منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821)

ايوب صابر 03-13-2013 08:57 AM

تابع ألان مع عناصر القوة التي صنعت الأفضلية في رواية(16) ثلاثية سأهبك مدينة أخرىأحمدإبراهيم الفقيهليبيا

- الثلاثية التياثارت الكثير من التساؤلات في الوسط الثقافيحيث الصراع النفسي الذي يعيشه المغترب و استلابه منالحياة عبر اختلافات الشرق و الغرب ومحاولة البحث عن حالة التوازن.


-أحمد إبراهيم الفقيه يسحب القارئ إلى سيالات خيالات منزرعة بصور مرئية وغير مرئية وبمعانٍ تدور كدوامات أسطورية ويدور الذهن في حلقاتها اللانهائية ليغوص في أعماق توصل إلى مدائن يستقر في حناياها إنسان متوزع الطموحات، تتصارع في داخله كل الأشياء وكل الفلسفات وكل القيم، يصرخ يستغيث من نفسه ليلتجأ منها إليها.

- زمن هارب وزمن آخر ينتظره ذاك المنتظر على حواف الأمنيات داخل الإنسان مرئيات من الحياة تنساب في سأهبك مدينة أخرى، تزخرف البنية الروائية بعطاءات لغوية هي للإبداع أقرب، وبقدر ما يبتعد الروائي عن التكلف، بقدر ما يقترب من الأحاسيس والمشاعر التي تبقى رهينة الصفحات الحافلة بالأحداث الهاربة عباراتها من عمق مواطن النفس حتى آخر حرف.

ايوب صابر 03-14-2013 03:29 PM

وألان مع سر العناصر التي صنعت الأفضلية والروعة في رواية:
17 أناأحيا - ليلي بعلبكيلبنان

- فيشتاء عام 1958 أعلنت مجلة «شعر» عن صدور رواية عنوانها «أناأحيا» لكاتبة لبنانية شابة تدعى ليلى بعلبكي، وورد في الإعلان أن هذه الرواية «سيكون لها أثر بعيد في مستقبل الرواية العربية».

- كان الإعلان لافتاً جداً في مضمونه أولاً وفي تبني مجلة «شعر» لعمل روائي، هي التي لم يشغلها سوى الشعر وحده.

- ولم تمضِ أشهر حتى راجت الرواية ولقيت نجاحاً كبيراً في الأوساط النقدية وأضحت بمثابة حدث روائي في بيروت الستينات،مدينة الحداثة، وبعض العواصم العربية.

- ولم تلبث الرواية أن أصبحت أشبه بـ «الظاهرة»، وكان يكفي ذكر «أنا أحيا» حتى ترتسم صورةبطلتها لينا فياض في أذهان الكثيرين، نقاداً وأدباء وقرّاء.

- في موسوعة «الكاتبة العربية» (المجلس الأعلى للثقافة في مصر) وفي الجزء الذي تناولالرواية النسائية اللبنانية اختارت الناقدة يمنى العيد «أنا أحيا» كأولى الروايات النسائية الحديثة واصفة إياها بأنها «شكّلت علامة بارزة على تطور الكتابة الروائيةالعربية في لبنان».

- هذه «المرتبة» التي احتلتها «أنا أحيا» سابقاً ما زالت تحتلها تاريخياً، فهي الرواية الأولى «الفضائحية» في المعنى الوجودي العميق التي تعلن تمرّدها أولاً على الإرث الروائي اللبناني (من زينب فواز إلى توفيق يوسفعوّاد) جاعلة مدينة بيروت إطاراً مكانياً و «العصر» الحديث إطاراً زمنياً.

- كما أعلنت تمرّدها على الفن الروائي الكلاسيكي أو التقليدي وعلى مفهوم الشخصية الإيجابية وعلى النظام اللبنائي مانحة «الأنا» الراوية الفرصة لتتداعى بحرية وتوتر وتصبح المحور الرئيس الذي تدور حوله «الأحداث» وتنطلق منه.

- ظلت رواية «أناأحيا تشغل النقدوالإعلام. وتأثر بها جيل من الروائيات بدأ يبرز وفي طليعته منى جبور التي تأثرتبـ «أناأحيا» كثيراً، وبدا هذاالأثر بيّناً في روايتها «فتاة تافهة» (1962) وجاء الاثر من نواح عدة: اللغة، التداعي، التوتر،بناء الشخصية الرئيسة» ندى» التي تشبه شخصية «لينا» في «أناأحيا». ولم تتوان عناستخدام عبارة «أناأحيا» في روايتها مستوحيةأحوال التمرّد والاحتجاج التي حفلت بهارواية بعلبكي.

- رواية أناأحيا» لا تخلو من المتعةوإن فقدت الرواية بعضاً من الجرأة التي تميزت بها لا سيما عبر شخصية البطلةالراوية التي أعلنت أقصى تمرّدها على القيم والثوابت و «الأصنام» المعاصرة والعائلةوالجامعة والأيديولوجيا… بحثاً عن الحرية، الحرية الفردية خصوصاً.

- شخصية البطلة شخصية سلبيةبامتياز (في مفهوم البطل السلبي) عمرها بين التاسعة عشرة والعشرين، عنيفة وشرسةورقيقة في آن واحد، تكره الحياة وتسعى إليها، تعيش في الواقع وتحلم… «بطلة» متناقضة، تعاني الوحدة و «القمع» العائلي، تكره والدهاوتسخر منه، رجلاً ذكورياً وزوجاً وتاجراً ينتمي الى طبقة الأثرياء الجدد. علاقة «أوديبية» ولكن في الوجهة المعاكسة. تفضحه يتلصص على «الجارة المترهلة» هو الثريالذي يفيد من المآسي والأزمات ليتاجر بالقمح وسائر السلع بين لبنان ومصر وبريطانياوتبلغ بها الكراهية حتى لتصفه بـ «الأحمق» وتحتقره.

- أما الأم فلم توفرها بدورها منبغضائها. إنها في نظرها أنموذج عن المرأة التقليدية التي لا تعرف من الحياة إلا طهوالطعام وتربية الأبناء ومشاركة الزوج فراشه عندما يريد هو. امرأة خاضعة لسلطة «الذكر» تشفق عليها وتشمئز منها وتعاندها: «منظر لحم والدتي يثير قرفي منها»… ولعلهذا الموقف من الأم وبعض النماذج النسائية الأخرى يبعد الرواية عن مضارب الأدبالنسوي. فقتل الذكر مجازاً يقابله قتل الأنثى مجازاً أيضاً.

- لم يقم في الرواية صراعصريح بين الذكورة والأنوثة كقطبين مضادّين. فالراوية تحتقر الرجل التقليدي مثلماتحتقر المرأة التقليدية.

- إنها لينا فياض التي تتولى فعل السرد وتؤدي دورالأناالراوية.

- تخبر في المستهل أنها قصّت شعرها الجميل في موقفعدائي من «الأنظار» التي يلفتها هذا الشعر: «لمن الشعر الدافئ المنثور على كتفيّ؟أليس هو لي…؟ ألست حرة في أن أسخط عليه…؟» تقول. عبارة «ألست حرة» ترددها دوماًممارسة فعل الحرية وإن كان ثمنه باهظاً فيأحيان.

- ولعل إصرارها على السير تحت المطر وعلى استقلال القطار (الترام) هي ابنة العائلة الثرية يمثل أحد وجوه الحرية التي تبحث عنها وتعجز عنتحقيقها. المطر يغسل جسدها من «وحول» السلطة بل «السلطات» التي طالما خضعت لها ويمنحهالحظات من التحرر.

- التحقت بالجامعة الأميركية ثم تركتها من دون أن تنال أيشهادة. إنها تكره أيضاً الدروس وأفكار الأساتذة على رغم الأسئلة الكثيرة التيتطرحها على نفسها، أسئلة سياسية وفلسفية وفكرية. تحاول أن تعمل في مؤسسة وتفشلوسرعان ما تقدم استقالتها الى المدير «البصّاص» الذي ودّت ذات مرة أن تقطع ساقهاالتي كان ينظر إليها بشهوة وترميها في عينيه فيسيل دمها في فمه كما تعبّر.

- واللافت أن المؤسسة التي عملت فيها فترة هي «مكتب دعاية ضد الشيوعية»، لكنها لم تعر الأمرأي اهتمام هي التي تناهض الاستعمار وتدافع عن فلسطين والجزائر في حربها ومصر فيمواجهتها الاعتداء

ايوب صابر 03-14-2013 10:25 PM

تابع....
وألان مع العناصر التي صنعت الأفضلية والروعة في رواية:
17 أنا أحيا - ليلي بعلبكيلبنان



- تقرأ رواية «أنا أحيا» بمتعة وكأنها كتبت في الأمس القريب على رغم التفاصيل الكثيرة التي كان يمكن حذفها.

- ايضا كان ممكناً تشذيب النص من الزوائد مع أن اللغة شديدة التوتر والدينامية مثل البطلة نفسها.

- في «أنا أحيا» ذكر عابر للحرب لا يتعدّى مقطعا أو مقطعين من بين عدد صفحات بلغ 327 صفحة. لكن، سواء كانت «فتنة» 1958 هي المقصودة، أو كانت هذه حربا أخرى (1948 الفلسطينيّة مثلا أو حرب 1956 المصرية)، فإن بيروت آنذاك، وبحسب الرواية، لم تكن قد خسرت شيئا من هدوئها ولم تشوّش أهلَها مسائلُ تتجاوز روتين عيشهم.

- لينا فيّاض، بطلة الرواية، لم تكن تعاني إلا الملل وسكون الحياة وفراغها في البلد الذي يبدو قليل الأزمات، بل عديمها.

- ذلك المكتب الذي تكتشف لينا فيّاض، بعدأن تبدأ العمل موظّفة فيه، أنه مكتب لنشر الدعاية الرأسماليّة ومكافحة الشيوعيّة، بدا أقلّ وجودا وأهميّة مما ينبغي له أن يكون. كأنّه وكالة سفريّات أو وكالة عاديّة للدعاية. وفي نزاعها معه، ومع نفسها، بسبب وجودها فيه، لا تجد لينا فياض بواعث لذلك النزاع تختلف عما تشعر به تجاه منزل الأهل الذي تقيم فيه، أو تجاه الجمعة التي تنتسب إليها.

- هذه المدينة، ودائما كما تظهر في «أنا أحيا»، خالية من كلّ ما هومشكل يمكنه أن يكون محور رواية (على غرار ما جاءت به الحروب إلى الروايات التي صدرت خلال العقود التي تلت) .

- بهاء، الشاب غير اللبناني المنتسب إلى الجامعة الأميركية،لا تبدو مرارته مقنعة وكذلك حزبيته واضطراب شخصيته ونزوعه، في فقرات عابرة من الرواية، إلى الإنتحار. كما لا يبدو انتسابه إلى الجامعة الأميركيّة متوافقا مع فقره، في ماضيه وحاضره، وليس مقنعا أيضا احتفاظه بتقليديته جنبا إلى جنب مع عقائديّته، بمعايير ذلك الزمن أقصد. يبدو بهاء هذا شخصيّة مستعارة للرواية، خليطا من تصوّرات عابرة ومتداخلة لا تصنع شخصيّة.

- ففيما يخصّ نزوعه إلى الفعل، أو إلى «التغيير» بحسب تعبير حزبي، لم توفّق الروائيّة إلا في جعله يتوهّم ما سيقوم بهتوهّما، كما لو أنه مراهق طامح لأن يكون منتسبا ألى حزب وليست الحزبيّة أولىصفاته.

- لكن ما هو حاضر، بل ويكاد يكون متفرّدا في حضوره، هو الكتابة. لايحتاج القارئ إلى كثير تأمّل ليدرك أن الرواية ليست أكثر من ذريعة لتلك الحاجة. الكتابة التي رأى فيها ميخائيل نعيمة، بعد أن أطلق عليها كلمة «أسلوب»، في تعليقه على الكتاب، «قيمة ليست لأيّ كتاب غيره في الأدب العربي_ قديمه وحديثه».

- جبرا ابراهيم جبرا قرأ الرواية أيضا بعين من يقرأ الشعر «.. فيها غنائيّة لفظيّة رائعة تدنيها من غنائيّة الشعر».

- وهذا على أيّ حال ما تكادالقراءة تعرّف به نفسها، حيث ينبغي التوقّف عند نهايات الجُمَل أو الفقرات والتأمّلفي معناها من ثمّ، على غرار ما تُقرأ الفقرات الشعريّة.

- ولن تساعد القراءة المسرعةعلى متابعة القراءة إذ ستعترض سيولة المتابعة كلّ فقرة من الفقرات، كما أنها ستغفلعن ذلك الغنى والرغبة في قول ما لم تهتد كتابة تلك الأيام إلىقوله.

- بعضقرّاء ذلك الزمن (الخمسينات) أدركوا ذلك الميل المتميّز بالمناجاة الشخصية وافتقادالرواية للعناصر المكوّنة لفنّها، وهي، ليلى بعلبكي، ردّت على قائلي ذلك بالتقديملروايتها « الآلهة الممسوخة» المؤرّخ في 10 نيسان1965، وفي المقدّمة هذه بدت كما لوأنّها تعد قرّاءها بالإقتراب أكثر من الرواية: « قصدت «بالآلهة الممسوخة» أن تكونتجربة أدبيّة جديدة لي، وأن تكون ردا على النقّاد وعلى الذين اعتبروا «أنا أحيا» «بيضة الديك» وفهموا أنّه خواطر فتاة صغيرة وتفاصيل حياة خاصّة أعيشهاشخصيّا».

- - الرواية مكتوبة بأسلوب خاص وسخرية مبطنة،وتعابير مختصر لصور متعددة من الحياة، وتصف حالة الاغتراب المرة التي يحياهاالإنسان داخل وطنه وبين أهله، ولكنه يبقى يجهل ذاته، يبحث عن ثمة مساحة في هذاالعبث الملحمي الذي يعيش.

- تقول لينة بطلة الرواية: "هكذا أنا، عالم مستقل لا يمكنأن يتأثر مجرى الحياة فيه بأي حدث خارجي لا ينطلق من ذاتي، من مشكلة الإنسان فيذاتي، وصحيح أنني أسكن مع أمي وأبي وأختي، السمراء والشقراء، وأخي الدلوع بسام،لكنني لا أحسهم إنهم تماماً خارج السور في عالمي.

- إنهم حتى خارج قنوات المياهالطافحة، فبدأت تبحث عن عمل يعيد إليها توازنها بعيداً عن أسرتها التي تصفهمبأثرياء الحرب واشتعلت الأرض بنيران الحرب العالمية الثانية، فإذا الحياة تتبدلوتنطلق بسرعة جنونية، وإذا نحن أثرياء: نحن أغنياءحرب".

- محطاتكثيرة، وأحداث متعددة، تنتظرنا عند قراءتنا لهذه الرواية الرائعة لنكتشف معاً محطاتتمثل صوراً لحياة الإنسان العربي الباحث عن هويته وعن حريته وعن أمته فلا يجده، فهلتمثل هذه الصغيرة "لينة" ما نريد أن نعبر عنه عن الكبار وما نرفضه في عصر مليءبالصراعات، والفقر، والحروب، والخروج إلى واقع جديد لم يعد ممكناً محاورته إلابالذهاب بعيداً إلى مرحلة الحدود القصوى؟

- ليلى بعلبكي لم ترو قصتها بل كتبت بصدق ووعي ما قد عانتهصبية لبنانية تحدّت الجميع وتجرأت على قولما يتفاعل به جسدها من دون ان تخشى ردود الفعل في المجتمع الذي لم يتعوّد كتابة كهذه، ولا بوحاً واعترافاًوتعبيراً تعبّر كلها عن اشياء جديدة لميُقرأ سابقا مثلها.

- كان ثمة ويلات كثيرة تنتظرها لأنها جاهرت ولبّت واحترمت رغبات جديدة ومتطلبات كان عليها انتراعيها وتتقبلها وتتفانى فيالدفاع عنها ضدكل من تجرأ واعتبر هذه الرواية ضربا من الاباحية غيرالمقبولة.

ايوب صابر 03-14-2013 10:58 PM

تابع....
وألان مع العناصر التي صنعت الأفضلية والروعة في رواية:
17 أنا أحيا - ليلي بعلبكيلبنان

- لكن الكاتبة الحقيقية لم تخف. لم يزعجها كل ما قيل ضدها. لم ترعبها الحملات من اي جهة اتت. لم تحسبانها ستكون وحدها في مجابهة الجميع، أكانت الحملات نسائية ام ذكورية. عرفت ان محاربيها فئتان: أولئك الذينوقفوا ضدها في المبدأ لأنها جاهرت في حينأنهم اختاروا الرضوخ، وهؤلاء الذين فشلوا في حين أنها نجحت متسلحةً بموهبتها وحصانتها الروحية وقواها العقليةوالجسدية.

- لم تستسلم ليلى بعلبكي، ولمتقبل في أيّ لحظة بأن تُقهر، فمزّقت غشاء البكارةالثقافية والعقلية، وكسرت الجدار، جداراللغة وجدار المحرَّم المجتمعي، ففتحت بذلك الطريق أمام الما لا يقال والمالا يُعبَّر عنه عند المرأة.

- لم يبق اديب أو باحث أو مثقف او شاعراو مسرحي او فنان تشكيلي او موسيقي او راقصكلاسيكي او ممثل الا حيّا الوجه الجديد في الادب اللبناني وفي الادب العربي.

- الجميع طوّبوها اديبة فاتحةً الصفحةالمجيدة التي ستتحرك ضمنها وليس خارجها كلفتاة لم تكن لتجرؤ قبلا على البوح والاعتراف وعدم الخجل من المشاعر والرغبات والتصرفات التي تصادفها في حياتهاالخاصة.

- انهالت عليها الطلبات للمقابلات والعروض لترجمة التحفة الجديدة.

- كانت الوجودية في عزّها فيفرنسا. وكان جان بول سارتر وسيمون دوبوفوار وسواهما يلتقون في مقهى "لي دو ماغو" في باريس الوجوه الشابة الوافدة الى العاصمة الفرنسية للانغماس فيالاجواء الوجودية السائدة. وكنا جميعا في بيروتنقوم بالتبشير بالحرية وبحقوقنا في التصرف بأجسادنا كما يحلولنا. لم نعد نقبل بأن نكون "بوبيه دو لوكس" ولا اسيراتالتقاليد ولا جاريات الامراء والشيوخ. اصبحنا ننادي بحقنا في الحياة، وذلك خصوصاً لأن ليلى بعلبكي كتبت "انااحيا".

- أستطيع أن أقول إن الرواية لم تفقد نضارتها على رغم مرورهذا الزمن الطويل، بين الصدور الأول والصدور الثانيالآن، كما ان ملامح البطلة الرئيسية فيالرواية، لينا، لم تبهت البتة. فهي لا تزال مندفعة، جسداً وكلمات،مشاعرها، أحاسيسها، جملها، سريعة، متدفقة، متوترة،حيوية. تتدحرج كالحصى فوق واد سحيق.

- لينا لاتضيّع وقتا كثيرا في الوصف او الحوار بل تختصر الاشياء بجمل خاطفة،مقطعة ومباشرة. تذهب بسرعة الى الهدف. لا لفّ عندها ولادوران معها. انها حديثة ومعاصرة ومتمردةومالكة لجسدها وروحها وكل قواها العقلية، لتلبية ما تتفاعل معه وما يتوافق مع سجايا حواسها ومشاعرها.

ايوب صابر 03-16-2013 06:12 PM

والان مع العناصر التي شكلت الروعة في روايةرقم 18-لا أحد ينام في الإسكندريةإبراهيم عبد المجيدمصر

- في روايتهالرائعة «لا أحد ينام في الإسكندرية» يرسم الروائي الإسكندراني إبراهيم عبدالمجيدصورة للمجتمع المصري في نهاية الحرب العالمية الثانية، من خلال أسرتين إحداهمامسلمة هاجرت من الريف لتستقر في الإسكندرية بحثا عن الرزق وتجاور أسرة مسيحية،وتنشأ بين الأسرتين علاقات اجتماعية تتجاوز كل الاختلافات لتواجه حالة الحرب التييعيشها العالم.


- تفرد الرواية صفحات طويلة لمظاهر التعايش الجميل، والاحترام المتبادلبين الجميع، تغيب إلا قليلاً نعرات التعصب والاحتقان بين شريكي الحياة في المجتمع،يصوم دميان مع مجد الدين رمضان، ويتشاركان معاً الصوم الكبير، والأربعاء والجمعة. تتداخل أعياد الفصح مع الفطر، وتعم البهجة الجميع في المناسبات. ينتقل الصديقانللعمل في العلمين غرب الإسكندرية، يعيد مجدالدين زوجته إلى القرية، تودع زهرة مريموإيفون دامعة، وتوصيهما خيراً بكامليا التي انقطعت اخبارها بعد قصة العشق، والتيتحولت بعد ذلك إلى راهبة صاحبة كرامات.
- لا أحد ينام في الإسكندرية تدور أحداثها عشيةالحرب العالمية الثانية. وهي تسرد وقائع وأحداث كانت الإسكندرية مسرحاً لها فيالأربعينات، ترصد الرواية طبيعة العلاقة بين شرائح المجتمع الإسكندري الغني بألوانهالمتهددة، والذي واجه تداعيات الحرب العالمية الثانية التي كانت لها انعكاسات كبيرةعلى المجتمع المصري.
- بطل الرواية انتزع من قريته عنوةليستقر في الإسكندرية المدينة الغريبة بالنسبة إليه، لكنه سرعان ما أصبح جزءاً منهاإذ تربطه علاقة جميمة بدميان القبطي، وهي علاقة تجسد روح التسامح والإخوة التي كانتسائدة بين الإسكندريين.
- الرواية تؤرخ لأحداث سياسيةكبيرة ولتحولات هامة مرت بها الإسكندرية عموماً ومصر خصوصاً أفصح فيها الكاتب عنمكنونات أبطاله وحالاتهم النفسية العميقة التي كانوا يمرون بها، باسلوب روائي حاذق،امتزجت فيه الواقعية بمسحة أسطورية تجسدها شخصية البهي، وبهية التي كانت تطاردهأينما حل.


- لقد كره البهى مبكراً كل محاولة لأن يتعلم حرفاً في الكتاب أوالزاوية أو البيت. ولم يكره شيئاً مثل كرهه للفرحة والفلاحين! قالوا ذلك لوسامته،وقالوا لهيبة في قلبه، وقال الأب دائماً والحسرة في عينيه "هكذا هو خلقة".

- اختارتله الأم اسم "البهى" لأنها ولدته في ليلة السابع والعشرين من رمضان. لقد رأت وهوينزلق منها طاقة نور يخرج معه تضئ الحجرة وتمشى على الجدران.

- وبكت القابلة وهي تلفه في القماط، وتقول لأمه أن تخفيه عن العيون،فهو فضلاً عن طاقة النور التي خرجت معه، ولد مختوناً، إنه ولد طاهر من البدايةمنذور لخير عميم.
وهكذا لم ير الناس البهى إلا حيناستطاع المشي، فتسلل من كوة الباب الخشبي الكبير، وتدحرج في الزقاق الضيق يحيطبوجهه الضوء العجيب, ولم ينته جزع الأم إلا بعد أن أنجبت بعده ثلاث بنات ثم مجدالدين. لم تعد أم الذكور فقط. جزع الأب هو الذي لم ينته.

- لقد فطن بكراً إلى أن فيعيني البهي نزفاً غير مألوف في العائلة، مع أن للعيون في العائلة اللون الأخضر نفسهالذي أخذه الجميع من الأم، في عيني البهي وحده اللون الأزرق! وهذا أيضاً عجيب.

- ما كاد البهي يبلغ مرحلة الصبا، حتى راح يخرج منالدار مع الصباح، ولا يعود إلا في المساء، لينام دون حديث مع أحد. لم يسأله أحد أينيمضي يومه. الأم ممتلئة بالحنان، والأب لا يستطيع أن يفسر لنفسه، هذا الضعف الذيقذف به الله إلى قلبه تجاه الغلام.

- شيئاً فشيئاً صار البهي وسط العائلة مثل خيال،يخرج الإخوة في الصباح الباكر إلى الحقول، ويخرج هو بعدهم لكن لا يعرف أحد إلى أين،يعودون في المساء متعبين ليتناولوا عشاءهم ويناموا مبكراً، وتظل الأم لا تنام، إلابعد أن تسمع صرير كوة الباب، وخفقات قلب البهي المتسلل عائداً.

- ثم راح يغيب لأكثرمن يوم وليلة ويعود ينام في أقرب مكان يقابله، مع البهائم، مع الدجاج، فوق الفرن،في الباحة بين الحجرات. المهم أنه لم يعد ينام في حجرة بها أحد من إخوته، ولا يزالالأب لا يدري سر هذا الضعف الذي يتملكه أمام ابنه العجيب، والابن المسالم لا تأتيمن جرائه أي شرور حتى الآن، ثم انكشف سر البهي وملأ فضاءالقرية...".

- فر رد على سؤال يقول الروائي" فيأعمالي القضايا الكبرى ليست مباشرة, انما هي عناصر في تكوين الشخصيات، من أجل عرضقضايا اكبر".

- ربما كانت روايتي الاولى( في الصيف 1967) مكرسة- كما هو واضح منعنوانها- لإعادة تقييم ما أتت به النكسة؛ لكن رغم ذلك فهذه الرواية حملت حوارا عنالعالم و الوجود، هو اوسع من السياسة.

- ففيها من شعر الحلاج، و غيره، الكثير... إذنمن البداية القضايا الكبرى موجودة، و لكن الى جانب، و بالتماذج مع قضايا الحياةاليومية, و هذا ما ظهر بشكل اوسع في روايتي الثانية( المسافات)، التي احتلت فيهاقضايا الوجود المكان المحوري, و اصبحت السياسة و القضايا الكبرى روافد خفيفة.. فهيرواية مكان طارد للبشر- كأنها بحث عن فردوس مفقود.

- ويقول " أنا أكتب عن الاسكندريه لأنني ممزوج فيها. ولا أجد فصلا بيني و بينها. فأنا لا أكتب لأني أريد ذلك؟ بل لأني و إياها شيء واحد, و اذا كان ثمة فضل لأحد الطرفين فهو للاسكندرية, و ليس لي. انا ولدت فيها لكنها هيالتي صنعتني: تاريخها، حاضرها، ملاهيها، ناسها، و ثقافتها.. كل هذا كون ابراهيم عبدالمجيد.

- وفي رد ان كان أشخاص رواياته ممسوسون بجنون خفي، يكشف طيبتهم و عمقهم معاً؛ وهل هم أنبياء منتظرون؟ يقول "الممسوسون في رواياتي هم كذلك بسبب من عدم توافقهم مع المجتمع. فهم أشخاص أكثربراءة من غيرهم. لا يستطيعون تحمل كل هذه القسوة، فيخرجون إلى مدار كوني آخريرتاحون فيه".

ايوب صابر 03-17-2013 08:57 AM

والان مع العناصر التي شكلت الروعة في روايةرقم 18-لا أحد ينام في الإسكندريةإبراهيم عبد المجيدمصر

- العلاقة بينىوبينالمدينة حميمة، وأعتقد أن كل كاتب منذور لمكان ما، وهوالمكان الذى قضى فيه السنوات ا لمؤثرة فى حياته، فى الإسكندرية أمضيت السنوات الأولى منعمرى، ورأيت العالم من خلالها، ومن الطبيعى عندما أكتب أن أكتب عنها، فأنا لا أعرفحتى الآن أن أكتب عن شئ آخر، أو عن مكان آخر غير الإسكندرية.


- ابراهيم عبد الحميد شخص محاصر بالموت الذي هو حسب رأيه سفر لا نهائي وخلال حياتي قابلت اناس كثيرن سافروا واختفوا من الحياة . اذكر انني تعرفت على هذا السفر اللانهائي في مراحل مبكرة جدا من حياتي فالموت غيب الكثير ممن اعرفهم مثل صديقي اثناء مرحلة الطفولة المرحوم خير الدين والذي تناولت شخصيته في رواية ( طيور العنبر ) وكانت شخصية من اجمل شخصيات الرواية.

- ويقول "انا محاصر بالسفر والرحيل والفراق والموت منذ الولادة والنشأة ناهيك عن عملي الزظيفي بالقافة الجماهيرية والذي جعلني على سفر معظم الوقت – كل ذلك جعل قضايا السفر والرحيل والفراق تتسرب ربما دون وعي كنى الى أعمالي الادبية.

- إبراهيم عبد المجيد كتب "لا أحد ينام في الإسكندرية" بروح مغايرة وبنظرة مختلفة، وبطريقة في الرؤية تختلف تماماً عن داريل، فإذا كان داريل قد سرد حياة العالم الخفي لمدينة الإسكندرية في رباعيته، عالم يرتبط باشتباكات وعلاقات مختلفة مع حياة الأجانب الذين كان يعيش بينهم ويعرف حياتهم، فإن عبد المجيد كتب روايته برؤية الحياة السكندرية الواضحة، حياة طبقات الشعب المصري الذي يعاني من قضايا الحياة، في تدرجات معضلاتها المختلفة، إضافة إلى ما يرد لها من تأثيرات من العالم الخارجي، فينتج من التأثير ما يزيد عن المؤثرات الداخلية.

- وقد وفق الكاتب في اختيار الفترة الزمنية التي تتجاوب مع الرغبة في التقاط "لحظة التنوع" التي استطاع أن يعرضه في روايته، إنها فترة الأربعينات من القرن الماضي، وهي الفترة أيضاً التي وقعت فيها كثير من المتغيرات على المستوى العالمي، وكانت أهم أحداثها الحرب العالمية الثانية التي أحدثت تماساً من نوع خاص مع مدينة الإسكندرية، وأثرت تأثيراً واضحاً على طبيعة الحياة فيها، ولكن الإسكندرية كانت تثبت في كل مرة أنها مدينة "الحياة" مهما حدث فيها من أحداث الحرب و"الموت".

ايوب صابر 03-17-2013 09:02 PM

والان مع العناصر التي شكلت الروعة في روايةرقم 18-لا أحد ينام في الإسكندريةإبراهيم عبد المجيدمصر

- كما استطاع الكاتب أن يعرض لمعضلات إنسانية كبرى مثل الحياة والحرب والحب في مستوى تحقق هذه المفاهيم الكبرى في حياة الإنسان البسيط، فبطل الرواية، مجد الدين الذي أتى من قريته هرباً من عمدة القرية الذي حكم بنفيه من القرية، فهرب مجد الدين من قريته مهاجراً إلى الإسكنرية بحثاً عن الحياة له ولأسرته الصغيرة، لكن تفاعلات الحرب العالمية على أرض الإسكندرية كشفت عن الجانب الآخر من جوانب تنوع الحياة فيها، وهو التأثر بمجريات الحرب وويلاتها المتعددة.

- تفرعت خطوط الدراما السردية في قصص الحب المختلفة، في صور من الحب المستحيل، على الرغم من الحياة في مدينة تعرف الحب وتعيش به، فنجد قصة الحب بين البهي وبهية المتزوجة، وبين رشدي وكاميليا لاختلاف الديانة، وبين دميان وبريكة لاختلاف المذهب، إضافة لقصة حمزة المأساوية في خطوطها المختلفة، حيث عاش الحياة لا يعلم شيئاً عن تفاصيلها، ووصل إلى أيدي القوات المتحاربة دون أن تكون له أية علاقة بأي شيء.

- لم تنجح غير قصة حب مجد الدين لزوجته زهرة، إن صح أن نسميها قصة حب، فقد كشفت المواقف القصصية عن تآلف وتماسك قوي بينهما، وقد فرضت العوامل الخارجية: عداء العمدة لهما، صعوبة الحصول على لقمة العيش، الهجرة إلى بلد غريب، هذه العوامل الخارجية فرضت عليهما نوعاً من التماسك الداخلي الذي أكسبهما قدرة واسعة على مواجهة تلك الأخطار، ومن ثم صبغت العلاقة بينهما بنوع من الحب الإيجابي الذي تبادلا فيه العطاء وأنجبا من خلاله ابنهما شوقي وابنتهما شوقية، ولا يخفى على القارئ دلالة الاسمين المعبرين عن استمرار الشوق وتبادله بينهما، عند محطات الفراق المتكررة في رحلة بحثه (مجد الدين) عن لقمة العيش.

- وفي إطار سردي متشعب استطاع أن يصنع الكاتب بنية روائية متعددة المستويات والدوائر، يروي لنا الكاتب الروائي إبراهيم عبد المجيد جحيم الحرب العالمية الثانية من خلالها، وكيف استطاعت تلك الحرب بمقدرة كبيرة، أو بمقدرة القائمين عليها أن تُذبل زهرة الحياة في مدينة تعشق الحياة بقدر ما بها من عشاق للحياة على اختلاف ألوانهم وأجناسهم.

- فيحاول الكاتب أن يرصد تبعات هذا الجحيم البشري/ الحرب خلال سنوات ثلاث وصلت فيها إلى تلك المدينة الوادعة فأصبحت مدينة لا أحد ينام فيها، كما حملت الدلالة المعنوية لعنوانها، ففي مشاهد روائية تضج بالحيوية وتدب في أوصالها الحركة يبدأ الكاتب بمشهد تأسيسي غاية في الدلالة والقدرة على النطق بجوهر الحروب، حيث يبدأ الكاتب بـ هتلر في مبنى المستشارية في برلين: "عاقداً يديه خلف ظهره، محنياً قليلاً إلى الأمام، في حالة من التأمل العميق، لكنه أيضاً زم شفتيه مما أبرز شاربه محدباً قليلاً، وفتح عينيه في غضب زاد لمعانها. في الحقيقة كاد صدره ينفجر ورأسه، وهو ذاهل تماماً عن حراس المبنى الواقفين، وحراسه هو الذين يدورون خلفه، كان يفكر لو يستطيع أن يمسك برئيس حكومة بولندا يعصره عصراً".

- استطاع الكاتب ببراعة أن يصور ـ من خلال هذا المشهد ـ الصورة التمهيدية المؤسسة لإطار النص الروائي بكامله لينتقل من خلاله إلى هذا الأثر الذي سوف تقذفه الحرب على آلاف البسطاء في أنحاء المعمورة، سواء أكانوا من أبناء البلاد المحاربة أو من الذين لا شأن لهم بالحرب، ولا يد لهم في صنع أحداثها، ومن ثم يربط الكاتب بين مشهد هتلر الذي يستعد لتصميم آلته الحربية بأقصى وأبشع طرق الإبادة الممكنة ومشهد الشخصية المحورية في الرواية "مجد الدين"، حيث يريد أن تتخلى عائلته عن قتال العائلة الأخرى والتوقف عن تبادل الثأر بين الخلايلة (عائلة مجد الدين) والطوالبة (عائلة صديقه)، وقد كان مجد الدين و"خَـلَف" صديقه يتحايلان على ألا يلتقى أحدهما بالآخر في معارك العائلتين، وهم الذين ظلوا يتبادلون الأخذ بالثأر لمدة استمرت عشر سنوات.

- أما المشهد الروائي المقابل فيصور مجد الدين الذي جاءه "شيخ البلد" يطلب منه ترك البلد في نهاية الأسبوع، بناء على أمر صدر من عمدة القرية، ويبدأ المشهد بوصف ليلته الأخيرة في بلدته التي أشعلها الثأر: "في الليلة الأخيرة لمجد الدين جلس صامتاً وسط أفراد عائلته، راحوا ينظرون إليه غير قادرين على تصديق الأمر كله، لكنه بدا بينهم كمن لم يتغير أبداً. في الأربعين لكنه في صورة ابن العشرين. وجه مستطيل قوي القسمات بارز الوجنتين، ذو عينين خضراوين، شعر الرأس أشقر لولا أنه مغطى دائماً بالطاقية البيضاء. ولا يزال له الجسم القوي نفسه للشاب الصغير. ـ لماذا لا تسمح لنا بالقتال؟.. تساءل أحد أزواج أخواته الثلاث ثم أكمل: نستطيع قتال القرية كلها لو استدعى الأمر، ولا يزال في البيت سلاح قديم، ونحن رجال. لكن مجد الدين طلب من الجميع أن يناموا، الصباح رباح، ويحلها من لا يغفل ولا ينام. كلماته الأثيرة التي يعرفونها عند الضيق، وتعرفها أكثر زوجته الشابة زهرة كلما غشيته الأزمات".

ايوب صابر 03-17-2013 09:04 PM

والان مع العناصر التي شكلت الروعة في روايةرقم 18-لا أحد ينام في الإسكندريةإبراهيم عبد المجيدمصر


- وبين مشهد سلطة عالمية في اتخاذ قرار الحرب، متمثلة في هتلر، ومشهد سلطة أخرى في قرية صغيرة، لأخذ القرار في مواجهة هدوء الحياة وراحة البال، تعرض الرواية لتجربة المرارة المرافقة للوجود البشري مع الحروب، وكيف لا يلتفت القائمون على شؤون السياسة إلى ذلك، بل يذهبون يروجون للحرب بدعائية فجة اعتماداً على ما يوهمون به شعوبهم من تحقيق مصلحة قريبة أو بعيدة المدى، دون النظر إلى ما تخلفه تلك الحروب من هلاك ودمار على المستويين: الإنساني والحضاري، إلا أن الإنسان في مستواه الاجتماعي العادي لا يقل فيما يصنع عن السياسيين المحبين للحروب، فهو يصنع العداوات ويشعل الثارات وينتظر فرصة لالتقاط الخلاف مع غيره ليعيش في عداوة مع هذا وفي صراع مع ذاك.

- وعندما يتناول إبراهيم عبد المجيد هذه الحقيقة في نصه الروائي "لا أحد ينام في الإسكندرية" فإنه يعرض الأثر التدميري للحروب على المستوى الإنساني المتمثل في شخصيات الرواية، مرتكزاً على الفردي والخاص للانطلاق إلى الجمعي والعام، يرصد الكاتب ذلك من خلال مفارقة قصصية قائمة على أن مجد الدين المحب للسلام والذي ترك قريته وأهله هرباً من الحرب الثأرية بين عائلته والعائلة الأخرى، بل ويتركها مطروداً من شيخ البلد، فيذهب إلى الإسكندرية ليعاني ويلات الحرب العالمية التي "لا ناقة له فيها ولا جمل"، وهي العبارة التي كانت متداولة وقتها للتعبير عن حالة الدول التي اكتوت بنار الحرب العالمية، ودفعت ثمنها باهظاً من أرواح أبنائها وتدمير لمظاهر حياتها، وكان الأثر الأول لهذه الحرب على حياته هو سعيه الدؤوب لكي يجد عملاً يسد به رمقه ويعول به أسرته الصغيرة التي تعاني معه شظف العيش، ويبقى على هذه الحال عدة أيام دون عمل يسد رمقه ويفي بمتطلبات أسرته الصغيرة المكونة من زوجته وابنته.

- نجد في الرواية السرد الروائي المبتعد عن الرواية التاريخية، بل هو سرد روائي اجتماعيإنساني يرصد مجمل المتغيرات والتحولات الإنسانية في لحظة تاريخية معينة.

- فالرواية إذن تلتقط الدائم والمستمر وتترك الزائل والمتحول، لا تتركه بمعنى الإهمال، بل تلتقطه وتمنعه من الانفلات لترصد أثره على الثابت وهو الإنسان، أما المتغير فهو الحروب وما تجلبه للإنسان الضعيف من ويلات، هذا الإنسان الذي يخرجها من عقالها، ولا يعرف كيف يعيدها إلى علبتها السحرية كما يحدث في قصة الجنيّ الواردة في ألف ليلة وليلة والقصص القديم.

- لكن إبراهيم عبد المجيد يصنع للقارئ أرضية من المعايشة من خلال تقنية "التوثيق" التي اعتمد فيها على ما كان يُنشر في الجرائد والمجلات في تلك الفترة من فعاليات حياتية مختلفة، سواء في الفن أو الحرب أو حوادث القتل الفردية وجرائم الشرف، وغيرها من الاهتمامات الإعلامية التي تجعل القارئ يعايش الفترة الزمنية التي يقرأ عنها بطريقة تصنع "الجو الروائي" الذي تدور فيه الأحداث، كما يصدر بعض الفصول بمقدمات معلوماتية عن مدينة الإسكندرية ومناطقها المختلفة، عن جزيرة فاروس (الأنفوشي حالياً) وجزيرة راقودة (كرموز حالياً)، وعامود السواري، وغيرها من المناطق.

- ومن الأجزاء "التوثيقية" التي نجح الكاتب في صياغتها قوله: "وعُيـِّن الأميرلاي علي الشريف بك مديراً عاماً لمصلحة الحدود، وزار المرشال جورنج قائد الجو النازي الشهير إيطاليا فحبس العالم أنفاسه من نتائج الزيارة وخطب عصمت إينونو رئيس جمهورية تركيا طالباً حياد بلاده وتركها بعيداً عن الحرب، وصدر قرار بعدم استقدام فرق التمثيل الأجنبية توفيراً للنفقات، وتقديراً لفرق التمثيل المصرية، وعلق أحد الخبثاء بأن طرق المواصلات العالمية مقطوعة بالأصل، وأعاد "سيرج بوجولوسكي" وهو فنان أجنبي مقيم في باريس لوحة "المستهتر" التي كان سرقها من اللوفر في يونيو الماضي.

- نجحت هذه "الحيلة التوثيقية" في تخلص الكاتب من عبء تقديم الجو الروائي من خلال الشخصيات والأحداث التي من الممكن أن تستغرق الكثير من الصفحات بطريقة السرد التقليدي دون أن تقدم ما أراد تقديمة في التوثيق السردي المركز في صفحات محدودة، فالبناء الروائي يتحمل، في الأساس، ثلاثية روائية أو حتى رباعية، لكن رغبة الكاتب في جعلها رواية واحدة (مكونة من 432 صفحة) جعل تلك الحيلة الفنية ناجعة في تقديم الجو الروائي الذي أراده الكاتب لتلك الفترة التاريخية.

- تأتي شخصية البهي (أخو مجد الدين) لتكون الشخصية الأكثر تعبيراً عن رغبة الكاتب في تقديم "جرعة" من التشويق الروائي للقارئ المتأسس على الغرائبية المحببة في القص الشعبي، فهو إنسان تنطوي حياته على الكثير من الأمور الغريبة، منذ بدايات حياته الأولى، فمنذ مولده قيل إنه ولد في ليلة القدر، وأن طاقة من النور خرجت معه، وأن القابلة أخبرت أمه أنه ولد مختوناً، وهو من المنذورين لخير عميم، ولكن الكاتب رغم ما كان يمني به القارئ في تلك الحوادث التمهيدية لتصوير حياة البهي إذا به يفاجئ توقع القارئ نحو أنه كان سبباً لإشعال نيران القتال بين العائلتين؛ بسبب نزواته المنفلتة.

ايوب صابر 03-17-2013 09:12 PM

والان مع العناصر التي شكلت الروعة في روايةرقم 18-لا أحد ينام في الإسكندريةإبراهيم عبد المجيدمصر

- ومن الخطوط السردية التي نسجها الكاتب بطريقة هادئة ودون شعارات أو إسقاطات أيدلوجية علاقة المسلم بالمسيحي، فمجد الدين الذي يحفظ القرآن ويعرف تعاليم الدين يذهب إلى الإسكندرية ويجد نفسه جاراً لأسرة مسيحية فيتجاوب معهم في تقاليد الحياة التي تجمع كل الناس، ويجاملهم اجتماعياً في مناسباتهم وأعيادهم كما يجاملونه ويتواصلون معه، بل وتصل علاقته بـ "دميان" إلى صداقة قوية تستمر طوال مراحل عمره في نوع من التعاضد والتكافل الذي قل نظيره.

- عرض الكاتب ذلك ببساطة ودون تكلف، وبالطريقة التي نجدها كثيراً في حياة الإسكندرية المتسامحة، وقد التقط الكاتب لحظة من لحظات الحياة المكثفة وهي لحظة الموت الذي يشترك فيه الجميع فعرض لعلاقة صداقة أخرى بين مجد الدين وديمتري: "لقد دفع الخواجة ديمتري عشرة جنيهات تكاليف المقبرة والدفن، وقال لمجد الدين هامساً "تستطيع أن تعيدها حين ميسرة" وكان مجد الدين على ثقة من قدرته على إعادتها، فأرضه في البلد تدر دخلاً، وأخواته لابد سيرسلن إليه نصيبه كل موسم زراعي. الذي شغل مجد الدين هو هذا الود الذي يظهره الخواجة ديمتري له ولزوجته هو وأسرته، مع أنهم لم يتعارفوا إلا منذ أسابيع".

- أتت عتبات النص أو مداخله لتصنع حالة من الرؤية القصدية للكاتب في نظرته لمختلف أمور الحياة، ففي البداية الأولى يأتي بمقولة لبول إيلوار، وبعدها يأتي الإهداء، ثم تأتي مقولة للورانس داريل، وبعد ذلك نقرأ جزءاً مقتطعاً من أسطورة الطوفان البابلية، وبعده مقولة لشاعر الإسكندرية كفافيس، وإذا كانت المقدمات التصديرية لرواية ما تعبر عن قصدية معينة، ويحاول من خلالها الكاتب إيصال رسالة محددة للقارئ فإن إبراهيم عبد المجيد، كما أرى، أسرف على نفسه وعلى القارئ بهذا التعدد في العبارات التصديرية دفعة واحدة، والتي تقلل كثرتها من هدفها الدلالي الأولي فتتحول إلى عبارات متتابعة مفتقدة لقيمتها الإيحائية، وخاصة أن كل فصول الرواية أتت بتصديرات لأقوال مختلفة، والغريب فيها أن الكاتب لم يذكر قائلي هذه العبارات، أو هذا ما يخرج به القارئ من مطالعة طبعة "منشورات الجمل"، أما طبعة دار الهلال فقد ورد في نهايتها: "تنويه: هذه الرواية اعتمدت على العديد من الكتب أبرزها مذكرات القادة والسياسيين لتلك الحقبة بالإضافة إلى الصحف اليومية وكتب تاريخية وغيرها، ومن المهم هنا أن نذكر أن مقدمات الفصول ليست من وضع المؤلف الذي آثر عدم ذكر أصحابها في النص حتى لا يقطع الإحساس باتصال السرد، والمؤلف هنا يذكر أصحابها ومصادرها بترتيب الفصول".
- أعتقد أن ذكر قائلي العبارات لم يكن ليقطع الإحساس باتصال السرد، فهي عبارات تصديرية منفصلة عن السرد، إضافة لأن هذه السقطة الطباعية التي حدثت في طبعة دار الجمل أحدثت فراغاً ما كان ليحدث لولا فكرة عدم ذكر الأسماء مع عبارات أصحابها.
- الرواية رحلة عشق سردي لمدينة قدمت الكثير لحياة من عاشوا فيها، وهي، في تصور الكاتب، كائن حي، حيث تتألم على ما يصيبها من حماقات البشر وسخافاتهم، وتفرح لما تمر به من حالات السكون والاستقرار فتفتح ذراعيها محتضنة الجميع في حياة تعيد إنتاج حيوات جديدة في تجدد واستمرارية.

ايوب صابر 03-17-2013 09:21 PM


والان مع العناصر التي شكلت الروعة في روايةرقم 18-لا أحد ينام في الإسكندريةإبراهيم عبد المجيدمصر



- في حين تستمد “لا أحد ينام في الإسكندرية” قوتها من قوة عناصرها، أي موضوعها وشخصياتها والمرحلة التي تتناولها، فإن “طيور العنبر” تستمد قوتها من ضعف هذه العناصر.

- فبالنسبة إلى الموضوع، تناولت الرواية الأولى فترة بالغة الأهمية من تاريخ المدينة بل وتاريخ العالم، وركزت على دورها الإيجابي في التصدي للغارات الأجنبية في الحرب العالمية الثانية.

- أما دور المدينة في “طيور العنبر” فهو دور سلبي وغير فاعل، ويمكن وصفه في أحسن الحالات بأنه مجرد رد فعل على الأحداث التي واجهتها المدينة في المرحلة التي تتناولها الرواية مثل العدوان الثلاثي، التأميم، خروج الأجانب، فقد المدينة لجانب هام من جوانب شخصيتها، وهو جانب التنوع الحضاري الذي كانت تتسم به إلى أن خرج منها الأجانب بالآلاف في أعقاب العدوان. واقترن بذلك الجانب السلبي بعض الممارسات (السلبية أيضا) من جانب السلطة، مثل عمليات الاعتقال العشوائية وقمع الحريات والتخويف.

- بالنسبة إلى الشخصيات فقد ضمت “لا أحد ينام في الإسكندرية” عددا من الشخصيات التي تحمل صفات الأبطال الروائيين، وبالذات شخصية مجد الدين، البطل الأساسي في الرواية، الفلاح الذي يهجر قريته، راضيا، حقنا للدماء، الشخص المسالم الطيب المتدين بلا تعصب، والمغترب الذي يهجر قريته وأسرته التماسا للرزق. أما شخصيات “طيور العنبر” فهي من الشخصيات التي يمكن وصفها بالأبطال السلبيين أو اللاأبطال. وشخصية البطل السلبي هي شخصية تعوزها صفات البطل العادي مثل الذكاء وقوة الشخصية والاستقامة الأخلاقية ورجاحة العقل. ورغم العيوب التي تشوب هذه الشخصية السلبية فهي دائما صادقة مع نفسها، وتظهر في بعض الأحيان، وعلى غير توقع، قدرة فائقة على مواجهة الصدمات ورباطة الجأش. وتستمد هذه الشخصيات قوتها من ضعفها وعجزها اللذين يتحولان في الوقت المناسب إلى قدرة وصلابة وشعور مكثف بالكرامة والرغبة في تحقيق الذات. وهي شخصيات تحفل بها حارات نجيب محفوظ وروايات جوجول وفلوبير وديستويفسكي

-إن روح البهجة والفرحة والتلاقي والأمل في المستقبل التي ميزت نهاية “لا أحد ينام في الإسكندرية” حيث “صارت مدينة من فضة تسري فيها عروق من ذهب” تتطلع إلى المستقبل، تتناقض بصورة صارخة مع نهاية “طيور العنبر” المعبرة عن صراع شخصيات الرواية مع إحباطاتها ومع واقع ملبد بالموت والفراق وفقد الاتجاه، وهو واقع صوره المؤلف في مقطوعة بعنوان “قصة سوريالية” تعبر عن الهلع الذي أصاب ركاب إحدى السفن الغارقة فراحوا يلقون بأنفسهم في الماء التماسا للنجاة، وهي حكاية رمزية جسدت ما يواجه المدينة وأهلها من مستقبل غامض ومجهول.

-روايه بطعم التاريخ تسرد الاحداث التاريخيه في اثناء قيام الحرب وموقع مصر بالنسبه للاحداث

-تصف الاسكندريه اثناء الحرب العالميه التانيه بكل تفاصيلها من خلال اشخاص واحداث خياليه.

- اسلوب الكاتب لذيذ بدايه شيقه ثم يتوالي في سرد الاحداث .

- في هذه الرواية يأخذك إبراهيم عبد المجيد “الحكاء” الماهر الموهوب بشخصيات رواياته غنية ومميزة إلى اسكندرية الأربعينات وأجواء الحرب العالمية الثانية ..

- الرواية في أجزاء كبيرة منها أشبه بيوميات الحرب في الاسكندرية خصوصا وباقي العالم عموما .. تبدأ الرواية يوم بدأ الحرب وتنتهي بنهايتها بالنسبة للإسكندرية بانتهاء معركة العلمين .. فكرة مدهشة كذلك اقتباس عناوين الصحف لتنقل القارئ إلى عالم الأربعينات بتفاصيله الصغيرة الغنية وكأنه يعيشها.

- مبهرة جدا كذلك الحالة “الصوفية” التي تتلبس الكاتب بدون مناسبة ويخترق فيها حاجز “المعقول” بقدر بسيط .. تتماشى هذه الحالة مع غموض وجمال تلك الحقبة ..

- أعجبتني فكرة “هالة النور” التي تحيط بوجوه بعض الشخصيات في بعض المراحل ..

- وكان مشهد موت “دميان” في قمة الإبداع.


الساعة الآن 02:47 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team