رُبَّ حُسْنٍ راعَنا ثم اسْتَوى=غَدَقاً نَنْهَلُ منه ما نَشاءْ! وإذا الحُسْنُ بدا مُقْتَرِساً=فَسَيحْني رَاْسَهُ للشُّرفاءْ! ذلك الحُسْنُ الذي يَرْنوا إلى=نَجْدةِ الفَنِّ.. حُنُوَاً.. وعطاءْ..! وهو يَحْبوه. وَيدْرِي أَنَّه=سوف يَجْزِيهِ خلوداً وإعلاء! أيُّها الحُسْنُ لقد أَثْملَتْني=من يَفاعي. فأنا العاني الأَسيرْ! وأنا الضَّارعُ. إن كرَّمْتَني=ما أُبالِي كيف ما كانَ المَصِيرْ! فإذا ما رُمْتَني مُسْتَعْبَداً..=عُفْتُ مَغْناكَ. وآثَرْتُ المَسِيرْ! فأنا المُعْطِيكَ حُسْناً وسَناً=وأنا الكاسيكَ تِبْراً وحَريرْ! سوف يَبْكي الحُسْنُ. لو طال المَدَى=وسيَبْقى الفَنُّ يَلْهو بالسِّنينْ! يَتَحدَّاها .. فما تَلْوي به=فهو في حُصْنٍ مِن الدَّهْرِ حَصِينْ! وهو يَحْمي الحُسْنَ في ذُرْوَتِهِ=حينما يَهْوي إلى السَّفْح الحَزينْ! كانَ يَحْبوهُ فما ضَيَّعَهُ..=بل حَباهُ الخُلْدَ في السِّفْرِ الأَمِينْ! فإذا بالنَّاسِ لا يَنْسُونَه=حينما كان شِعاعاً ونَدى! كيف يَنْسَوْنَ الذي كان شّذىً=والذي كانَ عفافاً وهًدى؟! فهو كالبلسم يَشفِي مُهَجاً=شّفَّها البُؤْسُ. فكان الرَّغَدا! واسْتَوى ما بَيْنَهم يُرْضى الهوى=راشداً عَذْباً فما أَحْلى الصَّدى! ولقد جَرَّبْتُ من أَطْهارِهِ=ولقد جَرَّبْتُ من أَقْذارِهِ! فّذا الحُسْنُ وَضِيءٌ في الذُّرى=تَسْتَشِفُّ الرُّوحُ من أَسْرارهِ! ليس يَطْوِي قَلْبَه إلاَّ على=عِفَّةٍ تُقْصيهِ عن أّوْزارِهِ! فهو لا يَخْشى الورى أَنْ يَهْتِكوا=بِشَتِيتِ القَوْلِ عن أَسْتارهِ! ما الذي يَخْشاهُ مِمَا اخْتَلَقوا=وهو حُسْنٌ زانَه عَذْبُ الرُّواءْ؟! يَزْدَهي بالطُّهْرِ لا يَخْدِشُهُ=بَصَرٌ عَفٌ. شَغُوفٌ بالنَّقاءْ! شّدَّ ما أَلْهَمني حُلْوَ الرُّؤى=فَتَغَنَّيْتُ بما يَرْوي الظِّماءْ! وتَطَلَّعْتُ فأَفْضَيْتُ إلى=كَنَفٍ عالٍ بأَجْوازِ الفَضاءْ! حاورَتْني فيه أَمْلاكٌ سَمَتْ=وتَلاقَيْنَا.. فَنَحْنُ الخُلَصاءْ! ههُنا الشِّعْرُ عَرِيقٌ سَيِّدٌ=وهنا الفِتْنَةُ جَنْبَ الشُّعراءْ! فِتْنَةٌ تَهْدي. وشِعْرٌ رائِعٌ=بِمَعانيهِ. تَجِيٌّ للسَّماءْ! يا لها من أُلْفَةٍ مَحْبُورَةٍ..=ليس فيها غَيْرُ مَنْحٍ وعَطاءْ! عِشْتُ لا أَمْلِكُ إلاَّ قَلَماً=ذَا مِدادٍ من دمٍ مُحْتَدِمِ! وسَطَوراً سُطِّرَتْ مِن أَلَمِ=يَدْفَعُ الرُّوحَ لأَعْلا القِمَم! وشُوراً لم يَزلْ مَضْطَرِماً=مِن يَفاعي.. راضِياً بالضَّرَمِ! ولقد أَزْهُوا بِفِكْرٍ شامِخٍ=مُسْتَنِيرٍ.. كاشِفٍ لِلظُّلَمِ! حِينَما يَزْهُو الورى إلاَّ الأُلى=عَشِقوا المَجْد بِطرْسٍ ويَراعْ! فَهمُوا الصَّفْوَةُ لا تَرضى سِوى=بِمَتاعٍ ليس يُشَرى ويُباعْ! فهو مَجْدٌ وحُطامٌ خالِدٌ=ليس يُغْنِيهِ ولا يُبْلى الضَّياعْ! وأرى الدُّنْيا بِعَيْنَيْ شاعِرٍ=من سباعٍ ضارِياتٍ.. وضِباعْ! لَسْتُ من هذَيْنِ. لكِنْ طامِعٌ=أَنْ أَرى في الحَلَكِ الرَّاجي شُعاعْ! فَيُريني الدَّرْبَ سَمْتاً لاحِباً=أَستَوى فيه مع الحقِّ. الشُّجاعْ! أنا لا أَطْمَعُ إلاَّ في العُلاَ=لم يَشُبْها مِن هَوى النَّفْسِ اتِّضاع! فأنا المُسْفِرُ لا يَحْجُبَني=كأُولي السُّوءِ. عن العَيْنِ قِناعْ! إٍيهِ. يا تَوْأَمَ رُوحي إنَّني=في سِبيلِ الحَقِّ لا أَخْشى الصِّراعْ! أَلهميني. إنّّ إلْهامَكِ لي=هو زّادِي. وهو لي نِعْمَ المتاعْ! أَنْتِ رَوْضٌ وأنا الغَيْمَةُ في=ذُرْوَةِ الجَوِّ.. حُنُوّاً. والْتِياعْ! نَوِّلِيني لأُجازِيكِ هَوىً..=لا يُدانيهِ هَوىً.. قبل الوداع |
ما أراني على البيان بقادرْ=بين أهل النُّهى وأهل المشاعرْ! أنا ما بيْنكم حمامة تغْشى=مَجْلساً يزدهي بِشُمِّ الغضافر! كيف يَشْدو بَيْن الصقور حمامٌ؟!=أَو يُغَنِّي مع النُّسور عصافِرْ؟! ولقد كنتُ من صبايَ شغوفاً=بالذّرى.. مِن مَواردٍ ومصادرْ! أقرأ الشِّعْرَ للبهاليلِ مِن مِصْرَ=حفيلاً بما يَسُرُّ الخواطرْ! ويُمِدُّ النُّهى بِنُورٍ فيطوي=بالذي ضَمَّهُ قتامَ الدَّياجرْ! يال روحي مِمَّا انْتَشَتْ وتغذَّتْ=منه بالعذْبِ من سَخيِّ المواطرْ! وسمعتُ الرٍّفاق حَوْلي يقولون=وقد فُوجِئوا بِغُرِّ الجواهرْ! إنَّ هذي الأَسفارَ تَحْفَل بالعلْم=وبالفَنِّ. والمعاني السَّواحِرْ! ما رأينا كَمِثْلِها.. فإِلى مِصْرَ=نَحُثُّ الخُطا.. ونَبْني المعابِرْ! وأقامُوا بِمِصْرَ حيِناً من الدَّهر=وعادوا منها بِأَغْلا الذَّخائرْ! فَنشُدُ الرِّحالَ.. لا يَخْذَلُ الأَيْنُ=خُطانا.. ولا تَروُعُ المخاطِرُ! في الدِّيارِ المُقدَّساتِ حَنِينٌ=لِلحجى والرُّؤى وحُلوِ المخاضِرْ! وظِباءٍ تَشًمُّ مِنْهنَّ نَفْحاً=مِن عَبير النُّهى. ومَجْدِ المآثِرْ! جَلَّ ربِّي فههُنا غَيْرُ هذا=تَتَجلَّى مَجامِعٌ ومَنابِرْ..! فالسِّياسيُّ واضِحٌ من مَجالِيه=فما دسَّ في الظّهورِ الخناجِرْ! غَيْرَ نَزْرٍ من الرِّجالِ=وما ثَمَّتَ رَبْعٌ إلاَّ وفيه الغوادرْ! فيه شَتَّى من الأزاهيرِ تَخْتالُ=فَتُشجي أبصارَنا والبصائِرْ! وثِمارٍ يَحْلو جَناها. فما نَقْطُفُ=مِنْها إلاَّ الشَّهِيَّ المُخامِرْ! يالَ هذا الحٍمى تَميَّز بالمجِدِ=بَنَتْه لُيوثُهُ والجآذِرْ! رَبَطَتْ بَيْتَنا الأَواصِرُ حتى=صَيَّرتْنا الأخْوانَ هذى الأواصِرْ! يا رِجالاً عَرَفْتُهمْ ونِساءً=تَيَّمَتْهُمْ مآثِرٌ ومَفاخِرْ! فَتَخيَّلْتُ أَنَّني في الذُّرى الشُّمِّ=تَكَلَّلْنَ بالنُّجومِ الزَّواهِرْ! فاعْذُروني إذا عَجَزْتُ عن القَوْلِ=فَأَنْتُم صروحه والمنائِرْ! ولقد يَعْجَزُ البليغُ عن القَوْلِ=وتَثْنيهِ عن مُناهُ الهواصْرْ! وإذا حَفَّتِ النَّسائِمُ بالرَّوْضِ=فهل يَرْتَضي بِحَرٌ الهواجِرْ؟! لتَمنَّيتُه فقال وهَيْهاتَ=فحاذِرْ من الجُدٌودِ العَواثِرْ! إنَّ بَعْضَ الأقْوالِ رِبْحٌ على النَّاسِ=وبَعْضٌ منها عليهم خَسائِرْ! ولَشَتَّانَ ما الصغائِرُ في الوَزْنِ=وإن كابَرَتْ كَمِثْلِ الكبائِرْ! فسلامٌ لكم كعَذْبِ سجاياكم=كحُلْوِ المُنى.. كطِيبِ السَّرائِرْ! وسلامٌ على الأَوائِلِ منكم=وسلامٌ على كريم الأواخِرْ |
ما أراني من بعد ما شِخْتُ إلاَّ=طَلَلاً بالِياً جَفَتْهُ العُيُونُ! كان رَوْضاً تَرْعى الحسانُ مَجالِيه=شّذِيّاً تَرِفُّ فيه الغُصُونُ! وأراني أشِيحُ عن رُؤُيَةِ الغِيدِ=وقد كانَ لي بِهنَّ جُنُونُ! يال حُزْني على الصِّبا ومغانيه=فقد أجْهَزَتْ عليه السِّنونُ! كانَ فينا الوَرِيقَ.. هل صَوَّحَ=الرَّوضُ. وقد عَطْعَطَتْ عليه الحُزُونُ؟! ولَئِنْ كانَ فهو ماضٍ وَضِيءٌ=فيه راياتُهُ. وفيه الحُصونُ! لا نطيق العُزُوفَ عنه ولو شاخَ=فإن العِقْدَ الثَّمِينَ. ثَمِينُ! لن يَهُونَ الكريم فينا.. ولن نَجْحَدَ=كَلاَّ. فهو السَّريُّ المَصُونُ! وتَنادَيْنَ فانْتَهَيْنَ إلى النَّجْوى=وفيها مِنِّي الهوى والشُّجُونُ! وإذا بي أرى ويا طيبَ مَرْآيَ=لِمَغْنىً تَرِفُّ فيه اللُّحونُ! من نَشِيدٍ ومن غُناءِ شَجِيٍّ=فأنا مِنْهم الغَوِيُّ الرَّصِينُ! أَيُهذا الفاني العَجوزُ تحامَقْتَ=فما أنْتَ بالغَرامِ قَمِينُ! لم تَعُدْ بالهِزَبْرِ. فالغاب أَهْوى=بعد كان َ عامراً.. والعَرينُ! هذه صَبْوةٌ تُرَدِّيكَ لِلْقاعِ=فأنت المُصَفَّدُ المسجونُ! ماجِنٌ أًنْتَ إنْ صَبَوتَ. وقد=يَسْخَرُ منكَ الهوى. ويَلْهُو المُجونُ! وَيْ كأَنِّي بين الأنامِ غَرِيبٌ=ليس لي بَيْنَهُمْ فْؤادٌ حَنونً! قلتُ للدَّهْرِ وهو يُسْرعُ في الخطو=تمادّيْتَ أيّهذا الطَّحُون راعَني ما لَقِيتُه من سِنيني=فكأَنَّ السِّنين! مِنْكَ قرونَ! وكأَنِّي مَجَلَّلٌ بالسَّمادِيرِ=يَقيني أجَلُّ منه الظُّنُونُ! قِيلَ عَنِّي أنٍّي بما كانَ=فَوَيْلي إذْنْ بما سَيَكُونُ! أيكُونُ الجُنونُ؟! كلاَّ فإِنِّي=عَبْشَمِيٌّ يَرْتاعُ منه الجُنُونُ؟! وبدا لي الصَّوابُ فانْصَعْتُ=إليه.. بعد الضَّلالِ المُبِينِ! كنْتُ في غَفْلةٍ نسِيتُ بها=الشَّيْبَ فأفْلَتُّ مِن عذابٍ مَهِينِ! كيف يَرْضَيْنَ بالثَّعالِبِ يَزْحَفْنَ=ويَنْأَيْنَ عن ليوثِ العَرِينٍ! رُبَّما جِئْتُهُنَّ يَوْماً فَقَهْقَهْنَ=وأرجعنني بِقَلْبٍ حَزِينِ! ولقد يَرْتَجي العجوز بمَجْدٍ=وحُطامٍ نَوال حُسْنٍ مَشِينِ! لَسْتُ هذا أنا. فإِنَّ شبابي=فاز بالحُسْنِ خاضِعاً. والحَنِينِ! لم أَكُنْ بالرهين يَوْماً فَعِنْدي=من سَراةِ الحِسان ألفُ رَهينِ! حَسَدُوني الرِّفاقُ.. حتى لقد كِدْتُ=غرُوراً.. أَقُولُ. أَيْنَ قَرِيني؟! آهِ من هذه الحياة فَكَمْ مَنَّتْ=وضّنَّتْ.. بِشَدْوِها والأَنِينِ! كم سقَتَنْي الأُجاج صَبَاحاً=فَتَجرَّعْتُه مَشُوباً بطين! ثُمَّ جاء المساءُ مِنها بما لم=أَتخَيَّلْهُ مِن زُلالٍ مَعِينِ! لَسْتُ وَحْدِي. وما أَلُومُ=فقد عِشْتُ سعيداً بِشَكّها واليَقِينِ |
أمَّا أنا. فقد انْتَهَيْتُ=وما أُؤَمِّلُ في الرُّجوعْ! فلقد سَئِمْتُ من النَّزُولِ=كما سَئِمْتُ من الطُّلوعْ! ولقد سَئِمْتُ من الظَّلامِ=كما سَئِمْتُ من السُّطُوعْ! حتى الحياة سَئِمْتُها=وسَئِمْتُ من حُلْوِ الرُّبُوعْ! الخَوْفُ من هَوْلِ المصِيرِ=يَدِبُّ ما بَيْنَ الضُّلُوعْ! لا لِلأُصُولِ أحِنُّ من سئمي=الكئيبِ. ولا الفُروعُ! أطْفِىءْ شُموعَكَ إنَّني=أَطْفَأْت يا زَمَني الشُّمُوعْ! جاءَ الحَبيبُ فَقُلْتُ يا جُنَّي=لقد ماتَ الوَلُوعْ! فأنا العَيُوفُ من الهوى=ومن الفُتُونِ. أنا القَنُوعْ! فإذا رأيْتُ الفاتِناتِ=فلا أَنِينَ. ولا دُمُوعْ! وأَشْحْتُ عن دُنْيا الغَرامِ=فلَنْ تَرَى مِنَّي الخُضُوعْ! فَقَدِ احْتَمَيْتُ من السِّهامِ=المرهفات بما اقْتَنيْتُ من الدُّروعْ! لَمَّا رأَتِني قد أَشَحْتُ=توهَّمَتْ أَنِّي الكَذُوبُ! هذا المُشِيحُ أّلأَمْ يكُنْ=بالأَمْسِ تُثْخِنُهُ النُّدوبْ؟! أَوَ لمْ يكُنْ يجري وراء=الغانياتِ ولا يُنَهْنِهُهُ اللُّغوبُ؟! ويَظَلُّ يَجْري. لا يكُفُّ عن=المخازي المُوبِقاتِ. ولا يَثُوبُ؟! قد كنْتُ أصْفَعُهُ بإِعْراضي. فَيَرْ=ضى بالهوانِ. ولا يَطيبُ له الهُروبُ! ماذا اعْتَراهُ؟! وكانَ شَيْطاناً=تروق له المباذِلُ والعُيُوبُ؟! لا. لَيسَ يَخْدعُني تَبَتُّلُهُ=وهل تَلِدُ التَّبَتُّلَ والتَّرانِيمُ. الذُّنُوبُ؟! ذِئْبٌ تَزَمَّلَ ثَوْبَ أَطْلَسَ=تَسْتَطِيلُ به المخالِبُ والنُّيوُبُ! هَلْ تابَ عن ماضِيهِ؟! كلاَّ=فالمُتَيَّمُ بالخطايا لا يَتُوبْ؟! قَهقَهْتَ حِينَ أرادَ وَثْباً لم=يُطِقْهُ وَنىً. وأعياه الوثوبُ؟! أَيكُونُ من عَجْزٍ تنكَّرَ=واسْتَبانَ كزاهِدٍ. وهو اللَّعُوبَ! ما عادَ تَفْتِنُه الرِّياضُ=وعادَ تَفْتِنُه المفاوِزُ والسُّهوبُ! أَأَنا الكذُوبُ؟! أنا المرائي؟!=أمْ هي المِغْناجُ سكْرى؟! سَكْرى من الحُسْنِ المُمَرَّغُ في=الرغام. وما ترى في ذاك خُسْرا! وتَراهُ رِبْحاً تَسْتَقِيم به حياةً=لا ترى في الطُّهْرِ فَخْرا..! أجَرِيحةَ الحُسْنِ المَضَرَّج=لسْتُ أَهْوى الحُسْنَ عُهْرا! الحُسْنُ إنْ لم يَسْتَعِزَّ=فإِنَّه بالقَبْرِ أَحْرى! وأنا الذي طَلَّقتُ أيام الصَّـ=بابةِ واقْتًنَيْتُ الحُبَّ سِفْرا! صَدَّقْتِ. أَم كذَّبْتِ ما=أبْدَيْتُهُ.. سِرّاً وجَهْرا! فَهُناكَ سِرْبٌ من لِداتِكِ=قد طَعِمْنَ به الأَمَرَّا! ظَنُّوا كَمِثْلِكِ ويْلَهُنَّ=بأنَّني أَمْسَيْتُ صِفْرا! أهْلاً بما قالوا. وقُلْتِ=وقد يكُونُ القَوْلُ هُجْرا! ما قُلْتُهُ يَوْماً فقد أَرْخَيْـ=تُ دون الهَجْرِ سِتْرا! فِكْري وقَلْبي هَنَّآني=أَنْ غَدَوْتُ اليَوْم حُرَّا |
يال قُيودي من قُيودٍ ثِقالْ=أَرْسُفُ منها في لُغُوبٍ شديدْ! كأَنَّني أَحْمِلُ منها الجِبالْ=ولَيْسَ لي عن حَمْلِها مِن مَحِيدْ..! كأَنَّني أَحْمِلُ منها الرِّثاءْ=لعالَمٍ يَشْقى بما يَصْنَعُ..! ما كانَ أَحْرَاهُ بِصُنْعِ الهَناءْ=فالرَّوْضُ لا يَفْضُلُه البَلْقعُ..! قُلتُ لِنَفْسي وهي تّذْرِي الدُّمُوعْ=وما تَرى في جَنبِها مِن رَفِيقْ..! تَبَصَّري في كلِّ هذي الرُّبوعْ=أَثَمَّ فيها غَيْرُ هذا الطَّريقْ؟! هذا الطَّريقُ الوعر ما يَسْتَوِي=عليه.. رَغْمَ الدّجْنِ يَلْوي المَسِيرْ! إلاَّ الذي غامَرَ ما يَنْتَوِي=إلاَّ التَّسامي. وشُموخَ المَصِيرْ! ما أَرْهَبَ الدَّرْبَ على أنَّه=درب-وإنْ أَظْلَمَ– دَرْبٌ قَوِيمْ! مَشى به قَوْمٌ فَأَلْفَيْنَهُ=يُفْضي –وإنْ أَضْنى– بهم للنَّعِيمْ! سَلَكْتُهُ والنَّاسُ حَوْلي تَرى=أنِّي عَمِيٌّ.. وهُمُ المُبْصِرون! يا لَيْتَني أَرْقى لِشُمِّ الذُّرى=به.. ولّوْ كانَ شَمُوساً حَرُون! أُحِسُّ في غَوْرِ ضَمِيري هَوىً=إلى نَقاءٍ من ضروب السَّوادْ! كانتْ رُكاماً من أَثامٍ ثَوى=به. فأشْقَتْني وخِفْتُ المَعادْ! قامَ صِراعٌ بَيْنَنا عاصِفٌ=ما بَيْن نَصْرٍ وانْهِزام مُخِيفْ! أَنا به مُنْطَلِقٌ.. راسِفٌ=وَطِربٌ حِيناً. وحِيناً أسيفْ! وقُلْتُ. هل أَغْدو بهذا الصِّراعْ=شلْواً.. وإلاَ فأَنا الظَّافِرُ! هذا مَصِيري.. وَيْلَ صَرْعى النَِزاعْ=من حُفْرَةٍ يَثْوِي بها الخاسِرُ! وقُلْتُ.. يا رُبَّتَما خاسِرٍ..=.. أَحْظَى من الرَّابِحِ في بَعْضِ حينْ! إنْ كان لا يَيْأَس من حاضِرٍ=يَنالُ منه الرِّبْحَ. رِبْحَ اليَقينْ! فَرُبَّ رِبْحٍ كان فيه الطَّوى=لِلرُّوح. والتخمَةُ للهَيْكَلِ ومَا أَرَى فِيه لِمثْلِي اعتلاءْ=.. بَلَ إنّه المُفْضِي إلى الأَسْفَلِ فَلَيْس رِبْحُ الأرْضِ مِثْلَ السَّماءْ=وليْسَتِ البُومةُ كالأَجْدَلِ! مَنْ أنا يا نَفْسي. لقد هالني=مما أُقاسِيهِ شُواظُ اللَّهيبُ! لَشَدَّ ما يَقْسُو الذي نالَني=من حَيْرةٍ تَدْفَعُني لِلْقَلِيبْ! فهل أَنا وَحْدِي الَّذي أَنْتَهي=دُونَ سِوائِي لِلْعماءِ الرَّهِيبْ؟! أَعْرِفُ ما يَنْفَعُ.. ما أَشْنَهِي=وأَنْثَنِي عنه إلى ما يُرِيبْ! يالَ قضاءِ القادِرِ العاجزِ=مِن يَوْمِهِ.. من غّدِهِ المُلْتَوى! فَليْس بالرِّاضي ولا النَّاشِز=وليس إلا الواهِمَ المُكْتَوى! هل ثمَّ في الدُّنيا كهذا الجوى=يُذِيبُ مَن لم يحْتَفِلْ بالهوى؟! ما ذاقَه لُقْيا.. وذاقَ النَّوى=فما اهْتَدى يَوْماً.. ولكنْ غوى! أَحْسَبُني لُغْزاً فما يَهْتَدي=لِحَلِّه بَرُّ ولا فاجِرُ.. ..! أَوَّلُه يَسْدُرُ في غَيْهَبٍ=وما لَهُ في مَشْمِسٍ آخِرُ..! فهل له في مُلْهِمٍ يَسْتَوِي=بِفِكْرِهِ فَوْقَ مَسارِ النُّجومْ؟! يَشْفِي الفُؤادَ اللاغب المُنطوِي=على كُلُومٍ فَتَّحَتْها السُّمومْ! لو أَنّني أَلْقاهُ أَعْطَيْتُهُ..=.. نَصْفَ حَياتي. وهو شِعْرٌ هَزِيلْ! وإنْ أَبى الصَّفْقَة أَغْرَيْنُه=بها جميعاً. فهي حَمْلٌ ثَقِيلٌ! رُبَّ حياةٍ أصْبَحَتْ نِقْمَةً=على الذي عانى بها شِقوَتَيْنْ! عانى بها نَبْذَ الهوى مَرَّةً=والغَيِّ أُخْرى فَهوى مَرَّتَيْنْ |
يا هذه أَوَّاهِ لو تكْشِفينْ=عن قَلْبيَ الصادي! لكُنْتِ عن أجوائه تَهْرُبينْ=من صُفْرةِ الجادي! عَدَتْ عليه عاديات السِّنينْ=من كلِّ مِرْصادِ..! فسائليه علَّه يَسْتَجِبْ=وعاتِبيه علَّه يَسْتَبِينْ! وعلَّه بعد الجفا يستطيب=رَجْعَةَ ماضِيهِ. ونَجْوى الحَنينْ! وَيْحَ الهوى. وَيْحَ الفُؤادِ الحريبْ=من وحْشَةِ الهجر. ونأُي القرينْ! هما بلاءٌ. ما له من طبيبْ=وكيف للطِّبِّ بقطع الوتينْ! وساءلْتهُ فاسْتوى واجماً=كمُسْتفيق بعد طُولِ السُّهادْ! أو كجريحِ لم يَزَلْ نازِفاً..=من سهْمهِ الغاَئِصِ وسْطَ الفُؤادْ! فمن رآهُ ظَنَّه خائِفاً ..=من سطوَة الهجْرِ وظُلْم البِعادْ! ظَنَّ الصِّبا يا وَيْحَه عاصفا..=لِطُولِ ما عانى. وسوء الحصادْ! قالت له. يا أنْتَ يا هاجِري=وهو يَظُنُّ منِّي. افْتِئاتْ! كيف تريَبْتَ بلا زاجِر..=بمن سقَتْ حُبَّك عّذْبِ الفُراتْ؟! كيف؟! وما طَرْفُك بالسَاهرِ؟!=في حِينِ طَرْفي يتَمَنى السُّباتْ؟! في حيِنِ قلبي لم يَزَلْ قاهري=على هَوىً عِنْدكَ أَمْسى رُفاتْ؟! أمَّا أنا الظّمآى فإِنِِّي اكتَوَيْتُ=وأنْتَ لم تُحفَلْ. ولم تَشْعُرِ! يا لَيْتَني أَشْعُرُ أنِّي انْتَهَيْتْ=من صَبْوتي هذي. ولم أَسْكَرِ..! قال. وقد أَذْهَلَه قَوْلُها.=والآهُ. والدَّمْعُ. وطَيْفُ الحَنينْ! يالَ فَتاةٍ.. راعَني عَذْلُها..=الصّادِقُ. الصّادِقُ. يُخْزي الظّنينْ! أَدْمى ضميري عاتِياً نُبْلُها..=وأَظْلَمَ اللَّيْلُ على المُسْتَهِينْ! ما كنت أَدْرِي أَنَّني ظالِمٌ..=لها. وأنِّي كنت بِئْسَ الخدينْ! وقال يا هِنْدُ. أيا صَبْوتي..=قد كنْتُ أَعْمى سادِراً في ضلالْ! يا ليْتَني لم أَقْتَرِفْ شِقْوتي=ولم أعِشْ مُكْتَئِباً في خبال! أَوَّاهِ كَفِّي نَسَجَتْ كُرْبتي=وصَيَّرتْني نادِماً في اعْتِلالْ! يا ليَْتَها تُطْفِىء من وَقْدَتي=فأسْتَوِي بعد اللَّظى في ظِلالْ! وأَطْرَقَتْ هِنْدٌ. وقد زَلْزَلَتْ=ذِلَّتُه من قلبها المُسْتَهامْ! كانت له نَعْماءَ فاسْتَهْولَتْ=شِقْوَتَه. وهو الهوى والمرامْ! فَسالَ منها دمْعُها واشْتَكَتْ=بآهةٍ حَرَّى.. دفينَ الغَرامْ! قالت له. أَنْتَ الذي ما اشْتَهَتْ=نَفْسي سواه. فعليكَ السّلامْ! وانْطَلَقَا بَعْد طويلِ النَّوى=طَيْرَيْنِ في جَوِّ الفضاء الرّحيبْ! بعد اعتكار راقَ صَفْوُ الهوى=وراقتِ البَسْمَةُ بعد النَّحيبْ! ما أَعْذَبَ الألْفَةَ بعد الجوى=والنَّسْمةَ الحُلْوةَ بعد اللَّهيبْ! قد شّبْعَ السَّاغِبُ بعد الطوَّى=وسكَنَ الخافِقُ بعد الوجِيبْ! |
يرفع الموضوع ويثبّت للأهمية.
|
اقتباس:
سلمتَ و بوركتَ و حُييتَ يا أخي المكرم أ. ماجد . تقبَّل وافر الشكر و التقدير . مودتي |
اقتباس:
|
الساعة الآن 11:22 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.