منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   رجل الظل (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=5210)

مبارك الحمود 07-10-2011 01:43 PM

رجل الظل
 
بسم الله


رجل الظل


أنا رجل يخاف ظله, ويكره النور, يكره النور ويحاول قدر استطاعته تجنبه, فأنا أخشى أن يعرف أحدهم ذلك, رجل ظله حصان.. ذلك هو أنا, الوحيد الذي لا يشبهه ظله.. دائما ما أفكر حين حضور وليمة: (ماذا لو أقف الآن في وسط هذا المجلس, فنظر أحدهم للجدار الذي سيقف على طرفه ظلي, ماذا ستكون ردة الفعل؟)..

كنت كل يوم أستيقظ فيه أنظر أولا له, متمنيا أن يعود ظلي لطبيعته, متمنيا لو كان ظلا لفأره, أو ظلا لدودة, صغير الحجم, لا يلاحظه أحد, أو حتى لو كنت بلا ظل.

أذكر أول مرة حينما اكتشفت ذلك, وكان حينها عمري تسع سنوات, أتسابق مع رفقتي, عندها أخذت منحنيا من الطريق الضيق الذي يضيئه مصباح وحيد, فالتفت للجدار الذي يركض عليه حصان أسود محاذ لي بشكل متواز.. فتلفت حولي أبحث عن حصان أبكم الحوافر.. أصابني الفزع, ووقفت مذهولا وحدي, والخطوات العاديات من الرفقة تتعداني, كنت وقتها أفكر بذلك الشيطان الذي نجح بإخافتي, وذهبت أحكي لأصدقائي المحتفلين بالنصر علي, عن ذلك الحصان الذي وقف ينظر إلي.. ليبدأ بعدها هاجسي بمراقبته, فقد أدركت أنه عار سيظل ملتصقا بي.. الوحيدة التي تفهمت ذلك هي أمي رحمها الله, وحينها هدأت من روعي- رغم قلقها من تلك البقع الحمراء, التي بدأت تظهر على جلدي من ذلك الحين, وتتنقل في مختلف أنحاءه-.. نظرت إلي مبتسمة, وأخبرتني بأن ظلها كان مختلفا أيضا, وأنه كان غزالا, واختفى حينما كبُرَت.. ولكني كبرْت, كبرتُ, ولم يختفِ.. أصبح خوفي يزداد, وخصوصا من تلك الأمكنة التي تكثر فيها المصابيح كالملاعب والأعراس, أتخيل نفسي, وأنا تحت مجموعة من الأنوار, وأربع أحصنة حولي, إنه كابوس مخيف..

ذلك سبب عزوفي عن الزواج, فمن تلك التي ستقبل برجل ظله كظلي, بذلك الذي سيبدو في ليلة كتابة عقدها حصانا تُلبسه خاتم زوجها, بالتأكيد سيهز صراخها الأرجاء, قبل أن يصمت للأبد.

أتذكر آخر يوم كنت قريبا فيه من الناس.. كنت وقتها أتناول العشاء في مطعم صغير بعيدا عن بيتي, وحينها لاحظ النادل ظلي, ظل حصان يلتهم همبرقر, وذلك ما سبب فزعا للجميع, وبالتحديد النساء والأطفال الذين خرجوا جماعات مزدحمة من الباب.. لا أعرف لماذا!, لقد كان مجرد ظل!!!.

مازلت أرى ذلك الحلم, على فترات متعددة, ذلك الذي أرى فيه حصانا أبيض حزين, له ظلي, المكان سيرك كبير, والجمهور المندهش يضحك عليه, وهو يأكل من تبن, شعرت أن الجمهور يضحك علي, وأن ضربات السوط كانت تؤذيني, وتؤلمني أنا.

هناك مكانان فكرت فيهما كثيرا, أولهما البحر, ففي الماء تختفي الظلال, ولكن للأسف, كدت أغرق, فما أعدت الكرة, والمكان الآخر الذي ذهبت إليه مزرعة ابن خالتي, حيث لديه قطيع من الخيول, شعرت أني طبيعي هناك, ولعل وعسى يضيع ويتوه ظلي مع تلك الظلال التي تشبهه, الذي استغربته هو الشعور المتقارب المتبادل بيني وبين تلك الخيول. شعرت بأني خيال محترف حينما ركبت أحدها, ولكن تلك السعادة اختفت حينما نظرت للأرض وللحصان الذي يمتطي حصانا, كان موقفا مضحكا يدعو للبكاء.
لقد كرهت الخيول بسبب ذلك.


لكني أشعر اليوم بشيء مختلف, بتحسن وخفة بعد مرور أمراض الشيخوخة.. اشتقت لرؤية حصاني, قد لا تصدقون أن ظل الحصان رغم مرور تلك السنين ما زال يرافقني كصديق مخلص, أحسست برغبة في الركض وتحمست لممارسة الجري في هذا المساء, وظلي المميز الطويل مائل أمامي, يبدو جميلا, وحميمي, كنت عند جسر العبور فوق النهر الصغير حينما توقفت قليلا.. مشيت على الجسر فتوقفت مرة أخرى, ولكن الذي أرعبني أن ظلي لم يتوقف, ورفع قامتيه عاليا, ثم اندفع بعدها يعدو منطلقا كطائر محلق, حتى نهاية نظري, وكانت تلك آخر مرة أراه فيها.

اسماعيل عشا 07-11-2011 07:56 AM

أستاذ مبارك ...
أدهشني هذا النص العجيب .. تابعته حرفا بحرف وشولة بشولة .
ربما كان لكل منا ظل يخيفه أحيانا ويتجنب النظر اليه أو يوهم نفسه
بأن لديه ظل عادي ...
تحياتي وتقديري

أحمد فؤاد صوفي 07-11-2011 12:33 PM

الأديب الكريم مبارك الحمود المحترم

الحرية هدفنا مهما تعاظم علينا الزمان . .
ومهما تشتت بنا المكان . .
ومهما طالت بنا السنون وتباعدت . .
هو حلم لا يتوقف . .
يبدأ بمولدنا ولا ينتهي أبداً . .

نص قوي جداً مفعم بالعاطفة . .
جميل من أوله وحتى آخره . .

تهنئة كبيرة أقدمها إليك . .
عسى أن تكون موفقاً بالخيرات . .
تقبل تحيتي وتقديري . .

** أحمد فؤاد صوفي **

ايوب صابر 07-11-2011 01:33 PM

هي حتما قصة فذة، مدهشه من ناحية البناء، وهنا نجد حضور واضح لكافة عناصر التأثير من حيث استثارة المشاعر، وإدراج كلمات كودية أحيانا، ورمزية أحيانا أخرى. كما أننا نجد هنا استثمار ذكي للنقائض والتضاد والأرقام، وهناك الكثير من الألوان والحركة وذلك الصراع النفسي الداخلي الرهيب الذي يسيطر على بطل القصة والذي اختار القاص مبارك الحمود أن يرويها لنا بضمير المتكلم ليزيد من حدة التأثير على ذهن المتلقي...
ولكن أهم ما في القصة ربما يكمن في عمقها من حيث المعنى والقدرة على جعلها ذات أبعاد متعددة، وسوف نجد بأن كل متلقي ربما يقرأها بمعنى مختلف ومن زاوية مغايره.


سوف أحاول تقديم قراءة معمقة لها كباقي قصص القاص مبارك الحمود ولكن يسرني أن استمع لرأي الآخرين حول المغزى من هذه القصة الذكية...عل ذلك يساعدني في فكفكة أعماقها وسبر أغوارها، وقد أعجبتني قراءة الأستاذ احمد فؤاد صوفي على أنها تمثل مطلب للحرية "الحرية هدفنا مهما تعاظم علينا الزمان" وربما أن هذه القراءة سببها أن الظل قد طار على الجسر ولم يعد (مشيت على الجسر فتوقفت مرة أخرى, ولكن الذي أرعبني أن ظلي لم يتوقف, ورفع قامتيه عاليا, ثم اندفع بعدها يعدو منطلقا كطائرمحلق, حتى نهاية نظري, وكانت تلك آخر مرة أراه فيها ) ، رغم أنني اجدني اتفق مع قراءة الأخ إسماعيل عشا حيث أتصور بأن القصة هي معالجة نفسية لما يدور في خيال بطل القصة... ربما؟؟؟!!

مبارك الحمود 07-12-2011 05:45 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اسماعيل عشا (المشاركة 76594)
أستاذ مبارك ...
أدهشني هذا النص العجيب .. تابعته حرفا بحرف وشولة بشولة .
ربما كان لكل منا ظل يخيفه أحيانا ويتجنب النظر اليه أو يوهم نفسه
بأن لديه ظل عادي ...
تحياتي وتقديري

أيها الجميل أستاذ اسماعيل..
شكرا لك من القلب لقراءتك المهتمة.
سعيد بردك.

ايوب صابر 07-20-2011 11:17 AM

عندما اعدت قراءة هذه القصة وجدتها اكثر عمقا مما تصورت في البداية، وقد تكون تعالج موضوع مهم بطريقة ذكية. والبقع الحمراء التي ظهرت على جسد البطل قد تكون هي المفتاح لفهم القصة والغرض منها.

يمكن الاطلاع على قراءتي لقصة مبارك الحمود ( المهلهل ) هنا:

http://www.mnaabr.com/vb/showthread....ed=1#post77977

مبارك الحمود 07-21-2011 09:02 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد فؤاد صوفي (المشاركة 76640)
الأديب الكريم مبارك الحمود المحترم

الحرية هدفنا مهما تعاظم علينا الزمان . .
ومهما تشتت بنا المكان . .
ومهما طالت بنا السنون وتباعدت . .
هو حلم لا يتوقف . .
يبدأ بمولدنا ولا ينتهي أبداً . .

نص قوي جداً مفعم بالعاطفة . .
جميل من أوله وحتى آخره . .

تهنئة كبيرة أقدمها إليك . .
عسى أن تكون موفقاً بالخيرات . .
تقبل تحيتي وتقديري . .

** أحمد فؤاد صوفي **

أهلا بك أستاذ أحمد, وبقراءتك الجميلة.
وأشكرك على متابعتك.
سلامي لك.

حاتم الحمَد 07-24-2011 01:53 PM

قصة عجيبة يا مبارك تلك التي ورطتنا في قراءتها

بقيت تلك القصة في مخيلتي كبقاء ظلك العجيب .


ولكن تأكد أن ذلك الظل ما هو إلا الروح المتحفزة الجامحة التي أنهكت جسدك

ولكنها بعد مرور السنون وضعف جسدك أبت إلا الرحيل إلى العالم الأبدي.

دمت متألقا أيها الرائع.

مبارك الحمود 07-25-2011 06:57 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايوب صابر (المشاركة 77980)
عندما اعدت قراءة هذه القصة وجدتها اكثر عمقا مما تصورت في البداية، وقد تكون تعالج موضوع مهم بطريقة ذكية. والبقع الحمراء التي ظهرت على جسد البطل قد تكون هي المفتاح لفهم القصة والغرض منها.


يمكن الاطلاع على قراءتي لقصة مبارك الحمود ( المهلهل ) هنا:

http://www.mnaabr.com/vb/showthread....ed=1#post77977

أهلا بك أستاذ أيوب, وأشكر لك اهتمامك بما اكتب.
بانتظار قراءتك للقصة.

مبارك الحمود 07-25-2011 07:00 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حاتم الحمَد (المشاركة 78755)
قصة عجيبة يا مبارك تلك التي ورطتنا في قراءتها

بقيت تلك القصة في مخيلتي كبقاء ظلك العجيب .


ولكن تأكد أن ذلك الظل ما هو إلا الروح المتحفزة الجامحة التي أنهكت جسدك

ولكنها بعد مرور السنون وضعف جسدك أبت إلا الرحيل إلى العالم الأبدي.

دمت متألقا أيها الرائع.

مرحبا وسهلا بك أستاذ حاتم..
أسعدني حضورك هنا.
سلامي لك.

أميمة البدري 07-27-2011 07:55 PM

أستاذ مبارك ..
وقع بصري على هذا النص في أول زيارة وانضمام لأسرة منابر

نص مبهج جداً ، يحمل دلالات كثيرة
والسؤال الذي حرك شئ ما
لماذا كان ظل الأم ايضاً مختلف؟
ولماذا ظلها غزالاً، وظلك حصاناً ؟

دمت في إبداع*

ايوب صابر 08-20-2011 12:50 PM

نلتقي قريبا في قراءة نقدية معمقة لهذه القصة وفي هذه الاثناء يمكنك الاطلاع على القراءات التقدية لقصص مبارك الحمود:

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=4825

مبارك الحمود 09-01-2011 12:38 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أميمة البدري (المشاركة 79383)
أستاذ مبارك ..
وقع بصري على هذا النص في أول زيارة وانضمام لأسرة منابر

نص مبهج جداً ، يحمل دلالات كثيرة
والسؤال الذي حرك شئ ما
لماذا كان ظل الأم ايضاً مختلف؟
ولماذا ظلها غزالاً، وظلك حصاناً ؟

دمت في إبداع*

لي الفخر أستاذة أميمة أن يكون نصي من أوائل النصوص التي شدتك..
شكرا لك ولحضورك, وكل عام وأنت بخير.

مبارك الحمود 09-01-2011 12:38 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايوب صابر (المشاركة 82738)
نلتقي قريبا في قراءة نقدية معمقة لهذه القصة وفي هذه الاثناء يمكنك الاطلاع على القراءات التقدية لقصص مبارك الحمود:

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=4825

ننتظر حضورك المميز أستاذ أيوب..
كل عام وأنت بخير.

ايوب صابر 10-07-2011 02:00 PM

اعتذر منك استاذ مبارك الحمود عن تأخري في تقديم قراءة عميقة لهذه القصة العبقرية....لكني سأبد ان شاء الله عما قريب.


يمكن لمن يحب ان يطلع على القراءات المعمقة لقصص الاستاذ مبارك الحمود النقر على الرابط التالي:


http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=4825

وتغطي القراءة القصص التالية:-
1- الظل
2- انتقام
3- عاطل
4- المهلهل

ايوب صابر 10-07-2011 03:18 PM

قرءاه نقدية مغايرة ومعمقة لقصة " رجل الظل" لكاتبها القاص مباركالحمودومحاولة لفكفكة الغموض فيالقصة واستخراج عناصر الجمال والتأثير فيها:-

"رجل الظل"...قصة أخرى فذة من قصص مبارك الحمود التي تمتاز بالقوة في الصياغة، والمتانة في الأسلوب السردي، والشد، والإدهاش، والغموض إلى حد لا يكاد يحتمله المتلقي.

قصة جميلة تقوم على صراع نفسي داخلي رهيب، يدور في نفس بطل القصة الذي يروى لنا قصته مع ظله، وقد اختار مبارك الحمود ان يسرد لنا قصته بصيغة المتكلم، وهو الأسلوب الأكثر تأثيرا في المتلقي، كون أن الراوي شديد المصداقية.

وهي قصة فيها الكثير من عناصر الجمال التي تجعل النص حيويا، بل ينبض بالحركة والحياة.

وفيها الكثير من الألفاظ التي تستثير المشاعر والأحاسيس والتي يكون وقعها شديد في بعض الأحيان وأشبه ما يكون بسيل عارم أو فيضان من المشاعر المتدفقة.

وفيها من الألوان ما يجعلها مثل لوحة فنية تجسد مشهدا جميلا فيه من السحر الكثير. كما انه يسخر التضاد الذي يكاد يكون سيد الموقف في القصة بإكمالها والمتمثل في الرجل وظله.

ورغم أن في القصة حبكة متسلسلة الأحداث، لكننا نجد بأنها تتمحور حول شخصية البطل،هذه الشخصية الغنية، والديناميكية، والنامية المتطورة عبر القصة، والتي تتمكن من استقطاب اهتمام المتلقي وشده إلى الحدث بصورة مهولة. ولكن ابرز ما في هذه الشخصية ربما هو ذلك الصراع الداخلي الذي يتقن القاص مبارك الحمود رسمه وتصويره للمتلقي بصورة آسرة بالغة التأثير.

ويظل الغموض احد عناصر التشويق الرئيسية في هذه القصة كما هو الحال في باقي قصص مبارك الحمود. هذا الغموض الساحر يجعل القصة ذات مدلولات متعددة، يمكن فهمها على عدة أوجه....ولعل المجتهد مثلي لا يستطيع سبر أغوارها بشكل كامل مهما اجتهد...لتظل غامضة قابلة للتأويل والتفسير من أبعاد أخرى متعددة وهو ما يشير إلى قدرة مبارك الحمود على الكتابة القصصية الفذة...

لقد اختار مبارك الحمود هذه المرة كلمتين عنوانا لقصته ( رجل الظل) وليس كلمة واحدة كما هي عادته. وربما أن السبب هو حاجته لتمييزها عن قصته الأخرى المدهشة والتي عنونها باسم "الظل". ولا شك أن هذا العنوان الذي اختاره يظل مناسب وهو يوحي بما ستكون عليه القصة من غموض ورهبة وإدهاش، وهو حتما يثير الكثير من الأسئلة في ذهن المتلقي الذي يندفع في محاولة للحصول على إجابات عن تلك الأسئلة التي أثارها العنوان في مخيلته.

يتبع،،،

مبارك الحمود 11-12-2011 07:11 PM

أين أنت أستاذ أيوب..
أنتظرك.

ايوب صابر 11-14-2011 11:10 AM

استاذ مبارك الحمود

اعتذر عن تأخري انشغلت في عدة مواضيع في وقت واحد واهمها اصدار كتابي الثاني " الايتام مشاريع العظماء" لكنني سأعود قريبا جدا ان شاء الله.

ايوب صابر 11-23-2011 10:42 AM

قرءاه نقدية مغايرة ومعمقة لقصة " رجل الظل" لكاتبها القاص مبارك الحمود ومحاولة لفكفكة الغموض في القصة واستخراج عناصر الجمال والتأثير فيها:-

ننتقل للحديث عن الفقرة الأولى من قصة "رجل الظل" والتي يسردها لنا القاص مبارك الحمود على لسان المتكلم، وهو أسلوب بالغ التأثير، حيث أن الراوي يبدو عليم بما يقوله، فهو يروى لنا قصته هو مع ظله، وليس مشاهدا من خارج الحدث مما يجعل السرد أكثر مصداقية.


رجل الظل

أنا رجل يخاف ظله, ويكره النور, يكره النور ويحاول قدر استطاعته تجنبه, فأنا أخشى أن يعرف أحدهم ذلك, رجل ظله حصان.. ذلك هو أنا, الوحيد الذي لا يشبهه ظله.. دائما ما أفكر حين حضور وليمة: (ماذا لو أقف الآن في وسط هذا المجلس, فنظر أحدهم للجدار الذي سيقف على طرفه ظلي, ماذا ستكون ردة الفعل(؟..

كنت كل يوم أستيقظ فيه أنظر أولا له, متمنيا أن يعود ظلي لطبيعته, متمنيا لو كان ظلا لفأره, أو ظلا لدودة, صغير الحجم, لا يلاحظه أحد, أو حتى لو كنت بلا ظل.

ويبحر المتلقي في متن القصة، يبحث عن إجابات لكل تلك الأسئلة التي أثارها العنوان في ذهنه من حيث طبيعة، وماهية هذا الرجل؟ وما هي العلاقة بين ذلك الرجل والظل؟.. وما إلى ذلك من أسئلة، وفضول تشكل في ذهن المتلقي منذ اللحظة الأولى لمطالعة العنوان بالغ التأثير، كونه يشتمل على تضاد وهو ما يشير أن الصراع هو محور القصة؟ وعنصر الجذب الأهم فيها.

ونجد أن القاص ينطلق في نصه بتكثيف شديد، ولا يترك مجال للحشو، أو الزيادة، أو الإطناب، فهو يحشد في السطر الأول من هذه الفقرة (المكون من 16 كلمة) ، أربعة كلمات تحمل في ثناياها الكثير مما يستنفر المشاعر، ويحرك مشاعر المتلقي ويستفزها، وهي كلمات ( يخاف، يكره+ يكره+ اخشى)، وبذلك يكون الكاتب قد نجح في وضع المتلقي في جو النص الذي يبدو أنه أراده مشحون بالمشاعر من بدايته مثل الخوف، والكره، والخشية.

وهو يُسخر من جديد، ومن مطلع القصة، أكثر الأساليب تأثيرا على ذهن المتلقي، وهو تسخير التضاد من خلال حديثه عن (الرجل وظله ) من ناحية (والظل والنور) من ناحية أخرى. ويبرز من خلال ذلك أيضا أن الحدث يدور حول صراع رهيب يدور في نفس بطل القصة، فكيف له أن يخاف من الضوء! ويؤدي ذلك إلى فضول إضافي لدى المتلقي، فيندفع ليعرف سبب خوف الراوي من ظله؟! وسبب كرهه وخشيته للنور؟! ولماذا يحاول الراوي تجنب ظله؟!

ونجد أن القاص يلجأ لتسخير الألوان بحديثه عن النور، والظلمة، والظل، فيبدو وكأنه يرسم لوحة فنية.
كما انه يسخر الأرقام من بداية القصة ( أنا الوحيد) ودائما للأرقام وقع خاص على ذهن المتلقي كونها لغة كوديه ولغة الكون، وكلمة وحيد توحي بالوحدة والعزلة، وتساهم في استدرار تعاطف المتلقي مع البطل.

وباستخدامه كلمة ( دائما ما أفكر ) يستفز القاص ذهن المتلقي، ويدفعه للتفكير مع الراوي في حالة الصراع تلك، التي اخذ يرسمها ويصورها لنا بينه وبين ظله، وذلك الصراع النفسي الذي يدور في ذات الراوي على ما يبدو...مما جعله يكره ويخشى ويخاف، وفي ذلك استدراج للمتلقي وتوريط إضافي له بالحدث من خلال دفعه للتفاعل والتعاطف مع بطل القصة، وهو الشخصية الرئيسة في القصة protagonist، والذي يبدو أن القاص قد نجح ومن البداية في جعله حيا، وكأنه يعيش بيننا، فنبدأ في التعاطف معه كونه في ورطة ليس مثلها ورطة، فكيف يكون لرجل ظل حصان؟

ولكننا نجد أن القاص يرسم نقيض البطل the antagonist ، ببراعة أيضا، وهو هنا الظل ويشخصنه، ويجعله وكأنه شخصية حية أيضا موازية في قوتها، مما يزيد من حدة الصراع الدائر بين البطل ونقيضه.

وفي ذكر (حضور الوليمة) يمنح القاص النص من بداياته حيوية نابعة من تلك الحركة التي يقفز لها عقل المتلقي، وكأنه يشاهد مجموعة من الناس في وليمة، ليقف البطل في وسط ذلك الحشد فيشاهد على الجدار أن ظله ظل حصان..فيتحرج البطل لذلك المنظر، ولكن المتلقي يجد نفسه وقد شعر بذلك الحرج.
ونجد أن القاص قد سخر الحواس أيضا كعنصر آخر من عناصر التأثير في المتلقي، وذلك باستخدامه كلمتي ( فنظر+ انظر) مما يستفز حاسة النظر لدى المتلقي أيضا، ويدفعه ليعيش الحدث بحواسه، وفكره، ومشاعره.

ولكن القاص لا يتوقف عن حشد المزيد من عناصر الإثارة والتأثير فهو يحشد مزيد من الكلمات التي توحي بالحركة ( استيقظ كل يوم انظر)، والتضاد من خلال حديثه عن الفعل وردة الفعل، ومن خلال حديثه عن الشكل الطبيعي وغير الطبيعي، ومن خلال حديثه عن الفرق في الأحجام بين ظل الحصان الكبير، وظل الفأرة أو الدودة صغير الحجم، وهو ذلك الحجم الذي لا يلاحظه احد، وفي هذه الكلمة ( يلاحظ وكملة انظر) استثارة لحاسة البصر.

لنجد بعد كل ما قيل بأن القاص نجح في هذه الفقرة الأولى من جعل نصه حيويا، بل بالغ الحيوية، مليء بالحركة، والصراع، والكثير من عناصر التأثير الأخرى مثل استثارة المشاعر والحواس، والتضاد، والأرقام، والألوان، والأحجام.

كما انه نجح في توريط المتلقي في الحدث من خلال دفعه للتعاطف مع الراوي بطل القصة.

ويندفع المتلقي وهو في حالة دهشة، وانفعال، وتعاطف مع الراوي ليتعرف على مصير ذلك البطل الذي ظله حصان وفي اي اتجاه سوف تتطور الاحداث؟!

يتبع،،

أنور محمد 03-05-2012 06:16 PM


إستاذ مبارك الحمود

عجيب هذا النص بالفعل؛

رجل الظل..

أخذ الظل الحيز الأكبر من الإهتمام وذالك لغرابته؛

لكن رجل الظل ذاته كان أكثر غرابة من ظله الذي كان يحمل تجاهه بالتحديد مشاعر الرفض؛

رجل الظل كان يتمنى ظل فأرة او دودة وغريب التأنيث هنا؛

كما أن الأكثر غرابه أن يتمنى أن لا يكون له ظل؛

ومن الأمور الغريبة في شخصية رجل الظل..

تساؤله عن سبب فزع الأطفال والنساء في المطعم حيث قال:

لا أعرف لماذا!, لقد كان مجرد ظل!!!.

أتراه تأقلم مع الواقع؟

و في نهاية النص مشاعر الإشتياق للظل؛

خطف الظل الأضواء لغرابته..

بينما شخصية رجل الظل الأشد غرابة ظلت في الظل؛

نص مميز..

دُمت في سعادة.



أنور محمد



مبارك الحمود 03-15-2012 09:32 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أنور محمد (المشاركة 107753)
إستاذ مبارك الحمود

عجيب هذا النص بالفعل؛

رجل الظل..

أخذ الظل الحيز الأكبر من الإهتمام وذالك لغرابته؛

لكن رجل الظل ذاته كان أكثر غرابة من ظله الذي كان يحمل تجاهه بالتحديد مشاعر الرفض؛

رجل الظل كان يتمنى ظل فأرة او دودة وغريب التأنيث هنا؛

كما أن الأكثر غرابه أن يتمنى أن لا يكون له ظل؛

ومن الأمور الغريبة في شخصية رجل الظل..

تساؤله عن سبب فزع الأطفال والنساء في المطعم حيث قال:

لا أعرف لماذا!, لقد كان مجرد ظل!!!.


أتراه تأقلم مع الواقع؟

و في نهاية النص مشاعر الإشتياق للظل؛

خطف الظل الأضواء لغرابته..

بينما شخصية رجل الظل الأشد غرابة ظلت في الظل؛

نص مميز..

دُمت في سعادة.



أنور محمد



أنا معجب بقراءتك أستاذ أنور..
وتدل ما شاء الله تبارك الله على ذكاء.
شكرا لك.

ايوب صابر 05-14-2013 10:44 AM

رجل الظل ظل غامضا وظلت القصة غامضة ربما يساعدني الاستاذ ياسر علي ومحبي النقد على فكفكة طلاسمها؟
- استاذ ياسر - ما الفكرة في هذا النص في رأيك؟

ياسر علي 05-14-2013 01:36 PM

بداية تحية للأستاذ أيوب
وتحية لكل الأساتذة المتدخلين
وتحية إعجاب للكاتب المتألق مبارك الحمود على هذا النص الحي والذي سيظل حيا تتنازعه القراءات .
الظل في المجمل يشار به للشخصية فنقول شخصية مرحة خفيفة الظل ، للشخصية المزاجية ثقيل الظل ، كما يؤتى بالظل للتعبير عن رفقة وصداقة عميقة و طويلة العمر ، فنقول أينما حل يلازمه كالظل ، كما نسوق الظل للتعبير عن الأشباح ، هذه بعض توظيفات الظل ، أما هذا النص الذي يحكي عن رجل يشكو من رفقة ظل لايعبرعن حقيقته رغم أنه في أحلامه يأتيه ذلك الحصان الذي استعارمنه ظله حزينا من سخرية الناس كإحساس متبادل ، بل يتألم ويتوجع من تلك السياط الموجهة نحوه ، الكاتب أشار للأم التي كانت أيضا حاملة لظل غزالة وهنا يعالج الكاتب بسخرية فكرة اللعنة ، و الأرواح الشريرة ، لكن النص بعيد عن هذا الطرح في مجمله ، فالكاتب ركز على الأضواء و أمام الملأ والتجمعات ، فهو مع ذاته لا يحس بغرابة ذلك الظل ، لكن تبلغ ثورته أقصاها كلما توسط جمعا ، وهنا تعبير عن حمولة ما وخلفيات ما و علامات ما نكون حاملين لها تميزنا عن الأغيار و تثقل كاهلنا ، وتجعلنا غير قادرين على الاندماج ، وخاصة تكون عائقا لرغبتنا في النهوض ومعانقة مجد ما ، فكأن الكاتب يتحدث عن غربة ما يحس بها البطل في محيط يعيش فيه ، ويرى ميراثه " ثقافة ، سحنة ، قيم ، ...." عائقا لاندماجه ، هذا التميز السلبي عن المجتمع يجعله فريسة سخرية و خاصة أنه أصبح عقدة ترسخت منذ طفولته ، بل أكثر من ذلك فالأم عانت من نفس العقدة ، أضف إلى ذلك أن الأم غالبا ما يقصد بها الأرض ، فهل يمكن أن نقول أن الوطن الذي يسكنه بطل الكاتب يعاني مع محيطه عقدة عدم القدرة على الاندماج والإحساس بالغربة ، من الجميل أن تكون ظلال هذه الأسرة رموزا للجمال كالحصان والغزالة ، ورموزا للحركية و رموزا للأصالة ، والعراقة ، لكن من المؤسف حقا أن لا تكون تلك القيم مدعاة للفخر و سببا لرفع الحرج عنها وجعلها مسايرة للأزمنة والأمكنة .
الغريب أن الكاتب تخلص أخيرا من تلك العقدة التي تسكنه لكن بعد فوات الأوان بعد التوغل في سن اليأس كما وقع مع أمه وربما أن تلك الظلال ما خرجت إلا لتستوطن صغار قومه مادام هو خاصم الزواج والذرية إيمانا بالقولة الشهيرة ، هذا ما جناه علي أبي .... .


أستاذي الفاضل أيوب ، الأساتذة الكرام ، هذا رد سريع أولي للقراءة الأولى
ويمكن أن أعود إلى النص ، إن توفر الوقت
والسلام عليكم ورحمة الله

ايوب صابر 10-03-2014 03:14 PM

اعترف بأنني لم أتمكن من سبر اغوار هذه القصة حتى الان ولعلنا نجدد محاولة فكفكتها وفهم مغزاها. هنا أيضاً نحتاج ألى جهد جماعي وعصف ذهني يشارك فيه اصحاب الاهتمام .

بانتظار مشاركاتكم



محمد الشرادي 10-06-2014 11:23 AM

أستاذ مبارك
هذا نص من العيار الثقيل.نص يشتغل على الظل، و أن أنا احب الظل ذلك الكائن العجيب الذي منحه الله شرف ان يذكر في القرآن الكريم، و أن يكون كائنا مهما للصوفية..
ماأدهشني فيه هو تلك الفانتازيا القوية و القدرة على التخيل. بشكل يمسك بنفس القارئ إلى أن يلقى يه في غمرة الحيرة في القفلة الرائعة التي ختمت للنص.
أحييك أخي على هذا النص الجميل.
تحياتي

ايوب صابر 10-06-2014 08:51 PM

اشكرك استاذ محمد على مداخلتك حول النص .
كنت اتمنى وما ازال ان تتعمق اكثر في محاولة سبر اغوار النص فنحن بحاجة لمساعدتك ومساعدة الأستاذ زياد والاستاذ ياسر الذي وعد بالعودة ولم يعد والأستاذة فاتحة الخير والأستاذة جليلة ماجد والاستاذة ريم التي لها معرفة عميقة بالقضايا النفسية ، والدكتور زياد ، والأستاذة مباركة ، والأستاذة روان ، والاستاذ طارق الاحمدي وكل من لديه اهتمام بالسرد هنا .

زياد القنطار 10-07-2014 05:45 PM

المبدع مبارك الحمود ,رمى بعمله هذا كرة من الإبداع المتوقد بين راحتي كفينا فبتنا ننقلها بين كلتيهما اتقاء حرها ,بلذة المستقبل لرشفة ساخنة من فنجان قهوته الصباحي .
في مثل هذه الأعمال الأدبية ,التفصيل يدخل الناقد أو القارئ في متاهة يعيده التبحّربها في كل مرة إلى النقطة الأولى .
الزمن عند مبارك الحمود رغم تراتبيته التي ظهرت في النص ,ماض وحاضر ومستقبل ,إلا أنه متشابك لا يمكن للقارئ أن يميزه وأعتقد أنه شرك نصب من قبل القاص كي لايخرجنا من دائرة الحدث وتتبعه بلهفة أعادنا إلى بدايتها عند نهاية النص ,فأنا أجزم كل من وصل إلى نهاية النص ,عاد إليه مرة أخرى ,يدفعه التساؤل هل حقيقة أراد مبارك الحمود الانعتاق الذي جاء واضح المعالم في نهاية القصة .
هنا سأقول أن كل ماورد في القصة ,كان ارتكاساً, فالحالة المولدة للعمل هي إرادة أو حالة الانعتاق ,التي وظف كل ماقبلها لصالحها .ظل البطل الحصان لم يولد بالتاسعه ,ولم يظهر مخيفاً أو مضحكاً ومؤلماً كما في السرك ,ولم يكن مقلقاً في تلك الحفلات أواللقاءات ,والبقع الحمراء التي ظهرت على جلد البطل ليس إلا مبرراً لحالة العزلة ,لأن هذا الداء والمثبت علمياً تهيجه أشعة الشمس , والإضاءة المتوهجة .وبالتالي كل هذه التفاصيل اجتمعت بدون زمنها في لحظة ولادة هذا النص وفي تجلي صعده عصف خيال الكاتب ,وما إصرار الكاتب على أن يكون الظل حصان ,إلا لكي يستشرف القارئ جموحاً ورغبة في الانفلات المفضية إلى الانعتاق في آخر النص ..لذلك صفقنا جميعاً ولم ننكر عليه انعتاقه لوجوب مبرراته التي لم يسمح لنا حتى بمناقشتها .
أراد القاص الكبير مبارك الحمود أن يركبنا أحصنة الخيال فنجح في هذه الفنتازيا المدهشة
الأستاذ مبارك الحمود للحرف نكهته عندما تسرج له على سابحات خيالك الواسع ....كل التقدير والاحترام ,
وربما بعودة أخرى للنص نقرأ ماهو أعمق من ذلك وهذه ميزته .


ياسر علي 10-07-2014 09:54 PM

أهلا بالأساتذة الأفاضل

عميقة قراءتك للنص أستاذ زياد القنطار ، و لقراء وكتاب هذا المنبر الشرف الكبير إذ ساقتكم الأقدار إلينا ننهل من بعض علمكم ، و قدرتكم على الإحاطة بالنصوص . و نستمتع بقراءة أدبكم ومنه نحاول الارتقاء بملكة الكتابة والذائقة الأدبية .

قد يكون النص في مجمله نابعا من البحث عن الذات والانعتاق أو التحرر ، هذا إن ألغينا هيمنة الزمان كما ورد في مداخلتكم أستاذي الكريم و جعلنا من الخاتمة مربط فرس النص أو الغاية المثلى التي استحضر لها الكاتب كل تلك التراكمات و حلق عبر الفضاءات بأجنحة خياله .
لكن لو أعطينا للزمان حمولته في النص لكان لكل حدث موقعه الخاص ، فالتسع سنوات تلك لم تكن اعتباطية الاختيار ، فلربما هي اللحظة الفاصلة بين الاستكشاف المميز لحالة الطفل في طفولته الأولى ، ومحاولة التموضع في المحيط والإحساس بكينونة الذات بعد التسع سنوات . وفي هذه المرحلة بالذات يبدأ توظيف الذكاء المنطقي الرياضي و يتبلور تموقع الشخصية في محيطها ، وليس أيضا صدفة أن يبدأ الكاتب رحلته مع الظل أثناء فسحة بمعية الرفاق ، فهو جاء بها على سبيل إظهار بشاعة الضغط الذي يمارسه المحيط على الشخصية وإكراهها على الاندماج في قواعده و إرغامها على المنافسة وفق تلك القواعد ، فالحصان هنا رمز للعدو كما الغزالة ، به استعان البطل كما استعانت أمه قصد التموقع في المحيط .
لكن سرعان ما تحول إلى شبه لعنة ، مع توالي مجريات النص ، ليكون الاحتجاج عاما على قواعد المجتمع لتنتقل دلالة الحصان والغازلة إلى معيقات الاندماج ، أي أن تلك القواعد المرتبطة أساسا بالقيم و الأعراف تكبل الفرد في تحقيق ذاته ، لنتساءل في الأخير ما جدوى التحرر في سن الشيخوخة ؟ وما جدوى الانعتاق بعد ذهاب عمر الزهور ؟ فلربما ما تحررنا إلا بعد أن كبلنا أجيالا أخرى و قمنا بإعادة تشكيل نفس العقد .


الأستاذ محمد الشرادي بلهفة ننتظر قراءتك للنص ، خاصة أنك فتحت على النص نافذة أخرى لم تخطر على البال .

زياد القنطار 10-07-2014 10:23 PM

الأاستاذ ياسر علي .
بالحقيقة أنا لم أنكر الزمن ,وربما كان يجب تسليط الضوء على الفكرة أكثر لتتوضح .أنا ماقصدته أن وعي الظل أو الحصان الظل لم يكن حاضراً بقلقه وسطوته بكل هذا الوضوح ,إنما ولد من مخاض ولادة الفكرة ,في ارتكاس وعودة مستذكرة لحالة مقلقه في الطفولة المبكرة ليضيء عليها الأستاذ مبارك ,ويتلقفها في لحظة المخاض هذه ,هذا ماقصدته بتجانس أو انصهار الزمن في مخاض ولادة النص ,ليصبح كلاً متجانساً وإن ظهرت فواصله بيّنه في تسلسل منطقي لرواية الأحداث ....
قراءتك هذه أنارت من جديد زوايا في النص أسعدني تبصرها ,,,وأعود لأجدد الشكر للكبير مبارك الحمود ,وأشكر لك هذه الوقفة المميزه بحرفك المميز ....خالص تقدير أستاذ ياسر

مباركة بشير أحمد 10-08-2014 02:03 PM

عندما نتعود على التفكير المنطقي وذلك مايفرضه علينا قانون التعقل ،تصيبنا سهام الدهشة لمَا نعود أدراجنا إلى العشوائية بفعل فاعل-كاتب قصة أوشاعر-إلى عالم الطفولة، بما تكتنف ثنايا مرحلته البريئة من أوهام وتصورات لاعقلانية .وهذا ماارتسم التو أمام ناصيتي،وأنا أتفحص مابين السطور من مشاهد تحكي عن ظل حصان يركب إنسان ....ولقد زكَته ذلك التفكير ،والدة البطل التي كان ظلها غزالا .فهي منبعُ ماانجرَ في ذهنه،ابن بطنها من إرهاصات....ولقد استطاع القاص أن ينقل لنا إحساس تلك الشخصية غير السوية-المريضة نفسيا- بكل جدارة ،وبما يمتلك من أدوات للقص الماتع،والنبض المبدع.
فكل الشكر والتقدير له
وأسمى التحايا.

د. زياد الحكيم 10-08-2014 05:06 PM

الظل والضوء متلازمان دائما. ومع ذلك فان لكل منهما معانيه ودلالاته.
وتختلف معاني الظل ودلالاته باختلاف سياق النص. فالظل له
معاني متعددة في الادب وفي علم النفس وفي الفنون التشكيلية
وفي علوم الفلك والعمارة الخ. فهو قد يرمز الى الموت او الروح
او الامل او الجمال او المعرفة او الحياة الخ. ولهذا السبب استعمل
الظل استعمالا مجازيا في كثير من الموضوعات.

وفي الادب يرمز الظل الى الجانب المظلم من النفس الانسانية،
وهو الجانب الذي نسعى جميعا الى اخفائه عن العيون، وابقائه
بعيدا عن الضوء كي لا يراه احد. وهو لهذا يمثل الجانب البدائي
من الشخصية الانسانية. وهو كذلك يمثل الجانب السالب من الشخصية الانسانية.
اي هو يقف على الجانب المقابل لكل ما نعتبره ايجابيا في المساهمة في بناء الشخصية الانسانية
في ضوء ما يجيزه او لا يجيزه المجتمع الذي نعيش فيه من قبيل العيب والجائز
والممنوع والمباح وغير المباح الخ. اذن للنفس الانسانية وجهان: وجه نسميه
العقل الواعي ووجه نسميه العقل اللاواعي. واذا كان الجسم يمثل العقل الواعي
فان الظل يمثل العقل اللاواعي.

والظل الذي يأخذ شكل حصان في هذا النص
قد يمثل القوة والفتوة والميول الجنسية الجارفة.
اي هو يمثل الجانب الذي يشجع المجتمع على
اخفائه وابقائه بعيدا عن الضوء لاعتبارات مجتمعية
ودينية كثيرة. والراوي في القصة يعرف ذلك. فهو يشعر
بالحرج مما يمثله الحصان في المجتمع وهو يتمنى ان يعود ظله الى
"طبيعته" او ان يكون ظله ظلا لفأرة او دودة بحيث لا يلاحظه احد
وبذلك يستعيد حريته ويعتبر انسانا "طبيعيا". وعندما يصل الراوي
الى الشيخوخة يفارقه "ظله الحصاني" اذا جاز التعبير
وتفارقه الميول الجنسية الجارفة التي لازمته ايام الشباب.
ولم يعد ثمة ضرورة لاحساس بالحرج من ذلك كله. اذن
نحن امام قصة نفسية تستعمل الرمز لتصف ما يجري
على طرفي شخصية الراوي – العقل الواعي والعقل غير
الواعي والعلاقة بينهما.

شكرا للاستاذ ايوب صابر على طلبه مني ان اعلق على هذا النص.

ريم بدر الدين 10-08-2014 11:06 PM

مبارك الحمود قاص من طراز فريد حقا
رجل الظل قراتها ببعد نفسي قريبا مما قراها الدكنور زياد الحكبم و لكن بطريقة مختلفة قليلا

ظله كان اناه الاعلى المسؤول عن وضع القيم و المبادىء و محاسبته في حال الخطا و كان يخيفه لان هناك تباينا كبيرا بين اناه الحقيقية و اناه الاعلى .... الظل كان نوعا من القيمة التي لم يصل اليها و تصالحه معه عند تقدم العمر ربما عنى به تلك المصالحة التي تعقد في اواخر العمر و هذا النوع من السلام الداخلي بعد ان عارك الحياة فعركته و عركها و انتصر الظل /اناه الاعلى /القيم /الضمير /المبادىء
عن السرد و اللغة و الحبكة المدهشة قيل الكثير و لا اظنني اختلف في هذا فقدرة مبارك الحمود السردية مدهشة
تحيتي لك

ايوب صابر 10-09-2014 01:13 AM

تحية لكل المشاركين في محاولة فكفكة هذا النص الذي ارى بانه ينتمي الى نمط الخيال السحري وفهم أبعاده وسير اغواره .

واضح ان هناك تباين في تحديد فكرة النص فالاستاذ العشي يرى انها تصوير لصراع نفسي . والاستاذ احمد يرى بانه مطلب حرية . والاستاذ حاتم الحمد يرى بان الظل هي الروح التي تغادر الجسد في نهاية المطاف بعد ان أثقلت على جسد بطل القصة ، بينما يرى الاستاذ ياسر انها عقدة ترسخت منذ الطفولة . اما الاستاذ محمد الشرادي فيبدو انه يميل الى الاعتقاد بان النص ربما يكون شطحة من شطحات الصوفية لان الظل كائن من كائنات الصوفية . اما الاستاذ زياد فيرى بان النص تعبير عن حالة انعتاق من ارتكاسات لأحداث قلقة جرت في الطفولة . أما الأستاذة مباركة فترى ان الامر يتعلق باوهام او تصورات لاعقلانية لشخصية غير سوية . اما الدكتور زياد فيرى ان الامر يرتبط بالصراع بين الايد مركز الغرائز عند فرويد والانا في شخصية البطل ، بينما ترى الأستاذة ريم ان الصراع هو بين إلانا والانا الاعلى الذي هو مركز المثل ويمثل الضمير .

كل هذا يعيدنا الي النقطة صفر فهذا التعدد في الآراء يشير الى ان الاحتمالات ما تزال قائمة ومفتوحة خاصة ان الأسئلة التي يطرحها كل من الاستاذ أنور والاستاذ ياسر حول التفاصيل في النص التي يكمن فيها الشيطان تعزز الاعتقاد بان الباب ما يزال مفتوحا. لاحتمالات اخرى .

وعليه تظل الدعوة مفتوحة وقائمة لأي اجتهادات اخرى

والسؤال الذي يظل يشغلني شخصيا حول النص : الا يجوز النظر ان بروز الظل الذي جرى في سن التاسعة انما هو مؤشر على حصول حدث تعرض له بطل النص مما أدى الى كل الاحداث والظروف اللاحقة ومن ذلك البقع الحمراء والعزله وخوف الناس يرافق ذلك شعور بالذنب يتخلص منه بطل النص بعد ان يتصالح مع نفسه ويتمكن من تقبل تبعات ذلك الحدث فيتحرر؟

مباركة بشير أحمد 10-09-2014 10:39 AM

كل التقدير والشكر لكاتب القصة / مبارك الحمودي والأستاذ\ صابر أيوب
وكتوسيع لمساحة لإعتقاد الذي استنبطته سابقا ،بأن بطل القصة شخصية غير سوية ،وما ظل الرجل إلا الوهم الملاصق لمركز التفكير اللاعقلاني في مخيَلته،أقول:
لوأن القصة مبنية صروح معانيها على الرمزية ،لما شعر البطل بالغربة والغرابة بين المحيطين به من صنوف الناس صغارا وكبارا ،ولما اضطر أن يعيش في شرنقة التخفي بعيدا عن الضوء ،فلكل جسم بشري ظل حيواني يلازمه ،إذن ،في مثلث من واقع يرغب الكاتب في بروز أحد أضلاعه ،والأمر ليس خارجا آنذاك عن نطاق العادي.ولكن الشعور بالإنهزامية والإنكماش في بؤرة ضيَقة ،بما يحوي ذهنه من هواجس مرعبة ،حتما يدلل على أن البطل يعاني من مرض بسيكولوجي مُزمن ،أوتلبس شيطاني ،جراء حادثة في صغره ،والمتسبب فيها حصان . ومازاد الطين بلَة ،والدة البطل التي لم تُحرك ساكنا ،واكتفت بالتخفيف عن ولدها بما ينحصر في دواخلها من خرافات .سأكتفي بهذا الآن وربما لي عودة إن شاء الله.

أسمى تحاياي.


ريما ريماوي 10-09-2014 11:12 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زياد القنطار (المشاركة 181914)
المبدع مبارك الحمود ,رمى بعمله هذا كرة من الإبداع المتوقد بين راحتي كفينا فبتنا ننقلها بين كلتيهما اتقاء حرها ,بلذة المستقبل لرشفة ساخنة من فنجان قهوته الصباحي .
في مثل هذه الأعمال الأدبية ,التفصيل يدخل الناقد أو القارئ في متاهة يعيده التبحّربها في كل مرة إلى النقطة الأولى .
الزمن عند مبارك الحمود رغم تراتبيته التي ظهرت في النص ,ماض وحاضر ومستقبل ,إلا أنه متشابك لا يمكن للقارئ أن يميزه وأعتقد أنه شرك نصب من قبل القاص كي لايخرجنا من دائرة الحدث وتتبعه بلهفة أعادنا إلى بدايتها عند نهاية النص ,فأنا أجزم كل من وصل إلى نهاية النص ,عاد إليه مرة أخرى ,يدفعه التساؤل هل حقيقة أراد مبارك الحمود الانعتاق الذي جاء واضح المعالم في نهاية القصة .
هنا سأقول أن كل ماورد في القصة ,كان ارتكاساً, فالحالة المولدة للعمل هي إرادة أو حالة الانعتاق ,التي وظف كل ماقبلها لصالحها .ظل البطل الحصان لم يولد بالتاسعه ,ولم يظهر مخيفاً أو مضحكاً ومؤلماً كما في السرك ,ولم يكن مقلقاً في تلك الحفلات أواللقاءات ,والبقع الحمراء التي ظهرت على جلد البطل ليس إلا مبرراً لحالة العزلة ,لأن هذا الداء والمثبت علمياً تهيجه أشعة الشمس , والإضاءة المتوهجة .وبالتالي كل هذه التفاصيل اجتمعت بدون زمنها في لحظة ولادة هذا النص وفي تجلي صعده عصف خيال الكاتب ,وما إصرار الكاتب على أن يكون الظل حصان ,إلا لكي يستشرف القارئ جموحاً ورغبة في الانفلات المفضية إلى الانعتاق في آخر النص ..لذلك صفقنا جميعاً ولم ننكر عليه انعتاقه لوجوب مبرراته التي لم يسمح لنا حتى بمناقشتها .
أراد القاص الكبير مبارك الحمود أن يركبنا أحصنة الخيال فنجح في هذه الفنتازيا المدهشة
الأستاذ مبارك الحمود للحرف نكهته عندما تسرج له على سابحات خيالك الواسع ....كل التقدير والاحترام ,
وربما بعودة أخرى للنص نقرأ ماهو أعمق من ذلك وهذه ميزته .


رائعة هذه الرؤية والتحليل... تحيتي واحترامي للأستاذ زياد ولكاتب النص الجميل مبارك الحمود..

فهمت منه أن المشكلة عند بطلنا هو رآى ظله بهذه الصورة حتى يبقى معظم حياته في الظل، وكأنه يعاني التوحد.. أويعاني الحساسية من ضوء الشمس... ولم يتم له الانعتاق الا في آخر العمر.. عندما أصبح رأي الناس به ليس بتلك الأهمية...

شكرا على الإمتاع... تقديري.

فاتحة الخير 10-11-2014 08:04 PM

السلام عليكم ورحمة الله


سبحان الله، بعد أن أحب البطل ظله واستأنس لوجوده وتصالح معه بعد عمر، تركه وذهب
ربما هو إنذار بنهاية قريبة
أولا اختيار العنوان موفق جدا، فالقصة في ظاهرها تتحدث عن ظل الرجل، هذا الظل الذي ليس كالظلال المألوفة، لكنها في العمق تتحدث عن رجل الظل وهذا ما كان فعلا، فالرجل عاش مختفيا، خائفا، متواريا، مرتعبا من ظهور ظله للناس فعاش مبتعدا، حتى الأحلام باتت تؤرقه وترفسه بحوافرها.
أتذكر مثلا شعبيا مصريا يقول( امشي جنب الحيط وإوع ظلك يبان) دليل على ضرورة الابتعاد عن كل ما يسبب المشاكل، ربما قد يكون هذا ما أراده القاص من سرد هذه القصة، وهنا ممكن أن نتحدث عن رجل يخاف المجتمع والناس، فاخترعت نفسه المريضة الخائفة من المجتمع، اخترعت هذا الظل، الذي وجدت فيه سببا قويا للتخفي عن الأنظار والابتعاد عن التجمعات البشرية.
وربما أيضا لهذا السبب تركه ظله في الأخير، لأنه أصبح كبيرا في السن، وبعد أنكان هو من يبتعد عن الناس، أصبح الناس هم من يبعدون عنه.
هذه قراءة بسيطة جدا لعمل فعلا كبير.

مها مطر مطر 10-15-2014 11:57 AM

قصه عجيبه ذكرتني بالرسوم المتحركه صاحب الظل الطويل قصه جميله وعجيبه وغريبه سلمت يداك يا اخوي

ايوب صابر 10-22-2014 05:10 PM

قرءاه نقدية مغايرة ومعمقة لقصة " رجل الظل" لكاتبها القاص مباركالحمودومحاولة لفكفكة الغموض فيالقصة واستخراج عناصر الجمال والتأثير فيها:-

"رجل الظل"...قصة أخرى فذة من قصص مبارك الحمود التي تمتاز بالقوة في الصياغة، والمتانة في الأسلوب السردي، والشد، والإدهاش، والغموض إلى حد لا يكاد يحتمله المتلقي.

قصة جميلة تقوم على صراع نفسي داخلي رهيب، يدور في نفس بطل القصة الذي يروى لنا قصته مع ظله، وقد اختار مبارك الحمود ان يسرد لنا قصته بصيغة المتكلم، وهو الأسلوب الأكثر تأثيرا في المتلقي، كون أن الراوي شديد المصداقية.

وهي قصة فيها الكثير من عناصر الجمال التي تجعل النص حيويا، بل ينبض بالحركة والحياة.

وفيها الكثير من الألفاظ التي تستثير المشاعر والأحاسيس والتي يكون وقعها شديد في بعض الأحيان وأشبه ما يكون بسيل عارم أو فيضان من المشاعر المتدفقة.

وفيها من الألوان ما يجعلها مثل لوحة فنية تجسد مشهدا جميلا فيه من السحر الكثير. كما انه يسخر التضاد الذي يكاد يكون سيد الموقف في القصة بإكمالها والمتمثل في الرجل وظله.

ورغم أن في القصة حبكة متسلسلة الأحداث، لكننا نجد بأنها تتمحور حول شخصية البطل،هذه الشخصية الغنية، والديناميكية، والنامية المتطورة عبر القصة، والتي تتمكن من استقطاب اهتمام المتلقي وشده إلى الحدث بصورة مهولة. ولكن ابرز ما في هذه الشخصية ربما هو ذلك الصراع الداخلي الذي يتقن القاص مبارك الحمود رسمه وتصويره للمتلقي بصورة آسرة بالغة التأثير.

ويظل الغموض احد عناصر التشويق الرئيسية في هذه القصة كما هو الحال في باقي قصص مبارك الحمود. هذا الغموض الساحر يجعل القصة ذات مدلولات متعددة، يمكن فهمها على عدة أوجه....ولعل المجتهد مثلي لا يستطيع سبر أغوارها بشكل كامل مهما اجتهد...لتظل غامضة قابلة للتأويل والتفسير من أبعاد أخرى متعددة وهو ما يشير إلى قدرة مبارك الحمود على الكتابة القصصية الفذة...

لقد اختار مبارك الحمود هذه المرة كلمتين عنوانا لقصته ( رجل الظل) وليس كلمة واحدة كما هي عادته. وربما أن السبب هو حاجته لتمييزها عن قصته الأخرى المدهشة والتي عنونها باسم "الظل". ولا شك أن هذا العنوان الذي اختاره يظل مناسب وهو يوحي بما ستكون عليه القصة من غموض ورهبة وإدهاش، وهو حتما يثير الكثير من الأسئلة في ذهن المتلقي الذي يندفع في محاولة للحصول على إجابات عن تلك الأسئلة التي أثارها العنوان في مخيلته.

يتبع،،،

ايوب صابر 10-22-2014 05:12 PM


قرءاه نقدية مغايرة ومعمقة لقصة " رجل الظل" لكاتبها القاص مبارك الحمود ومحاولة لفكفكة الغموض في القصة واستخراج عناصر الجمال والتأثير فيها:-

ننتقل للحديث عن الفقرة الأولى من قصة "رجل الظل" والتي يسردها لنا القاص مبارك الحمود على لسان المتكلم، وهو أسلوب بالغ التأثير، حيث أن الراوي يبدو عليم بما يقوله، فهو يروى لنا قصته هو مع ظله، وليس مشاهدا من خارج الحدث مما يجعل السرد أكثر مصداقية.



رجل الظل

أنا رجل يخاف ظله, ويكره النور, يكره النور ويحاول قدر استطاعته تجنبه, فأنا أخشى أن يعرف أحدهم ذلك, رجل ظله حصان.. ذلك هو أنا, الوحيد الذي لا يشبهه ظله.. دائما ما أفكر حين حضور وليمة: (ماذا لو أقف الآن في وسط هذا المجلس, فنظر أحدهم للجدار الذي سيقف على طرفه ظلي, ماذا ستكون ردة الفعل(؟..

كنت كل يوم أستيقظ فيه أنظر أولا له, متمنيا أن يعود ظلي لطبيعته, متمنيا لو كان ظلا لفأره, أو ظلا لدودة, صغير الحجم, لا يلاحظه أحد, أو حتى لو كنت بلا ظل.

ويبحر المتلقي في متن القصة، يبحث عن إجابات لكل تلك الأسئلة التي أثارها العنوان في ذهنه من حيث طبيعة، وماهية هذا الرجل؟ وما هي العلاقة بين ذلك الرجل والظل؟.. وما إلى ذلك من أسئلة، وفضول تشكل في ذهن المتلقي منذ اللحظة الأولى لمطالعة العنوان بالغ التأثير، كونه يشتمل على تضاد وهو ما يشير أن الصراع هو محور القصة؟ وعنصر الجذب الأهم فيها.

ونجد أن القاص ينطلق في نصه بتكثيف شديد، ولا يترك مجال للحشو، أو الزيادة، أو الإطناب، فهو يحشد في السطر الأول من هذه الفقرة (المكون من 16 كلمة) ، أربعة كلمات تحمل في ثناياها الكثير مما يستنفر المشاعر، ويحرك مشاعر المتلقي ويستفزها، وهي كلمات ( يخاف، يكره+ يكره+ اخشى)، وبذلك يكون الكاتب قد نجح في وضع المتلقي في جو النص الذي يبدو أنه أراده مشحون بالمشاعر من بدايته مثل الخوف، والكره، والخشية.

وهو يُسخر من جديد، ومن مطلع القصة، أكثر الأساليب تأثيرا على ذهن المتلقي، وهو تسخير التضاد من خلال حديثه عن (الرجل وظله ) من ناحية (والظل والنور) من ناحية أخرى. ويبرز من خلال ذلك أيضا أن الحدث يدور حول صراع رهيب يدور في نفس بطل القصة، فكيف له أن يخاف من الضوء! ويؤدي ذلك إلى فضول إضافي لدى المتلقي، فيندفع ليعرف سبب خوف الراوي من ظله؟! وسبب كرهه وخشيته للنور؟! ولماذا يحاول الراوي تجنب ظله؟!

ونجد أن القاص يلجأ لتسخير الألوان بحديثه عن النور، والظلمة، والظل، فيبدو وكأنه يرسم لوحة فنية.
كما انه يسخر الأرقام من بداية القصة ( أنا الوحيد) ودائما للأرقام وقع خاص على ذهن المتلقي كونها لغة كوديه ولغة الكون، وكلمة وحيد توحي بالوحدة والعزلة، وتساهم في استدرار تعاطف المتلقي مع البطل.

وباستخدامه كلمة ( دائما ما أفكر ) يستفز القاص ذهن المتلقي، ويدفعه للتفكير مع الراوي في حالة الصراع تلك، التي اخذ يرسمها ويصورها لنا بينه وبين ظله، وذلك الصراع النفسي الذي يدور في ذات الراوي على ما يبدو...مما جعله يكره ويخشى ويخاف، وفي ذلك استدراج للمتلقي وتوريط إضافي له بالحدث من خلال دفعه للتفاعل والتعاطف مع بطل القصة، وهو الشخصية الرئيسة في القصة protagonist، والذي يبدو أن القاص قد نجح ومن البداية في جعله حيا، وكأنه يعيش بيننا، فنبدأ في التعاطف معه كونه في ورطة ليس مثلها ورطة، فكيف يكون لرجل ظل حصان؟

ولكننا نجد أن القاص يرسم نقيض البطل the antagonist ، ببراعة أيضا، وهو هنا الظل ويشخصنه، ويجعله وكأنه شخصية حية أيضا موازية في قوتها، مما يزيد من حدة الصراع الدائر بين البطل ونقيضه.

وفي ذكر (حضور الوليمة) يمنح القاص النص من بداياته حيوية نابعة من تلك الحركة التي يقفز لها عقل المتلقي، وكأنه يشاهد مجموعة من الناس في وليمة، ليقف البطل في وسط ذلك الحشد فيشاهد على الجدار أن ظله ظل حصان..فيتحرج البطل لذلك المنظر، ولكن المتلقي يجد نفسه وقد شعر بذلك الحرج.
ونجد أن القاص قد سخر الحواس أيضا كعنصر آخر من عناصر التأثير في المتلقي، وذلك باستخدامه كلمتي ( فنظر+ انظر) مما يستفز حاسة النظر لدى المتلقي أيضا، ويدفعه ليعيش الحدث بحواسه، وفكره، ومشاعره.

ولكن القاص لا يتوقف عن حشد المزيد من عناصر الإثارة والتأثير فهو يحشد مزيد من الكلمات التي توحي بالحركة ( استيقظ كل يوم انظر)، والتضاد من خلال حديثه عن الفعل وردة الفعل، ومن خلال حديثه عن الشكل الطبيعي وغير الطبيعي، ومن خلال حديثه عن الفرق في الأحجام بين ظل الحصان الكبير، وظل الفأرة أو الدودة صغير الحجم، وهو ذلك الحجم الذي لا يلاحظه احد، وفي هذه الكلمة ( يلاحظ وكملة انظر) استثارة لحاسة البصر.

لنجد بعد كل ما قيل بأن القاص نجح في هذه الفقرة الأولى من جعل نصه حيويا، بل بالغ الحيوية، مليء بالحركة، والصراع، والكثير من عناصر التأثير الأخرى مثل استثارة المشاعر والحواس، والتضاد، والأرقام، والألوان، والأحجام.

كما انه نجح في توريط المتلقي في الحدث من خلال دفعه للتعاطف مع الراوي بطل القصة.

ويندفع المتلقي وهو في حالة دهشة، وانفعال، وتعاطف مع الراوي ليتعرف على مصير ذلك البطل الذي ظله حصان وفي اي اتجاه سوف تتطور الاحداث؟!

يتبع،،

سنظل ننتظر مزيد من القراءات اهذه القصة التي سأحاول فكفكتها لتبيان عناصر التأثير فيها ...

ايوب صابر 10-22-2014 05:19 PM

تابع ... قراءة معمقة في قصة رجل الظل :

اقتباس "أذكر أول مرة حينما اكتشفت ذلك, وكان حينها عمري تسع سنوات, أتسابق مع رفقتي, عندها أخذت منحنيا من الطريق الضيق الذي يضيئه مصباح وحيد, فالتفت للجدار الذي يركض عليه حصان أسود محاذ لي بشكل متواز.. فتلفت حولي أبحث عن حصان أبكم الحوافر.. أصابني الفزع, ووقفت مذهولا وحدي, والخطوات العاديات من الرفقة تتعداني, كنت وقتها أفكر بذلك الشيطان الذي نجح بإخافتي, وذهبت أحكي لأصدقائي المحتفلين بالنصر علي, عن ذلك الحصان الذي وقف ينظر إلي.. ليبدأ بعدها هاجسي بمراقبته, فقد أدركت أنه عار سيظل ملتصقا بي.. الوحيدة التي تفهمت ذلك هي أمي رحمها الله, وحينها هدأت من روعي- رغم قلقها من تلك البقع الحمراء, التي بدأت تظهر على جلدي من ذلك الحين, وتتنقل في مختلف أنحاءه-.. نظرت إلي مبتسمة, وأخبرتني بأن ظلها كان مختلفا أيضا, وأنه كان غزالا, واختفى حينما كبُرَت.. ولكني كبرْت, كبرتُ, ولم يختفِ.. أصبح خوفي يزداد, وخصوصا من تلك الأمكنة التي تكثر فيها المصابيح كالملاعب والأعراس, أتخيل نفسي, وأنا تحت مجموعة من الأنوار, وأربع أحصنة حولي, إنه كابوس مخيف...."

- في هذه الفقرة ايضا يظهر جليا جمالية السرد وروعة الاسلوب الذي يمتلكه القاص مبارك الحمود. وهذه الروعة تتأتى من قدرته الهائلة على حشد مجموعة من عناصر التأثير بل ربما يجدر بنا القول بالغة التأثير. وكأنه يختار كل كلمة في نصه وهو يعرف تماما مدى اثرها على المتلقي فيكون النسيج قمة في الروعة والتاثير.

وواضح انه يعي تماما عناصر التأثير التي تشكل ذلك الاثر على ذهن المتلقي ويعرف كيف يسخرها بذكاء وحرفية نادرة حقا.

استخدام الارقام لغة الكون :
فهنا مثلا في هذه الفقرة القصيرة نسبيا نجده قد استخدم الارقام وهي لغة الكون وتسخريها يكون له اثر بالغ على ذهن المتلقي، سخرها ستة مرات في هذه الفقرة القصيرة نسبيا وكما يلي ( أول مرة+ تسع سنوات + وحيد + وحدي + الوحيدة + أربع )، ولا شك ان لهذا الاستخدام اثر هائل في صناعة جمالية النص من ناحية وتشكيل وقع واثر هائل على ذهن المتلقي.

استخدام كلمات توحي بالحركة التي تجعل النص حيويا ينبض بالحياة:
في هذه الفقرة ايضا نجده قد استخدام كلمات توحي بالحركة والمعروف ان الحركة تجعل النص حيويا بل ينبض بالحياة ، ولا شك ان القاص نجح هنا في جعل النص بالغ الحيوية بسبب عدد ما حشده من كلمات او عبارات توحي بالحركة تجاوزت العشرة في هذه الفقرة فقط وكما يلي :
( أتسابق مع رفقتي + عندها أخذت منحنيا من الطريق+ فالتفت للجدار + الذي يركض عليه حصان + فتلفت حولي + أبحث عن حصان + والخطوات العاديات من الرفقة تتعداني + وذهبت أحكي لأصدقائي + المحتفلين بالنصر علي + بدأت تظهر وتتنقل في مختلف أنحاءه ).
وهذا ايضا من اهم عناصر الروعة والسحرية التي يتقن القاص المبدع مبارك الحمود في تسخيرة لجعل نصوصه في غاية الجمال والسحرية والحيوية وبالتالي ذات اثر بالغ في المتلقي.


استخدام وتسخير الالوان وكأنه يرسم لوحة فنية ويركز على الانوار والاضائة:
ونجده في هذه الفقرة يسخر الالوان ايضا وكأنه يرسم لوحة فنية ولا شك ان لذلك سحرية مؤثرة في المتلقي وكما يلي:
( يضيئه مصباح + حصان أسود + البقع الحمراء + ظلها + المصابيح مجموعة من الأنوار).
وفي هذا التسخير للالوان والضوء يجعل نصه وكأنه لوحة فنية ملونة كما نجده وكأنه يسلط ضوء كاشف على نصه فيكون لذلك وقع مؤثر على ذهن المتلقي.

استخدام كلمات توقظ حواس المتلقي وتستنفرها:
كما نجده في هذه الفقرة يلجأ لحشد عدد من الكلمات التي توقظ حواس المتلقي وكما يلي :
( فالتفت + فتلفت + ابكم + أحكي + ينظر + بمراقبته +نظرت + مبتسمة + وأخبرتني ) وهذه الكلمات توقظ حواس البصر والذوق والسمع وتدفع المتلقي ليتفاعل مع النص ويتأثر به بكل حواسه وليس فقط بعقله..

تسخير التضاد::
في الفقرة تسخير للتضاد والتي يقال انه الاكبر اثرا على الدماغ.

يركض + وقف ينظر + والخطوات العاديات من الرفقة
كذلك يضيئه + أسود
و البطل + ظله + الشيطان.

ايضا غالبا ما يحشد القاص مبارك في نصوصه مجموعة من الكلمات التي رتبط بها الكثير من المشاعر conotation ويكون لها وقع عظيم على المتلقي لمحتواها من المشاعر او يكون له وقع هائل:
اكتشفت، الضيق، وحيد, ابكم، الفزع, مذهولا، وحدي, الشيطان بإخافتي, هاجسي، عار ، الوحيدة ، روعي، قلقها خوفي، كابوس مخيف.



الساعة الآن 04:28 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team