![]() |
اقتباس:
إنه والله لأطيب زاد أستغفرك ربي في كل حين بارك الله فيك.. جزيل الشكر والامتنان على جهدك وجعله ربي مباركاً وفي ميزان حسناتك اللهم آمين .... ناريمان |
بِِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ عنوان الزاد ( صفاء القلب ) إن هذا الرواية المنقولة عن الإمام الصادق ( عليهِ السلام ) تستحق أن تكتب بالنور .. ( إن القلب إذا صفا ، ضاقت به الأرض حتى يسمو ) . أولاً : ما معنى القلب إذا صفا ؟.. إن القلب مجمع لأمور ثلاثة : 1 - العقائد : القلب مستقر العقيدة ، فهي لا ترى .. بخلاف الصوم والحج والصلاة ، فالإنسان في الحج يضع ثوبي الإحرام على بدنه ، ويطوف ويسعى ويصلي .. إذن ، أعمال الأبدان واضحة ، أما أعمال القلوب فهي غير واضحة .. فالذي يكون كافرا ثم يصير مؤمنا بالله - عز وجل - عندما يدخل الإيمان قلبه الباطني ؛ عندئذ يصلي ويصوم .. هذا الإيمان أين دخل ، في أي زاوية من وجوده ، نحن لا نعلم أين ذلك القلب ؟!.. 2 - المشاعر : أي الحب والبغض ، والفرح والحزن ، وغير ذلك من المشاعر ، هذه مكانها القلب .. فالذي يحب ، يحب بقلبه ، والإنسان بإمكانه أن يتظاهر بالحب ، وقلبه لا يحب .. والذي يبغض ، يبغض بقلبه .. وكذلك يفرح ويحزن بقلبه . 3 - الخيالات والأوهام : لا هي عقائد ؛ لأنها أوهام وخيالات تمر على الذهن مرورا ، ولا هو حب وبغض .. الإنسان قبل النوم تهجم عليه الأفكار ، لذلك البعض يتناول الحبوب المنومةر، لأنه لا يتحمل شوارد الخواطر المزعجة . إذن القلب فيه : عقائد ، ومشاعر ، وأوهام وخيالات .. إذا صفا ؛ أي صفا من الشوائب في هذه المجالات الثلاث . العقائد : العقيدة عقيدة حقة ، ولا نعني بالعقيدة الحقة إلا الإيمان بالله عز وجل .. ومن عدله بعث الأنبياء ( عليهم السلام )، والنبي إذا ذهب عن الأمة ، لا بد له من وصي .. فموسى ( عليه ِ السلام ) غاب عن قومه أربعين ليلة ، فاستخلف أخاه هارون عليهم ، { وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ } . المشاعر : أن لا يجعل الإنسان في قلبه حبا ، غير حب الله - عز وجل - .. يقول الإمام الصادق ( عليه ِ السلام ) ( القلب حرم الله، فلا تسكن حرم الله غير الله ) .. قد يقول قائل : ولكن نحن مأمورون بحب الأولاد .. إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قبل حسينا وضمه إليه ، وجعل يشمه ، وعنده رجل من الأنصار ، فقال الأنصاري : إن لي ابنا قد بلغ ما قبلته قط !.. فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( أرأيت إن كان الله قد نزع الرحمة من قلبك ، فما ذنبي ) ؟!.. فإذن ، كيف نجمع بين حب الأولاد ، وحب الزوجة ، وحب الله عز وجل ؟.. الجواب : هذا يسمى بالحب الطولي ، لا بالحب العرضي .. أي نحن نحب الأولاد ؛ لأن الله - عز وجل - أمرنا بحبهم .. والدليل على ذلك : أننا نربي الولد ، ونعطيه كل اهتمامنا ، وإذا بلغ أشده وأصبح في مرحلة النضج ، وانحرف عن طاعة الله - عز وجل - نطرده .. نوح ( عليه َالسلام ) عندما رأى ولده يغرق ؛ تركه { يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } .. وبالتالي ، فإن هذا الحب حب طولي ، مادام الولد على طريق الاستقامة نحبه .. وهذا الحب حب مقدس !.. ثانياً : لماذا تضيق الأرض بالإنسان ؟.. إن هناك طائفتين يعيشون في ضيق ، هما : الطائفة الأولى : إنسان يعيش في وطنه ، ولكنه يعاني من عدة أمور ، منها : الديون الكثيرة ، والزوجة المشاكسة ، والأولاد المتمردون .. فهذا يضيق به البلد ، ولهذا إذا وجد مجالا ، فإنه يذهب إلى بلد آخر . الطائفة الثانية : إنسان وضعه جيد في وطنه ، ولكنه في الصيف ذهب إلى دولة أخرى ، فرأى طبيعة أجمل ، وزوجة أجمل ، ووظيفة أفضل .. أيضا هذا تضيق به الأرض ، ويتمنى ساعة الذهاب إلى تلك الدولة . فإذن ، إن الناس في الدنيا على قسمين : قسم تضيق بهم الأرض بما هم فيه من مشاكل .. وقسم من المؤمنين استذوق حلاوة العالم الآخر ، هذا الإنسان لماذا يتمنى الموت ؟.. وهل يتمنى البقاء على هذه الأرض؟.. إن المؤمن تضيق به الأرض ، ليس من باب المشاكل ، وليس من باب المرض النفسي ؛ بل لأنه يرى أن ما بعد الموت أفضل وأجمل !.. ثالثاً : ما معنى سمو الروح ؟.. إن القلب إذا صفا سما ، فما هذا السمو الآخر في نهاية الرواية : ( حتى يسمو ) ؟.. السمو هنا ؛ أي أن يصل الإنسان إلى درجة القلب السليم .. والقلب السليم بالمعنى الدقيق : هو ذلك القلب الذي يلقى الله - عز وجل - وليس فيه أحد سواه .. فالإنسان الذي لا يرى في الوجود مؤثراً إلا هو ؛ لا بد أن تكون عيشته من أرقى صور المعيشة في الوجود !.. وكل قلب فيه شرك أو شك ؛ فهو ساقط .. وهذا معنى لا إله إلا الله ؛ أي لا مؤثر في الوجود إلا الله عز وجل . 23 10 2010 |
بِِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ عنوان الزاد ( من حالات الحزن ) من الظواهر التي تنتاب المؤمنين من وقت لآخر ، وحتى غير المؤمنين ، ظاهرة الحزن الذي لا وجه له .. فالإنسان أحيانا يعيش حالة من حالات الضيق والاكتئاب والقلق ، وهو يعلم سبب ذلك ، وأحيانا لا يعلم له منشأ واضحا .. فلندرس الحالة على ضوء الفرضيتين : الفرضية الأولى : إذا علم له منشأ ، فليعالج الحزن بإذهاب منشئه ، كما يقال : ( إذا عرف السبب ، بطل العجب ) نحن بعض الأوقات نبقي المنشأ ، ونعالج المعلول ، فلا نرفع العلة من جذورها .. من أهم مناشئ الحزن ، إدخال الحزن على الغير .. وخاصة إذا كان مؤمنا ، وذا رحم ، وقريبا ، وذا حق على الإنسان .. بعض الأوقات إدخال الحزن لا يكون حراما ، مثلا : رجل يقول لزوجته : أريد أن أتزوج امرأة أخرى .. هذا ليس حراما ، ولكن لماذا يدخل عليها الحزن دون سبب ؟.. وهنا من الممكن أن يدخل رب العالمين الحزن عليه كعقوبة دنيوية ، بسبب هذا الحزن الذي دخل قلبها . نحن إذا دخل علينا الحزن ، نذهب إلى الأماكن المسلية .. والحال بأن العلة موجودة ، ويجب علاج العلة من جذورها ، وذلك من خلال عمل جرد شامل لكل من يحيط بنا ، وكل من أدخلنا عليه الحزن ؛ نرفع عنه هذا الحزن .. فمن أفضل القربات إلى الله - عز وجل - إزالة الهم والغم من قلوب المؤمنين . الفرضية الثانية : إنسان في قمة السعادة ، ولعله في ليلة زفافه ، أو في سفر مريح ، ولا يجد أنه كسر قلبا ، إنسان مؤمن لا يتكلم كلمة غير مدروسة ، ومع هذا يجد ضيقا في نفسه { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء } لعل مقصود الآية : أن طبقات الجو العليا ، يخف فيها الأوكسجين ، ولهذا كلما ارتفع الإنسان إلى الجبال الشاهقة ، يضيق صدره ؛ لأن الأوكسجين قليل .. بعض الأوقات الإنسان كأنما يصعد في السماء ، وفي تعبير قرآني آخر : { وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ } الذي يعيش الضيق ، يرى ضيقا في حنجرته ، وفي صدره .. فالقصبات الهوائية تضيق في الأحزان ، حتى الأوكسجين الموجود لا يدخل بالكميات الكافية .. فإذن قد يعيش حالة من الحزن الذي لا سبب له . إن الله - عز وجل - يبتلي المؤمن ببلاءات : إما كفارة للسيئات ، وإن لم يكن له سيئات ، فرفع للدرجات .. ومن هذه البلاءات الحزن المفاجئ .. إن من البلية : الخدشة ، واللطمة ، والعثرة ، والنكبة ، والفقر ، وانقطاع الشسع ، وأشباه ذلك .. إن المؤمن أكرم على الله - تعالى - من أن يمر عليه أربعون يوما ، لا يمحص فيها من ذنوبه ، ولو بغم يصيبه لا يدري ما وجهه .. وإن أحدكم ليضع الدراهم بين يديه ، فيراها فيجدها ناقصة ؛ فيغتم بذلك .. فيجدها سواء؛ فيكون ذلك حطا لبعض ذنوبه .. هذه اللحظات من الهم والغم ؛ كفارة له .. لم يكن هناك سبب وجيه ، كان مجرد تخيل ، ولكن هذا التخيل أيضا رفعه وقربه إلى الله عز وجل .. ولهذا أمير المؤمنين علي ( عليهِ السلام ) عندما يصف المتقين ، يقول : ( قلوبهم محزونة ) فالذي يفرح ويمرح ويهرج ، هذا الإنسان بعيد عن أجواء الإيمان .. المؤمن له حزن خفيف ؛ لأنه لا يعلم موقعه من الله عز وجل ، ولا يعلم آخرته ، ولا يعلم برزخه ، ولا يعلم إلى أين أمره !.. وكذلك يحمل هموم المسلمين . الخلاصة : إذا كان هناك سبب معلوم للهم ، فإنه يعالج السبب .. وإن لم يكن له سبب معلوم ، فهذا لطف إلهي ؛ ومع ذلك احتياطا يستغفر الله عز وجل .. فالاستغفار والصلاة على النبي وآله بكليهما يطير إلى دار السرور . 24 10 2010 |
كالمعتاد .. زاد طيب .. وكلمات تفعم القلب بالسكينة بارك الله فيك أخي حميد من القلب تحية ... ناريمان |
اقتباس:
شكرا ً ًأختي ناريمان على المرور ِ الطيب جزاك ِ اللهُ سبحانهُ خيرا 24 10 2010 |
بِِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ عنوان الزاد ( مقدمات الأعمال ) إن الشارع المقدس ، يهيئ الإنسان لما يريد تدريجيا : ففي شهر رمضان ، جعل ليالي القدر في العشر الأخيرة ؛ لذا فهي خير الليالي .. في موسم الحج كذلك : الذهاب إلى المدينة عنصر مهيئ ، ثم عمرة التمتع ، وبعد ذلك حج التمتع .. الحج عرفة ، فلو كان الأمر أن ندخل المسجد الحرام ، فنطوف ، ونسعى ، وفي اليوم الثاني نذهب إلى عرفة ، ثم نبقى عشرة أيام في مكة .. لكان الحج باهتا ؛ لأن الإنسان بعد عرفة يسترخي . فإذن ، هناك تدريج ، حتى لا يفاجأ الإنسان بالكنز .. يوم عرفة هو الكنز ، وقبله مقدمات .. وليلة القدر هي الكنز ، وقبلها مقدمات .. والصلاة بين يدي الله - عز وجل - هي الكنز ، وقبلها أيضا مقدمات .. ولكن هذا الكنز ؛ كنز دائمي : حيث أن الحج يكون في العمر مرة واحدة ، وصوم شهر رمضان في السنة مرة واحدة ، أما الصلوات فهي يومية ، وفي اليوم خمس مرات .. لذا ، لابد أن نفهم سياسة الشارع بالنسبة إلى الصلاة . إن رب العالمين ، جعل محطات للإنسان قبل قراءة السورة .. فالإنسان يصفي نفسه بمصفاة التكرير ، مثل النفط الخام الذي يدخل خاما ويخرج بنزينا .. يصفى مرحلة مرحلة : المرحلة الأولى : الوضوء بآداب الوضوء .. هناك وضوء عادي ، قد يتوضأ الإنسان وهو يتكلم مع زيد وعمرو ، وقد ينظر للتلفاز .. هذا الوضوء صحيح ، ولكن الوضوء الشرعي أن يقرأ الإنسان المستحبات والآداب .. لأن هذه المناجاة في الوضوء ، تهيئ الإنسان للصلاة.. والمتوضئ قبل الصلاة ، أيضا يتوضأ مرة أخرى ؛ لأن ( الوضوء على الوضوء ، نور على نور ). المرحلة الثانية : الأذان والإقامة .. الأذان والإقامة سنتان من سنن الصلاة .. وبعد " قد قامت الصلاة " يجب عدم التكلم في شيء من أمور الدنيا .. وتشتد كراهة الكلام بعد قول المقيم : " قد قامت الصلاة " إلا فيما يتعلق بالصلاة . المرحلة الثالثة : التكبيرات الست الافتتاحية ، ثم تكبيرة الإحرام .. وبعد التكبيرات هناك أدعية تهيئ الإنسان للدخول في بحر الصلاة . المرحلة الرابعة : الاستعاذة بالله - عز وجل - قبل قراءة السورة : لأن الشيطان قد يدخل على الخط بعد التكبيرة مباشرة . الخلاصة : أن الله - عز وجل - في تشريع الصلاة ، أراد من الإنسان أن ينتقل إلى لب الصلاة بشكل تدريجي : من أول نظرة لماء الوضوء ، فيقرأ أدعية الوضوء .. ثم الأذان ، والإقامة .. ثم التكبير؛ قبل التكبير يفكر الإنسان قليلا ، يحاول أن يستجمع أفكاره ، ثم يكبر .. ثم الاستعاذة .. فحقيقة الصلاة الخاشعة تحتاج إلى تمهيد ، والمصلي ينبغي أن لا يدخل في نقاش مع أحد قبل الصلاة ؛ لأن ذلك يشغله أثناء الصلاة بين يدي الله عز وجل . كل هذه أجواء مهيئة ، وإلا فإن الأمر يحتاج إلى أمر آخر ، وهو التفاتة القلب .. فمن لم يسيطر على صلاته من تكبيرة الإحرام ؛ الشيطان يسرقه .. لذا عليه أن يحاول من تكبيرة الإحرام أن يكون مؤدبا بين يدي الله عز وجل ، وإلا إذا تزحلق فهو على جبل جليدي ، لا يلتفت إلا وهو يقول : السلام عليكم ، وهو في خمسين واد من وديان الدنيا . وبالتالي ، إذا أتقن المصلي التكبير في أول صلاته ، وذكّر نفسه بمقتضى هذا التكبير ، وبمعاني التكبير في كل خطوة من خطوات صلاته ، التي يكبر فيها .. يرجى أن يأتي بصلاة خاشعة ، يقبلها الله - عز وجل - بمنه وكرمه . 25 10 2010 |
بِِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ |
بِِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ |
قضاء حوائج المؤمنين 2 بالنسبة إلى قضاء حوائج المؤمنين لابد أن نلتفت إلى ثلاث نقاط : 28 |
بِِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ عنوان الزاد ( التوبة المقبولة) إن البعض منا عندما يقال له : إستغفر الله !.. يقول مرة واحدة ، وبلقلقة لسان : " أستغفر الله ربي وأتوب إليه " وإذا أراد أن يُكثّف استغفاره ؛ يستغفر مائة مرة .. ويظن أنه بذلك استغفر حقيقة !.. والحال أن معنى الاستغفار الذي يفسره لنا علي (عليهش السلام ) مختلف عما نفهمه نحن . قال (عليه ِ السلام ) : (اَلاِسْتِغْفَارُ دَرَجَةُ اَلْعِلِّيِّينَ ، وَهُوَ اِسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ : أَوَّلُهَا : اَلنَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى .. وَاَلثَّانِي : اَلْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ اَلْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً .. وَاَلثَّالِثُ : أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى اَلْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ ؛ حَتَّى تَلْقَى اَللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَمْلَسَ ، لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ .. وَاَلرَّابِعُ : أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا ؛ فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَ ا.. وَاَلْخَامِسُ : أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اَللَّحْمِ اَلَّذِي نَبَتَ عَلَى اَلسُّحْتِ ؛ فَتُذِيبَهُ بِالْأَحْزَانِ حَتَّى تُلْصِقَ اَلْجِلْدَ بِالْعَظْمِ ، وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ .. وَاَلسَّادِسُ : أَنْ تُذِيقَ اَلْجِسْمَ أَلَمَ اَلطَّاعَةِ ؛ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاَوَةَ اَلْمَعْصِيَةِ .. فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقُولُ : أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ) . اَلاِسْتِغْفَارُ دَرَجَةُ اَلْعِلِّيِّينَ .. أي أن الإنسان المستغفر حقيقة واصل لدرجة عالية ؛ لأنه : عرف ربه أولاً ، واستحى منه ثانياً ، وعرف ضعفه ثالثاً .. أدرك هذه المعادلة الكبيرة ، ومن هنا يستغفر ربه بكل تفاعل .. يونس (عليه ِ السلام ) هذا النبي العظيم ، من الممكن أنه قال الذكر اليونسي مرة واحدة ، القرآن الكريم لم يقل : فنادى عشرات المرات ، أو مئات المرات .. بل قال : { فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }؛ كلمة { فَنَادَى} تتحقق بمرة واحدة .. حيث وصف الذات بأعلى الأوصاف ، فقال : { لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ} ؛ أي لا مؤثر في الوجود إلا أنت .. ثم نزهه من كل تقصير ، فقال : { سُبْحَانَكَ}؛ أي يا رب، أنت المنزّه، وما وقعت به فهو من فعلي أنا.. ثم جعل نفسه هو الظالم وهو المقصّر، فقال: {إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}؛ أي أنا ظلمت نفسي.. هذه هي أركان الإنابة إلى الله عز وجل.. ثم يفصل الإمام ( عليه ِ السلام ) في معنى التوبة : أولاً : الندم .. إذا أحسّ الإنسان بحالة الندامة الباطنية؛ يكون قد عاد إلى ربه.. لأن العودة إلى رب العالمين عودة قلبية، لا عودة مادية.. فالقلب إذا لم يندم: فلا رجوع، ولا إنابة، ولا توبة في البين.. ومن هنا الفقهاء في الرسالة العملية، يقولون: لو ارتكب الإنسان ذنبا، ثم ندم ولم يتلفظ بالاستغفار؛ هذا الإنسان تائب.. نعم، يستحب له أن يتلفظ بألفاظ التوبة، وإلا بندامته فهو تائب.. كالمصلي الذي ينوي أن يصلي بين يدي الله عز وجل، يكبّر ويقف للصلاة؛ فإنه يعد مصليا، رغم أنه لم يتلفظ بشيء. ثانياً : عدم العود.. هناك فرق بين الندم الذي معه عزم، وبين الندم العابر.. العصاة عادة يندمون على ما هم فيه؛ أي يعيشون حالة الأسى والأسف.. ولكن المشكلة في سرعة الرجوع إلى ما كانوا عليه؛ أي هناك ندم، ولكن ليس هناك عزم على عدم العود.. علي (عليه ش السلام ) يقول: من شروط الاستغفار؛ العزم على العود.. لا يعزم على الترك في شهر رمضان؛ احتراماً للشهر الكريم.. بل يجب ترك الذنب مطلقا، والعزم على عدم العود إليه أبدا. ثالثاً: تأدية حقوق المخلوقين.. الإنسان الذي يستغفر من السرقة، وأموال الناس في جيبه، أو في حسابه؛ هذا إنسان مستهزئ بالاستغفار.. فالقلب الذي يريد أن يلقى الله -عز وجل- بنقاء تام، وبسلامة تامة؛ لابد أن يكون مثل الحجر الأملس الذي لا غبار عليه؛ ليس عليه تبعة. رابعاً: تأدية حقوق الخالق.. الإنسان الذي في ذمته: صلاة، أو صوم، أو حج، أو خمس، أو...الخ؛ عليه أن يقضي تلك الحقوق.. البعض يكون في أواخر عمره، ولا زال عليه قضاء صلوات.. ستون سنة، وهو لم يؤد حقوق الله عز وجل؛ فضلا عن حقوق المخلوقين. خامساً: إذابة اللحم الذي نشأ من السحت.. وذلك من خلال الصيام والأحزان، ثم ينشأ لحم جديد من مال حلال. سادساً: إذاقة الجسم ألم الطاعة.. الإنسان عندما أذنب استمتع بالمعاصي.. فالمعاصي فيها متعة، وفيها لذة؛ وإلا الشيطان لما أغرانا بذلك {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}.. طبيعة الحرام فيه جاذبية: من مأكوله، ومشروبه، و...الخ؛ كل هذه المحرمات فيها جاذبية.. هو تلذذ بالحرام في فترة من حياته، والآن: تاب، وندم، وعزم، وأدى الحق الذي عليه.. وكذلك يجب أن يذيق الجسم ألم الطاعة، كما أذاقه حلاوة المعصية.. فعند ذلك يقول: استغفر الله. إن الإنسان الذي وصل إلى ملكوت الواجب والمستحب؛ يتلذذ بأداء التكليف.. عندما يذهب إلى الحج، ويعاني ما يعاني في طريق الحج؛ يتلذذ في هذه الصعوبات، كما يقال: لذة الخطاب أذهبت العناء.. أي أن الإنسان الذي يخاطب بالتكليف، هذا تشريف إلهي بالنسبة له.. ولكن إنسانا حديث عهد بالمعاصي والذنوب، من الطبيعي أنه في أول الطريق إلى الله عز وجل، يعيش ألم الطاعة.. الطاعات لا تناسب مزاجه إلا تكلفا، يقوم لصلاة الليل متناعسا، ومتثاقلا.. ولكن بعد فترة لو فاتته نافلة الليل في ليلة من الليالي، لمرض أو لنعاس؛ يكون في النهار في حالة يرثى لها؛ لأنه لم يقف بين يدي الله عز وجل. الخلاصة : أن العبد يصل في مراحل التكامل إلى درجة، لو خير بين المتعة المادية والمتعة المعنوية؛ فإنه يقدم المعنى على المادة، على أنها متعة زائدة، وليس من باب التقرب.. مثلا: يستحب للإنسان في ليلة الزفاف أن يصلي لله -عز وجل- ركعتين.. البعض يعيش الأنس في هاتين الركعتين، أكثر مما يعيشه من بعض اللذائذ الحسية.. 29 10 2010 |
الساعة الآن 05:04 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.