![]() |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
اقتباس:
من أكثر كتب العربية فائدة وتشويقاً لما فيه من الفوائد الجمة وكأن القارئ يجول في حديقة غنّاء فيها من كل ألوان الأزاهير هي نسخة قديمة من ثلاثين جزءاً في مكتبة الوالد رحمه الله ولي معها عمر كلما عادني ملل أو تناوشني قلق وما أكثرهما وجدت روحي معها الله يا أخت ناريمان لو يعلم جيل الألعاب الأكترونية و(البوبجي) ما في بحور تراثنا من درر لتغير وجه الأمة ولكن هيهات أشكرك أستاذة ناريمان ولك التقدير والتحية |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
اقتباس:
رحمة الله على والدك ووالدي في مكتبتي الخاصة أيضاً هذا العقد .. حقاً إنه فريد وياليت هذا الجيل يقرؤون شيئاً من أمهات الكتب .. ولو أنهم قرؤوا .. لتغير وجه الأمة وتاريخها شكراً لحضورك ولثنائك بوركت وتحية |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
الترغيب في حسن الثناء واصطناع المعروف قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أردتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه، فانظروا ما يتبعه من حسن الثناء. وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: اعتبر منزلتك من الله بمنزلتك من الناس، واعلم أن مالك عند الله مثل ما للناس عندك. وقيل لبعض الحكماء: ما أفادك الدهر؟ قال العلم به. قيل: فما أحمد الأشياء؟ قال: أن تبقى للإنسان أحدوثة حسنة. وقال بعض أهل التفسير في قول الله تعالى: " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " . إنه أراد حسن الثناء من بعده. وقال أكثم بن صيفي: إنما أنتم أخبار، فطيبوا أخباركم. أخذ هذا المعنى حبيب الطائي فقال: وما ابن آدم إلا ذكر صالحة ... أو ذكر سيئة يسري بها الكلم أما سمعت بدهر باد أمته ... جاءت بأخبارها من بعدها أمم وقال أبو بكر محمد بن دريد: وإنما المرء حديث بعده ... فكن حديثاً حسناً لمن وعى وقالوا: الأيام مزارع فما زرعت فيها حصدته. ومن قولنا في هذا المعنى وغيره من مكارم الأخلاق: يا من تجلد للزما ... ن أما زمانك منك أجلد سلط نهاك على هوا ... ك وعد يومك ليس من غد إن الحياة مزارع ... فازرع بها ما شئت تحصد والناس لا يبقى سوى ... آثارهم والعين تفقد أو ما سمعت بمن مضى ... هذا يذم وذاك يحمد والمال إن أصلحته ... يصلح وإن أفسدت يفسد والعلم ما وعت الصدو ... ر وليس ما في الكتب يخلد وقال الأحنف بن قيس: ما أدخرت الآباء للأبناء، ولا أبقت الموتى للأحياء، شيئاً أفضل من اصطناع المعروف عند ذوي الأحساب والآداب. وقالوا: تربيب المعروف أولى من اصطناعه، لأن اصطناعه نافلة، وتربيبه فريضة. وقالوا: أحي معروفك بإماتة ذكره، وعظمه بالتصغير له. يتبع .... |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
وقالت الحكماء: من تمام كرم النعم التغافل عن حجته، والإقرار بالفضيلة لشاكر نعمته. وقالوا: للمعروف خصال ثلاث: تعجيله وستره وتيسيره، فمن أخل بواحدة منها فقد بخس المعروف حقه، وسقط عنه الشكر. وقيل لمعاوية: أي الناس أحب إليك؟ فقال: من كانت له عندي يد صالحة. قيل: فإن لم تكن له؟ فقال: فمن كانت لي عنده يد صالحة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من عظمت نعمة الله عنده عظمت مؤونة الناس عليه، فإن لم يقم بتلك المؤونة عرض النعمة للزاول. أبو اليقظان قال: أخذ عبيد الله بن زياد عروة بن أدية، أخا أبي بلال، وقطع يده ورجله وصلبه على باب داره. فقال لأهله وهو مصلوب: انظروا إلى هؤلاء الموكلين بي فأحسنوا إليهم فإنهم أضيافكم. ابن المبارك عن حميد عن الحسن قال: لأن أقضي حاجة لأخ لي أحب إلي من عبادة سنة. وقال إبراهيم بن السندي: قلت لرجل من أهل الكوفة، من وجوه أهلها، كان لا يجف لبده، ولا يستريح قلبه، ولا تسكن حركته في طلب حوائج الرجال، وإدخال المرافق على الضعفاء، وكان رجلاً مفوهاً، فقلت له: أخبرني عن الحالة التي خففت عنك النصب، وهونت عليك التعب في القيام بحوائج الناس، ما هي؟ قال: قد والله سمعت تغريد الطير بالأسحار؛ في فروع الأشجار؛ وسمعت خفق أوتار العيدان، وترجيع أصوات القيان، فما طربت من صوت قط طربي من ثناء حسن بلسان حسن على رجل قد أحسن؛ ومن شكر حر لمنعم حر، ومن شفاعة محتسب لطالب شاكر. قال إبراهيم: فقلت له: لله أبوك! لقد حشيت كرماً. إسماعيل بن مسرور عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: إن الله خلق خلقاً من رحمته برحمته لرحمته، وهم الذين يقضون الحوائج للناس، فمن استطاع منكم أن يكون منهم فليكن. |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
الجود مع الإقلال قال الله تبارك وتعالى فيما حكاه عن الأنصار: " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل العطية ما كان من معسر إلى معسر. وقال عليه الصلاة والسلام: أفضل العطية جهد المقل. وقالت الحكماء: القليل من القليل أحمد من الكثير من الكثير. أخذ هذا المعنى حبيب فنظمه في أبيات كتب بها إلى الحسن بن وهب الكاتب وأهدى إليه قلماً: قد بعثنا إليك أكرمك الل ... ه بشيء فكن له ذا قبول لا تقسه إلى ندى كفك الغم ... ر ولا نيلك الكثير الجزيل واستجز قلة الهدية مني ... إن جهد المقل غير قليل وقالوا: جهد المقل أفضل من غنى المكثر. وقال صريع الغواني: ليس السماح لمكثر في قومه ... لكن لمقتر قومه المتحمد وقال أبو هريرة: ما وددت أن أحداً ولدتني أمه إلا أم جعفر بن أبي طالب عليه السلام، تبعته ذات يوم وأنا جائع، فلما بلغ الباب التفت فرآني فقال لي: أدخل، فدخلت. ففكر حيناً فما وجد في بيته إلا نحيا كان فيه سمن مر، فأنزله من رف لهم، فشقه بين أيدينا، فجعلنا نلعق ما كان فيه من السمن والرب، وهو يقول: ما كلف الله نفساً فوق طاقتها ... ولا تجود يد إلا بما تجد وقيل لبعض الحكماء: من أجود الناس؟ قال: من جاد من قلة، وصان وجه السائل عن المذلة. وقال حماد عجرد: أروق بخير تؤمل للجزيل فما ... ترجى الثمار إذا لم يورق العود إن الكريم ليخفي عنك عسرته ... حتى تراه غنياً وهو مجهود وللبخيل على أمواله علل ... زرق العيون عليها أوجه سود بث النوال ولا نمنعك قلته ... فكل ما سد فقراً فهو محمود وقال حاتم: أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ... ويخصب عندي والمحل جديب وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ... ولكنما وجه الكريم خصيب وقال عبد الملك بن مروان: ما كنت أحب أن أحداً ولدني من العرب إلا عروة بن الورد لقوله: أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى ... بجسمي مس الجوع والجوع جاهد لأني أمرؤ عافي إنائي شركة ... وأنت أمرؤ عافى أنائك واحد أقسم جسمي في جسوم كثيرة ... وأحسو قراح الماء بارد ومن أحسن ما قيل في الجود والإقلال، قول أبي تمام حبيب: فلو لم يكن في كفه غير روحه ... لجاد بها فليتق الله سائله ومن أفرط ما قيل في الجود، قول بكر بن النطاح: أقول لمرتاد الندى عند مالك ... تمسك بجدوى مالك وصلاته فتى جعل الدنيا وقاء لعرضه ... فأسدى بها المعروف قبل عداته فلو خذلت أمواله جود كفه ... لقاسم من يرجوه شطر حياته وإن لم يجز في العمر قسم لمالك ... وجاز له أعطاه من حسناته وجاد بها من غير كفر بربه ... وأشركه في صومه وصلاته وقال آخر في هذا المعنى وأحسن: ملأت يدي من الدنيا مراراً ... وما طمع العواذل في اقتصادي ولا وجبت علي زكاة مال ... وهل تجب الزكاة على الجواد |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
العطية قبل السؤال قال سعيد بن العاصي: قبح الله المعروف إن لم يكن ابتدئ من غير مسألة، فالمعروف عوض عن مسألة الرجل إذ بذل وجهه، فقلبه خائف، وفراصه ترتعد، وجبينه يرشح؛ لا يدري أيرجع بنجح الطلب، أم بسوء المنقلب، قد انتفع لونه، وذهب دم وجهه. اللهم فإن كانت الدنيا لها عندي حظاً فلا تجعل لي حظاً في الآخرة. وقال أكثم بن صيفي: كل سؤال وإن قل أكثر من كل نوال وإن جل. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأصحابه: من كانت له إلي منكم حاجة فليرفعها في كتاب لأصون وجوهكم عن المسألة. حبيب قال: عطاؤك لا يفنى ويستغرق المنى ... وتبقى وجوه الراغبين بمائها وقال حبيب أيضاً: ذل السؤال شجاً في الحلق معترض ... من دونه شرق من خلفه جرض ما ماء كفك إن جادت وإن بخلت ... من ماء وجهي إذا أفنيته عوض إني بأيسر ما أدنيت منبسط ... كما بأكثر ما أقصيت منقبض يتبع .... |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
وقالوا: من بذل إليك وجهه فقد وفاك حق نعمتك وقالوا: أكمل الخصال ثلاث: وقار بلا مهابة، وسماح بلا طلب مكافأة، وحلم بغير ذل. وقالوا: السخي من كان مسروراً ببذله، متبرعاً بعطائه، لا يلتمس عرض دنيا فيحبط عمله، ولا طلب مكافأة فيسقط شكره، ولا يكون مثله فيما أعطى مثل الصائد الذي يلقي الحب للطائر، لا يريد نفعها ولكن نفع نفسه. نظر المنذر بن أبي سبرة إلى أبي الأسود الدؤلي وعليه قميص مرقوع، فقال له: ما أصبرك على هذا القميص؟ فقال له: رب مملوك لا يستطاع فراقه. فبعث إليه بتخت من ثياب. فقال أبو الأسود: كساني ولم أستكسه فحمدته ... أخ لك يعطيك الجزيل وناصر وإن أحق الناس إن كنت شاكراً ... بشكرك من أعطاك والعرض وافر وسأل معاوية صعصعة بن صوجان: ما الجود؟ فقال: التبرع بالمال، والعطية قبل السؤال: ومن قولنا في هذا المعنى: كريم على العلات جزل عطاؤه ... ينيل وإن لم يعتمد لنوال وما الجود من يعطى إذا ما سألته ... ولكن من يعطى بغير سؤال وقال بشار العقيلي: مالكي ينشق عن وجهه الجد ... ب كما انشقت الدجى عن ضياء فثجوج السماء فيض يديه ... لقريب ونازح الدار نائي ليس يعطيك للرجاء ولا الخو ... ف ولكن يلذ طعم العطاء لا ولا أن يقال شيمته الجو ... د ولكن طبائع الآباء وقال آخر: إن بين السؤال والإعتذار ... خطة صعبة على الأحرار وقال حبيب بن أوس لئن جحدتك ما أوليت من نعم ... إني لفي اللؤم أمضى منك في الكرم أنسى ابتسامك والألوان كاسفة ... تبسم الصبح في داج من الظلم رددت رونق وجهي في صحيفته ... رد الصقال بهاء الصارم الخذم وما أبالي وخير القول أصدقه ... حقنت لي ماء وجهي أو حقنت دمي انتهى الباب |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
التالي : ما قيل في استنجاح الحوائج ( 67 ) سلام |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
كانوا يستفتحون حوائجهم بركعتين يقولون فيهما: اللهم بك أستنجح، وباسمك أستفتح، وبمحمد نبيّك إليك أتوجه، اللهم ذلّ لي صعوبته، وسهّل لي حزونته، وارزقني من الخير أكثر مما أرجو، واصرف عنّي من الشر أكثر مما أخاف. وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «استعينوا على حوائجكم بالكتمان لها، فإنّ كل ذي نعمة محسود» . وقال خالد بن صفوان: لا تطلبوا الحوائج في غير حينها، ولا تطلبوها من غير أهلها، فإنّ الحوائج تطلب بالرجاء، وتدرك بالقضاء. وقال: مفتاح نجح الحاجة الصبر على طول المدة. ومغلاقها اعتراض الكسل دونها. قال الشاعر: إني رأيت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر وقلّ من جدّ في أمر يحاوله ... واستصحب الصّبر إلا فاز بالظّفر ومن أمثال العرب في هذا: من أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له. أخذ الشاعر هذا المعنى فقال: إن الأمور إذا انسدّت مسالكها ... فالصبر يفتق منها كل ما ارتتجا لا تيأسنّ وإن طالت مطالبة ... إذا تضايق أمر أن ترى فرجا أخلق بذي الصّبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
وقال خالد بن صفوان: فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها، وأشدّ من المصيبة سوء الخلف منها. وقالوا: صاحب الحاجة مبهوت، وطلب الحوائج كلّها تعزير «2» . وقالت: الحكماء: لا تطلب حاجتك من كذّاب؛ فإنه يقرّ بها بالقول ويبعدها بالفعل؛ ولا من أحمق، يريد نفعك فيضرّك؛ ولا من رجل له أكلة من جهة رجل، فإنه لا يؤثر حاجتك على أكلته. وقال دعبل بن علي الخزاعي: جئتك مسترفدا بلا سبب ... إليك إلّا بحرمة الأدب «3» فاقض ذمامي فإنني رجل ... غير ملحّ عليك في الطّلب وقال شبيب بن شيبة: إني لأعرف أمرا لا يتلاقى به اثنان إلا وجب النّجح بينهما. قيل له: وما ذاك؟ قال: العقل؛ فإن العاقل لا يسأل ما لا يمكن، ولا يردّ عما يمكن. وقال الشاعر: أتيتك لا أدلي بقربى ولا يد ... إليك سوى أنّي بجودك واثق فإن تولني عرفا أكن لك شاكرا ... وإن قلت لي عذرا أقل أنت صادق |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
وقال الحسن بن هانيء: فإن تولني منك الجميل فأهله ... وإلا فإنّي عاذر وشكور وقال آخر: لعمرك ما أخلقت وجها بذلته ... إليك ولا عرضته للمعاير فتى وفّرت أيدي المكارم عرضه ... عليه وخلّت ماله غير وافر [بين ابن واسع وأمير] : ودخل محمد بن واسع على بعض الأمراء فقال: أتيتك في حاجة فإن شئت قضيتها وكنا كريمين، وإن شئت لم تقضها وكنّا لئيمين. أراد: إن قضيتها كنت أنت كريما بقضائها وكنت أنا كريما بسؤالك إباها؛ لأني وضعت الطّلبة في موضعها؛ فإن لم تقضها كنت أنت لئيما بمنعك وكنت أنا لئيما بسوء اختياري لك. وسرق حبيب هذا المعنى فقال: عيّاش إنك للّئيم وإنّني ... مذ صرت موضع مطلبي للئيم |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
[عبد الله بن طاهر وسوار القاضي] : ودخل سوار القاضي على عبد الله بن طاهر صاحب خراسان فقال: أصلح الله الأمير: لنا حاجة والعذر فيها مقدّم ... خفيف معنّاها مضاعفة الأجر «1» فإن تقضها فالحمد لله وحده ... وإن عاق مقدور ففي أوسع العذر «2» قال له: ما حاجتك أبا عبد الله؟ قال: كتاب لي: إن رأى الأمير أكرمه الله- أن ينفذه في خاصته، كتب إلى موسى بن عبد الملك في تعجيل أرزاقي. قال: أو غير ذلك أبا عبد الله؟ نعجّلها لك من مالك، وإذا وددت كنت مخيّرا بين أن تأخذ أو تردّ. فأنشد سوار يقول: فبابك أيمن أبوابهم ... ودارك مأهولة عامره وكفّك حين ترى المجتدي ... ن أندى من الّليلة الماطره وكلبك آنس بالمعتفين ... من الأمّ بابنتها الزّائره |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
[أبو حازم الأعرج وسلطان في حاجة] : ودخل أبو حازم الأعرج على بعض أهل السلطان فقال: أتيتك في حاجة رفعتها إلى الله قبلك، فإن يأذن الله في قضائها قضيتها وحمدناك، وإن لم يأذن في قضائها لم تقضها وعذرناك. وفي بعض الحديث: «اطلبوا الحوائج عند حسان الوجوه» . أخذه الطائي فنظمه في شعره فقال: قد تأوّلت فيك قول رسول الله ... إذ قال مفصحا إفصاحا إن طلبتم حوائجا عند قوم ... فتنقّوا لها الوجوه الصّباحا فلعمري لقد تنقّيت وجها ... ما به خاب من أراد النّجاحا [بين المنصور وطالب حاجة] : قال المنصور لرجل دخل عليه: سل حاجتك فإنك لست تقدر على هذا المقام في كل حين. قال: يبقيك الله يا أمير المؤمنين، ما أستقصر عمرك ولا أخاف بخلك، وإنّ عطاءك لشرف، وإن سؤالك لزين، وما بامريء بذل إليك وجهه نقص ولا شين «2» . فوصله وأحسن إليه. |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
الباب التالي [استنجاز المواعد] [كلمات في معنى هذا العنوان] أرجو لكم طيب الإقامة هنا وشكراً على قراءتكم تحية |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
[استنجاز المواعد] [كلمات في معنى هذا العنوان] : من أمثالهم في هذا: أنجز حرّ ما وعد. وقالوا: وعد الكريم نقد، ووعد اللئيم تسويف. وقال الزّهري: حقيق على من أورق بوعد أن يثمر بفعل. |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
وقال المغيرة: من أخر حاجة فقد ضمنها. وقال الموبذان الفارسي: الوعد السحابة، والإنجاز المطر. وقال غيره: المواعيد رءوس الحوائج والإنجاز أبدانها. وقال عبد الله بن عمر: خلف الوعد ثلث النفاق، وصدق الوعد ثلث الإيمان، وما ظنّك بشيء جعله الله مدحة في كتابه، وفخرا لأنبيائه، فقال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ «1» . [لجبار في عامر ابن الطفيل] : وذكر جبار بن سلمى عامر بن الطّفيل فقال: كان والله إذا وعد الخير وفى، وإذا وعد الشر أخلف. وهو القائل: ولا يرهب ابن العمّ ما عشت صولتي ... ويأمن منّي سطوة المتهدّد «2» وإني وإن أوعدته أو وعدته ... ليكذب إيعادي ويصدق موعدي وقال ابن أبي حازم: إذا قلت في شيء «نعم» فأتمّه ... فإنّ «نعم» دين على الحرّ واجب وإلا فقل «لا» تسترح وترح بها ... لئلا يقول الناس إنك كاذب ولو لم يكن في خلف الوعد إلا قول الله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ «3» لكفى. وقال عمر بن الحارث: كانوا يفعلون ولا يقولون، ثم صاروا يقولون ويفعلون، ثم صاروا يقولون ولا يفعلون، ثم صاروا لا يقولون ولا يفعلون، فزعم أنهم ضنّوا بالكذب فضلا عن الصدق. |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
وفي هذا المعنى يقول الحسن بن هانىء: قال لي ترضى بوعد كاذب؟ ... قلت إن لم يك شحم فنفش «1» ومثله قول عباس بن الأحنف، ويقال إنها لمسلم بن الوليد صريع الغواني: ما ضرّ من شغل الفؤاد ببخله ... لو كان علّلني بوعد كاذب «2» صبرا عليك فما أرى لي حيلة ... إلّا التّمسّك بالرجاء الخائب سأموت من كمد وتبقى حاجتي ... فيما لديك ومالها من طالب [بين عبد الملك وابن أم الحكم] : قال عبد الرحمن بن أم الحكم لعبد الملك بن مروان في مواعيد وعدها إياه فمطله «3» بها: نحن إلى الفعل أحوج منا إلى القول، وأنت بالإنجاز أولى منك من المطل، واعلم أنك لا تستحق الشكر إلا بإنجازك الوعد واستتمامك المعروف. |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
[بين عيسى بن موسى وابن معن]
: القاسم بن معن المسعودي قال: قلت لعيسى بن موسى: أيها الأمير، ما انتفعت بك منذ عرفتك، ولا أوصلت لي خيرا منذ صحبتك. قال: ألم أكلّم لك أمير المؤمنين في كذا وأسأله لك كذا؟ قال: قلت: بلى، فهل استنجزت ما وعدت، واستتممت ما بدأت؟ قال: حال من دون ذلك أمور قاطعة، وأحوال عاذرة. قلت: أيها الأمير، فما زدت على أن نبّهت العجز من رقدته، وأثرت الحزن من ربضته، إنّ الوعد إذا لم يشفعه إنجاز يحقّقه، كان كلفظ لا معنى له، وجسم لا روح فيه. وقال عبد الصمد بن الفضل الرقاشي لخالد بن ديسم عامل الرّي: أخالد إن الريّ قد أجحفت بنا ... وضاق علينا رحبها ومعاشها وقد أطمعتنا منك يوما سحابة ... أضاءت لنا برقا وأبطا رشاشها فلا غيمها يصحو فييئس طامعا ... ولا ماؤها يأتي فتروى عطاشها |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
[بين بشار وسلم] : وقال سعيد بن سلم: وعد أبي بشارا العقيلي حين مدحه بالقصيدة التي يقول فيها: صدّت بخدّ وجلت عن خدّ ... ثم انثنت كالنّفس المرتدّ «1» فكتب إليه بشار بالغد: ما زال ما منّيتني من همّي ... الوعد فأرح من غمّي إن لم ترد مدحي فراقب ذمّي فقال له أبي: يا أبا معاذ، هلا استنجزت الحاجة بدون الوعيد! فإذا لم تفعل فتربّص ثلاثا وثلاثا؛ فإني والله ما رضيت بالوعد حتى سمعت الأبرش الكلبي يقول لهشام: يا أمير المؤمنين؛ لا تصنع إليّ معروفا حتى تعدني؛ فإنه لم يأتني منك سيب «2» على غير وعد إلا هان عليّ قدره وقلّ مني شكره. فقال له هشام: لئن قلت ذلك لقد قاله سيد أهلك أبو مسلم الخولاني: «إن أوقع المعروف في القلوب، وأبرده على الأكباد معروف منتظر، بوعد لا يكدّره المطل» . [يحيى بن خالد وقضاء الحوائج] : وكان يحيى بن خالد بن برمك لا يقضي حاجة إلا بوعد، ويقول: من لم يبت على سرور الوعد لم يجد للصنيعة طعما. |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
وقالوا: الخلف ألأم من البخل لأنه من لم يفعل المعروف لزمه ذمّ اللؤم وحده، ومن وعد وأخلف لزمه ثلاث مذمّات: ذمّ اللؤم، وذمّ الخلف، وذمّ الكذب. وقال زياد الأعجم: لله درّك من فتى ... لو كنت تفعل ما تقول لا خير في كذب الجوا ... د وحبّذا صدق البخيل استبطأ حبيب الطائي الحسن بن وهب في عدة وعدها إياه، فكتب إليه أبياتا يستعجله بها؛ فبعث إليه بألف درهم وكتب إليه: أعجلتنا فأتاك عاجل برّنا ... قلّا ولو أخّرته لم يقلل فخذ القليل وكن كمن لم يسأل ... ونكون نحن كأننا لم نفعل |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
[ابن دأب عند المهدي] : وقال عبد الملك بن مالك الخزاعي: دخلت على أمير المؤمنين المهدي وعنده ابن دأب وهو ينشد قول الشماخ: وأشعث قد قدّ السّفار قميصه ... يجرّ شواء بالعصا غير منضج «1» دعوت إلى ما نابني فأجابني ... كريم من الفتيان غير مزلّج» فتى يمريء الشّيزى ويروي سنانه ... ويضرب في رأس الكميّ المدجّج «3» فتى ليس بالرّاضي بأدني معيشة ... ولا في بيوت الحيّ بالمتولّج فرفع المهديّ رأسه إليّ وقال: هذه صفتك أبا العباس. فقلت: بك نلتها يا أمير المؤمنين. قال: فأنشدني. فأنشدته قول السموأل: إذا المرء لم يدنس من الّلؤم عرضه ... فكلّ رداء يرتديه جميل وإن هو لم يحمل على النّفس ضيمها ... فليس إلى حسّن الثّناء سبيل إذا المرء أعيته المروءة يافعا ... فمطلبها كهلا عليه ثقيل تعيّرنا أنا قليل عدادنا ... فقلت لها إنّ الكرام قليل وما ضرّنا أنّا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل ونحن أناس لا نرى القتل سبّة ... إذا ما رأته عامر وسلول وما مات منّا سيّد حتف أنفه ... ولا طلّ منّا حيث كان قتيل تسيل على حدّ السّيوف نفوسنا ... وليست على غير السّيوف تسيل وننكر إن شئنا على الناس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقول فنحن كماء المزن ما في نصابنا ... كهام ولا فينا يعدّ بخيل «2» وأسيافنا في كلّ شرق ومغرب ... بها من قراع الدارعين فلول فقال: أحسنت، اجلس، بهذا بلغتم، سل حاجتك. قلت: يا أمير المؤمنين، تكتب لي العطاء ثلاثين رجلا من أهلي. قال: نعم، عليّ إذا وعدت، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنك متمكّن من القدرة وليس دونك حاجز عن الفعل؛ فما معنى العدة؟ فنظر إلى ابن دأب يريد منه كلاما في فضل الموعد، فقال ابن دأب: حلاوة الفعل بوعد ينجز ... لا خير في العرف كنهب ينهز فضحك المهدي وقال: الفعل أحسن ما يكو ... ن إذا تقدّمه ضمان [للمهلب يوصي بنيه] : وقال المهلب بن أبي صفرة لبنيه: يا بنيّ، إذا غدا عليكم الرجل وراح مسلّما فكفى بذلك تقاضيا. |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
وقال الشاعر: أروح بتسليمي عليك وأغتدي ... وحسبك بالتّسليم منّي تقاضيا وقال آخر: كفاك مخبرا وجهي بشاني ... وحسبك أن أراك وأن تراني وما ظنّي بمن يعنيه أمري ... ويعلم حاجتي ويرى مكاني وكتب العتابي إلى بعض أهل السلطان: أما بعد؛ فإن سحاب وعدك قد أبرقت، فليكن وبلها سالما من علل المطل. والسلام. وكتب الجاحظ إلى رجل وعده: أما بعد فإن شجرة وعدك قد أورقت فليكن ثمرها سالما من جوائح المطل «1» . والسلام. |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
[عبد الله بن طاهر ودعبل] : وعد عبد الله بن طاهر دعبلا بغلام، فلما طال عليه تصدّى له يوما وقد ركب إلى باب الخاصّة، فلما رآه قال: أسأت الاقتضاء، وجهلت المأخذ، ولم تحسن النظر، ونحن أولى بالفضل؛ فلك الغلام والدابة متى ننزل إن شاء الله تعالى. فأخذ بعنانه دعبل وأنشده: يا جواد الّلسان من غير فعل ... ليت في راحتيك جود الّلسان عين مهران قد لطمت مرارا ... فاتّق ذا الجلال في مهران عرت عينا فدع لمهران عينا ... لا تدعه يطوف في العميان قال: فنزل له عن دابته، وأمر له بالغلام. |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
[أبان وخلف ابن خليفة] : وسأل خلف بن خليفة أبان بن الوليد جارية، فوعده بها وأبطأت عليه، فكتب إليه: أرى حاجتي عند الأمير كأنّها ... تهمّ زمانا عنده بمقام وأحصر من إذ كاره إن لقيته ... وصدق الحياء ملجم بلجام أراها إذا كان النهار نسيئة ... وبالّليل تقضى عند كلّ منام فياربّ أخرجها فإنك مخرج ... من الميت حيّا مفصحا بكلام فتعلم ما شكري إذا ما قضيتها ... وكيف صلاتي عندها وصيامي وكتب أبو العتاهية إلى رجل وعده بعدة ومطله بها. لا جعل الله لي إليك ولا ... عندك ما عشت حاجة أبدا ما جئت في حاجة أسرّ بها ... إلا تثاقلت ثمّ قلت غدا |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
كتب دعبل إلى رجل وعده وعدا وأخلفه: أحسبت أرض الله ضيّقة ... عني فأرض الله لم تضق وجعلتني فقعا بقرقرة ... فوطئتني وطئا على حنق فإذا سألتك حاجة أبدا ... فاضرب بها قفلا على غلق وأعدّ لي غلّا وجامعة ... فاجمع يديّ بها إلى عنقي ما أطول الدّنيا وأوسعها ... وأدلّني بمسالك الطّرق |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
[لابن عبد ربه] : ومن قولنا في رجل كتب إليّ بعدة في صحيفة ومطلني بها: صحيفة طابعها الّلوم ... عنوانها بالجهل مختوم يهدى لها والخلف في طيّها ... والمطل والتّسويف والّلوم من وجهه نحس ومن قربه ... رجس ومن عرفانه شوم لا تهتضم إن بتّ ضيفا له ... فخبزه في الجوف هاضوم تكلمه الألحاظ من رقّة ... فهو بلحظ العين مكلوم لا تأتدم شيئا على أكله ... فإنه بالجوع مأدوم |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
وقلت فيه: صحيفة كتبت ليت بها وعسى ... عنوانها راحة الرّاجي إذا يئسا وعد له هاجس في القلب قد برمت ... أحشاء صدري به من طول ماهجسا براعة غرّني منها وميض سني ... حتى مددت إليها الكفّ مقتبسا فصادفت حجرا لو كنت تضربه ... من لؤمه بعصا موسى لما انبجسا كأنما صيغ من بخل ومن كذب ... فكان ذاك له روحا وذا نفسا وقلت فيه: رجاء دون أقربه السّحاب ... ووعد مثل ما لمع السراب وتسويف يكلّ الصّبر عنه ... ومطل ما يقوم له حساب وأيام خلت من كلّ خير ... ودنيا قد توزّعها الكلاب |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
[لطيف الاستمناح] قالت الحكماء: لطيف الاستمناح سبب النجاح، والأنفس ربما انطلقت وانشرحت بلطيف السؤال، وانقبضت وامتنعت بجفاء السائل؛ كما قال الشاعر: وجفوتني فقطعت عنك فوائدي ... كالدّرّ يقطعه جفاء الحالب وقال العتابي: إن طلبت حاجة إلى ذي سلطان فأجمل في الطلب إليه، وإياك والإلحاح عليه؛ فإنّ إلحاحك يكلم عرضك ويريق ماء وجهك، فلا تأخذ منه عوّضا لما يأخذ منك؛ ولعلّ الإلحاح يجمع عليك إخلاق ماء الوجه، وحرمان النجاح؛ فإنه ربما ملّ المطلوب إليه حتى يستخف بالطالب. |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
وقال الحسن بن هانيء: تأنّ مواعيد الكرام فربّما ... حملت من الإلحاح سمحا على بخل وقال آخر: إن كنت طالب حاجة فتجمّل ... فيها بأحسن ما طلبت وأجمل إنّ الكريم أخا المروءة والنّهى ... من ليس في حاجاته بمثقّل |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
[بين مروان ابن أبي حفصة وابن يزيد] : وقال مروان بن أبي حفصة: لقيت يزيد بن مزيد وهو خارج من عند المهدي فأخذت بعنان دابّته وقلت له: إني قلت فيك ثلاثة أبيات أريد بكل بيت منها مائة ألف. قال: هات لله أبوك، فأنشأت أقول: يا أكرم الناس من عجم ومن عرب ... بعد الخليفة يا ضرغامة العرب أفنيت مالك تعطيه وتنهبه ... يا آفة الفضة البيضاء والذهب إنّ السنان وحدّ السيف لو نطقا ... لأخبرا عنك في الهيجاء بالعجب |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
[عبد الملك ونفر من بني أمية] : المدائني قال: قدم قوم من بني أمية على عبد الملك بن مروان، فقالوا: يا أمير المؤمنين، نحن ممن تعرف، وحقّنا ما لا ينكر، وجئناك من بعيد، ونمتّ «2» بقريب، ومهما تعطنا فنحن أهله. |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
[الرشيد وعبد الملك بن صالح]: دخل عبد الملك بن صالح على الرشيد فقال: أسألك بالقرابة والخاصة أم بالخلافة والعامة؟ قال: بل بالقرابة والخاصة. قال: يداك يا أمير المؤمنين أطلق من لساني بالمسألة، فأعطاه وأجزل له. ودخل أبو الرّيان على عبد الملك بن مروان، وكان عنده أثيرا، فرآه خائرا «1» ، فقال: يا أبا الريان، مالك خائرا؟ قال: أشكو إليك الشرف يا أمير المؤمنين! قال: كيف ذلك؟ قال: نسأل ما لا نقدر عليه ونعتذر فلا نعذر. قال عبد الملك: ما أحسن ما استمنحت واعتررت «2» يا أبا الريّان. أعطوه كذا وكذا. |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
.[الحجاج والشعبي] : العتّابي قال: كتب الشّعبي إلى الحجاج يسأله حاجة، فاعتلّ عليه «3» ، فكتب إليه الشّعبي: والله لا عذرتك وأنت والي العراقين وابن عظيم القريتين. فقضى حاجته. وكان جدّ الحجاج لأمه عروة بن مسعود الثقفي. [معاوية وابن زرارة] : العتبي قال: قدم عبد العزيز بن زرارة الكلابي على أمير المؤمنين معاوية فقال: إني لم أزل أهزّ ذوائب الرّحال إليك، فلم أجد معوّلا إلا عليك، أمتطي الليل بعد النهار، وأسم «4» المجاهل بالآثار، يقودني إليك أمل، وتسوقني بلوى، والمجتهد يعذر، وإذا بلغتك فقطني «5» . فقال: احطط عن راحلتك |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
[يزيد بن المهلب وكريز] : ودخل كريز بن زفر بن الحارث على يزيد بن المهلب فقال: أصلح الله الأمير، أنت أعظم من أن يستعان بك ويستعان عليك، ولست تفعل من الخير شيئا إلا وهو يصغر عنك وأنت أكبر منه، ولا العجب أن تفعل، ولكن العجب ألا تفعل. قال: سل حاجتك. قال: حملت عن عشيرتي عشر ديات. قال: قد أمرت لك بها وشفعتها بمثلها. |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
[حاتم الطائي وسائل حاجة] : العتبي عن أبيه قال: أتى رجل إلى حاتم الطائي فقال: إنها وقعت بيني وبين قوم ديات، فاحتملتها في مالي وأملي، فعدمت مالي وكنت أملي، فإن تحملها عني فربّ همّ قد فرجته، وغمّ كفيته، ودين قضيته، وإن حال دون ذلك حائل لم أذمّ يومك، ولم أيأس من غدك. فحملها عنه. [خالد القسري وسائل] : المدائني قال: سأل رجل خالدا القسري حاجة، فاعتل عليه، فقال له: لقد سألت الأمير من غير حاجة. قال: وما دعاك إلى ذلك؟ قال: رأيتك تحب من لك عنده حسن بلاء؛ فأردت أن أتعلّق منك بحبل مودة. فوصله وحباه وأدنى مكانه. [المنصور والهجري] : الأصمعي قال: دخل أبو بكر الهجريّ على المنصور، فقال: يا أمير المؤمنين نغض فمي «1» ، وأنتم أهل البيت بركة، فلو أذنت لي فقبّلت رأسك لعل الله يشدّد لي منه! قال: اختر منها أو من الجائزة. فقال: يا أمير المؤمنين. أهون عليّ من ذهاب درهم من الجائزة ألّا تبقى حاكّة في فمي. فضحك المنصور وأمر له بجائزة. [أبو دلف وجار له] : وذكروا أن جارا لأبي دلف ببغداد لزمه كبير دين فادح، حتى احتاج إلى بيع داره، فساوموه بها، فسألهم ألفي دينار؛ فقالوا له: إنّ دارك تساوي خمسمائة. قال: وجواري من أبي دلف بألف وخمسمائة! فبلغ أبا دلف؛ فأمر بقضاء دينه وقال له: لا تبع دارك ولا تنتقل من جوارنا. |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
[قيس بن سعد وامرأة] : ووقفت امرأة على قيس بن سعد بن عبادة فقالت: أشكو إليك قلة الجرذان. قال: ما أحسن هذه الكناية! املأوا لها بيتها خبزا ولحما وسمنا. [المنصور وأزهر السمان] : إبراهيم بن أحمد عن الشّيباني قال: كان أبو جعفر المنصور أيام بني أمية إذا دخل البصرة دخل مستترا، فكان يجلس في حلقة أزهر السمان المحدّث، فلما أفضت الخلافة إليه قدم عليه أزهر، فرحّب به وقرّبه، وقال له: ما حاجتك يا أزهر؟ قال: داري متهدمة، وعليّ أربعة آلاف درهم، وأريد لو أن ابني محمدا بنى بعياله «1» . فوصله باثنى عشر ألفا، وقال: قد قضينا حاجتك يا أزهر؛ فلا تأتنا طالبا. فأخذها وارتحل. فلما كان بعد سنة أتاه، فلما رآه أبو جعفر قال: ما جاء بك يا أزهر؟ قال: جئتك مسلما. قال: إنه يقع في خلد أمير المؤمنين أنك جئت طالبا. قال: ما جئت إلا مسلّما. قال: قد أمرنا لك باثنى عشر ألفا، واذهب فلا تأتنا طالبا ولا مسلّما. فأخذها ومضى؛ فلما كان بعد سنة أتاه، فقال: ما جاء بك يا أزهر؟ قال: أتيت عائدا، قال: إنه يقع في خلدي أنك جئت طالبا. قال: ما جئت إلا عائدا. قال: قد أمرنا لك باثنى عشر ألفا، واذهب فلا تأتنا طالبا ولا مسلما ولا عائدا. فأخذها وانصرف؛ فلما مضت السنة أقبل، فقال له: ما جاء بك يا أزهر؟ قال: دعاء كنت أسمعك تدعو به يا أمير المؤمنين، جئت لأكتبه. فضحك أبو جعفر وقال: إنه دعاء غير مستجاب، وذلك أني قد دعوت الله به ألا أراك فلم يستجب لي، وقد أمرنا لك باثنى عشر ألفا وتعال متى شئت، فقد أعيتني فيك الحيلة. |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
يستجب لي، وقد أمرنا لك باثنى عشر ألفا وتعال متى شئت، فقد أعيتني فيك الحيلة. [ابن المهلب وأعرابي] : أقبل أعرابي إلى داود بن المهلب فقال له. إني مدحتك فاستمع. قال: على رسلك «2» ! ثم دخل بيته وتقلّد سيفه وخرج، فقال: قل، فإن أحسنت حكّمناك، وإن أسأت قتلناك! فأنشأ يقول: أمنت بداود وجود يمينه ... من الحدث المخشيّ والبؤس والفقر فأصبحت لا أخشى بداود نبوة ... من الحدثان إذ شددت به أزري» له حكم لقمان وصورة يوسف ... وحكم سليمان وعدل أبي بكر فتى تفرق الأموال من جود كفّه ... كما يفرق الشيطان من ليلة القدر «2» فقال: قد حكمناك؛ فإن شئت على قدرك، وإن شئت على قدري. قال: بل على قدري. فأعطاه خمسين ألفا، فقال له جلساؤه: هلا احتكمت على قدر الأمير؟ قال: لم يك في ماله ما يفي بقدره! قال له داود: أنت في هذه أشعر منك في شعرك. وأمر له بمثل ما أعطاه. |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
[الرشيد وإسحاق الموصلي] : الأصمعي قال: كنت عند الرشيد إذ دخل عليه إسحاق بن إبراهيم الموصلي فأنشده: وآمرة بالبخل قلت لها اقصري ... فليس إلى ما تأمرين سبيل فعالي فعال المكثرين تجمّلا ... ومالي كما قد تعلمين قليل فكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المؤمنين جميل فقال له الرشيد: لله درّ أبيات تأتينا بها! ما أحسن أصولها وأبين فصولها، وأقلّ فضولها! يا غلام أعطه عشرين ألفا. قال: والله لا أخذت منها درهما واحدا! قال: ولم؟ قال: لأن كلامك والله يا أمير المؤمنين خير من شعري! قال: أعطوه أربعين ألفا. قال الأصمعي: فعلمت والله أنه أصيد لدراهم الملوك مني. |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
[معاوية وزيد ابن منية] : العتبي عن أبيه قال: قدم زيد بن منية من البصرة على معاوية، وهو أخو يعلي بن منية صاحب الجمل، جمل عائشة رضي الله عنها، ومتولي تلك الحروب، ورأس أهل البصرة؛ وكانت ابنة يعلي عند عتبة بن أبي سفيان؛ فلما دخل على معاوية شكا دينه، فقال: يا كعب، أعطه ثلاثين ألفا. فلما ولّى قال: وليوم الجمل ثلاثين ألفا أخرى، ثم قال له: الحق بصهرك- يعني عتبة- فقدم عليه مصر. فقال: إني سرت إليك شهرين، أخوض فيهما المتالف «1» ، ألبس أردية الليل مرّة، وأخوض في لجج السراب أخرى، موقرا «2» من حسن الظن بك، وهاربا من دهر قطم «3» ، ومن دين لزم، بعد غنى جدعنا به أنوف الحاسدين. فقال عتبة: إن الدهر أعاركم غنى، وخلطكم بنا ثم استردّ ما أمكنه أخذه، وقد أبقى لكم منّا ما لا ضيعة معه، وأنا رافع يدي ويدك بيد الله، فأعطاه ستين ألفا كما أعطاه معاوية. |
رد: العقد الفريد ... كتاب فريد من نوعه في عالم الأدب العربي
أبقى لكم منّا ما لا ضيعة معه، وأنا رافع يدي ويدك بيد الله، فأعطاه ستين ألفا كما أعطاه معاوية. [ابن سويد وأبو ساسان] : إبراهيم الشيباني قال: قال عبد الله بن علي بن سويد بن منجوف: أعدم أبي إعدامة بالبصرة وأنفض «4» ، فخرج إلى خراسان فلم يصب بها طائلا. فبينا هو يشكو تعزّر الأشياء عليه، إذ عدا غلامه على كسوته وبغلته فذهب بهما، فأتى أبا ساسان حضين ابن المنذر الرقاشي فشكا إليه حاله، فقال له: والله يا بن أخي، ما عمّك ممن يحمل محاملك، ولعلّي أن أحتال لك. فدعا بكسوة حسنة فألبسني إياها، ثم قال: امض بنا. فأتى باب والى خراسان، فدخل وتركني بالباب، فلم ألبث أن خرج الحاجب فقال: أي عليّ بن سويد؟ فدخلت إلى الوالي، فإذا حضين على فراش إلى جانبه، فسلمت على الوالي فردّ عليّ، ثم أقبل عليه حضين فقال: أصلح الله الأمير، هذا علي ابن سويد بن منجوف سيد فتيان بكر بن وائل وابن سيد كهولها، وأكثر الناس مالا حاضرا بالبصرة وفي كل موضع ملكت به بكر بن وائل مالا، وقد تجمّل بي إلى الأمير في حاجة. قال: هي مقضية. قال: فإنه يسألك أن تمدّ يدك في ماله ومراكبه وسلاحه إلى ما أحببت. قال: لا والله لا أفعل ذلك به، نحن أولى بزيادته. قال: فقد أعفيناك من هذه إذ كرهتها، فهو يسألك أن تحمّله حوائجك بالبصرة. قال: إن كانت حاجة فهو فيها ثقة، ولكن أسألك أن تكلّمه في قبول معونة منا؛ فإنا نحب أي يرى على مثله من أثرنا. فأقبل عليّ فقال: يا أبا الحسن، عزمت عليك ألّا تردّ على عمّك شيئا أكرمك به. فسكت. قال: فدعا لي بمال ودوابّ وكسا ورقيق، فلما خرجت قلت: أبا ساسان، لقد أوقفتني على خطة ما وقفت على مثلها قط. قال: اذهب إليك يا بن أخي، فعمّك أعلم بالناس منك؛ إن الناس إن علموا لك غرارة «1» من مال حثوا «2» لك أخرى وإن يعلموك فقيرا تعدّوا عليك مع فقرك. |
الساعة الآن 11:38 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.