![]() |
القصص المشاركة في مسابقة القصة لمنابر ثقافية اصدار 2017 : كفُّ بلا أصابع القاصة صبا حبوش خرجتُ من بين أكوام الحجارة بصعوبةٍ كبيرة، كان عليّ تمزيق كيس القماش الغليظ؛ لأتمكن من الهرب خارج العتمة و إبصار النور، أصابعي لم تكن قوية بما يكفي للقيام بهذه المهمّة. كنت هشّاً من الداخل قبل الخارج، تصدّعتُ كليّاً حين علمت مَن أكون وكيف صرت، ما يهمّ الآن كيف خرجتُ من القبر القماشيّ الذي أرادوه لي؛ صرختُ طويلاً دون جدوى، لم يسمعني سوى كلب ضال كان يبحث في تلك الليلة الكانونيّة المثلجة عن كيس قماش بداخله فريسة ، وكنت أنا سيء الحظ وليمة جاهزة بجانبه؛ بدأ يحفر بأنيابه طرف القماش، دون أن يدري أنّه ينبش جزءاً من قدمي اليمنى، غير آبهٍ لاستغاثاتي و آهاتي المتواصلة . حين اقترب فمه من وجهي، أغمضتُ عيني و استسلمت لسكون يسحبني معه إلى الأبد، و في غمرة أفكاري المضطربة ، سمعت صدى رصاصة دوت فجأة، و هبطت فوق دمي المتجمّد ككأس ماء يغلي ، حينئذ ابتعد فم الكلب عنّي ، وبدأت رائحته القذرة بالتلاشي شيئاً فشيئاً، ورغم ذلك لم أتوقف عن البكاء ، ربما من الغبطة أو البرد ، وربما من الاثنين معاً . شيء ما أحاط بجسدي المرتعش بغتة ، دفء كان يتسربل من خارج الكيس المثقوب إلى داخله، بدأ الضوء بالانتشار فوق وجنتي، وتقوّضت مساحات العتمة حولي، سمعت صوت بكاء وعويل يهتزّ داخل أذني ، ولم أعد أشعر بأيّ شيء؛ دخلتُ في سبات ألم عميق. كانت صحوتي غريبة جداً بعد تلك الليلة ، روائح طعام لذيذة تعجّ المكان، نسمات دافئة تداعب جروحي المضمّدة بحنوٍ ، وصدر مليء بالأمان يضمّني كلّ ليلة قبل النوم وعند الاستيقاظ. بدأت أكبر يوماً بعد آخر ، ولاحظت أنّ جميع الأطفال الذي يلعبون معي يمتلكون عشرة أصابع ؛ إلا أنا أعيش وألعب بخمسةٍ فقط، ذات ليلة كنت جالساً قرب ماما حنان نتناول طعام العشاء ، اقتربتُ منها قليلاً وهمستُ في أذنها : -ماما لمَ لا أملك أصابعاً في يدي اليمنى كما اليسرى ؟ لم أفهم حينها سبب بكائها ، اكتفت بالصّمت وضمّتني إليها، وهي تربت على ظهري الغض وتقول بصوت متقطّع: -أنت جميلٌ بخمسة أصابع أو عشرة يا حبيبي. في أحد الأيام خرجتُ للعب مع أطفال الحي كما اعتدت ، نلهو بكرة القدم أو لعبة المطاردة ، رميت أحد الصبية دون قصدٍ مني، فارتطم وجهه بحافة الجدار ، سرعان ما استشاط غيظاً وبدأ بالصراخ، كان الغضب يحفر فوق لسانه كلمات غريبة على سمعي ، أشعلت الشرارة الأولى للنار التي توهّجت داخلي فيما بعد ؛ كان يصرخ بأعلى صوته أمام الجميع : -لاعجب من فعلتك ، وقد عشت بين النفايات مع الحشرات والكلاب الضالة أياماً وأيام . عند عودتي إلى المنزل رويت ما حدث لماما حنان ، وكعادتها لم تنطق كلمة واحدة ، حضنتني وأجهشت ببكاء لا انقطاع له ، قررت ذلك اليوم أنا صاحب الأعوام العشرة أن أبحث عن قصتي التي يعرفها الجميع دوني ، بحثت في الغرف ودروج المكتب ، لكنّي لم أعثر على شيء يجيب على تساؤلاتي الداخلية. فوق رفوف المخزن داخل القبو المظلم ، وجدت حقيبة صغيرة ، أخفتها ماما حنان تحت صناديق خشبيّة قديمة ، في زاويتها صورة لي وأنا صغير ، وقماط أبيض اللون ممزّق من طرفين متقابلين ، خلفه مرآة كُسر نصفها ، وارتصف الغبار فوق سطحها ككثبان من رمل ، ظهر لي داخلها طفل صغير لم يُغسل من دماء ولادته ، بل لُفّ بقماشٍ أبيض على عجل، وفي عتمة الليل وضعته امرأة لا وجه لها بين نفايات حيّ بعيد ، أشرقت فوقه الشمس مرات عديدة لكّنه لم يرَها ، كان مغلّفاً كخطيئة لا ينبغي أن تبصر النور ، جاء كلب جائع قربه ، قضم شيئاً منه ومضى إلى وجهة أخرى ، ومع ذلك لم يمت ، ظلّت الروح تنتفض داخله وتصارع البرد والألم ، حين عثروا عليه كان بلا كفّ ، أصابع يده اليمنى استقرت في معدة كلب فارغة ، بينما أصابع يده الأخرى كانت تمسك مرآة بنصف وجه، تضغط فوق حوافها الحادّة بغضب ، فيظهر نصفها المفقود داخل غرفة رطبة يخرج منها رجل مخمور يتسكّع خلف الجدران ، وفتاة حزينة حطّمت مرآتها وحولتها إلى شظايا؛ حين أحسّت بركلةٍ ما داخل أحشائها ، وصوت رجل يصرخ عالياً داخل أذنها؛ " لا شأن لي أيتها العاهرة!". بقلم القاصة صبا حبوش |
القصص المشاركة في مسابقة القصة لمنابر ثقافية اصدار 2017 : مجرّد أفكار وأفكار مجرّدة القاصة صفاء الشويات خرجت كالعادة في حدود الساعة السادسة والنصف صباحا قاصدة المدرسة، السماء واجمة تغطيها الغيوم الرمادية، ربما ستمطر ! كانت تبدو لي كل الأشياء ترتجف حتى البنايات ، كانت الأرصفة مليئة بالأفكار ، و كأن رؤوس النيام ألقتها ليلا من النوافذ ، لا تزال مصابيح الطرق مضائة ، يبدو أنّ رئيس البلدية رجل محافظ للغاية ! شاهدت عددا قليلا جدا من السيارات تعبر الشارع الطويل المؤدي إلى المدرسة ، مرت من جانبي سيارة مسرعة، رشقني صوت فيروز و هي تقول : " ايه في أمل." ابتسمت و أكملت طريقي على مهل. توقفت عند العم يعقوب صاحب القلب الطيب والقهوة اللذيذة ، كالعادة سبقني بقوله "صباح الخير" و ناولني كأس من الفلين مليء بالمزاج و الحب ، رائحته فقط كفيلة بأن ترتق مزاجي ، تبدو ملامح العم يعقوب حزينة للغاية ، لمحته ذات مرة أثناء طريق عودتي من المدرسة و هو يستمع لأغنية " أيّ دمعة حزن لا لا .. لا لا .. لا " تقول المغنية خمس مرات متتالية لا و هو يلقي رأسه على كفه، بين شفتيه سيجارة مجعدة مطفأة، ربما نسي أن يشعلها ! و في عينيه ملح كثير ، والكثير من التعب. إنّه لأمر شاق أن تبدو لك صدور الناس و كأنها تشّف عما تخفي، وهذه كانت مصيبتي الكبرى، أسوأ ما في الأمر أن ما تراه ليس حقيقيا بمجمله، نحن نرى قشرة الأشياء الصلدة فقط، بيد أنّ باطنها هش و ربما مهترىء ، لا تناسبني اطلاقا فكرة النظرة السطحية أو الطريق المنتهي، كل الطرق متشعبة و الأفكار ليست عديمة الوزن مهما بدت سخيفة بنظرك. في منتصف الطريق رأيت أحد طلابي من شرفة منزله يلوّح لي من بعيد بادلته تلويحته بإبتسامة حيث آثرت أن أبقي يدي في جيب معطفي، ثم بدأت أوبخ نفسي، هكذا أفعل كل يوم ! لماذا درست الحساب ؟ كان يجدر بي أن أدرس أدب لغة عربية أو فلسفة أو علم نفس!! بل لم يكن عليّ أن أدرس أصلا، ربما كان يتوجب عليّ أن لا أتجاوز امتحان الثانوية و أن أتزوج رجل بسيط يأتي لي بالأحطاب كل يوم، نشعل الموقد ونأكل خبز التنور بدلا من خبز التوست ، نشوي الكستناء و البلوط و نستبدل أحاديث المثقفين بالأحاديث السخيفة و نضحك على أتفه الأشياء ! كما أنّ على طلابي أن يكرهوا الحساب و أن يكرهوا معلمة الحساب، عليهم أن يبقوا أطفالا إلى الأبد . قطع حبل أفكاري قط ملتف حول نفسه ، ينام على حافة سور منزل، ترى بماذا كان يحلم ؟ ربما كان يحلم بأنّه يعيش في منزل دافئ و ينام على فراش وثير ، بدلًا من تشرده هذا و نصيبه الذي جعله قط شوارع، استيقظ القط على وقع خطواتي و صار يرمقني بنظرات حادة حتى خيّل اليّ لوهلة أنّه يريد أن يقول لي شيئا ما، شيء عن ما تخفيه تلك الشوارع ليلا، ربما ! أكملت طريقي و أنا أفكرّ ، تتشعب الأفكار وتكثر الأسئلة ، و لا أجد الجواب، فأنا فضولية بطريقة مختلفة، طريقة لا ينتهي فيها فضولي بمجرد الإستفهام ! اقتربت من باب المدرسة، و في داخلي رغبة بأن أعود من حيث أتيت، بداخلي خوف يدعوني للبكاء، كان يتوجب عليّ أن لا أقرأ عيون طلابي وأن لا ألمس أفئدتهم، أن لا أبالي بملامحهم كلّما مرّت أمامي، و كأنها تمرّ بي و تترك وسما في قلبي لا يزول، إنهم يريدون أن أكون سماء، و أنا أريد أن أكون غيمة ، أما أن أكون سماء فهذا عصيّ علي. في هذه الأثناء صحوت على صوت طلابي يهتفون بسعادة وحب : " مس صفاء .. مس صفاء " .. إلتقينا عند باب المدرسة ، غمرتهم بإبتسامة حب، ثمّ أدركت بأنني صرت بالفعل سماء ولم أعد فقط غيمة. بقلم القاصة صفاء الشويات |
كفّ بلا أصابع ..
الله ما أروعك استاذة صبا .. نص فخم انحناءة تقدير لهذا القلم .. |
اقتباس:
نص غامض .. عليّ قراءته مرة أخرى أو مرتين ربما ! لي عودة للرد ان شاء الله بالتوفيق ان شاء الله |
واااااو
لعنة الدوائر .. نص فخم و لا غرابة في ذلك .. وكأن في كلماتك قوة تجذب كل الحواس دفعة واحدة، حتى النهاية .. دام نبض قلمك استاذ ياسر .. |
استمتعت بقراءة هذه المجموعة القصصية الرائعة
وأنا فخور بهذه الكوكبة من المبدعين والمبدعات و هذا من أفضال هذا الصرح الذي يجمعنا ويؤالف بين قلوبنا. ويحتضن بدفئه أحلامنا الجميلة و يكبر فينا هذا الفيض المتدفق من الجمال. معجب بالمستوى الراقي لهذه الاقلام و بهذه الجدّية في الطّرح. تحية تليق بإبداعاتكم جميعا زميلاتي وزملائي وتحية تليق بالأستاذ الباحث المجتهد والمجدّ أيوب صابر راعي الأدب والأدباء مفخرة المنابر و ايقونته الغالية. وسلام دائم وشكر يليق بالبار السمح الأبي وقائد هذه السفينة الأدبية الأستاذ المبجل حاتم الحمد تقديري لجهودكم الجبارة جميعا وبالتوفيق إن شاء الله |
اقتباس:
شكرا على هذا التفاعل الجميل أختي صفاء مع نصوص المسابقة وشكرا على حضورك الغالي وعلى نصك البهي تحية وحظ موفق تقديري |
عزيزتي صفاء شكراً لروعة قلمك وتقييمك
على ما يبدو المنافسة قوية في هذا الإصدار، جميع النصوص ممتعة وتستحق الثناء بالتوفيق لنا جميعاً.. والشكر الكبير لأستاذنا أيوب صابر لجميع جهوده ..كل الامتنان والتقدير .. |
أهلا وسهلا
يقترب الموعد، هل هذا صحيح أستاذ أيوب صابر؟ |
نعم شكرًا استاذ ياسر وصبرا ال ياسر لعل الفوز لكم ولعلنا نحصل على النتيجة غداً وارجو ان تكون اللجنة قد أتمت عملها رغم ان رئيس اللجنة كان قد ابلغني بانشغاله قليلا وأعلمني باحتمال ان يحتاج لبضعة ايام اخرى. لكني حتما سأقوم بإعلان النتائج فور استلامها . * |
الساعة الآن 03:32 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.