![]() |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ السّابعُ
في المَكَانِ والمُرَادُ بِهِ مَنْ فِيهِ العَرَبُ تفعلُ ذَلكَ، قال الله تعالى: {واسْأَلِ القَرْيَةَ التي كُنَّا فِيهَا}*، أي أهلها، وكما قال جلَّ جَلالُهُ: "{وإلى مَديَنَ أخَاهُمْ شُعيبًا}** أي أهل مَدْيَنَ، وكما قال حُمَيدُ بنُ ثَورٍ: قَصائِدُ تَستَحْلي الرُّواةُ نَشيدَها ويَلهو بِها من لاعِبِ الحَيِّ سامِرُ يَعَضُّ عليهَا الشَّيخُ إبهامَ كَفِّهِ وتَخْزَى بِها أحياؤُكُمْ والمَقَابرُ أي أهلُ المَقَابِرِ. والعَرَبُ تقولُ: أكلتُ قِدْرًا طَيِّبَةً، أي أَكَلتُ مَا فِيهَا. وكذلكَ قَولُ الخاصّةِ: شَرِبْتُ كَأْسًا. *من الآية "82" من سورة يوسف. **من الآية "85" من سورة الأعراف. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الثّامنُ فِيمَا ظاهرُهُ أَمْرٌ وبَاطِنُهُ زَجْرٌ هوَ منْ سُنَنِ العَرَبِ، تقولُ: "إذا لم تَستَحِ فافْعَلْ ما شِئتَ"*. وفي القُرْآنِ: {اعْمَلُوا ما شِئتُمْ}**، وقال جلَّ وعَلَا: {وَمَنْ شَاءَ فَلِيَكفُر}***. *في كتب الحديث فاصنع بدل فافعل. وهو حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. **من الآية "40" من سورة فصلت . ***من الآية "29" من سورة الكهف. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ التّاسعُ
في الحَمْلِ عَلى اللَّفْظِ والمَعَنى لِلمُجَاوَرَةِ العَرَبُ تَفعلُ ذَلكَ فتقولُ: هذا حُجْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ. والخَرِبُ نَعْتُ الحُجْرِ لا نَعتُ الضَّبِّ ولكنَّ الجِوَارَ عَمِلَ عَليهِ، كما قال امرُؤُ القَيْسِ: كأن ثَبيرًا* في عَرانِينِ وَبلِهِ كَبيرُ أُناسٍ في بِجَادٍ** مُزَمَّلِ فالمُزَمَّل: نَعْتُ الشَّيخِ لا نَعتُ البِجادِ،وحَقُّهُ الرَّفْعُ ولكنْ خفَضَهُ للجِوارِ، وكما قالَ الآخرُ: يا ليتَ شَيْخَكِ قدْ غَدا مُتَقلِّدا سَيْفًا ورُمْحَا والرُّمحُ لا يُتَقَلَّد، وإنّما قال ذلك لمجاوَرَتِهِ السَّيْفَ. وفي القرآن الكريم: {فأَجْمِعوا أمْرَكُم وشُرَكاءَكُم}*** لا يُقالُ: أجْمَعتُ الشُّركاءَ وإنما يُقالُ: جَمَعْتُ شُرَكَائي، وأجْمَعتُ أمرِي، وإنّما قالَ ذلك للمُجَاورة كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:(اِرجِعْنَ مأْزُورَاتٍ غيرَ مَأجُوراتٍ)**** وأصلُهَا مَوْزُورَاتٌ من الوِزْر، ولكنْ أَجْرَاهَا مَجْرَى المَأجُورَاتِ للمُجاوَرَة بَيْنَهما، وكقوله: بالغَدَايَا والعَشايَا، ولا يُقالُ: الغَدَايَا إذا أُفْرِدَتْ عنِ العَشَايَا لأنها الغَدَوَاتُ، والعامَّةُ تَقولُ: جاء البَرْدُ والأَكْسِيَةُ****، والأَكْسِيةُ لا تجيءُ ولكنْ للجِوارِ حقٌّ في كَلامِ العرب. *قال في المصباح: "ثبير جبل بين مكة ومنى، ويرى من منى، هو على يمين الداخل منها إلى مكة". والعرانين كفعاليل جمع عرنين كفعليل: من كل شيء أوله، ومنه عرنين الأنف لأوله وهو ما تحت مجمع الحاجبين المسمى موضع الشمم. **والبجاد: نوع من الثياب، وقيل خباء أو خيمة. ***من الآية "71" من سورة يونس. ****رواه الإمام ابن ماجه في سننه. *****ضبطت هنا "الأكسية" بالرفع عطفا على "البرد" وفي شروح سقط الزند: شرح الخوارزمي ضبطه المحققون بالفتح، فتصبح الواو واو المعية. والمثال فيه: "جاء البرد والطيالسة" والطيالسة جمع طيلسان، وهو كساء يلبس عند البرد. انظر شروح سقط الزند 427/1. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ العاشرُ
يُنَاسبُهُ ويُقارِبُهُ العَرَبُ تُسَمِّي الشَّيءَ باسْمِ غَيرِهِ إذا كانَ مُجَاوِرًا لهُ أو كانَ منْهُ بِسببٍ كَتَسْمِيَتِهمْ المَطَرَ بالسَّمَاءِ لأنَّهُ مِنْهَا يَنزلُ وفي القرآن: {يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيكُمْ مِدْرَارا}* أي المطر، وكما قال جَلَّ اسْمُهُ: {إنّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}** أي: عِنَبًا، ولا خَفَاءَ بِمُنَاسَبَتِهِما، وكما يُقالُ: عَفِيفَ الإزَارِ أيْ عَفِيفَ الفَرْجِ في أمثالٍ لهُ كَثيرةٍ. ومِنْ سُنَنِ العَرَبِ وَصفُ الشَّيءِ بِما يَقَعُ فيهِ أو يكونُ منهُ، كما قالَ تَعَالى: {في يومٍ عاصِفٍ}*** أيْ يَومٍ عَاصِفِ الرِّيحِ، وكما تقولُ: ليلٌ نائمٌ، أي يُنامُ فيه، ولَيلٌ ساهرٌ أيْ: يُسهرُ فيهِ. *من الآية "52" من سورة هود والآية "11" سورة نوح. **من الآية "36" من سورة يوسف. ***من الآية "18" من سورة إبراهيم. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الحادي عشرَ
في إجْرَاءِ مَا لَا يَعْقِلُ ولَا يَفْهَمُ مِنَ الحَيَوانِ مَجْرَى بَنِي آدَمَ ذلِكَ مِنْ سُنَنِ العَرَبِ، كما تقولُ: أَكَلُوني البَراغيثُ، وكما قال عزَّ وجلَّ: {يا أيُّها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحَطِمَنَّكُمْ سُلَيمانُ وجُنودُهُ}*، وكما قال سبحانَهُ وتَعَالى: {واللهُ خَلَقَ كلَّ دابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنهُم مَنْ يَمْشِي على بَطنِهِ ومِنْهُمْ من يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْن ومِنْهُمْ مَنْ يَمشِي عَلَى أَرْبَعٍ}**. ويُقَالُ: إنَّهُ قالَ ذلكَ تَغْلِيبًا لِمَنْ يَمْشِي على رِجْلَيْنِ وهُمْ بَنُو آدمَ. ومن سُنَنِ العَرَبِ تَغْلِيب ما يَعْقِلُ كما يُغَلَّبُ المُذَكّرُ على المُؤنَّثِ إذا اجْتَمَعَا. *من الآية "18" من سورة النمل. **من الآية "45" من سورة النور. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الثّاني عشرَ
في الرُّجُوعِ مِنَ المُخَاطَبَةِ إلى الكِنَايَةِ ومِنَ الكِنَايَةِ إلى المُخَاطَبَةِ والعَرَبُ تَفْعلُ ذَلكَ كما قالَ النَّابِغَةُ: يا دارَ مَيَّةَ بالعلياءِ فالسَّنَدِ أَقْوَتْ وطَالَ عَلَيْهَا سالِفُ الأمَدِ فَقالَ: يا دَارَ مَيَّةَ، ثُمَّ قالَ: أقْوَتْ وكما قال الله عزّ وجلّ: {حتَّى إذَا كُنْتُمْ في الفُلْكِ وجَرَيْنَ بِهِمْ بِريحٍ طَيِّبَةٍ}*، فقال: كُنْتُمْ في الفُلْكِ، ثم قال: بِهِمْ، وكما قال: {الحَمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ مالكِ يَومِ الدِّينِ إيَّاكَ نَعبُدُ وإياكَ نَستَعينُ}**، فرجَعَ من الكِنَايَةِ إلى المُخَاطَبَةِ كما رجع في الآية المُتقدمة من المُخَاطَبة إلى الكناية. *من الآية "22" من سورة يونس. **من الآية "1-5" من سورة الفاتحة. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الثّالثُ عشرَ
في الجَمْعِ بَيْنَ شَيئيْنِ اثْنَيْنِ ثُمَّ ذِكْرِ أَحَدِهِمَا في الكِنَايَةِ دُونَ الآخَرِ والمُرَادُ بِهِ كِلَاهُمَا مَعًا مِنْ سُنَنِ العَرَبِ أنْ تَقولَ: رَأيْتُ عَمْرًا وزيدًا وسلّمتُ عليهِ، أيْ عليهِمَا. قالَ اللهُ عزّ وجلّ: "والذينَ يَكْنِزونَ الذَّهَبَ والفِضَةَ ولا يُنْفِقونَها في سَبيلِ اللّهِ}*، وتقديرُ الكَلامِ: ولا يُنْفِقُونَهُما في سبيل الله، وقالَ تَعَالى: {وإذَا رَأَوْا تِجارَةً أو لَهْوًا انْفَضُّوا إليها}**، وتقديرُهُ: انفضُّوا إليهِمَا، وقال جلّ جلالُهُ: {واللهُ ورسولُهُ أحَقُّ أن يُرْضُوهُ}***، والمُرَادُ: أنْ يُرْضُوهُمَا. *من الآية "34" من سورة التوبة. **من الآية "11" من سورة الجمعة. ***من الآية "62" من سورة التوبة. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الرّابعُ عشرَ
في جَمْعِ شَيئينِ من اثنيْنِ مِنْ سُنَنِ العَربِ إذا ذكَرَتِ اثْنِينِ أن تُجْرِيهِما مَجْرَى الجَمْعِ، كمَا تَقُولُ عندَ ذِكرِ العُمَرَيْنِ والحَسَنينِ: كَرَّمَ اللهُ وُجُوهَهُما، وكما قالَ عزّ ذكرُهُ: {إنْ تَتوبَا إلى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلوبَكُما}*، ولم يَقُلْ: قَلبَاكُمَا، وكما قالَ عزَّ وجلَّ: {والسَّارقُ والسَّارِقَةُ فاقْطَعوا أيْدِيَهُما}، ولم يَقُلْ: يَدَيْهِما. *من الآية "4" من سورة التحريم. *من الآية "38" من سورة المائدة. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الخَامسُ عشرَ
في جَمْعِ الفِعلِ عندَ تَقَدُّمِهِ عَلى الاسْمِ رُبَّمَا تَفعلُ العَرَبُ ذلكَ، لأنَّهُ الأصْلُ فتقولُ: جاؤوني بَنُو فُلانٍ، وأكَلُوني البَرَاغِيثُ، وقالَ الشاعرُ: رَأَيْنَ الغَوانِي الشَّيْبَ لَاحَ بِعَارِضِي فَأعرَضنَ عَنِّي بالخُدُودِ النَّواضِرِ وقالَ آخرُ: نَتَجَ الرَّبِيعُ مَحاسِنًا ألقَحْنَها غُرُّ السَّحائِبْ وفي القُرْآنِ: {وأسَرُّوا النَّجْوَى الّذِينَ ظَلَمُوا}*، وقالَ جلَّ ذِكرُهُ: {ثُمَّ عَمَوْا وصَمُّوا كَثيرٌ منهم}**. *من الآية "3" من سورة الأنبياء. *من الآية "71" من سورة المائدة. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ السّادسُ عشرَ
في إقَامَةِ الوَاحِدِ مَقَامَ الجَمْعِ هِيَ مِنْ سُنَنِ العَرَبِ إذْ تَقُولُ: قَرَرْنا به عينًا، أي أعيُنًا. وفي القرْآنِ: {فإنْ طِبْنَ لكُمْ عَنْ شَيءٍ مِنْهُ نَفْسًا}*، وقال جَلَّ ذِكرُهُ: {ثُمَّ نُخْرِجُكُم طِفْلًا}** أي أطْفَالًا، وقال تعالى: {وكَمْ مِنْ مَلَكٍ في السَّموَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيئًا}***، وتَقْديرُهُ: وكَمْ مِنْ مِلَائِكَةٍ في السَّمواتِ، وقالَ عَزَّ مِنْ قَائلٍ: {فَإنَّهُم عَدُوٌّ لي إلَّا رَبَّ العَالَمِيْنَ}****. وقالَ: {هَؤلاءِ ضَيفي}+، ولمْ يَقُلْ: أَعْدَائي ولَا أَضْيَافي. وقالَ جلَّ جلالُهُ: {لا نُفَرِّقُ بينَ أحَدٍ مِنْهُمْ}++، والتَّفْرِيقُ لا يَكونُ إلَّا بينَ اثْنَينِ، والتقدير لا نُفَرِّق بَينَهُمْ، وقالَ: {يا أيُّها النَّبيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}+++. وقالَ: {وإنْ كُنْتُم جُنُبًا فَاطَّهَرُوا}++++. وقال: {والمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلكَ ظَهِير}+++++. ومِنْ سُنَّةِ العَرَبِ في هَذا البَابِ أن يَقُولوا للرَّجُلِ العَظيمِ والمَلِكِ الكبيرِ: انْظُرُوا في أَمْرِي، ولأنّ السَّادَةَ والمُلُوكَ يقُولونَ: نَحْنُ فَعَلْنا، وإنّا أمَرنا، فَعَلَى قَضِيَّةِ هَذَا الابْتِدَاءِ يُخَاطَبُونَ في الجَوَابِ، كما قالَ تَعَالى عَمَّنْ حَضَرَه الموتُ: {رَبِّ ارْجِعونْ}+++++. *الآية "4" من سورة النساء. **الآية "5" من سورة الحج. ***الآية "26" من سورة النجم. ****الآية "77" من سورة الشعراء. +الآية "68" من سورة الحجر. ++الآية "136" من سورة البقرة. +++الآية "1" من سورة الطلاق. ++++الآية "6" من سورة المائدة. +++++الآية "4" من سورة التحريم. |
الساعة الآن 03:39 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.