسي من حلقة اليوم إرساء قاعدة أن اللغة الأساسية التي يجب أن نبدأ بها هي لغة العاطفة، ثم بعدها أي شيء آخر تريده: لغة العقل، لغة المنطق، لغة المصلحة – مصلحتك يا بني- لكن رقم واحد الذي نبدأ به: لغة القلب، ففي القلب شيء يحدث، فيساعد العقل على الاستيعاب. وعلى الرغم من أن هذه الحلقة موجهة للآباء والأمهات، إلا أنها تخاطب الشباب أيضا، وتسأله: أين هي عاطفتك لأبيك وأمك؟ ولماذا أغلقت قلبك تجاههما ووضعت سدًّا بينكما؟ فلتذهب لأمك ولتحتضنها وتقبل رأسها، وتدللها بكلمات حلوة.لماذا يا إخوتي نكبت عواطفنا، وكأننا قذفناها منذ زمن في بئر عميق، نحن اليوم نريد أن نقول إن أكثر ما يحرك العلاقات الإنسانية العاطفة، ولو أنك حاولت استخدام العقل، والمنطق، والمصلحة فقط فلن تنجح، والدليل أن هذه الطرق لم تأت بنتائج مع أولادنا. فحاول يا أخي استخدام العاطفة، حاول ولو مائة مرة، فبدون الطبطبة، ودون كلمة "أنا أحبك يا بني"، ودون كلمة "أنا أحبك يا أبي" ينقصنا الكثير. سبحان الله، فكأن الحضارة تتقدم والعاطفة تتراجع، كأن العاطفة لا تصلح إلا للحبيبة، أو العشيقة ونسينا أن الله سبحانه وتعالى خلق الأسرة لتكون مكانا لتفريغ هذه العواطف. فالهدف الذي خلقنا الله من أجله هو إصلاح الأرض، والله كريم رحيم، يعلم أن مهمة الأرض شاقة للغاية والسماوات والأرض أشفقن منها فبها الخير والشر وإبليس، فأنشأ الله لنا شيئًا ليكون سكنًسا لنا وطمأنينة فقال سبحانه: "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا.." (النحل:80)، وطالما غرسنا في قلوبنا حب بعضنا البعض وأنشأنا عاطفة رباعية: زوجان يحبان بعضهما البعض، أمٌّ تحب أولادها، أبٌ يحب أولاده، أولاد يحبون آبائهم تتوفر لنا الراحة في مواجهة متاعب الحياة، وهذه قاعدة مدروسة منذ أيام آدم وحتى تقوم الساعة، وحقيقة واقعة، وهذه المشاعر الأربعة مغروسة في الكائن البشرى مادامت الشمس تطلع من المشرق وتغرب من المغرب. أضرب لكم مثلاً بشاب عمره ثمانية عشر عاما لديه مائة وحدة من المشاعر والعواطف، ولظروف معينة لا يستطيع أن يتزوج، فلولا وجود الكيان المسمى بالأسرة لاتجهت هذه المشاعر إلى الحرام. فبوجود الأسرة يستشعر دفئا عاطفيا حتى يحين ميعاد زواجه، فبعض هذه الوحدات المائة، وليس كلها بالطبع تكون موجهة داخل الأسرة، 20 وحدة للأم، 15 وحدة للأب، الأخت والعم والخال، ولو استنفذ ستين من المائة فهذا معدل معقول جدًّا. ولنتدارس معا بعض الحوارات التي تدور بين الآباء والأبناء حيث يقول الأب لابنه: "عندما كنا في مثل عمرك لم نكن نتصرف تصرفاتك هذه، كنا ندرك أين هي مصلحتنا؟ وبالتالي نهتم بدروسنا، بينما أنت لا تستذكر دروسك لأنك لا تعي مصلحتك، وعلى فكرة إذا نجحت فستنجح لنفسك، وأنا لن أستفيد من مذاكرتك شيئا، فأنت الذي سيذاكر، وأنت الذي سيستفيد"، وها هم الشباب يضحكون بينما كل كلمة قالها الأب صحيحة، فهو هنا تحدث مع ابنه بلغة المصلحة، ويجب عليه أن ينصح لابنه وإلا من سيفعل غيره؟ يقول الله عز وجل: "..قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا.."، فالكائن الوحيد الذي تمتد فترة تربيته إلى أكثر من عشر سنوات هو الإنسان، وانظر معي لبقية المخلوقات، شبل الأسد مثلاً يصبح قادرا على الصيد بعد سنة واحدة فقط يصبح بعدها حرًّا، بينما الإنسان يستغرق عاما ليتعلم الحبو وآخر ليتعلم المشي وهكذا، والسبب وراء مدة التربية الطويلة هذه احتياجه إلى شريط من الذكريات التي يعيشها مع الأسرة التي ستمده بالحنان والعطف وعدم القسوة؛ لأنه المخلوق المكلف بإصلاح الأرض. أما الابن فلن يرد على أبيه لكنه سيحادث نفسه قائلاً: "ومن أخبرك أنى أريد أن أنجح؟ لا فارق عندي بين النجاح والرسوب"! إذن هناك شيء مفقود، هذا النصح يجب أن يقال للابن حتى وإن لم يعجبه. لكن النقطة التي نتحدث عنها: كيف نقول هذا النصح؟ وبأي ترتيب؟ لذا يجب أن ننتبه للغة العاطفة في كلامنا، فإذا كنا نرفض من الابن حين نصحه أبوه أن يقول حتى في نفسه: "أف، سيعطيني أبى محاضرة الآن"، فنحن أيضا نرفض من الأب اللغة التي استعملها في حواره مع ابنه.مثال آخر للحوار: يقول أب لابنه: "أنا حريص على أن أمدك بالكثير من الخبرات التي لدي، ولديك فرصة ذهبية لتستفيد منها لكنك للأسف لا تفعل بل تلهو"، إن كل كلمة قالها الأب صحيحة، لكنها أيضا لغة العقل والمنطق والمصلحة، والمطلوب هذه الكلمات نفسها لكن مغلفة بالعاطفة. مثال آخر للحوار: أم تقول لابنتها: "أنا لا يعجبني التصاقك بأصدقائك هؤلاء، وقابليني إن نجحت وأنت مستمرة في صداقتك مع فلانة". كل كلمة قالتها الأم صحيحة، فهذه صديقة ستضيع ابنتها، لكن الفكرة: كيف تبدأ الحديث؟ وكيف تتحدث في هذا الأمر مع ابنتها التي ردت: "أصحابي ويعجبونني"؟ أو قد تكون قالت في نفسها: "ومن كنت يا أمي تصادقين وأنت في مثل سني؟" حتى هذا الكلام مع النفس حرام.وأنا اليوم أوجه كلامي للطرفين وبالأخص للآباء والأمهات لتغيير الطريقة، والبدء بلغة أخرى؛ لغة العاطفة، ونركز على القلب قبل العقل، فعلى الرغم من أن الأبناء قد بدأوا الدخول في مرحلة الشباب، وارتياد النوادي الرياضية، والجسم الضخم والوجه العبوس، فقلوبهم رقيقة، وهذه ليست طبيعة ابنك فقط بل كل الشباب، خلقهم الله هكذا، والبنات أكثر، فلا يغرنك المظهر الخارجي أو قلة كلامهم، فمن الداخل هو يحتاج عاطفة، وكأنك يجب أن تمر إلى عقله من خلال قلبه، وكأنه يخبرك: لكي أسمعك حدث قلبي. تخيل شخصا يفتح باب الشقة بالمفتاح، فلم يفتح الباب، كم مرة تظنه سيستمر في المحاولة، ثلاث، خمس مرات، لكن لا يمكن أن يظل يحاول عشرين سنة، وكل يوم يجرب المفتاح نفسه على الرغم من أنه لا يفتح الباب، بل سيحاول أن يغير المفتاح، ويستخدم طريقة أخرى. فإذا كنت تحاول منذ سنين استخدام الطريقة نفسها مع أبنائك ولا تفلح، فحاول استخدام طريقة أخرى، وجرب أن تبدأ بالعاطفة. انظر معي كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الشباب؟ وكيف كان الشباب يتعامل معه؟ وانتبه للمسات الصغيرة، فأحيانا الأشياء الصغيرة تحل مشاكل كبرى، فلا تستهين بها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحقرن أحدكم من المعروف شيئا" ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق مبتسم. كان النبي ماشيا فرأى معاذ بن جبل، وعمره تسعة عشر عاما، فماذا يفعل النبي؟، لقد أمسك يد معاذ وشبك يديهما في بعضهما البعض وأخذا يسيران معا، وبعد قليل قال له النبي: "يا معاذ"، فقال له معاذ: "لبيك يا رسول الله"، قال: "يا معاذ، إني أحبك، فلا تنسى أن تقول بعد كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". والناس في المساجد، وفى البيوت بعد كل صلاة يحفظون هذه الكلمات لأن معاذ قصها للأمة كلها ولم ينسَها، والسبب في أنه لم ينسها: إمساك اليد وكلمة أحبك التي لا يمكن أن تجعلك تنسى الكلام الذي يليها.انظر معي لكلمة (لبيك، لبيك يا أبي، لبيك يا أمي)، وتخيل أن شابا يقرر أنه طوال شهر رمضان سيطيع والدته في كل ما تطلبه منه، هذا نوع من العبادة لله في رمضان، وسيعتبر أن هذا هو عربون العاطفة، فسيقولها بثقة وبحب، وانظر معي لتوجيه النبي المغلف. وأنتم أيها الشباب، يقول النبي: "لينوا في يد إخوانكم" وأنا أقول لك: لِن في وجه أبيك، ساعد والدك؛ عندما يمد يده إليك يجدك تتجاوب معه وتمد يدك أنت الآخر. كن شهما، وكن رجلاً، فو الله قد يكون وضع يدك في يد أبيك ومشيكما معا أغلى عند الله من صيام وصلاة نوافل شهور وشهور، لأن هذه تغيظ الشيطان وتطرده من البيت، بينما صلاة النافلة وأنت تتشاجر مع أهلك والبيت مليء بنكد ومشاحنات لن تأتى بالكثير.أتذكرون قصة جريج العابد، الذي كان كلما دخل في صلاة النافلة، تنادى عليه أمه فيقول: "يا ربي أمي وصلاتي"، فيفضل الصلاة، فتأتى في اليوم التالي تنادى عليه، وهو يصلى أيضا، فيقول: "يا ربي أمي وصلاتي" فيفضل الصلاة. يعلق النبي صلى الله عليه وسلم على هذه القصة فيقول: "رحم الله أخي جريجًا، لو كان عالما لعلم أن إجابة أمه خيرا من صلاته"، فهو عابد وليس عالما.لذا ضع يدك في يد أبيك، ودعم كل صور العاطفة مع والديك، فلو جعلنا لغة العاطفة رقم واحد في علاقاتنا مع أبنائنا ستحل لنا مئات المشاكل، وتذيب الخلافات، فتبدأ الفضفضة، ويظهر الأب الصديق، ويصبح الاحترام والتقدير متبادل، ويزيد الحب، وتصبح البيوت كما خلقها الله لتكون الجنة في بيوتنا فعلاً. قصة أخرى: يقابل النبي "أبا أمامة" وهو صحابي عمره حوالي الستة عشر عاما، فيقول له: "يا أبا أمامة، إن من الناس من أراه فيلين له قلبي وأنت منهم، يا أبا أمامة إذا دخلت فسلم على أهل البيت تكن بركة عليك وعلى أهل البيت"، يقول أبو أمامة: "فوالله ما نسيتها منذ ذلك الحين".انظر، هي الطريقة السابقة نفسها، هي طريقة واحدة: عاطفة، توجيه، وليس العكس.وليس كالأب الذي يقول لابنه: "إذا قدت سيارتك بهذا الشكل مرة أخرى ستموت، فاهم ستموت، وأنا أقول لك هذا لأني أحبك". هذا لا يجدي بل قدم المحبة قبل أي توجيه. قصة ثالثة: يقول ابن مسعود: "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن – أي يحفظني ويكرر- يفعل ذلك ويده في يدي، وكفه في كفى".فنحن كنا دوما ننظر للنبي من الجانب العسكري في غزواته، لماذا لا ننظر له من الجانب الاجتماعي وكم هو رائع.قصة أخرى: سيدنا "ابن عباس" الصحابي، وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم كان عمره عند وفاة النبي ثلاثة عشر عاما، يرى النبي ابن عباس وعمره حوالي إحدى عشر عاما، ويلحظ فيه النبي الذكاء والموهبة، ونحن نحتاج لأناس يتفقهون في هذا الدين، فعندما يرى النبي ابن عباس قادما يفتح يداه ويحتضنه ويضغط عليه في محبة، ثم بعد ذلك يهمس في أذنه بدعاء لكن دعاء موجه: يقول: "اللهم فقهه في الدين، اللهم فقهه في الدين". كأنه يقول له: اذهب فتفقه في الدين، لكن بالدعاء أحلى. وبالفعل أصبح ابن عباس أفقه الأمة، وبعد عشرين عاما من دعوة النبي له أصبح ابن عباس المستشار الشخصي لعمر بن الخطاب خليفة المسلمين وأمير المؤمنين. وكان عمر بن الخطاب يقول أعوذ بالله من معضلة وليس فيها على ابن أبى طالب، وابن عباس. كل هذا بم تحقق؟ بحب، وضمة، وهمسة في الأذن غير مباشرة. ودوما كان النبي عندما يواجه موضوعات حساسة يمهد لها تمهيدا عاطفيا؛ فقد أتى النبي إلى بيئة بدوية صعبة ولم تكن الذوقيات قد علت بعد، وقد أتى الإسلام بنظافة ووضوء ونقاط حساسة كيف تتصرف في الحمام والاغتسال؟ وهناك أخطاء مازال الصحابة يقعون فيها، فماذا يفعل النبي؟في المسجد؟ لقد قال: "أيها الناس اقتربوا، إنما أنا لكم بمنزلة الوالد لولده، أحب لكم ما أحب لنفسي، فإذا دخلتم الغائط فافعلوا كذا وكذا". ولا تظنن أنني لا أواجه مشاكل مع ابني فهو صعب المراس، لكن مهما قيل لي، فلن أغير كلامي فهي كلمة قالها الله عز وجل للنبي لننفذها على أنفسنا: "وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (آل عمران:159). فلنأخذها على بيتنا كما أخذناها على الأمم والشعوب، فلو أعملت العاطفة وشعر ابنك كم تحبه حتى ولو بنظرة عين وقد ملأ قلبه هذا الحب ستتفاهمان معا.هذا كلام للآباء والأمهات ، وعلى الشباب الذي يسمعني الآن أن يقرر أن يستجيب بل ويبادر إلى أبيه وأمه، فلو حدث هذا الحب ستصبح نظرة العين أقوى من ألف عقوبة. في غزوة خيبر، وصل الجوع بالمسلمين أن ربطوا على بطونهم الحجر، واتفقوا أن أي أكل يرد لهم سيقسمونه فيما بينهم، ووجد أحد الصحابة - واسمه "عبس بن جبر"- بعض الشحم وقطعة لحم متبقية من شاه، فنظر فلم يجد أحدا يراه فقال والله لا أعطي منه أحدًا، يقول فالتفت فإذا رسول الله أمامي، فنظر إلى وابتسم ابتسامة الحزين، وتركني وسبقته إلى الناس أقول: هذا هو اللحم، لكي يسمع النبي. فأحيانا كلمة: أنا مخاصمك تكون أشد من أشد عقوبة، لكن متى؟ لو تربينا على الحب، وإلا فلن تجدي أن تفعلها الآن مع أولادك وتخاصمهم لأنهم لا يشعرون بها. وهكذا كان الصحابة في المدينة؛ لأنهم كانوا يحبون بعضهم البعض، أتذكرون الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وأمرهم النبي بالخروج فلم يخرجوا؟ لذا وجب أن تكون عقوبتهم شديدة، فماذا كانت العقوبة؟ عدم الحديث معهم لمدة خمسين يوما، خصام خمسين يوما، فتنزل الآية فيهم: "..ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ.." (التوبة:118) تخيل لو أن هذه هي أكبر عقوبة في المنزل، وقد قالها الله عن يوم القيامة: "كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ" (المطففين:15) فأشد عقوبة يوم القيامة أنهم محجوبون عن الله تبارك وتعالى.أحد العابدين كان شديد الحب لله، ثم فعل معصية كبيرة، فتوقع أنه سيعاقب، فلم يجد من الله عقوبة، فأخذ يسأل نفسه: لماذا لم يعاقبني الله، فرأى في المنام ملك يقول له: ألم تحرم لذة مناجاة الله عز وجل؟ عقوبة الحرمان لمن يحبون بعضهم البعض أشد كثيرا من أي عقوبة. في أمريكا، أعدوا إحصائية على ألف فرد: خمسمائة أب وأم، وخمسمائة شاب. سألوا كل الآباء: هل تحب ابنك؟ فأجابوا جميعا: نعم، وظنوا أنه سؤال سخيف، بالطبع نحب أولادنا. وسألوا كل الأبناء: هل يحبك أبوك؟ بعضهم قال: أظن، والآخر:لا أدرى، والآخر: أحيانا، والبعض: طبعا، والبعض: ممكن. كانت أغلب الإجابات: طبعا أبي يحبني، لكنه لم يشعرني بها أبدا. هذا في أمريكا، ونحن لدينا العلاقات أدفأ بكثير، لكنها بدأت تتراجع. فلنتفق جميعا إخوتي، على أن نغير المفتاح، وأن نبدأ بالعاطفة، والشباب أقدر مني على إصلاح هذه النقطة. أقول لكل شاب: مد يدك إلى أمك وأبيك، قبّلهما، قبّل أيديهما، اعرض عليهما الخروج سويا للمشي معا في يوم من الأيام. قل لهم: منذ زمن أريد أن أصحبكم معي، اعبد ربنا لعلك تعتق في رمضان هذا العام بتقبيلك ليد أم أو أب، بفتحك قلبك لهما. تجد مشاعر بعض الآباء الرجال جامدة تجاه أولادهم، وفى هذا الموضوع أحكي لكم قصة: حينما كنت أعيش في لبنان، كان هناك سباق كبير يقام كل عام يشارك فيه شباب وبنات، فكان هناك ابن يشارك في السباق فطلب من أبيه الحضور وألح عليه، وكان الأب شخصا محترما صارما، فذهب لحضور السباق مرتديا (بدلة) كاملة، ووقف يشاهد السباق بكل وقار دون كلمة تشجيع واحدة لابنه، وفى اللحظات الأخيرة ارتفعت سخونة السباق وأوشك ابنه على أن يكون ضمن الفائزين الأوائل، فوجدت هذا الأب يفك الكرافتة التي كان يرتديها، وأخذ يجرى بجوار الحاجز، وانتعش فجأة، وأخذ يشجع ابنه: هيا، هيا، تشجع ستصل بإذن الله، والعرق يتصبب منه والناس مندهشين من التحول المفاجئ في تصرف الرجل الوقور الجامد، فنظر إليهم قائلاً: عفوا فأنا أب.بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحابة رأى الحسن والحسين - وعمرهما حوالي ثلاثة أو أربعة أعوام- يدخلان المسجد فيتعثران في جلابيبهما الطويلة، فينزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ويقطع الخطبة، ويحملهما ويصعد بهما على المنبر وأخذ يكمل الخطبة ويقول للصحابة: "إن ابني هذان رأيتهما يعثران فلم يصبر قلبي حتى حملتهما" يا سلام يا رسول الله على العاطفة العظيمة- صلى الله عليك يا رسول الله، فلم يستح من إظهار هذه العاطفة في وقفة المنبر. طبعا لو فعلها أحد في بلادنا الآن سيستنكر الناس فعلته! فمن منا يقلد رسول الله؟نحن نطلب من الآباء والأمهات أن يغلبوا لغة العاطفة ويتخلوا عن الجمود، وأنتم يا شباب أحذركم أيضا من الجمود فإذا اقترب أباك استجب، إن جمدت الآن في صغرك فماذا ستفعل في كبرك.وفى النهاية، نلخص ما سبق كله بتوجيه كلمة للآباء والأمهات في التعامل مع الشباب أن قاعدة اليوم ليعود التآلف الأسرى: لغة العاطفة قبل لغة العقل.

ريم بدر الدين 08-13-2010 01:07 PM

الحلقة الرابعة
 
الحلقة الثالثة عشر : لغة العاطفة 2
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.الأسرة هي جنة بيوتنا: يقول أحد العلماء: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. وأنا أقول لعل جنة الدنيا هي الأسرة؛ جنة معرفة الله وجنة لمّ شمل الأسرة. العاطفة المفتاح السحري:هيا نعيش مع الرسول صلى الله عليه وسلم وحب العائله و حب الناس، وكيف أن لغة العاطفة هي الأكثر تأثيرا في البشرية؟ نجد أن العاطفة هي المفتاح السحري للعلاقه بين الآباء والأبناء، مثل عصا موسى السحرية، ماذا فعلت عصا موسى؟ قلبت الأرض بحرا وقلبت البحر جبلا، وكذلك العاطفة هي المفتاح لعودة ابنك أو بنتك لحضنك.العاطفة يا شباب، هي المفتاح الذي يفتح العلاقة بينك وبين أبيك. بادر أيها الابن لفتح الباب وستجد الجنة في بيتك. الرسول عليه الصلاة والسلام ولغة العاطفة:كان في المدينة رجل يُدعى "زاهر"، وكان هذا الرجل ذات شخصية شديدة، لذلك كان الصحابة يتجنبون التعامل معه، وفي يوم كان واقفا في السوق، فلما رآه النبي آتيا أمسك به من ظهره، فقال زاهر: مَن هذا؟؟ أرسلني.يقول: فوجدت النبي فاتحا زراعيه لي.يقول زاهر: فما فرحت لشيء إلا لملاصقة جسدي لجسد النبي صلى الله عليه وسلم.فأخذ النبي بيد زاهر ورفعها وقال: من يشتري هذا العبد؟ ويضحك النبي صلى الله عليه وسلم.يقول زاهر: إذن تجدني كاسدا يا رسول الله.فقال له رسول الله: ولكنك عند الله غالٍ.ما هذه العاطفة يا رسول الله؟! ما هذا الجمال؟! رسالة الآباء والأمهات:حب ابنك بدون شروط، بمعنى سواء ابنك حسن الخُلق أو غير ذلك عليك أن تحبه، وتُظهر له عاطفتك وحبك له، وتضمه إليك لكي يبادلك العاطفة نفسها؛ لأنه لو شعر بأن الحب مشروط بأن يكون مطيعا سيتحول إلى ابن عنيد. مواقف من واقعنا:كان لأمٍّ ابن مدمن للمخدرات، وقد عانت الكثير معه من سوء معاملة وسبّ، ثم ذهبت به إلى المستشفى لكي يتم علاجه، وعندما قابلت الطبيبة المسئولة عن الحالة سألتها الطبيبة: منذ متى قلتي لابنك إني أُحبك؟قالت الأم: منذ كان صغيرا.فقالت لها الطبيبة: اذهبي وقولي لابنك أحبك بصدق و بحنان.تقول الأم: جلست أمام ابني ولكني لا أستطيع أن أعبر له عن حبي له، وبدأت أستشعر ذكرياتي معه عندما كان صغيرا، وبالفعل قلت له:أني أُحبك.تقول الأم: فبكى ابني وقام ليحتضني.ياااه، كان يحتاج لهذة الكلمه منذ زمن بعيد.دعوني أسأل: لماذا يتوقف الحب إلى أن يبلغ الطفل عشر سنوات؟ متى قلت لابنك أني أُحبك؟ وأنت أيتها الأم الحنون متى قلتِ لابنك أو بنتك إني أُحبك؟وأنت أيها الشاب، متى قلت لأبيك أُحبك؟ أو كتبت له كلمة حب في ورقه؟ لماذا نخجل من أن نُظهر عاطفتنا وحبنا تجاه بعضنا؟ اُكتب لابنك:كان هناك أب وأم، وكان لديهم ابن في السابعة عشر عامًا، وكان ابنا عنيدا جدا وعصبيا جدافلم يجدوا وسيلة للتحدث معه إلا بالكتابة. كانوا يكتبون له رسائل ويضعونها له في مكان نومه، وكانوا يكتبون على الظرف: اقرأها عندما تكون وحدك، وكان يقرأ الرسائل كل يوم. يقول الابن: كنت أنتظر كل يوم الرسالة من أبي وأمي، وعندما كانت تتأخر الرسالة كنت أحزن كثيرا، ويقول: تمت فترة المراهقة بسلام بسبب هذة الرسائل. وقفة مع الشباب:لماذا تترك والديك حتى يستخدموا وسيلة الرسائل؟ابدأ أنت، لا تنتظر حتى يتوصلوا للكتابة لك. رسالة إلى الشباب:لابد أن تعلم أيها الشاب أنك أغلى شيء في حياة والديك.وضح لنا الله سبحانه وتعالى مدى عاطفة الأم تجاه ابنها من خلال قصة أم موسى، قال تعالى:" وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا..." (القصص10). هنا الآية تبين حال قلب أم موسى من شدة التألم لفراق ابنها.ثم قال تبارك وتعالى:"....إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ..." (القصص7)، يطمئن الله عز وجل قلبها سنرده لكِ، لأنه يَعلم قلب الأم وعاطفة الأم تجاه ابنها. قال تعالى "... َلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ" (القصص7)، ثم يقول تبارك وتعالى" فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ...." (القصص13). يا شباب، أمك شيء غالٍ.يأتي القرآن أيضا ويُظهر لنا عاطفة الأب: فسيدنا نوح وابنه على الرغم من أنه كافر إلا أنه دعا له بعد غرقه، قال تعالى"... فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ "(هود45 )، نرى عاطفة سيدنا موسى تجاه ابنه وهو يدعو الله بأن ينجِّي ابنه.هل رأيتم يا شباب مدى عاطفة الأم والأب؟ النبي والرحمة بالأطفال:على الرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهى عن الالتفات في الصلاة، ولكنه ذات مرة دخل المسجد وكان يحمل بنت السيدة زينب وصلى بها - صلى الله عليه وسلم- وهنا أراد النبي أن يلفت الأنظار إلى أهمية البنت، وأنها تحتاج إلى الاهتمام نظرًا؛ لأنه كان مجتمعا يوأد البنات. (ما رأينا أحد أرحم بالأطفال إلا رسول الله)!جاء الحسن والحسين فأخذ النبي يقبلهما، فجاء رجل وقال: أتقبلون أولادكم؟ إني عندي عشرة من الأولاد ما قبلت واحدا منهم. فقال له النبي: و كيف أفعل برجل نزع الله الرحمة من قلبه؟قال عليه الصلاة والسلام "من كانت له ثلاث بنات، فيؤدبهمن، ويرحمهن، ويكفلهن، وجبت له الجنه البتَّة". قلنا: وإن كانتا اثنتين. قال :وإن كانتا اثنتين. مواقف من الواقع في التعامل بالعاطفة:تروي إحدى الفتيات وتقول: أبي شيء غال عندي جدا، وأشعر بالضيق النفسي عندما أشعر أنه غاضب مني، فكنت كل يوم قبل ذهابي إلى العمل أكتب ورقة وأرسم فيها قلبا وأكتب اسمي واسمه وأقول له أُحبك يا أبي. أبي هو مفتاح حياتي في الدنيا.ويقول أحد الشباب: كنت أنا ووالدي رحمه الله تجمعنا صداقة قوية جدا، وكان يتناقش معي في كل صغيرة وكبيرة، وعلى الرغم من هذه الصداقة إلا أنه كان يعاقبني عندما كنت أفعل شيئا خطأً، ولكني ما غضبت منه لأنه عاقبني، وأحب أن أُوجه رساله للشباب: ستعرف مدى أهمية الوالد إذا قدر الله لك أن تفتقده، فكل شاب ينتهز فرصة وجود والده معه ويحتضنه ويصادقه.كثيرا ما أشعر أنني محتاج له في قراراتي، وكثيرا ما أحتاج للتحدث معه.وبفضل الله لا أنساه في دعائي أبدا. كلمه أخيرة:فلنبدأ بالعاطفة... وكيف نجدها؟اعبدوا الله سويا سيقذف الله تعالى في قلوبكم العاطفة، والحب والرحمة.

ريم بدر الدين 08-13-2010 01:09 PM

الحلقة الرابعة
 
الحلقة الرابعة عشر : كيف توجه أبناءك 1
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. نكمل سويا "الجنة في بيوتنا"، هدف هذا البرنامج هو إعادة الدفء والحب في العلاقات داخل بيوتنا وأسرنا، ونمنع الجزر المنعزلة، فتعالوا نجمع العلاقات الأسرية مرة أخرى. تحدثنا في الحلقات السابقة عن علاقة الأزواج بالزوجات، ودور الآباء (لأب القدوة، الأب الصديق). واليوم نتحدث عن مفتاح جديد من مفاتيح التعامل، وقاعدة جديدة للتعامل تعيد حضن الأسرة. قاعدة اليوم خاصة بالآباء - سواء أب أو أم- وبين الشباب، بنات أو أولاد، وعنوان الحلقة: "كيف توجّه أبناءك" فيتساءل الكثير من الآباء والأمهات عن كيفية التعامل مع الأبناء، ويشكو الكثير من استهتار الأبناء وردودهم السخيفة إلى آخره. أساليب توجيه الآباء للأبناء في الطفولة:كيف نوجه أبناءنا؟ ما هي الطرق التي نوجه بها أبناءنا ؟ تعالوا نحصر هذه الطرق ثم نتحدث عن كيفية تعامل النبي صلى الله عليه وسلم والمبدأ الذي كان يتحرك به النبي في التعامل مع الشباب، ثم ننصح الآباء بالتعامل مثلما كان يتعامل النبي صلى الله عليه وسلم، ونتفق على طريقة تربية جديدة وطريقة معاملة جديدة. فحلقة اليوم عن طرق التوجيه، وكيفية توجيه الشباب.في البداية، نسأل كيف كانت طريقة توجيه الآباء للأطفال؟ هناك طرق شهيرة للتعامل والتوجيه أثناء الطفولة منها طريقة الأوامر المباشرة فتأمر ابنك أمرًا مباشر: كُلْ، اشرب، نَمْ. وهناك طريقة ثانية؛ وهي طريقة اللوم والعتاب بأن تقول: لا تفعل كذا. وهناك طريقة ثالثة وهي طريقة التهديد؛ فمثلا تنظر الأم لابنها نظرة حادة. فهذه كانت طرق التوجيه أثناء الطفولة ولكنهم الآن أصبحوا أكبر سنا وأصبح سنهم يتراوح ما بين الثانية عشرة والعشرين. هل يمكن أن نستخدم الطرق نفسها التي كنا نستخدمها أثناء الطفولة أم يجب أن نغيرها؟ الأساليب الخطأ في توجيه الآباء للأبناء عند الكبر:سأعرض ما يقوله الآباء والطرق التي يستخدمونها، وليس الهدف من ذلك أن نقول بأن طرق الآباء خطأ بل الهدف هو أن نتفق بأن نتحد ونمنع الجزر المنعزلة. الأسلوب الأول: اللوم والعتاب: فالأسلوب الأول الذي يستخدمه أغلب الآباء أسلوب اللوم والعتاب؛ فمثلا تقول أم لابنتها: تركتي الزيت على النار حتى احترق، فيمن تفكرين إذن؟ من يشغل بالك؟ كاد البيت أن يحترق، وعادةً ترد البنت وتقول: نعم كنت سارحة ولا مشكلة، وتراها ترد بردود سخيفة ومرفوضة من الآباء. الأسلوب الثاني: النصح الاستفزازي: يقول أب لابنه: إني أحذرك من هؤلاء الأصدقاء، لو خرجت معهم مرة ثانية سيحدث لك مصيبة، ولن أكون مسئولا عنك! فعادة يرد الابن ويقول: وماذا تعرف عن أصدقائي؟ الأسلوب الثالث: التهديد:إذا كان رأيك أن المذاكرة ليست مهمة فأنا رأيي أن المصروف ليس مهمًّا أيضا، فيقول الابن في نفسه: متى أخرج من هذا البيت؟ الأسلوب الرابع: الأوامر:أغلق التلفاز حالا وقم لتذاكر، فيرد الابن قائلا: لا. الأسلوب الخامس: المحاضرات:تجلس طويلاً لتعطي ابنك محاضرة طويلة بأن هذا الفعل خطأ بسبب كذا وكذا، وأننا عندما كنا في مثل عمرك لم نكن نفعل كذا. الأسلوب السادس: التحقير والاستهزاء:لقد نسيت أن تغلق السيارة إذن فأنت إنسان بلا مسؤولية. الأسلوب السابع: المقارنة:تقول أم لابنتها: أختك أفضل منك ولهذا السبب يحبها الناس، لأنها تعامل الآخرين بطريقة جيدة. فالطرق التي نوجه بها أبناءنا غالبا ما تكون في شكل من هذه النقاط السبعة. أحيانا تهديد، وأحيانا لوم وعتاب، وأحيانا نصح ولكن باستفزاز، أحيانا أوامر مباشرة، أحيانا استهزاء وأحيانا مقارنة.ولكن يجب أن نُذكّر الشباب أنه مهما فعل الآباء فإن بر الوالدين فرض، وأحيانا دمعة أم غاضبة منك تكون أشد عند الله من ذنوب سنة، وأحيانا احمرار وجه أب من غضبه تكون أشد عند الله من مئات الذنوب، واعلم أنه إذا مات الأب أو الأم أو أنت، وهما غاضب عليك فأنت في مصيبة شديدة، فمهما كانت الطرق التي يستخدمها الآباء مع الأبناء فليس هناك أي مبرر بالرد عليهم، فقد قال الله تعالى "... فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا ..." (الإسراء23)، فأنت مأمور بالبر من الله سبحانه وتعالى. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يضع طعامه وشرابه)، فقول الزور معناه الكلام السيئ، فلذلك لا يصح التعامل بهذه اللهجة مع أبوك وأمك. الطريقة الصحيحة في توجيه الآباء للأبناء:نريد أن نقول للآباء أن هذه ليست الأساليب الصحيحة في التوجيه، ثمة طريقة أفضل من هذه الأساليب السبعة؛ وهي الطريقة النبوية التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الشباب، ألا وهو المبدأ هو الاحترام والتقدير للشباب؛ أنت محترم، أنت مُقدّر، أنت غالٍ، فأنا أتعامل معك على أنك كبير وأنك رجل، حتى وإن وصل إلى أسوأ درجات إدمان المخدرات لابد أن تستمر في معاملته باحترام. بداخل الإنسان إنزيمات وهرمونات تجعله يريد أن يشعر أنه محترم حتى تفرز إنزيمات الاحترام بشكل طبيعي وبطريقة غير مكبوتة، فهناك مثل سوري يقول: (كبّره يكبر.. صغّره يصغر). مثال للاحترام بين الأبناء والآباء: لو استخدمت هذا المبدأ وهو الاحترام مع ابنك سيشعر بذلك جيدا وستنهض الأمة. ثمة مدرسة الآن تسير بهذا المبدأ أي الاحترام والتقدير، حيث تقوم بتطبيقه على شبابها، فالأمل هو نهضة أمتنا من خلال أناس تسير على هذا المبدأ. يقول فتى إنه كان يجلس مع أصدقائه فدخلت أمه وتحدثت معه، فرد عليها بصوت عالٍ، فقدرته ولم تحرجه أمام أصدقائه وانتظرت بعد أن غادر أصدقائه، وقالت له: لا تفعل هذا مرة أخرى، فيقول الفتى إنه احترمها كثيرا؛ لأنها قدرته، ولم تحرجه أمام أصدقائه. فمن هنا نلاحظ أن هذا الولد شعر بالذنب أكثر من أن لو عاتبته أمه أمام أصدقائه. أسلوب النبي في التعامل مع الشباب:فمبدأ الاحترام والتقدير هو مبدأ من مبادئ النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يوجد أي حديث للنبي يتعامل به مع الأساليب السبعة السابقة التي ذكرناها. من أمثلة ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما وسط كبار الصحابة كأبو بكر وسعد بن أبي وقاص، ومعاذ بن جبل، وأبو عبيدة بن الجراح، وكان الطقس حارًّا والجميع عطشان، فطلب النبي الماء فجاء إناء وكان يجلس بجانب النبي الأيمن طفل صغير يبلغ من العمر عشر سنوات فمسك النبي الإناء وقال للطفل: أتأذن لي أن أبدأ بالكبار؟ فقال الطفل: لا، لماذا؟ لا أؤثر بنصيبي منك أحدا، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكبار وقال لهم: هذا حقه فأبدأ به: اشرب يا غلام.عندما أمر الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة، جمع النبي أبو لهب، والعباس وصفية، وجميع عائلته، وقال لهم: والله لو ضللت الناس ما ضللتكم، ولو كذبت الناس ما كذبتكم، إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، إني رسول الله إليكم: من يبايعني على الإسلام؟ فما قام أحد، فقام ولد يبلغ من العمر سبع سنوات - وهو علي بن أبي طالب- وقال له: أنا أبايعك على الإسلام، فضحكوا، ولكن انظر إلى النبي وهو يقول له: نعم امدد يدك أبايعك، فسكت الناس فتقدم علي بن أبي طالب ووضع يده في يد النبي، فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم. فذاك هو علي بن أبي طالب الذي فتح الله على يديه خيبر، وأصبح أمير المؤمنين، حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مني بمنزلة هارون لموسى. لماذا؟ لأنه رجل، ولأنه تربى على الاحترام. ولذلك إذا نظرنا لطالب يحب مُدرسه، أو مدربه سنرى أنه يحبه؛ لأنه يحترمه ويقدره ويشعره بقيمته، ومن هنا تحدث نهضة الأمة. المثال الثالث: تعامل النبي صلى الله عليه وسلم باحترام حتى مع البنات؛ فكانت تأتي الجارية أي البنت الصغيرة التي تبلغ من العمر تسع سنوات تأخذ بيد النبي إلى السوق ليشتري لها ما يشاء، فما كان ليتركها النبي صلى الله عليه وسلم حتى تنتهي. المثال الرابع لتقدير واحترام النبي صلى الله عليه وسلم للشباب يحكيه لنا شاب اسمه أبو رفاعة العدوي، يقول: لم أكن مسلما، فذهبت إلى المدينة لأتعرف على الإسلام فوجد النبي يخطب على المنبر، فقلت: يا محمد، فنظر في وجهي فعرف أني جاد فنزل من على المنبر وتقدم بين الناس حتى أتاني وقال: آتوني بكرسي، فأتيناه بكرسي، فجلس أمامي يعلمني بصوت مرتفع، والناس تسمع، فظل يعلمني حتى قال لي: أفهمت؟ فقلت: نعم يا رسول الله، فقام وعاد إلى المنبر يكمل خطبته. يقول أحد الصحابة: كنت شابا جلدا فجاء النبي في الحج على ناقته، والناس تتزاحم عليه بينما يمنع أبو بكر وعمر وعلي الناس لتمر الناقة فتزاحمت عليهم، فرآني النبي صلى الله عليه وسلم فوجدني من الشباب، فقال دعوه: فجئت وأخذت بناقة النبي صلى الله عليه وسلم أقودها والنبي الله عليه وسلم يميل ليربت على كتفي. أنت محترم، ومقدر، ولك قيمة. لا يوجد إنسان لا يحتاج للتقدير، ولو كان يشرب المخدرات فعليك أن تعطيه الاحترام، فصوتك سيكون أعلى وستنتصر على هذه الأزمة. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يختار شبابا صغيرا لعمل قضايا كبرى، فالذي حمل الزاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة هي أسماء بنت أبي بكر، فقد أعطاها النبي صلى الله عليه وسلم سرًّا خطيرا كهذا، وهي تبلغ من العمر واحد وعشرون عاما فقط، فمن احترامه أن يحملهم أسرارا ومهاما كبرى. أيضا أسامة بن زيد حيث كان عمره ستة عشر عاما، وقد عُيّن قائدا للجيش، وكان في هذا الجيش أبو بكر وعمر، فقال الناس: أتجعله قائدا على جيش فيه أبو بكر وعمر، فقال لهم: إنه لخليق بها. فعملية تعيين أسامة بن زيد لم تكن سهلة، ولكن النبي أصر على تعيينه وأعطاه الثقة، وكأن تعيين أسامة بن زيد قائدا للجيش رسالة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى كل شاب يقول له فيها: أنت في عيني محترم و أهل للثقة، ورسالة لكل أب وأم لتكليف أبناءهما بمهام؛ كي يشعرون أنهم أصبحوا على قدر المسؤولية، فيجب أن نُشعر الابن بأنه محترم، فالاحترام مبدأ.

ريم بدر الدين 08-13-2010 01:10 PM

الحلقة الرابعة
 
الحلقة الخامسة عشر : كيف توجه أبناءك 2
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلاً بكم، ونعيش مع حلقة جديدة من الجنة في بيوتنا، ولكن بدايةً نحن في شهر رمضان، شهر القرب والإقبال على الله، ومثل رمضان مثل من يقوم بإيداع مبالغ كبيرة في البنك فيصبح لديه رصيد كبير، ونحن نملأ رصيدنا عند الله عزّ وجل حسنات وعبادة وقرب من الله، وقيام، ودعاء، وعمل صالح، فرمضان يعطينا رصيد سنة كاملة. ولابد من الحرص على إعلاء هذا الرصيد الذي سيُسحب منه كثيراً بعد انتهاء هذا الشهر، فاعبدوا، واجتهدوا وأكثروا من الحسنات، هذه مقدمة كان لابد منها. حلقة اليوم استكمال لحلقة الأمس: كيف توجه أبناءك، وكنا قد تحدثنا عن أنه لدينا مبدأ وقاعدة للتآلف الأسري في توجيه الأبناء، ومبدأ تربوي خطير وهام اسمه الاحترام والتقدير. قبل الدخول في حلقة اليوم لابد أن نلخص ما جاء في حلقة الأمس، ونعيش مع مزيد من مبدأ الاحترام والتقدير.نريد أن نعيد مبدأ التواصل والاحترام بيننا وبين أبنائنا، وقد ذكرنا أن هناك طرقاً لا نوافق عليها ولابد من تغييرها: التهديد أو السخرية، أو الأوامر، أو المقارنة بالغير، كلها طرق كنا قد اعتدنا عليها منذ فترة طويلة ولكن لم تأت بأية نتيجة فلابد أن تتغير. فاقترحنا عليكم مبدأ فعله النبي صلى الله عليه وسلم ألا وهو مبدأ الاحترام والتقدير، وليس معناه التدليل و الرضوخ لطلباتهم من شراء سيارة مثلاً، أو أي أمر آخر، وإنما المقصود هو الإصغاء لآرائهم، وإشراكهم ومشاورتهم في أية مسألة والأخذ بآرائهم، مبدأ "أن لا أعرض أبنائي) للإهانة أمام الآخرين. قديماً في المدارس، كان الأب إذا أخطأ ابنه جاء إلى المدرسة وقام بضربه أمام أصحابه وأستاذه، والأب فعل ذلك من باب أنه يربي ابنه، هذا أسلوب خاطئ جداً، وأنت إن أردت توبيخ ابنك أو ضربه فليكن ذلك بمفرده وبعيداً عن أي أحد، ولقد حذر علماء النفس من هذا التصرف ولو كان طفلاً في الخامسة من عمره أو أكثر. لابد أن نغرس فيهم شعور احترامهم وتقديرهم، والنتيجة لا بد أن تكون محبة الأبناء لآبائهم واستجابتهم لهم.سنعرض نماذج للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يمارس هذا الاحترام والتقدير، وكيف كان ينفذه عند الأخطاء، وما هي طرق التوجيه التي كان يتخذها؟ لكن لابد أن نعلم أن هذه الطرق ربما ليست كلها تتناسب مع ابنك، وأنت أدرى الناس بما يناسبه، ويختلف تطبيقها بين شخص وآخر. 1- جرب بنفسك:من طرق التوجيه عند النبي صلى الله عليه وسلم طريق: جرب بنفسك. فالشاب في مرحلة المراهقة يريد أن يجرب أو يستكشف كل شيء حوله، وبالطبع الأب لابد أن يتدخل هنا بحكم خبرته وأن ينصح ابنه. ومتى تستخدم طريق جرب بنفسك؟ عندما يكون الضرر محسوباً وتحت السيطرة، فلنرى كيف استخدم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الطريقة:يحكي أحد الشباب: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في معركة الطائف، وبعد محاصرة الطائف واستمرار الحصار لمدة زادت عن خمسة عشر يوماً دون أن يدخلوها، وأهل الطائف كانوا يرمون المسلمين بالنبال- وكانت المسافة التي يبتعد بها المسلمون عن الحصن كبيرة، فكانت النبال لا تقتل ولكن تجرح فقط - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني مرتحل غداً" فقام الشباب بحماستهم المعهودة يقولون: كيف نتركهم يارسول الله؟ كيف نغادر؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اغدوا على القتال غداً". فذهبوا اليوم التالي إلى القتال، فأصابهم النبال فعادوا بجروح، فنظر إليهم النبي وقال: "إني مرتحل غداً" قالوا: نعم يا رسول الله! يقولون: فسمعنا صوت ضحك النبي صلى الله عليه وسلم. أيضاً استخدم النبي طريقة "جرب بنفسك" بشكل آخر: بينما نمر مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بغلام يسلخ شاه، ولكنه يجد صعوبة في ذلك، فهممنا أن ندخل ونقول للفتى كيفية ذلك، فأشار إلينا النبي ألا نفعل، يقولون: فظل يحاول حتى ظهرت عليه الحيرة، فقال النبي: "يا غلام دعني أريك كيف تسلخ الشاه، فأدخل النبي يده بين الجلد واللحم ينظر للغلام ويقول: "هكذا تفعل". فالنبي صلى عليه وسلم ترك الفتى يجرب بنفسه ثم أراه كيف يقوم بسلخ الشاه. 2- عالج الخطأ بنفسك ثم وَجّه:بينما نحن جلوس في المسجد دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم، فاتجه إلى القبلة فوجد نخامة في القبلة إفرازات الأنف)_ لا ننسى أن الإسلام كان يعالج أناساً لم يكن استيعاب الذوقيات شيئاً كبيراً في حياتهم_ فقام النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكلمنا يبحث عن عود خشب، فأخذ عود الخشب وذهب إلى القبلة، وظل يزيل النخامة بعود الخشب ونحن ننظر، ثم أخذها ووضعها في التراب وواراها في التراب، ولم يكلمنا حتى وضعنا رؤوسنا في الأرض، ثم قال لنا: "أيكم يأتيني بعطر"، فقام غلام منا مسرعاً إلى أهله _ يريد أن يكفر عن خطئه_ فأتاه بعطر، فظل النبي صلى الله عليه وسلم يضع العطر على المكان في القبلة، ويضعها بيده حتى رضي عن المكان _ وإلى يومنا هذا تطيب المساجد، والحجر الأسود، والكعبة بالعطور منذ تلك الحادثة. ثم التفت إلينا وقال لنا: "أيكم يحب أن يُعرض الله عنه؟ فلم نتكلم، ولم نرد، فأعاد السؤال: "أيكم يحب أن يُعرض الله عنه؟"، فلم نرد، فأعاد السؤال. قلنا: لا أحد يا رسول الله، قال: "فإن أحدكم إذا أقبل على الصلاة فإن الله يقبل عليه بينه وبين القبلة، فإذا أقبل أحدكم على صلاته فلا يبصق في قبلته، فقلنا: والله لا نفعلها بعد الآن يا رسول الله. فالنبي صلى الله عليه وسلم اتبع أسلوب الشدة، ولكن بطريقة جعلتهم ينصتون إليه ويلومون أنفسهم.لماذا نعتقد أن أبناءنا أغبياء؟ وأساليبنا معهم: النصح، الاستهزاء، اللوم، العتاب، التهديد، الأوامر، التحقير والمقارنة. لماذا لا نتعلم من أسلوب النبي في معالجة الخطأ!3- التوجيه بالمشاركة:لا بد من إيجاد منطقة مشتركة بينك وبين ابنك. عن عمر بن شريد عن أبيه (الحديث في صحيح مسلم): كنت شاباً أحفظ من الشعر الكثير يلهيني أحياناً، فلقيني الرسول في الطريق، وعُرف عني ذلك، فقال لي: "أتحب أن تركب خلفي"، فركبت خلف النبي، فقال لي: "أتحفظ شيئاً من شعر أمية بن الصلت" _ اختار النبي شعر أمية بن الصلت لأن شعره كان جيداً، قلت: نعم يا رسول الله. فقال: "أنشدني بيتاً" فأنشدته بيتاً، فقال: "هيه" وكررها النبي، حتى أنشدت له مائة بيت. فقال لي النبي: كاد أمية ابن أبي الصلت أن يكون مسلماً، ثم قرأ عليّ: "َالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ" (الشعراء:224) "أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ" (الشعراء:225) "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..." (الشعراء:227) يقول ففهمت أنه يقول لي:اسمع ولكن تخير.4- التوجيه باستغلال الموهبة:هناك شباب يعرف عنهم المشاكسة والرذالة، ولكن هل حاولنا أن نبحث عن مواهبهم؟ وهذه المشاكسة أو الرذالة جاءت نتيجة طاقة لم يحسن توجيهها، وهذا حال أغلب شبابنا، وهي من الأسباب التي تجعلهم يرتكبون أخطاءً كبيرة نتيجة عدم التوجيه الصحيح في استغلال مواهبهم بالطريقة الصحيحة.أمرالنبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة سيدنا بلال أن يؤذن بالمسلمين من فوق الكعبة، وكان هناك شاب يدعى أبو محذورة – اسمه الحقيقي سلمة بن معير – ويبلغ من العمر ستة عشر عاماً، يمتلك صوتاً عذباً، فبدأ يسخر من سيدنا بلال، ويقوم بإضحاك الناس عليه، حتى ارتفعت أصوات الضحك هذه ووصلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبلال يؤذن. فعلم النبي بأبي محذورة، فقال: "ائتوني به" يقول: فذُهب بي إليه، وأنا أعلم أنني مقتول. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "بلغني أنك حسن الصوت" فنظرت، فقال لي: "هل أعلمك الآذان" فقلت: نعم، فأخذني والناس تنظر، يؤذن وأنا أقلد..يقول :أردد خلفه فيبتسم في وجهي أكثر، وظل يمسح على قلبي وعلى ناصيتي، يقول: فامتلأ قلبي إيماناً ويقيناً أنه رسول الله، فلما انتهيت قال: "تعلمت الآذان ؟" قلت نعم، قال لي: "أنت مؤذن أهل مكة". راوي هذه القصة أبو محذورة نفسه عندما أصبح في الأربعين من عمره، وكان مؤذن مكة منذ تلك الحادثة، يبكي ويقول: جعلني مؤذناً لأهل مكة وأنا كنت أستهزيء ببلال، وإلى اليوم أنا مؤذن أهل مكة بما فعله معي رسول الله صلى الله عليه وسلم. لو اتبعنا أساليب النبي صلى الله عليه وسلم لا بد أن تحدث نهضة على يد شباب هذه الأمة. 5- التوجيه بالتحفيز والمدح:شاب دخل المسجد، يقول: دخلت المسجد فأحدثت جلبة، والمصلون في ركوعهم، أراد أن يلحق الصلاة قبل أن تفوته، فأحدث جلبة في المسجد، وعند الانتهاء من الصلاة، قال له النبي: "زادك الله حرصاً ولا تُعِد". التوجيه بالتحفيز بالمدح: هناك حديث للنبي صلى الله عليه وسلم "احثوا في وجه المداحين التراب" ونحن قد فهمنا هذا الحديث خطأ، المقصود هنا بالمداحين المنافقين، لكن أن تحفز ابنك، والنبي قام بتحفيز أصحابه "خير رجالتنا سلمة بن الأكوع"، "أمين هذه الأمة عبيدة بن الجراح"، "لو سلك عمر بن الخطاب طريقاً لسلك الشيطان طريقاً آخر".التحفيز برفع بالروح المعنوية، عبد الله بن عمر بن الخطاب كان يصلى قيام الليل، وحدث أن ترك ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يحثه على قيام الليل، فيقول: "نعم العبد عبد الله بن عمر لو كان يقوم الليل"، فكان عبد الله بن عمر منذ ذلك اليوم لا يترك قيام الليل. 6- فتْح الحوار:فتْح الموضوع للمناقشة: فالنبي صلى الله عليه وسلم تعلم هذا الأمر من جده سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما قال لابنه: "يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى" (الصافات:102).جاء شاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمام الصحابة، وقال: يا رسول الله، أريدك أن ترخص لي في الزنا، فهم الصحابة أن يفتكوا به، فقال النبي دعوه، فقال له: "أترضاه لأمك؟ قال لا، أترضاه لخالتك؟ قال: لا، أترضاه لعمتك؟ قال: لا، أترضاه لأختك؟ قال: لا. قال "كذلك الناس لا يرضون لأولادهم وخالاتهم وعماتهم وأمهاتهم مالا ترضاه أنت لأهلك". هذه ست طرق من أصل خمس عشرة طريقة للنبي صلى الله عليه وسلم في توجيه الأبناء، يجمعها محور واحد: الاحترام والتقدير. فتكون النتيجة أن يعلو صوتي على أصوات الفساد والانحراف وأصحاب السوء،لأن صوتي سيعطيك النغمة التي تريد سماعها، أنت تريد أن تكون محترماً، ونحن قد ذكرنا أن الأب هو الصديق، واليوم نضيف علي ذلك أن الاحترام والتقدير مبدءان لا غنى عنهما للآباء في التعامل مع أولادهم. إذا أردنا أن نملك قلوب أبنائنا، وأن نجنبهم الوقوع في الخطأ، لابد أن نركز على حلقة الأب الصديق، وهي من أهم الحلقات، ونضيف عليها ما نحن بصدده اليوم توجيههم بالاحترام والتقدير.فيا آباء وأمهات لنتوب، ونعقد النية على التوبة، وأن نوجه أبناءنا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون هذا على خطى الحبيب في الجانب الاجتماعي، كذلك دعوة لبناتنا وشبابنا: ساعدوا أباءكم وأمهاتكم على احترامكم وتقديركم، وبصداقتك لوالدك ستبدأ صفحة جديدة، وتجعلون أباءكم وأمهاتكم يحترمونكم عندما تبادرون باتخاذ هذه الخطوة، وهي التقرب منهم، صاحب والدك يحترمك. فدعوتي للأب: احترم ابنك، وللشباب: صاحب والدك.. تقرب منه، افتح له قلبك، شاوره، خذ برأيه، حتى يعلم أن خبرته لم تذهب سدى، فسيحترمك، وسيغير من أسلوبه معك، وبفطرته ستكون كبيراً في عينيه.

ريم بدر الدين 08-13-2010 01:11 PM

الحلقة الرابعة
 
الحلقة السادسة عشر : العقوبة 1
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلاً بكم في حلقة اليوم، والتي تُعد استكمالاً للحلقتين السابقتين اللتين كانتا تتكلمان عن كيفية التعامل مع أبنائنا، و طريقة التوجيه الصحيحة، وهل الصحيح أن نتكلم بلغة العاطفة أولاً أم لغة العقل؟ وانتهينا إلى ثلاث قواعد أساسية للتربية: 1. الأب الصديق وكذلك الأم. 2. لغة العاطفة قبل لغة العقل. 3. الاحترام والتقدير. جاءتنا ردود سائلة عن العقاب. ماذا نفعل عندما يخطئ أولادنا؟ وهل لابد من معاقبتهم؟ لقد أفردنا حلقة كاملة للعقوبة، وهي حلقة اليوم. دعونا نبدأ بالاعتراف بوجود إفراط وإسراف في استخدام الآباء والأمهات للعقاب. وعندما أذكر العقوبة أقصد كل شئ من المنع من المصروف، إلى المنع من الخروج، إلى الحرمان من الأشياء التي يحبها أولادنا...الخ، ولا أتكلم عن الضرب لأنه مرفوض تماما،ً ولا يُعد وسيلة تربوية كما أثبت علم النفس، وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، "ما ضرب رسول الله امرأة قط، وما ضرب رسول الله طفلاً قط". غالباً ما يلجأ الآباء للعقاب- رغم صحة نيته- لأنه وسيلة سهلة. ونعوذ بالله أن تفهمنا الناس أننا نقول أن الأبناء على حق والآباء ليسوا كذلك! بالعكس، فنحن أفردنا حلقتين للتحدث عن بر الوالدين، ونريد أن نربي أبناءنا على تقبيل يد الأب والأم وعلى احترامهما. هدف هذه الحلقة: العقوبة ليست وسيلة مناسبة، العقوبة ليست أول البدائل. يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" ما كان الرفق في شئ إلا زانه وما كان العنف في شئ إلا شانه" ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف". كان هدف النبي من هذا الحديث أن نبحث عن بدائل للتربية. وسر حديثنا عن هذا الموضوع في وسط الحلقات التي نتكلم فيها عن الأسرة كجزر منعزلة أن العقاب يؤدي لفقدان الرغبة عند الأبناء في التعامل مع الآباء. كما يعلمهم أن يفعلوا ما يريده الآباء أن يفعلوه أمامهم فقط ليظهروا بالمظهر الذي يريده الآباء لهم، ثم يفعلوا ما يحلو لهم في السر. وهكذا أصبحنا نعلمهم النفاق بهذا العقاب، فنزيد الموقف سوءاً لأننا أخذنا الحل الأسهل الذي لا يؤدي لتغيير السلوك وتقويمه. أريد أن أسألكم: هل العقاب هدف أم وسيلة؟ إذا كنت تعتبر العقاب هدفاً وتعاقب أبناءك دون سبب فهو حرام. وإذا كنت تعتبر العقاب وسيلة، فهل هو الوسيلة المؤدية لأفضل النتائج؟ وما هي الرسالة التي نوصلها للأبناء بالعقاب؟ المفاجأة هي أن ما نريد توصيله هو عكس ما يستقبله الأبناء تماماً! نحن نريد أن نوصل لهم إننا أباك وأمك نريد المصلحة لك، أنت غالي عندنا، وما تفعله يسئ لك، ولابد أن تصلح من سلوكك، ولهذا نعاقبك. أما ما يستقبله الأبناء فهو الحيرة "لماذا يقهرونني؟ لم يتحكمون فيَّ؟ هل أنا مكان يفرغون فيه مشاكلهم في العمل؟ سوف أعاند أكثر وأكثر وسأتزين أمامهم ليروني مثالاً جيداً ثم أفعل ما أريد دون أن يدروا" ويساعده الشيطان على التمرد مع تراكم هذه الرسائل. يكون الموقف أسوأ مع الضرب. أرجوكم لا تضربوا أبناءكم؛ الضرب يؤذي الشخصية ويعطي إحساساً للطفل بأن الأقوى هو الأقدر على السيطرة، ويستمر معه هذا الإحساس مع تقدم سنه، ولهذا نسمع عن ضابط بالشرطة يضرب شخصاً ضرباً مبرحاً، ولهذا نسمع ونرى العنف والتفجيرات، لابد من وجود مشاكل في بيوت وأسر هؤلاء الأشخاص متعلقة بالعنف. تعالوا نعود للقاعدة التي وضعها لنا النبي صلى الله عليه وسلم: " ما كان الرفق في شئ إلا زانه وما نُزع من شئ إلا شانه وإن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف". أحياناً نعاقب في وقت يكون استعمال العقوبة فيه غير سليم. § أحياناً نعاقب فنحرم أبناءنا الصغار من التعلم. الأطفال يريدون تعلم كل شئ فيلمسون هذا، ويتعلمون هذا، ويحطمون هذا، ويفككون هذا...فبمعاقبتنا لهم نحرمهم من التعلم والاكتشاف. قد يكون صوت الطفل مرتفعاً ويسبب لك إزعاجاً فتعاقبه، وقد يكون لديه موهبة في الإنشاد. قد تكون لعبة الطفل المفضلة هي اللعب بالورق وتشكيله وتحرمه منها وتكون ثمرتها كبت عبقرية هندسية لديه. أنا عندي وصفة تحرم الأبناء من جميع أشكال الإبداع: كلما حاول الطفل أن يفعل شيئاً سيتسبب في فوضى البيت عاقبيه! مبارك! ستحصلين على بيت مرتب جداً وابن لا يفقه شيئاً! § أحياناً يكون لدى أبنائنا خُلقاً نريد أن ننميه، وبالعقاب الخطأ نحرمه منه. تحكي أم عن اتفاق أبرمته مع زوجها على تنمية سلوك الإيجابية عند ابنهما ذي السنوات الخمس. ذات يوم والأب عائد من عمله، استقبله الابن" أبي، أنا ولد رائع!" فحكت له الأم ما حدث. أراد الولد "الإيجابي" مساعدة أمه في غسل الأطباق، ولكنه لم يكن كبيراً بالقدر الكافي ليصل إلى الصنبور، ففتح الثلاجة ليأتي بالماء لغسل الأطباق فسكب المياه كلها! ماذا ستفعلين لو كنت في هذا الموقف؟ تحكي الأم أنها قالت للولد: الأم: لماذا فعلت هذا؟ الابن: أردت أن أساعدك في غسل الأطباق. (هذه هي الإيجابية وهو سلوك رائع لا يمكن قتله) الأم: ولماذا جئت بالمياه من الثلاجة؟ الابن: لأنني لم أتمكن من الوصول للصنبور. الأم: أرأيت ما حدث؟ الابن:نعم. الأم: وماذا علينا أن نفعل؟ الابن: في المرة القادمة سأحمل الأطباق إلى الحمام لأغسلها هناك! الأم: ألا أدلك على خير من ذلك؟ في المرة القادمة التي تريد أن تساعدني، قل لي لكي آتي لك بكرسي تقف عليه فتستطيع الوصول إلى الصنبور. الابن: هذا ما سأفعله في المرة القادمة.الأم: وماذا سنفعل الآن؟الابن: سآتي بمنشفة لأجفف المياه. الأم: وأنا سأساعدك.لم تبذل الأم مجهوداً في الانفعال وتوبيخ الطفل بل استخدمت وقتها ومجهودها في إنتاج سلوك صحيح عند الطفل؛ فعندما عاد الأب من عمله وجد الابن منتعشاً. § أحياناً نعاقب لأن هذا هو الطريق السهل دون الوصول إلى أصل المشكلة. دعوني أقص عليكم قصة عمر بن أبي سَلَمة، أبي سَلَمة الذي استشهد ثم تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من أرملته أم سَلَمة. يحكي عمر:" كنت غلاماً في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت يدي تطيش في صحفة الأكل، فأخذني النبي صلى الله عليه وسلم في حجره وقال: يا غلام، إذا أكلت فسمِ الله، وكل بيمينك وكل مما يليك." لو كنت أنت زوج الأم، وابن زوجتك يأكل بطريقة غير لائقة على الإطلاق، ماذا كنت ستفعل؟ كنت ستعاقبه بالحرمان من الأكل مثلاً أو اللعب، لأن العقاب سهل. ولكن النبي لم يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم. تصرف النبي صلى الله عليه وسلم جعل الولد يتذكر هذه الحادثة رغم حداثة عمره الذي لم يتعد الست سنوات حينئذ، فظل متذكراً لها حتى روى لنا هذا الحديث! العقاب هنا سيكون خطأ لأن الأمر ليس مجرد أن الولد كان يأكل بطريقة غير لائقة، النبي صلى الله عليه وسلم توصل إلى جذر المشكلة وهي أن الغلام يتيم، وبدأت تظهر عنده صفة الجشع نتيجة إحساسه بفقدان أبوه الذي يعتمد عليه، فيريد أن يأخذ كل شئ لأنه وحيد. النبي صلى الله عليه وسلم فقه هذا ولهذا لم يعاقبه، بل ذكره بالله سبحانه وتعالى. § أحياناً نعاقب أولادنا انتقاماً لأنفسنا. تحكي أم أنها ابتاعت بيتاً جديداً ودعت صديقاتها لتريهم البيت. فظلت تنظف البيت لمدة يومين وخصوصاً غرفة طفلتها ذات الأعوام الثلاثة، كما جعلتها تنام لكي يصل لصديقاتها مدى رفعة البيت وجمال هيئته! قبيل وصول صديقات الأم، دخلت الأم غرفة البنت فوجدتها وقد فرشت أرضية الغرفة باللعب وتلعب بها وأفقدت الغرفة كل ما كان من ترتيب وتنظيم! فعاقبتها عقاباً شديداً جعل الابنة تبكي دون أن تعرف ذنبها. ما حدث هنا هو أن الأم أرادت حسن المنظر أمام صديقاتها بينما الابنة لم تخطئ. نستخلص من هذه الأمثلة أننا أحياناً نعاقب أولادنا دون سبب، أو نعاقبهم حينما لا يكون العقاب هو الوسيلة السليمة لتقويم السلوك ويكون إيذاءً قد لا ينسوه طيلة حياتهم، ولابد أن نكون حلماء وخصوصاً مع أولادنا وبناتنا. يوصينا النبي صلى الله عليه وسلم:" ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب." فالأولى أن نستخدم هذا الحديث مع أبنائنا. يقول الله تعالى:"...ولَوْ كُنتَ فَظاً غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ..." (آل عمران: 159)، نحن دائماً نفكر في هذه الآية كوصية من الله سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة، ولم لا تكون لنا في التعامل مع أولادنا باللين والرحمة حتى لا ينفضوا من حولنا؟! قد يبرر بعض الآباء كثرة عقابهم لأبنائهم لصعوبة زماننا، وأنه لابد من معاقبتهم لكي يصبحوا أشداء قادرين على تحمل الصعوبات. أرد على هؤلاء بهذه الآية وإنهم سينفضون من حولنا بمجرد إحساسهم بقدرتهم على الاعتماد على أنفسهم، وسيكون هذا الوقت هو أشد وقت تحتاج أنت فيه إليهم. § الأسوأ من كل ما سبق أننا قد نعاقب دون أن ندري: فقد يكون لديك طفلان أحدهما يحسن التصرف عكس الآخر. فتظل تعامل الأول بطريقة تختلف عن معاملتك للآخر، وتتوقف عن العدل بينهما تحت شعار التربية. حذار من هذه الطريقة! جاء للنبي صلى الله عليه وسلم رجل يشهده على أشياء سيعطيها لابنه. فقال له النبي: ألك أولاد؟ قال: نعم. قال: أأعطيتهم مثل ما أعطيته؟ قال: لا. قال: فأشهد على ذلك غيري". حذار من عدم العدل بين الأبناء في كل صغيرة وكبيرة، فهذه الأشياء لا ينساها الأطفال طيلة حياتهم، وقد تفرق بينهم وتزرع بينهم الحقد والكراهية حتى بعد مماتك بأعوام مديدة. بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في بيت ابنته فاطمة وعليّ رضي الله عنهما وأولادهما الحسن والحسين في الفراش، وإذا بالحسن يستيقظ فطلب السقاء، فقام سيدنا عليّ والسيدة فاطمة لإعطائه الماء، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: دعوني أنا أسقيه. فبينما النبي صلى الله عليه وسلم في الطريق لسقاية الحسن وثب الحسين فسبق الحسن يريد الماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا. حتى أعطي أخاك أولاً، فإنه طلب أولاً". أترون إلى أي مدى يكون العدل؟ من طلب أولاً يأخذ أولاً أو نستأذنه. نحن لا نُقدّر ما نفعله في أولادنا بالعقاب. قد يحتاجون إلى العقاب ولكنني أؤكد أنه ليس الحل الأمثل، وهناك العديد من الحلول الأخرى التي يجب أن تسبق العقاب. يأتي الابن يوم القيامة فيقول لله تبارك وتعالى: يا رب خذ لي حقي من أبي، تركني أفعل كذا وكذا، (حديث صحيح). حجة الابن أن الأب أخذ الطريق الأسهل وهو العقاب فلم يدري ما هي مشاكل ابنه، ولم يعالجها. "بدلاً من أن يعالج مشاكلي، فرغ كل مشاكله الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في عقابي لأنه لا يستطيع أن يفعل ذلك مع مديره!" صدقوني حينما أقول لكم أن ما قلناه في الحلقات السابقة هو الحل الأمثل: 1. الأب الصديق. 2. استخدام لغة العاطفة قبل لغة العقل. 3. الاحترام والتقدير. اسمعوا كلام المعلم الأعظم صلى الله عليه وسلم: " ما كان الرفق في شئ إلا زانه، وما نُزع من شئ إلا شانه". كفانا عنفاً في بيوتنا، وأوصيكم بعدم الضرب خاصةً مع البنات، فالبنت هي فاكهة بيتك، وهي مربية أولادها، وهي جدة أحفادها فهي تبني بنياناً من ثلاثة طوابق. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من كان عنده ثلاث بنات فيكرمهن ويؤدبهن ويرحمهن كنَّ له ستراً من النار. قالوا: وإن كانتا اثنتين؟ قال: وإن كانتا اثنتين". كفانا عقاباً وتعالوا نستخدم البدائل


الساعة الآن 10:02 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team