منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر البوح الهادئ (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=30)
-   -   مُهاجر (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=29619)

مُهاجر 08-27-2025 12:24 PM

رد: مُهاجر
 
كان وهْمًا ظننته نجمًا، فإذا هو سرابٌ في ليلٍ كحيلْ،
خُيّل إليك أنه الفجر، وما هو إلا صمتٌ ثقيلْ.

ربك يومك؟
وأيُّ يومٍ يُربَكُ بظلٍّ هشٍّ يمضي مع أول ميلْ؟
غيّر نبضك؟
بل لامس وهجًا خافتًا، ما لبث أن خبا كقنديلْ.

كتبتَ ومَحوتَ؟
وتلك عادة العاشق، حين يُهدهده الحنين المستحيلْ.

حمل وجوهًا وصوتًا؟
بل أطيافُ ذكرى، تتناسل في فراغٍ عليلْ،
ورائحة؟
ربّ ذكرى عابرة، عالقة في أنفاس المستحيلْ.

لكن...
الوقت طبيبٌ جَلِيلْ، يضمّد النزف، ويعرّي القليلْ،
يجفف الألوان، يُطفئ النبض، ويُهذّب التأويلْ،
يقلب القلب، حتى إذا سألك: أين؟ قلت: لا أدري إلى أين الرحيلْ.

أصبح لا شيء؟
بل هو اللاشيء منذ البدء، متقن التمثيلْ،
ما مرّ، ما سكن، وما غيّر،
إنما كان طَيفًا بغير دليلْ.

مُهاجر 08-27-2025 03:35 PM

رد: مُهاجر
 
العمرُ رقمٌ لا يُرعب، والعطاءُ نبعٌ لا ينضب

يا من غزا الشيبُ مفرقك، فلا تظننّ أن الشيب وهنٌ، ولا تُوهِمَنَّ النفسَ أن السنين خصمٌ لا يُغلب. إنّما هي الأيام تُدرَج في سجلّك، لا لتُثقِل خطاك، بل لتُثقّلك حكمةً، وتسمو بك مقامًا.

أيُّها القائل دومًا: "قد شاخت مني العظام"، مهلاً مهلاً، فالعظام لا تهرم إن كان القلب فتًى، والعزم مشدودًا، والروح متقدة. إنَّ الزمن قد يمضي، لكنَّ العزيمة إن سكنت القلب، أحيت فيه الفجر بعد طول ليل، وزرعت فيه الزهر في صقيع المحن.

يا من تقادم بك العُمر، أفي ظنّك أن العُمر قيد؟ بل هو زاد! زادٌ من التجارب، وسِفرٌ من الحِكم، وثروة لا تُشترى. لا تنظر في المرآة فتعدّ التجاعيد، بل انظر في داخلك، فترى السنابلَ المثقلة، والخطى الواثقة، واللبّ المصقول بالتجربة.

وهل العُمر إلا أرقامٌ ترصُّها الأوراق؟ أما الروح، فهي الطليقة، لا تُقاسُ بسنةٍ ولا عقد. الروح لا تعرف زمانًا، بل تعرف الطموح والإرادة والإيمان.

انهض، ولا تُصغِ لوسوسة المرض، فالمرضُ طارئٌ، والعافية أصلٌ فيك. وما خمدت نارٌ في الجسد إلا بوقودٍ جديد من الأمل. دع عنك التوجع، وقل: أنا حيٌّ ما دام في القلب نبض، وفي الفكر ومض، وفي العين ومضة إشراق.

واستشرف مستقبلك، لا كمن ينتظر الخريف، بل كمن يُبشِّر بالربيع. وقل للغد: "أنا قادمٌ، بخُطى الثقة، وعبق الماضي، وهمّة الشباب."

ألا ترى الشمس حين تغرب، كيف تملأ الأفق نورًا؟ كذلك الكبار، إذا تكلموا أشرقوا، وإذا سَعَوا أبدعوا، وإذا نَصَحوا أبهروا.

فيا من شابَ رأسُك، لا تشبْ همّتُك، ويا من ثَقُلَتْ عليك الأيّام، لا تَثْقُلْ رؤاك، فما زال فيك من القوة ما يدهش الزمن، وما زال فيك من الأمل ما يُحيي مَن حولك.

العمر لا يُقاسُ بعدد السنين، بل بنبض الإيمان فيك، وبرجفة الشغف في عروقك.

فانهض، وسِر، وانشر نورك، فأنت لست طيفًا مضى، بل شمسٌ لا تغيب.

مُهاجر 08-28-2025 11:46 AM

رد: مُهاجر
 
لستُ بذاكَ الذي يُحسن نظم الحروف إذا انهمرت العواطف،
ولا أنا بشاعرٍ تُطاوعه القوافي إذا ضاق الصدر واتسع الوجدان،
إنما أنا قلبٌ يُنازع الحنينَ في سكونه،
وعقلٌ تُطوّقه دوائرُ السُّهد، ويختطفه لُبُّ الذكرى في تيه الزمان.

كم من ليلٍ صامتٍ نازعت فيه الهمسات،
وكم من كَبتٍ نَهشَ من عيوني النوم،
وكم من فِكرةٍ هاجرت مع النسيم، وتركتني بين صحوٍ وهمٍّ كأنني في حلمٍ يئنُّ بالصمت.

أسافرُ عبرَ أودية الخيال،
أمتطي صهواتِ الشوق،
وأجوب ممالكَ الذاكرة كأنني عابرُ سبيلٍ في مدينةٍ يسكنها طيفُك فقط.

مشاعرُ خَجلى، تتوارى خلفَ جُدران الصمت،
ونوازِلُ حُبلى، تتراكم في ثنايا الروح،
كلّها تُريد الخروج،
لكنّ الحرفَ يخون،
والبَوحَ يُرهق،
والصوتَ يُحاصرُه خجلٌ كأنّه ذنبٌ لا يُغتفر.

أخفي في صدري صهيلَ اشتياقٍ لا يهدأ،
وأُسكنُ في خاطري أنينَ غربةٍ لا تُترجمها الكلمات،
أُحدّث الغيابَ عنك حديثَ العاشقِ الذي أنهكته الذكرى،
فلا الجواب يأتي، ولا النسيان يجدي.

أنتمي إليكِ كما تنتمي الأرضُ للمطر،
وكما تنتمي النجومُ لظُلمةِ السماء،
لكني مُجرّدُ مسافرٍ في وطنِك،
لا يُمنَح الإقامة، ولا يُطرد من الحُلم.

تُراودني التفاصيل كأنّها ترتّل اسمك على مسامع روحي،
وتُخاصمني الساعات حين تمرُّ دون أثرٍ منك،
كأنّ الوقتَ يرفضُ أن يكون لي، إن لم تكوني فيه.

فهل بعدَ كلّ هذا الجنون،
يُلامُ القلبُ إن كانَ لا يجيدُ الصمت؟
أم يُلامُ الحرفُ إن عجزَ عن تخفيفِ وجده؟
وهل يُلامُ المشتاقُ إن عاشَ في فصولِك الأربعة،
ولو كنتِ غائبةً عن كلّ الفصول؟

مُهاجر 08-28-2025 12:50 PM

رد: مُهاجر
 
من العبث...
أن تمضي ثواني عمرك، بل أنفاسك، في مراقبة مَن أحببته يومًا،
تتابع خطواته، تترصّد حضوره وغيابه،
تفتّش في كلماته، وتُعيد تأمّل صمته،
وكأنك تبحث عن إشاراتٍ خفيّة تدلّ على أنه لا يزال يذكرك...
بينما، في ذات اللحظة،
تمضي جاهدًا في طمس كل ملامحه من ذاكرتك،
تحاول دفن صوته، وضحكته، ووجهه الذي كان يومًا مأوى روحك،
في قبرٍ موحشٍ اسمه النسيان.

أيّ عبثٍ هذا؟
أن تنقسم داخليًا بين قلبٍ لا يزال ينبض له،
وعقلٍ يوبّخك كل مساء لأنك لم تتجاوز بعدُ تلك الحكاية.
أن تحمل في يدك وردة الذكرى، وفي الأخرى مجرفة النسيان.
أن تبني له ضريحًا في وجدانك، ثم تجلس عنده تبكي،
وترجوه أن يرحل!

إنه العبث بعينه...
أن ترفض الاعتراف بأنك ما زلت تحبه،
وتحاول في كل تصرّف أن تُقنع نفسك بأنك تعافيت،
بينما تنهار كل تلك الادّعاءات في لحظة سماع اسمه،
أو حين يمرّ طيفه في ذاكرتك فجأة، بلا استئذان.

إنه العبث...
حين تتحوّل من عاشقٍ كان يمنح بلا حساب،
إلى حارسٍ لذاكرةٍ تتآكل،
يخشى أن ينسى، ويخشى أن يتذكّر... في آنٍ واحد.

لكن...
رغم كلّ هذا التيه،
ستصل يومًا إلى الضفّة الأخرى من نفسك،
إلى حيث لا ينتظرك طيفه، ولا تُطاردك ملامحه،
حين تتعلّم أن الذكرى ليست قيدًا، بل درس،
وأن الحب الذي لم يُكتَب له البقاء،
ليس نهاية... بل بداية جديدة لذاتك.

ستشفى، ولو بعد حين،
وستضحك من قلبك، لا من ذكراك،
وتمضي نحو مَن يستحق أن يُكتَب في فصولك القادمة،
لا في هوامش ماضيك.

مُهاجر 08-28-2025 05:48 PM

رد: مُهاجر
 
إلى من غرستُ حبّها في قلبي،
وإلى التي كان ذكرها مقرونًا بالثناء عليها،
إلى مُهجة القلب، ودواء الجُرح،
إلى مَن اعتنت بي حين ضعفي، واحتوتني حين اشتدّ تعبي،
ورسمت النجاح في دربي،
رجاء مُلتاع، وأمنيةَ عاجزٍ شلّته كلماتُ العتاب،
بأن يشملني حلمُكِ وعطفُكِ،
فمَن غيرُها؟
الدنيا سواد،
والقلب يشكو العناء.

مُهاجر 08-28-2025 09:50 PM

رد: مُهاجر
 
وَلِتلكمُ الريحُ التي
كشفتْ عُرْيَ الزَّيْفِ في وضحِ النهارْ،
ومزّقتْ سِتْرَ الخداعِ،
وقطّعتْ وَريدَ وجهٍ كان يبتسمُ…
وفي فمهِ سُمُّ القرارْ.

طالَتْ أيّامٌ،
فتناسلتْ أعوامُها المُرَّة،
ولا ملامحَ للغدرِ على الوجوهِ،
سوى ابتسامةٍ صفراءَ…
تُخفي خلفها خناجرًا سوداءَ،
وأضغانًا عششتْ
في قلبِ إنسانٍ بلا أوتارْ.

يتحيّنُ الفرصَ،
يراقبُ الغفلةَ…
يُبقي الخلاصَ مُكبَّلَ اليدين،
ويُنْبِتُ في فمِ العدلِ ألفَ مِزمارْ،
لكنه لا يُغنّي،
بل ينفخُ في جمرِ الألمِ،
وينتظرُ موعدَ التأبينِ
ليجهّزَ مَراسمَ الرحيل…
لمن كانَ يظنُّ النجاةَ اختيارْ.

أهكذا تُولدُ الحكايا؟
من رحمِ ريحٍ لا تملكُ بيتًا،
ولا ذاكرةً تأوي إليها؟
أهكذا تُكْتَبُ النهايةُ،
في صفحةٍ نُسيتْ على قارعةِ الانتظارْ؟

لكنّ للريحِ ذاكرة،
تحملُ أنينَ الجدرانِ،
وصوتَ العيونِ التي لم تَبُحْ،
وتاريخَ الأيادي التي امتدتْ
لا للمصافحة،
بل لتُسقطَ الستارْ.

ومع هذا...
ففي الريحِ بُشرى لمن صبر،
وفي انكشافِ الزيفِ نورٌ،
وفي انكسارِ الثقةِ ولادةُ بصيرة،
فما من ريحٍ تشتدُّ إلا لتُمهّد للسكينة،
وما من خيبةٍ،
إلا وتُغلقُ بابًا… لتفتحَ ألفَ دارْ.

مُهاجر 08-29-2025 12:21 AM

رد: مُهاجر
 
يا لسخريةِ القدر، حين يُزهرُ الودُّ في مواسمِ الصفاء، ثم لا يلبث أن يُجتثَّ من جذورهِ في صقيعِ الجفاء.
يا للمُهجِ التي من دفءِ الحنينِ سُقيت، ثم من كأسِ الغدرِ جرعت، فهامت بين لظى الشوقِ ولفحِ الخيبات.

كيف لحبٍ كان يُصلِّي في محرابِ العيون، أن يتحوَّل إلى طعنٍ في خاصرةِ الظنون؟
كيف لقربٍ قد سكن الأرواح، أن يُصبح نأيًا يُتلى في جنائزِ الأفراح؟

كأنّ الزمانَ قد عاند، والمكانَ قد خان، فصار اللقاءُ فُرقةً، والوعدُ خِذلان.
نزفَ القلبُ حتى جفَّ مدادُ الهوى، وبكى الحرفُ حتى اختنق في صدى المعنى.

فيا من كنتَ قربًا، ما أقساك حين صرتَ غيابًا… ويا من كنتَ وطنًا، ما أوجعك حين غدوتَ خرابًا.

لكنّا تعلمنا — وإن كان الدرسُ مرًّا — أن لا أمانَ في حضرةِ الأماني، ولا سُكونَ في حضنِ العواصف، وأنَّ الحبَّ إن لم يُخلص، صار خنجرًا بوجهٍ باسم، يطعنُ بلا رحمة، ويبتسمُ بلا ندم.

مُهاجر 08-29-2025 11:21 AM

رد: مُهاجر
 
لا زال الحوار ماثلًا أمامي بتفاصيله المملة، ونتائجه المدلهمة، وما تخلله من اتهام ودفاع وبكاء واستعلاء.

العجيب في الأمر أن المصير محتوم، وأن العاقبة سنتقاسمها معًا من غير استثناء، ومع هذا، نبرة التحدي حاضرة وبقوة المستميت الذي يرفض خدش كرامته.

ويزيد الطين بِلَّةً حين يكون نقد الذات من المحظورات والمحرمات، وقد أسقط الجاحد ضرورة ذلك، إذا كان به ومنه إعادة البوصلة إلى وجهتها الصحيحة.

جهاد النفس لم يجعل رسولُ اللهِ ـ عليه الصلاة والسلام ـ رتبته أعلى من رتبة الجهاد في سبيل الله من باب الحث وحسب، بل لإخبارنا أن النفس هي الأقرب منا، والتي هي بين جنبينا، وواجب علينا الغوص فيها ومعرفة كنهها وأحوالها.

وكم تجاهلناها وجهلناها، فكان منتج ذلك الانفصامَ في سويّ فعالنا وأقوالنا.

أهملناها وقت الدَّعَة، فكانت مُدَّعَةً في خزانة الخذلان، لأن الاهتمام رحّلناه ليشمل الأنام، ومن ذلك تزيد الآلام.

نحتاج إلى مراجعة الأولويات، والغوص في الأعماق لنصافح بذلك الروح، ونودّع موطن المعاناة.

فكم منّا من صافح الجميع، ونسي أن يمدّ يده إلى نفسه، يربّت على كتفيه المنهكين، ويقول لها: "أنا معك."

نتقن الإصغاء للضجيج الخارجي، ونفشل في سماع صرخات الداخل الخافتة، التي تئن تحت وطأة الإهمال والتراكم.

نحمل همّ العالم على أكتافنا، ونهمل همّ النفس، فتخور قوانا دون أن ندري، ويصبح الإنجاز غطاءً هشًّا يوارِي عجزًا عن فهم الذات.

إن التصالح مع الذات ليس رفاهية، بل ضرورة لنبقى أحياءً بالمعنى الكامل للحياة، نعيش الحضور لا مجرد البقاء.

وما أحوجنا إلى وقفة صدق، ننزع فيها الأقنعة، ونكفّ عن تمثيل البطولة، ونُقرّ أن الضعف ليس عيبًا، وأننا في حاجة ماسّة لأن نُرمِّم دواخلنا قبل أن نُزيِّن ظواهرنا.

فهل نملك الشجاعة لنعترف أن الألم المقيم فينا لا يُشفى بتجاهله، وأن الطريق إلى السلام يبدأ من اعتراف صادق لا من إنكار متكرر؟

مُهاجر 08-29-2025 12:09 PM

رد: مُهاجر
 
انطفأتُ
كأنّي آخرُ شرارةٍ
في مدافنِ البوح
أعانقُ رمادَ صمتي
وأستدرجُ من وجعي
بقايا صلاةٍ مؤجلة...

أتمددُ على هامشِ الوقت
كظلٍّ فقد جدارَه
أعبرني كأنني غريبٌ
في جسدٍ يشبهني
وأوشّحُ خرائبي
بوجهكِ…
كأنكِ المعنى
الذي نسيه الحرف

مُهاجر 08-29-2025 12:14 PM

رد: مُهاجر
 
تبخّرتُ...
كأمنيةٍ ضلّت طريقها إلى فمٍ يعرف كيف يُرجى...
أتمدد في فراغٍ لا يسألني من أين أتيت،
كغيمةٍ، نسيتْ كيف تكون مطرًا...
واعتادت أن تكون ظلًّا باهتًا في سماء الآخرين.

أحاول أن أجرّني،
من بين ملامح مرّت بي… وسكنتني
ثم رحلت،
وأنا…
لم أكن مستعدًا للفقد.

أخيط وجعي بصمتك،
كأنّكِ الغياب الذي تعلّمتُ أن أعيش فيه،
لا منه.

أزرع في صدري أسئلةً
تكبر بلا جواب،
تتمدّد…
كما يتمدّد الشكُّ في أرواح المتعبين.

الوقت؟
لا يسير.
الوقتُ يتآكل في داخلي،
وأنا…
أعبره كمن يسير في رمالٍ متحركة
بقدمٍ من وهم،
وصوتٍ لا يرد عليه حتى الصدى.

كلّ ما فيّ
يحاول أن يكتبك،
لكنّ الحروف…
ترتجف حين يلامسها طيفك،
كأنّكِ لستِ حكاية،
بل صمتٌ يفهمه القلب،
ولا يحتاج إلى تفسير.

مُهاجر 08-29-2025 12:20 PM

رد: مُهاجر
 
أهوي في داخلي
كمن ينقّب عن ضوءٍ
في نفقٍ نسيته الشمس...

كلما حاولتُ أن أرفع رأسي
وجدتُ فوقي سقفًا من الذكريات
منخفضًا…
قاسيًا…
كأنه يُعيدني إلى الأرض
كلّما همستُ للسماء بشيءٍ من حلم.

أنا لا أهرب،
لكنّني أشيح بقلبي
عن كل ما يشبهكِ…
لأنّني لا أقوى
أن أراكِ
في وجهٍ لا يعرفني.

كلماتي؟
مبلّلة بالخذلان،
مخطوطة على جدرانٍ
لم يقرأها أحد.

أحاول أن أنسى
لكنّ التفاصيل تعرف اسمي جيدًا،
وتناديني
كلّما ظننتُ أنّي عبرت.

أكتبكِ،
ليس لأنكِ تعنين النهاية،
بل لأنكِ
ما زلتِ العنوان
الذي يبدأ به كلّ وجعي.

مُهاجر 08-29-2025 06:36 PM

رد: مُهاجر
 
مواكبُ السعادةِ تتعثّرُ خُطاها،
وتستبقها جَحافلُ الحُزن،
وتلك المواطنُ جَدْباءُ،
تئنُّ على جمرِ الخِذلان،
وتَحُطُّ سياطُ الشُّحِّ، فتَئِنُّ الأرواحُ في صمتِها المُوجِع.

عواملُ نحتٍ تُعَرِّي جبالَ الصبر،
ومعاولُ الهدمِ تَهوي على رأسِ التعافي
من وَقعةِ الذُّلِّ ومرارةِ الانكسار،
ولا ظلَّ لشجرةِ عزٍّ تُؤوي العابرين،
ولا طيفَ لأملٍ يُدلِّي ضياءَه على الدروبِ المُعتِمة.

وأسرابُ الأحلامِ ترفرفُ على رؤوسِ المُحبِّين،
وسرابُ الوصولِ إلى عرينِ القَبولِ يَحِنُّ،
كأنّه طيفُ وطنٍ تاهَ في زحامِ الغُرباء،
وكأنّ القلوبَ نُفِيَت عن صَحوِها إلى جُزرِ التَّمنِّي.

فأيُّ عيشٍ على بِساطِ التفاؤلِ بعدها يُبنى؟
وأيُّ فجرٍ يُؤْذِنُ بالضياءِ
إذا كانت نوافذُ الحلمِ مغلقة،
وأبوابُ الرّجاءِ صَدِئةً لا تَفْتَح؟

لكن…
من بينِ رُكامِ العُتمةِ يولَدُ النُّور،
ومن أضلُعِ الألمِ ينبثقُ النشور،
فما انطفأتْ جذوةُ الروحِ،
ولا انحنى القلبُ وإن أثقلهُ العبور.

وإن كبَتَ الزّمانُ بخيلهِ ومَراسِيه،
ففي الجَوانحِ صبرُ نبيٍّ،
وفي المآقي نُضجُ حكمةٍ
سُقيتْ من ماءِ التجربة.

نُرمّمُ أحلامَنا حجَرًا حجَرًا،
ولو بنيناها على شفيرِ العَدم،
وننسجُ من خيوطِ الأملِ وشاحًا،
يُدَثّرُ صقيعَ الغَدِ المُبهم.

تَعِبَ الزّمانُ من خُطانا،
لكنّنا لم نَتعب،
تَخاذلَ الدّربُ،
لكنَّ خطانا لم تَخذُل.

فأيُّ حياةٍ تُولدُ إن لم تُختبر؟
وأيُّ نُضجٍ بلا نارٍ،
وأيُّ نُورٍ بلا ظُلمةٍ تُكشَف؟

مُهاجر 08-29-2025 09:50 PM

رد: مُهاجر
 
كم رددتُ بناني عن لفظ الحرف في كل مرة، إذ كانت الكلمات تمضي كالسهام، وإن كانت نيتها سلامًا، فكم من كلمةٍ خرجت من القلب، فزلّت على اللسان، ففُهِمت على غير وجهها، وحُمِّلت ما لا تحتمل، فكان الندم يأتيني لاحقًا، كضيف ثقيل لا يغادر.

خشيت دومًا أن يُؤوّل حديثي على غير ما أردت، وأن يُقرأ قلبي بعيون لا ترى نبضه كما هو، فيُكتب علينا جُرم لم نقترفه، وتُنسب إلينا خطيئة لم تكن يومًا منّا، فيكون العقاب قطيعة، ويكون ثمنها فقدان من نحب، على شيء لم يكن سوى سوء فهم.

فكم من عاشق افترق، وما كان الذنب إلا همسة لم تُفهم، أو نظرة أُوّلت، أو كلمة سكنت بين السطور فأيقظت نارًا ما قصدنا إشعالها، فينتهي الوصل، لا لأن الحب انطفأ، بل لأن المعنى انكسر.

فاخترت الصمت، لا ضعفًا، بل حذرًا، وجعلته جوابي الوحيد على ما يأتيني من رسائل، وإن كانت روحي تشتعل شوقًا، وإن كان القلب ينزف القاني من التحنان، ويئن من وطأة الحنين.

أتعلم؟
ليس كل من سكت فارغًا، وليس كل من مضى ناسيًا.
أحيانًا نصمت لأننا نخاف أن تُسقِط الكلمات ما تبقّى، وأحيانًا نرحل لأننا نحب، لا لأننا مللنا.

فدعني أختبئ خلف السطور، وأكتم صدري عن كل ما يُقال، علّ الصمت يحميني، وعلّه يُبقي بيننا شيئًا لا ينكسر، شيئًا يُشبه الحنين حين يخنقنا ولا يقتلنا.

مُهاجر 08-30-2025 12:17 AM

رد: مُهاجر
 
لعلّي أشفى به غليلي...

ذاك البوح الذي تشرّبت به غصّة، بعدما أكل الصمتُ ما تبقّى من بقايا إنسان...

كان يتسوّل الاعتراف بأنه من سلالة الإنسان!

ليس عجيبًا أن تتدحرج من تلة المغرورين!

وليس عجيبًا أن تلفظك قلوب الموهومين...

غير أن العجيب أن تعيش الغربة في أرضٍ ظننتَها يومًا لك وطنًا...

وبها أناسٌ حسبتُهم يومًا أن قلوبهم لك مُستقرّ!

وإن كان العَجَبُ في زماننا قد انقضى زمنه، وما بقي منه غير رسمه!

بتنا اليوم في حاجة إلى تغيير القواميس، بعدما انتقضت المعاني، فبات الضدّ والتباين هو المرادف!

آهٍ من زمانٍ تعثّرت فيه الخطوات، وبات فيه الحليمُ حيرانَ، يرقب في فلك الملكوت الخلاص!

صرنا نحمل وجوهًا لا تُشبهنا، ونُصافح أيادِيَ لا نأمن بردها ولا حرّها...

نكتب على جدران الصمت ألف معنى، ثم نمحوها بخيبة واحدة!

بات الصدق تهمة، والوضوح عُريًا، والوفاء ضربًا من سذاجةٍ بائدة!

أصبحنا نُطارد ظلالنا لا بحثًا عن النور، بل اتّقاءً لظلامٍ آخر يسكننا...

نلبس الأمل كمن يرتدي ثوب العيد في عزّ الشتاء: جميلٌ لكنه لا يُدفئ!

ولم يبقَ لنا إلا الحروف، نهرب إليها من خيانات اللحظات، ونصطلي بها حين يُطفئ الواقع نيران الرجاء...

فيا أيها الغريب فيك، المنفيّ عنك، المتسائل في مراياك:

لا تنتظر الجواب...

بل كن أنت السؤال، واترك صدى وجعك يوقظ في الآخرين إنسانًا نام!

مُهاجر 08-30-2025 12:44 AM

رد: مُهاجر
 
على جراحِ الأمّةِ تجتمعُ الغُمّةُ على طاولةِ القمّة!
وخدورُ الشرفِ تُعرَضُ في سوقِ النخاسة، والباعةُ همُ العرب!

كم تلوحُ في سماءِ فكري تلكُمُ الكلمةُ التي كنتُ كافرًا بها منذ صغري،
حينَ كان يرددها بعضُهم واصفًا حالَ العربِ بأنهم — في أصلهم — ذواتُ الجرب!

فقراراتُهم لا تتجاوزُ بضعَ مفرداتٍ: نشجبُ، وندينُ، ونستنكرُ،
ومن تحتِ الطاولةِ يحلو الانكفاء، وفي الليلِ يحلو الطرب!

وتلك الوعودُ تسيرُ مع قوافلِ الوهم،
والحقيقةُ تُعرّي نُخبةَ القرف!

صهاينةٌ فاقوا الصهاينةَ في خبثِ نواياهم،
وكأنهم تقاسموا ذاتَ الحليب،
والمرضعةُ خالةُ العمِّ "سام"!
فباتوا — في قاموسِ الأنسابِ — ينحدرون إلى سلالةِ الخنازيرِ والقِرَدَة،
وكلِّ خَلقٍ خلقهُ اللهُ، فأنكرَ طبعَهُ ومُنقلبَهُ!

ولتلكُمُ الكرامة…
نصبنا لها خيامَ عزاءٍ في عراءِ الأرض،
والمُعزّون أشباهُ الرجال،
بعدما تجرّدوا من المروءة،
وضاعت جيناتُ الحميّةِ في صحراءِ الصمت،
فغاصوا في مستنقعِ الذلّة.

فهيهاتَ لهذه الأمةِ أن تقومَ من كبوتِها،
وهي جامدٌ فيها دمُ العزّة،
وقد استبدلتِ الإباءَ، واقتصرتْ على ذاك الدعاءِ الذي يُعاقرُه الذنبُ والغفلة!

مُهاجر 08-30-2025 12:50 AM

رد: مُهاجر
 
تئنُّ الأمةُ من جراحٍ تَعاظَمَت،
وتتلوّى على سريرِ الوهنِ وقد تقادَمَت،
ذاك الجسدُ الممزّقُ بين أممٍ تتكالبُ، وقلوبٍ تتناحرُ، وراياتٍ تتنافرُ،
كلُّ جزءٍ منها يشكو،
وكلُّ طرفٍ عنها يشهدُ موتًا لا يُحزِنُ أحدًا!

عناوينُ العارِ تُسطَّرُ كلَّ صباح،
والخنوعُ يُذاعُ من أفواهِ الأقوياءِ كأنه فلاح،
والحقُّ مأسورٌ، والأقصى مثخنٌ بالجراح،
والكلامُ سلاحُ العاجزين، والسكوتُ عقيدةُ الجبناء!

في الميادينِ خفَتَ الهُتاف،
وفي صدورِ الرجالِ بردٌ وجفاف،
والأطفالُ يولدون بلا وطن،
ويكبرونَ بلا أمل،
ويموتون بلا ضجيج، كأنهم لم يكونوا نبضًا من ترابٍ حيّ!

منابرُ النورِ تحوّلتْ إلى منصّاتِ تزييف،
والرايةُ البيضاءُ باتت شعارَ الخائفِ الضعيف،
والأرضُ تُغتصبُ، والعِرضُ يُهان،
والمآذنُ تبكي، والدمعُ في عيونِ الثكالى لا يجفُّ ولا يُدان!

لكن...
ورغمَ هذا الليلِ المُطبق،
ورغمَ هذا الجرحِ الذي لم يندمل،
ورغمَ هذا الصمتِ الذي صار لغةَ أهلِ الكهف...
لا يزالُ في آخرِ النفقِ نورٌ يتّقد،
ولا يزالُ في قلبِ الظلامِ فجرٌ يتهيّأ أن يُولد!

فما خبتْ رايةُ الحقِّ، وإن سقطَ حاملوها،
وما اندثرتْ ملامحُ العزِّ، وإن استُبيحتْ صورُها،
إنها سُنةُ الله: بعد الغُمّة صحوة، وبعد الضيق فرجة، وبعد الظلمة شمسٌ لا تغيب.

سيصحُو الماردُ من رقاده،
وتستفيقُ الأمةُ من سباتها،
وتُبعثُ النخوةُ في عروقٍ حسبناها ماتت،
فإذا بها تنبض، وتثور، وتَصْرُخ: هُنا كنّا... وهنا سنعود!

مُهاجر 08-30-2025 10:50 AM

رد: مُهاجر
 
أنا لستُ عينًا تُبصِر،
بل قلبٌ يستشفُّ النور من بين ظلال الحيرة،
أشبه بندفةِ ضوءٍ تسقط في عمقِ ليلٍ دامس،
فتُوقِظ في الروحِ خريطةً لا يعرفها إلّا السائرون نحوي
بنور اليقين.

تسألون: من أنا؟!
أنا نورُ الساري في دياجير الحيرة...
وكهفُ أسرارِ الوجودِ الكثيرة...
وشمسُ الحقيقةِ في مجرّاتِ الكونِ الوسيعة...
وغيثُ الحياةِ للأرضِ القَفِيرة...
وطِبُّ القلوبِ المريضة...
وملاذُ اللاجئِ من العذاباتِ المريرة...

فهل عرفتني؟!

فتِّشْ في جيوبِ الحياة...
واستحضرْ وجوهَ المارّين...
واستنطِقْ حروفَ الكاتبين...
وحَرِّكْ مشاعرَ العاشقين...
وطَبْطِبْ على قلوبِ المكلومين...

ستجدني بين حرفِ العلّة،
وضميرِ المتكلم،
والمبنيّ للمجهول...
كائنًا لا يتحرّك،
بعد أن جُرِّدَ من معناه،
فبات كريشةٍ تتقاذفها الرِّيح،
فتهوي بها في بئرٍ عميق...

فلا تسأل عن اسمي،
فأنا اسمٌ بلا صوت، وصوتٌ بلا لحن،
أنا ظلُّ الحقيقةِ حين تغيب،
وصرخةُ المعنى حين يصمتُ كل شيء.

أنا لستُ من هذا الطين وحده،
بل من سرِّ النفخةِ الأولى،
من صمتِ المعنى حين يفيض الكلام،
ومن وجعِ السؤال حين يعجز الجواب...

أنا أثرُ النورِ في أزقةِ العتمة،
والوَصلُ حين تنقطع السُّبُل،
أنا نبضُ الفكرة في صدرِ متأمِّل،
ووميضُ البصيرة في عينِ حائر.

أنا همسةُ الأمل في أذنِ اليائس،
وسجدةُ الروح في محراب الإدراك،
أنا الحكاية التي لا تُروى،
لكنها تعيش في كلّ سطر، وكلّ صمت.

فتِّش عني في شهقةِ الولادة،
في دمعةِ العارف،
في نشوةِ القصيدة،
وفي صمتِ المريد...

ستجدني نائمًا في جفنِ المعنى،
أرتِّب للفجرِ مواعيدَ قيامه،
وأجفّفُ دمعَ الليلِ حين يطول...

أنا لستُ وصفًا يُقال،
ولا أحدًّا يُرسم،
أنا المَعبر،
والمعنى،
والحكاية التي ترويك... دون أن تنتهي.

مُهاجر 08-31-2025 05:21 PM

رد: مُهاجر
 
دعني أُحدّثك عن قصةِ الغيدِ التي ترعى بقربِ الغدير...

كانت دومًا تحرص على وجودها هناك،
تُلاحق فراشاتِ الأحلام، وتُداعبُ خيالاتِ الأمل،
وحين تتعب، تستقي من غدير الأمنيات،
تغمس كفَّ الرجاء في مائه الرقراق، وتُمنّي النفسَ بقبسٍ من إشراق.

كثيرًا ما تبكي حين تعود ولم تُدرك المأمول،
تندب حظّها العاثر، رغم حثيث السعي، وطول نَفَسِ البحث،
تجرُّ أذيال الخيبة، وتُلملم بقايا حلمٍ تناثر بين ضلوعِ الانتظار.

تطوي ليلَها بصمتٍ ممزوجٍ بالألم،
وعن ذاتها، فقد أشبعتْها جلدًا وعتبًا،
والنفسُ تَرمقُها غَيْظًا، وهي اللصيقةُ بها، العارفةُ بمكامنِ ضعفِها، والمُدركةُ لعذرِها.

هو ذاك شَأنُها...
تتأرجح بين السعي للهدف، وأخذ السبب،
وبين الوقوع في شَركِ الإخفاق، وتعثُّر الخطوات،
تُراودها الأحلامُ، وتُقابلها الأوهامُ،
وما بين الحُلمِ والعَثرات، قصةُ روحٍ تأبى أن تموت.

ولو جعلنا من تلكم القصة رمزيّةً نُسقطُها على واقعنا،
لوجدنا تطابقًا عجيبًا، وتشابهًا مُريبًا،
من حيث رسمُ الهدف، والسعيُ خلفه،
ومن حيثُ العثراتُ، وتكرارُ الزلّاتِ في ذاتِ المواطنِ والنكبات.

فعلينا...
رسمُ الطريق، بعد وضوحِ الغاية،
وأخذُ الوسائل المُوصِلة للغاية،
ووضعُ العقبات في الحسبان، وتوقُّعُ ما قد يُعكّر صفوَ الأمان،
واستحضارُ البدائل حين تُغلَق الأبواب، ويَضيقُ المسار.

حتى لا نقفَ نبكي على الأطلال،
ولا نندبَ حظًّا عاثرًا، أو نُحمّل الدهرَ ما ليس له فيه من صُنع،
ولا تأكلَنا سباعُ الحسرات، ولا تنهشنا مخالبُ الندم.

بل ننهضُ كلما عثَرنا، ونُعيدُ الكرّةَ كلما خَسرنا،
فما الحياةُ إلا مسيرٌ، وما النجاحُ إلا لصبرٍ وفكرٍ وتدبير.

مُهاجر 09-01-2025 07:14 PM

رد: مُهاجر
 
وفي قلبي جمرُ الجوى فُرقةٌ،
وذاك الشوقُ زادَ من جذوةِ الوجعِ،
أسير في بيداء العمرِ حاملًا شعلةَ النورِ، وفي أصلها جذوةٌ من نارٍ تحرقُ خضراءَ الأملِ.

ما وجدتُ غيرَ حرفِ الألمِ يتصدرُ صفحتي،
وكأن حروفَ الفرحِ انعتقت من ربقةِ الإحساسِ،
تنثرُ الأحلامُ في ليلِ الصمتِ الموحشِ،
وترسمُ في الفضاءِ نجومًا من أشجانِ،
تتراقصُ كخفقاتِ القلبِ بين همساتِ الريحِ،
وترسلُ أنغامَ الفرحِ في أوتارِ الوجدانِ.

فكيف السبيلُ إلى ضياءٍ بعدَ عتمةِ الليالي،
وأين المدى حين يغيبُ الأملُ عن الآمالي؟
أمضي وأحملُ فوقَ الكتفينِ أثقالَ الهمومِ،
وفي الروحِ شعلةٌ لا تخبو، رغمَ العتمةِ واللومِ،
تتحدى الصعابَ، تسيرُ نحوَ فجرٍ جديدٍ،
تزرعُ في القلبِ بذورَ العزِّ والعزيمةِ،
فمهما طالَ الطريقُ وطالَ النوى،
يبقى النورُ في جوفِ الروحِ، والأملُ لا يموتُ.

ويا قلبُ لا تبكِ على ما قد فات،
فالدهرُ يمضي والآمالُ تنتظرُ الصفاء،
والحلمُ في أعماقنا منارةٌ تُضيءُ دربنا،
تسقي النبضَ عشقًا، وتنشرُ فينا ضياء.

فمن رحمِ الألمِ يولدُ الوجدُ عذبًا،
ومن عمقِ الظلامِ تشرقُ شمسُ الصفاء،
فاصبرْ على قسوةِ الأيامِ وجراحِها،
فكلُّ جرحٍ يحملُ في طيّاته البقاء،
والصبرُ مفتاحُ الفرجِ والنجاة،
والحبُّ بذرةٌ في القلبِ لن تذبلَ مهما غابَ النورُ وأطبقتْ السماء.

مُهاجر 09-01-2025 08:46 PM

رد: مُهاجر
 
لِمَ شحَّ سؤالُكم أيها الأحباب؟
أم أنَّ السببَ كان منَّا،
حتى ينالَنا منكم الهجرُ،
ونُجزى على الوصلِ بالقطيعة؟

أيكون ذنبًا لم يُقصَد؟
أم وشايةً لم تُحسَم؟
أم أردتم الفكاكَ من صدعتنا،
فكان لكم الخيارُ الأنسب؟

تقتاتون على فصولِ الابتعاد،
وتهرولون إلى ما يُدمي الفؤاد،
ثم تُديرون للحنين ظهوركم،
كأن الوصلَ ذنبٌ لا يُغتفر!

أم أنكم تختبرون صبرنا؟
تودّون طرقَ الباب منّا،
ومبادرتَنا بالسؤال،
كأنّ الصمتَ منكم حكمة،
ومنّا جفاء؟!

أفواجٌ من التساؤلاتِ
تزدحمُ عند ذلك الباب،
والجوابُ مُوصَد،
وعندكم فصلُ الخطاب.

وها نحن، لا زلنا ننتظر،
نحملُ بين أضلعنا صكّ الود،
نلوّح به على أرصفةِ الغياب،
علَّه يُقنعكم أن الصدور ما زالت مفتوحة،
وأنّ القلوب ما زالت على العهد،
فهل من رجوعٍ بعد طول ارتحال؟

مُهاجر 09-01-2025 11:15 PM

رد: مُهاجر
 
ما لبثتُ في مقامِ الفخر أُسطّر مجدًا، أنافسُ فيه الساعين إلى مقامات الوصول.
أسندتُ ظهري إلى صخرةِ الواثقِ بنيل المأمول، وفرشتُ دربي بورودِ الخُزامى والمِشموم.

أمنياتٌ خَبَّأتُها في صدرِ الوجود، وحجزتُ مقعدًا أُزاحم فيه الكائنات في رحاب الكون.
غير أني لم أنلْ من كلّ ذلك سوى الخيبات، وفقدتُ من بعده كرامة الأوفياء.

إلى وداعٍ لا لقاء بعده، فلعلّ في ذلك لكلٍّ منّا سلامةَ قلبه.

ما عدتُ أُجيد الوقوف على حافة الانتظار، ولا يغريني بريقُ الأملِ المختبئ في سرابِ الأعذار،
فقد شاخت في صدري الأغنيات، وبُحّت من بعدِها ترانيمُ الرجاء.

تركتُ للأيام صفحاتٍ لم تُكتب، وسطورًا لم تُكمل، وأحاديثَ أجهضها الصمتُ في مهدِ الكلام.
سافرتُ على بساط الذكرى، أبحثُ عن ظلّ لم يعد، ودفءٍ كان لي، ثم ضاع كما تضيع الأرواح في زحام الغياب.

فلا أنا الذي وصلتُ، ولا الذين معي انتظروا، ولا الحلمُ الذي بنيتُ له ركنًا في الحقيقة استقرّ أو استمرّ.

فدعوني أُودّعكم بصمتي، كما استقبلتُكم بخيالي،
دعوا لي ما تبقى من أنفاسي، أضمّها على جرحٍ تعوّد النبض في حضرة الانكسار.

وسلامٌ على قلبي، حين آمنَ بكم، وحينَ سامح،
وحينَ قرّر — أخيرًا — أن يُغلق الباب، ويرحل دون انكسار.

مُهاجر 09-02-2025 11:51 AM

رد: مُهاجر
 
من مساحات البوح التي يبسطها صاحب الخاطرة أمام الملأ، قد تتقاطع الحروف ـ أحيانًا ـ مع مشاعر متلقٍّ يجد في الكلمات ما يشبه حاله، أو يلامس شيئًا من واقعه.

حينها، قد يظن أن ما كُتب موجّهٌ إليه، وكأن لسان الحال يقول: "أنت المقصود، فانتبه!"
وهذا من طبيعة التفاعل الإنساني؛ فكلٌّ يقرأ بعين تجربته، ويُسقط المعنى على ما في داخله.

ومع أن النصوص تُكتب بعموم المعنى، لا بقصد التلميح أو الإشارة،
إلا أن اختلاف التأويل وارد، والتأثر الإنساني مفهوم ومقدر.

وكم يكون جميلًا لو ترفّقنا بالنية، وأحسنا الظن بما يُكتب،
فما أكثر ما تحمل الكلمات من عمق لا يعرفه إلا صاحبها.

ولعل في ظهور النوايا، وتجلّي مقاصد القول، ما يعيننا على بناء جسور التفاهم،
ويُبقي للخواطر رونقها، دون أن تجرح أحدًا، أو تُساء قراءتها.

مُهاجر 09-02-2025 04:30 PM

رد: مُهاجر
 
في معتركِ الحياةِ، تأتيكَ الخيباتُ أضعافَ ما ترجو، لِقَدَرٍ أرخى سُدولَهُ على إدراكِ الحكمةِ، فلا تُدركُ لها سبيلاً، ولا تعرفُ لها قُبولا.

وبينَ حناياهُ، نصيبُ صبرٍ نالهُ وافرُ الحظِ، ونصيبٌ آخرُ دونهُ قاسمٌ شائبهُ، من حُرِمَ في قلبهِ وجودَه، فظلّ بين وجدهِ وفقده، مسلوبَ العهدِ ووعده.

أفالصبرُ مكتسبٌ يُرجى؟
أم منّةٌ من ربٍّ تُهدى؟

وما لدوافعِ البقاءِ من مَهرب، إن لم يكن الساعي واثبَ الخطى، مؤمنًا بمطلوبه، عارفًا بموهبه.

وإلّا، كان خاملَ السعيِ، مرسلَ الأماني، لا رجاء له في مأمول، والموتُ أقربُ إليهِ من الوصول.

فكم من قلبٍ نازعَ قدرَهُ بالصبرِ حتى دانَ له المأمول، وكم من نفسٍ أنكرت حقائقها، فضاعت في بحورِ المجهول.

وما بين ابتلاءٍ يُبقيكَ راكعًا، ونعمةٍ تُبقيكَ خاشعًا، يختبرُ الله فيكَ الصبرَ واليقين، ويرفعُ بالرضا مَن لاذَ به وهو مستكين.

مُهاجر 09-04-2025 12:16 PM

رد: مُهاجر
 
ما عدتُ أمدّ يدي لطيفٍ لا يُمسك،
ولا أرجو ظلاً إن كان لا يَحجب،
فقد تعلّمتُ أن الاكتفاء نعمة،
وأن الرضا لا يُشرى، ولا يُطلب.

اكتفيت، لا لأن القلب جفّ،
بل لأن العطاء حين لا يُقدّر… يُهدر،
ولأن الشعور إذا لم يُصن… يُكسر،
ولأن الكرامة لا تُربّى في حضنٍ بارد،
ولا تُزهِر في أرضٍ لا تُسقى بالمودة.

سئمت الانتظار عند أبوابٍ لا تُفتح،
والتعلّق بأرواحٍ لا تبادل،
والبحث عن دفءٍ في صدورٍ مُقفلة،
تعطيك الوعد… وتنكر الوجود.

تعلّمت أن القلبَ ليس محطة،
ومن دخل لا يملك حقّ البقاء إن لم يُجِد السكنى.
تعلّمت أن الانكسار ليس قدَري،
وأن الانحناء لا يُشبهني،
فرفعتني خِذلتي، حين خفضتني الثقةُ بغير أهلها.

أصبحت أزهر بصمتي،
وأُزهِرُ في وحدتي،
لا أُعاتب الغائب، ولا ألاحق المارّ،
فمن أراد البقاء، لن يحتاج إلى نداءٍ ولا إنذار.

قلّبتُ صفحات القلب، فوجدت أن أصفاها ما كُتب بالحذر،
وأدفأها ما لمسته كفّ الاتزان، لا كفّ الانكسار.

ما عدت أبحث عن النصف الآخر في أحد،
اكتشفتُ أن الاكتمال يبدأ حين لا يُنقِصني أحد.
فأنا لي، وبيني وبين قلبي عهد،
أن لا أُطفئ وهجي، لأضيء لغيري الوهم.

في الاكتفاء سلام،
وفي السلام حياة،
وفي الحياة… يكفيني أن أكون،
دون أن أكون لأحد.

مُهاجر 09-04-2025 02:25 PM

رد: مُهاجر
 
يا من سكبتَ من نورك على أيامي، فجعلتَ العتمةَ دربًا مضيئًا،
يا من فتحتَ لي أبواب الفكر، وأقمتَ لي في حضرة العلم مقاما كريمًا.

أقف اليوم، وأنا أحمل بين الضلوع عرفانًا لا تسعه الحروف، وامتنانًا يعجز اللسان عن وصفه،
فلقد كانت أيامك لي مأوى من تشتت، وسُقيا من ظمأ، وموئلًا أستنير به في ليالي الحيرة.

في مجلسك، لم أتعلم دروسَ العلم فقط، بل دروسَ الحياة...
رأيتُ فيك حكمةً تُؤخذ من صمتك قبل كلامك،
ووقارًا يُغني عن ألف شرح،
وقلبًا كبيرًا وسِعَ طموحاتي وهمومي معًا، دون أن يُظهر ضجرًا أو تكلّفًا.

كانت أيامنا معك كصفحات من كتاب لا يُمل،
علّمتني كيف أُنصتُ لما وراء الكلمات،
كيف أفتح للنجاح بابًا من التعب، وأُغلق في وجه اليأس ألف نافذةٍ من ضعف.

وها أنا اليوم أُسدل الستار على تلك الأيام،
لا لأن الودّ انتهى، بل لأن الرحلة اقتضت فراقًا...
فراقًا تدمع له العين، ويئنُّ له القلب،
لكنّه فراق من يرجو اللقاء،
عند أبواب النجاح،
حين تكتمل الحكاية، ويُثمر الحلم، وتُرفع الرايات.

فإن تأخرتُ عنك يومًا، فاذكرني بدعوة،
وإن طال بي الطريق، فإني سائر على خُطاك،
أحملُ ذكراك في قلبي، ومواقفك في عقلي، وتعاليمك في سلوكي.

فإلى لقاءٍ نرتشف فيه الفرح،
نقف فيه لا تلاميذ ولا معلّمين، بل رفاقُ حلمٍ قد صار حقًّا،
نلتقي على أبواب التحقّق،
حيث لا وداع بعده، بل امتدادٌ لما بدأناه هنا.

مُهاجر 09-05-2025 09:51 AM

رد: مُهاجر
 
ربما ينفثُ اليأسُ في قلبِ العاني،
فينقشُ حروفَ الألمِ على جدرانِ الزمانِ الفاني،
ويُضمِّخُ صفحةَ الحياةِ بلونِ الكدرِ والأحزانِ،
فيركنُ بعدها على جدارِ الوَهَنِ،
تعتصرهُ الهمومُ، وتخنقهُ عبراتُ السُّكونِ والكمَدِ،
كأنّ الأيامَ تمضغُهُ بأسنانِ الغربةِ والجمَدِ.

طلائعُ الأملِ تتكسرُ على صخرةِ الاستسلامِ،
وجحافلُ البُشرى تتبعثرُ في مهبِّ الكلام،
حديثُ الخواءِ يُطفِئُ جذوةَ الرجاءِ،
ويُقزِّمُ طموحَ الحالمِ بينَ سطورِ العناء.

أقاويلٌ... تُبدِّدُ فرحةَ اللقاء،
حين تُهمَسُ في أُذنِ الواقعِ المرتجفِ تحتَ وطأةِ الرجاء،
فتنقلبُ اللحظةُ المضيئةُ إلى ظلالٍ من شقاء.

ويُعادُ حديثُ العزيمةِ في زمنِ الألمِ والندم،
زمنٍ باتَ فيه الإنسانُ يلهثُ خلفَ حلمٍ ذابَ في العدم،
زمنٍ صارَ فيه الوجعُ عنوانًا،
وتحتَ ظلالِه يعيشُ بقايا إنسانٍ،
يتمنّى الرجوعَ إلى لحظةِ اطمئنان،
لكنّهُ لا يجدُ سوى صدى الأنينِ وارتجاجِ الكيان.

مُهاجر 09-05-2025 11:22 AM

رد: مُهاجر
 
كيف أُقيم عدلًا في محكمة الهوى؟
وكلّ الأدلة تُبرِّئك من الغياب،
وتلك مكامنُ الحضور تُبرِّئك من ذنب الغياب،
وتُلقي باللوم على قلبٍ أفردَ لك العشقَ الحلال،
وفي قلبي نبضُ وفاءٍ، غالقٌ دونه ألفَ باب.

كيف أزن الحُب بميزانٍ بشري؟
وفيه تختلّ الحدود والمعايير،
وهو يسرقني من نبضِ قلبي،
يلهج لك بالحُبّ طوعًا،
وبين عارضٍ يُناكف صدقَ المشاعر،
ويُسقطني في دائرةِ المحاسبةِ والأَسْر.

أأيّ عقلٍ يقوى على هذا السُّهاد؟
ووجهك يقتحم أحلامي،
وصوتك يتسلّل من شقوقِ الصمت،
فيوقظ في داخلي
طفلًا يُعاند واقعَ الأمر.

ما ذنبي إن اختلّ توازني؟
أأنا مَن اختار أن يسكنك؟
أم أنتَ من تسلّلت خفيةً،
وزرعتَ في صدري وطنًا
لا يُنازعه أحد؟

أطلبك... لا بصوتٍ يسمع، بل بصمتٍ يفيض.
من مكانٍ عميقٍ في القلب،
من رعشةٍ تسكن أطراف الانتظار،
من دعاءٍ لا يُقال،
من حنينٍ يتلبّس النبض، ويصوغك بينه وبين الحياة.

أطلبك... كما يطلب الغيمُ وعد المطر،
كما تشتاق الأرضُ ظلّ المساء،
كما ينادي النجمُ نوره البعيد،
فلا أنت بعيد، ولا النداء يصمت.

أطلبك... لا سؤالًا، بل شعورًا.
أنت المعنى في الفراغ،
والنبض في السكون،
والصوت الذي لا يحتاج إلى نُطق،
لأن الحنين أبلغ من الكلام.

فدعني أطلبك كما أنا،
حرفًا هادئًا في عاصفة،
وصمتًا يتكلم حين تغيب،
وشوقًا لا يريد جوابًا…
يكفيه أنك أنت.

مُهاجر 09-06-2025 07:59 PM

رد: مُهاجر
 
في دياجيرِ الليلِ أسري، وكأنّي ببعضي يتلمّسُ فُتاتَ يقين،
والبعضُ الآخرُ يُفتّشُ في جيوبِ الغيبِ، لعلّ فيه أجدُ نفسي التي غيّبها طويلُ السُّهاد.

وعلى ظهري أحملُ أسفارًا من الأسئلة، كما عشّشت في عقلي،
تراوحُ مكانَها، لا تنفكُّ عنّي.
وفي كلّ مرةٍ أوهمُ نفسي – كي أقطعَ الطريق – بأنّ إجابةَ السؤالِ ستكونُ عند نهايةِ الطريق!

وما في قلبي إلا نافذةٌ واحدة، أطلُّ منها على الجهاتِ الأربع،
وأضفتُ معها اثنتين من الجهات!

ومع هذا...
يُفضي بي الحالُ إلى جدارٍ مسدود؛
جدارٍ كتبتُ عليه ذاتَ وهمٍ: "هنا مرّ حلمٌ، ولم يَعُدْ."

فالذينَ رحلوا لم يأخذوا صُوَرهم،
لكنّهم تركوا في الصوتِ صدًى،
وفي الهواءِ رائحةَ وداعٍ ما زالت تُربكُ أنفاسي.

مُهاجر 09-06-2025 09:49 PM

رد: مُهاجر
 
قرأتُ لأحدهم، وهو يقول: "ليت الحياةَ كتابٌ، نعود متى شئنا إلى الفصلِ الذي أسعدَنا."

وفي ذلك...
أمنيةٌ تغرقُ في بحرِ المستحيل،
وعبارةُ يأسٍ يُهدّدها التيهُ الطويل.

فالحياةُ ماضية، لا تلتفتُ لركبٍ تخلّف،
حاملةً معها الذكريات،
وفي هودجِها مرٌّ زُعاف،
وشهدٌ حلوُ المذاق.

تُسافرُ بنا بين أملٍ خافت، وألمٍ جارف،
تنسجُ من لحظاتها فرحًا عابرًا،
وتُخبّئ في طيّاتها وجعًا غائرًا.

ليست فصلًا نُعيده،
ولا مشهدًا نُعيد تمثيله،
بل صفحةٌ تمضي،
وحكايةٌ تُكتبُ بمدادِ القَدر،
لا عودةَ فيها، ولا مفرّ.

مُهاجر 09-07-2025 11:57 AM

رد: مُهاجر
 
إلى من أرهقني بعده...

لم أعد أعرف إن كنت أبحث عنك،
أم أهرب من أثرك الذي يُلاحقني كظلٍّ ثقيل.
كل الطرق التي مشيتها
كانت تفضي إلى تعبٍ يشبهك،
وكل الأماكن التي تركتُ فيها قلبي
ما زالت مغلقةً على انتظارك.

لا شيء بي يشبه البدايات،
وجهي متعب،
نظرتي تُشبه مَن قرأ الوداع أكثر من مرة
ولم يحفظه.

أحاول أن أقنع نفسي
بأن النسيان اختيار،
لكن كل ليلة تُكذّبني،
وكل صوتٍ يُشبهك يُربكني.

أُصغي لما تبقى مني
فلا أسمع إلا صمتًا يراوغني،
وحنينًا يتسلل من بين ضلوعي
كما يتسلل الماء في صدعٍ قديم.

أنا لا أشتاق إليك فقط،
أنا أفتقد نفسي حين كانت بك ممتلئة،
حين كانت تؤمن أن للنبض وجهًا واحدًا،
وصوتًا واحدًا،
وقلبًا يسكنك.

مُهاجر 09-07-2025 11:58 AM

رد: مُهاجر
 
ونبضُ قلبي يلهجُ باسمِكَ اشتياقًا لوصلك،
وعواملُ الغياب تنهشُ في عضُدِ الاصطبار،
تُضعفني المواجع، ويشيخ في عيني الأمل،
كأن العمر كلّه اصطفافٌ لانتظارك...

ومواعيدُ اللقاء عبثَ بها الغياب،
وتلك الوعودُ نكثَ الوفاءُ بها غدرَ الزمان،
فبتُّ أجمع من بقايا اللحظاتِ ما يردُّ رمقَ الحنين،
ولا يردُّك.

حكاياتٌ ثكلى...
يحكي واقعَها لسانُ حالٍ،
أرهقته الحروف،
وعزَّ عليه أن يجد في اللغة متّسعًا لحزنه.

أوهامٌ حلّت مكان الأحلامِ
التي لطالما غرسناها في أرضِ الرجاء،
فأينعَت سرابًا،
وذوت قبل أن تُزهر في كفّينا لحظة صدق.

ما ظننتُ حينها،
ونشوةُ العشقِ تُخفي ما قد يُناكفُ الوصولَ من الأقدار،
أنّ الطرق تُباغت المشتاقين بالخسارة،
وأنّ الهوى قد يُعجَزُه النقاء.

حتى تصحّرت أرضُ الأمنيات،
فباتت بعدها بقايا يَباب،
وأصبحتُ أنا…
ظلًّا لما كنتُ عليه،
وصدىً لما كنتُ أرجوه منك.

مُهاجر 09-08-2025 11:07 AM

رد: مُهاجر
 
"غِبتَ، وما غابت خطاكَ عن طُرُقي،
جَفوتَ، وما جَفَّ الحنينُ من ورَقي.
أتَراك تَجهلُ أن السؤال حياة،
وأنّ الغيابَ إذا طالَ... صار مَوتًا بلا شهادة؟
لا تلُمني إن كتبتُك في دفاتر الغُرباء،
فالقريبُ الذي لا يسأل... أبعدُ من الغيمِ في صَحراء.
كنتَ وطنًا، حتى صِرتَ غُبارَ طريق،
تمرُّ ولا تَلتَفِت... وتَترُك، ولا تَعتَذِر."

مُهاجر 09-12-2025 10:00 AM

رد: مُهاجر
 
سيبقى ذِكركم نبعَ مناي، وعطرَ رجاي، وزهرَ صباي،
فما ذبلت أرواحُنا من بعدكم، ولا جفّت ينابيع الهوى في قلوبِنا منذ غيابكم.
وفي قلبي جمرةُ اشتياقٍ لا تنطفئ، ولهيبُ حنينٍ لا يهدأ،
وصدى رجاءٍ يتردّد في أروقة العمر، بين سكون القلب وجناح الأمل.

رحلتم... لكن الفصولَ لا تزال تهمسُ بأسمائكم،
وتخبّئ في طيّاتها عبيرَ ذكراكم، وكأنها أقسمت ألّا تنساكم.
وفي فصول عمري ظلّ وجدٍ لا يذبل، ووهجُ ذكرى لا يخبو،
كأنّ الأيام تخبّئكم في طيّاتها، وكأنّ الزمان يأبى أن يُسدلَ عليكم ستارَ النسيان.

يا مهجة القلب، رِفقًا بعاشقٍ ما عادت تُطرَق أبوابُ فرحِه،
ولا بقي له من البهجة إلا ظلّها، ومن السرور إلا شبحه،
فقد عانقه الأنين، وصادقه الحنين، وتوسّد الشوقَ في ليالي السهاد والأنين.

كتبتُ الحزنَ على صفحات الصمت،
وأوقدتُ لواعج القلب في أتونِ الانتظار،
وسهرتُ على لهفتي، حتى سهر الليلُ معي، وباح لي بالأسرار.

غريبًا أمشي في دروب الشوق، أفتّش عن ظلّكم بين زوايا الطريق،
أسأل عنكم العابرين، والعاشقين، وحتى الأرصفةَ والرياحين،
وإن مرّت نسائمكم عليّ، تنفّس الليلُ عبيرًا،
واهتزّ القلبُ فرحًا، كأنّ أرواحكم لامست وجداني،
فأزهرت في داخلي مواسمُ اللقاء من جديد.

أُطيل البوح في صمت القصائد، وأرسمكم بين الأوراق،
كأنّ الحروف لا تنطق إلا بكم، والمعاني لا تُولد إلا من أرواحكم،
فأنتم في دمي نبضُ حياة، وفي قلبي حنينٌ لا يُطفأ،
وفي وجداني سكنٌ لا يزول، أنتم الحكاية، أنتم المبتدأ والختام.



وهكذا هي الأرواحُ إذا تعلّقت، لا يقطعها غياب، ولا يُنسيها مآب،
فالشوقُ إذا سكن القلب، أقام، وإن طال السفر، ما غاب،
والمحبّةُ الصادقة، لا يُطفئها فِراق، ولا يُبليها احتراق،
فمن سكن الوجدان، لا يُزاح، ومن عاش في القلب، لا يُنسى،
مهما جار الزمان، واشتدّت الرّياح.

فاحفظوا من تُحبّون في دعائكم،
فالأرواح تلتقي وإن باعدت بينها المسافات،
والذكرى الطيبةُ زادُ القلوب، إن غابت الوجوه وانقطعت الأصوات.

فما كل وداعٍ يُمحى،
وما كل غيابٍ يُنسى،
ومن نقش اسمه في القلب،
ظلّ حيًّا فيه... ولو فارق الحياة

مُهاجر 09-13-2025 06:15 PM

رد: مُهاجر
 
على أرفف الحياة...
تتراصّ عوالمُ التجارب، وتُصفّ عِبَرُ الأيام، تلك التي وُسِمَت بختم الإنجاز تارة، وتارةً أخرى بختم الخذلان،
تجاربُ ذاقها القلب، وسطرها القلم، فما بين فرحٍ يُطوّق الروح، وحزنٍ يوشّح الملامح، تمضي الحياة في خطاها، لا تبالي بمن تعب أو استراح.

وفي طريق الحياة، مسيرٌ مَديد من الابتلاء،
تُظلّله المقافر، وتُرهبه المخاوف، وتعترضه العثرات، وتُنازع السائرين عليه الخطوب،
كم لها من صولاتٍ وجولات!
لطالما فتكت بالمارّين، وأسقطت من ظنّوا أنهم ناجون،
ولا منجاة منها إلا بزادِ التقوى،
به تُضمد الجراح، وتُداوى العِلَل، وتُستسقى به سُحُب الأمل.

فكم نحن في حاجةٍ إلى ذاك القارب،
قارب النجاة الذي نشقّ به لججَ الفتن، ونحمل فيه زادَ التقوى،
فلا منجاة في بحر الفتن، ولا مرفأ في لجّ الضياع، إلا بذلك.

مُهاجر 09-13-2025 10:22 PM

رد: مُهاجر
 
وفي هذه الحياة، وُجدتَ وأنت تبحث عن أصلك، وتُدرك مآلك.
وعقارب الساعة تمضي بلا توقّف، لا تلوي على أحد،
فلا تكترث إن كبَت بك القدم، أو لفحك الألم، أو غاب عنك من كان أقرب من الروح للروح.

تُحدّق في وجوه العابرين،
وفي داخلك ألف صرخة تخنقها الحيرة، وتطلقها في وجه اليقين،
غير أن صداها لا يتعدّى جدار الصمت الدفين...
فتمضي وحدك، سائرًا في طريقٍ طويل، لا يقطعه معك أحد سواك.

أيها الإنسان...
ما تملكه يفوق العدّ، ويُثقِل كفّة الميزان،
لكنّه، في غياب الوعي، أشبه بالسراب في قلب الظمآن.
تبني اليوم، لتهدم غدًا،
وتلهث خلف وهمٍ، ما يلبث أن يتوارى خلف دخان.
وهكذا تمضي الأيام، مسارح للأحلام، ومصارع للأوهام،
لا يدوم فيها شيء... سوى أثر الإنسان.

تُحب وتُخذل، تُعطي وتُنسى،
تُحسن وتُساء، وتظلّ تتأرجح بين عطائك وخذلانك،
وبين هذا وذاك، يتسلّل إلى ذهنك سؤال:
لماذا وُجدتُ؟

ففي دوّامة الحياة، ركضٌ لا ينتهي،
نعيش بين متناقضين لا يطغى أحدهما على الآخر،
وفي توازنهما... يكمن سرّ الحياة.

وكم يعصف في سمعي سؤال،
وفي أعماقي يقينُ الجواب،
لا يزال ذلك الهمس يرنّ في أُذني صداه،
وجميع ذرّاتي تُردّد رجع صداه.

فلم أُخلَق في هذه الحياة عبثًا،
ولن أُترك سُدًى،
ومآلُنا، مهما طال المسير، إلى ربّ العباد.

مُهاجر 09-15-2025 04:48 PM

رد: مُهاجر
 
في زوايا القلبِ لوعة، وعلى جدران الذاكرةِ صورة، بين الحنينِ والأنينِ مسافة، يختلط فيها البقاءُ بالغياب، ويشتدُّ فيها وقعُ اللقاء والفراق...

لا تزال الذاكرة تختزل ساعة اللقاء والرحيل، وكأنها في لحظةٍ واحدة، لا يفصل بينهما مراحل الزمن، كحلم نائم.

في تفاصيلها...
حكاية كفاح...
وحكاية تضحيات...
وحكاية صبر على الملمات...

نرد بضعة نصوصها في بضع وريقات، نختصر فيها رحلة البحث، إلى الوصول للهدف،
للمكوث في موطنه، إلى الرحيل عنه إلى عالم آخر تختلف أوقاته وأماكنه.

ولا يبقى ويتبقى غير الاشتياق والحنين لمواطن أينع فيها الغرس، والحسرة على التفريط
فيها في يوم ما.

ويبقى الحاضر...
جابر كسر النادم،
ومنازل الأمل الباسم.

وتبقى القلوب على العهد،
تُهدهدها الذكريات، وتؤنسها الدعوات،
فما مضى لا يُنسى، وما سيأتي لا يُخشى،
ما دام في الأرواح صبرٌ، وفي الأملِ نفسٌ يتردّد...

مُهاجر 09-17-2025 07:11 AM

رد: مُهاجر
 
في أحضان التيه، تتكئ على جذعٍ هشٍّ في جوفه، صلبٍ في ظاهره،
والدابّة تأكل منسأةَ الواهم، الذي يضرب الأرض وهو يظنّ في نفسه أنه الأوحد!

هي زهوة النفس التي ألبسها العصمة، ودمغ عليها أنها المصانة التي لا تُمس،
ومن ذلك... تجد تلك "الممسوخة" تعتلي المنابر، وتُكرَّم من كل ساقط!

خواء فكر، وخَواء روح،
والناجح تناله القروح،
موؤودٌ عمله، منبوذٌ وجوده،
وما ذنبه غير أنه لا يملك ذلك الجين الذي يتصل نسبه بصاحب الذات المصون!

لوثة فكرية أبادت ما تبقّى من معنى الثقافة!


---

...فيا من وهبوا الجهل أجنحة،
ومنحوا التافهين أوسمة،
وزيّنوا الزيف تاجًا، ونصّبوا الأجوف إمامًا:

أما آن للحق أن يُستَرد؟
أما آن للعقل أن يُحتَشد؟
أما آن للكرسيّ أن يهتزّ تحت سُكون المتكئين عليه؟

فالعقول لا تُقاس بالألقاب،
والقيم لا تُمنَح بالألق،
والمجد لا يُشترى من سوق الأضواء،
بل يُنتزع من صخر العمل،
ويُكتب بمِداد الفكرة،
ويُحمل على أكتاف الصادقين، وإن خذلتهم المنابر!

مُهاجر 09-17-2025 02:40 PM

رد: مُهاجر
 
ما للعاشقين غير التنهدات والتوسلات،
تسري في دياجير الأمل، ليشقَّ صدرَ السكون أنينُهم وسُهادُهم،
وترسل نسائمُ الحنين إلى خزائن الأشواق.
تلاقت قلوبُهم على ربوة الصفا،
تشتمُّ أزاهيرَ الوئام أنفاسُها،
مضمّخةٌ مشاعرُهم بالرجاء،
تتعالى الآهاتُ لتصلَ آفاقَ السماء.

ما أجملَ الحبَّ عندما يكون على ضوء النهار سَنَاه،
يباركُ نبضَه ربُّ السماء.

من ظلمةِ الخوف ينتقل نورُه، ليُعلَن عنه على رؤوس الأنام.
ذاكَ مبلغُ أهدافِه إذا سارت الأمورُ على بركةِ الرحمن.

ومن نالَه حبُّ إنسان، غير أنه وجد الاستحالةَ في بلوغِ مرماه،
قطع دابرَ أولِ رُسُل وطلائعِ الحبِّ الأربعة.
عنَيْتُ بذاكَ: "الخاطرة"، التي تراود العقلَ والقلبَ وما حواه،
خشيةَ أن يستوطنَ القلبَ حبُّ ذلكَ الإنسان،
ليكون الجريُ خلفَ سرابٍ نصيبَ مسعاه،
ويخلِّفَ من ذاكَ حزنًا وهلاكًا.

بذلكَ الأمرِ يكون للعقلِ كلمتُه.

مُهاجر 09-17-2025 02:42 PM

رد: مُهاجر
 
ما للقلوب إذا استوطنتها الذكرى، إلا الدمعاتُ الحرى،
وما للهوى إن سكن الأرواح، إلا الآهاتُ الممزوجةُ بالصبرِ والأسى.
يسير الحنين في مرافئ الغياب،
ويهمس في أروقة القلب، فيوقظ ما مات، ويحيي ما فات،
تتراقص الظلالُ على جدران الذاكرة،
وينبعث الأمل من بين أنقاض الخيبة، ليعانق أطياف الرجاء.

يا ويحَ من سافر في دروب الوله، بلا زاد،
تعبُ الرحيل يأكله، وظمأُ المشاعر يفنيه،
كأنّه العاشقُ الوحيد في كونٍ لا يسمع له أنينًا،
ولا يردّ له صدى.

جميلٌ هو الحب إن وُلد في النور،
وترعرع على أكتاف الصدق، وتفيّأ ظلّ الرضا،
يُباركه دعاءُ الأم، وتغسله دموعُ الخشوع،
فلا خوفَ فيه، ولا خديعة، ولا لهاثَ خلف سرابٍ؛
لمْ يكذِبِ يومًا، لكننا مَن حَسِبناهُ ماءْ.

لكن... ما أقسى أن يحبَّ المرءُ من لا يبصره،
وأن يزرعَ قلبه في أرضٍ لا تُنبت،
فتذبلَ أمانيه، وتنكسرَ خواطرُه،
ويغدو رجاؤه رجعَ صدى، لا جوابَ له، ولا صدى لهفةٍ يواسيه.

ذاك مبدأ الحكاية، ونهايةُ حلمٍ كان في الخاطرِ أملًا،
ثم صار وهمًا يُكابدُه العقل، ويُكذّبه القلب،
فلا بدّ إذًا أن يتقدّم العقل، ليقول كلمته،
ويضع حدًّا لقصةٍ ما وُلدت لتُكتب، ولا نضجت لتُروى.

مُهاجر 10-09-2025 09:48 PM

رد: مُهاجر
 
رُبَّ بُعْدٍ يُنقذُ قلبًا من أَسْرِ التعلُّقِ، ويُريهِ أنَّ الهوى سحابةٌ تَمْضِي!
فيُدرِكُ أنَّ الدمعَ زادٌ يُثقلُ الجفنَ، والحُرقةَ تُطفئُ نارَ الهوى فَتُمْحَى!

لِغِيابِ الحبيبِ لُغةٌ لا تُفهَمُ إلّا بزمنٍ، يُعلِّمُ: "ما كلُّ قربٍ يُقرِّبُ..
ولا كلُّ بُعدٍ يُوحشُ! فالصمتُ أحيانًا حِكمةٌ، والهجرُ إجاباتٌ لمن يسأل ويُحْوِجُ"!

الرِحلانُ يُنقِّي الأرواحَ كالمَطَرِ، يُعيدُ ترتيبَ المشاعرِ في الخافيا!
فلا تحزنْ لفراقٍ قسّاكَ.. فالغُربةُ تُنبتُ وردًا، وبعضُ القلوبِ إذا ابتعدتْ تَهْدِيـا!

الخيرُ في البُعْدِ ليس هروبًا.. بل هو فسحةٌ لترى:
هل كان حُبًّا.. أم وهْمًا تزيَّنَ باللقيا؟


الساعة الآن 06:39 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team