منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   عش رشيد الميموني الدافئ (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=3153)

رشيد الميموني 01-18-2011 05:40 PM

عش رشيد الميموني الدافئ
 
الأحبة في منابر ثقافية ..
اسمحول لي ان أضع بين أيديكم ملحمة عشق تمزج بين الخواطر و السرد القصصي ..
أملي أن تلقى رضاكم و استحسانكم ..
ولكم مني كل المحبة و الشكر ..

رشيد الميموني 01-18-2011 05:42 PM

(1)

التفت يمينا و شمالا .. ووجهت بصري نحو الجبال و الروابي الممتدة حتى الأفق وهي لا تزال تهتز وتربو مبتلة بآخر قطرات المطر لخريف يأبى إلا أن يزيد بهاء .. الكلمات و الحروف تتأجج في داخلي .. تريد أن ترى النور عنوة .. لكني لا أجد المكان و لا الزمان المناسب لأطلق سراحها و أجعلها ترتع على صفحاتي كما تريد ..
وتمتد خطواتي حثيثة حتى أوغل في متاهة الجبل .. و اظل ابحث عن مكان يأويني و كلماتي .. حتى أقف عند دوحة لا يعرف إلا الله عمرها ..
تنظر إلي بصمت مشوب بالحنان ، فألمس جذعها المبتل و أنظر إلى أعلاها في شبه ابتهال لأجد كل ما فيها يفتح لي الأذرع .. ولا أتردد في في تسلق الأغصان الكثيفة لأصل أخيرا إلى ما كنت أبحث عنه ..
وجدت مستندا لي وقد أحاطت بي الأوراق من كل جهة إلا من فجوة أمامي سمحت لي بنظرة إلى الوادي الممتد اسفل الجبل ..
هنا عشي الدافئ .. وهنا مأواي .. وهنا ملاذي و ملاذ أفكاري ..
الآن فقط يمكنني أن أطلق لكلماتي العنان ..
كلماتي .. انطلقي الآن .. الهي و ارتعي .. فلا أنا ولا أي أحد يمكنه منذ هذه اللحظة أن يكبح جماحك ..

نهاد رجوب 01-18-2011 07:01 PM

وسوف أتابعك

تقدم

رشيد الميموني 01-18-2011 07:11 PM

الغالية نهاد ..
مرورك هذا جعلني أستعجل في وضع اولى حلقات العش الدافئ ..
مرحبا بك و أهلا و سهلا بين ربوع عشي الدافئ .
مودتي .

رشيد الميموني 01-18-2011 07:18 PM

(2)

من عشي هذا و أنا أرقب الوادي الذي غلفه الضباب .. تعتريني أحاسيس مبهمة و السكون يحيط بي من كل جهة إلا من حفيف الأوراق أو زقزقة عصفور فاجأته ربما باقتحام هذا العش المقابل لعشه .. نظر إلي وهو يحرك رأسه الصغير متسائلا ربما عن هذا الغريب الذي تجرأعلى الدنو من مملكته أو على الأصح جمهوريته الخاصة ..
سعدت لأنه لم يفر من أمامي .. ربما لأنني جمدت في مكاني حتى لا أخيفه بحركة مني .. هل كنت محتاجا لأحد يؤنسني رغم أني كنت أهفو للوحدة أناجي فيها نفسي و أطلق العنان لأحاسيسي ؟.. كنت محتاجا لأعيش على سجيتي دون قيد .. أضحك .. ابتسم .. أبكي ..
أبكي ؟ .. ولم لا ؟ .. هل كلمة رجل تقف حائلا بيني وبين البكاء ؟ .. هل الدموع مقتصرة على الإناث ؟ .. ألا يبكي الرجال ؟ .. و إذا بكوا ، هل هو ضعف ؟ .. ولم لا يكون ضعفا مادام الباكي إنسانا .. أجد نفسي أترنم بصوت خافت أمام عصفوري الذي بدا و كأنه متجاوب مع ترنيمتي :
علمني حبك .. أن أحزن
و أنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن

ثم أسهو مع ترنيمتي و العصفور ماثل أمامي يتعهد عشه بالعناية اللازمة .. فيشجعني ثباته أمامي وعدم خوفه مني على أن استمر مترنما :
أدخلني حبك سيدتي مدن الأحزان
و أنا من قبلك لم أعرف مدن الأحزان
لم أعرف أبدا أن الدمع هو الإنسان
أن الإنسان بلا حزن ذكرى إنسان .

في لحظة .. اختفى العصفور .. ربما ذهب ليبحث عن قوت يسد به رمقه .. وجدتها فرصة للنزول من أعلى الدوحة حتى لا يعود و يطير بسبب حركتي . في نيتي أن آتي ببعض البر و أضعه في عشه ..
نزلت و شعور بالطمانينة يغزو فكري و جسدي .. نظرت إلى أعلى .. لأطمئن على عشي .. فوجدت العصفور هناك يطل علي بفضول .. ابتسمت ، ثم عدت منحدرا الجبل ..

ناريمان الشريف 01-18-2011 07:35 PM

بداية موفقة ..
فما أحوجنا إلى أن نجلس بمفردنا نستأنس بالوحدة ونستمتع بالتأمل
لحظات جميلة تلك التي نقضيها مع الذات
والأجمل من ذلك هو أن نسجل هذه التأملات وبأي شكل
( خاطرة .. قصة .. كلمات مبعثرة )

سأتابعك .. وألقي البال على عشك وما يدور به من أحداث




تحية ... ناريمان

رشيد الميموني 01-18-2011 07:46 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناريمان الشريف (المشاركة 54706)
بداية موفقة ..
فما أحوجنا إلى أن نجلس بمفردنا نستأنس بالوحدة ونستمتع بالتأمل
لحظات جميلة تلك التي نقضيها مع الذات
والأجمل من ذلك هو أن نسجل هذه التأملات وبأي شكل
( خاطرة .. قصة .. كلمات مبعثرة )

سأتابعك .. وألقي البال على عشك وما يدور به من أحداث




تحية ... ناريمان

الغالية ناريمان ..
لا أخفيك أنني قبل إدراج هذه البداية كنت مترددا من وقع صداها في نفوس الأحبة القراء .. وهاهي كلماتك تحفزني وتشجعني على الاستمرار .
شكرا لك و لمرورك العذب .
مودتي .

ريم بدر الدين 01-19-2011 12:11 PM

هذا القص المعتمد على تأمل ما يجري في ساحة الروح ، في البيئة المحيطةو تدوينها بكل شفافية و حرفية و ذكاء هي مما يبقى كثيرا في الذاكرة
لغة قوية متمكنة و ملاحظة دقيقة
أ. رشيد الميموني
أسعد بمتابعة هذا الألق
تحيتي لك

رشيد الميموني 01-19-2011 02:59 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريم بدر الدين (المشاركة 54933)
هذا القص المعتمد على تأمل ما يجري في ساحة الروح ، في البيئة المحيطةو تدوينها بكل شفافية و حرفية و ذكاء هي مما يبقى كثيرا في الذاكرة
لغة قوية متمكنة و ملاحظة دقيقة
أ. رشيد الميموني
أسعد بمتابعة هذا الألق
تحيتي لك

الكريمة الغالية ريم ..
أسعدتني ملاحظاتك التي تجعلني أفخر بما كتبت .
وتسعدني ايضا متابعتك حروفي المتواضعة .
شكرا لمرورك و أملي أن أجد دائما بصمتك هنا .
مودتي

جميل عبدالغني 01-19-2011 03:49 PM

الأخ رشيد
اسم على مسمى
فكرة راقية بين المزج وخلط الروح بأرواح
سعدت بما التهمته ومازلت أرغب بالمزيد وسأنتظر واعدك بأنني أتابعك
لك ورودي
zhrh123qw

رشيد الميموني 01-19-2011 09:33 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جميل عبدالغني (المشاركة 55029)
الأخ رشيد
اسم على مسمى
فكرة راقية بين المزج وخلط الروح بأرواح
سعدت بما التهمته ومازلت أرغب بالمزيد وسأنتظر واعدك بأنني أتابعك
لك ورودي
zhrh123qw

الأستاذ جميل ..حياك الله ..
أسعدني ثناؤك و ملأني إعجابك بالعش الدافئ فخرا و اعتزازا .
فشكرا لك من اعماق القلب .. وعسى أن أبقى دائما عند حسن ظنك .
كنت اود أن أستشيرك في نقل هذا الملف إلى منبر بوح المشاعر إذا كنت ترى ذلك ..
مع كل المحبة .

رقية صالح 01-19-2011 10:21 PM

يا لهذا العش بين أحاسيس مبهمة وسكون وحفيف أوراق
وزقزقة عصافير نترنم معها في دوحة غزت فكر وجسد
نستمتع بالتأمل بتلك الخواطر والسرد القصصي الذي نفتقده
نسرح معه فوق الجبال حيث الروابي الخضراء
على امتداد الكلمات والحروف تأججت وتسلقت الأفكار
فلا تكبح جماح الكلمات وأطلق العنان لها

الأخ الفاضل الغالي
أ. رشيد الميموني
جميلة جداً هذه الخطوة
وفقك الله وسدد خطاك
تحية وود لا ينتهي

رشيد الميموني 01-20-2011 09:43 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رقية صالح (المشاركة 55102)
يا لهذا العش بين أحاسيس مبهمة وسكون وحفيف أوراق
وزقزقة عصافير نترنم معها في دوحة غزت فكر وجسد
نستمتع بالتأمل بتلك الخواطر والسرد القصصي الذي نفتقده
نسرح معه فوق الجبال حيث الروابي الخضراء
على امتداد الكلمات والحروف تأججت وتسلقت الأفكار
فلا تكبح جماح الكلمات وأطلق العنان لها

الأخ الفاضل الغالي
أ. رشيد الميموني
جميلة جداً هذه الخطوة
وفقك الله وسدد خطاك
تحية وود لا ينتهي

الأديبة الراقية دوما في معانيها .. رقية .
أرجو أن أبقى دوما عند حسن ذائقتك الأدبية الرفيعة .
أسعدتني كلمات الثناء وإعجابك بعشي الدافئ ..
مرحبا بك هنا في كل وقت و حين .
مودتي .

رشيد الميموني 01-20-2011 09:46 AM

(3)


عودتي اليوم إلى عشي كانت على غير ما توقعته .. فأحاسيسي المتضاربة التي كانت تعتريني و أنا أغادر أغصان شجرتي المتشابكة قد انتفت مني فلم أعد اشعر بشيء ، أو لنقل إن شعورا واحد بقي ملتصقا بي .. أحس بالكآبة رغم أن الصباح جاء كما أشتهي و سمح لي بأن أسرح بنظري إلى الأفق الصافية سماؤه الزاهية شمسه ..
حتى عصفوري لم أجد له أثرا .. أين يكون اختفى ؟ .. انتابتني هواجس لما يمكن أن يلاقيه من مصير و احس بحاجتي لمناجاته و بثه كل ما يكربني و يقض مضجعي .
كلما نظرت إلى ما حولي أجد شكل قبة صفراء .. وساحة يعيث فيها همج و رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون .. و أحس بالقبة الصفراء و الساحة الطيبة تئنان تحت وطأة المتوحشين من هؤلاء المرتزقة .. أنين و شكوى و صراخ و همس و نحيب و بكاء وصدى يملأ جهات هذا العالم العالم "المتحضر" المنغمس في أنانيته و نفاقه و جوره ..ولا حياة لمن تنادي .
أين أنت يا عصفوري لأبثك ما لا طاقة لصدري به ؟ هل حلق بك جناحاك الصغيران إلى هناك فرأيت ما رأى قلبي و مهجتي من فظائع ؟ ما أسعد حظك إذ تقتحم هذه الحدود بدون رقيب أو حاجز .. وما أتعسني من عاجز لا يملك سوى الصراخ أو الصمت . عد يا عصفوري لأخبرك أنني ضقت ذرعا بما يجري هناك .. ولتخبرني كيف أعوض عجزي هذا بشيء أستطيع أن افخر به في دنياي و آخرتي ..
حملت لك برا و أنا اعلم أن رزقك مضمون ممن خلقك .. وأحمل إليك حبا ولد يوم رأيتني فلم تهرب مني .. عد لأنسى ولو للحظة حزني . لأني أعلم أن هذا الحزن متجذر في حنايا النفس و القلب .. ولن يزول إلا إذا تطهرت القبة الصفراء و الساحة الكئيبة من الدرن و النجس .
سأدعو و أصوم و أتبتل .. ثم ماذا ؟ سأكتب .. لأني أعلم أن الكتابة سلاح أيضا .. وقد تفوق فعاليتها نيران المدافع و القنابل ..
أحس أنني أعيش ليلا سرمديا .. لكني اعلم بكل إيمان أن هذا الليل سينجلي عن فجر بهي .. فجر يضيء الكون وقد تناثرت أشلاء الهمج وعصابات الإجرام .. وقطيع سفاكي الدماء ..
سأعود يا عصفوري لنقضي وقتا في المناجاة و البوح .. فقط ، عد ولا تختف كما اختفيت اليوم .

رشيد الميموني 01-21-2011 07:07 PM

(4)

هذه الليلة .. لم أطق التواجد بين أربعة جدران .. أحسست بأنفاسي تضيق حتى خلت أن تنفسي صار حشرجة و أن نبضي يتسارع ويكاد يتوقف .. الوقت سحرا .. تسللت إلى الخارج ليتلقفني هواء بارد لكنه منعش .. الصمت يلف المكان .. تركت غطائي الصوفي على كتفي ومضيت أذرع الطريق الملتوي بين الروابي الغارقة في سبات عميق .. القمر لم يظهر له أثر بعد ونحن في نهاية الشهر .. لكن الظلام ليس حالكا و لمعان النجوم يسمح لي بتمييز الطريق نحو الدوحة المنتصبة في إباء ..
أتسلق فروعها الضخمة حتى أصل إلى عشي وأنا أحرص على ألا تبدر مني حركة توقظ عصفوري فيما لو كان هنا .. لكن أملي بتواجده خاب وظلت عيني ترنو إلى عشه الصغير في حنان و أسى .. أين تكون يا صغيري ؟ هل امتدت إليك يد الغدر كما يحدث هناك ؟
انزويت داخل عشي مسندا ظهري إلى الغصن الكبير وأنا ملتف بغطائي الصوفي .. كانت الفجوة التي تلوح بين أوراق الدوحة تسمح لي بتفحص الوادي الغارق في الظلمة .. لحظات سكون خلتني أسمع ترنيمة و ابتهالات تخترقه .. نعم .. هي لحظة نزول الخالق إلى السماء الدنيا محفوفا بملائكة عرشه .. لأغتنمها فرصة أبث خالقي كل شجوني و آلامي ، ولأدعه أن يفرج غمي وغم كل المقهورين على هذه البسيطة .. وأن يحفظ لهذا الإنسان كرامته التي منحها إياه وحمله في البر و البحر ..
فكرت في مآل هذا العالم الذي كان من المفروض أن يعمه الحب و السلام بعيدا عن الجشع و الطمع و الأنانية وسفك دماء الأبرياء وعادت من جديد صورة القبة الصفراء و الساحة الطيبة تملأ مخيلتي فيزيد غمي و تنقبض نفسي من جديد ..
أخذتني سنة و أنا في ابتهالي و تضرعي .. أحس بسخونة الدموع تروي خدودي و تنسكب على عنقي و شفتي فأشعر بملوحتها ..
كل من حولي أراه يبتهل و يتضرع ..الربى أمامي تهتز و تربو على إيقاع الترنيمة الشجية .. حتى لم اعد اسمع ولا أرى شيئا ..
تتفتح عيني شيئا فشيئا لتقع على شيء جعلني أكبح جماح نفسي كي لا أنتفض و اسقط من أعلى الشجرة ..
هناك على غصن مقابل لعشي وقف عصفوري .. أي و الله .. ولكنه لم يكن وحيدا . جاء بصحبة عصفورة وقفت إلى جانبه وكأنها تضايقت من وجودي فلم تلزم مكانها وصارت تنط من غصن إلى غصن .. خفت أن أقوم بحركة تتسبب برحيلهما .. وجمدت في مكاني رغم إحساسي بدبيب كدبيب النمل في مفاصلي ..
لم أتحرك و لم أسمح لضحكتي أن تتجاوز شفتي .. لكن داخلي كله كان يرقص و يصرخ و يترنم بهجة و سعادة بعودة العصفور .. بل و لتواجد عصفورين في عشي المتواضع ..

ناريمان الشريف 01-21-2011 07:45 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني (المشاركة 55178)
(3)


عودتي اليوم إلى عشي كانت على غير ما توقعته .. فأحاسيسي المتضاربة التي كانت تعتريني و أنا أغادر أغصان شجرتي المتشابكة قد انتفت مني فلم أعد اشعر بشيء ، أو لنقل إن شعورا واحد بقي ملتصقا بي .. أحس بالكآبة رغم أن الصباح جاء كما أشتهي و سمح لي بأن أسرح بنظري إلى الأفق الصافية سماؤه الزاهية شمسه ..
حتى عصفوري لم أجد له أثرا .. أين يكون اختفى ؟ .. انتابتني هواجس لما يمكن أن يلاقيه من مصير و احس بحاجتي لمناجاته و بثه كل ما يكربني و يقض مضجعي .
كلما نظرت إلى ما حولي أجد شكل قبة صفراء .. وساحة يعيث فيها همج و رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون .. و أحس بالقبة الصفراء و الساحة الطيبة تئنان تحت وطأة المتوحشين من هؤلاء المرتزقة .. أنين و شكوى و صراخ و همس و نحيب و بكاء وصدى يملأ جهات هذا العالم العالم "المتحضر" المنغمس في أنانيته و نفاقه و جوره ..ولا حياة لمن تنادي .
أين أنت يا عصفوري لأبثك ما لا طاقة لصدري به ؟ هل حلق بك جناحاك الصغيران إلى هناك فرأيت ما رأى قلبي و مهجتي من فظائع ؟ ما أسعد حظك إذ تقتحم هذه الحدود بدون رقيب أو حاجز .. وما أتعسني من عاجز لا يملك سوى الصراخ أو الصمت . عد يا عصفوري لأخبرك أنني ضقت ذرعا بما يجري هناك .. ولتخبرني كيف أعوض عجزي هذا بشيء أستطيع أن افخر به في دنياي و آخرتي ..
حملت لك برا و أنا اعلم أن رزقك مضمون ممن خلقك .. وأحمل إليك حبا ولد يوم رأيتني فلم تهرب مني .. عد لأنسى ولو للحظة حزني . لأني أعلم أن هذا الحزن متجذر في حنايا النفس و القلب .. ولن يزول إلا إذا تطهرت القبة الصفراء و الساحة الكئيبة من الدرن و النجس .
سأدعو و أصوم و أتبتل .. ثم ماذا ؟ سأكتب .. لأني أعلم أن الكتابة سلاح أيضا .. وقد تفوق فعاليتها نيران المدافع و القنابل ..
أحس أنني أعيش ليلا سرمديا .. لكني اعلم بكل إيمان أن هذا الليل سينجلي عن فجر بهي .. فجر يضيء الكون وقد تناثرت أشلاء الهمج وعصابات الإجرام .. وقطيع سفاكي الدماء ..
سأعود يا عصفوري لنقضي وقتا في المناجاة و البوح .. فقط ، عد ولا تختف كما اختفيت اليوم .

فضفضة تريح النفس .. فيها شجون واضحة تجاه ما يجري نحو القبة الصفراء ( قبة الصخرة )
من أعداء الله وأعداء السلام

أشكرك أخي رشيد .. شجون تجاه الحق وأهله




لقلمك تحية ... ناريمان

رشيد الميموني 01-21-2011 08:12 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناريمان الشريف (المشاركة 55496)
فضفضة تريح النفس .. فيها شجون واضحة تجاه ما يجري نحو القبة الصفراء ( قبة الصخرة )
من أعداء الله وأعداء السلام

أشكرك أخي رشيد .. شجون تجاه الحق وأهله




لقلمك تحية ... ناريمان

الكريمة ناريمان ..
بالضبط ، هذا ما عنيته بالقبة الصفراء ..
وانا في سردي لهذه الملحمة العشقية ، لم أغفل عن معاناة أهلنا هناك ..
يشرفني أن يكون هذا المرور العبق من فلسطينية مثلك ..
هذه الفلسطين التي أعتبرها وطني الثاني وعشقها يسري في دمي .
مودتي .

آمنة محمود 01-21-2011 09:17 PM

حلّقت حروفك عالية في هذا المنبر لتنثر وردا ورياحين
لتؤثث لعش جميل دافيء رسمه قلمك

بروعة كلماتك فحطت رحالنا هنا
حول هذا العش حيث سنونوات الحب
تغرد بأجمل الألحان وتشدو بأرق الخواطر والمعان

بوركت هذه اليمين التي سطّرت وستسطرأجمل كلمات وخواطر

بانتظار جميع الأحداااث رشيد

مودتي

رشيد الميموني 01-21-2011 09:49 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آمنة محمود (المشاركة 55515)
حلّقت حروفك عالية في هذا المنبر لتنثر وردا ورياحين
لتؤثث لعش جميل دافيء رسمه قلمك

بروعة كلماتك فحطت رحالنا هنا
حول هذا العش حيث سنونوات الحب
تغرد بأجمل الألحان وتشدو بأرق الخواطر والمعان

بوركت هذه اليمين التي سطّرت وستسطرأجمل كلمات وخواطر

بانتظار جميع الأحداااث رشيد

مودتي

بارك الله فيك آمنة و جزاك خيرا على هذا التجاوب ..
مني إليك باقة ورد تليق بشخصك الكريم .
مودتي

أحمد فؤاد صوفي 01-22-2011 01:40 PM

الأديب العزيز رشيد الميموني المحترم

من ناحية أولى فأنا أتابع ما تقدمه هنا من جمال . . وسأكتب ما يناسب من تعليق في الوقت المناسب . .

ومن ناحية ثانية وحسب ما نرى من تفاعل الأعضاء الكرام مع النص . . فلا مجال لنقله أبداً . . ألست معي في ذلك . .

تقبل محبتي واحترامي. .

دمت بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **

رشيد الميموني 01-22-2011 02:58 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد فؤاد صوفي (المشاركة 55662)
الأديب العزيز رشيد الميموني المحترم

من ناحية أولى فأنا أتابع ما تقدمه هنا من جمال . . وسأكتب ما يناسب من تعليق في الوقت المناسب . .

ومن ناحية ثانية وحسب ما نرى من تفاعل الأعضاء الكرام مع النص . . فلا مجال لنقله أبداً . . ألست معي في ذلك . .

تقبل محبتي واحترامي. .

دمت بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **

الأخ الغالي أستاذ أحمد فؤاد صوفي ..
لا أملك إلا أن أعلن عن موافقتي على هذا الرأي ، مكتفيا ومبتهجا بهذه الحفاوة من شخص مثلك و من الأحبة الأعضاء ..
كانت مجرد استشارة لأني اعتقدت أن النصوص تميل للبوح أكثر من ميلها للقص .
شكرا لك من كل قلبي و تقبل مني محبتي .

حسام سيف 01-23-2011 11:22 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحياتي لقلمكم أخي الكريم رشيد الميموني

فلقد استمتعت هنا ولعلها لو تمزج بمشاهد ترصد من هذا العش لاقتربت أكثر لكيان القصة
مجرد فكره أخي الكريم
وتقبل صادق الود والتقدير

رشيد الميموني 01-23-2011 01:37 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسام سيف (المشاركة 55878)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحياتي لقلمكم أخي الكريم رشيد الميموني

فلقد استمتعت هنا ولعلها لو تمزج بمشاهد ترصد من هذا العش لاقتربت أكثر لكيان القصة
مجرد فكره أخي الكريم
وتقبل صادق الود والتقدير

الأخ الكريم حسام .. حياك الله ..
أسعدني مرورك و تعليقك .
بالنسبة لما ذكرته عن النص فأنا أعتبره بوحا ولم أقصد أن أدرج قصة ، اللهم ما يحويه من حوادث يمكن نسبها للقص .
دمت بكل المودة .

رشيد الميموني 01-23-2011 09:30 PM

(5)


كم لبثت في مكاني أتامل العصفورين وحركتهما لا تهدأ ؟ .. كان العش الذي بدأ عصفوري تشييده قد بدأ ينتفش و يفقد بعضا من عيدانه ، فصرت أرى عملا دؤوبا لم يخل من أوقات استراحة كان يقف فيها العصفوران ربما ليتأملا ما صنعته مناقرهما الصغيرة من عمل ..أو ربما كان هناك غزل خفي لم يريدا أن أطلع عليه .. فراقني انسجامهما ..
الوقت ضحى ..وعلي أن أنزل لأسد رمقي .. ولكن كيف والعصفوران لم يغادرا الغصن المقابل لي ؟ .. هل أغامر بالنهوض وأعرض نفسي لأوخم العواقب فلا أراهما من بعد أبدا ؟ .. لأصبر قليلا ..
دوحتي تستقبل العديد من العصافير كمحطة يلقون فيها نظرة شاملة على المكان ثم أسمع حفيف أجنحتها وهي ترفرف عاليا منطلقة في حرية و دعة إلى ما شاء الله لها أن تذهب ..
حين اختفى عصفوراي لحظة ، اسرعت بالنزول ونظري لا يزال معلقا بالسماء حيث أسراب الطيور الخريفية تطير مجتمعة وهي ترسم أشكالا هندسية مختلفة .. ما أسعدها وهي تنعم بحريتها .. و أسائل نفسي ألست حرا ؟ .. ألا أفعل ما يحلو لي و أكتب ما أريد و أذهب حيثما يروق لي ؟
الجواب لا أجده صعبا .. لكن هل أنا حر بالمعنى العام و الشامل ؟ .. هنا أعجز عن الإجابة ..
و أنا في معرض التفلسف حول كلمة الحرية نسيت أنني عدت لأتناول فطوري .. وجلست على ربوة تطل على الوادي من الجهة اليمنى .. بدا لي النهر واضحا بعد انجلاء ضباب الصباح .. كل شيء كان ينطق بالبهاء .. وتحركت في رغبة الكتابة .. ماذا أكتب ؟ وعماذا أكتب ؟
خطر لي أن أكتب خاطرة تحتفي بعودة عصفوري صحبة رفيقته .. وهنا شعرت بأني أولي اهتماما مبالغا في لهذه الرفقة الجديدة .. هل هو إحساس بالغبطة إن لم أقل بالحسد تجاه عصفوري ؟.. طردت سريعا فكرة الحسد عن ذهني و استبقيت الغبطة .. إذن فهي غبطة تفضح شعوري بالوحدة .. هل ينادي لا وعيي عصفورتي أنا ايضا ؟ .. خفقان قلبي المضطرب أخبرني أنني على صواب .. إذن فلأكتب لهذين اللذين ملآ علي دنياي .. فلربما تناثرت كلماتي في عنان السماء لتصل إلى عصفورتي الساجية هناك في مكان ما من هذا العالم الرحب ..ربما تنتظرني أو تنتظر إشارة مني لتهل على عشي يوم ما .
عدت إلى عشي بالزاد وبعض البر و الأوراق وقد شمل نفسي حبور لا يوصف وقد غطى ما اعتراني من ضيق وتوتر .

رشيد الميموني 01-26-2011 01:09 AM

(6)


بعيون متفحصة يبدو فيها مزيج من الفضول و الترقب ، كانت عصفورتي تقف على غصن قريب من عشي ، إلى جهة اليمين قليلا .. كان رفيقها قد طار إلى جهة لا أعرفها .. ربما ليبحث عن أعواد و قضبان رفيعة يقوي بها عشهما .. تأملتها لحظات و أنا أعد نفسي لكتابة شيء ما ، حسب ما تمليه علي أحاسيسي المتضاربة في ذلك الأصيل الذي لونت شمسه الكون بصفرة فاقعة .
لم أبد حركة ولكني حاولت الابتسام .. ثم مددت يدي إلى جيبي لأستجمع حبات البر .. لكن العصفورة لزمت مكانها .. سحبت يدي ببطء شديد ثم فتحت كفي .. كانت جرأة مني وكنت أعلم أنني قد أتسبب في اختفاء العصفورة .. لكن شيئا من هذا لم يحدث .. ولبثت على تلك الوضعية بضع دقائق حتى كدت أيأس من ردة فعلها التي أترقبها بفارغ الصبر .. ثم ، وبدون مقدمات ، قفزت العصفورة قرب ركبتي وهي تتطلع إلي .. كانت عيناها تنطق بشهية عارمة ولا أدري لم تمثلتا لي نجلاوين كعيني عصفورتي الأخرى الغائبة عني .. ولا أدري أيضا لم تخيلت ريشها شعرا غجريا ومنقارها شفتين قرمزيتين .. هل أحلم ؟ .. لا أدري .. ففي الوقت الذي انكبت فيه العصفورة على كفي تلتقط البر مدغدغة كفي ، كنت سابحا في دنيا أخرى ووجدت نفسي أتحدث إليها هامسا :
كلي يا عصفورتي و قري عينا .. هنيئا مريئا .. لم كل هذا الخوف مني ؟ هل حسبتني اغار من رفقتكما ؟.. ألا فاعلمي أنني كنت أنتظر هذه اللحظة من رفيقك الغائب فجئت عوضه .. وكنت في أمس الحاجة لمن يؤنس وحدتي فكنت أنت المؤنسة .. لا يغرنك معدات الكتابة هاته فهي لا تسمن ولا تغني من جوع .. قد تبدد وحشتي للحظات لكن لا شيء يملأ علي دنياي منذ غادرتني تلك التي وهبتها القلب و الروح .. لم تغادرني وهي تعلم أنها الهواء الذي اتنفسه و الضياء الذي يملأ عيني ؟ .. هل من جواب لديك ايتها العصفورة الجميلة .. ما أشبهك بها .. قولي أين أنت الآن ؟ ومتى تعودين .. كل جداولي قد جفت وكل أوراقي قد ذبلت .. أفلت شمسي و خسف قمري وانكدر نجمي حين فضلت الرحيل لتجربي - كما قلت لي - حبك لي ومدى صبري و صبرك على الفراق .. هل جربت الحب و الفراق ؟ أم تخجلين من أن تبدي أمامي منكسرة مهزومة .. عجبا لك .. كنت تمقتين الفراق و تخشين الهجر وتقبلين على الحب بنفس متعطشة لا ترتوي .. وكنت تعبرين لي عن خشيتك من يوم نفترق فيه .. بل إنك لم تكوني تريدين تخيل هذا الفراق ..رحلت فرحل معك الضياء .. وهجرت فلم يبق لي سوى حزن يطبق على القلب و الروح .. وجرح لا أخاله يلتئم يوما ما .. نفسي مثخنة بالجراح .. ذهني مشتت لا يملي علي شيئا أحبه .. كلماتي تستعصي علي ولا أطوعها إلا بعد جهد جهيد ..
أنسيت أنك كنت ملهمتي في كل ما أكتب ؟.. و أنك كنت تقرئين معي كل القصائد التي كتبتها لك .. فتتيهين خيلاء و تهمسين أنك ستحفظينها عن ظهر قلب لتحرقيها فيما بعد ، لأنك لا تقبلين أن تقع عليها يد أحد .. كنت تملكينها وتعتلين عرشها كما ملكت القلب و اعتليت عرشه .. هل علي الآن أن ابحث عنك في الآفاق و أجوب كل الأمصار لعل كلماتي و حروفي تطاوعني .. أم قدر لي أن أظل هنا أراقب حركة الليل و النهار واندفاع الشهب ليلا و أستمع إلى زمجرة الرياح و هي تدوي بين الوديان لعلها تأتيني بأخبارك ؟
نعم .. سأظل هنا .. أنتظرك .. يوما أو شهرا أوعاما وربما دهرا .. فكما جئتني من الأزل .. سوف أنتظرك إلى الأبد .
أفقت على حفيف جناح العصفورة فوجدتها تتطلع إلي من جديد وقد عادت إلى غصنها .. لم يكن رفيقها قد عاد .. فأحسست أنني و إياها نعيش وضعين متشابهين .. فلم أملك إلا أن أتأملها من جديد و أتفحص عينيها .. منقارها .. ريشها .. و قلمي يسطر أشكالا دون أن أعي ذلك ..
تنفست الصعداء وكأن ما بحت به قد نفس عني بعض ما كنت أحسه من ضيق و كرب .. ثم نظرت إلى أوراقي لأجد بوحي كله هناك .. وقد ذيلته صورة غادة نجلاء العينين.. قرمزية الشفتين .. تسبح بين الغيوم وقد تناثرت جدائل شعرها الغجري في أرجاء
السماء ..

رشيد الميموني 01-29-2011 04:13 PM

--------------------------------------------------------------------------------

(7)


مع أفول آخر شعاع من شمس ذاك المساء البهي كانت الأوراق تصدر حفيفا متواصلا يقوى مع مرور الوقت .. وكان شرودي يمنعني من الانتباه إلى ما يحدث حولي .. بينما واصلت العصفورة النط من غصن إلى غصن و كأن شيئا ما يقلقها .. هل هو غياب رفيقها الذي طال أكثر من اللزوم ؟ أم أنها استشعرت شيئا أفزعها ؟ .. ابتسمت لها و أنا أهمس : لاعليك يا صغيرتي .. أنا أيضا أفتقد عصفورتي التي تاهت عني بمحض إرادتها .. عسى أن يأتي بهما القدر كليهما .. لا تخافي والزمي عشك واستريحي ، فالظلام وشيك و الليل قد اقبل بالاعتكار ..
حفيف الأوراق كان يقوى و تمايل الأغصان يتزايد حتى أحسست بالأرض تميد من تحتي .. نظرت إلى الأفق عبر الفجوة الصغيرة بين الأوراق فهالني اسوداد الأفق .. هو عارض ممطر ولا شك .. هل تكون عاصفة ؟ .. ربما تكون العصفورة قد أحست بدنوها .. هاهي أولى قطرات الغيث تنزل على أنفي و يدي .. علي بالنزول و الاختباء في مكان ما حتى لا تداهمني العاصفة ..
نهضت و أنا أنفض ما علق بثيابي من عيدان صغيرة ، وأخذت في النزول بطريقة خلفية .. نظرت إلى أعلى لأجد العصفورة تطل علي بفضولها المعتاد وقد نفشت الريح ريشها .. هل أتركها لمصيرها ؟ .. مستحيل .. المطر زادت حدته ووقعه على الأوراق صار واضحا .. فعدت إلى الصعود من جديد ومددت يدي نحو العصفورة الحائرة .. لاحت مني التفاتة نحو عشها لأجده يكاد يتطاير من شدة الريح ، فلملمته .. لم تهرب العصفورة و استكانت إلى راحتي بكل طمأنينة . أحسست بارتعاش جسمها الصغير المبتل و أسرعت إلى أقرب كهف بالجوار .. وكأن الليل قد هبط فجأة .. فساد الظلام و صارت الرؤية صعبة للغاية و أنا أتلمس طريقي إلى الكهف .. ولولا البرق الخاطف بين الفينة و الأخرى لتهت عبر الربى الغارقة في الظلام و الأمطار .
وصلت أخيرا إلى الكهف و أسرعت بوضع العش و العصفورة في مكان آمن وعدت إلى مدخل الغار أتملى بالطبيعة و هي في أوج ثورتها .. كان البرق يريد أن يريني هذه الثورة فتبدو لي زخات المطر كأنه سيل عارم .. ثم يتلوه هزيم الرعد ليتردد دويه عبر الجبال المحيطة بي .. الكل ثائر .. الريح .. البرق .. الرعد .. النهر وهو يرغي ويزبد جارفا معه كل ما اعترض سبيله من أحجار و فروع الأشجار اليابسة .. نفسي أيضا كانت تتجاوب مع هذه الثورة الجنونية .. وبين الفينة و الأخرى كنت ألتفت نحو العصفورة لأجدها قد استكانت إلى عشها و أتوجه نحوها لألمس ريشها فأطمئن إلا جفافه و أحس بلهفتها الخفية و قلقها المبطن على مصير رفيقها الغائب ، وأعود إلى مخرج الكهف .. لكن تأجج نفسي و ثورتها كانت تشعل جسمي نارا تلظى .. فصرت أتقدم خارج الكهف بخطى و ئيدة غير عابئ بالمطر الغزير وهو يبللني من قمة رأسي حتى أخمص قدمي فيطفئ شيئا من اللهيب المستعر في كياني.. و استمر في السير حتى أقف على صخرة مطلة على الوادي وهديره يصم الآذان ..
" أين أنت الآن يا عصفورتي ؟ .. الم يئن الأوان لتعودي إلى رشدك و تضعي حدا لهذا الفراق المضني ؟.. ألم يكفك ما نخره الحزن في جسمي حتى لم يبق منه إلا الخيال ؟ .. هل جربت حبك لي ؟ .. تعالي وانظري إلى ما يحدث الآن .. كل شيء ينطق بحبي الذي تريدين أن تجربيه .. انظري إلى ما حوالي من هيجان .. هو الحب .. في أوج قوته و عنفوانه .. زخات المطر حب .. وهبوب الريح العاتية حب .. ولمعان البرق حب .. وهزيم الرعد حب .. حتى هدير ذاك النهر و هو ينهمر كالسيل العظيم حب .. كل شيء ينطق .. يصرخ .. يهذي بهذا الحب الذي لم تستشفيه من قبل فاخترت الرحيل ..
كل ما يهدر حوالي ما هو إلا رجع لصدى ما يعتلج في نفسي من هيجان .
تعالي وكفاك تدللا .. وضعي حدا لهذا الرحيل الذي لا معنى له .. فلربما طال الزمان و صدقت مقولة "البعيد عن العين بعيد عن القلب " .. تعالي إلى عشي الذي بنيته بكل نبضة من قلبي و رويته بكل الدموع و الآهات .."
عدت أدراجي و جسمي يقطر ماء .. كنت أحس بثيابي ملتصقة بجلدي فيكسبني هذا متعة و انتعاشا ، حتى وصلت إلى باب الكهف و ألقيت نظرة على العصفورة الغافية .. ترى بماذا تحلم و أين ذهب بها خيالها الصغير ؟ .. هل هي مثلي تترقب اليوم الذي يهل عليها رفيقها وتناجيه كما ناجيت أنا عصفورتي ؟
على باب الغار استلقيت مستندا ظهري على مدخله . كانت العاصفة قد خفت حدتها وهدأت الريح قليلا .. لبثت أتأمل الأفق والنعاس يغشيني ويتسلل شيئا فشيئا إلى جفوني المثقلة سهادا ..
بزغ الفجر و أنا لا زلت على وضعيتي .. أفقت لأجد كل شيء هدأ .. وبدا لي كأن الطبيعة لا تزال تلهث بعد هيجان وثورة لم أعهدها فيها منذ مدة ليست بالقصيرة .. لكن جفوني ظلت مثقلة بالنوم الذي لم أذقه إلا في السحر .. فعدت إلى إغفاءتي .
لم أشعر إلا و أشعة الشمس تلفح وجهي في الصباح .. فتحت عيني منبهرا بضيائها ووضعت يدي عليهما لأحجب ذاك الضياء .. وهنا انتفض جسدي بعنف وخفق قلبي حتى أحسست أنه يكاد ينخلع من صدري ..
على باب الكهف ..كانت جدائل شعر أعرفها حق المعرفة تتطاير من فوقي بينما تمثلت لي عينان نجلاوان تحدقان في وجهي .. وقد علت المحيا ابتسامة مشرقة ..

أحمد فؤاد صوفي 01-31-2011 10:48 PM

الأديب الكريم رشيد الميموني المحترم

بوح وقصة مليئة بالفكر والعبر ومتاهات الحياة . .
جميلة تستحق القراءة والمتابعة . .

بورك القلم . .
دمت دوماً بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **

رشيد الميموني 01-31-2011 10:58 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد فؤاد صوفي (المشاركة 58131)
الأديب الكريم رشيد الميموني المحترم

بوح وقصة مليئة بالفكر والعبر ومتاهات الحياة . .
جميلة تستحق القراءة والمتابعة . .

بورك القلم . .
دمت دوماً بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **

الغالي الحبيب أحمد فؤاد ..
شهادة كهذه من مشرف منبر القصة لها دلالة عميقة .. وأنا إذ أعتز بهذه الشهادة ، أعد نفسي من المحظوظين مادام هذا العش قد أثار إعجابك .. وهذا ما يثلج صدري و يجعلني أنتشي بمرورك و بصمتك البهية على متصفحي ..
تفضل أخي الحبيب و كن دوما هنا بالجور لتأنس كتاباتي المتواضعة بك .
بكل الحب .

رشيد الميموني 02-02-2011 08:15 PM

(8)


أغمضت عيني ثم فتحتهما لأتأكد من يقظتي فلم أجد أحدا .. فانتصبت واقفا وأنا التفت من حولي .. وكان أول شيء لفت انتباهي هو اختفاء العصفورة من العش الذي كان على مقربة مني .. هل هذا فأل سيء لي ؟ ولو أني لا أحب التطير إلا أن شيئا بداخلي جعلني أنقبض و أحال بهجتي الخاطفة التي أحدثتها رؤيتي لجدائل الشعر والعينين النجلاوين المبتسمتين إلى أسى .
لكني مع كل هذا الإحساس بالإحباط كنت اشعر بشيء ما يشدني لتتبع الجداول وامتطاء الربى .. فأخذت العش الفارغ من ساكنته و أعدته إلى مكانه في أعلى الشجرة حيث عشي لا يزال بانتظاري .. ألقيت عليه نظرة حنان و ابتسمت له في ود ..
من كان يتخيل أن ثورة الطبيعة في الليلة الماضية سوف تسفر عن كل هذه الروعة ؟ ومن كان يظن أن هذه الطبيعة ، وبعد كل ذلك الغضب و الغليان سوف تعود وقد ارتدت أجمل ما لديها من حلل .. كل شيء حولي ينطق .. يبتسم .. يضحك .. يعانق .. يحب ..
الجداول.. الربى .. الجبال .. العشب .. كل شيء يتلألأ ويمرح في دعة .. الأرض أحس بها رخوة تحت قدمي .. إلى أين تقودني خطواتي ؟ أرى نفسي مندفعا إلى قمة الجبل عابرا الغابة الكثيفة حيث يكاد يسود الظلام من شدة تقارب الأشجار و تشابك أغصانها .. كنت أحدث نفسي :"ماذا رأيت ؟ .. هل هي أضغاث أحلام ؟ .. أم هي الحقيقة ؟ .. كان في الجو شذا يجعلني متفائلا .. لأنه شذى مألوف لدي .. وهذا ما جعلني أنساق لخطواتي .. وبين الفينة و الأخرى كان ذهني يشرد إلى حيث كانت العصفورة تترقب مثلي عودة رفيقها .. هل تمثل لها شيئا مشابها لما حدث لي ، فطارت تبحث عن عصفورها مستدلة عليه بشذاه أيضا ؟
هل نلتقي هناك في قمة الجبل الجاثم فوق التلال و الوديان في جبروت صامت ؟
غريب هذا المزيج من الأحاسيس .. لهفة و أسى و أمل و سكينة وسط عالم موغل في الجمال و البهاء ..
مع اقترابي من القمة كانت الوقت ضحى .. وكان بإمكاني و أنا أنظر إلى أسفل أن أرى دوحتي التي تحضن عشي و هنا وهناك انتشرت التلال و الحقول في تناغم و انسجام ..
كان يحلق بين الفينة و الأخرى من فوقي سرب من الطيور ، فأتوقف عن الصعود و أحدق مليا واضعا يدي فوق على جبهتي لأحجب أشعة الشمس عن عيني وأهتف دون وعي : "هل أنت هناك ؟ .. هل وجدت عصفورك ؟ .. لعلكما الآن معا .. "
و أستريح قليلا على صخرة نبت العشب على بعض أنحائها .. مجيلا النظر عبر الحقول المترامية فأجد كدحا وعملا مضنيا من أجل القوت اليومي .. ثم أنتبه إلى دابة تنوء بحملها و نملة تصر على الصعود بحملها مرتفعا صغيرا ..وفي لحظة و جدت نفسي أتساءل و أنا أنظر إلى الطريق الصاعد نحو قمة الجبل : ماذا تطارد ؟ أخيط دخان تريد أن تمسك ؟ أم شبحا تريد أن تتبع ؟ أم سرابا تبتغي ؟.. أهذا هو الحب ؟ .. ما هو الحب ؟ .. أهو لهو ولعب وفراق ولقاء و تدلل ؟ .. هل يضاهي حبك هذا عشق ذاك المحب لحقله وتلك الحشرة لحملها وذاك العصفور لقوته و عشه ؟ .. هل فكرت يوما في أنين أو نحيب أو شكوى ؟ هل نسيت أم تناسيت ما يملأ الجو من صيحات يرزح أصحابها تحت نير الجور و الطغيان ؟ .. لا لشيء سوى لتفانيهم في حب الحرية و الكرامة المسلوبتين منهم .. هل صممت أذنيك عن آهات المعذبين في الأرض ، من أقصاها إلى أقصاها ؟ .. ما هذا الحب الذي يجعلك لا تفكر إلا في تحقيق نزوة من نزواتك أو بلوغ مأرب من مآربك؟ .. افتح عينيك جيدا و أصخ بأذنيك و أرهف قلبك .. تجد كل شيء ما حولك يستحق منك الحب .. أفق من غفلتك أيها العاشق السابح في دنيا الأحلام .. كل ما حولك يحب ، لكن لكي تستمر الحياة ، شكرا و امتنانا لمن وهبها ..
أفق .. أفق .. أفق ..
خلت للحظة أن الجبال المحيطة بي تردد صدى هذا النداء المنبعث من أعماق نفسي و جوارحي . فلم أملك إلا أن أنهض و أنحدر مسرعا غير مكترث بالأخاديد المنتشرة في طريقي نحو أسفل الجبل ..
هرعت إلى عشي متسلقا الدوحة .. ولبثت ردحا من الوقت ألهث مرتعبا وكأني كنت مطاردا من شيء لم أدر كنهه . احتضنت غصنا من أغصان شجرتي و صرت أنتحب ..
كان الأصيل يلون الأفق بصفرته الزاهية حين أفقت من غفوتي و أنا لا أزال أحتضن الغصن ، لأجد فوق رأسي عصفورتي ، وبجانبها رفيقها ، وهما لا يتوقفان عن الزقزقة و الحركة ..
شملني حبور كبير و ابتسمت لهما .. و أنا أمد يدي أتحسس جيبي لعلي أجد ما تبقى من بر ..

رشيد الميموني 02-17-2011 12:48 PM

(9)



و الآن .. ماذا تنتظرين مني أكثر مما قلته لك سواء في عشي أو على الربى و الصخور وبين الوديان و الخوانق .. عند الأصيل و في السحر .. سواء صحا الجو أو امطر ..؟ هل تريدين المزيد ؟ ألم أشبعك كلاما حتى أتخمت مسامعك ؟ أين تختفين ؟ ومتى ستظهرين من جديد ؟ كنت أحسب أن ذاك الصباح الذي تلا العاصفة إيذان بلقاء لن يعقبه فراق ..وتفاءلت حين وجدت العصفورين أمامي وقد التقيا بعد أن ذاقا مرارة الفراق مثلي .. لكنهما الآن ينعمان معا بالأنس و المودة هناك في عشهما المقابل لعشي .. هل تدرين أنني صرت أستوحشه كلما دنوت منه ؟ ولولا وجود العصفورين لكانت هذه الوحشة أشد و طأ على قلبي والجريح و نفسي المكلومة .
هذا المساء ، وجدت في عش العصفورين قطعة من ورق كنت أكتب عليه بوحي وأنا أرسم صورتك .. لازالت جدائل شعرك الغجري وعيناك النجلاوان كما رسمتها و كأني بها قد قاومت ثورة الطبيعة و أمطارها و ريحها العاتية لتصمد و تبقى ملتصقة بالأغصان ..
أنا أعلم أنك قريبة مني .. تسمع أنفاسي اللاهثة وأنا أذرع الربى و الوديان بحثا عنك .. و أعلم علم اليقين أنك تنتشين بملامح القنوط و اليأس التي تعلو محياي وكأنك تخشين أن يدب الفتور إلى لهفتي عليك متى ظهرت و وضعت حدا لهذا الفراق ..أنت تعرفين جيدا مدى حبي وعشقي لك و شوقي إليك .. ربما حملت لك أوراق الخريف الذابلة أجزاء هذا الحب لتلملميها و تشكلي أبهى صورة لهذا العشق الذي لا يزيد إلا تمكنا مني و من كياني .. حب غزا جوانحي وتغلغل في روحي عبر مسامي و سرى في شراييني مسرى دمي .. كم حاولت اجتثاثه واقتلاع جذوره لكني كنت أتراجع في اللحظة الأخيرة ، ولا أدري ماهي هذه القوة الخفية التي تجعلني أحتفظ به لك بين جوانحي .. ربما كانت كل لحظة أعيشها تذكرني بك .. سواء في الصباح أو المساء مرورا بالضحى و الزوال و الأصيل ، و انتهاء بالليل و السحر .. كل لحظة تسمعني منك ترنيمة أو تضوعني شذا أو تلهبني أنفاسا و همسا لا أفيق من سكرته ..
حبك سيدتي شيء عذب ، أليم ، غريب .. حبك يدنو مني حتى يكون في متناولي و طوع إشارتي فقط حين أعرض عنه و أفكر في استئصاله ..
لكنه يختفي كالسراب و ينأى كلما هفوت إليه أروم احتضانه و التنعم بدفئه .. لقد تعودت عليك .. وتعودت على نزواتك و أهوائك .. وصرت أتحملها عن طيب خاطر و بصدر رحب .. صرت أعرفك أكثر وأنت بعيدة عني .. أعرف طبائعك و طريقة تفيكرك .. اعرف متى تفرحين ومتى تغضبين .. أعرف متى تشتاقين إلي فتزهر الأشجار و تهتز التلال و تربو ، و حين تتبدل مشاعرك نحوي أعرف ذلك في ذبول أوراق الشجر و تساقطها .. بل إنك صرت ملمة لكل جزئيات نفسي المتعطشة دوما لرؤياك .. تحصين علي أنفاسي وتتظاهرين باللامبالاة .. تقتفين أثري ثم تكابرين لكي لا يبدو منك اي اثر للهفتك علي .. تتجاهلين نظراتي وأنت تتحرقين شوقا إليها .. تعرضين عن بوحي ، لكنك تغلين لهفة للمزيد .
تبدين عدم اكتراثك لتهافت المعجبات ، لكنك تتميزين غيظا و غيرة وتودين لو صرخت فيهن كلهن أني لك .. لك وحدك .
لم كل هذا ؟ .. ألا تعلمين أن هذا سيتعبك كما أتعبني ؟ .. وأنك ستتألمين كما اتألم ، فقط لأنك تريدين ذلك ..
هاهو الخريف يمضي .. وتمضي معه ايامنا و ليالينا .. يمضي وفي جعبته بوحي لك منذ أن بدأ حبي لك وليدا ، فتعهدته بالرعاية و العناية رغم تجاهلك له .. فشب و ترعرع حتى صار يافعا .. جميلا بهيا .. وسيبقى بوحي يتردد هنا و هناك عبر الجبال ، بين الوديان .. عند الغدير .. ولن يتوقف ، بل سيستمر مع توالي الفصول .. وسوف أبقى هنا أنتظر الخريف الآتي .. فلربما حملتك نسائمه عن طواعية لننعم بلقاء ما بعده فراق .

رشيد الميموني 03-07-2011 12:35 AM

(10)


اليوم صرت طفلا .. أو على الأصح عدت طفلا ..كما كنت منذ الأزل .. هل كان القرار قراري ؟ لا أدري ، ولكني وجدت نفسي ألهو و أرتع هنا و هناك .. ألملم أشيائي الخاصة .. وأقطف باقات ورد حين أشتهي ذلك .. أو أقذف بالحجر بعيدا حتى يتوارى عن ناظري أو أرمي به على سطح الغدير لينط مرات ومرات قبل أن يهبط و يستقر في قعره ..
استطابت نفسي هذا التحول المفاجئ ، وكان لا بد لي أن أبحث عنك كما اعتدت على ذلك في كل ضحى لنخرج سويا ممسكين بيدي بعضنا البعض .. نتحدث دون رقيب أو حسيب في داخلنا .. حين أغضب فإني لا أواري غضبي ، وحين تزعجك تصرفاتي تعبسين في وجهي وتنصرفين غير مكترثة ببقائي وحيدا .. لم يتنازل أي منا عن أنانيته الطفولية ، لكننا سرعان ما كنا نهدي بعضنا البعض أحلى و أجمل ما وقعت عليه أيدينا .. هل تذكرين كم باقة ورد أهديتك وكم إكليل زهر وضعته تاجا على رأسك أو طوقت به عنقك ؟
صرت شقيا كما كنت ، بل أكثر شقاوة من ذي قبل .. وزادت مشاكساتي لك بقدر ما كنت تتدللين و تثيرين غضبي بتصرفات ربما هي غريزة في الأنثى . كنت تغيبين في الوقت الذي كنت أبحث عنك متلهفا .. وكنت تظهرين دون أن يبدو عليك شيئا ينم عن لهفتك .. بينما أنا أتحرق شوقا لرؤيتك .. لكنك في المقابل كثيرا ما تأخذك نوبة من البكاء وعلى حين غرة ، فأفاجأ بك تلقين ما بيدك أرضا وتولين الأدبار ثم تهرولين لا تلوين على شيء .. فأغتم لذلك ، و أظل أنتظر إطلالتك من جديد حتى تقبلين علي ، ربما بعد يوم أو يومين مبتسمة مشرقة و كأن شيئا لم يكن .
أنا الآن أنظر إليك من عشي .. تلتقطين بعض الأعشاب الجافة لنرمم بها أعشاش العصافير التي تضررت من الرياح العاتية التي هبت أمس .. أراقبك تنحين و خصلات شعرك تحجب الرؤية عن وجهك فتلوحين بها إلى الوراء .. يعجبني فيك ذاك الوجه الطفولي المشاكس .. عيناك أيضا تنطقان بشقاوتك .. لم أعرف قط كلمة حب .. ولم يذكرها لساني لأنني بكل بساطة لا أعرفه .. أو على الأقل لا أعرف هذا المصطلح .. قد أكون متلهفا إليك كلما غبت أو حضرت .. وقد آخذ بيديك وأنا في قمة سعادتي لأذرع بك هذه الربى ..وحتى حين أقطف لك وردة ، فإني لا أفعل ذلك سوى لأنك تحبين الورود و تسعدين بإهدائي لها إياك ..
ألا ترين أننا نتحكم في كل شيء يخصنا ؟ .. نعدو حين نريد .. نجلس لاهثين حين يجد في الجلوس متعة .. نلتقي متى شئنا .. نفترق متى رأينا أنه علينا أن نفترق .. نلتقي في الصباح لأجدك في انتظاري أو العكس .. حتى أحلامنا ، ربما كانت تغوص في الليل على سجيتها .. فألتقي بك وأعيد صخب النهار و عربدة الضحى و تأملات المساء ونحن على ضفة الغدير الساكن في تأملاته مثلنا .
لا أحد يمنعنا من التحدث طويلا عبر شباك نافذتينا .. حقا ، هناك زجر لكي نخلد إلى الراحة و نستعد للذهاب إلى المدرسة في الصباح الباكر .. فنظل نهمس حذرين ، ونكتم بين الفينة و الأخرى ضحكاتنا حين نتذكر شيئا مر بنا أثناء النهار .. أذكرك بالعجل الذي وخزته بإبرة فانطلق يخور عبر الحقول و صاحبه يتوعد بالويل و الثبور من تسبب في ذلك ، و أنت منبهرة بما فعلته .. كنت أستلذ أن أبدو أمامك رجلا بكل معنى الكلمة .. ثم تذكرينني بالهرة التي وضعت في قوائمها حناء و بالدجاجة التي ألبستها قبعة صغيرة حتى غطت عينيها و حجبت عنها الرؤية فلم تعد ترى طريقها . ثم نتساءل متى سنخرج إلى المدرسة في ذلك اليوم الخريفي الزاهي .. وهل سنتمكن من الجلوس جنبا إلى جنب مثل العام الماضي .. لا أنسى يوم فرق بيننا المدرس لأننا سهونا عن الدرس و أخذنا نتحدث عن جني البلوط ..كم كان ذلك التفريق بيننا قاسيا علي حتى كدت أبكي لأنني لا استوعب درسا إلا و أنت بجانبي .
أنتظر الصباح بكل شغف رغم أنني هنا من نافذتي أسمع همسك الضاحك و أفهم إشاراتك .. تلوحين لي مودعة فأعلم أنك تعبت ..
الطريق إلى المدرسة ممتع .. نجري هنا و هناك .. نلتقط بعض الحصى دون أن نعرف ماذا نفعل بها .. أو نتسلق أغصان شجرة صغيرة ، ونشرب من منبع في الطريق وأرش عليك الماء بحفنة من يدي فتولولين وتاخذين أنت أيضا حفنة منه وتظلين تلاحقينني حتى تفرغ راحتك من الماء .. ثم نصل إلى الجسر لنعبر فوق النهر .. أحدثك عنه كما حدثتني جدتي التي تهديني كل ليلة حكاية دون أن أسمعها إلى النهاية .. لكني أتلذذ بالبداية المعتادة : - سالتك .. فأجيب بحماس .. " سال لا تخاف " .. فتبدأ الحكاية .
مرة واحدة استطعت مغالبة النعاس حتى النهاية .. كانت الحكاية لأميرة اغتسلت عند المنبع ، وحين أتى أخوها الأمير ليشرب حصانه ، علقت شعرتها بأسنانه ، فأقسم على أن يتزوج الفتاة صاحبة الشعرة .. وحين علمت الأميرة بقرار أخيها هربت وجلست على صخرة وطلبت منها أن تعلو بينما أهلها يترجونها أن تعود ، فتجيب أباها أولا :
في الأول كنت أبي
و الآن ستصير حماي
اعلي بي يا حجرة
فتصير الحجرة صخرة ثم تلا ، إلى أن تتحول إلى جبل .. ويتقدم كل فرد من أفراد أسرتها يستعطفها كي تنزل فتعيد قولتها كل حسب قرابته لها ..
وحين تقترب الحكاية من نهايتها أسمع جدتي تقول :" وفي الطريق .. اشتريت حلوى .. وهي تذوب .. وتذوب .. وتذوب .. حتى صار كل شيء كذوب .( كذب ).
أذكر يوما أنك طلبت مني أن أروي لك هذه الحكاية لكثرة ما حدثتك عنها .. وحين وصلت إلى ذكر الحلوى .. كنت قد وضعت رأسك على كتفي و نمت وضفيرتك مدلاة على صدري.. كم كنت جميلة في ذلك اليوم و نحن جالسان قرب النهر .. ربما شعرت بشيء غريب نحوك دون أن أدري ما هو ..
سأبقى طفلا مادمت تدلينني وتشبعين غروري .. وستبقى الطفولة سمتي ما دمت تصفحين عن زلاتي وتقابلين إساءتي بابتسامة و رحابة صدر ..
سأكبر يوما ما .. لكني سأبقى طفلا .. فكوني أبدا طفلة ودعي طفولتك تسكنك مثلي ..

رشيد الميموني 07-22-2011 04:15 AM

(11)



قضيت اليوم في تعهد عشي بما يلزمه من عناية ، ثم نزلت أتمشى قليلا شارد الفكر حتى وصلت الغدير .. جلست على ضفته .. كانت هناك ضفدعة تراقبني بعينين جامدتين .. كنت على وشك أن أبدأ برمي الحصى على سطح الماء الراكد كعادتي ، لكنني عدلت عن ذلك خشية إزعاج الضفدعة الجاثمة على حجر بجانب الغدير .. لم يكن في الجو ما يشي بالجديد .. سكون تام ورتيب لكنه يسري في النفس فيكسبها حبورا و متعة ..

لبثت على تلك الحالة إلى أن شد انتباهي رفرفة أجنحة أتية من ناحية شجرتي الكبيرة .. هل يكون عصفوري عاد مع رفيقته ؟ .. خفق قلبي بعنف فرحا و لهفة لرؤيتهما قرب عشي ، ونهضت مسرعا لأتسلق الدوحة بخفة .. وهناك في أحضان العش المقابل كانت عصفورتي مستلقية في وهن .. حسبت أن إطلالتي عليها ستجعلها تطير .. لكنها ظلت هناك تنظر إلي .. في عينيها ألم أحس به .. مددت يدي نحوها بحذر فلم تتحرك . وضعتها في كفي ، فإذا بريشها يصبغ يدي بلون قاني ..

هكذا إذن .. عصفورتي جريحة .. وعودتها لعشها كانت فقط لتبتعد فرارا ممن آذاها و التماسا لمكان آمن تتألم فيه بكل هدوء .. لكن .. ألا تكون هذه العودة من وحي غريزتها الحيوانية لتلتجئ إلي ؟ .. هل كان إطعامي لها بداية للاستئناس و الثقة بي .. إذا كان كذلك ، فما أسعدني به .. و علي أن أعتني بعصفورتي و اتعهدها بالرعايةو الاهتمام ..

عصفورتي .. لا تبالي . أعرف أنك تألمت كثيرا من جرحك هذا .. آه لو أعرف فقط من فعل بك هذا .. لكن لا يهم . أنت الآن معي و في حمايتي .. لن تصل إليك يد آثمة بعد الآن .. سأعالج جرحك وستعودين كما كنت .. دعيني أنظر أين موقع جرحك .. ياللقساة وغلاظ القلوب .. كم هوغائر جرحك تحت هذا الجناح الصغير .. الحمد لله أن هذا الجناح لم يصب وإلا لكنت الآن طريحة الأرض ولعبثت بك أيدي العابثين .. طيب انتظريني هنا يا عصفورتي ولا تخافي .. سأعود إليك بعد قليل .. ماذا ؟ ما معنى هذه النظرة المفعمة رجاء و توسلا .. لاتريدين تركك لوحدك ؟ .. حسنا ، سآخذك معي .

كنت أهمهم و أنا في طريقي إلى المنزل لجلب ما يلزم من دواء .. ولم أتمالك من تقبيل عصفورتي المرتجفة في راحتي .. أحسست بخوف كبير وتساءلت : هل تموت عصفورتي ؟

طردت عن ذهني تلك الأفكار السوداء وعدت إلى عشي بعد أن ضمدت جرح العصفورة .. وضعتها في عشها و نثرت بعض البر أمامها .. فلم تأكل في الحال .. حز في نفسي منظرها .. لم كل هذا الألم ياعصفورتي ؟ ألا يزال يوجعك جرحك ؟ أم أن ألما آخر يعصر قلبك كما يعصرني أنا أيضا ؟ .. ماالذي تريد قوله عيناك الصغيرتان؟ أكاد أحس بما تعبران به عما يعتلج به قلبك الصغير .. أنا أعرف قلقك و خوفك من أن يكون مصير رفيقك مثل ما حصل لك أو اسوأ منه .. لا تقلقي عصفورتي .. سوف يعود إليك ليجدك قد شفيت وعادت إليك عافيتك لترفرفا عاليا .. فقط لا تياسي .. فيأسك يعديني ويجعلني فريسة للإحباط .. كوني قوية كما عهدتك دائما .. لا يوحشك منظر الغيوم الداكنة المعلنة عن حلول فصل الشتاء .. سأبني لك وكرا منيعا أضع فيه عشك حتى لايكون في متناول العابثين و المتطفلين .. وسأظل ارعاك و أحميك حتى تتماثلي للشفاء ..أنا هنا معك ما حييت .. لأن عشي هو ملاذي وملجئي .. أنت تنتظرين عصفورك و أنا أيضا أنتظر عصفورتي .. لنحتفظ بالأمل حتى نتغلب على الألم .. فبعد الشتاء و صقيعه ومطره و برقه و رعده ، سيأتي الربيع زاهيا ليمحو ما علق بقلبينا من حزن و أسى .. وتتفتح ورودهما بكل الألوان ..

هيا يا عصفورتي .. نامي الآن .. وسوف أظل هنا مادام الجو رائقا هذا المساء .. وسآخذك معي إذا بدا المطر لتؤنسي وحدتي و تشاطريني أحاسيسي .. هيا ياصغيري .. ها هو البر أمامك .. يا لفرحتي .. هكذا أريدك .. أن تأكلي وتنسي للحظة ألامك ..

تصبحين على خيرعصفورتي .


[/justify]


الساعة الآن 04:33 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team